السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-10-12

كيف أحسن ظني بالله


حُسن الظن بالله 
يسعى العبد المؤمن إلى أداء جميع التكاليف والأعمال التي أمره الله -سبحانه وتعالى- بها، وذلك ليبلغ رضوانه الذي وعد به سبحانه عباده الذين يؤمنون به ويعملون الصالحات، ولكي ينجو بذلك من عذابه الذي أعدّه لمن لم يؤمن به سبحانه ولم يقم بحق الله الذي طُلِب منه. فالعبد المؤمن يُحسن العمل، ويُحسن الظن بالله، فيدعو ربه ويناجيه وهو موقن بالإجابة، ويعمل الصالحات، ويتجنّب المعاصي وهو على يقين بأنّ الله سيجازيه على ما قام به من الأعمال الصالحة، وأنه سيغفر له تقصيره وخطأه إذا استغفره وتاب إليه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه عن ربه: (يقول اللهُ تعالَى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَنِي، فإن ذَكَرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكَرَنِي في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٌ منهم، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرْولةً).
 فالعبد المؤمن إذا قام بالعمل الصالح وأحسن ظنه بربه سيقبل منه عمله ذلك، وإذا استغفر ربه عن ما بدر منه من تقصير وخطأ وأحسن ظنه بربه فرجا رحمته وظن أنّ الله سيعفو عنه ويغفر له خطأه وزلته فله ذلك، لأنه لا يرجو الله إلا مؤمن يعلم أنّ له رباً رحيماً، فالله عند ظن عبده به.
معنى حُسن الظن بالله الظنّ في اللغة :(الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ويستعمل في اليقين والشك) المقصود بحُسن الظن بالله: (هو أن يعلم المبتلى أنّ الذي ابتلاه هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنّه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليُهلكه به، ولا ليُعذبه به، وإنما ليمتحن إيمانه وصبره ورضاه على ذلك البلاء، وليسمع تضرعه وابتهاله ودعاءه ويرى هل سيصبر على البلاء أم سيكفر، وليراه طريحاً ببابه خاضعاً متذللاً، لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعاً الشكوى إليه لا لسواه).
 حُسن الظن بالله في القرآن الكريم جاءت العديد من آيات القرآن الكريم لتحث المؤمنين على إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، وعدم إساءة الظن به، ولتؤكد أيضاً على أنّ إساءة الظن بالله ربما تؤدي بالعبد إلى الهلاك، ومن هذه الآيات: قول الله عزَّ وجلّ: (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)، فمن يسيء الظن بالله وبرحمته يكون قد استحق العقوبة من الله، وربما يودي به ذلك الأمر إلى النار والعياذ بالله. قول الله عزَّ وجلّ: (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)
 ينهى الله عباده في هذه الآية من أن يظنون به غير الحق، وقد وصف -سبحانه وتعالى- ذلك الأمر بكونه فعلاً جاهلياً من أعمال الجاهلية المرفوضة والممقوتة. حُسن الظن بالله في السنة النبوية لحسن الظن أهمية كبيرة في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الآيات القرآنية، حيث تناول عددُ من الأحاديث النبوية حُسن الظن بالله وأهميته، ومن هذه الأحاديث: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أنا عندَ ظنِّ عبدي بي فلْيظُنَّ بي ما شاء). قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (حسنُ الظنِّ مِن حسنِ العبادةِ). قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللهَ يقولُ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني).
 عن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبل موتِه بثلاثةِ أيامٍ، يقول: (لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ) ففي هذه الأحاديث النبوية جميعها حثٌّ للمؤمنين على حُسن الظن بالله، سواء كان المؤمن سليماً معافىً أو مريضاً أو على فراش الموت. 
كيفية حُسن الظن بالله لكي يتمكن المسلم من إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى فإنه يتوجب عليه القيام بعدد من الأمور، ومنها: معرفة أسماء الله سبحانه وصفاته ومعرفة معانيها، والاطلاع على حكمة الله سبحانه وتعالى من خلق الخلق، وحكمته في العطاء الذي يمنحه لعباده الصالحين، ولمن يؤمن به ويحسن الظن به، ويعلم كذلك حكمته من منع رزقه عن عباده الصالحين، وابتلائهم بالأمراض والأوجاع، وأنّ ذلك إنما يصب في صالحهم ويرفع من درجاتهم. اجتناب المنكرات والمعاصي، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى عند فعل المعصية، حيث إنّ المسلم إذا ما أتى بمعصية ثم تاب إلى الله فإنه يحسن الظن بأنّ الله سبحانه وتعالى سيقبل توبته ويغفر له ما بدر منه من المعاصي والذنوب. 
إحسان العمل ورجاء الثواب والأجر من الله وحده، فمن علامة حُسن الظن بالله سبحانه وتعالى أن يكون العبد شديد الحرص على طاعة الله وعدم الوقوع في معصيته، ويجزم يقيناً بأنّ الله سيكافئه على إحسانه وطاعته، مما يدفعه للمزيد من الطاعة والعمل الصالح، ليدخل بذلك جنة الله سبحانه وتعالى ورضوانه، وينجو من عذابه.
 معرفة كرم الله سبحانه وأنّ خزائن السماوات والأرض بيده وحده، وأنّ عطاءه لعباده لا ينقص مما عنده شيئاً، وأنّ منع عطائه ليس لبخل حاشاه، إنما هو لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه. على المؤمن إذا أصابه ما يكره أن يحسن الظن بربه، وأن يتذكّر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمرِ المؤمنِ. إن أمرَه كلَّه خيرٌ. وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ. إن أصابته سراءُ شكرَ. فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراءُ صبر. فكان خيرًا له).
 وفي هذا الحديث النبوي معنى عظيم، فالمؤمن حقاً من يرضى بقضاء الله وقدره في كل حال، ويحمد الله سبحانه في السرّاء والضراء على ما أصابه، فالمؤمن من ينظر إلى كل شيء يصيبه أنه خير له. التوكل على الله عزَّ وجلّ في جميع الظروف والأحوال وفي جميع الأوقات.
وقد يخلُط البعض أحياناً في فهمهم لمعنى حسن الظن بالله تعالى، فيرتكبون المعاصي، ويقترفون الكبائر، مع الإصرار على ذلك زاعمين أنّ الله سيغفر لهم، فهذا جهلٌ بالمعنى، وعلى العكس، فمن غرِق في معاصيه، وظنّ بعدم المغفرة له فهو آيسٌ قانطٌ من رحمة الله، وهذا لا يصحُّ ولا يجوز فحسن الظن بالله حسن الظنّ بالله تعالى من حُسن عبادة العبد، فهو توقُّع كلِّ جميل وحَسَن من الله تعالى، وهو من أعمال القلوب، وما أُعطي العبد المؤمن خيراً أفضل من حسن الظنِّ بخالقه، إذ جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عزّ وجلّ: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي وأنا معه حيثُ يذكُرُني إنْ ذكَرني في نفسِه ذكَرْتُه في نفسي وإنْ ذكَرني في مَلَأٍ ذكَرْتُه في مَلَأٍ خيرٍ منهم وإنْ تقرَّب منِّي ذراعًا تقرَّبْتُ منه باعًا وإنْ أتاني يمشي أتَيْتُه هَرولةً) [صحيح ابن حبان]، فكلُّ ما يظنُّه العبد بربّه سيعطيه إياه، إن كان شرّاً فشرّ، وإن كان خيراً فخير، وذلك لأنّ الخير والفضل كله بيد الله
 فمن حسن الظن بالله مثلاً الإنفاق على الأهل، والولد، وفي سبيل الله تعالى، وعدم خشية الفقر والفاقة، بل يُحسن العبد الظنّ بأن الله يُخلِف ما أنفق ويُربِيه له. 
مواطن حسن الظن بالله يجب على العبد المؤمن أن يُحسن ظنّه بخالقه في كلِّ أحواله، في اليسر والعسر، وفي الرخاء والشدة، وفي الغنى والفقر، وفي الصحة والمرض، وأكثر ما يتجلى ويظهر حسن الظن بالله تعالى في هذه المواطن: عند الشدة والكرب: الكثيرُ من الناس في رخائهم يشكرون الله تعالى ويثنون عليه، ولكن إذا اشتدّ الخَطب، وضاقت عليهم الأرض بما رَحُبت سخطوا وأساؤوا الظنّ بخالقهم، وربما أطلقوا لألسنتهم العنان في السبّ والشتيمة والعياذ بالله تعالى.
 عند الدعاء: أحياناً يستجيب الله تعالى لدعاء عبده في الحال، أو بعد فترةٍ وجيزةٍ، فيفرح العبد فرحاً شديداً، ولكن إذا تأخرت استجابة الله لدعائه لحكمة منه عز وجلّ يقول: دعوت ولم يُستجب لي، وما إلى غير ذلك من الألفاظ الدالة على سوء الظن. عند الموت: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يموت العبد إلا وهو يُحسن الظنّ بمولاه جلّ وعلا، فالله تعالى أرحم بعبده من الأمّ بولدها. 
عند ضيق العيش: من ضاقت به سبل الحياة وكسبها، فلا يلجأ للخلق ويطلب منهم العون، ففي هذا ذلٌّ وافتقارٌ لهم، بل عليه أن يلجأ لله تعالى، وأن يُحسن الظنّ به؛ فهو خير الرازقين، وخزائنه لا تنفد. عند التوبة: الله تعالى أمر عبده كلما أذنب بالاستغفار والتوبة، والرجوع إليه، ووعده بالعفو والمغفرة، فمهما عَظُمت الذنوب والخطايا وتكرّرت فباب الله لا يُغلق في وجه من عاد إليه، وعليه ألا يُنصت لوساوس الشيطان، وتقنيطه من رحمة الله، ومغفرته، لينزلق أكثر في وحول المعاصي. 
عند عِظَم الدَّين: الله يقضي الدين عن المَدين بحسن ظنّه به، وتوكله عليه بطرقٍ ليست بحسبانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق