السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2012-08-30

حكــــمة ... الأسبوع



"إن نفوسنا هي المعاقل الأولي للثورة والتغيير وترويضها وقيادتها هي المنطلق لقيادة أي شئ وليست شقشقة الشعارات وطنطنة الهتافات, فليعطف كل منا على نفسه يروضها ويربيها ويزكيها ويكافحها فذلك هو الجهاد الأكبر      "مصطفى محمود

الصداقة .... والمعروف


كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء، وخلال رحلتهما تجادلا وضرب احدهما الآخر على وجهه ، فكتب الصديق المضروب على وجهه على الرمال " اليوم اعزّ أصدقائي ضربني على وجهي " دون ان يلوم صديقه بكلمة واحدة حول تصرّفه معه .
واستمرّ الصديقان في رحلتهما إلى أن وجدا   واحة فقرّرا الوقوف عندها للاستجمام والسباحة فيها ... وبينما هما يستمتعان بتمضية وقتهما علقت رجل الصديق الذي ضرب على وجهه في الرّمال المتحرّكة واوشك على الغرق ، ولكنّ صديقه أمسكه ، وانقذه من الموت ، وبعد ان نجا الصديق ، قام وكتب على قطعة من الصخر " اليوم اعزّ أصدقائي  أنقذ حياتي " فسأله صديقه الآخر : لماذا في المرّة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرّمال ، والآن عندما انقذتك كتبت على وجه الصخرة ؟ " فأجابه قائلا " عندما يؤذينا أحد علينا ان نكتب ما فعله على الرمال حتى تمحوها رياح  التسامح  ...  تعلّموا أن تكتبوا آلامكم على الرمال ، وأن تنحتوا المعروف على الصّخر."



2012-08-25

منــاجـاة!

  • إلهي! جلت رحمتك عن أن تترك المحزونين صرعى آلامهم حتى يدركهم اليأس، وجلت قدرتك عن أن تدع المصابين أسارى محنتهم حتى يدركهم الفناء، وجلت حكمتك عن أن تبتلي الطائعين بما يعجزهم عن طاعتك، وتمد الفاجرين بما يغريهم بعصيانك، إلا أن تكون ادخرت للعاجزين خيراً من ثواب طاعتهم، واستدرجت الفاجرين بما يضاعف عقوبتك لهم على قبيح عصيانهم، وجلت عدالتك عن أن تعاقب المقصرين النادمين على تقصيرهم، وتترك الغاوين السادرين في غوايتهم، وجلت صمديتك عن أن لا يجد في حماك المستغيثون ملاذاً مهما عظمت جريرتهم، وجلت وحدانيتك عن أن تلجئ الحيارى إلى غير بابك، أو أن تسقي السكارى غير شرابك، أو أن ترد القاصدين إليك عن شرف الوصول إلى قدس أعتابك، يا من أمد الحمل في ظلمات الرحم بما تتم به حياته، وأمتع الرضيع ببصره وسمعه وعقله بعد أن كان لا يملك منها شيئاً، يا من أبدع السموات والأرض، وسخر ما فيهما للإنسان، وكل شيء عنده بمقدار، يا من وسعت رحمته كل شيء، أبسط يد الرحمة لعبادك الذين سدت في وجوههم أبواب الخلاص إلا أن يكون عن طريقك، وأسبغ على نفوسهم برد الرضى بقضائك، والصبر على بلائك، وأمدهم بالعون على ما هم فيه، حتى يخلصوا إليك راضين عنك راضياً عنهم، وعوضهم خيراً مما أخذت منهم، وأنزلهم داراً خيراً من دارهم، وآنسهم بجوار خير من جوارهم، وأحباب خير من أحبابهم، وأخلفهم فيمن خلفوا من فلذات أكبادهم، إنك نعم الخليفة في الأهل والولد، وأنت نعم المولى ونعم النصير.


بين الأولاد ... وآبائهم


  

جنِّب ولدك قرين السوء، كما تجنِّبه المرض المعدي، وابدأ ذلك منذ طفولته، وإلا استشرى الداء، ولم ينفع الدواء.
· القسوة في تربية الولد تحمله على التمرد، والدلال في تربيته يعلِّمه الانحلال، وفي أحضان كليهما تنمو الجريمة.
· الولد كالمهر إذا أعطي كل ما يريد نشأ حروناً يصعب قياده، وإذا منع كل ما يريد نشأ شرساً يكره كل ما حوله، فكن حكيماً في منعه وعطائه. وإياك وتدليله باسم الحب له؛ فذلك أقتل شيء لسعادتك وسعادته.
· يحبون الصبيان ويكرهون البنات، أما أنا فرأيت في أكثر من عرفت، بناتهم أسعد لهم من صبيانهم.
· عوِّد ولدك على الاعتماد على نفسه ولو كنت غنيًّا، فإذا أصبح قادراً على الكسب وهو غير طالب علم فحذار أن تطعمه على مائدتك، أو تسكنه في بيتك، أو تسدِّد نفقاته من جيبك. فإنك تقتل فيه روح الكفاح في سبيل العيش، وقد رأيت من هؤلاء كثير.
· إذا يئس الولد من عطف أبيه عليه نشأ عاقاً، وإذا طمع في عطفه عليه نشأ كسولاً، وخير الآباء من لم يؤيس ولده من حنانه، ولم يطمعه في الاعتماد على إحسانه.
· إفراطك في القسوة على ولدك، يقطعه عنك، وإفراطك في تدليله يقطعك عنه، فكن حكيماً وإلا أفلت من يدك الزمام.
· لأن ترى ولدك يقاسي متاعب الحياة وهو يعمل لها، خير من تراه غارقاً في النعيم وهو يعتمد عليك.
· إياك أن تترك لأولادك ثروة إذا كانوا فاسدين، فإنهم يُتْلِفُون في أيام ما جمعته في أعوام، ثم هم يشوِّهون سمعتك، ويثلمون شرفك، ويسلمونك إلى من هو سريع الحساب.
· ولد صالح يدعو لك، ويذكرك الناس به بكل خير، أبقى لك من ولد ينساك ويسيء إليك بما يسيء في الحياة من سلوك، أولادك قطع من كبدك، أتراك تريد أن تصاب بكبدك بما يسبِّب لك الأسقام والآلام، أم تريده صحيحاً معافى؟.
· لو أن كل أب خصص جزءاً من يومه لرعاية ولده لما تعب الآباء في أبنائهم كثيراً.
· الأب الجاهل يفرح بجمال صورة ولده، ولا يبالي بقبح أخلاقه، والأب العاقل يفرح بجمال أخلاق ولده ولو كان من أقبح الناس.
· الأب العظيم من يحاول أن يجعل ولده أعظم منه، والأب العاقل من يحاول أن يجعل ولده مثله، ولا أتصور أن أباً يحاول أن يجعل ولده أقل منه.
· فرحة الأب بولادة ولده، تذهب بها غصته بسوء نشأته، فمن استطاع أن تتمَّ له فرحتا الولادة والنشأة فقد فرح بولادته مرتين.
· حين يخلفك ولد صالح تولد عند موتك، وحين يخلفك ولد سيِّئ تموت ميتتين.
· اللهم لولا ما خلقت فينا من غريزة الأبوة، ووعدتنا من عظيم الأجر، لكانت ولادتنا للأولاد وشقاؤنا في سبيلهم سفهاً من الرأي، لا يصير إليه عاقل.
· لا ينسى الأب شقاءه في سبيل ولده، إلا أن يراه بارًّا مستقيماً، ولا يجعله نادماً على ولادته وتعبه فيه، إلا أن يراه عاقًّا منحرفاً.
· جهاد الآباء في ميدان التريبة، أشق من جهاد الأبطال في ميدان الحروب.
· أكثر ما يعيق الأب عن تربية ولده كما يريد هو تقدم السن، فباكر ما استطعت إلى الزواج.
· إلى الله نشكو! ما نبذله من جهد على أولادنا في البيوت تذهب به المدارس والشوارع.
· الولد مفطور على حبِّ التقليد. وأحب شيء إليه أن يقلِّد أباه ثم أمه، فانظر كيف يراك في البيت معه ومع أمه، وكيف يراك في المعاملة معه ومع الناس.
· من أدخل الشَّر إلى بيته فقد دعا زوجته وأولاده ليشاركوه فيه، ولو زعم أن يقصيهم عنه.
· قال أب مسيء لولده السيئ: ألا تخجل مني؟ تسيء إليَّ وقد ربيتك؟
فقال له ولده: أولى بك أن تخجل من ربك، تسيء إليه وقد خلقك وأنعم عليك.
قال الأب: ولكن ربي غفور رحيم.
قال الابن: أولى بك أن تكون معي غفوراً رحيماً.
قال الأب: ولكن رحمة الله تدخلني الجنة، ورحمتي لك تدخلك النار.
قال الابن: لو عنيت بي وأنا صغير لاستغنيت برحمة الله عن رحمتك.
قال الأب: ألا تعود إلى طاعتي؟.
قال الابن: هيهات! حتى تعود أنت إلى طاعة الله.
قال الأب: فلا تسئ إليَّ بين الناس.
قال الابن: يداك أوكتا، وفوك نفخ.
· يولد الولد معه طباعه، فأبواه لا يستطيعان تبديلها ولكن يستطيعان تهذيبها، أما أخلاقه فهي بنت البيئة والتربية، وهنا يؤدي الوالدان دورهما الكبير في سعادته أو شقائه.
· الابن يتأثر بالأب أكثر، والبنت تتأثر بالأم أكثر، والأمهات الجاهلات طريقهن في التربية: الشتيمة والدعاء بالموت والهلاك، والآباء الجاهلون طريقهم في التربية: الضرب والاحتقار.

2012-08-23

حفرة تتسبب في مقتل أربع فتيات


شيعت بلدة ديدوش مراد بقسنطينة ظهر أمس جنازة الفتيات الأربع اللواتي لقين مصرعهن في حادث مرور مساء أمس الأول بمنطقة الرحالة في جو مهيب وسط جموع غفيرة أدت صلاة الجنازة في الشارع بعد امتلاء مسجد عبد الحميد بن باديس عن آخره.

الضحايا من جامعيات ينشطن في مجال العمل الخيري و كلهن مرشدات بمسجد حي 05 جويلية الذي تقطن به الضحية الأولى رحايلية نسرين من مواليد 1990 متخرجة للتو د
فعة جوان 2012 من معهد الهندسة المعمارية بجامعة قسنطينة و التي كانت تقود سيارة والدها بدر الدين و على متنها رفيقاتها الثلاث إحداهن تقطن بالحي نفسه بن محمد ريمة من مواليد 10 ماي 1986، بينما تقيم الضحية الثالثة بن مشيرح أنفال 23 سنة و قلاتي عفاف 22 سنة في حي مؤسسة الاسمنت و حي 40 مسكن المتجاورين غير بعيد عند مدخل بلدة ديدوش مراد.
الفقيدة قلاتي عفاف تدرس بالسنة الثالثة في كلية العلوم الطبية بجامعة قسنطينة كانت محل تكريم عند نيلها شهادة الباكالوريا سنة 2010 من طرف رئيس الجمهورية باعتبارها من المتفوقات على مستوى ولاية قسنطينة.

الفتيات الأربع كن مساء أمس الأول في طريقهن لزيارة اليتامى المقيمين بدار الطفولة المسعفة بحي الصنوبر في مدينة قسنطينة و قد تنقلن صائمات لإدخال الفرحة بهدايا العيد على أطفال لم ينعموا بدفء العائلة، حسب روايات أبناء الحي و افراد أسرهن، و قد تنقلت الأخوات في سيارتين و كن سبعة من النساء ركب ثلاثتهن سيارة من نوع "فاو" سارت قبل سيارة البيجو 206 التي اصطدمت بشاحنة مقطورة كانت متوقفة منذ عشرة أيام علة جانب الطريق بمنطقة الرحالة.
لما بلغت النسوة الثلاثة اللواتي كن على متن السيارة الأولى مقصدهن سألن عن رفيقاتهن و لكن رحلة هؤلاء لم تكتمل لينقلن إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى قسنطينة الجامعي، بينما تم تحويل طفلتين صغيرتين كانتا مع الضحايا الأربعة لتلقي العلاج و قد عادت إحداهن أمس إلى بيت أهلها بديدوش مراد بينما فضل والد الأخرى نقلها إلى اخوالها ببلدية حامة بوزيان تجنبا لصدمتها.
وقد اكتشفنا أمس أن "الحفرة الملعونة" التي تسببت في الحادث قد تم ترقيعها.
منقول

2012-08-20

تطاوعوا ولا تختلفوا


كلما كان المسلمون أقرب إلى قطف الثمرة كانوا أحوج إلى تقديم مصلحة الأمة على الأهواء الشخصية، فلا بد أن يتنازل أحد الأطراف المختلفة؛ ليطاوع الطرف الآخر، مؤثرا رضا الله، وجلب الخير العميم، ودفع الشر العظيم.
المطاوعة ـ في حقيقتها ـ: استعداد من كل طرف للتنازل للطرف الآخر، إذا وقع اختلاف على أمر ما، وليس المقصود بهذا التنازل الرجوع عن حق صريح واضح، وإنما هو لين جانب حينما يكون الاختلاف بين الحسن والأحسن، أو إرجاء المناظرة في الأمر المختلف فيه؛ إبقاء على المودة، وإيثاراً لصفاء القلب، فكل منهما طيّع في يد أخيه، يتنازل هذا تارة، ويتنازل ذاك أخرى.
أدب الصحابة
وهذا الأدب كان واضحا بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة إذا خفي وجه الحق في مسألة اجتهادية، ولأننا بشر، فلا نستطيع أن نقطع لأنفسنا بصواب الرأي، وسداد البصيرة، ولا بد من التوجه إلى الله؛ ليسدد الخطا، ويثبت على الحق، وقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه: ( اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).
وأخطر ما يكون التنازع في مواقف الجهاد والدعوة، ولقد ترجم البخاري بابا بقوله: ( باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب) واستشهد بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى قبل إرسالهما إلى اليمن: ( يسّرا ولا تعسّرا وبشّرا ولا تنفّرا وتطاوعا ولا تختلفا). وكم يكون محرجا؛ حين يتنازع داعيان فاضلان حول مسألة شرعية، والناس بأعينهم ينظرون!!
شجاعة الرجوع عن الرأي المفرق
وإنما يحتاج المؤمن لشجاعة التراجع عن الرأي المفرِّق، والتزام الرأي الجامع، وقد ذكر ابن حجر أن علياً وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان بألاّ تباع أم الولد، ثم رأى علي بعد ذلك أنه يجوز بيعها حتى قال : اجتمع رأيي ورأي عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن , ثم رأيت بعد ذلك أن أبيعهن فقال ( عبيدة ) لعلي رضي الله عنه: ( رأيك ورأي عمر في الجماعة، أحبّ إلي من رأيك وحدك في الفرقة). فتراجع علي عن فتواه، وقال: ( اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف) ونبذ الخلاف مقدم على الإصرار على تثبيت رأي أو وجهة نظر اجتهادية، وأما الحق المقطوع فيه، فيقدر الداعية الحكيم على إيصاله بحكمته، بعيدا عن المشاجرة والخصومات.
تذكر حال المؤمنين في الجنة
ولو أننا نتذكر حال المؤمنين في الجنة، لسعينا لأن نجعل رحلتنا في الدنيا صورة عن حياة أهل الجنة، الذين وصفهم الرسول صلى الله لعيه وسلم بقوله: ( لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد). ولذلك كان رسول الله صل الله عليه وسلم يُحذر من الوقوع في دواعي الاختلاف؛ حتى لا تتنافر نفوس الأمة( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، ولذلك كان كثير من العلماء يحتفظون لأنفسهم بفتاوى لا يشيعونها بين الناس؛ لتفردهم بها، ولخروجها عما اشتهر في المسألة حذرا من فتنة العامة أو تشويش طلبة العلم.
وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم عندما يسوّي صفوف الصلاة أن يقول: ( استووا. ولا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم).
حتى الاختلاف في صف الصلاة قد ينعكس أثره على تأجيج اختلاف القلوب، فلينوا في أيدي إخوانكم، وسووا صفوفكم، واتبعوا إمامكم، لعله يترشح من ذلك ائتلاف قلوبكم.
وكلما كان احتكامنا للشرع خالصا نكون أبعد عن مهاوي الفرقة، وهذا ما يذكّر المسلم به نفسه، وهو يدعو في تهجده: ( .. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت).
ويجب على عقلاء الأمة أن يكونوا عونا في دفع كل خلاف، وفضّ كل نزاع، والمبادرة إلى الأخذ بما يوحدّ الصفوف، وقد وصف سيدنا عمر اختلاف الناس فيمن يبايعون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: ( فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرِقتُ من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكرن فبسط يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار) وبهذا الموقف الجريء قضى على فتنة كان من الممكن أن تصدع صفوف المسلمين.
ويعين على خلق المطاوعة: التزام حدود الشرع، وطاعة الأمير، وهذا ما وجّه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (... ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكن بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ...)، وكثيرا ما يكون أمر أميرك ـ في عمل أو سفر ـ مخالفا لما تميل إليه، فإن ذهب كل امرئ حسب هواه، فسنرى اختلافا كثيران وإن تطاوع كل امرئ مع أميره، وتنازل لرأيه، فتلك هي السنة.
ولا بد أن يتنادى المخلصون للقضاء على أي فتنة عند بوادر أي اختلاف، وهذا ما كان من حذيفة حين أخبر عثمان باختلاف الناس في قراءة القرآن، فقال له: ( أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى..).
الترهيب من الخصومة
ولعل مما يحبب في المطاوعة، وينفر من الخصومة، استحضار ما ورد في الترهيب من اللجاجة والمراء والتنازع، فقد جاء في صفات المنافق أحاديث كثيرة منها: ( .. وإذا خاصم فجر)، و( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِم)، وقد تعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت في ربض الجنة لمن يترك المراء والجدل وهو يعلم أنه على حق وصواب: ( أنا زعيم ببيت في ربض  الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا) وهذه أعلى درجات المطاوعة.
الفرقة عذاب وهلاك
وإنما يكون هلاك الأمة باختلافها كما جاء في الحديث: (..فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)، ولو تنازل بعضهم لما اختلفوا، ولما هلكوا، وقد كان القرن الأول في أسمى صور المطاوعة، ومن ذلك ما ورد أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ صلى في منى أربعا فبلغ ذلك بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فأزعجه ما سمع، ومع ذلك صلى معه أربعا، فلما سئل عن ذلك قال: ( الخلاف شر)، ولما نوقشت البيعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل من الأنصار: منا رجل ومنكم رجلن فقال عمر رضي الله عنه: ( سيفان في غمد واحد؟! إذاّ لا يصطلحان)، وهذا من فقه عمر رضي الله عنه.
وإن النفوس العالية لتملك أن تعامل بسلامة الصدر مهما عظم الخلاف فقد قال علي رضي الله عنه في حق من خرجوا عليه يوم الجمل حين سئل عنهم: أكفار هم؟ أم منافقون؟ أم ماذا؟ فقال: ( إخواننا بغوا علينا) ولم يقبل أن يتهمهم بكفر أو نفاق، وقد كان ممن قاتله في معركة الجمل الصحابي طلحة رضي الله عنه، فكان يقول لعمران بن طلحة: ( إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ). أفلا نتخلق بالمطاوعة، والنفور من الاختلاف؛ لنكون إخوانا في الدنيا والآخرة، ولتسلم صدورنا من تحريش الشيطان، ولتقوم للأمة دولة وسلطان.

ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا..



من الصور المشرقة والمضيئة التي تبرز أخص خصائص الأمة المسلمة في جميع الأزمنة والأمكنة ما جاء في الآية الكريمة: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} (الحشر:10). إنها النفوس المؤمنة التي تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة، لا لذاتها، ولكن كذلك لسلفها الذين سبقوها بالإيمان؛ وفي طلب براءة قلوبها من الغل والحقد للذين آمنوا، ممن يربطها معهم رباط الإيمان. نقف فيما يلي مع بعض من مدلولات هذه الآية الكريمة.

ذكر المفسرون قولين في المراد من قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم}: 

أشهرهما: أنه عنى بهم المهاجرين، الذين يستغفرون لإخوانهم من الأنصار. فالكلام -بحسب هذا القول- يقصد منه المهاجرون، الذين هاجروا إلى المدينة، ووجدوا الأنصار فيها عوناً وسنداً لهم، فقابل المهاجرون هذا الموقف الكريم والنبيل بالدعاء لإخوانهم الأنصار. ويشهد لهذا القول ما رواه الإمام أحمد في "المسند" عن أنس رضي الله عنه، قال: قال المهاجرون: يا رسول الله! ما رأينا مثل قوم -قدمنا عليهم- أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلاً في كثير، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله! فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ما أثنيتم عليهم، ودعوتم الله لهم).

ورُوي أيضاً، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أغلظ لرجل من أهل بدر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك يا عمر! لعله قد شهد مشهداً، اطلع الله فيه إلى أهله، فأشهد ملائكته، إني قد رضيت عن عبادي هؤلاء، فليعملوا ما شاءوا)، وكان عمر رضي الله عنه يقول: وإلى أهل بدر تهالك المتهالكون، وهذا الحي من الأنصار، أحسن الله عليهم الثناء. 

القول الثاني: أنه عنى بهم مَن بعدهم من المسلمين. وهذا مروي عن مجاهد. وبحسب هذا القول، يكون المراد من الآية جميع المسلمين الذين جاؤوا بعد المهاجرين والأنصار. وهم يسألون الله أن يطهر نفوسهم من الغل والحسد للمؤمنين السابقين على ما أعطُوه من فضيلة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وما فُضّل به بعضهم من الهجرة، وبعضهم من النصرة، فبين سبحانه للذين جاؤوا من بعدهم، بأن لهم نصيباً من الفضل والأجر؛ وذلك بالدعاء لمن سبقهم بالمغفرة، وانطواء ضمائرهم على محبتهم، وانتفاء البغض لهم. 

ويتأيد هذا القول بما روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: أُمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسببتموهم. سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها). رواه البغوي. وما روي عن قتادة، قال: إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمروا بسببهم. وما روي عن ابن زيد، قال: لا تورث قلوبنا غلاً لأحد من أهل دينك

وتتجلى من خلال هذه الآية طبيعة هذه الأمة المسلمة، وصورتها المشرقة في هذا الوجود. تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها، وآخرها بأولها، في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف، وشعور بصلة القربى العميقة، التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب؛ وتتفرد وحدها في القلوب، تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة، فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة، كما يذكر أخاه الذي يشاركه درب الحياة، في إعزاز وكرامة وحب، ويحسب السلف حساب الخلف، ويحترم الخلف مآثر السلف، ويمضي الجميع في قافلة الإيمان صفاً واحداً على مدار الزمان واختلاف المكان، تحت راية القرآن صعداً إلى الأفق الكريم، متطلعين إلى رب رؤوف رحيم

وتحمل هذه الآية الكريمة دلالات عدة، نذكر منها: 

أولاً: يجب أن نعلم جيداً بأن الدار الآخرة هي المكان الأصلي الذي يُطرح فيه الغل والشر من القلوب، ولو أخرجت هذه المشاعر -التي هي من أسس الامتحان- من القلوب في الدنيا، لانقلب الإنسان إلى ملك من الملائكة. بينما خلق الله تعالى الإنسان في هذه الدنيا بماهية قابلة للخير والشر معاً. ولو فرضنا أن أُخرجت هذه المشاعر من قلب الإنسان في الدنيا، لنبتت ثانية في القلب، كما ينبت الشعر المزال؛ لأنها لصيقة بفطرة الإنسان. ولعل هذا السبب هو الذي جعل صيغة الدعاء في التعبير القرآني معبراً عنها بالفعل {ولا تجعل}، بدلاً من التعبير عنها بالفعل (انزع)، ما يعني أن الواجب الملقى على عاتق الإنسان هو التوجه بالدعاء القولي والفعلي لله تعالى، ومحاولة التخلص من هذه المشاعر التي تعد مثل الأشواك المستقرة في القلب. وبهذه الوسيلة يستطيع المؤمن التطهر من المشاعر السيئة، ويكون أهلاً للجنة، ويقبله الله تعالى في عداد عباده المرضين

ثانياً: على المسلم أن يدعو الله على الدوام بأن لا يجعل في قلبه حقداً وحسداً على أحد من إخوانه المسلمين، فالمسلم لا يكون حقوداً ولا حسوداً على أحد من الناس، فضلاً عن أن يكون كذلك على أحد من إخوانه المسلمين. وفي حديث طويل رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار، وقد تكرر ذلك منه ثلاثة أيام، فأراد عبد الله بن عمرو بن العاص أن يقف على السر وراء ما قاله رسول الله صلى الله وسلم في حق هذا الرجل، فطلب منه أن يبيت عنده لبعض الليالي، فلم ير منه شيئاً ذا بال، فسأله عن السر في ذلك، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. والحديث بتمامه رواهأحمد.

ثالثاً: في الآية الكريمة رسالة موجهة إلينا وإلى من بعدنا، تطلب منا أن نحب سلفنا الصالح، وأن ندعوا بالخير لهم، وننزلهم المنزلة التي يستحقونها، وأن لا ننال من أحد منهم من قريب أو بعيد. وبحسب قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة:71). وقوله سبحانه: {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات:10)، فإن على الذين تربطهم آصرة الإيمان، وتجمعهم رابطة الإسلام، أن يتحابوا بينهم، ويحترموا من سبقهم، ويغضوا الطرف عمن فرط منهم، وألا يحملوا على الإطلاق أي حقد، أو غل، أو عداء تجاههم. كما أن فيها ما يدعونا إلى تقدير أهل العلم، ورجال الفكر الذين تركوا في حياتنا وفي مشاعرنا وأفكارنا وعقيدتنا أثراً لا يمحى، وميراثاً لا يُنسى

رابعاً: ويُستفاد من هذه الآية، أن كل إنسان يسعد -وكذلك يتألم- بنسبة ترقي وسمو مشاعره، ومقدار السعادة والاطمئنان الذي يحس به الإنسان في الجنة يتناسب مع مقدار ترقي وسمو مشاعره في الدنيا. وتأسيساً على هذا يمكن القول: إن الإنسان لكي ينعم في الدنيا أولاً، وينعم في الجنة تالياً، فإن عليه أن يتخلص من مشاعر الحقد والغل والحسد، وغيرها

أخيراً: فما أحوج المسلمين اليوم -وكل يوم- إلى أن يستحضروا مضمون هذه الآية الكريمة، ويعملوا بتوجهياتها، ويهتدوا بهديها، {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}. هذه هي قافلة الإيمان، وهذا هو دعاء الإيمان، وإنها لقافلة كريمة، وإنه لدعاء كريم