السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-01-29

من علامات حب الله للعبد


في الحقيقة هذا الأمر عظيم ! محبة الله للعبد والإحاطة بالعلامات والإمارات من الصعوبة مماكان لكن هناك أمور دلت عليها بالكتاب والسنة . 
أول دليل على محبة الله للعبد وإرادته الخير به هدايته للدين ، فالعبد الذي يهتدي بهداية الله ويلتزم طاعة الله عزوجل كان هذا من أعظم الدلائل على أن الله يحبه وان الله يُرِيد به خير لأن الله يُعطي الدنيا من أحب وكره ولكن لايعطي الدين الا لمن أحب . لايعطي نعمة الدين الإ لمن أحب ! 
واعلم علم اليقين ان السجدة التي تسجدها بين يدي الله وتعلم مقدار فضل الله عليك بها لتقطع لسانك بالثناء على الله وما أديت شيء من حقه 
كيف هداك للتوحيد ؟ وكيف أعانك ووفقك وسددك وصرف عنك كل الفتن حتى تسجد بين يديه ؛ فترفع درجتك وتكفر خطيئتك ! 
ياليت الناس يشعرون بنعمة الله عزوجل عليهم ! 
أعظم دليل على حب الله للعبد هدايته للدين ثم إذا أردت ان تعرف مقدار منزلة العبد لمحبة الله له فأنظر مقدار هذا الدين في قوله وعمله واعتقاده ؛ فإذا وجدت انه انصرف الى الله عزوجل بكليته قلباً وقالباً فأعلم ان محبة الله له تامة وان محبة الله له كاملة 
إذا وجدت عبد مليء القلب بالله وحده لاشريك له لا تسمع منه شكوى يشتكي فيها لغير الله وحده لاشريك له لاتجده يتذمر ولا يسخط تجده راضٍ عن الله في جميع أحواله مستمسك بدين الله عزوجل فَلَو صبت عليه فتن الدنيا لايمكن ان يفرط بشعرة من دين الله عزوجل الذي هداه إليه ! 
هكذا كان حال الصحابة رضوان الله عليهم وحال أئمة الرضا الذين حازوا من الحب أجمله و أكمله وأفضله ولذلك فتح الله لهم أبواب الرحمة ويسر لهم أبواب الخير كانوا في القلب أفضل مايكونون محبة لله فتجد الواحد لا يفكر الا في الشيء الذي يقربه من الله كيف يفعله والشيء الذي يٌبعد عن الله كيف يجتنبه وتجد الواحد منشرح دائم السرور مطمئن النفس مُبتهج القلب فإذا انُتهكت حرمة من حرمات الله تغيرت الحياة عنده فتنكدت فتجده في هم وغم وكرب فإذا ذكر الله كل الهموم والغموم تتبدد عنه ، هذا من كمال محبة الله عزوجل وكمال محبة الله للعبد ! 
مُفرغ العبد من كل شيء الا لله وحده لا شريك له ثم كذلك أيضا تجده في قوله وفعله وسمعه وبصره وظاهره وباطنه وفي أخذه وتركه وولاءه وعداءه كله يصير وفق مرضاة الله عزوجل 
إذا وجدت هذه الأمور وجدت الدين ووجدت الكتاب والسنة في قوله وفعله وظاهره وباطنه فأعلم ان نعمة الله عليه تمت . 
قد يكون ظاهره على هذا لكن تمام النعمة الاعتقاد فتجد كل هذه الأمور تصدر منه ومع ذلك يٌحس من توفيق الله له ومعونة الله له وتيسير الله له مايقرع باب من الخير الا فتحه الله في وجهه ولا يسلك سبيل من سُبل الطاعة والبر الا وجدته يسبق بعزيمة وقوة وطمأنينة وانشراح صدر لأن الله يحبه . 
أحباب الله سبحانه وتعالى دائماً أمور الخير لهم مُيسرة .. مفتوحة مُسهله لكن إذا أراد ان تزل قدمه عن صراط الله عزوجل وجدت الحفظ من الله سبحانه وتعالى وجدت الصيانة وجدت بارك الله له في الرحمة وجدت العصمة من الله سبحانه وتعالى فيجعل بينه وبين المعاصي الحواجز يجعل بينه وبينها أمد بعيد فيباعد بينه وبين الخطايا ويباعد بينه وبين أهل الخطايا ويباعد بينه وبين كل شيء يُحبب الى هذه الخطايا ، لأن الله يحبه والله إذا أحب عبد قربه ممايحب ومن دلائل حبه تجده دائماً يبحث عن الشيء الذي يرضي الله عزوجل في أكمل حال . 
لو أنه بعيد في الصلاة يفكر كيف يكون في الصف الأول لأنه يعلم أن الله يحب عبده المصلي على أتم المحبة 
ووالله انه ليخرج من بيته وقلبه متفطر هل يدرك الصف الأول أم لا ؟ ثم إذا يُسر له في بعض الأوقات الا انه قد يصعب عليه في بعض الأحيان ومع ذلك تجد الله سبحانه وتعالى يُيسر له ويعينه ويوفقه حتى ذكر بعض الأخيار : إني دخلت ذات مرة مسجد وكنت لا أستطيع ان أصلي في غير الصف الأول اتعب نفسيا فقلبي معلق بهذا الصف الأول بشكل عجيب فيقول في يوم من الأيام احتاجني الوالدان لأمر فتأخرت بالخروج فلما جأت قبل الإقامة بيسير وانا يأس أن أدرك الصف الأول ويسر الله سبحانه وتعالى فإذا بي أبلغ الصف الثاني فلما أُقيمت الصلاة وإذا بالناس متراصون تماما ليس هناك مكان فقلت ياربي أنت تعلم مافي قلبي وأسألك ان لاتحرمني هذا المقام بين يديك يقول وشاء الله عزوجل ان يُرعف الذي أمامي ويخرج من الصف وأدخل مكانه ايي والله حتى إني ندمت وقلت مرة ثانية لا أفعلها ! 
الله إذا أحب العبد يسر له أبواب الخير وجاءت أمور الخير سهلة مُيسرة ومن أتم النعم وأظهر الدلائل على محبة الله عزوجل للعبد العلم ! . 
ليس هناك أحب الى الله بعد أنبياءه من العلماء العاملون الائمة المهتدون الذين تعلموا هذا العلم فجاهدوا واجتهدوا لتعليمه وعملوا بهذا العلم فإجتدوا واجتهدوا بتطبيقه واجتهدوا في نفع الناس
تجد من دلائل محبة الله للداعي ومحبة الله للخطيب ومحبة الله لإمام المسجد تجده دائما موفق في أمر الناس للخير ونهيهم عن الشر فلايرى منكر الإ نصح فيه ولا يرى خير الا ثبت عليه فإذا أردت ان ترى دلائل محبة الله لإمام المسجد وجدته على أتم الأمر في طاعة الله والنهي عن معصية الله والتقريب لكل شيء يقرب الى الله عزوجل فدلائل محبة الله كُلها تدور حول طاعة الله سبحانه وتعالى وتوفيقه فإذا وفق العبد في ذلك ووجدت ان معه الله .. الله مُعين ونصير له فأعلم انه من أحباب الله عزوجل فلذلك كفاه الله أمور الدنيا وأهلها وابداً لن تجد عبداً يحب الله ويحبه الله الإ وجدته بأحسن الأحوال في أمور دينه ودنياه وأخرته 
والله ولو وجدته مرقع الثياب ولو وجدته حلقي القدم ! 
فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مايملك الواحد منهم قوت يومه وقلبه معلق بالله جل وعلا وهو في منازل الرضا التي هي من أعظم المحبة من الله عزوجل ﴿وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ ﴾ [التوبة: ١٠٠]
نسأل الله العظيم ان يجعلنا منهم وان يمن علينا فنحشر في زمرتهم 
ايضا الحرص على طاعة الله عزوجل ، فإذا كنت دائماً تفكر ماهي مراتب الطاعة التي ترضي الله عزوجل ؟ ولذلك ليس هناك أتم ولا أكمل ولا أعظم من شيء واحد وهو رضوان الله عزوجل للعبد ، لذلك لما ذكر الله نعيم أهل الجنة وذكر الله عزوجل صورها ومافيها من الخير جعله شيء من رضوانه سبحانه وتعالى ولذلك قال الله تعالى : ( ورضوان من الله أكبر ) وفي الحديث الصحيح ان الله تعالى يطّلع على أهل الجنة وقد غمروا في نعيمهم وسرورهم (﴿ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ﴾ [الحجر: ٤٧] فبينما هم في لذة النعيم ونشوة النعيم وغاية النعيم إذ به سبحانه يقول هل ترضون ؟ قالوا ياربنا مالنا لا نرضى وقد أعطيتنا وأعطيتنا فيقول الله تعالى الا أزيدكم أُحِل عليكم رضاي فلا أسخط أبداً 
فالعبد الذي يحبه الله لا يسخط علبه أبداً 
جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحاتم بن أبي بلتعه رضي الله عنه وأرضاه لما حصل منهم كتب الكتاب لكفار قريش قال عمر يارسول الله -عليه الصلاة والسلام - دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال صلى الله عليه وسلم دعه يا عمر ومايدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم ! 
الله أكبر إذا رضي الله عن العبد وأحبه ! اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم ! 
فإذا كان العبد في منزلة المحبة عند الله سبحانه وتعالى والرضا فهذه هي الغاية ! والأمنية التي اسأل الله بعزته وجلاله ان يجعلنا من أهلها وان لا يحول بيننا وبينها انه ولي ذلك والقادر عليه.

لا تتوقف عن أهدافك


كم مرة سمعت ــ عزيزي القارئ الكريم ــ من يرثي حظه العاثر ويقول: " أهذا كل ما هناك؟ ".
إن رواد سفينة (أبوللو) الذين وهبوا حياتهم كلها للحظة الوصول إلى القمر كانوا غاية في التفاؤل والسعادة في تلك اللحظة الخالدة العظيمة، ولكن بعد رجوعهم إلى الأرض أصيب بعض منهم بحالة اكتئاب شديدة فبعد رحلتهم العظيمة لم يبق هناك شيء بالنسبة لهم يتطلعون إليه: كيف يكون هناك هدف أكبر من وصولهم للقمر واكتشاف عالم مجهول جديد مثل الفضاء الداخلي المتمثل في العقل والقلب؟!.
نحن جميعاً في حاجة إلى إحساس مُستمرٍ بالنمو العاطفي والروحي؛ فهو الغذاء الذي تحيا به أرواحنا وتزدهر وتتطور وبالتالي تستمر.
ولذلك فعندما تقترب من تحقيق أهدافك التي سعيت إليها اعمل فوراً على وضع أهدافاً جديدة تُنشئ لنفسك بها مستقبلاً جديداً، فريداً ومتميزاً.
ما هو الهدف النهائي؟ ربما يكون التطلع إلى المساهمة في الحياة بشيء ذي قيمة!؟ أو إنجاز شيء ما لا طالما حلمت به؟ حقيقة أنا لا أعلم ما هي أهدافك إلا أن إيجاد طريقة لمساعدة الآخرين - هؤلاء الذين يهموننا ونهتم بهم بحق -يمكن أن يُهمنا دائماً وأبداً طوال حياتنا.
وهناك دائماً مكانٌ في حياتنا لهؤلاء الذين يريدون أن يهبوا وقتهم، وطاقتهم، ورأسمالهم، ومقدرتهم  للابتكار، ثم الالتزام بكل ذلك.
ما هو التصرف البسيط المليء بالرحمة والعطف الذي يمكن أن تفعله لشخص آخر اليوم؟ قد يكون إماطة آذى عن الطريق؟ وقد يكون مساعدة ضرير لعبور الشارع؟ وقد يكون إرشاد تائهاً لطريق!!؟؟ وكما في الحديث الشريف : ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة... وأمرٍ بالمعروفِ صدقة.. ). وكل معرفٍ صدقة أيضاً. 
اتخذ قرارك الآن. وتصرف بناءً عليه، ثم انظر كيف تشعر بعد ذلك، وتأكد من تقديرك لهذا الشعور الجديد بالسعادة.

تجارب الحياة هي ما تصنعنا


عزيزي القارئ الكريم .... 
ما هو الشيء الذي يجعلك مختلفاً عن جميع الناس الذين يعيشون على ظهر هذا الكوكب " الأرض " ؟ 
لا شك أن التجارب التي تمر بها هي أحد مصادر هذا التميز؛ فكل شيء فعلته في حياتك يتم تسجيله في ذاكراتك الواعية، كما يترك بصمة أيضا على جهازك العصبي. إن كل ما تراه، أو تسمعه، أو تلمسه، أو تتذوقه، أو ما تشمه يتم تخزينه في ذاكرة المخ الضخمة 
هذه الذكريات، سواء تلك التي نعيها أو التي لا نعيها، تسمى المرجعيات ونحن في الحقيقة نستمد من هذه التجارب التأكيد اللازم لمعتقدتنا بما في ذلك أهم المعتقدات من أنفسنا وقدراتنا.
ما هي التجارب التي ساهمت بقوة في تشكيل حياتك ؟ 
في إحدى ورش العمل التدريبية المتخصصة وفي بداية الورشة – طلب المدرب من المشاركين في تلك الورشة التدريبية - ملء استمارة استقصاء شاملة تتضمن سؤلاً عن التجارب الخمس التي يعتقدون أنها شكلت حياتهم بصورة مؤثرة .! الشيء المذهل في اجاباتهم أن عددا كبيرا منهم خاض التجارب نفسها (المرجعيات) ولكنهم قاموا بتفسيرها بطرق شديدة الإختلاف، ومن ثم أصبحت حياة كل منهم مختلفة تماماً عن الآخر اليوم.
مثلاً كان هناك رجلان فقد كلٌ منهما والديه في عمرٍ مبكرٍ أحدهما استخدم هذه التجربة كسبب لعدم الإرتباط العاطفي الوثيق والانغلاق على نفسه والانعزال عن الآخرين، بينما أصبح الآخر واحداً من أكثر الناس انفتاحاً على الآخرين، ويتميز بشدة الحساسية لعواطفهم. 
ليست التجارب إذن هي تلك التي تشكل حياتنا وحدها، ولكن – مرة أخرى - تلك المعاني التي نفسر بها هذه التجارب هي التي تؤثر في حياتنا.
ليس هناك أي شك في أنك حقاً المصمم الرئيسي لتشكل حياتك – بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، وسواء تحققت  أم لا ؟ إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى. 
تأمل كل تجاربك وابسطها أمامك كفراش السرير المزخرف، حيث تضيف إليه خيطاً جديداً كل يوم .
هل تستخدمه لتصنع ستائر تختفي وراءها، أم أنك تصنع منه بساطاً سحرياً يحملك إلى السماء؟ أم أنك تُعيد تصميم رسوماته بدون إدراك حقيقي منك وتجعل تلك الذكريات التي تمنحك القوة والسعادة في مركز الوسط من التصميم؟
الآن... آن الأوان لأن تكتب في ورقة صغيرة ( خمس ) تجارب أثرت بشدة في شخصيتك. صف التجربة أو الحدث واشرح كيف أثر فيك. 
إذا توصلت إلى أي شيء له تبعات ونتائج سيئة فقم على الفور بإعادة تفسيره بصرف النظر عما قد يستغرقه ذلك. 
وهذا قد يتطلب بعض الإيمان، أو رؤية ثاقبة جديدة لتفسيرٍ لم يخطر ببالك من قبل .
فقط تذكر أن هناك قيمة لكل تجربة إنسانية مررت بها.

النيّة الذكيَّة


حياة المرء انعكاسٌ لعاداته، وعاداته نتيجة حتميّة لتفكيره، فإن تغيّرت أنماط تفكيره للأفضل فسوف تتغير حياته بعون الله وإرادته، فإنَّ المؤمن يستطيع أن يجعل كلّ خطوة من خطواته وثانية من ثواني حياته ثواب وأجر فمدار العمل بين العادة الحَسَنة والعبادة المأجورة هي: "النِيَّة" يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرتهإلى ما هاجر إليه) 
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وبه صَدَّرَ الإمام البخاري رحمه الله كتابه الصحيح وأقامه مقام الخُطبة مشيرًا إلى أن كلَّ عمل ليس فيه نِيَّة صالحة يراد بها وجه الله فهو باطل، وقال الإمام الشافعي رحمه الله عن هذا الحديث إنه " ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه"، وقال الإمام أحمد رحمه الله: "أصل الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث عمر الأعمال بالنيات وحديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا وحديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين".
والنّيّة كما عرفها القرافي رحمه الله بمعناها العامّ: " قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله " وقد يقال: هي: " قصد الطّاعة والتّقرّبُ إلى الله تعالى في إيجاد الفعل أو الكفِّ عنه ".
ومن جمال ديننا الحنيف أن المرء يستطيع أن يُحوّل أعماله المباحة إلى عبادات يؤجر عليها تنفعه في دنياه وآخرته ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " المباح بالنية الحسنة يكون خيرا ، وبالنية السيئة يكون شرا ، ولا يكون فعل اختياري إلا بإرادة " قال النووي رحمه الله في تعليقه على حديث : (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ، حتى ما تجعل في في امرأتك) ، قال : " إذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك ".
إنَّ في شريعتنا الغراء مجال رحبٌ وخصيب في استثمار العادات الحسنة لترتقي بصاحبها في أعالي مراتب الرضا من الله ، والتدرج في منازل الصالحين المحسنين؛ فعندما تقترن العادة الحسنة بنية صالحة خالصة فإنها تتحول مباشرة إلى عبادة تزيد من أجر صاحبها في الحسنات وتحط عن كاهله السيئات، ولهذا جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: " إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"  ، وأوصى الإمام أحمد رحمه الله ابنه عبدالله قائلاً : "يَا بُني انو الخَير فإِنك لا تزالُ بخير ما نَوَيْتَ الخَير" .
وأنا هنا أدعو نفسي وأدعو إخوتي وأخواتي لتكون معاملاتنا في مجريات حياتنا اليومية مع أزواجنا وأولادنا، بل والمجتمع من حولنا، لتكون "عادات حسنة" وقد تحوَّلت إلى عبادات نؤجر عليها، فنكسب بها خير الدنيا بسعادتنا معهم، وخير الآخرة بحصوله على مرضات الله.

2017-01-21

كيف تبني بيتك في الجنة؟



الحمد لله ذي الأفضال والمنن، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
من سعة رحمة الله تعالى على عباده وكبير فضله وعظيم إحسانه، أنه يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل، والدنيا دار ممر لا دار إقامة، وفيها ثمان مراحل لابد منها على كل إنسان، فالعاقل من استثمرها في طاعة الله، وتزود منها بالعمل الصالح ليوم المعاد، ( يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم )
ثمانية لابد منها على الفتى *** ولابد أن تجري عليه الثمـانية
سرور وهمٌّ واجتماع وفرقة *** ويُسْر وعسر ثم سقم وعافية
والدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، قال أحد الزهاد: لو كانت الدنيا ذهبا يفنى، والآخرة خزفا يبقى، لآثر العاقل خزفا يبقى، على ذهب يفنى، فكيف والدنيا أقل من خزف والآخرة أكثر من ذهب!!
كيف لو علمنا أن قصور وبيوت الجنة طوبة من ذهب وطوبة من فضة، ومونتها المسك وحصبائها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران، نسأل الله من فضله.
بعد أن طغت الماديات على الحياة اليومية للناس، وأشغلتهم التقنيات الحديثة ( انترنت.. مواقع تواصل.. فضائيات.. أجهزة ذكية ) عن الروحانيات والإيمانيات؛ كان لابد من هذه التذكرة العاجلة والسريعة عسى أن ينفعنا الله بها جميعا، ويجعلنا وإياكم من أصحاب الجنة.
لو أن شركة قدمت عرضا مغريا، لكل من يدفع مبلغا زهيدا بشكل يومي، ويتواجد لمدة نصف ساعة في وقت الفجر في مقر الشركة، ويقدم شهادة دراسة ثانوية، مع بعض المهارات الإدارية على أن يحفظ ويردد منتجات تلك الشركة يوميا؛ ومن تنطبق عليه الشروط سيمنح بيت الأحلام ومنزلا  في باريس مثلا أو دبي أو نيويورك أو جنيف!! بالله عليكم ألا يتقاتل الناس للحصول على هذا العرض، ويكون شغلهم الشاغل؟!
ولله در امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم رضي الله عنها ما أعقلها، عندما طلقت الدنيا وما فيها من القصور والدور ومتاع الغرور، والتجأت لله العزيز الغفور، حتى" إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها و رجليها، فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت:( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجني من فرعون و عمله و نجني من القوم الظالمين ) فكشف لها عن بيتها في الجنة
فإلى كل من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبينا ورسولا؛تذكّروأنصت بقلبك قبل سمعك لهذه الكنوز العظام والفضائل الجسام، وابني بيوتك في الجنة بأقل جهد وأقصر وقت:
1- قال عليه الصلاة والسلام:( من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ).
2- قد يقول قائل ليس لدي القدرة المالية لبناء مسجد، نقول له: ساهم في بناء مسجد ولو شيئا يسيرا أو اجعل فيه صدقة جارية، قال عليه الصلاة والسلام:( من بنى لله مسجدا و لو كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة ).
3- قد يقول آخر: أنا فقير معدم لا طاقة لي بذلك، يقال له: صلِّ في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة، قال عليه الصلاة والسلام:( ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى لله في كل يوم ثنتى عشرة ركعة، تطوعا غير فريضة، إلا بنى الله له بيتا في الجنة ).
4- دعاء دخول السوق: قال عليه الصلاة والسلام:( من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتا في الجنة )
5- هل تعجز عن سد فرجة في الصلاة؟! فعدم التوفيق لهذا العمل اليسير يحرم الكثير من أجر عظيم، قال عليه الصلاة والسلام:( من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة وبنى له بيتا في الجنة )
6- الصبر والحمد والاسترجاع على فقدان الولد: قال عليه الصلاة والسلام:( إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد )
7- قراءة سورة الإخلاص عشر مرات: قال عليه الصلاة والسلام:( من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة )، وفي رواية(من قرأ ( قل هو الله أحد ) حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة )
8- صلاة الضحى أربعا وقبل الظهر أربعا: قال عليه الصلاة والسلام:( من صلى الضحى أربعا، و قبل الأولى أربعا، بني له بيتا في الجنة )
9- من ترك المراء وإن كان محقا: قال عليه الصلاة والسلام:( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا ).
10- من ترك الكذب وإن كان مازحا: قال عليه الصلاة والسلام:( أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا )
11- مَن حَسُن خُلُقه: قال عليه الصلاة والسلام:( أنا زعيم بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )
12- الإسلام والإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام والهجرة: قال عليه الصلاة والسلام:( أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و هاجر ببيت في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى غرف الجنة ).
13- الجهاد في سبيل الله: قال عليه الصلاة والسلام:( و أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و جاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى غرف الجنة فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا و لا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت ).
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصينا للبر والتقوى.

التسليم ... سبيل الفرج


يقول ربنا جل وعلا في محكم كتابه : {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات: 103 – 112].
قال الإمام الطبري رحمه الله، في تفسيره : ( يقول تعالى ذكره : فلما أسلما أمرهما لله وفوّضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه ) أهـ.
وقال أيضا : ( عن عكرمة، قوله (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قال: أسلما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح، ورضي الأب بأن يذبحه، فقال: يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع، ولكن أدخل الشفرة من تحتي، وامض لأمر الله، فذلك قوله : "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" ( أهـ.
وفي الآيات السابقة ؛ أن في تسليم العبد أمره لله ، ورضاه بقضائه وقدره ، ثمارا عديدة في الدنيا والآخرة أهمها ما يلي :
1- بلوغه بتسليمه ورضاه بقدر الله ؛ أعلى مراتب الإحسان وأكملها ، دل على هذا ؛ قول ربنا جل وعلا ، كما في هذه الآيات : (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، وقوله : (كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، وورد التأكيد بذكر الإحسان ههنا مرتين ، ليدل على أمور :
الأول : بلوغ نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل عليها السلام أعلى مراتب الإحسان وأكملها ، بتسليمهما المطلق لأمر الله.
الثاني : أن تسليم العبد أمره لربه ، ورضاه بقضائه وقدره ؛ يوصله الى أعلى مراتب الإحسان، المستحق عليه دخول الجنة والتلذذ بنعيمها ، كما قال الله : { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } [المائدة: 85].
الثالث : عظيم جزاء الله لأهل الإحسان من عباده في الدنيا ثم في الآخرة .
2- ان التسليم المطلق لله رب العالمين ،والرضا بقضائه وقدره ؛ من أصول الإيمان ، ودلائله الصادقة ، دل على هذا قول ربنا جل وعلا ههنا) : إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) ، وأتى هذا الخبر مسبوقا بإن المؤكدة ؛ للدلالة على كمال الإيمان ، وحقيقته الصادقة في قلوب أهل التسليم والرضا، والضمير هنا ، عائد على إبراهيم عليه السلام .
فالمؤمن الصادق في إيمانه ، لا تجده الا مسلِّما أمره لربه ، مستسلما لقضائه ، راضيا بقدره وتدبيره.
3- ان التسليم لأمر الله والرضا بقدره وقضائه ؛ سبب الفرج ، وميلاد اليسر من رحم العسر وشدة الكرب ، وهذا بيّن من القصة في أمرين :
الأمر الأول : قوله تعالى ؛ مسليا خليله ونبيه ابراهيم عليه السلام ، ومبشرا إياه بزوال المحنة والبلاء : (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) ، لينتهي بهذا الخبر كرب نبي الله إبراهيم عليه السلام ، الذي أُثلج به صدره ، وسُر به فؤاده ، وأُذهب روعه، لأن ولده لن يموت حينئذ ! .
فبعد ان أضجع الخليل عليه السلام ولده الأرض ليذبحه ،وأكب وجهه الى الأرض على جبينه، ولم يأته حتى هذه اللحظة وحي من الله بإعفائه من هذا الفعل ،أصبح احتمال العفو عن ذبحه قليل جدا، لأن الأمر قد بلغ مداه ولم يبق حتى فراق ولده الا لحظات ينتظر فيها؛ قطع الجلد ، والأوداج ثم خروج الدم ، ولما كان الحال كذلك؛ نزل فرج الله ، بالعفو عن ذبح إسماعيل عليه السلام وفديه بكبش أنزل من السماء لهذه المهمة ، فكان للفرج حينئذ أثره ، والفرح به لا يكاد ان يوصف او ينعت ، فسبحان الله ما أكرمه ،وما أوسع رحمته بعباده وخلقه.
وفي هذا ؛ أن على العبد ان يبقى موقنا بفرج الله ،مؤمنا به ولو في اللحظات الأخيرة التي يظن فيها الهلاك ، ففرج الله قرين الكرب ، ومتى ما اشتد به الكرب ، فليعلم ان الفرج قد قرب ودنا ، وفي الحديث الصحيح : ( وإن الفرج مع الكرب ) .
الأمر الثاني : ان التسليم النابع من كمال الرضا ، وقوة اليقين بكرم الله وحسن مجازاته لعبده على بلائه ومحنته ، كما انه سبب للفرج ، وزوال الكرب ، فهو أيضا سبب في حصول الخير الوفير ، والبشائر التي تسر المهج ، وتفرح القلوب والأفئدة ، التي كابدت المحن والشدائد ؛ بصبر ، وثبات ، واحتساب.
وهذا ما ورد في سياق هذه الآيات، اذ أتت البشارة للخليل عليه السلام بعد زوال كربه ، وبلائه ؛ بغلام يأتي من بعد إسماعيل ، وهو إسحاق عليه السلام – على الراجح من قولي أهل العلم، على أن الذبيح إسماعيل بدليل هذه البشارة – فكما ان إبراهيم عليه السلام امتثل أمر ربه ،بمباشرة ذبح ولده طاعة له، وانقيادا ؛ بشره الله ، بولد آخر ، تقر به عينه ، ويفرح به قلبه ؛ مكافئة له على احتسابه وتسليمه، وليكون الجزاء من جنس العمل ؛ فحين امتثل الخليل عليه السلام لهذا الأمر ، أكرمه الله بولد آخر جزاء تسليمه واحتسابه.
وكذلك حال كل عبد يسلم أمره لربه، ويمتثل له ، ذلا وخضوعا ،وانقيادا ، فان العاقبة ستكون له؛ بما يبهج قلبه ، ويشرح صدره ، لاشك في ذلك ولا ريب.
والحمد لله رب العالمين...

العبادات القلبية هي أصل العمل


إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 70، 71)
أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ
- لا يصح حصر علم التوحيد في بيان أنواع الشرك، والتحذير منه، فمثل هذا كحراس أحاطوا بقلعة، فهم يدافعون عنها، فالقلعة هي الإيمان، والحراس هم العلماء، والأعداء هم أنواع الشرك والبدع والنفاق والكفر والقائلين بهم.
- ولكن الصحيح أن نهتم ببناء القلعة، وإحكام أساسها، وارتفاع بنيانها، والسبيل إلى ذلك ينحصر في معرفة الله، وفي طاعته فيما أمر به من عبادته وتوحيده.
- ومعرفة الله إنما هي معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا. 
وطاعة الله إنما تكون فيما أمر به من العبادات، وأعظم ما أمر به من العبادات، هي العبادات القلبية، التي عبادات الجوارح كلها تابعة لها.
- فالأسماء والصفات هي أساس الإيمان، والعبادات القلبية هي ارتفاع البنيان.
- والإيمان علم وعمل، فالأسماء والصفات هي العلم، والعبادات التي أهمها العبادات القلبية هي العمل المبني على العلم.
- فعلى قدر قوة ورسوخ الأساس، وهو العلم بالأسماء والصفات، يكون ارتفاع البنيان، وهو العبادات القلبية التي تؤدي إلى زيادة الإيمان وارتفاع بنائه.
- فإذا أضاف المُكَلف إلى ذلك حراسة هذه القلعة من الشرك، تَمَّ له ما أراد من كمال توحيده لله، وبلغ مناه، وقَرَبَّهُ الله وأدناه، وأعطاه في الجنة ما اشتهاه. 
أهمية دراسة العبادات القلبية:
- فأما الشرك فإنه تكفي مدارسته ولو مرة واحدة في العمر لكي ينتهي العبد عنه؛ لأنه من النواهي، والسالك إلى الله تعالى لا ينسى ما نهاه الله عنه، فهو دائمًا محل اجتنابه.
- أما مدارسة العبادات القلبية التي هي مقتضيات الإيمان بالأسماء والصفات فإنه ينبغي مدارستها على الدوام وعلى كافة المنابر وفي كل وسائل الإعلام، والعبادات القلبية كثيرة جدًا لا يمكن إحصاؤها؛ لأنه لا يمكن إحصاء الثناء على الله ولا يمكن إحصاء ذكره بأوصاف كماله وعظمته، وبالتالي لا يمكن إحصاء التعبد له بذلك، فالعبادات القلبية ليس لها منتهى.
- لذلك يجب مدارسة العبادات القلبية بين فترة وأخرى؛ لأنها أساس كل عبادات الجوارح، وأنت تحتاج إلى أن تعبد ربك كل يوم، لذلك تحتاج العبادات القلبية كل يوم، بل كل ساعة، ليزداد إيمانك، وتصل إلى رضوانه ﻷ.
- وإنما درجة كل مجتهدٍ في الجنة بقدر ما أتى منها، فلم يسبق السابقون إلا بها، فإنما سبقوا بتوكلهم وإخلاصهم وحبهم وخوفهم من ربهم، وكل هذا من العبادات القلبية ، وكلها مقتضى الإيمان بأسماء الله و صفاته ﻷ.
- فالعبادات القلبية لازمة في عبادة الله، فهي أساس الصلاة والصيام والزكاة والحج.
- والعبادات القلبية لازمة في معاملة الخلق، فهي أساس حسن الخلق والبر والإحسان والصلة والتواضع وعدم الحسد.
- والعبادات القلبية مستمرة في الجنة، فإن أهلها يُلهمون الحمد كما يُلهم أهل الدنيا النَّفَس.
والحمد لله رب العالمين

2017-01-14

بما سبقتني إلى الجنة ؟


عن بريده رضي الله عنه قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً فدعا بلالاً فقال : " يا بلال ! بم سبقتني إلى الجنة البارحة ، سمعت خشخشتك _ الصوت والحركة _ أمامي ، فأتيت على قصر من ذهب مربع مشرف فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقالوا : لرجل من قريش ، فقلت : أنا قرشي ؟ لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب ، فقال بلال : يا رسول الله ، ما أذنت قط ، إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث إلا توضأت ، عندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بهذا " رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وكذا قال الذهبي في التلخيص .
في القصة ما يدل على اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بأصحابه وقربه منهم , يظهر ذلك في دعوته لبلال ومحاورته له وتحفيزه لما عمله من طاعات , وهذا شأن القدوة والمربي تجده يتلمس حاجات أبناءه وطلابه وأفراد أمته ويسعى لقضائها ويحل مشاكلهم وينشر الحب والوئام بينهم . 
فضل المسابقة إلى الجنة والمبادرة إليها , فهاهو الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل بلالاً عن سبب سباقه له إلى الجنة , وقد أمر الله عباده المؤمنين بالمسارعة والمسابقة إلى الجنة فقال تعالى " وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " وقال " فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " وقال " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ " وقد ظهر ذلك في مواطن عدة فقد أثنى على أبي بكر لمّا كان صاحبه في الهجرة وعلى عثمان يوم العسرة وعلى خالد في الجهاد وغيرهم .
في القصة ما يدل على فضل بلال رضي الله عنه , ومن أبرز فضائله أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وحركته في الجنة , ومن فضائله رضي الله عنه تضحياته التي قدمها لدين الله حيث عذب من قبل قريش بأنواع العذاب ليعيدونه عن ما ذهب إليه إلا أنه كان يرد عليهم وعلى عذاباتهم بالتوحيد , ومن فضائله أيضاً أنه مؤذن الإسلام الأول رضي الله عنه وأرضاه . 
في الجنة قصور وبيوت وغرف وهي مساكن طيبة جعلها الله للفائزين بجنته يتمتعون بها ويسكنون فيها ويتجدد نعيمهم فيها قال تعالى : " يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " وقال تعالى " وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ : 37] ، قال ابن كثير في تفسير (3/714) : ((أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأسٍ وخوف وآذى ومن كل شر يُحذر منه" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً ، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً)) متفق عليه وقال : ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا : يا رسول الله ، تلك المنازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال : بلى، والذي نفسي بيده رجال "آمنوا بالله وصدقوا المرسلين")) متفق عليه , وغيرها من الآيات والأحاديث التي تدل على أن في الجنة قصوراً وبيوتاً وغرفاً وخيام يفوز بها من آمن بالله تعالى ورسوله وعمل الطاعات وترك المنكرات . 
في القصة بيان لمكانة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنه من أهل الجنة وأن له قصر مربع مشرف فيها ومما ثبت في فضله رضي الله عنه قوله صلى الله علي وسلم ": إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به." رواه ابن ماجة وصححه الألباني. وقوله: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ". رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وفي صحيح مسلم : أن عليا ترحم على عمر وقال: " ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايّم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .. وفي مسلم أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: " والذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك" .
في القصة بيان لمكانة قريش , القبيلة التي ينتسب إليها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وقد جاء في الأثر : " إن الله فضل قريشاً بسبع خصال لم يعطها قبلهم أحداً ولا يعطيها أحداً بعدهم أن الخلافة فيهم والحجابة فيهم وأن السقاية فيهم وأن النبوة فيهم ونصروا على الفيل وعبدوا الله سبع سنين لم يعبده أحد غيرهم ونزلت فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم (لِإِيلافِ قُرَيشٍ "
للنوافل فضل كبير ولعل ما جاء في القصة يدل على ذلك بوضوح فبلال يسكن الجنة لركعتين – غير الفريضة – كان يصليهما خلف كل أذان , ولوضوء دائم مع كل حدث وقد جاءت النصوص التي تؤيد هذه الأفضلية ومنها ما رواه أبوهُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري.
الرسول عليه الصلاة والسلام يشجع أصحابه على مواصلة العطاء وتكملة مسيرة الإنجازات الدنيوية والأخروية فهاهو يقول لبلال : " بهذا " أي بهذه الأعمال الصالحة والطاعات والعبادات يا بلال سمعت صوتك وحركتك في الجنة , وهي دعوة منه عليه الصلاة والسلام لبلال وللأمة جمعاء بأن يفعلوا الطاعات ويستمروا في ذلك ويصبروا على تلك المداومة حتى يلقوا ربهم فيفوزا بجنة ربهم , الله نسألك من فضلك . 
والله أعلم وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

الأخوّة في الله

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏جبل‏، ‏‏في الهواء الطلق‏، ‏طبيعة‏‏‏ و‏ماء‏‏‏
درس الجمعة اليوم 13 جانفي 2017 
الأخوة في الله:
الأخوَّة في الله ، والحب في الله ، من أعظم شعائر الدين ، وأوثق عرى الإيمان ، وقد جاء في كتاب الله تعالى ، وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، ما يبين ذلك ويوضحه بأجلى صورة ، وأحلى عبارة ، ويكفينا في ذلك بعض الآيات والأحاديث ، ومنها :
قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات/ من الآية 10 .
وقوله : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران/ 103 . 
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) .
رواه البخاري ( 16 ) ومسلم ( 43 ) .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
الخصلة الثانية : أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، والحب في الله من أصول الإيمان ، وأعلى درجاته ، ... وإنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها ؛ لأن مَن كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما : فقد صار حبُّه كله له ، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله ، وموالاته له ، ومعاداته له ، وأن لا تبقى له بقية من نفسه وهواه ، وذلك يستلزم محبة ما يحبه الله من الأقوال ، والأعمال ، وكراهة ما يكرهه من ذلك ، وكذلك من الأشخاص .
" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 49 – 51 ) باختصار .
ثانياً:
لو كان حبُّ المسلم لأخيه حبا لله تعالى : لما اشتكى مشتكٍ من أفعال بعض من لم يذق حلاوة الإيمان ، ومن جعل ميزان حبَِّه للآخرين : اللغة ، أو اللون ، أو البلد ، أو الحزب والجماعة ، أو المال ، أو حسن الصورة : فقد خاب وخسر ، واستعمل ميزانَ ظلم ، وليس بمستنكر بعدها ما يصدر منه من تصرفات تجاه إخوانه ، وأما إن كان ميزانه في الحب في الله : الاستقامة ، والخلُق : فليبشر بثواب جزيل ، وفضل عميم ، من ربه الكريم .
عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا ، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ).
رواه أبو داود ( 3527 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الملا علي القاري في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " :
ولما كانت الأغراض الفاسدة في المحبة منحصرة في أنها إما أن تكون للقرابة - على ما هو مركوز في الطبائع - ، أو للمال - من حيث إنه مطمح الأطماع - : اقتصر عليهما ، والمقصود : تحسين النية ، وتزيين الطوية .
ثالثاً:
لتعلم أخ الاسلام حقيقة الأمر ، وواقع الأخوَّة ، وحتى لا تجد الأوهامُ مجالاً رحباً في نفسك : اعلم أن الظفر بأخ في الله يتصف بمشاعر النبل ، والصدق ، والأمانة ، وغيرها من الصفات الحسنة : عملة نادرة ، فلا تتعب نفسك بالبحث عن أخ يمتلك الصفات الجميلة كاملة ، فارض بما هو موجود مما يشوبه كدر ، ويعتريه نقص ، ولستَ أنت الكامل لتبحث عن مثلك ، فما منَّا إلا وفيه نقص ، وعيوب ، يستحيي أن تظهر لأحد ، فضلاً أن يطلب كمالها في غيره .
إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
قال ابن حزم الأندلسي – رحمه الله - :
ومن الأسباب المتمناة في الحب : أن يهب الله عز وجلَّ للإنسان صديقاً مخلصاً ، لطيف القول ، بسيط الطَّوْل ، حسَن المأخذ ، دقيق المنفذ ، متمكن البيان ، مرهف اللسان ، جليل الحِلم ، واسع العلم ، قليل المخالفة ، عظيم المساعفة ، شديد الاحتمال ، صابراً على الإدلال ، جم الموافقة ، جميل المخالفة ، محمود الخلائق ، مكفوف البوائق ، محتوم المساعدة ، كارهاً للمباعدة ، نبيل الشمائل ، مصروف الغوائل ، غامض المعاني ، عارفاً بالأماني ، طيب الأخلاق ، سري الأعراق ، مكتوم السر ، كثير البر ، صحيح الأمانة ، مأمون الخيانة ، كريم النفس ، صحيح الحدس ، مضمون العون ، كامل الصون ، مشهور الوفاء ، ظاهر الغناء ، ثابت القريحة ، مبذول النصيحة ، مستيقن الوداد ، سهل الانقياد، حسن الاعتقاد ، صادق اللهجة ، خفيف المهجة ، عفيف الطباع ، رحب الذراع ، واسع الصدر ، متخلقاً بالصبر ، يألف الإمحاض [أي : إخلاص الود] ، ولا يعرف الإعراض ، يستريح إليه ببلابله ، ويشاركه في خلوة فكره ، ويفاوضه في مكتوماته ، وإن فيه للمحب لأعظمَ الراحات . 
وأين هذا ؟! 
فإن ظَفِرَتْ به يداك : فشدهما عليه شد الضنين ، وأمسك بهما إمساك البخيل ، وصنه بطارفك وتالدك ، فمعه يكمل الأنس ، وتنجلي الأحزان ، ويقصر الزمان ، وتطيب النفس ، ولن يفقد الإنسان من صاحب هذه الصفة عوناً جميلا ، ورأياً حسناً . 
" طوق الحمامة " ( ص 164 ) .
هذه هي الصفات المتمناة في الأخ المحبوب في الله ، وقبل أن أطلبها في غيري أسأل نفسي : هل هي محقَّقَة فيَّ ؟ وإذا كنَّا نفتقد أخاً مثل الصحابي سعد بن الربيع الذي يعرض على أخيه عبد الرحمن بن عوف شطر ماله وشطر نسائه : فإننا نفتقد أكثر لمثل عبد الرحمن بن عوف الذي تعفف عن مال أخيه وذهب ليعمل بكد يديه .
فلتعش واقعك أخي السائل ، واقعا يقول لك : إن ثمة خللا في الأخوة في الله ، وفي الحب في الله ، وذاك له أساب كثيرة متشابكة ، من ضعف الإيمان ، وانتشار الحزبية ، والعصبية ، والجهل ، وحب الذات ، والتعلق بالدنيا ، ونقص الثقة في الآخرين .. ، قال الله تعالى – واصفاً حال الإنسان - : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الأحزاب/ 72 . 
سألتُ الناسَ عن خلٍ وفيٍ فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسكْ إن ظفِرت بذيل حُر فإن الحرَّ في الدنيا قليل
ولا يعني هذا أن تيأس من أن تجد أخاً صادقاً صدوقاً ، حبيباً محبّاً ، لكننا نتكلم عن واقع مرير ، وأخوَّة اعتراها نقص شديد ، وليست الشكوى من قلة الإخوان فقط في هذا الزمان ، بل هي كذلك في القرون الأولى ، فعليك أن تعيش مع هذا ، وأن تعلم أن الناس لا يخلون من عيوب ، وكما قيل " من طلب أخاً بلا عيب : بقي بلا أخ " ! 
وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّهرَ صَاحِبُ
فاحرص أن تكون أنت الأنموذج الجميل للإخوَّة الصادقة ، في دينك ، وخلقك ، واعلم أنك ستجد - إن شاء الله - من يكون أخاً لك على مثل ما أنت عليه .
واعلم أنه إذا كانت الأخوَّة في الله الحقيقية قليلة في هذا الزمان : فإن الباحث عنها أقل من القليل .
واستمع لشكوى من إمام في العلم مثل شكواك ، وانظر كيف عالجها ، في كلام يشبه ما ذكرناه آنفاً من واقع الحال ، مع التنبيه أن هذا الإمام كان يعيش في القرن السادس ! .
قال ابن الجوزي – رحمه الله - :
كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب .
ثم انتبهت لنفسي ، فقلت : وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء .
فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم .
إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة " .
فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم .
فقد قال يحيى بن معاذ : بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك .
وجمهور الناس اليوم معارف ، ويندر فيهم صديق في الظاهر ، فأما الأخوَّة والمصافاة : فذاك شيء نُسخ ، فلا يُطمع فيه .
وما رأى الإنسان تصفو له أخوَّة من النسب ، ولا ولده ، ولا زوجته .
فدع الطمع في الصفا ، وخذ عن الكل جانباً ، وعاملهم معاملة الغرباء .
وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود ؛ فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره ، وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك .
وقد قال الفضيل بن عياض : إذا أردت أن تصادق صديقاً : فأغضبه ، فإن رأيته كما ينبغي : فصادقه .
وهذا اليوم مخاطرة ؛ لأنك إذا أغضبت أحداً : صار عدواً في الحال .
والسبب في نسخ حكم الصفا : أن السلف كان همتهم الآخرة وحدها ، فصفت نياتهم في الأخوة ، والمخالطة ، فكانت دِيناً لا دنيا .
والآن : فقد استولى حب الدنيا على القلوب ، فإن رأيت متملقاً في باب الدين : فاخبُرهُ : تَقْلَهُ – أي : إن اختبرته : تبين لك منه ما يبعدك عنه - .
" صيد الخاطر " ( ص 391 ، 392 ) .

2017-01-07

قصّة الرّاعي والخمس دراهم


كان هناك رجل بسيط يرعى غنماً لأحد الأغنياء ويأخذ أجرته يومياً بمقدار خمسة دراهم ، وفي أحد الأيام جآء الغني إلى الراعي ليخبره أنه قد قرر بيع الغنم لأنه يود السفر وبالتالي فقد استغنى عن خدماته وأراد مكافأته فأعطاه مبلغاً كبيراً من المال غير أن الراعي رفض ذلك وفضل أجره الزهيد الذي تعود أن يأخذه مقابل خدمته كل يوم والذي يرى بأنه تمثل مقدار جهده..
وأمام اندهاش الغني واستغرابه أخذ الراعي الخمسة دراهم وقفل عائداً إلى بيته ، ظل بعدها يبحث عن عمل ولكنه لم يوفق وقد احتفظ بالخمسة دراهم ولم يصرفها أملاً في أن تكون عوناً له يوماً من الأيام ..
وكان هناك في تلك القرية رجل تاجر يعطيه الناس أمولاً فيسافر بها ليجلب لهم البضائع وعندما حان موعد سفره أقبل عليه الناس كالمعتاد يعطونه الأموال ويوصونه على بضائع مختلفة فكر الراعي في أن يعطيه الخمسة دراهم عله يشتري له بها شيئاً ينفعه ، فحضر في من حضروا وعندما أنصرف الناس عن التاجر أقبل عليه الراعي وأعطاه الخمسة دراهم سخر التاجر منه وقال له ضاحكاً : ماذا سأحضر لك بخمسة دراهم؟
فأجابه الراعي: خذها معك وأي شيء تجده بخمسة دراهم أحضره لي .
استغرب التاجر وقال له : إني ذاهبٌ إلى تجار كبار لا يبيعون شيئاً بخمسة دراهم هم يبيعون أشياء ثمينة .
غير أن الراعي أصر على ذلك وأمام إصراره وافق التاجر،..
ذهب التاجر في تجارته وبدأ يشتري للناس ما طلبوه منه كلٌ حسب حاجته وعندما انتهى وبدأ يراجع حساباته لم يتبقى لديه سوى الخمسة دراهم التي تعود للراعي ولم يجد شيئاً ذا قيمة يمكن أن يشتريه بخمسة دراهم سوى قط سمين كان صاحبه يبيعه ليتخلص منه فأشتراه التاجر وقفل راجعاً إلى بلاده ..
وفي طريق عودته مر على قرية فأراد أن يستريح فيها وعندما دخلها لاحظ سكان القرية القط الذي كان بحوزته فطلبوا منه أن يبيعهم إياه واستغرب التاجر اصرار أهل القرية على ضرورة أن يبيعهم القط فسألهم فأخبروه بأنهم يعانون من كثرة الفئران التي تأكل محاصيلهم الزراعية ولا تبقي عليهم شيئاً وأنهم منذ مدة يبحثون عن قط لعله يساعدهم في القضاء عليها وأبدوا له استعدادهم بشراء القط بوزنه ذهباً وبعد أن تأكد التاجر من صدق كلامهم وافق على أن يبيعهم القط بوزنه ذهباً وهكذا كان ..
عاد التاجر إلى بلاده وأستقبله الناس وأعطى كل واحدٍ منهم أمانته حتى جآء دور الراعي فأخذه التاجر جانباً واستحلفه بالله أن يخبره عن سر الخمسة دراهم ومن أين تحصل عليها استغرب الراعي من كلام التاجر ولكنه حكى له القصة كاملة عندها أقبل التاجر يقبل الراعي وهو يبكي ويقول بأن الله قد عوضك خيراً لأنك رضيت برزقك الحلال ولم ترض زيادة على ذلك وأخبره القصة وأعطاه الذهب.
هذا معني الرزق الحلال .. أن تترك بعض الحلال تعففا عن الحرام

2017-01-06

إخلال وإحلال


منهج الإسلام مبني على "الواقعية" في بناء السلوك الحسن ومعالجة السلوك السيئ، وذلك أنه يراعي قدرة الإنسان المحدودة وصفات الضعف التي تعتريه كالنسيان والعجلة وغيرهما، ولذا ذكر الله تعالى حكاية عن المؤمنين لما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا» الآية.
والأحكام الشرعية في الإسلام صيغت إما أوامر للعمل الطيب، وثوابه الجنة ترغيباً، أو نواهي عن العمل السيئ، وعقابه النار ترهيباً، وعلى المرء أن يعمل ما يستطيع ويبذل قدرته، فإذا قصر في العمل الصالح كالصلاة أو الصوم أو الزكاة وغيرها أو مارس عملا محرما خاطئا كالكذب أو الغيبة؛ حينئذ لا يقنط الإسلام المرء من التصحيح، ولا يؤيسه من رحمة الله.
لقد شرع له ثلاثة أعمال طيبة: الأول التوبة وهي ترك الذنب مباشرة، وثانيها الاستغفار ودعاء الله بمغفرة الذنب وعدم المؤاخذة، وثالثها الكفارات المطلقة والمقيدة، الكفارات هي عمل الصالحات سواء مطلقة كالأذكار وسنن الصلوات والصوم وغيرها، أو المقيدة ككفارة الحلف، وإفطار رمضان وغيرهما.
وهنا ملمح مهم وجميل في معالجة الخطأ بالإسلام انه يؤكد لمغفرة الخطأ وتسهيل معالجته على النفس، العمل الطيب الصالح مباشرة بعد الذنب أو الخطأ، فذلك أولاً يقلل أثر الخطأ السابق في النفس، ويضعف قوته، ثم يمحو أثره من القلب والنفس، إضافة إلى أن المرء لما عمل ما يغضب الله فأتبعه بما يحبه فذلك يفتح المجال للمغفرة والرحمة ولذا وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر ومعاذا -رضي الله عنهما- لما بعثهما لليمن بثلاثة توجيهات للعلاقة مع الله والنفس والناس، «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، والشاهد: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها» فالتوجيه النبوي قرر إمكانية وقوع الخطأ منهما! طيب ما العمل؟ مباشرة الإحلال بعد الإخلال، وعمل طيب بعد الخطأ، فذلك يمحو أثر الخطأ من القلب ويهيئ لمغفرته من الرب، وهذا ما أكدته آية سورة هود وسبب نزولها: «وأقم الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ».
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له فأنزلت عليه: «وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين»، قال: الرجل ألي هذه؟ قال: لمن عمل بها من أمتي؟ وفي لفظ: فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: بل للناس كافة.
والإنسان مادام معرضا للأخطاء في حياته فتح الله له أبواب التصحيح الكبيرة لمعالجة النفس واقعياً وربانياً؛ وهذا المنهج ليس معناه التهوين من الأخطاء والذنوب، وتسهيل مقارفتهما على النفس! لا.. وإنما توجيه رباني بعمل الحسن بعد القبيح، والطيب بعد الخبيث، فالإحلال بالصالحات بعد الإخلال بالطالحات من أعظم ما يحمي القلب من اليأس، ويحفظ القدم من السقوط الكبير، ويمنح النفس حياة ونوراً وحركة إيجابية إيمانية في الحياة.

قصة رائعة

يحكي أن رجلا ﺃﻋﺮﺍﺑﻴﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﺧﻴﻤﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﺟﺪﺍ ﺣﺘﻰ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﺠﺪ ﻟﻘﻤﺔ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻫﻮ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ . ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺭﺍﺿﻴﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺸﺘﻜﻲ ﺃﺑﺪﺍ .
ﻭﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺃﺷﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻧﺎﺭﺍ ﻟﻴﺘﺪﻓﺄ ﻫﻮ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺒﺮﻭﺩﺓ ... ﻭﻓﺠﺄﺓ ﺳﻤﻊ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﺻﻮﺕ ﺧﻴﻮﻝ ﺗﻘﺘﺮﺏ .ﻓﺮﺃﻯ ﺭﺟﻠﻴﻦ ﻓﺮﺣﺐ ﺑﻬﻤﺎ ﻭﻗﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﺪ ﻟﻬﻤﺎ ﻃﻌﺎﻣﺎ .
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ : ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺍﻟﻀﻴﻔﻴﻦ ﻓﻘﻮﻣﻲ ﻭﺍﺫﺑﺤﻲ ﺍﻟﺸﺎﺓ ﻭﺃﻋﺪﻱ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻟﻬﻤﺎ .
ﺳﻤﻊ ﺍﻟﺮﺟﻼﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ ، ﻓﻌﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻻ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺇﻻ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺎﺓ ﻓﺤﺎﻭﻻ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻌﺎﻩ ﻣﻦ ﺫﺑﺢ ﺍﻟﺸﺎﺓ لكن  اﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺭﻓﺾ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺍﻟﻀﻴﻔﻴﻦ .
ﻭﺑﺴﺮﻋﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻗﺎﻣﺖ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﻭﺫﺑﺤﺖ ﺍﻟﺸﺎﺓ ﻭﺃﻋﺪﺕ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﺄﻛﻼﻭﺷﺮﺑﺎ ﻭﺑﺎﺗﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺛﻢ ﺍﻧﺼﺮﻓﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺷﻜﺮﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲﻋﻠﻰ ﻛﺮﻡ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ﻟﻬﻤﺎ .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﺒﺎﻛﺮ ﺍﻧﺼﺮﻑ ﺍﻟﺮﺟﻼﻥ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻃﻠﺒﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ
ﺯﻳﺎﺭﺗﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺃﻗﺮﺏ ﻭﻗﺖ .ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻫﻤﺎ : ﺣﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻭﺯﻳﺮﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﺺ .
ﻭﺑﻌﺪ ﻋﺪﺓ ﺃﻳﺎﻡ ﺫﻫﺐ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻇﻞ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺟﺪﻫﻤﺎ ، ﻭﻟﻜﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻠﻤﻬﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ : ﻛﻴﻒ ﺃﻃﻠﺐ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﺿﻌﻴﻒ ﻭﻻ ﺃﻃﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺮﺍﺯﻕ (ﺟﻞ ﻭﻋﻼ ) ﻓﻌﺎﺩ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺯﻭﺟﺘﻪ
ﺑﻤﺎ ﺣﺪﺙ ﻓﻔﺮﺣﺖ ﺑﺰﻭﺟﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻣﺘﻸ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ .
ﻭﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻫﺒﺖ ﺭﻳﺢ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻓﺤﻄﻤﺖ ﺍﻟﺨﻴﻤﺔ ﻓﻘﺎﻡ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻫﻮ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﺒﺎﻛﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ .
ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺤﻔﺮ ﻟﻴﺜﺒﺖ ﺍﻟﺨﻴﻤﺔ ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺠﺪ ﺻﻨﺪﻭﻗﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ
ﻓﻔﺘﺤﻪ ﻓﻮﺟﺪﻩ ﻗﺪ ﺍﻣﺘﻸ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﻭﺍﻟﻔﻀﺔ ﻓﻔﺮﺡ ﻓﺮﺣﺎ ﺷﺪﻳﺪﺍ ﻫﻮ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ ... ﻭﻗﺮﺭ ﺃﻥ ﻳﺒﻴﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻨﺰ ﻭﺃﻥ ﻳﺒﻨﻲ ﻗﺼﺮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ .
ﻭﺑﻨﻰ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻗﺼﺮﺍ ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮﺓ ﻭﻷﻭﻻﺩﻩ ... ﻭﺳﻤﻊ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺒﻨﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺃﺣﺪ ﺟﻨﻮﺩﻩ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻓﺬﻫﺐ ﻭﻋﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻟﻴﺨﺒﺮﻩ ﺃﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺭﺟﻞ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺧﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﻓﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻨﺰ ﻓﺒﻨﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ . ﻓﺬﻫﺐ ﺣﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻭﺯﻳﺮﻩ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻫﻤﺎ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻋﺮﻓﻬﻤﺎ ﻭﻋﺮﻑ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻭﺃﻥ ﺍﻵﺧﺮ ﻫﻮ ﻭﺯﻳﺮﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﺺ ﻓﻔﺮﺡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ .
ﺳﺄﻟﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ : ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺄﺕ ﺇﻟﻴﻨﺎ ؟ ﻗﺎﻝ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ : ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺖ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﻟﻢ ﺃﻋﺮﻑ ﺃﻧﻚ ﺣﺎﻛﻢ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻤﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻛﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﺯﻗﻨﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ .
ﻓﻔﺮﺡ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﻜﻼﻡ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻭﺃﺧﺒﺮﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻨﺬ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ
ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﻘﺮﺑﻴﻦ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ : ﻟﻘﺪ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻨﻚ ﺩﺭﺳﺎ
ﻻ ﺃﻧﺴﺎﻩ ﺃﺑﺪﺍ .
ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﺘﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﻧﺘﻮﻛﻞ
ﻋﻠى الله


يوم الصّراط


سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله عن نزول هذه الآية: ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَات ) أين سنكون ؟ قال الرسول صل الله عليه و سلم : سنكون على الصراط ،،، وقت المرور على الصراط لٱ يوجد إلا ثلاث أماكن فقط : جهنم ... الجنة ... الصراط ...
يقول الرسول صل الله عليه و سلم:"يكون أول من يجتاز الصراط أنا و أمتي" 
أول أمة ستمر على الصراط أمة محمد.
تعريف الصراط ؛ "يوم تبدل السموات و الأرض" لن يكون هناك سوى مكانين الجنة والنار ،،، ولكي تصل إلى الجنة يجب أن تجتاز جهنم 
ينصب جسر فوق جهنم اسمه "الصراط" بعرض جهنم كلها إذا مررت عليه ووصلت لنهايته وجدت باب الجنة أمامك ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا يستقبل أهل الجنة ( يا رب جنتك ). مواصفات الصراط ؛
1- أدق (أرفع) من الشعرة .
2- أحد من السيف .
3- شديد الظلمة تحته جهنم سوداء مظلمة "تكاد تميّز من الغيظ" . 4- حامل ذنوبك كلها مجسمة علي ظهرك فتجعل المرور بطيئا لأصحابها إذا كانت كثيرة والعياذ بالله أو سريعا كالبرق إذا كانت خفيفة .
 5- عليه كلاليب ( خطاطيف ) و تحتك ( شوك مدبب ) تجرح القدم و تخدشها (تكفير ذنب الكلمة الحرام والنظرة الحرام...ألخ) . 6- سماع أصوات صراخ عالي لكل من تزل قدمه ويسقط في قاع جهنم. الرسول عليه الصلاة و السلام واقفاً في نهاية الصراط عند باب الجنة يراك تضع قدمك على أول الصراط يدعو لك قائلا: "يا رب سلم . يا رب سلم" - - حبيبي أنت يا رسول الله -- يرى العبد الناس أمامه منهم من يسقط ومنهم من ينجو ولا يبالي.. وقد يرى العبد والده و أمه لكن لا يبالي بهما أيضا فكل ما يهمه في تلك اللحظة هو نفسه فقط.
يروى أن السيدة عائشة رضي الله عنها تذكرت يوم القيامة فبكت فسألها الرسول صلى الله عليه و سلم "ماذا بك يا عائشة؟" فقالت : "تذكرت يوم القيامة فهل سنذكر آباءنا ؟؟ هل سيذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة ؟؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "نعم إلا في ثلاث مواضع : عند الميزان - عند تطاير الصحف - عند الصراط" اصبروا ثم اصبروا على فتن الدنيا، فتن الدنيا سراب ،، فلنجاهد أنفسنا ولنعين بعضنا على أن نلتقي في جنة عرضها السماوات والأرض
سبحانك ما أرحمك
{ وعزتك وجلالك لأغوينـهم مادامت أرواحـهم في أجسادهم } . فيقولَ الله تـَعآلىَ :{ وعزتي وجلالي لأغفرنَ لهم ماداموا يسَتغفرونني }.
أستغفر الله أستغفر الله أستغفِر اللّه أكثروا من الاستغفآر..