السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2021-08-20

ابني يسألني في العقيدة - (1) ما لا يسع المربي جهله

 بعض القواعد العامة في طريقة إجابتنا على أسئلة الطفل. 

  أولًا:

العلم: لا يستطيع الوالدان الإجابة على أسئلة الطفل دون العلم بالإجابة أولًا؛ ففاقد الشيء لا يعطيه؛ لذا وجب عليهما طلب العلم، وبفضل الله أصبح العلم سهلَ المنال، فيستطيع الواحد منا أن يتعلم وهو في بيته دون الحاجة إلى عناء السفر؛ وأذكر منها على سبيل المثال: برنامج صناعة المحاور، دبلوم مدكر، أكاديمية التفسير، وغيرها الكثير والكثير من سلاسل علمية ومرئيات لعلماء أفاضل.   ثانيًا: 

التبسيط: وهذا من ضمن الأخطاء، فأحيانًا يمتلك الوالدان العلمَ ولكن لا يستطيعان إيصاله إلى الطفل بحسب فهمه واستيعابه، فتأتي الإجابة لتضيف أسئلة أخرى فوق السؤال الأساسي، فالطفل ما زالت فطرته سليمة وعقله سليمًا ينسجمان مع العقيدة الصحيحة، ويجد فيها الاطمئنان والسكون، إذا وصلت إليه المعلومة بالطريقة الصحيحة.  

 ثالثًا: 

المباشرة: وهذا الخطأ كنتُ أقع فيه، فأظن أن الأسلوب القصصي هو دائمًا الأسلوب الأمثل لإيصال المعلومة، ولكن لم تكن استجابات الأطفال واحدة، فبعضهم كان يملُّ، والبعض الآخر يشعر بأنه دخل متاهة، فكنت أرى أحيانًا أن الأسلم أن تكون الإجابة مركزة ومباشرة؛ لتتأكد المعلومة في نفس الطفل دون زيادة قد لا تفيد بقدر ما تضر.  

 رابعًا: 

البحث: لا يخجل الوالدان من قول: لا أعلم، ولستُ أدري؛ فلا خطأ في ذلك، بل أحيانًا يكون قولها مفيدًا عندما يبحثان مع الطفل على الإجابة، وتكون مرجعهما إلى القرآن والسنة؛ فيتعلم الطفل كيف يبحث وأين يبحث، وألَّا يتحدث فيما لا يعلم، فأمور الدين لا يصلح فيها ذلك. 

  خامسًا: 

فهم السؤال: كثيرٌ من أسئلة الطفل تكون نابعة من تفكيره في المرحلة العمرية التي يمر بها، فإذا علمنا حصائد تلك المرحلة، ولماذا يسأل الطفل هذا السؤال - علمنا كيف نجيبه إجابة صحيحة يفهمها الطفل ويطمئن لها. 

  سادسًا: 

التكرار: ما نريد ترسيخه نكرره على مسامع الطفل؛ ليثبت وتكون بمثابة قواعد أساسية في تفكيره، وحبذا لو كانت آيات وأحاديث صحيحة؛ ليعلم الطفل أن هذين المصدرين هما الأساس في الإجابة.


دور الآباء في غرس حب القراءة لدى الأبناء




 ارتبطت الإجازةُ في عقولِ كثير من الآباء باللعب والنوم والكسل والخمول، وتربَّى الأبناءُ على ذلك، فأول ما تأتي الإجازة الصيفيَّةُ تبدو بعضُ العبارات التي يكررها الآباءُ، و لها دورٌ سلبي في تعزيز المفاهيم السلبيةِ، وتنميتها لدى الأبناء.

  من هذه العبارات: (خلصت المدرسة؛ العب على كيفك)، أو (الآن تقدر تنام إلى الظهر...)، أو (انسَ كل شيء يتعلق بالمدرسة)، وهذه العباراتُ يَفهمُ منها الطفلُ شيئًا واحدًا، وهو أن أوقاتَ الإجازةِ يجبُ أن نقضيَها في النوم واللعب؛ فترى الابنَ يقضي وقتَ الفراغ الطويلَ في أمور لا تعودُ عليه بالنفع والفائدة؛ بل قد تضرُّه في حياته؛ فيتركُ الآباءُ أبناءهم من غير توجيه أو إرشاد أو رقابة، معتبرين هذه الفترةَ عبارةً عن وقت للراحة والنقاهة، بعد الجهد الكبير الذي بذله الأبناءُ خلال العامِ الدراسيِّ المنصرم، وقد يؤدي هذا الإهمالُ في النهاية إلى انحراف سلوكِ كثيرٍ من الأبناء في هذه الفترة، وسقوطِهم في وحل الفساد والضياعِ، وكان الواجبُ على الآباء في هذه المرحلة أن يجعلوا من أوقات الإجازةِ الطويلة للأبناء فرصةً لمتابعتهم، والجلوسِ معهم، واستغلالِ أوقاتهم ببرامجَ هادفةٍ تُنمِّي الفكرَ، وتنشطُ النفسَ، وتهيئ الطالبَ لاستقبال الدراسة الجديدةِ بنشاط وحيويةٍ، وتقضي على الخمول والكسلِ الذي يشعرُ به الأبناءُ، وتغرسُ فيهم أهميةَ استغلالِ وقت الفراغ بما يطوِّرُ وينمِّي من مهاراتهم العملية والعلمية.   

ولا يُفهم من حديثنا هذا منعُ الأبناء من اللعب، أو حرمانُهم من النوم بحال من الأحوال؛ ولكن الهدف الأولَ منه تنظيمُ الأوقات، واستغلالُها بالشكل الصحيح، بحيث يكتسبُ الابنُ في الإجازة مهارةً تفيدُه، أو ينمي فكره، أو يغرس قيمةً من القيم، أو يتعلمُ صنعةً، فقضاء الأبناء أوقاتَهم بالنوم والكسل أمرٌ ممقوت، وهو وسيلةٌ لتسلُّط الشيطان، وطريقٌ خِصب لرفقاء السوء، وتنظيمُ الوقت يحميه من ذلك كلِّه، ويُشعرُه بقيمة الوقتِ وأهميته بالنسبة له؛ فقد قال عبدالله بنُ مسعود: "إني لأمقُتُ الرجلَ يبِيتُ يومه لا في عمل دنيا أو آخرة"، وهناك وسائلُ كثيرةٌ يمكن للآباء عملُها لاستغلال وقت الفراغِ لدى الأبناء، ولا تأخذُ من وقتهم وجهدهم إلا القليلَ؛ وهي غرسُ ثقافة حبِّ القراءة والمطالعةِ لدى الأبناء، فنحن أمةٌ تميَّزت رسالتها بأنها بدأت بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} [العلق: 1]؛ إشعارًا للأمة بأهمية القراءة. 

  فالقراءةُ هي مفتاحُ العلوم والمعارفِ، وهي الوسيلةُ الأولى للتطوير الشخصيِّ وتنميةِ الفكر، ونشر الوعي بين الناس، وبالقراءة تتفتحُ مداركُ الذهن وتنمو؛ فالأمةُ التي تقرأُ هي الأمةُ التي تسُودُ؛ فقد قال أحد المفكرين الأوربيِّين: (سُئِلتُ عمن يقودُ الجنسَ البشريَّ، فأجبتُ: الذين يعرِفون كيف يقرؤون)، وهناك وسائلُ كثيرةٌ لكي نغرسَ في أبنائنا حبَّ القراءةِ والمطالعة في الكتب والمجلات النافعةِ، وننشئَ جيلًا تكون القراءةُ جزءًا من شخصيته وكيانِه.   من هذه الوسائل التي ينبغي اتباعُها مع الأبناء: 

1- أن يكونَ الآباءُ هم القدوةَ للأبناء؛ فالأبناءُ يتعلمون من الآباء الكثيرَ من العلوم والمعارف عن طريق مراقبتهم، ومحاولة تقليدِهم في كثير من الأمور التي يعملونها، فعندما يرى الابنُ الوالدينِ منشغلينِ بالقراءة والمطالعة، يكونُ لديه فضولٌ في تقليدهم والعمل مثل عملهم؛ وكما قيل: وينشأُ ناشِئُ الفتيان مِنَّا *** على ما كان عوَّدَه أبوه   

2- تخصيصُ وقتٍ معيَّن للقراءة الجماعيةِ؛ الأبناء مع الآباء: ولو لساعة واحدةٍ في اليوم، ولتكن على قائمة جدولِ المهام للأسرة؛ فتخصيص ساعة تتشاركُ فيها العائلةُ في قراءة كتاب، أو تصفُّحِ مجلة - يوصِّل رسالةً للأبناء باهتمام الآباءِ بالقراءة، وحرصِهم عليها؛ مما يعززُ أهميةَ القراءة في حياتهم، والأجمل أن يُتركَ الأمرُ للأبناء في تحديد نوع الكتابِ الذي يحبُّون قراءتَه، والساعةِ التي تناسبُهم، والإعدادِ والترتيبِ لها؛ مما يزيد من حرصهم عليها والتشوق لها.  

 3- اختيار الكتبِ المناسبة لعمْرِ الابنِ، والمحبَّبة إليه؛ فعلى الآباء أن تكونَ لديهم قاعدةٌ من البيانات عن ابنهم: (ما هي الأشياء التي يميل إليها؟ وما هي المواضيعُ التي يرغب في طرحها؟ وما هي أهم اهتماماته وهواياته؟)؛ فيُحضرون له كتبًا تناسبُ هذه الاهتمامات، وتنمِّيها بأسلوب شائق ومثير.  

 فينجذبُ الطفلُ إلى قراءة هذه الكتبِ أو المجلات ومطالعتها؛ لأنها تتحدثُ عن شيء يحبُّه ويرغبُ فيه، ومع الوقت سيألفُ الابنُ القراءةَ ويحبها، فخبراءُ التطوير النفسيِّ يقولون: "إنه كي يعتادَ الإنسانُ على أمرٍ ما، ويصبحَ عادة ثابتةً في حياته؛ عليه أن يمارسَه لمدة 21 يومًا".  

 4- التدرجُ في تعويد الأبناءِ على القراءة: فإن الأطفالَ يمَلُّون بسرعة من القراءة؛ فلا ينبغي أن نجبرَهم على قراءة كتابٍ خلال فترةٍ معينة؛ لأن الهدفَ ليس كمَّ الكتبِ التي قرأها الابنُ؛ ولكنَّ الهدفَ هو كيف نغرسُ حبَّ القراءةِ لدى الابنِ بحيث يستمرُّ في القراءة كلَّ يوم ولو لصفحة واحدة؟ فقليلٌ دائم خيرٌ من كثير منقطعٍ، والأجملُ أن نحضرَ الكتبَ التي تحتوي على ورقات قليلةٍ جدًّا، وفيها تصاويرُ ورسوماتٌ، والتي يمكنُ أن يقرأَها الطفلُ خلال فترةٍ قصيرةٍ؛ فيشعر بحلاوة الإنجازِ، ونشوةِ الفوز، فيُقبِلُ على الآخَر، وهكذا. 

  5- إلحاقُ الطفلِ بالمراكز والنوادي الثقافيةِ التي تُعنى بالقراءة والمطالعة؛ فهذه المراكزُ تعتبرُ محاضنَ تربويةً هامة لتنشئة جيل واعٍ مهتمٍّ بالقراءة والمطالعة؛ فيتعرفُ الابنُ على أصدقاء يحثُّونه ويشجعونه عليها؛ فإن الابنَ إذا رأى أقرانًا وأصدقاءَ مبدعين في جانبٍ، فإنه يميلُ إلى منافستهم، والرغبةِ في أن يكونَ مثلَهم أو أحسنَ منهم.   

6- التشجيعُ والتحفيزُ للطفل بالهدايا؛ والأروعُ أن تكونَ الهديةُ كتابًا يقرؤُه أو يشتريه بنفسه مكافأةً له؛ فعندما يعطَى الطفلُ الكتابَ كهديةٍ ترتسمُ صورةٌ ذهنية بأن الكتابَ شيءٌ له قيمة كبيرةٌ في حياة الآباء؛ لذلك منَحَاه هذه الهديةَ؛ فيزداد شغفه بالكتب والاهتمام بها.  

 وفي الختام أوجِّه رسالةً للآباء:

 إن الغايةَ والهدفَ ليس أن تنشئَ طفلًا يقرأُ؛ وإنما أن ننشئَ جيلًا يحبُّ القراءةَ، ويحرص عليها، وأن تكون ثقافةُ القراءة جزءًا من شخصيتنا وتكويننا.



هل يكفينا أن نعتذر



 هل يكفينا أن نعتذر

نصمت في حضرة الأوجاع ونفتح مناديلنا ونبكي فوقها كما لم نفعل من قبل ونغتسل بالمساوئ التي أحدثها الإنسان فوق هذا الكوكب الذي لم يعد في وسعه أن ينجب زهرة جديدة تحت هذا الرّماد الذي احدثته النيران الهائلة التي ابتلعت الأشجار ، والبيوت واقتلعت الأرواح وتحوّلت الجبال الخضراء الفسيحة إلى كتلة ضخمة من اللّهيب الذي حجب دخّانه منظر الأمل الذي نعزّي أنفسنا بالنّظر إليه كلّ ليلة .
ليس في وسعنا سوى الصّمت أمام هذا العزاء الذي سلّمنا له مشاهد الحبّ بدمعة فراق تغنينا عن كلّ حرف في اللغة ، وما اكتفينا من تسليم أحبّتنا للأرض باكرا بسبب الوباء الذي حصد القلوب وجعل الأرواح جافّة كالصّيف ليكتمل مسرح الأوجاع بلسعات النيران التي أشعلت بلدنا الحبيب في كثير من الولايات وجعلتنا نصمت أكثر في حضرة هذه المصائب التي لا نملك أمامها سوى الدّعاء .
هل يكفينا أن نعتذر للأشجار التي تمنحنا الحياة بشكل مستمرّ ، هل يعوّض البكاء صراخ الحيوانات المسكينة التي لا ذنب لها سوى أنّها شاركتنا الأرض بكرمها ، هل يكفي أن نضع زهرة محروقة على قبر من ماتوا حرقا في بيوتهم الآمنة .
هل يكفينا حقّا أن نقف نادمين على هذا الوضع الكارثي الذي خرج من مشهد خيالي مجنون وصار حقيقة تعاش.
اللهم كن مع اخواننا في تيزي وزو وبجاية وجيجل وفي كل مكان طالته النيران، اللهم ارحم أمواتهم واشف مرضاهم وعوضهم ما خسروه.
بقلم عبد النور خبابة

سامحنا يا جمال



 سامحنا يا جمال

قلب كنجمة وحبّ بحجم كوكب ، ونخوة بمقاس البطولة وجناحان يدركان خطورة الامتزاج بالنّيران ولكنّ الرّوح التي تشكّلت بداخله لا تساومه على قداسة الانتماء لوطنه ، قدح الرّجولة الذي احتساه من ضرع الأرض اقتلعه من جذعه وطمره في مهمّة نبيلة علّمته الغوص في الألوان بلا خوف من رماديّة النّفوس التي هدمت نقاوته وجعلتها قبسا للنّار .
حمل غصنا أخضرا وغرزه في عين الرّماد ، بثّ كلمات متوقّدة على شاشاتنا المفتوحة على الجراح دوما ليضمّدها ، توحّد مع نيران الغابات المحترقة ليمسح الدّخان من جباه المتضرّرين تاركا خلفه دمعة امّ وصرخة أب .
أقبل الفتى إقبال العصفور للغصن المكسور ، أقبل كفراشة حطّت فوق زهرة محروقة ليضمّد بنقاوته السّواد الذي انتشر في كلّ مكان ولكنّ النّار التي دخلها كانت أكبر منه ، التهمته نار أفتك من تلك التي أكلت طمأنينة الأشجار والحيوانات ، نار التّهوّر والحقد والظّلم التي طالت روحه بلا رحمة ودهسته كقشّة حقيرة انفلتت من الشّوك الكثيف كانت أحرّ وألسع من أي نار طالتنا .
أمام أعيننا لم يكن المشهد قابلا للتّصديق ، لم تكن عقولنا متأهبة لرؤية فاجعة كهذه ، لم نستوعب إن كان حقيقة أم فيلما مرعبا ، لم يكن سهلا علينا أن نراه مدهوسا بالأقدام بلا رحمة ، لم يكن هيّنا أن يظلم بهذه الطّريقة الموجعة التي لم أشهد لها منظرا مماثلا في حياتي ، أيعقل أن يحدث كلّ هذا لعصفور اعتقد أنّ كلّ شجرة هي موطنه ، وأنّ كلّ زهرة هي حبيبته ، وأنّ كل الغابات هي أمّه ، وأنّ زناد الحبّ كلّ رصاصاته التي تأهّب لإطلاقها في عين من أفسدوا لنا الحياة .
معركة خاسرة تلك التي ندخلها بلا ضمير أو دليل ، أجساد بلا قلوب أنهت حياته بأبشع طريقة دون أن تسأله أو تحاسبه أو تترك له فرصة للدفاع عن نفسه ستظلّ ندبة عفنة محفورة في تاريخ الإنسان البشع الذي ما ترك لنا كرامة نقف عليها ، أو أملا نسند ضعفنا عليه ...
كيف كان شعورك وأنا أحاول أن أضع نفسي مكانك بداخل الشاحنة وأنت محاط بملايين البشر الغاضبة ، الجميع يحيطون بك يصرخون ، يتوعّدونك ، يطالبون بروحك ، أنت لا تفهم ما يحدث في تلك اللحظة تريد أن تشرح ولكن لا أحد يسمعك ، الشاحنة تهتزّ يحاولون اقتلاعك منها ، يجرّونها بحنق ينتشلونك منها كأنّك مذنب تراك ماذا قلت لهم وهم يجرّونك نحو الأرض ، أنا بريء ، أنا خوكم موحال نغدر بيكم ، أنا مش أنا لا أحد يسمعك تتلقّى ضربات قاتلة في كلّ مكان في جسدك لا تزال تقاوم تبحث بينهم عن قلب حيّ له ضمير لا تجد . الكلّ تحوّل إلى نار بشرية تحاول التهامك في تلك اللحظة كم ضاق نفسك كم شعرت بالظّلم ، كم حاولت أن تصمد ولكنك وحيد وسط الحشد لا ذنب لك سوى أنّك جئت للمساعدة ، ليس في جيبك سوى روحك المتضامنة ، تذكّرت في تلك اللحظة أنها نهايتك ، أمّك تظهر فوقهم كغيمة رحيمة ووالدك وراء الحشد يلوّج لك ، لم يعد وجهك يعرف من كثرة الضرب والدّعس والرّكل ، متى فقدت وعيك كي لا أشعر بالألم أكثر فحينها فقط يمكنهم فعل أي شيء ولا تحسّ ، لا ترى ما يفعلونه بجسدك البريء ، ماذا كانت آخر نداءاتك ، أين نظرت ، ماذا تمنيت ..........
روحك الطاهرة صعدت وهي تحمل نواياك الطيبة ، جسدك لم يعد يحسّ بالغدر والاحتراق ولكنّ قلبي أحسّ واحترق وكتب ولا يزال تحت تأثير الصدمة
هاذوا بشر ولا وحوش ؟
لا حول ولا قوّة إلا بالله تقطّع وريدي
رحل الفتى بوجه مشوّه مليء بالدمّ ، رحل وإصبعه المرفوع نحو الله يستنجد به وحده ، رحل بين أرجل الطّغاة وهو يجرّ كقشّة ، رجل وهو يحترق لحما وعظما وروحا أمام من ظلموه ، أوجعونا يا جمال بك وما عاد لنا قدرة على الكتابة أو التّنفّس أو الكلام مخنوقون نحن بهذا المشهد الذي غدر بك وجعلك عصفورا فوق الأرض وفي الجنّة وحدها يمكنك أن تبتسم ، يمكنك أن تأخذ بثأرك أمام العدالة الإلاهيّة .
منحنا الله القوة على تحمّل مشهد استشهادك المؤلم ، وألهم والدك الحكيم الصّبر ووالدتك أطنانا هائلة من الطّمأنينة فقلبها يحترق مع كلّ دمعة وذكرى وصورة وصرخة تناديك من خلالها ولا تردّ فقط ذكرياتك تحوم حولها لتزيدها ألما .
🖋
بقلم عبد النور خبابة

شـرح_الـحـديـث

 


يَحْكي أبو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بنُ الحَارِثِ رضِيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومَ النَّحْرِ في حَجَّةِ الوَداعِ : إنَّ الزَّمانَ في انْقِسامِهِ إلى الأعْوامِ ، والأعْوامَ إلى الأشْهرِ ، عادَ إلى أصلِ الحِسابِ والوَضْعِ الَّذي اختارهُ الله ووَضَعَهُ يَومَ خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ.
🔅
السَّنةُ اثْنَا عَشَرَ شَهرًا منها أربعةٌ حُرُمٌ ؛ ثلاثةٌ مُتَوَالِياتٌ : ذو القَعْدَةِ للقُعودِ عنِ القتال ، وذُو الحِجَّة للحَجِّ ، والمُحَرَّمُ لتَحريمِ القِتالِ فيهِ ، وواحدٌ فَردٌ ، وهو رَجَبُ مُضَرَ ؛ لأنَّها كانتْ تُحَافِظُ على تَحريمِهِ أشدَّ منْ مُحافظةِ سائرِ العربِ ، ولمْ يَكُنْ يَسْتَحِلُّهُ أحدٌ منَ العربِ ، الَّذي بين جُمَادَى وشَعْبانَ.
▪️
فسألَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أيُّ شَهرٍ هذا؟ وأيُّ بلدٍ هذا؟ وأيُّ يومٍ هذا؟ وفي كُلِّ مَرَّةٍ يُجيبونَهُ : الله ورسولُهُ أعلَمُ ؛ مُراعاةً للأدبِ وتَحَرُّزًا عنِ التَّقدُّمِ بينَ يَدَيِ الله ورَسولِهِ وتَوقُّفًا فيما لا يُعْلَمُ الغَرَضُ مِنَ السُّؤالِ عنه ، فَسكتَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى ظَننَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسمهِ. فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الشَّهرِ : إنَّه ذو الحِجَّةِ ، والبلدُ مَكَّةُ ، واليومُ يومُ النَّحْر.
▪️
ثُمَّ قال : فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عَليكمْ حَرامٌ كَحُرْمَةِ يَومِكم هذا في بَلدِكم هذا في شَهرِكم هذا ، وهذا فيه تَأكيدٌ شَديدٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على تَحريمِ هذِه الثَّلاثةِ ، وهي : الدِّماءُ وتَشْمَلُ النُّفوسَ وما دونَها ، والأموالُ وتَشْمَلُ القَليلَ والكَثيرَ ، والأعراضُ وتَشْمَلُ الزِّنا واللِّواطَ والقَذْفَ ونَحوَه ؛ فكُلُّها محرَّمَةٌ أشدَّ التَّحريمِ ، وحَرامٌ على المُسلمِ أنْ ينتَهِكَها منْ أخيهِ المُسلمِ.
#وقوله : سَتَلْقَوْنَ ربَّكم فَسَيَسْألُكم عنْ أعمالِكم ، أي : يومَ القِيامة ، وهذا تَأكيدٌ لِمَا سبقَ منْ ذِكْرِ حُرمةِ الدِّماءِ وما عُطِفَ عليها ، أي : إذا تَأكَّدَ لَدَيْكُمْ شِدَّةُ حُرْمَةِ ذلك ، فاحْذَروا أنْ تَقَعوا فيه ، فإنَّكُمْ سَوفَ تُلاقونَ ربَّكم ، فَيَسْألُكُمْ عنْ أعمالِكم ، وهو أعلمُ بها منكم ، والسُّؤالُ يَتضمَّنُ الجَزاء.
▪️
ثُمَّ قال : ألا فلا تَرْجِعُوا بَعدي ضُلَّالًا ، أي : إيَّاكُم أنْ تَضِلُّوا بَعدي وتُعرِضوا عَمَّا تَركتُكم عليه ، مِنَ التَّمَسُّكِ بِكتابِ ربِّكم وسُنَّةِ نَبيِّكم ؛ فإنَّكم إنْ مِلْتُمْ عنْ ذَلِكُمْ ضَلَلْتُمُ الطَّريقَ وارْتَكَبْتُمْ أعظَمَ ما حذَّرتُكمْ منه ، وأصبحَ يَضرِبُ بَعضُكم رِقابَ بَعضٍ ، وهذا هو الضَّلال.
ثُمَّ قال : ألَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ ، أي : الحاضِرُ الَّذي حَضرَ وسَمِعَ كَلامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُبَلِّغِ الغائِبَ ؛ فَلعلَّ بَعضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكونُ أوْعَى ، أي : أكثرَ وَعْيًا وتَفهُّمًا له مِنْ بَعضِ مَنْ سَمِعَهُ.
▪️
ثُمَّ خَتَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطْبَتَهُ بقولِهِ : ألَا هلْ بلَّغْتُ ، أي : بلَّغْتُ ما فُرِضَ عليَّ تَبليغُهُ مِنَ الرِّسالةِ ، وهو اسْتفهامٌ على جِهةِ التَّقْريرِ ، أي : قد بلَّغْتُكُمْ ما أُمِرْتُ بتبليغِهِ لكم ، فلا عُذْرَ لَكم.
ويَحْتَمِلُ أنْ يَكونَ على جِهةِ اسْتعلامِ ما عِندَهُمْ ، واسْتِنْطَاقِهِمْ بذلك ، وكرَّرَ كَلامَهُ لِيكونَ أكثرَ وَقْعًا وتَعظيمًا.
1⃣
إشارةٌ إلى بُطلان النَّسِيء ، وتَأكيدُ وُجودِ الأشهُرِ الحُرُمِ مع تَحدِيدِها.
2⃣
وفيه : تَأكيدُ تَحريمِ دِماءِ المُسلمين ، وأموالِهم ، وأعراضِهم.
3⃣
وفيه : الأمرُ بِتَبليغ العِلمِ ونَشرِه ، وإشاعَةِ السُّنَنِ والأحكام.
4⃣
وفيه : مشروعيَّةُ التَّحمُّلِ قَبْلَ كَمالِ الأهْلِيَّةِ ، وأنَّ الفَهْمَ لَيسَ شَرْطًا في الأداء.
5⃣
وفيه : أنَّ العِلمَ والفَهْمَ مُمتدٌّ في الأُمَّة ، ولَيسَ مُقْتَصِرًا على مَنْ سَمِعَ النَّبيَّ أو رَآهُ.

إنّما الصديق #موقِف


 ‏"إنّما الصديق #موقِف"

💙
ما كان #كعب بن مالك لينساها لطلحة يوم أن ذهب إلى المسجد متهللًا بعد أن نزلت توبته فلم يقم إليه أحد من المهاجرين إلا طلحة ، قام فاحتضنه وآواه بعد غياب واقتسم معه فرحته ...
‏وما كان #عثمان بن عفان رضي الله عنه لينساها لرسول الله ﷺ يوم تخلف عثمان عن بيعة الرضوان فيضع النبي يده الأخرى قائلًا : وهذه يد عثمان ...
‏و ما كانت #عائشة لتنساها للمرأة التي دخلت عليها في حديث الإفك وظلت تبكي معها ...
‏"إنما الرفاق للرفاق #أوطان ،
يغفرون الزلات ويقيلون العثرات ،
يوسعونهم ضمًا ويغدقون عليهم الحنان ، يحلون محلهم إذا تغيبوا ،
ويحسنون بهم الظنون"

2021-08-11

ولأجر الآخرة خير

 ولأجر الآخرة خير 

«ارتحلت الدُنيَا مُدبرة وارتحلت الآخِرة مُقبلة، ولكلِ واحدةٍ منها بَنون، فكونوا من أبناءَ الآخرة، ولا تكونوا من أبناءَ الدُنيَا، فإنَّ اليوم عَمَلٌ ولا حسَاب، وغدًا حسَابٌ ولا عَمَل»

 تعرض يوسف عليه السلام لصنوف من المعاناة من الجب إلى البيع في السوق إلى الخدمة في قصر عزيز مصر إلى مراودة امرأة العزيز من معها من النسوة إلى السجن بضع سنين وكان في ذلك كله يمتثل أجمل صور الإحسان فتصيبه ألطاف الله وتكون نهاية المطاف { {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } }

وإذا اللطيف حباك نفحة لطفه فاهنأ بعيش سالم التكدير وبعد أن أخبر جل وعلا أنه مكن ليوسف في الأرض جاء التعقيب العجيب { {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} } إن الآية تصيح بخُطّاب الاخرة الذين يدركون أن الدار الآخرة هي الحيوان وما سواها فمتاع الغرور الزائل إما أن يزول عنك وإما أن تزول عنه { {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} } ويؤكد جل وعلا المعنى في خاتمة السورة { {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ} } [يوسف: 109] 

ولأجر الآخرة خير، وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، لأن نعيمها لا يزول، فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " « ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا " فذلك قوله عز وجل: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} » [رواه مسلم] 

دعونا نلقي نظرة واحدة للمقارنة بين الدنيا والآخرة ولا مقارنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا، من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط» " [رواه مسلم] 

نعم والله ولأجر الآخرة خير ولدار الآخرة خير، فهذا آخر من يدخل الجنة ما هو ملكه فيها وأقل أهلها منزلة؟ يقول الله له: ( «اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها » ) [رواه البخاري ومسلم] . 

يا الله مثل الدنيا وعشرة أمثالها لرجل واحد هذه الدنيا التي شغلت الناس، عليها ينافسون، وبها ينشغلون، يُعطى أقل الناس منزلة عشرة أمثالها وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء. نعم والله ولأجر الآخرة خير ولدار الآخر كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السموات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم» رواه الترمذي وصححه الألباني نعم والله ولأجر الآخرة خير ولدار الآخر كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: « ولقاب قوس أحدكم من الجنة، خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» رواه البخاري

 ولك أن تتخيل تصوير الله جل وعلا لحالك وأنت في جنة الله تتذكر ما أصابك من كدر الدنيا وحزنها فيقول سبحانه: { {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} } [فاطر: 33 - 35] 

إن العيش الحقيقي عباد الله هو عيش الآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: قَالَ: « «اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ» » رواه البخاري ومسلم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا قَالَ: « «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الْآخِرَة» » رواه الطبراني وصححه الألباني. 

لا تركننّ إلى القصور الفاخرة *** واذكر عظامك حين تمسي ناخِرة وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل *** يا رب إنّ العيشَ عيشُ الآخرة اللهم اجعلنا من أهل الآخرة بمنك وكرمك يا حي يا قيوم. كيف نُشغل عن دار هذا بعض وصفها بدارٍ قد نبهنا الله عز وجل عن حقيقتها فقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} وقال جل وعلا :{ {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} } [الحديد: 20، 21] 

هكذا يعري الله جل وعلا حقيقة دنيانا التي نعيش فها { {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}

ثم يفجعنا بالمثل الذي صور فيه حقيقة الدنيا لعلنا ننتبه {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا}

ثم يبين حال الناس بعد هذه الدنيا الغرارة فيقول  {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} فأما من انهمك فيها واغتر بها وانشغل بلهوها ولعبها ومتاعها فتكون العقبة:{عَذَابٌ شَدِيدٌ } أجارنا الله منه وأما من أعمرها بطاعة الله عز وجل المحافظة على تقواه والبر والإحسان فتكون العاقبة {مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} ويعيد جل وعلا تجلية حقيقة الدنيا فيختم الآية بقوله { {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} } 

ثم يأتي النداء الرباني ليندبنا إلى الفوز العظيم { {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} } 

نعم والله، ولدار الآخر خير ولكن متى نفقه ذلك؟ متى تشتاق النفوس للدار الآخرة؟ متى تكون الدار الآخرة خير عندما نعمر القلوب بالإيمان والتقوى { {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} } ولنتذكر قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» » [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]

لنستمع لعليّ بن أبى طالب رضي الله عنه وهو يهتف بنا: «ارتحلت الدُنيَا مُدبرة وارتحلت الآخِرة مُقبلة، ولكلِ واحدةٍ منها بَنون، فكونوا من أبناءَ الآخرة، ولا تكونوا من أبناءَ الدُنيَا، فإنَّ اليوم عَمَلٌ ولا حسَاب، وغدًا حسَابٌ ولا عَمَل».

 اللهم اجعلنا من أهل الآخرة، اللهم اجعلنا من أبناء الآخرة بمنك وكرمك يا حي يا قيوم. 


ألا فليعتبر المعتبرون



 من صفات أولي الألباب الاعتبار بما جرى للسابقين من الأمم الخالية، والأزمان الغابرةِ، فإذا رأوا منازل السابقين، وتناهى إلى علمهم مصارع الغابرين، فيجب عليهم أن يتساءلوا عن سبب هلاكهم، وعلة دمارهم...

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}  [آل عمران: 137].   
تأمل قول الله تَعَالَى: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}، لتعلم أن من صفات أولي الألباب الاعتبار بما جرى للسابقين من الأمم الخالية، والأزمان الغابرةِ، فإذا رأوا منازل السابقين، وتناهى إلى علمهم مصارع الغابرين، فيجب عليهم أن يتساءلوا عن سبب هلاكهم، وعلة دمارهم، وكانوا أشدَّ قوة وأكثر أموالًا وأولادًا، حتى عمروا الأرض دهورًا، ونحتوا من الجبال قصورًا، وبنوا حضاراتٍ عظيمةً، وشيدوا ملكًا عريقًا، ثم مزقهم اللهُ كل ممزقٍ، وفرَّقَ شملهم بعد اجتماعٍ، فصاروا أثرًا بعد عينٍ، وجعلهم أحاديثَ يتسامرُ بها السمَّارُ، ويتناقلها الركبان، ويُتَفَكَّهُ بها في المجالس، ويتناقلها الركبان؛ {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19].  
 ومهما بحثت في أسباب هلاكهم فلن تجدَ سببًا أظهر من كفرهم بالله تعالى، وتكذيبهم لأنبيائهم عليهم السلام، وظلمهم لمن آمن بالله، ويجمع تلك الأوصاف الثلاثة وصفٌ واحدٌ وهو العتو والطغيان؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا } [الطلاق: 7 – 8]. 
  وَقَالَ تَعَالَى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45].  
 وهنا يقولُ تَعَالَى: ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، ألا فليعتبر المعتبرون؛ فإن العاقل من اعتبر بغيره، فإنها سنة من سنن الله تعالى في خلقه؛ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62].   
وسنن الله لا تتبدل ولا تتحول؛ {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا} [غافر: 43].


وقفات في وداع العام الهجري

 وقفات في وداع العام الهجري 

 ونحن نودع عاماً هجريًّا مضى من أعمارنا، ونستقبل عاماً جديداً، يلزم الإنسان منا أن يقف وقفة تساؤل، وتأمل وتدبر، تعقبها وقفة طويلة يحاسب فيها الإنسان نفسه عما اقترفه خلال عام كامل من عمره... الحمد لله خلق كل شيء فقدره تقديراً، وتبارك الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.

 أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وألتجئ إليه في يوم كان شره مستطيراً. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه بين يدي الساعة مبشراً ونذيراً، وداعيًّا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً... وبعد: فليس للتقوى زمن محدود ولا موسم مخصوص معدود، وإنما هي حق الله الدائم على العبيد، يعمرون بها أوقاتهم، ويستعملون فيها أبدانهم، ويقضون فيها أعمارهم. 

والمغبون من لم يعرف ربه إلا في أيام معلومة، أو ساعات معدودة، ثم يعود بعد ذلك إلى الغي والغفلة، وينتكس في المعاصي والشهوة، ويرتكس في الآثام والعصيان، نعوذ بالله من الخذلان. اعلموا أن كل آتٍ قريب، وإنما البعيد ما ليس بآتٍ. 

ومن كانت مطيته الليل والنهار سير به وإن لم يسر، فإن الليل والنهار مطيتان تقربان كل بعيد وتبليان كل جديد، وتأتيان بكل موعود. والله تعالى جعل الليالي والأيام والشهور والأعوام مواقيت للأعمال، ومقادير للآجال، فهي تنقضي جميعاً وتمضي سريعاً، والذي أوجدها باقٍ لا يزول، ودائم لا يحول. 

من ظن أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما بلا حكمة فقد افترى على الرحمن وكذّب القرآن {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:16]. ومن اعتقد أن الإنسان خلق لغير مهمة فقد جاء بزور وبهتان {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36]، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115]

وقفات عند الوداع: ونحن نودع عاماً هجريًّا مضى من أعمارنا، ونستقبل عاماً جديداً، يلزم الإنسان منا أن يقف وقفة تساؤل، وتأمل وتدبر، تعقبها وقفة طويلة يحاسب فيها الإنسان نفسه عما اقترفه خلال عام كامل من عمره، عام مضى وانقضى، لا ندري ما الله صانع فيه، ثم وقفة استعداد لانطلاقه إلى الله من خلال عام نستقبله لا ندري ما الله قاض فيه. 

1 ـ وقفة تأمل وتدبر: إن أول ما يجب أن يلفت انتباهنا السرعة العجيبة التي مرت بها هذه السنة، فبالأمس القريب كنا نستقبل هذا العام، وهانحن وبهذه السرعة نودعه، وفي هذا ما يدل أولي الألباب على سرعة انقضاء الأعمار، وسرعة فناء هذه الدار، كما قال العزيز القهار: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190]

ما بين الولادة والكهولة، والشباب والشيخوخة، والهرم ثم الموت، ينتهي شريط الحياة في عجالة، ويطوى سجل الإنسان وكأنها غمضة عين، أو ومضة برق، فياعجبا لهذه الحياة كيف خدع بها الناس، وغرهم طول الأمل فيها، وهي كما قال الله فيها: {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الحديد:20]، {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف:45]. {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24]

هذه هي الدنيا التي يستغرق فيها كثير من الناس ويضيعون من أجلها الآخرة لينالوا بعض متاعها ويتمتعوا ببعض ملذاتها وشهواتها، هي والله سراب خادع، وبريق لامع، ولكنها سيف قاطع، وصارم ساطع، كم أذاقت بوساً، وجرعت غصصاً، كم أحزنت فرحاً، وأبكت مرحاً، كم هرم فيها من صغير، وذل فيها من أمير، وارتفع فيها من حقير، وافتقر فيها من غني، واغتنى فيها من فقير، ومات فيها من صغير وكبير، وعظيم وحقير، وأمير ووزير، وغني وفقير. فاعلموا رحمكم الله أن الدنيا أيام محدودة، وأنفاس معدودة، وآجال مضروبة، وأعمال محسوبة، هي والله قصيرة، وإن طالت في عين المخدوعين بزخرفها، وحقيرة وإن جلت في قلوب المفتونين بشهواتها. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) [فاطر:5]، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39]

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح".

 وهذا الحديث العظيم أصل في قصر الأمل في هذه الحياة، وكأن الإنسان فيها على جناح سفر فهو يتأهب للرحيل. روى الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها». قال عيسى عليه السلام لأصحابه: «الدنيا قنطرة، اعبروها ولا تعمروها». وقال: «من ذا الذي يبني على موج البحر داراً، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً». 

قال علي رضي الله عنه: "إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".

 وقال الإمام النووي: إن لله عباداً فطنــــــــاً  .. .. .. طلقوا الدنيا وخافوا الفـتنا نظروا فيها فلما علمـوا .. .. ..  أنها ليست لحيٍ وطـنـــــــا جعلوها لجة واتخـذوا .. .. ..  صالح الأعمال فيها سفـنـــا وقيل لنوح عليه السلام: "يا أطول الناس عمراً كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر". هذا وهو الذي عاش نحواً من ألف عام، فكيف بصاحب الستين أو السبعين؟ خطب عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد .. فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذّاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً لا يدرك مقرها. ووالله لتملأن. 

خطب عمر بن عبد العزيز الناس فقال: "أيها الناس، إن الدنيا ليست بدار قرار، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها فيها الظعن، فكم من عامر عما قليل يخرب، وكم من مقيم عما قليل يظعن". إنا لنفــرح بالأيام نقطعـهـــــــــــا  .. .. ..وكل يوم مضى يدني من الأجل النفس تكلف بالدنيا وقد علمـــت .. .. ..أن السـلامـة فيهــا ترك ما فيهــا فلا الإقامة تنجي النفس من تلف .. .. ..ولا الفرار من الأحداث ينجيهـــا وكل نفس لهــا دور يصبحـهــــــا.. .. ..من المنيــة يوماً أو يـمسيـهـــــــا 

2 ـ وقفة محاسبة: والأصل فيها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]. وقوله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. وقوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6]. وقوله:{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:6 - 8]. وقوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه} [آل عمران:30]. وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235]. وقوله: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]

فبهذه الآيات وأشباهها استدل أرباب البصائر على أن الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنهم سيناقشون الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، فتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة، ومطالبة النفس في أنفاسها وحركاتها ومحاسبتها من خطراتها ولحظاتها. فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن ترك لنفسه هواها، وسعى لها في تحقيق مناها وتركها من غير مؤاخذة ولا محاسبة، دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته. فمن أراد أن يخف حسابه غدا بين يدي ربه فليحاسب نفسه الآن. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" رواه الترمذي وحسنه. وقال عمر: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يحاسب نفسه كما يحاسب الشريك الشحيح شريكه: من أين مطعمه وملبسه؟".

 وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن ليفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ماذا أردت بهذا ؟ والله لا أعذر بهذا، والله لا أعود لهذا أبداً إن شاء الله. فهلموا بنا ونحن في نهاية سنتنا نتساءل عن عامنا كيف قضيناه، وعن وقتنا فيه كيف أمضيناه، وعن مالنا من أين اكتسبناه وفيما أنفقناه، وننظر في كتاب أعمالنا لنرى ما فيه سطرناه، فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه، وإن كانت الأخرى تبنا إليه واستغفرناه. واعلموا رحمني الله وإياكم أن من أكثر محاسبة نفسه ملك زمامها وخف حسابه عند الله، ومن ترك نفسه على هواها فوجئ بغدراته وخطيئاته، وكثره هناته وزلاته، فحبسه هول ما يرى من سوء الأفعال أن يجد لله جوابا عند السؤال، فثقل حسابه، وساء مآله ومآبه، فاللهم إنا نسألك حساباً يسيراً. 

3- توبة واستغفار. اعلموا أيها الأحبة أن من ثوابت هذا الدين أن الأعمال بالخواتيم كما ثبت في أحاديث المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم: "وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" ومن أصول الشرع استحباب الاستغفار وكثرة ذكر العزيز الغفار في أعقاب الطاعات والقربات. قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة:198]  {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة:200]. {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103]. {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة:185]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عقب الصلاة: "أستغفر الله (ثلاثاً) اللهم أنت السلام..." إذا ثبت هذا فعلى المسلم في ختام سنته أن يتوب إليه سبحانه عما بدر منه فيما سبق، وأن يكثر من ذكره فيما بقى، فإن من تاب وأصلح فيما بقى غفر الله له بمنه وفضله ما مضى وما بقى، ومن أساء فيما بقى أخذه الله بما مضى وما بقى. 

احذروا أعداءكم: إننا نأمل ونحن نودع هذا العام أن تعمل الأمة على توديع أوضاعها المأسوية، ومعالجة جراحاتها المتعددة في جسدها المثخن بالجراحات والآلام. إن الواجب على أبناء الأمة وقادتها أن يكون لديهم الوعي الكامل والإدراك الشامل بمخاطر أعدائها ومخططاتهم، فكم تغلي قلوب هؤلاء الأعداء على المسلمين حقداً، وكم يعضون الأنامل علينا غيظاً، يريدون قطع دابر الدين كي تخور القوى ويُتبع الهوى وتعم البلوى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} [النساء:89]. يريدون ألا يعز إسلام، ولا يقوى يقين، ولا يكون تمكين، إنهم يصرون على تمزيق أهل الإسلام حتى يصبحوا وبلدانه قطعاناً في بقاع الأرض، لا مرعى يجود ولا راع يزود، ولا دولة تؤوي، شراذم يعاملونهم معاملة الأرقاء، فلا ينالون حقوقهم إلا بطريق التوسل والاستجداء، وقد علموا أن المستجدي يسأل ولا يفاوض، ويقبل ولا يعارض. إن على المسلمين قادة ومقودين، ورؤساء ومرؤوسين، أن يعلموا أن معركتهم مع عدوهم هي معركة دين وعقيدة، ومعركة قيم وأخلاق ومبادئ، مهما حاول الكفار أن يخفوا حقدهم ويظهروا لنا ودهم وحبهم. ولنقرأ التاريخ فإن فيه عبرة لكل معتبر . 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : {إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين}.