السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-02-24

من يعرف «قانون الشجرة» لتربية الأبناء ؟!


بسم الله الرحمن الرحيم
أن تذكر قصة الشجرة التي أكل منها آدم وحواء كأول قصة في القرآن الكريم فإن في ذلك معنى وهدفا تربويا عظيما، خاصة أنها ذكرت في بداية أطول سورة في القرآن، وهي سورة البقرة.
فقصة الشجرة هي أول قصة حدثت في تاريخ البشرية، وهي أول حدث أسري زوجي حصل في العالم، وتبين أول خطأ وذنب بشري حصل في التاريخ ، وهي أول نشاط اجتماعي يشترك فيه الزوجان معا.
وختاما لهذه المقدمة نقول: إن (قانون الشجرة) هو أول قانون تربوي تأديبي للإنسان المكلف لحمل الرسالة بالأرض، فما قانون الشجرة ؟ وكيف نستثمره في تهذيب أنفسنا وتقويم سلوك أبنائنا؟ 
سنجيب عن هذا السؤال من خلال طرح عشر فوائد تربوية من (قانون الشجرة) يمكننا استثمارها في تربية أبنائنا، وهي علي النحو التالي :
أولا : وضوح الأمر والتوجيه : فقد كان أمر الله لآدم واضحا بينا (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) فتم تحديد شجرة بعينها لا يأكل منها وهي (هذه الشجرة)، وسمح له بالأكل من كل الأشجار.
ثانيا : نقدم البديل عندما نمنع : وقد قدم الله لآدم وزوجته البديل عندما قال لهما: (وكلا منها رغدا حيث شئتما)، فكل ما في الجنة يمكنهما الاستمتاع به عدا شجرة واحدة، فالبدائل كثيرة أمام الممنوع الواحد.
ثالثا: الحوار الهادئ مع المخطىء: وقد حاورهما الله بعد ارتكاب الخطأ بتذكيرهما بالأمر السابق (ونادهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة، وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)، حوار هادئ لا غضب فيه ولا عنف.
رابعا : إعطاء المخطئ فرصة للاعتذار : فقد أعطى الله لهما فرصة، ليعتذرا عن الخطأ : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
خامسا : الاستماع للمعتذر وقبول اعتذاره، قال تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم).
فلم يصر آدم على خطئه، ولم يلق اللوم على الشيطان الذي وسوس له، بل تحمل كامل مسؤولية أخطائه، فقبل الله اعتذاره وتاب عليه، قال تعالى: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى).
سادسا : معرفة أسباب ارتكاب الخطأ: إن الشيطان هو السبب الرئيس للخطأ، فقد وسوس لهما مستفيدا من شهوة النفس في الخلود والملك، قال تعالى: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) ، فاستجابا لخواطر الشيطان ووسوسته وعلما بأنه عدو لهما.
كما أنه نسي أمر الله وتوجيهه بعدم الأكل من الشجرة، وخطأ الإنسان يقع عادة إما جهلا أو شهوة.
سابعا : التأديب : بعد اعتراف المخطئ بخطئه وقبول الاعتذار يتم تأديب المخطئ قال تعالى: (قال اهبطا منها جميعا).
ثامنا : الحديث عن المستقبل بعد الخطأ : بعد وقوع الخطأ والانتهاء من العملية التربوية تحدث الله لهما عن المستقبل حول طاعة الرحمن وعصيان الشيطان فقال: (بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدي فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى).
وكذلك بين لهما المستقبل حول الأرض بقوله تعالى : (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين).
تاسعا : تعلم مهارة التعامل مع الدعاية الكاذبة : لأن الشيطان استخدم الدعاية الكاذبة لآدم وزوجته من خلال الوسواس وتزيين الخلد والملك والتلاعب بعقليهما وشهوتيهما، لكن انكشفت الحقيقة لهما بعد عصيان أمر الله من خلال كشف عورتهما، قال تعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى).
وقد استخدم الشيطان الدعاية الكاذبة وأقنع آدم بأنه سيكون ملكا، علما بأن آدم يعلم بأنه بشر ، وقد أسجد الله له الملائكة فكيف يكون ملكا؟ لكنه التأثر بدعاية الشيطان وحبائله.
عاشرا : التعرف على الذات والاستفادة من الخبرات : تعلم آدم من هذه التجربة حقائق كثيرة منها: أن النفس تميل لاتباع الشهوات، وأن ليس كل مخلوق طيبا وصادقا وصالحا، قال تعالى: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين)، وأن الإنسان ممكن يظلم نفسه، قال تعالى: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ) ، وأن الإنسان ممكن أن ينسى (ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) لأن الله أخبره بأن ابليس عدو له قبل دخوله للجنة (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)، وأن الله يغفر ويرحم: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى).
فهذا هو قانون الشجرة التربوي الذي ينبغي أن نستثمره في تربية أنفسنا وتهذيب أبنائنا، فلا نعاقبهم إلا بعد التأكد من وضوح الأمر لهم، ونسمح لهم بالتعبير عن رأيهم، ونستمع لهم ونقبل اعتذارهم من غير غضب أو ضرب.
ولا مانع من استخدام وسيلة التأديب مع بيان الحكمة من العقوبة وما الذي سيترتب على الخطأ لو استمروا فيه، مع بقاء العلاقة مستمرة وطيبة معهم وإعلان قبول اعتذارهم.
ولعل السؤال الذي يثار هو: (لماذا الله لم يسامح آدم وزوجته ويبقيهما بالجنة؟) ، والجواب : لأنهما خلقا للخلافة في الأرض، لكن كان اختبار الشجرة في الجنة عبارة عن تدريب عملي ميداني لمعرفة كيفية التعامل مع الذات ومع الله ومع الشيطان، ولتكون عبرة لذريته من بعده.
فهذا امتحان بسيط من مادة واحدة، لكنه يكفي لتقديم منهج ورؤية للتعامل مع الحياة كلها.

كيف أصنع طفلاً قارئًا مُحبًّا للكتاب


لماذا أصنع طفلاً قارئًا؟
* ليستقيم لسانه، وتتحسن مهارته اللغوية، ويستطيع التعبير عمّا يريد.
* ليتمكن من التواصل مع الآخرين بشكل فعَّال ومؤثر، وتزداد علاقاته الاجتماعية متانة.
* زيادة حصيلته العلمية والمعرفية، وهذا يُقوي إدراكه ويجعله يتعلم بشكل أسرع.
* القراءة الواسعة للطفل تعطيه قدرة على التخيل وبُعد النظر ورؤية الأشياء من زوايا مختلفة.
* تنمية التفكير السليم، حيث تشكل المعلومات أفكارًا تُحرِّك العقل، وتعوده على المناقشة والحوار الفعَّال الذي يثري عقله وإدراكه.
* التعرف على تجارب الآخرين وأسرار الأشياء، فتنمو خبرته وتزيد ثقافته.
* إكسابه المهارات التعليمية، وزيادة حبه للمعرفة والاستزادة منها.
* تنمية حِس البحث العلمي لديه، والوصول إلى الحقائق، وجعله دومًا في المقدمة.
* المساهمة في غرس القيم الحسنة، فالطفل لا يحب النصائح المباشرة غالبًا، لكن بإرشاده لكتب نافعة تغرس في نفسه بعض القيم الإيجابية التي لها أثر على سلوكه في الحياة.
* قراءة القصص النافعة والهادفة تهذِّب نفس الطفل، وتسمو بمشاعره وعواطفه.
* القراءة تملأ وقت الطفل، وتصرفه عن الجلوس الطويل أمام التلفاز والألعاب الإلكترونية.
وسائل وأساليب لتشجيع الطفل على القراءة
القراءة مع الطفل:
مشاركة الطفل والقراءة معه هي نوع من الحميمية بين الآباء وأطفالهم، وفيها تشجيع للطفل على مواصلة القراءة والاستمتاع بها، وللقراءة مع الطفل عدة طرق منها:
- القراءة الجماعية بصوت عالٍ، فالأطفال يحبون القراءة بشكل جماعي، وهي فرصة لتعديل أخطاء القراءة بطريقة لبقة.
- القراءة المتبادلة، يقرأ الطفل بعض الجمل، ثم تقرأ أنت بعده أو العكس، وهذه الطريقة يحبها الطفل؛ لأنها تشعره بنوع من الأهمية والتقدير.
مكتبة الطفل:
المكتبة أداة مهمة في تعويد الطفل على القراءة، ولمكتبة الطفل شروط، منها ما يلي:
- أن توضع في مكان واسع ومريح يستوعب مجموعة من الأطفال، وأن تصمم بشكل جذاب ومحبب للطفل.
- أن يتم تجديد الكتب أولاً بأول، ويتطلب ذلك زيارات دورية للمكتبات.
- توفير أقلام ووسائل وسبورة وأوراق ومراسم وكروت وبطاقات، وطاولة وكراسي، وسماعات للأذن وغيرها من التجهيزات.
- مشاركة الطفل سواء في أخذ رأيه في التأثيث، أو التصميم لأن هذه المكتبة له شخصيًا وليست لأحد غيره. 
جعل القراءة متعة لا التزامًا:
يجب أن يتذكر الوالدان دائمًا أن القراءة ينبغي أن تكون تجربة ممتعة بالنسبة للطفل، وليست فرضًا أو التزامًا روتينيًّا.
القدوة في القراءة:
من المهم أن يكون الوالدان قدوة جيدة لطفلهما، حيث سيدرك الطفل أن القراءة شيء مهم في حياة الإنسان عندما يرى أباه وأمه يقرآن بشكل مستمر في المنزل، وعلى الوالدين أن يقترحا القراءة كنشاط يمكن أن يقوم به الطفل أثناء وقت فراغه.
إنشاء مجموعة القراءة للصغار:
يمكن أن يقوم المربي باختيار مجموعة من الأطفال المتقاربين سنًّا من أبناء حيّه، ويختار لهم كتبًا مصورة مشوقة، ويقوم بتوزيعها عليهم، وليس شرطًا أن يقوموا بقراءة الكتاب بتعمق، بل يكفي أن يتصفَّحوه بقراءة سريعة، ثم يكون اللقاء بعدها حيث يتولى مدير الجلسة سرد القصة بشكل عام، ومناقشة الصغار حول شخصياتها، وحول المواقف المختلفة فيها ودلالاتها، وسؤالهم عما أعجبهم وما لم يعجبهم، وعن كيفية الاستفادة من القصة في حياتهم الشخصية.
ويستحسن في مجموعة القراءة للصغار، أن يخصص وقتًا للألعاب والمسابقات على هامش الكتاب، وذلك لإمتاع الأطفال وزيادة تعلقهم بعالم الكتب والقراءة، وكذلك يستحسن أن تقترن الجلسة بتوزيع الحلوى أو اللُعب، بحسب الفئة العمرية للمشاركين. 
اصطحاب الطفل للمكتبة:
مهما كانت أشغال الأب وارتباطاته فينبغي أن يحدد يومًا أو يومين في الشهر للذهاب إلى المكتبة، والذي ينبغي التنبيه عليه: أن يكون الذهاب إلى المكتبة رحلة ممتعة للطفل، وأن يجعل في طريق الذهاب أو العودة ارتباطًا شرطيًّا محببًا للطفل، كأن يشتري (الآيس كريم) المفضل للعائلة، أو يذهب إلى أماكن ترفيه محببة للطفل.
تشجيع أي بادرة نحو القراءة:
البدايات دائمًا صعبة، فإذا وجدت الطفل يقترب من الكتاب، ويحاول أن يقرأ، فأظهر ابتهاجك بذلك، واحتفل به، واستمع إليه وهو يقرأ، وإذا رأيته يخطئ فلا تصحح له أخطاءه، حتى يشعر بمتعة القراءة أيًّا كانت، ولكي يحس أن من حوله يستحسنون أي جهد يبذله من أجل القراءة.
القراءة للطفل ومعه بحب وعطف وحنان:
إن ابن الثالثة يشعر بالدفء والأمان حين تضعه والدته في حجرها، وتبدأ بالقراءة له.
وما أجمل ما قاله الشاعر الإنجليزي مفتخرًا بأمه:
قد تكون لديك ثروة حقيقية مخفية، ،
علب جواهر وصناديق وذهب، ،
لكنك لن تكون أبدًا أغنى مني، ،
لأن لي أمًّا تعلمني، وتقرأ لي، ،

الزوجة الذكيَّة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏زهرة‏ و‏نبات‏‏‏

الزوجة الذكيَّة هي التي تستطيع التعامل مع زوجها بمهارة وفنٍّ، فكل زوج له طبيعة خاصة وتركيبة مختلفة في الشخصيَّة. لذلك تشتكي أغلب الزوجات من صعوبة التعامل مع أزواجهنَّ وبخاصة لو كان الزوج عنيداً فتشعر زوجته بأنَّه من المستحيل التعامل معه والتفاوض في أي أمور حياتيَّة أو خاصة بهما، إذ يصعب عليه تجاوز أي موقف أو أزمة لأنَّه دائماً هو الطرف المعاند، الذي يستمتع ببقاء الصراع ولا يضع لنفسه نهاية وبهذا تجهد الزوجة فتشعر أنَّ حياتها جحيم.
كيف تتعاملين مع الزوج العنيد وأهم النصائح:
من هو الزوج العنيد؟
ـ الزوج العنيد لا يعرف طريقاً للمرونة، ويميل لتغيير آرائه وأفكاره بسهولة، ويتمتع بنوع من الإصرار الشديد في قراراته وأفكاره، ولا يقبل التنازل أبداً، كما أنَّه يرفض الاستماع لآراء غيره، ولا يتقبل اللوم والانتقاد.
ـ الزوج العنيد كلما زاد انتقادك له زاد عناداً على آرائه.
ـ الزوج العنيد يسعى دوماً لإصدار القوانين والأنظمة داخل مملكته الصغيرة في المنزل حباً منه للسيطرة والنظام ورغبة منه بتطبيق جميع القوانين من دون جدال أو نقاش.
ـ كما أنَّ الزوج العنيد يميل دوماً لأخد قراراته بنفسه من دون استشارة زوجته.
• ما هي الصعاب التي تواجهها الزوجة في هذه الحالة؟
الزوجة التي تملك زوجاً عنيداً تواجه العديد من المصاعب في كيفيَّة التعامل معه وإرضائه، فهو لا يستمع لها أبداً، ولا يفسح لها المجال لتتحدث أو تعبِّر عن آرائها فيميل دوماً لإصدار القوانين غير القابلة للنقاش أو المجادلة حتى إن كان على خطأ فهو لا يعترف بخطئه، والزوج العنيد يظهر قاسي الطبع وصعب المزاج فتعاني بذلك الزوجة من كيفيَّة التعامل معه.
• نصائح:
1 ـ يجب أن يشعر زوجك أنك تتقبلينه كما هو، ويجب أن يشعر دائماً بحبك ليس بالكلام فقط، وإنَّما بالعمل أيضاً، فالحب كفيل بأن يذيب أي إحساس بالأنانيَّة
2 ـ اتركيه يتحدث حتى ينتهي من كلامه وكوني هادئة واضبطي أعصابك.
3 ـ تغاضي عن هفواته وزلاته وارفعي من قدره دائماً أمام الناس وامدحيه أمام أهله وأهلك.
4 ـ لا تبدي الرفض الدّائم لجميع قراراته حتى وإن كانت معظمها خاطئاً، لأنَّه يستشعر أنَّ قراراته دوماً مرفوضة لديك فيزيد بذلك إصراراً وعناداً.
5 ـ حاولي تقوية علاقتك به وتقوية علاقاته الاجتماعيَّة ليكتسب مهارات التواصل والاتصال مع الآخرين ويجيد حسن الإنصات فيتقبل أفكار غيره.
6 ـ عند انفعال الزوج العنيد لا تحاولي التصدي له، بل دعيه يعبِّر عن انفعالاته وغضبه.
7 ـ عليك الانتباه أيتها الزوجة إلى أنَّ الشخص العنيد يكره الإلحاح والطلبات المتكرِّرة فابتعدي عن الإلحاح في طلباتك في حال رفضه لأنَّه يزيد عناداً.
8 ـ لا تلجئي للحوار أثناء انفعاله، تحاوري معه بأسلوب هادئ.
9 ـ ابتعدي عن الكلمات القاسية والعصبيَّة أثناء التحاور معه في موضوع ما.
10 ـ احذري أن توجهي له اللوم على قرارات اتَّخذها بمفرده ولم تكن صائبة وحاولي إشعاره بأهميَّة مشاركتك القرارات.
11 ـ أخيراً استخدمي روح الدعابة في حوارك معه ولا تنسي أنَّ اللمسة الحانية لها أثر السحر في التخلص من الأنانيَّة والتعصُّب والسيطرة فاستخدميها دائماً مع زوجك عند حديثك معه. لكن كل شخص له مدخل للتعامل معه، ولكل رجل بالتحديد نقطة ضعف أمام المرأة، لكن ليس أي امرأة، فالمرأة الذكيَّة فقط هي التي تعرف كيف تدلل طفلها الكبير وتعرف جيِّداً نقطة ضعف زوجها.



ترويج المن

الخلاص في تحقيق الإخلاص


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
آيات قرآنية وأحاديث صحيحة.. أقوال ومواقف فريدة.. لطائف ونفائس نافعة.. عبر ومواعظ مهمة؛ جمعتها في قضية عظيمة وموضوع نحتاج إليه بعدد أنفاسنا، هو " تحقيق الإخلاص " لله سبحانه وتعالى، في جميع أقوالنا وأعمالنا واعتقاداتنا، لأن العبد مهما بذل واجتهد وتعب وأدى الفرائض والطاعات وجميع العبادات، فإنه لا يحصل على الأجر إلا إذا حقق الإخلاص لله سبحانه وتعالى في عمله، وأن يكون وفق ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
فالقضية جِدُّ مهمة فلا نجاه إلا بتحقيق الإخلاص، وما هلك من هلك إلا بالشرك أو الرياء وحب الثناء والمحمدة، وعليه أحببت التذكير بهذه الوقفات لتكون عونا لنا ودليلا وواعظا ومذكرا لتحقيق الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وأن نتعاهد النية دائما ونُحَسِّن الطوية، علَّنا ننال مرضاة الله – عز وجل- ونحظى بقبول الطاعات، فلا خلاص إلا بتحقيق الإخلاص.
121- كَانَ مِنْ دُعَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا، وَاجْعَلْهُ لَكَ خَالِصًا، وَلا تَجْعَلْ لِغَيْرِكَ مِنْهُ شَيْئًا.
122- قال الذهبي: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنَّ يَتَكَلَّمَ بِنِيَّةٍ وَحُسْنِ قَصْدٍ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ كَلاَمُهُ، فَلْيَصْمُتْ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ الصَّمْتُ، فَلْيَنْطِقْ، وَلاَ يَفْتُرْ عَنْ مُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهَا تُحِبُّ الظُّهُوْرَ وَالثَّنَاءَ.
123- إخلاص النية وتفويض الأمور إلى الله تعالى سبب لرحمة الله تعالى.
124- عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ.
125- قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ): وَهَذَانَ رُكْنَا الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ صَوَابًا عَلَى شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
126- عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ: رُبَّمَا قِيلِ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: تَكَلَّمْ. فَيَقُولُ: مَا تَحْضُرُنِي نِيَّةٌ!
127- قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: أَيُّكُمُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ.
128- قال سبحانه ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )السجدة:17، أي: بسبب ما كانوا يعملون في الدنيا، من إخلاص النية وصدق الطوية في الأعمال الصالحة، أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.
129- قال الجنيد: مَنْ لَزِمَ طَرِيقَ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الْإِخْلَاصِ أَرَاحَهُ اللَّهُ عَنِ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ.
130- قال ابن القيم: العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه.
131- قال سبحانه ( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا )المائدة:85، أي جعل الله ثوابهم على قولهم: ربنا آمنا مع إخلاص النية ومعرفة الحق، أي: جعل ثوابهم على هذا القول المسند إلى خلوص النية الناشئ عن حسن الطوية.
132- أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي النِّيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ أَسْهَلَ إِلَّا أَنَّ إِخْلَاصَ الْآتِي بِهِ أَكْثَرُ فَكَانَ الثَّوَابُ عَلَيْهِ أكثر.
133- قال السري السقطي: احْذَرْ أَنْ تَكُونَ ثَنَاءً مَنْشُورًا وَعَيْبًا مَسْتُورًا.
134- قال تعالى ( وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )التوبة:16، أَيْ عَالِمٌ بِنِيَّاتِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ مُطَّلِعٌ عَلَيْهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُبَالِغَ فِي أَمْرِ النِّيَّةِ وَرِعَايَةِ الْقَلْبِ.
135- قال سَهْلُ بْنُ مَنْصُورٍ: كَانَ بِشْرٌ يُصَلِّي يَوْمًا فَأَطَالَ الصَّلَاةَ وَرَأَى رَجُلًا يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ لَهُ بِشْرٌ فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَا يُعْجِبُكَ مَا رَأَيْتَ مِنِّيَ فَإِنَّ إِبْلِيسَ قَدْ عَبَدَ اللهَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَذَا وَكَذَا.
136- قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ... الْآيَةَ ). ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ تَعَالَى وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ هَذَا الْإِرْبَاءَ مُضَاعَفَةُ الْأَجْرِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ).
137- كَتَبَ وُهَيْبٌ إِلَى أَخٍ لَهُ: قَدْ بَلَغَتَ بِظَاهِرِ عِلْمِكَ عِنْدَ النَّاسِ مَنْزِلَةً وَشَرَفًا، فَاطْلُبْ بِبَاطِنِ عِلْمِكَ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً وَزُلْفَى، وَاعْلَمْ أَنَّ إِحْدَى الْمَنْزِلَتَيْنِ تَمْنَعُ الأُخْرَى.
138- قال بشر الحافي: اكْتُمْ حَسَنَاتِكَ كَمَا تَكْتُمْ سَيِّئَاتِكَ.
139- قال سبحانه ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )البقرة:112، من فوائد الآية: أن أهل الجنة هم الذين جمعوا بين وصفين؛ الأول: الإخلاص لله؛ لقوله تعالى: {من أسلم وجهه لله} ؛ والثاني: اتباع شرعه؛ لقوله تعالى: {وهو محسن}.
140- قال الحسن البصري: واعجباه من ألسنةٍ تصف، وقلوبٍ تعرف، وأعمالٍ تخالف.

2017-02-17

أسرار نجاح العظماء


هي رسالة للشباب المقبلين على الحياة قد تختصر عليهم مشواراً طويلاً من البحث عن طريق النجاح وأسرار الناجحين الذين أصبحوا ملء السمع والبصر وأفادوا مجتمعاتهم وأممهم خلال مسيرة حياتهم ؛ وهم ممن كان نجاحهم حقيقياً حققوه بأيديهم دون أن يتسولوه بل حفروا بأيديهم صخر الحياة وعانوا لأواءها ومشقتها وعانوا الأمرين للوصول إليه على عكس كثير من المشاهير الذين يصدرون للشباب على أنهم ناجحين بينما لو دققت في نجاحاتهم لوجدتها أشبه بثياب زور لا تقي حرا ولا بردا.
هذه العناصر المشتركة بين الناجحين مستفادة من خبرات حياتهم و لعله من سعادة حظي أني منذ عرفت نفسي وأنا أحب الاطلاع على سير الناجحين وأكثر ما كان يستهويني منذ الصغر الجلوس إلى كبار السن وسماع قصصهم وخبراتهم لا سيما والدي رحمه الله الذي كان عصامياً وبزّ كثيراً من أقرانه رغم وفاته شابّاً، فلما كبرت وتعلقت بالقراءة كنت أميل أحيانا كثيرة للقراءة في السير الذاتية والذكريات وكتب التراجم والتاريخ ؛ وفي معارض الكتاب كنت إذا وقعت على سيرة ذاتية لأحد العظماء اشتريتها دون تصفح أو تدقيق في محتوياتها على خلاف الموضوعات الأخرى التي أحرص على التدقيق في محتوياتها قبل شرائها ، وكثيراً ما كنت أسامر ابن خلكان وأطرب لتعليقات الذهبي وأتلذذ بالسياحة مع الطنطاوي في ذكرياته الرائقة وأحلق مع همة الندوي العالية وأعجب لمذكرات مالك بن نبي ؛ وغيرهم كثير ممن كتب عن نفسه أو كتب عنه خاصته مثل الفقيه ابن عثيمين والمحدث الألباني والأديب محمود شاكر والإمام ابن باز عليهم جميعاً رحمات الله وبركاته وعلى والدينا.
وقد كنت مع كل أولئك العظماء من العرب والمسلمين وغير المسلمين ألحظ تشابها في بعض الخطوط العامة التي تشكل خط سير حياتهم فوصلت بعد طول تأمل وبحث إلى أربعة أسرار لنجاحهم وهي القواعد العظيمة المشتركة في حياة كل العظماء بحسب ما استنتجه وهي كالتالي:
1- وجود هدف واضح للحياة يسعى إليه المرء ليحققه وقد يكون لديه أكثر من هدف لكنها متسقة وغير متعارضة ، ولا يمنع من ذلك ظهور أهداف أخرى خلال حياته ليضمنها هدفه الأصلي ويوائم بينها بما يتفق مع هدفه الأساس.على خلاف غير العظماء الذين لا تجد لديهم هدفاً واضحاً بل هم أبناء لحظتهم ويومهم وقد يتخلون عن أهدافهم السابقة بسهولة إذا عرض لهم ما يرون أنه أفضل أو أسهل.أما العظماء فإنهم في الغالب يحافظون على أهدافهم لكنها تنضج معهم بنضجهم حيث تعتبر جزءاً لا ينفصل عن شخصياتهم وتجدهم يطوعون مسار حياتهم لخدمة أهدافهم السامية بكل ما أوتوا من عزيمة وهمة وجلد، وقد يعدلون في بعض جزئيات من أهدافهم بحسب المستجدات.
2- المداومة والصبر: فتجد لدى هؤلاء العظماء جلداً وصبراً عجيباً ومداومة على تحقيق أهدافهم مهما كانت الصعوبات وإن كانوا وحدهم، ولا يأبهون لانفضاض الآخرين عنهم فتمر على أحدهم بعد سنوات طوال لتجده ثابتا على صبره مشتغلاً بعمله الذي زهد فيه من بدأه معه.لكنهم مع ذلك يتواءمون مع المتغيرات من حولهم بحيث لا تثنيهم عن تحقيق أهدافهم ، والصبر سمة كل العظماء تراه جلياً في سيرهم .
3- الإتقان: والعظماء مع صبرهم وجلدهم يحرصون على إتقان عملهم مما يعني تحسينه ومراجعة ما يقومون به ويطورون خططهم مع ثباتهم على أصل عملهم لكنهم يستفيدون من مستجدات الزمان وظهور أهداف أخرى يضمنوها عملهم الذي يحرصون على تجويده وتحسينه مرة بعد أخرى.كما أنهم في سبيل إتقانهم لعملهم يعرضونه على من يثقون في نصحه وصدقه ولو كان من تلاميذهم ويعملون بمبدأ الشورى ولا ينشرون شيئاً حتى يثقوا بنفعه ويمحصوه تمحيصاً وتدقيقاً وهم لا يستعجلون النتائج. 
4- المكون السري: ثم مع كل ذلك لاحظت مكوناً آخر لخلطة النجاح التي يتميز بها كل عظيم من العظماء وهي كالبهار الذي يميز خلطة أحدهم عن الآخر فتجد بعضهم يرعى حق والديه ويبرهما براً عجيباً يجعلك تعرف أن هذا ما جعله يرتفع عن آخرين مشابهين له تقدم عليهم مع مساواتهم له في جميع شؤونه.وتجد آخر تقدم من حوله بحسن خلقه وبذل نفسه للناس ولخدمتهم ، وآخر بسلامة صدره ، وآخر ببذل ماله ووجاهته، وبعضهم لا تجد في صفاته ما يميزه إلا حب الخير للآخرين وتواضعه.وهكذا في خلطة عجيبة وتمايز فيما بين العظماء في هذا المكون السرّي الذي يجعلهم يتقدمون على أقرانهم الذين يشاركونهم زمانهم واهتماماتهم.
وهذه هدية لشبابنا لأقول لمن يريد النجاح منهم عليكم بهذه العناصر التي أرجو أن ينفعكم الله بها :
( وضوح الهدف- المداومة والصبر – إتقان العمل )
ولا تنسوا بعد ذلك أن تعتنوا بالجانب غير المرئي من أسباب النجاح وهو سلامة الصدر وحب الخير للآخرين وعليكم أن تبدؤوا بوالديكم وأهليكم ثم الأقرب فالأقرب وكلما هيأ الإنسان نفسه للإخلاص لله وبذل الخير ونفع الناس كلما أعانه الله وسدده وكان نجاحه أقرب. 
وأعظم النجاح أن يحتاج إليك الآخرون ويفتقدونك إذا غبت عنهم ويشعرون بنقص في الحياة أثناء غيابك حيث يصعب على غيرك تعويضهم عن فقدك.
فَتىً عيشَ في مَعروفِهِ بَعدَ مَوتِهِ_ _ كَما كانَ بَعدَ السَيلِ مَجراهُ مَرتَعا
وقد يجد الشاب في نفسه فتوراً أو ضعفاً إذا نظر إلى النهايات لكبرها وضخامتها لكنه قد ينسى أن جميع العظماء كانت بداياتهم صغيرة أكثر مما تتخيل لكنهم حرصوا على تنميتها ورعايتها وتهذيبها حتى أصبحت بعد أمد بعيد عظائم الأعمال التي نراها بعدما رحلوا ، لهذا فإني أنصح الشباب بأن لا ينظروا إلى النهايات إلا من قبيل التحفيز لأنفسهم ولبعث الأمل في نفوسهم حينما يرقبون الفجر الباسم بإذن ربهم ؛ وليعلموا أن كل عمل عظيم مهما بلغ من العظمة كان ذات يوم صغيراً أكثر مما تتخيلون ، وقد كنت أضرب مثالاً لبعض الشباب بأجمل القصور التي نراها هل وجدت هكذا فجأة أم بدأت لبنات صغيرة ؟
لكن الذي جعلها ضخمة وجميلة كما نراها حينما تعجبنا بعد انتهائها هو متابعة العمل في بنائها وزخرفتها وتحسينها وهكذا جميع أعمالنا ستصبح جميلة ومعجبة لمن يراها بعد إكمالنا لها والعمل على تحسينها والعبرة بالخواتيم.
ومن أجمل ما قرأته في عرض نجاحات العظماء في سرد مشوق للشباب كتاب كيف أصبحوا عظماء للدكتور سعد سعود الكريباني وفيه تحفيز للقارئ للحاق بالعظماء ، فدونكم أيها الشباب أسرار نجاح العظماء وشيء من عطر كدهم وكدحهم وأخذهم للمكرمات غلاباً .

مقوّمات تجديد الإيمان في القلوب


لماذا الحديث عن أسباب تجديد الإيمان . 
إن الحديث عن تجديد الإيمان ينطلق من مجموعة من المسببات التي تجعلنا نتحدث عنها ومنها مايلي :-
1/ أن تجديد الإيمان في القلوب والنفوس، وتوثيق الصلة بالله - تعالى -، أمر جاءت به نصوص الكتاب والسنة، فقد قال تعالى: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]. وجاء في الحديث عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى: أن يجدد الإيمان في قلوبكم". [روه الحاكم والطبراني وصححه الألباني]. 
2/ أن الناس –إلا من رحم الله- في بعد عن ربهم , وجفاء مع خالقهم , وتمرد على أوامره ونواهيه , لما جعلوا الدنيا هدفاً لمنافاستهم , والدون مرتعاً لهمومهم وأمانيهم , والمال واللذة والولد والشهوة أهدافاً يسعون لتحقيقها . وقد غفلوا عن الغاية التي خلقوا من أجلها وهي تحقيق العبادة لله جل وعلا قال تعالى : "(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56] , وغفلوا عن ذكره وشكره وحسن عبادته , فهجروا الإنابة والتبتل , والبكاء والتضرع , والدعاء والإلحاح فيه –والله المستعان- وقد حث اللهُ نبيَّه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وكلَّ مؤمن من بعده -أن يذكره -سبحانه-، وأن ينقطعَ إليه انقطاعًا تامًّا، وألا يشغله غيرُه عنه، فقال مخاطبًا إياه: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)[المزمل: 8]. 
قال ابن كثير -رحمه الله-: \"أي: أكثِرْ من ذِكره، وانقطع إليه، وتفرَّغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك وما تحتاج إليه من أمور دنياك" , وقال ابن سعدي - رحمه الله -: "أي: انقطع إلى الله تعالى؛ فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرِّب إليه ويُدْنِي من رضاه ".
3/ نتحدث عن تجديد الإيمان في القلوب لأن القلوب قست , والأخلاق تدنت , والعلاقات بردت , والفواحش انتشرت , والآثام طغت , كل ذلك لمّا ابتعدت القلوب عن علّام الغيوب , ونأت الأفهام عن التدبر في آيات الواحد العلّام , (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)الروم 30 , فالإيمان سبب في لين القلوب ورفعة الأخلاق وصدق العلاقات في مابين العبد وربه وبين العبد ونفسه وبين العبد والآخرين , وهو سبب أيضاً في دحر الشر , ورفع الظلم , ومحاربة الشرور والفساد بكل صوره . 
4/ ومن الأسباب التي جعلتنا نتحدث عن هذا الموضوع المهم وهو تجديد الإيمان في القلوب ... أن الفتن والابتلاءات التي تحيط بنا من كل مكان لها أثر على القلب , فقد تكون سبباً في تشاؤمه وقنوطه , أو في ضعفه وشروده , أو في انتكاسته وموته . نعوذ بالله من الحور بعد الكور , لذلك فقد سأل الحبيب عليه الصلاة والسلام ربه الثبات على الحق عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقول " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ , فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ" رواه الترمذي .
5/ ومن الأسباب أيضاً عزوف المؤمن عن محاضن الإيمان التي تعيده إلى سابق إيمانه وتذكره بجميل فطرته , وابتعاده أيضاً عن الصحب الأوائل الذين كانوا يذكرونه بالله ويحفزونه للمضي قدماً نحو طريق " إياك نعبد وإياك نستعين " , وعدم محاكاته مجدداً للقدوات الذين كان يحاكي سيرهم ويقتدي بنهجهم , إما بشغل دنيوي أو كبر وتعالي على المنهج والقدوات والأصحاب أو بسذاجة وجهل –ولله المشتكى- فضعف إيمانه وقسى قلبه لما استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير .
 الأسباب المعينة لتجديد الإيمان في القلوب .
وهي كما يلي : 
1/ تحقيق معنى التقوى في القلوب .
فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين يقول ربكم جل وعلا : " وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا" النساء131 , والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمرك به وبترك ما نهاك عنه , وقال ابن مسعود عن التقوى :"هي أن يطاع الله فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر" وقال طلق بن حبيب رحمه الله : "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله" , فكلما عملت بهذه القاعدة كلما زاد إيمانك في قلبك وخشيتك من ربك وطاعتك لنبيك عليه الصلاة والسلام , فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان .
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى .. تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه .. ولا خير في من كان لله عاصياً
التقوى أن تستشعر مراقبة الله لك في السر والعلن , حتى لا تنحرف عن الجادة , ولا تتنكب طريق الحق , وأن تتأمل نعمه عليك الظاهرة منها والباطنة فتداوم على عبادته وشكره , وأن تعمل لتلك النهاية الحتميّة والساعة التي لابد منها وهي ساعة فراقك لهذه الدنيا يقول علي رضي الله عنه : " التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل " ,, 
أقبل شاب إلى إبراهيم بن أدهم –رحمه الله-.. فقال يا شيخ : .. إن نفسي .. تدفعني إلى المعاصي .. فعظني موعظة ! فقال له إبراهيم : إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه .. ولا بأس عليك .. ولكن لي إليك خمسة شروط قال الرجل : هاتها! قال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه ! فقال الرجل : سبحان الله ..كيف أختفي عنه ..وهو لا تخفى عليه خافية ! فقال إبراهيم : سبحان الله .. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك .. فسكت الرجل .. ثم قال :زدني ! فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تعصه فوق أرضه , فقال الرجل : سبحان الله .. وأين أذهب .. وكل ما في الكون له! فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله وأنت تسكن فوق أرضه ؟ قال الرجل : زدني! فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تأكل من رزقه فقال الرجل : سبحان الله .. وكيف أعيش .. وكل النعم من عنده ! فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله .. وهو يطعمك ويسقيك .. ويحفظ عليك قوتك ؟ قال الرجل : زدني ! فقال إبراهيم : فإذا عصيت الله .. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار .. فلا تذهب معهم ! فقال الرجل : سبحان الله .. وهل لي قوة عليهم .. إنما يسوقونني سوقاً !!فقال إبراهيم : فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك .. فأنكر أن تكون فعلتها! فقال الرجل : سبحان الله .. فأين الكرام الكاتبون ... والملائكة الحافظون ..والشهود الناطقون ثم بكى الرجل .. ومضى .. وهو يقول : أين الكرام الكاتبون .. والملائكة الحافظون .. والشهود الناطقون!!!!!
2 / أن تتعرف على الله سبحانه وتعالى .
الله الذي خلقك في أحسن تقويم , وجعلك من بنيء آدم المكرمين , شق سمعك وبصرك , وأجرى الدماء في عروقك , نعمه عليك لا تعد , وجوده ليس له حدود , فضلك بالإسلام , وجعلك من أتباع خير الأنام عليه الصلاة والسلام . 
الله الذي عز وارتفع , وذل كل شي لعظمته وخضع , رب الأرباب ومسبّب الأسباب , ومجري السحاب , ومنزل الكتاب , سبحانه لا إله إلا هو الرازق الوهاب . 
من يعطيك إن لم يعطك الله , من يرزقك إن لم يرزقك الله , من يغنيك إن لم يغنك الله , من يعافيك إن لم يعافيك الله , " أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجّوا في عتو ونفور" تبارك
الله .. الرحمن , أرحم علينا من أمهاتنا , رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما , رحمته سبقت غضبه , رحمته وسعت كل شي , الذي يغفر الذنوب , ويستر العيوب , ويفرج الهموم , وينفس الكروب , ويقضي الديون , من لجأ إليه حماه , ومن توكل عليه كفاه . 
الله .. إذا حلَّ الهمَّ وخيَّم الغمَّ واشتد الكرب وعظم الخطب وضاقت السُّبل وبارت الحيل ينادى المنادي فيقول: يا الله 
الله .. سلوة الذاكرين ، وأنيس المضطربين , وملاذ الخائفين ، وغيّاث المستغيثين . 
[هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23) هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] [الحشر: 22-24].
وكلما تعرفت عليه بصدق – يا عبد الله - كلما زاد إيمانك به , وتضاعف وصلك له , وتجلت تضحياتك من أجله , وارتفع رأسك فخراً كلما تظللت تحت سقف عبوديته تعالى .
ومما زادني شرفاً وتيها ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صيّرت أحمد لي نبيا
3/ إقامة الصلاة بأركانها وخشوعها . 
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد التوحيد ، وهي الصلة بين العبد وبين ربه تعالى وإقامتها في أوقاتها بأركانها وشروطها ، تبعث في النفس الطمأنينة والخشوع والذلة لله تعالى الأمر الذي يحقق الإيمان الحقيقي والتقوى في القلوب , قال تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1-3 , والصلاة أيضاً طريق لتهذيب النفس والأخلاق ، وحفظها عن الفواحش والدنايا والمحرمات ، كما أخبرنا تعالى في كتابه فقال :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ( العنكبوت: 45 , كما جعل - سبحانه - إقامة الصلاة على أوقاتها، من أعظم ما يذهب السيئات والخطايا عن الإنسان، فقال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114 , وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". رواه مسلم ,, وقد جعل الله الصلاة طريقاً لذكره وسبيلاً لتكبيره وتحميده وتسبيحه وتهليله قال عز وجل: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14 قال السعدي - رحمه الله :- " أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي، لأن ذكره تعالى أجل المقاصد، وهو عبودية القلب، وبه سعادته، فالقلب المعطل عن ذكر الله، معطل عن كل خير، وقد خَرِبَ كل الخراب، فشرع الله للعباد أنواع العبادات، التي المقصود منها إقامة ذكره، وخصوصا الصلاة" .
وفي التأخر في إقامة الصلاة أو التقليل من أهميتها دليل على خلو القلب من الإيمان وتتبعه للشهوات وللغي قال تعالى : " ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم: 59 ,, وهو علامة من علامات المنافقين وصفاتهم فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 144,, وجاء في حديث أبي هريرة مرفوعا: " أثقل الصلاة على المنافقين؛ صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما، لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". متفق عليه ,, أما في ترك الصلاة بلا عذر شرعي فهذا أمر محرم شرعًا، وقد يفضي بصاحبه إلى الكفر عياذًا بالله تعالى فعن بريدة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر". رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه
الشاهد .. أن حياة القلوب إنما هي بإقامة الصلاة على الوجه المطلوب , وأن من إيمان العبد أن يرتبط بربه جل وعز عن طريق هذه الفريضة العظيمة . 
4/ قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته .
إن لقراءة القرآن الكريم شعور خاص , وحالة مستثناه ,, كيف لا ,, وأنت تقرأ كلام الله جل وعز , " الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " فصلت 42 ,, فكيف لو صاحب القراءة تدبراً وفهماً , وتأملاً وخشوعاً , لا شك أن الغايات المتعددة من هذا التدبر ستتحقق لصاحب العلاقة مع هذا الكتاب العظيم من بركة وهدى ونور وشفاء وصدق مناجاة قال تعالى :(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) [ص:29].وعن أولئك الذين لا يتدبرون القرآن ولا يستنبطون معانيه قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:82، 83].
اعلم - يا رعاك الله- أن العبد إذا وفق لتدبر آيات الله تعالى تحقق الإيمان المنشود ، يقول ابن القيم – رحمه الله -: " فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته ؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما ، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريقَ أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه" . 
وانظر إلى ما يقوله السلف الصالح الذين امتلأت قلوبهم إيماناً في تدبر القرآن ,, يقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما : "ركعتان في تفكرٍ خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب " وكان الفضيل – رحمه الله – يقول: " إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً , قيل: كيف العمل به ؟ قال: ليحلّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره ، وينتهوا عن نواهيه ، ويقفوا عند عجائبه " وعمليًّا كان منهم من يقوم بآية واحدة يرددها طيلة الليل يتفكر في معانيها ويتدبرها. ولم يكن همهم مجرد ختم القرآن ؛ بل القراءة بتدبر وتفهم.. عن محمد بن كعب القُرَظِي قال: " لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".
فشمر ولُذْ بالله واحفظ كتابه 
ففيه الهدى حقًا وللخير جامع
هو الذخر للملهوف والكنز والرجا 
ومنه بلا شكٍ تُنال المنافع 
به يهتدي من تاه في معمعة الهوى 
به يتسلى من دهتهُ الفجائع
5/ المداومة على ذكر الله تعالى :
فذكرك لله سبب في اطمئنان قلبك , وهو أمان لروحك ,, يقول جل من قائل : ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ الرعد: 28 وذِكْرُ لله سبب في أن يذكرك الله في من عنده قال تعالى: ﴿ فَاذكُروني أَذْكُرْكُمْ ﴾ البقرة: 152 وفي الحديث القدسي: " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " [رواه البخاري].
وأسألك –يا رعاك الله- كيف أنت حينما تعلم بأن الله يذكرك في من عنده وهو الغني عنك وأنت الفقير إليه , ما هو شعورك حينما يتردد اسمك هنااااك في عالم الملكوت الأعلى . 
في ذكر الله يجد المؤمن الحياة الحقيقة لأنه يرتبط قولاً وعملاً بفاطر السموات والأرض في مكان وزمان ويسمو عن حياة الغافلين .. ﴿ وَاذكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَولِ بالغُدُوِّ والآصَال وَلا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205 وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت". رواه البخاري . قال الحسن : " تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم؛ وإلا فاعلموا أن الباب مغلق". وفي هذا المعنى يقول ابن القيّم –رحمه الله- " الذكر هو المنزلة الكبرى التي منها يتزود العارفون، وفيها يتجرون، وإليها دائمًا يترددون، وبه يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، وهو جلاء القلوب وصقالتها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقًا، ازداد محبة إلى لقائه للمذكور واشتياقًا ".
6/ طلب العلم الشرعي .
وقد يسأل سائل ما علاقة العلم بتجديد الإيمان في القلوب , وأقول إن العلم منطلق العمل , فلا عمل متقن , ولا أثر يتضح , ما لم تنطلق من علم ودراية , كذلك الإيمان في القلوب لا يرى أثره ولا تظهر صوره إلا حينما ينطلق من علم يهذب النفوس ويربي الأرواح ويزكيها من كل شائبة ودخن ,, سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله تعالى حين بدأ به (أي بالعلم) " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " محمد:19 فأمر بالعمل بعد العلم . وقد بوَّب الإمام البخارى بابًا فقال: " باب العلم قبل القول والعمل" لقوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " محمد:19 فالعلم مقدم على العمل ، فلا عمل دون علم ، فيعرف المؤمن ربه تعالى من خلال ذلك العلم ويصحح عقيدته ، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ويربيها ,,, والعلم أيضاً نور يبصر به المرءُ حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب ، قال تعالى : (( فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) الحج:46 ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى : " أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الرعد:19 كم أن العلم يورث الخشية من الله تعالى : قال الله تعالى : " إنَّما يخشى الله من عباده العلماء " فاطر : 28 وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " الإسراء : 107-109 .
7/ قيام الليل .
هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم ، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله ، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها ، عاكفة على مناجاة بارئها ، تتنسم من تلك النفحات ، وتقتبس من أنوار تلك القربات ، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات .آمنوا بأنه لا يخفى عليه شي سبحانه فقاموا بين يديه في السحر , وأنه يحب الخبايا والأسرار فبنوا بينهم وبينه كل خبيئة صالحة وسر , وأن من نام واستراح ليس كأولئك الذين تتقلب جنوبهم على فرشهم والسرر ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَار ﴾ آل عمران:16، 17 وقال تعالى : " أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" الزمر:9 وقال عليه الصلاة والسلام: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى الله تعالى ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم ، ومطردة للداء عن الجسد "رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
إذا ما الليل أظلم كابدوه
فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا
وأهل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود
أنين منه تنفرج الضلوع
وخرس بالنهار لطول صمت
عليهم من سكينتهم خشوع
8/ مرافقة أهل الإيمان .
يقول الله تعالى في بيان أن الرفقة الصالحة ممتد خيرها لا ينقطع إلى يوم القيامة : " الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ " الزخرف:67 وفي آية أخرى يبيّن جل وعز حال ذلك الذي تأسى بقدوات الشر وأصحاب الباطل وقرناء السوء متحسراً نادماً " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي " الفرقان:27- 29]. أما أصحاب الصلاح وأخوة الإيمان ففي مرافقتهم حصول على بركتهم كما في الحديث الذي رواه الأمام مسلم:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ" إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ- فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ, قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ , قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ, قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا لاَ, قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ -قَالَ- فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا -قَالَ- فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جليسهم »‏ رواه مسلم .
وقد قال ابن الجوزي: رفيق التقوى رفيق صادق، ورفيق المعاصي غادر، 
وأنشدوا قول الشاعر:
تجنب قرين السوء واصرم حباله
فإن لم تجد عنه محيصاً فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه
تنل منه صفو الود ما لم تماره
وقال مالك بن دينار: إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار، خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار.
وأنشد:
وصاحب خيار الناس تنج مسلمــا
وصاحب شرار الناس يوما فتندما
9 / التفكر في اليوم الآخر . 
إن من يسمع عن الموت وسكراته والقبر وظلماته و يوم القيامة وأهواله والحساب وحسراته والميزان ودقته والصراط وحدته و الوقوف بين يدي الله وعظمته والعذاب وشدته لحريٌّ به أن يعدّ العدّة , ويستجيش بكل مايملك , ويستعد لهذا المستقبل المحتوم بإيمان صادق يملأ قلبه , وبعمل دائم يتقرب به إلى ربه .
نعم .. فهناك النار –والعياذ بالله- والتي قال عليه الصلاة والسلام عن أهون أهلها عذاباً :" إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجلٌ يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً " متفق عليه , وعن عـمـقها روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال : كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، إذ سمع وجبةً فقال: هل تدرون ما هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.. قال: هذا حجرٌ رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها، فسمعتم وجبتها" رواه مسلم. وعن شدتها قال عليه الصلاة والسلام : ( ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ) . قيل يا رسول الله إن كانت لكافية قال : ( فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ) .رواه البخاري .
وهناك أيضاً الجنة – نسأل الله أن نكون من أهلها- والتي قال الله عنها : " وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " , قال الشيخ السعدي وَفِيهَا " أي: الجنة " مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وهذا لفظ جامع، يأتي على كل نعيم وفرح، وقرة عين، وسرور قلب، فكل ما اشتهته النفوس، من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح، ولذته العيون، من مناظر حسنة، وأشجار محدقة، ونعم مونقة، ومبان مزخرفة، فإنه حاصل فيها، معد لأهلها، على أكمل الوجوه وأفضلها. ويقول عليه الصلاة والسلام عن نعيمها الذي لا تبلغه العقول ولا تقيسه المقاييس : " قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ، واقرؤوا إن شئتم: " فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " متفقٌ عليه .
10/ الدعاء .
وهو ملاك ما تقدم , ولن يفلح المؤمن , ولن يحقق ما تمنى , ولن يسكن الإيمان في قلبه ما لم يكن له عونا من الله , فالدعاء هو العبادة كما جاء في الحديث , فالله الله في الدعاء , والمداومة على الارتباط برب الأرض والسماء . 
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها , اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً , وعملاً خالصاً , ولساناً ذاكراّ , وبدناَ معافا , ودعوة لا ترد يا رب العالمين . اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق والأقوال والأفعال لا يهدي إلى أحسنها إلا أنت , واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت .اللهم زيّنا بزينة الإيمان , وجمّلنا بثياب الاستقامة يا منّان . 
والحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً .

عثرات الحياة


المشكلة ليست أن الحياة بها عقبات ، ولكنك قد لا تعرف سنن الله في خلقه . إذا لم تكن شخصاً ناجحاً، فإن أغلب أمور الحياة ستبدو غير متوازنة بالنسبة لك. الحقيقة تكمن في أن الحياة لها نظام مختلف، وطرق النجاح هذه موجودة ومنطقية ، لكنها معقدة وغير مريحة ولذلك لا يتعلمها الآكثرون. لذلك، دعونا نحاول:
القاعدة الأولى: الحياة عبارة عن منافسة
تلك التجارة التي تديرها؟ تجارة مع الله 
وتجارة في حياتك الدنيا ...
هناك شخص يريد إخفاقها. تلك الوظيفة التي تُعجبك؟ هناك شخص يود أن يستبدل مكانك ببرنامج كمبيوتر. تلك الفتاة ، الشاب ، الوظيفة المرموقة| الشهادة التي تود الحصول عليها؟ لست وحدك، كل الأشخاص يريدونها.
كلنا في سباق، على الرغم من أننا نفضل أن نتجاهل ذلك. أغلب الإنجازات ملحوظة لأننا نقارنها بإنجازات الآخرين: أنت تسبح أكثر أميالاً من غيرك، أو تسبح أفضل، أو تحصل على كمية أكبر من ال”لايك” في موقع الفيسبوك. ممتاز.
لكن من المؤلم أن تصدق، ولذلك يدعم بعضنا بعضاً “افعل ما بوسعك”، “أنت في سباق مع نفسك”. المُضحك في هذه العبارات أنها صُممت لتجعلك تجتهد أكثر. إذا كانت المنافسة غير مهمة، سنُخبر أطفالنا أن يتوقفوا عن المحاولة وأن يستسلموا. لحسن الحظ، نحن لا نعيش في عالم يقتل بعضه بعضاً من أجل المنافسة. بزمن الحضارة الحديثة هناك فرص كافية للجميع حتى وإن لم نتنافس بشكل مباشر.
لكن لا تنخدع بالوهم القائل أن الحياة ليست سباقاً، فالناس يهتمون بمنظرهم من أجل أن يحصلوا على شريكٍ للحياة، يكافحون في المقابلات الوظيفية من أجل الحصول على عمل. إذا كنت تنكر أن المنافسة غير موجودة، فإنك واهم. كل أمر مرغوب في هذه الحياة يكون في ميزان المنافسة. والأفضل يحصل عليه هؤلاء الذين يريدون أن يتقاتلوا من أجله.
القاعدة رقم 2: يُحكم عليك من خلال ماتفعله، ليس من خلال ما تؤمن به
المجتمع يحكم على الناس من خلال مايستطيعون فعله من أجل الآخرين. هل تستطيع إنقاذ طفل في منزل مشتعل بالنيران؟ أو أن تزيل ورم سرطاني؟ أو أن تُضحك غرفة مليئة بالناس؟ لديك قيمة هنا.
لكن هذا ليس مانفعله نحن تجاه أنفسنا، نحن لا نحكم على أنفسنا إلا بالأفكار. “أنا شخص جيد”، “أنا شخص طموح”، “أنا أفضل من هذا”.. هذه الأفكار الخاملة ربما تريحنا في الليل، لكنها ليست ضمن المعايير التي يرانا بها الآخرون. وليست حتى معاييرنا التي نرى بها الآخرون.
النوايا الطيبة ليست مهمة. الإحساس الداخلي بالفخر والحب والواجب ليس مهماً. المهم ماذا تستطيع أن تفعل للآخرين وماذا قدّمت للعالم.
القدرات لا تُكافئ من أجل مزاياها، ولذلك أي تقدير يصدر من المجتمع يكون من منظور أناني: عامل النظافة المجتهد أقل تقديراً من سمسار الأسهم القاسي. باحث في السرطان أقل تقديراً من عارضة أزياء. لماذا؟ لأن هذه القدرات (سمسار الأسهم، وعارضة الأزياء) أكثر ندرة وتؤثر على أشخاص أكثر.
في الحقيقة، التقدير الإجتماعي عبارة عن تأثير شبكة علاقات: المكافآت تُقدم إلى الأشخاص الأكثر شهرة.
اكتب كتاباً ولا تنشره، لا أحد يعرفك. أكتب انقذ شخصاً، أنت بطل المدينة ولكن عالج مرض السرطان، ستصبح أسطورة. لسوء الحظ، هذه القاعدة تنطبق على كل المواهب، حتى التافهة منها: تعرّى أمام شخص فيتبسم.
يبدو أنك ستكره هذه الحقيقة، لأنها قد تجعلك تشعر بالغثيان. لكن الحقيقة كذلك: يُحكم عليك من خلال قدراتك، وعلى عدد الناس الذين ستؤثر عليهم من خلال قدراتك هذه. إذا لم تتقبل هذا الأمر، سترى الحياة غير مجديه
قاعدة رقم 3: أفكارنا عن العدل هي أفكار أنانية
يحب الناس أن يخترعوا سلطة أخلاقية. ولذلك، لدينا رجال حسبه في الميدان. وقضاة في المحاكم: لدينا غريزة بالصواب والخطأ، ونتوقّع من العالم أن يلتزم بها. في البيت يخبرنا والدينا بذلك، وفي المدرسة نتعلم من أساتذتنا كذلك. كن ولداً طيباً وسوف تحصل على قطعة من الحلوى.
لكن الواقع مختلف. درست بجد ولكنك رسبت في الإمتحان. عملت بمجهود كبير ولكنك لم تُرقّى في الوظيفة. تحبها والدتك ولكنها لم ترد على إتصالاتك.. ليست المشكلة في أن الحياة غير جميلة، ولكن في أفكارك المتصدعة عن الجمال.
ألقِ نظرة على الشخص الذي يعجبك ولكنك لم تعجبه. إنه شخص متكامل: شخص لديه سنوات من الخبرة في أن يكون إنساناً مختلفاً عنك. الشخص الحقيقي هو الذي يتفاعل مع مئات أو آلاف الأشخاص كل سنة.
لكن العجيب في كل هذا هو أنك تريد أن تكون الشخص المحبوب لديه لأنك فقط موجود في هذه الحياة؟ لأنك تشعر بإعجاب تجاهه؟ قد يكون هذا الأمر مهماً بالنسبة لك، لكن قرارات الأشخاص ليست بالضرورة أن تكون عنك.
وبالمثل، نحب أن نكره مدرائنا وآبائنا والصحفيون. قراراتهم غير صائبة وغبية. لأنهم لا يتفقون معي! ويجب عليهم أن يتفقوا معي! لأنني وبدون مناقشة أفضل شخصية وُجدت على الأرض!
في الحقيقة يوجد أشخاص كريهون بالطبع. لكن ليس كل الأشخاص في العالم سيئون، أو وحوش أنانية يملئون جيوبهم بمآسيك. أغلبهم يحاول أن يفعل ما بوسعه ولكن في ظروف مختلفة عن ظروفك.
قد يعرفون أموراً لا تعرفها، ومن الممكن أن لديهم أولويات مختلفة عنك. لكنهم يجعلونك تشعر، أفعال الآخرين ليست حكم وجودي على وجودك، بل هي محصلة وجودهم في هذه الحياة.
لماذا الحياة متعبة؟
فكرتنا عن السعادة ليست سهلة: هي عباءة نغطّي بها أفكارنا التي نتمناها.
هل تستطيع أن تتخيل كيف ستكون الحياة مجنونة إذا كانت عادلة لكل الأشخاص في العالم؟ لا يستطيع أحد أن يحصل على إعجاب الآخرين بدون أن يكون شريكاً لهم حتى لا يُحطّم قلوبهم. ستفشل الشركات فقط إذا وظّفت الأشخاص السيئين. ستنتهي العلاقات فقط إذا مات الشريكان سوية. ستحل المصائب فقط بالأشخاص السيئين. أغلبنا يشغل تفكيره بكيف يجب أن تكون الحياة ولكننا لا نستطيع أن نرى كيف تكون الحياة أصلاً. لذلك، مواجهة الحقيقة ستكون كالمفتاح الذي يجعلنا نفهم العالم، ويجعلك تفهم إمكانياتك.

2017-02-10

حاجتنا إلى القرآن العظيم


من أنت؟
أنا، وأنت!.. ذلك هو السؤال الذي قلما ننتبه إليه! والعادة أن الإنسان يحب أن يعرف كل شيء مما يدور حوله في هذه الحياة، فيسأل عن هذه وتلك، إلا سؤالا واحدا لا يخطر بباله إلا نادرا! هو: من أنا؟ نعم، فهل سألت يوما نفسك عن نفسك: من أنت؟
ولعل أهم الأسباب في إبعاد ذلك وإهماله يرجع في الغالب إلى معطى وهمي، إذ نظن أننا نعرف أنفسنا فلا حاجة إلى السؤال! تغرنا إجابات الانتماء إلى الأنساب والألقاب، وتنحرف بنا عن طلب معرفة النفس الكامنة بين أضلعنا، التي هي حقيقة (من أنا؟) و(من أنت؟) ويتم إجهاض السؤال في عالم الخواطر؛ وبذلك يبقى الإنسان أجهل الخلق بنفسه، فليس دون الأرواح إلا الأشباح!
ولو أنك سألت نفسك بعقلك المجرد: من أنتِ؟ سؤالا عن حقيقتها الوجودية الكاملة؛ لما ظفرت بجواب يشفي الغليل! وإذن تدخل في بحر من الحيرة الوجودية!
أنا وأنتَ، تلك قصة الإنسان منذ بدء الخلق إلى يوم الناس هذا.. إلى آخر مشهد من فصول الحياة في رحلة هذه الأرض! وهي قصة مثيرة ومريرة!
ولذلك أساسا كانت رسالةُ القرآن هي رسالة الله إلى الإنسان؛ لتعريفه بنفسه عسى أن يبدأ السير في طريق المعرفة بالله؛ إذْ معرفة النفس هي أول مدارج التعرف إلى الله. وليس صدفة أن يكون أول ما نزل من القرآن: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)(العلق:1-2). ثم تواتر التعريف بالإنسان – بَعْدُ - في القرآن، في غير ما آية وسورة، من مثل قوله سبحانه: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا. إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)(الإنسان:1-3) وكذلك آيات السيماء الوجودية للإنسان، الضاربة في عمق الغيب، من قوله تعالى: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ)(السجدة:6-9).
ومن هنا أساسا كانت قضية الشيطان - بما هو عدو للإنسان - هي إضلاله عن معالم الطريق، في سيره إلى ربه! بدءا بإتلاف العلامات والخصائص المعرفة بنفسه، والكاشفة له عن حقيقة هويته، وطبيعة وجوده! حتى إذا انقطعت السبل بينه وبين ربه ألَّهَ نفسَه، وتمرد على خالقه!
ولم يزل الإنسان في قصة الحياة يضطرب بين تمرد وخضوع، في صراع أبدي بين الحق والباطل إلى الآن! فكانت لقصته تلك عبر التاريخ مشاهدُ وفصول! وكانت له مع الشيطان ومعسكره معاركُ ضارية، فيها كَرٌّ وفَرٌّ، وإقبالٌ وإدبار!
قال عز وجل حكايةً عن إبليس: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً. قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)(الإسراء:62-65).
من أجل ذلك كان للإنسان في كل زمان قصةٌ مع القرآن، وقصةٌ مع الشيطان!
فيا حسرة عليك أيها الإنسان! هذا عمرك الفاني يتناثر كل يوم، لحظةً فلحظة، كأوراق الخريف المتهاوية على الثرى تَتْرَى! اُرْقُبْ غروبَ الشمس كل يوم؛ لتدرك كيف أن الأرض تجري بك بسرعة هائلة؛ لتلقيك عن كاهلها بقوة عند محطتك الأخيرة! فإذا بك بعد حياة صاخبة جزءٌ حقير من ترابها وقمامتها! وتمضي الأرض في ركضها لا تبالي.. تمضي جادةً غير لاهية – كما أُمِرَتْ - إلى موعدها الأخير! فكيف تحل لغز الحياة والموت؟ وكيف تفسر طلسم الوجود الذي أنت جزء منه ولكنك تجهله؟ كيف وها قد ضاعت الكتب كلها؟ ولم يبق بين يديك سوى هذا (الكتاب)!
فأين تجد الهداية إذن يا ابن آدم؟ وأنى تجدها إن لم تجدها في القرآن؟ وأين تدرك السكينة إن لم تدركها في آياته المنصوبة - لكل نفس في نفسها – علامات ومبشرات في الطريق إلى الله؟ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا. وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(الإسراء:9 - 10).
نَعَم، بقي القرآن العظيم إعجازا أبديا، يحي الموتى، ويبرئ المرضى، ويقصم قلوب الجبابرة، ويرفع هامات المستضعفين في العالمين، ويحول مجرى التاريخ! وكل ذلك كان - عندما كان - بالقرآن، وبالقرآن فقط! وهو به يكون الآن، وبه يكون كلما حَلَّ الإبَّانُ من موعد التاريخ، ودورة الزمان! على يد أي كان من الناس! بشرط أن يأخذه برسالته، ويتلوه حق تلاوته! وتلك هي القضية!
ماذا حدث لهؤلاء المسلمين؟ أين عقولهم؟ أين قلوبهم؟ أليس ذلك هو القرآن؟ أليس ذلك هو كلام الله؟ أليس الله رب العالمين؟ أليس الخلق - كل الخلق - عبيده طوعا أو كرها؟ ففيم التردد والاضطراب إذن؟ لماذا لا ينطلق المسلم المعاصر يشق الظلمات بنور الوحي الساطع، الخارق للأنفس والآفاق؟
ألم يقل الله في القرآن عن القرآن، بالنص الواضح القاطع: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ! وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)؟(الحشر:21). فهل هذه خاصية ماتت بموت محمد رسول الله؟ أم أن معجزة القرآن باقية بكل خصائصها إلى يوم القيامة؟ ورغم أن الجواب هو من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة لكل مسلم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي البشرى إلى هذه الأمة، نورا من الأمل الساطع الممتد إلى الأبد! فقد دخل عليه الصلاة والسلام المسجدَ يوما على أصحابه ثم قال:‌ (أبشروا.. أبشروا..! أليس تشهدون ألا إله إلا الله وأني رسول الله؟‌ قالوا ‌:‌ بلى، قال ‌:‌ فإن هذا القرآن سَبَبٌ، طرفُه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به! فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبداً!) ومثله أيضا قولهe بصيغة أخرى: (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض). تلك حقيقة القرآن الخالدة، ولكن أين من يمد يده؟
ألم يأن للمسلمين – وأهل الشأن الدعوي منهم خاصة – أن يلتفتوا إلى هذا القرآن؟ عجبا! ما الذي أصم هذا الإنسان عن سماع كلمات الرحمن؟ وما الذي أعماه عن مشاهدة جماله المتجلي عبر هذه الآيات العلامات؟ أليس الله – جل ثناؤه – هو خالق هذا الكون الممتد من عالم الغيب إلى عالم الشهادة؟ أليس هو – جل وعلا – رب كل شيء ومليكه؟ الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟ أوَليس الله هو مالك الملك والملكوت؟ ذو العزة والجبروت؟ لا شيء يكون إلا بأمره! ولا شيء يكون إلا بعلمه وإذنه! أوَليس الخلق كلهم أجمعون مقهورين تحت إرادته وسلطانه؟ فمن ذا قدير على إيقاف دوران الأرض؟ ومن ذا قدير على تغيير نُظُم الأفلاك في السماء؟ من بعد ما سوَّاها الله على قدر موزون، (فَقَالَ لَهَا وَلِلاَرْضِ إيتِيَا طَوْعاً أوْ كَرْهاً قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِينَ)؟(فصلت:10) ومن ذا مِنَ الشيوخ المعمَّرين قديرٌ على دفع الهرم إذا دب إلى جسده؟ أو منع الوَهَنِ أن ينخر عظمه، ويجعد جلده؟ ويحاول الإنسان أن يصارع الهرم والموت! ولكن هيهات! هيهات!
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا *** فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ!
الموت والفناء هو اليقينية الكونية المشتركة بين جمع الخلق، كافرهم ومؤمنهم!
يولد الإنسان يوما ما.. وبمجرد التقاط نفَسِه الأول من هواء الدنيا يبدأ عمره في عَدٍّ عَكْسِي نحو موعد الرحيل..! فكان البدءُ هو آية الختام! هكذا يولد الإنسان وبعد ومضة من زمن الأرض تكون وفاته! (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِكْرَامِ)(الرحمن:24-25).
ذلك هو الله رب العالمين، يرسل رسالته إلى هذا الإنسان العبد، فيكلمه وحيا بهذا القرآن! ويأبى أكثرُ الناس إلا تمردا وكفورا! فواأسفاه على هذا الإنسان! ويا عجبا من أمر هؤلاء المسلمين! كأن الكتاب لا يعنيهم، وكأن الرسول لم يكن فيهم! (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ! مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزءُون!)(يس:30)
إن هذا القرآن هو الروح الذي نفخه الله في عرب الجاهلية؛ فأخرج منهم خير أمة أخرجت للناس! وانبعثوا بروح القرآن من رماد الموت الحضاري؛ طيوراً حية تحلق في الآفاق، وخرجوا من ظلمات الجهل ومتاهات العمى أدِلاَّءَ على الله، يُبْصِرون بنور الله ويُبَصِّرون العالم الضال حقائق الحياة! ذلك هو سر القرآن، الروح الرباني العظيم، لا يزال هو هو! روحا ينفخ الحياة في الموتى من النفوس والمجتمعات؛ فتحيا من جديد! وتلك حقيقة من أضخم حقائق القرآن المجيد! قال جل ثناؤه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ. وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ. أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ)(الشورى:52-53).
من أنت؟ تلك قصة النبأ العظيم! نبأ الوجود الضخم الرهيب، من البدء إلى المصير! النبأ الذي جاءت به النُّذُرُ من الآيات: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ!)(الأنبياء:97). وقريبا جدا – واحسرتاه! – تنفجر به الأرض والسماوات! (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ! كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الأنبياء:104).
ذلكم هو النذير القرآني الرهيب! ولقد أعذر من أنذر! وما بقي لمن بلغه النبأ العظيم من محيص؛ إلا أن يتحمل مسؤوليته الوجودية، ويتخذ القرار، قراراً واحدا من بين احتمالين اثنين، لا ثالث لهما: النور أو العَمَى! وما أنزل الله القرآن إذْ أنزله إلا لهذا! ولقد صَرَّفَه على مدى ثلاث وعشرين سنة؛ آيةً آيةً، كل آية في ذاتها هي بصيرة للمستبصرين، الذين شَاقَهُم نورُ الحق فبحثوا عنه رَغَباً ورَهَباً؛ عسى أن يكونوا من المهتدين. وبقي القرآن بهذا التحدي الاستبصاري يخاطب العُمْيَ من كل جيل بشري! قال الحقُّ جل وعلا: (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)(الأنعام:104).
من أجل ذلك؛ نرجع آئبين إلى رسالة الله، نقرؤها من جديد، نستغفره تعالى على ما فرطنا وقصرنا! قدوتنا في هذه السبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنته الزكية، التي لم تكن في كل تجلياتها النبوية – قولا وفعلا وتقريرا - إلا تفسيرا للقرآن العظيم! وكفى بكلمة عائشة أم المؤمنين، في وصفه – عليه الصلاة والسلام – لما سئلت عن خُلُقِهe؛ فقالت بعبارتها الجامعة المانعة: (كان خُلُقُه القرآن!) ولقد ضل وخاب من عزل السنة عن الكتاب!
نرجع إذن إلى القرآن، نحمل رسالته إن شاء الله – كما أمر الله – نخوض بها تحديات العصر، يحدونا اليقين التام بأن لا إصلاح إلا بالصلاح! وأن لا ربانية إلا بالجمع بينهما! وأن لا إمكان لكل ذلك – صلاحاً وإصلاحاً وربانيةً - إلا بالقرآن المجيد! وهو قول الحق - جل ثناؤها – في آية عجيبة، آية ذات علامات – لمن يقرأ العلامات – ولكل علامة هدايات. قال تعالى ذِكْرُه: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(الأعراف:170) التَّمْسِيكُ بالكتاب، وإقامُ الصلاة: أمران كفيلان برفع المسلم إلى منـزلة المصلحين! هكذا: (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). وإن تلك لآية! ومثلها قوله تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)(آل عمران:79). وقد قُرِئَتْ: (تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ) و(تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ)؛ للجمع بين وظيفتي التَّعَلُّم والتعليم، والصلاح والإصلاح، إذْ بذلك يكون التدارس لآيات القرآن العظيم، بما هي علامات دالة على الله، وراسمة لطريق التعرف إليه جل وعلا، في الأنفس والآفاق. وتلك هي السبيل الأساس للربانية، كما هو واضح من دلالة الحصر المستفادة من الاستدراك في الآية: (ولكن كونوا ربانيين).

الإعتماد على الرجاء


- قال الله تعالى – في وصف حال المدعوين من الملائكة والأنبياء والصالحين - : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) الإسراء/ 57 .
وقال الله تبارك وتعالى – في وصف حال الأنبياء - : ( إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .
فالمؤمن الموفق يجمع في عبادته بين الخوف والرجاء، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ {الزمر: 9}.
وكثيرا ما يقترن بالخوف والرجاء أمر ثالث وهو التذكير بعظمة الله تعالى ونعمه المتكاثرة على عباده، مما يثمر محبة الله تعالى، وبهذا تتحقق عبودية الله، كما في قوله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ {غافر:3}.
وقد بوب البخاري في صحيحه باب: باب الرجاء مع الخوف.
- قال الحسن -رحمه الله تعالى-: "إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني لأحسن الظن بربي، وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل".
وقال أحد السلف: "رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان".
- حين لا تستوعب نصوص الرجاء، ولا تفهم مدلولاتها، تتمادى النفوس في طغيانها، ويأسرها هواها، بل ترتكب المعاصي، وتنتهك الحرمات، ويتحايل على المحظورات، فهم لا يتذكرون من أسماء الله وصفاته إلا أنه غفور رحيم، كريم، ودود، ودليلهم في كل حين، أن الإسلام دين السماحة واليسر.
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد"رواه مسلم
- والنصوص الشرعية من الآيات والأحاديث السنية، تربي على الخوف والرجاء، فهما رفيقان ينبغي أن لا يخلو قلب المؤمن منهما، وإن غلب أحدهما حينا وغلب الآخر حيناً آخر.
- إن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود، ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود، فلا يقود إلى قرب الرحمن، وروح الجنان، مع كونه بعيد الإرجاء، ثقيل الأعباء، محفوفاً بمكاره القلوب، ومشاق الجوارح والأعضاء إلا الرجاء، ولا يصد عن نار الجحيم، والعذاب الأليم مع كونه محفوفاً بلطائف الشهوات، وعجائب اللذات، إلا سياط التخويف.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : 
ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري [ الحرورية : هم الخوارج ] ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن .
- فمتى خلا القلب من هذه الثلاث : فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا . ومتى ضعف فيه شيء من هذه: ضعف إيمانه بحسبه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/21)
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" الواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله ، ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل ؛ ولكن يحذر معاصي الله ، ويخافه ولا يأمن ، بل يكون بين الخوف والرجاء " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/ 38)
- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن غلب عليه الرجاء ؛ وقع في الأمن من مكر الله ، وإن غلب عليه الخوف ؛ وقع القنوط من رحمة الله ، وكلاهما من كبائر الذنوب " لقاء الباب المفتوح" (11/ 7)
- وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله :
متى يجد العبد طعم الراحة ؟
فقَالَ: " عند أول قدم يضعها فِي الجنة "طبقات الحنابلة" (1/ 293) .
- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والعبادة مبنية على أمرين عظيمين ، هما : المحبة ، والتعظيم ، الناتج عنهما : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهَباً ) الأنبياء/ 90 ، فبالمحبة تكون الرغبة ، وبالتعظيم تكون الرهبة ، والخوف " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 8 / 17 ، 18 ) .
- قال ابن القيم في مدارج السالكين أنواع الرجاء:
الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان ونوع غرور مذموم.
فالأول : رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه،
والثاني : ورجلٌ أذنب ذنوباً ثم تاب منها فهو راجٍ لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث: رجلٌ متمادٍ في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عملٍ فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب
الفرق بينه وبين الغرور.
قال يحيى بن معاذ:
من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله -تعالى- بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط.
- متى يصح الرجاء
قال ابن القيم رحمه الله اجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل"مدارج السالكين
،واعلموا أن الجمع بين الخوف والرجاء
١ - يثمر لكم العمل الصالح والإكثار من الحسنات،
٢ - والتوبة من الذنوب والسيئات، فكونوا دائما بين الخوف والرجاء
قال الشيخ صالح الفوزان :لا تغفلوا عن هذا الأصل فإنه أصل عظيم، ومن غفل عنه هلك وتاه، فمن قنط من رحمة الله خسر، ومن أمن من مكر الله خسر
فكونوا بين الخوف والرجاء بمعنى: أنكم إذا تذكرتم النار والعذاب تتوبون إلى الله عز وجل وتتوقفون عن الذنوب والمعاصي والسيئات، وإذا تذكرتم الجنة وثوابها تكثرون من الحسنات
فإن الجنة لا تنال بالتمني وإنما تنال بالأعمال الصالحة بعد رحمة الله سبحانه وتعالى، فليس الإيمان بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال
ختاماً : فالذي يؤمن بالجنة والنار يعمل لهما، يعمل للجنة فيكثر من الحسنات ويعمل ما ينجيه من النار فيتجنب السيئات والخطيئات ولا أحد يسلم من الذنوب إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى، ولكن الله فتح بابه للتائبين وهذا من رحمته سبحانه أنه لا يعاجلهم بالعقوبة؛ بل يمهلهم، ويدعوهم إلى الجنة وإلى التوبة، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه (وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)
هذا ما تيسر جمعه وبيانه نسأل الله أن يجعلنا من الراجين لرحمته الخائفين عقابه وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، والحمد لله في الآخرة والأولى، وصلى الله على نبيه المصطفى.

2017-02-05

ثلاثون باباً للرزق الباب الأول: توحيد الهمِّ على الله


قال ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا، هَمَّ آخِرَتِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ»
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ».
فعلى العبد ألا ينزل حاجته إلا بالله، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ»
قال السعدي رحمه الله: 
وذلك: أن الأسباب التي تحصل بها المقاصد نوعان.
نوع يشاهد بالحس، وهو القوة بالشجاعة القولية والفعلية، وبحصول الغنى والقدرة على الكسب. وهذا النوع هو الذي يغلب على قلوب أكثر الخلق، ويعلِّقون به حصول النصر والرزق، حتى وصلت الحال بكثير من أهل الجاهلية أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر، ووصلت بغيرهم إلى أن يتضجروا بعوائلهم الذين عُدم كسبهم، وفُقدت قوتهم، وهذا كله قصر نظر، وضعف إيمان، وقلة ثقة بوعد الله وكفايته، ونظر للأمور على غير حقيقتها.
النوع الثاني: أسباب معنوية، وهي قوة التوكل على الله في حصول المطالب الدينية والدنيوية، وكمال الثقة به، وقوة التوجه إليه والطلب منه.
وهذه الأمور تقوي جدا من الضعفاء العاجزين الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حق العلم، أن كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله، وأنهم في غاية العجز. فانكسرت قلوبهم، وتوجهت إلى الله، فأنزل لهم من نصره ورزقه- من دفع المكاره، وجلب المنافع- ما لا يدركه القادرون. ويسر للقادرين بسببهم من الرزق ما لم يكن لهم في حساب؛ فإن الله جعل لكل أحد رزقا مقدرا.
وقد جعل أرزاق هؤلاء العاجزين على يد القادرين، وأعان القادرين على ذلك، وخصوصا من قويت ثقتهم بالله، واطمأنت نفوسهم لثوابه فإن الله يفتح لهؤلاء من أسباب النصر والرزق ما لم يكن لهم ببال، ولا دار لهم في خيال.
فكم من إنسان كان رزقه مقتَّراً، فلما كثرت عائلته والمتعلقون به، وسع الله له الرزق من جهات وأسباب شرعية قدرية إلهية.
ومن جهة وعد الله الذي لا يخلف {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39]
ومن جهة: دعاء الملائكة كل صباح يوم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»[.
ومن جهة أن أرزاق هؤلاء الضعفاء توجهت إلى من قام بهم، وكانت على يده.
ومن جهة أن يد المعطي هي العليا من جميع الوجوه.
ومن جهة أن المعونة من الله تأتي على قدر المؤنة، وأن البركة تشارك كل ما كان لوجهه، ومرادا به ثوابه. 
ولهذا نقول:
ومن جهة إخلاص العبد لله، وتقربه إليه بقلبه ولسانه ويده، كلما أنفق، توجه إلى الله وتقرب إليه. وما كان له فهو مبارك.
ومن جهة قوة التوكل، وثقة المنفق، وطمعه في فضل الله وبره. والطمع والرجاء من أكبر الأسباب لحصول المطلوب.
ومن جهة دعاء المستضعفين المنفق عليهم، فإنهم يدعون الله - إن قاموا وقعدوا، وفي كل أحوالهم - لمن قام بكفايتهم. والدعاء سبب قوي: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60]
وكل هذا مجرب مشاهد، فتبا للمحرومين، وما أجل ربح الموفقين.
إضاءة
الله تعالى هو وحده الرَّزَّاق الذي يرزق جميع المخلوقات، يرزق من يشاء، وكيفما يشاء، فما من مخلوق حي في العالم العلوي أو السفلي إلا وهو متمتع برزق الله عز وجل، ومغمور بكرمه وفضله وإحسانه: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].
وهو وحده الباسط الرازق، الذي تكفل بالأرزاق وضمنها لعباده، وأوجبها على نفسه العليَّة، بقدرته واختياره وكرمه، عن أنس رضي الله عنه قال: غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله سعِّر لنا قال: « إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُالْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ».
قد أودع الله في هذه الأرض الواسعة خزائن عظيمة؛ لتلبية حاجات جميع المخلوقات، في هذا الكون والعالم الفسيح، وأودع في المخلوقات نفسها القدرة على اكتساب وجمع الأرزاق، والحصول عليها من مزروع أو مصنوع، أو مُرَكَّب أو خام أو غير ذلك مما أفاء وأكرم وأنعم: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6].
ولو كانت الأرزاق تجري على الحِجَا هَلَكْن إذن من جهلهن البهائمُ
لو أنَّ الله يعطى الرزق بحسب العقل والذكاء لهلكت البهائم لأنها جمادات لا تعقل.