السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2019-03-26

جزاء الظالم

ما هو جزاء الظالم
تعريف الظلم وتحذير الإسلام منه 
جاء الإسلام متمّماً لمكارم الأخلاق، التي تعزّز بدورها المودة والألفة بين الناس، وتُديم العلاقات التي تحقّق الطمأنينة والسكينة بين الناس، وحذّر الإسلام من كلّ ما يُورّث العداوة والبغضاء، أو يتسبّب في الفُرقة بين الناس، وعلى رأس تلك الأفعال ظلم الناس لبعضهم البعض، وأكل الحقوق فيما بينهم، والظلم كما ورد تعريفه في اللغة؛ هو الجَور، وانتهاك الحقوق عدواناً، ويُوصف أيضاً بعدم الإنصاف، فالظلم من الصفات الرذيلة، والأخلاق الدنيئة، ولذلك ذكر الله -تعالى- أنّه نزّه نفسه عن ذلك الخلق الذميم، بل وحرّمه على نفسه أيضاً، وجعله محرّماً بين المؤمنين، وذلك من كمال عدله، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، وقال أيضاً في الحديث القدسي: (يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظَّالموا).
جزاء الظالم 
إنّ الظلم سببٌ في خراب العمران والديار، وذلك واحدٌ من عدّة مآلاتٍ سيئةٍ، تُطال الظالمين في حياتهم وآخرتهم، فالله -تعالى- بعدله لا يُمكن أن يغفل عمّن أساء أو اعتدى، ولا يُمكن أن يمضي الظالم في ظلمه دون حسابٍ أو عقابٍ، بل جعل الله -تعالى- العواقب وخيمةٌ، التي تعود على الظالم لسوء فعله، وفيما يأتي بيان بعضها:
 يتعرّض الظالم في حياته إلى كثيرٍ من المحن والفتن، ويقترب من الهلاك، الذي يأتيه بسبب ظلمه واعتدائه، وتلك سنّة الله -تعالى- للظالمين، أفراداً كانوا أم جماعاتٍ، فكثيراً ما أهلك الله -تعالى- أقواماً بأكملها، عندما ظهر الظلم فيهم وانتشر، حيث قال: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ*لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ*قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ). يُقذف الظالم بالكثير من الدعوات ممّن ظلمه، ويستجيب الله تلك الدعوات، ويأخذ بها، حيث يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (اتقِ دعوةَ المظلومِ، فإنها ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ)، فالله -تعالى- تعهّد بتلك الدعوات، بل وتُرفع فوق الغمام، حيث يقول: (وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّك ولو بعد حينٍ).
 فعلى الظالم أن يحذر من دعوة من ظَلمه، ويخشاها، وينتهي عن ظلمه، ويتوب إذا رغب بالنجاة منها. 
يُعرّض الظالم نفسه إلى عذاب الله -تعالى- وسخطه، ومن ثمّ خسارة آخرته، حين ينقلب إلى الله تعالى، ذلك أنّ الله -تعالى- يرى ويسمع ما يقوم به العباد، حتى يُحاسبهم على ذلك يوم القيامة، وتوعّد الله -تعالى- الظالم بشديد العقاب في الآخرة، وذكر ذلك في العديد من الآيات، منها قوله: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ*لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، وممّا يزيد ذلك الأمر شدّةً أنّ الله -تعالى- من يأخذ الحقوق، ويقتصّ من الظالم للمظلوم، ويقضي بين الناس في الآخرة، فلا سبيل إلى النجاة من سخط الله وعقوبته، حيث قال الله تعالى: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ*الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
 يحرِم الظالم نفسه من رحمة الله تعالى، وعنايته، وهدايته، حيث يقول الله تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
 يحرِم الظالم نفسه من الشفاعة يوم القيامة، حيث يقول الله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ).
 يخسر الظالم حسناته، وما عمل من خيرٍ في الدنيا، فأخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الظالم كالمفلس يوم القيامة، ستُؤخذ منه حسناته، وتُعطى لمن كان قد ظلمهم في الحياة الدنيا، ثمّ إذا فنيت حسناته، ولا يزال عليه حقوقٌ للناس، فيُؤخذ من سيئاتهم، فتُطرح على سيئاته، ثمّ يُطرح في النار معذّباً. 
أشكال الظلم وصوره 
تتعدّد أشكال الظلم وصوره، لكنّ أعظم أشكال الظلم؛ هو الشرك بالله تعالى، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وأهمّ سببٍ لجعْل الشرك أعظم الظلم أنّ الإنسان جعل لله -تعالى- شريكاً وندّاً، فيكون بذلك عمد إلى تشبيه الخالق بالمخلوق، لذلك كان ذلك الفعْل ظُلماً؛ إذ إنّه وضع الشيء في غير موضعه، ولقد توعّد الله -تعالى- المشركين بعدم غفرانه لذنبهم، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، فكان ذلك عاقبة من اقترف أعظم أنواع الظلم، ورضي به، وأمّا أشكال الظلم الأخرى، فهي كثيرةٌ، وفيما يأتي بيان بعضها:
 اعتداء المالك لمصلحةٍ ما على موظفين عنده؛ كفصلهم جوراً، أو التبخيس من حقوقهم، أو تأخير منحهم إيّاها وقد استحقّوها. حلف اليمين الكاذبة، من أجل استحلال حقّ لا يحلّ، أو امتلاكه، أو تحصيل حقوقٍ واجبةٍ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَن اقتَطعَ أرضاً ظالماً لَقيَ اللَّهَ وَهوَ علَيهِ غضبانُ).
 أكل مال الناس بغير حقٍّ، والإساءة إليهم؛ كقذف أحدهم، أو التطاول عليهم في الكلام، فكلّ ذلك من أشكال الظلم للناس. ظلم الرجل لزوجته، أو من تقع في عصمته، وهضم حقوقها، وأكل مالها؛ كحرمانها من الميراث، أو منعها من الزواج تعسّفاً، أو غير ذلك. 
ظلم الأطفال الصغار، أو الجهّال؛ كإشغالهم بما لا طائل منه، فالعناية بهم من حقّهم، وتنميتهم تنميةً سليمةً قويمةً، تُفيدهم في مستقبلهم. الظلم الذي يقع من البائع على المشتري؛ مثل أن يدفع المشتري ما عليه دون نقصٍ، ويُنقِص البائع من السلعة، إن استطاع ذلك، إمّا في الوزن، أو في الكيل، أو غير ذلك. 
ظلم الإنسان لنفسه؛ إذا مكّنها من تناول المسكرات، والمخدرات، التي لا توصله إلّا إلى المهانة، والإذلال، وكما يتم بذلك تعريض النفس للموت.

الكبائر

ما هي الكبائر
أثر الذُّنوب والمعاصي 
تميَّزَ الإنسانُ عن غيرِه من الكائناتِ بِنعمةِ العقلِ الذي هو مِنحةُ اللهِ للتّفسيرِ والتَّحليلِ والاختيار، فكانَ التَّكليفُ للإنسانِ مُرتبطاً بِوعيِهِ وتمييزِهِ وحُضورِ عَقلِه، فما كانَ من الأعمالِ بِغيابِ العَقلِ فلا ميزانَ له، وإنَّما تُقاسُ الأعمالُ بتحقُّقِ الرُّشدِ والتَّمييز، فتُفرَضُ الفُروضُ وتُستَرُ العوراتُ وتوظَّفُ القُدُراتُ وتُقبَلُ العُقود. وقد جُبِلَ الإنسانُ في خَلقِهِ على حبِّ الدُّنيا والإقبالِ عليها وعلى شَهواتِها، وهذا الطَّبعُ البَشريُّ أمرٌ فِطريٌّ لا قِبَلَ للإنسانِ بكبحِهِ أو التطهُّرِ منه والتَّداوي من تأصُّلِه، إلَّا أنَّهُ يَملِكُ اختيارَ البُعدِ عنهُ والتعفُّفِ عن حرامِهِ والتنزُّهِ عن آثامِه، ذلك أنَّ الله ما حرَّمَ من الشَّهواتِ إلَّا خبيثُها، وما حرَّمَ منها إلَّا أبدَلها بطُهر، فيختارُ المُكلَّفُ ما يشاءُ بالحلالِ فيجُزى، ويختارُ بالحرامِ ما يشاءُ فيُجزى، فلا يَخلو آدميٌّ من الذُّنوبِ والمَعاصي، مهما تدافعَ إلى الابتِعادِ عنها، وفي سيرةِ الرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ التَّوَّابونَ).
 وفي البعد عن الممعاصي شُمولٌ بلا استِثناء، وإنَّما كانَ ذلِك لِعلمِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِفطريَّةِ هذا الأمر وتميِّزِ البَشَرِ به، ولولاهُ لكانوا مَلائكةً مَنزوعي الشَّهوةِ، وإنَّما ذلكَ إبتِلاءٌ واختِبار، وفي قولِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (والذي نفسي بيدِهِ لو لم تُذنبوا لَذَهَبَ اللهُ بكم، ولَجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون اللهَ، فيغفرُ لهم)، وهو تأكيدٌ للضعفِ الإنسانِ وانسياقِهِ للمعاصي والذُّنوب، لِتُعمِلَ في إيمانِه ما يُشوِّشُ عليهِ بَصيرَته، ثمَّ يَتوبُ فيَجلي ما تعلَّقَ بهِ من غُبارِ الذُّنوب، وليسَ في ذلك تبريرٌ للوقوعِ في الخَللِ أو الإقبالِ على المعاصي، إنَّما يُرادُ به الإكثارُ من التَّوبةِ وإلتزامُها، وتَبديلُ القبيحِ بالحَسن.
 كبائر الذّنوب
تَختَلِفُ الذُّنوبُ والمعاصي في وَقعِها في النَّفس وفي نتيجَتِها والأضرار المُترتِّبة عليها، ومهما كان، فإنَّها تَشتَرِكُ في كونِها خطأ العَبدِ لِمقامِ ربِّه، ويَتَّفِقُ العُلماءُ على تصنيفِ الذّنوبِ في صنفينِ؛ ذنوبُ الصَّغائِرِ، والكبائر، وفي أسمائها دلالاتٌ تقودُ إلى المَعنى، فالكَبائرُ جمعُ الكبيرة، ومعناها العظيمُ من الذُّنوب، وفي ذلكَ تعظيمٌ لأمرِها وتنبيهٌ لِخطَرِها وما يَترتَّبُ عليها أو يَجنيهِ العَبدُ مِنها، وقَد ذَكَرها اللهُ تَعالى في القرآن الكريم فقال: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾، فدلَّ ذِكرُها على صِحَّةِ تصنيفِ الذُّنوبِ إلى كبائِرَ وصَغائِر، وكُلُّها في مقامِ اللهِ كبيرة، إلاَّ أنَّ بَعضَها يتَّصِفُ بالصِّغرِ نظراً لما هو أكبَرُ منهُ، فالقَتلُ أكبَرُ من السِّحر، والشِّركُ أكبرُ من القتل، وفي قولِ العُلماء أن لا كبيرةَ مع الاستِغفارِ ولا صغيرةَ مع الإصرار، وأمثلُ الأقوالِ في تعريفِ الكَبائر أنَّها ما يَترتَّبُ عليهِ حدُّ في الدُّنيا أو وعيدٌ في الآخرةِ أو غضبٌ أو تهديدٌ أو لَعن، ومع اختِلافِ العلماءِ والفِرقِ في مفهومِ الكَبائر، يبقى هذا القولُ أمثَلَ ما قيلَ في تعريفها؛ لسلامتِهِ من القوادِحِ الواردةِ على غيرِه، ولاشتِهارِهِ عندَ السَّلف.
 ماهي الكَبائر 
قيلَ في الكبائِرِ أنَّها ما اختُتِمَ بعدَ ذِكرِهِ بنارٍ أو لَعنةٍ أو غَضبٍ أو عَذاب، وقيلَ فيها أقوالٌ كثيرةٌ، منها أنَّها ما اتَّفقت الشَّرائعُ على تجريمِه، أو هي ما عُصِيَ الله به، أو هيَ ذُنوبُ العَمد، وقيلَ هيَ ما استَباحَهُ العَبدُ بقصدٍ، وقيلَ الشِّرك كبيرةٌ وما عداهُ صغائر، وأبرزُ ما اجتَمعَ عليهِ السَّلَفُ في فَهمِ الكَبائرِ وتَعريفها أنَّها ما يُوجِبُ الحدّ في الدُّنيا والسَّخطَ في الآخرة، وما أتبَعَهُ اللهُ بالوَعيدِ والغَضبِ والتَّهديدِ واللَّعن. 
أمَّا تِعدادُها فقيلَ فيه أيضاً أقوالٌ كَثيرة، فقيلَ بِحصرِها بأعدادٍ معلومة، وفي ذلك قيلَ أربَع، وقيلَ سبع، وقيلَ تسع، وقيل إحدى عَشر، وزادَ آخرونَ بقولِ إنَّها أقرَبُ إلى السبعمائةِ من السَّبع، وذلكَ قولُ ابن العبَّاسِ رضي الله عنه، وفيها قالَ آخرونَ بأنَّها لا تُحصَرُ بِعددٍ، واستَندوا بذلك لِعدَمِ وجودِ دليلٍ من القرآنِ والسُّنةِ يُفيدُ حَصرها في عددٍ.
 وقد أتت الأحاديثُ بِتِبيانِ بَعضِ الكَبائِرِ والإشارةِ إليها، ومن ذلك تِسعٌ أخبرَ عنها سيَّدُ البشريَّة، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حجَّةِ الوداعِ (إنَّ أولياءَ اللهِ المصلُّون ومن يقيمُ الصَّلواتِ الخمسَ الَّتي كتبهنَّ اللهُ عليه، ويصومُ رمضانَ، ويحتسِبُ صومَه، ويؤتي الزَّكاةَ محتسبًا طيِّبةً بها نفسُه، ويجتنبُ الكبائرَ الَّتي نهَى اللهُ عنها. فقال رجلٌ من أصحابِه: يا رسولَ اللهِ، وكم الكبائرُ؟ قال تسعٌ، أعظمُهنَّ الإشركُ باللهِ، وقتلُ المؤمنِ بغيرِ حقٍّ، والفِرارُ من الزَّحفِ، وقذفُ المُحصَنةِ، والسِّحرُ، وأكلُ مالِ اليتيمِ، وأكلُ الرِّبا، وعقوقُ الوالدَيْن المسلمَيْن، واستحلالُ البيتِ الحرامِ قِبلَتِكم أحياءً وأمواتًا. لا يموتُ رجلٌ لم يعملْ هؤلاء الكبائرَ، ويقيمُ الصَّلاةَ، ويؤتي الزَّكاةَ إلَّا رافق محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بحبوحةِ جنَّةٍ أبوابُها مصاريعُ الذَّهبِ).
 وقد صحَّ عن رَسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكرُ الشِّركِ بالله كأعظَمِ الكَبائرِ عند الله؛ وذلك لِكونِه الذَّنبُ الذي لا يُغفرُ بغيرِ التَّوبةِ منه والبراءة، ثمَّ أتبَعَ ذلكَ قتلَ الوَلدِ خشيَةَ الفَقرِ أو المشاركةِ في الإنفاق، ثمَّ الزِّنا بزوجةِ الجار، (قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الذنبِ أكبرُ عندَ اللهِ؟ قال: أن تَدعوَ لله ندًا وهو خلَقَك. قال: ثم أيُّ ؟ قال: ثم أن تَقتَلَ ولدَك خشيةَ أن يَطَعَمَ معك. قال: ثم أيُّ؟ قال: ثم أن تُزانِيَ بحليلةِ جارِك. فأنزلَ اللهُ- عز وجل- تصديقَها : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك. الآية).
 وزادَ في ذلكَ ابن العبَّاسِ رضي الله عنهُ الفِرار يوم الزَّحف، وزادَ عبداللهِ بن عمر رضي الله عنه عقوق الوالدين.
 وفي صحيح أبي داوودَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ: (اجتنِبوا السَّبعَ الموبقاتِ. قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، وما هنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحرُ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذفُ المُحصَناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ).
والموبِقاتُ هي المُهلِكات، فهي الكفيلةُ بمصاحبةِ فاعِلها حتَّى تطرحه إلى النَّار. 
وفي ذِكر هذهِ السَّبعُ اشتراكٌ في التعدِّي من أذى الذَّاتِ إلى إلحاقِ الضَّررِ بالغيرِ، وفيها فَسادُ المُجتمعِ وخرابه، وإفشاءُ الظُّلمِ وهوانُ الحقَّ، فتختلِطُ المَفاسِدُ فيهِ لِتعمِلَ فيه التَّفكُّكَ والضَّعف.
 وقَد توسَّعَ بعضُ الأئمةِ في ذكرِ الكَبائرِ مُستَندينَ لكونِها غيرَ محصورةٍ بِعدد، وفي ذلك ما صنَّفهُ محمد بن عبد الوهَّابِ في كتابِه الكبائر، فقسَّمها في مُستَوياتِ الضَّعفِ في ما يستَقرُّ في القَلبِ، أو ما يَنطَلِقُ بهِ اللسان، أو ما يتعلَّقُ بالمظالم، وذكر أكبَر الكَبائر مُستدلاً بحديثِ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، فَحصَرَ أكبَرها بالشِّركِ، وعقوق الوالدينِ، وشهادة الزُّور.

2019-03-07

أسباب مغفرة الذنوب

أسباب مغفرة الذنوب
التوبة والاستغفار
 يعتبر الاستغفار والتوبة من الأبواب التي يخرج بها العبد من دائرة الذنوب والمعاصي، وقد شرع الله -تعالى- لعباده التوبة والاستغفار في كلّ وقتٍ، بل وأكّد على ذلك، ورغّب في التوبة والاستغفار عقب الأعمال الصالحة؛ كالوضوء، وقيام الليل، والصلاة، ومجالس الذكر، والجهاد، والدعوة إلى الله تعالى، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، حيث لا تختصّ الحاجة إلى التوبة بشخصٍ معينٍ، بل إنّ جميع العباد يحتاجون إلى التوبة والاستغفار؛ المرسلون والأنبياء منهم، والمؤمنون، والفاسقون، حيث إنّ الله -تعالى- يفرح برجوع عبده إليه وتوبته من ذنوبه، وليس أدلّ على ذلك من قول الله تعالى في كتابه العزيز: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )،وقال الله أيضاً: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)،وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (وَالله إِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)، وقال أيضاً: (للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أضَلَّهُ فِي أرْضِ فَلاةٍ).
 معنى الاستغفار
يُعرّف الاستغفار بأنّه؛ طلب العبد للمغفرة من الله تعالى، وقد بيّنت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الأمر بالاستغفار سواءً بعد ارتكاب الذنوب والمعاصي، أو بعد القيام بالطاعة، أو في أيّ حالٍ كان العبد عليه، حيث قال الله تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)،وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من أكثرَ من الاستغفارِ جعل اللهُ لهُ من كلِّ همٍّ فَرَجاً ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً ورَزَقَهُ من حيثُ لا يحتسبُ)، ويعتبر الاستغفار من أعظم أنواع الذكر لله تعالى، وسيد الاستغفار يكون بقول: (اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأبوءُ لَكَ بذنبي فاغفِر لي، فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ).
 أسباب مغفرة الذنوب 
من رحمة الله -تعالى- بعباده أن جعل أسباب المغفرة موصولةٌ لا تنقطع أبداً، ولا تنتهي بانتهاء موسمٍ معينٍ من مواسم الطاعات، كشهر رمضان المبارك، فلمغفرة الذنوب أسبابٌ كثيرةٌ يسيرةٌ على من يسّرها الله تعالى، ووفّقه لها، ومن الأسباب التي بيّنتها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة:
 التوحيد وترك الشرك؛ وهذا من أعظم أسباب المغفرة، حيث قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)،
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن عبدٍ قالَ لا إلَهَ إلا اللَّهُ ثمَّ ماتَ على ذلِكَ إلا دخلَ الجنَّةَ، قلتُ: وإن زَنى وإن سَرق).
استغفار الله تعالى امتثالاً لقوله في القرآن الكريم: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فاستغفار العبد من ذنوبه وخطاياه، وعدم إصراره على فعل الذنوب والمعاصي؛ من أهم أسباب دخول الجنة، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ). تقوى الله تعالى، والمراد بالتقوى؛ خوف العبد من الله -تعالى- في السرّ والعلانية، حيث قال الله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إَن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
 التقرّب من الله تعالى، بالدعاء مع رجاء الإجابة. اتّباع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في سنته. 
الإنفاق في السرّاء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس مع القدرة على ذلك. 
اقتران الصبر مع القيام بالأعمال الصالحة. 
الوضوء، مع إسباغ أعضائه. 
ذكر الله تعالى بعد القيام بالوضوء. أداء ركعتي نافلةً لله -عزّ وجلّ- بعد الوضوء، حيث تعتبر من أرجى الأعمال التي تُدخل الجنة. الأذان للصلاة؛ فالمؤذّن يغفر الله تعالى له منتهى أذانه. 
إجابة المؤذن، وترديد الأذان خلفه، لنيل شفاعة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يوم القيامة . 
المشي إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة. أداء نافلة الضحى، والجلوس لذكر الله -تعالى- حتى تطلع الشمس. قيام الليل، وخاصةً في شهر رمضان، وفي ليلة القدر منه. 
ذكر الله -تعالى- بعد أداء الصلاة. 
ثمرات الاستغفار
أنّ لطلب المغفرة من الله تعالى العديد من الفوائد والفضائل العظيمة، وفيما يأتي بيان بعضها:
 الاستغفار سببٌ من أسباب مغفرة الذنوب، والمعاصي، وتكفير السيئات. 
الاستغفار أمانٌ للعبد من العقوبة والعذاب، في الدنيا وفي الآخرة. الاستغفار سببٌ في تفريج ما يعتلي العبد من الهموم، وسببٌ من أسباب جلب الرزق له، وخروجه من المضائق. 
الاستغفار سببٌ في نزول الغيث، وتوفر المياه، وانعاش الحياة على الأرض. 
كثرة الاستغفار من أسباب تنزّل الرحمات، والفلاح في الدنيا والآخرة. 
الاستغفار سببٌ لدفع البلاء والنقم، ورفع الفتن عن العباد والبلاد. الاستغفار سببٌ في حصول البركة في الرزق، وزيادة النعمة والنسل. 
الاستغفار سببٌ من أسباب إغاظة الشيطان. 
جعل الله -تعالى- لعباده المستغفرين الثواب العظيم، فيمتعهم المتاع الحسن، ويرزقهم الرزق والعيش الرغيد.
 الاستغفار سببٌ في التخفيف من الأوزار والخطايا، وفي ذلك قال ابن القيم: (سألت شيخ الإسلام ابن تيميه فقلت: يسأل بعض الناس: أيّما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دنساً فالصابون والماء أنفع له).

حديث كما تدين تدان

حديث كما تدين تدان
حديث كما تدين تدان
 روى عن أبي الدرداء رضي الله عنه حديثاً يختلف العلماء في درجة صحته، وذلك بسبب عدم اكتمال سنده وانقطاعه، ألا وهو: (البِرُّ لا يَبْلَى، والإثمُ لا يُنْسَى، والدَّيَّانُ لا ينامُ، فكن كما شِئْتَ، كما تَدِينُ تُدَانُ) [الألباني: السلسلة الضعيفة]، ولكن بالرغم من ضعف هذا الحديث إلا أنّ العلماء يشجعون الناس على تذكّره، ونشره فيما بينهم، وذلك بسبب معناه الصحيح، وفي هذا المقال سنقدم لكم شرحاً مفصلاً عن المعاني الواردة فيه. شرح حديث كما تدين تدان البر لا يبلى البر يعني كافة الخصال الحميدة الموجودة في الإنسان، والتي تدفعه إلى القيام بالأعمال الخيرة والشريفة، ومن أهمّها التحلي بالأخلاق الحسنة، إذ ورد عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال: (البِرُّ: حُسْنُ الْخُلُق) [رواه مسلم]، فمن يعمل الخير فإن أجره يبقى محفوظاً عند الله ولا يضيع، إذ إنّ أهل المعروف في هذه الدنيا همّ أهل المعروف في الآخرة. 
من صلاح الأعمال هي أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، فلا يصحّ عمل الخير للحصول على مصلحةٍ معيّنة؛ لأنّ في ذلك إشراكٌ بالله تعالى. 
الإثم لا ينسى الإثم هو عكس البر، فهو يدلّ على كافة الخصال الشريرة وغير الحميدة عند الإنسان، والتي تدفعه إلى القيام بالمعاصي، وهو كالبرّ لا ينسى، إذ إنّ الله سبحانه سيجازي الآثم، إمّا في الدنيا أو الآخرة. 
الديان لا ينام هنا كلمة الديّان لها أكثر من معنى، فقد ذكر بعض المفسرين أنّ المعنى هو مجازي، بمعنى أنّ من يقوم بالأعمال سواء كانت خيراً أو شراً فكأنما يقرض الله قرضاً، وسيسترده فيما بعد، أي سيلقى جزائه إمّا بالنعيم أو العذاب، أمّا المعنى الثاني فهو صاحب الدين، أي الشخص الذي أعطى ماله لشخصٍ آخر، فالله سبحانه وتعالى لا يغفل عن أي دينٍ لعباده، فهو الحق، العادل، الكريم، المعطاء، والجبار.
 هناك بعض الروايات التي استبدلت لا ينام بلا يموت، والتي تعتبر أشد وأصعب من النوم، إذ يشار إلى أنّ غالبية الأشخاص يخافون من إقراض الآخرين خوفاً من أن تذهب حقوقهم، ولكن الله تعالى حي لا يموت، ولن يضيع عنده حق، إذ قال: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [غافر: 17]
فكن كما شئت هي جملةٌ موجهٌ لكافة الناس على هذه الأرض، كونوا كما شئتم، اختاروا بأنفسكم الطريق، سواء كانت خيراً أو شراً، فالله تعالى أعطى الإنسان العقل ووهبه الحرية، ولم يجبره على فعل أي شيء. 
كما تدين تدان هي النتيجة النهائية، كما تدين تدان، فأعمالك سترد عليك، إذ إن الجزاء هو من جنس العمل، وهذا دليلٌ على عدل الله سبحانه وتعالى ورحمته على هذه الأرض، فمن عمل خيراً سيلاقي الخير، ومن عمل شراً، فسيلاقي الشر.

عمل الخير لوجه الله

عمل الخير لوجه اللهفعل الخير
 أمَر الله -عزّ وجلّ- عباده بفعل الخيرات، وحثهم على المسارعة إلى الطاعات، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،فمن أرقى الغايات التي يسعى الإنسان إلى وصولها ويحرص على أدائها هي فعل الخيرات والمسارعة إليها، وبهذا تسمو إنسانيته، وتكتمل بشريته، ويتشبه بالملائكة، ويتصف بالأخلاق التي اتصف بها الأنبياء والمرسلين، فقد حثّ الدين الإسلامي على فعل الخير مع جميع الناس بغض النظر عن الاختلاف فيما بينهم، سواءً كان في الجنس أو في المعتقد أو في العرق أو في اللون وما إلى ذلك، ومع ذلك فإن الغايات تختلف فيما بين البشر، فمنهم من تظهر أنانيته فيتجبر ويعلو في الأرض بغير الحق، ومنهم ما يكون هدفه فعل الخير والمسارعة إليه.
 ويُطلق الخير على كل ما ينتفع به المرء عاجلاً أم آجلاً، وهو نِسبيّ؛ منه ما يقابل بالشر، ومنه ما يقابل بخير آخر لكونه أفضل منه، ويعتبر العمل الخيري في الإسلام كباقي الأمور التي يقوم بها المسلم باستمرار، وهو من الأمور التي يتقرب بها المسلم من الله تعالى، كما أنه جزء من العبادة، وأكثر الله من ذكر العمل الخيري والحث عليه، وجعله سبباً من أسباب الفوز والفلاح، فقال: (اللَّـهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وإضافة إلى فعل الخير فقد حثّ الله -تعالى- على دعوة الآخرين إليه، كما أن الله -عزّ وجل- يوازن بين ما في الدنيا من المفاتن وما أمَر به من الاتصاف بمكارم الأخلاق، حيث أن الالتزام بهذه المكارم أبقى أثراً وأدوم نفعاً، وهي الأولى بأن تحظى باهتمام الإنسان ، وهي خير له من الدنيا وما فيها.
 التنافس في الخيرات وصوره حرص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام على التنافس في الطاعات وفعل الخيرات، وجعل الله جزاء ذلك مغفرة منه وجنة عرضها السماوات والأرض، ومدح الله الأنبياء عليهم السلام لما اتصفوا به من المسارعة في الخيرات، فقال سبحانه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، وحثّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنافسة على الصف الأول في الصلاة، فقال عليه السلام: (لو يَعلَمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجِدوا إلا أن يَستَهِموا لاستَهَموا عليه، ولو يعلَمون ما في التَّهجيرِ لاستَبَقوا إليه، ولو يَعلَمون ما في العَتَمَةِ والصبحِ لأَتَوهما ولو حَبوًا).
 ومن صور التنافس في فعل الخيرات المسابقة إلى إخراج الصدقات، حتى ولو كان المخرِج مقتصراً على نفسه، ولا تكون الصدقة بالمال فقط، فمنها ما يكون بالعمل، ومنها ما يكون بإعانة ذا الحاجة الملهوف، ومنها ما يكون بعمل المعروف، ومن أحب الأعمال إلى الله بفعل الخير نفع الغير، وكذلك سرور يدخله المسلم على قلب أخيه المسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً، أو يستر عنه عورة، ومن الصدقة أيضا التبسم في وجه الآخرين، ومن الأعمال التي يحبها الله كذلك تعليم الناس الخير، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ).
 وفعل الخير يبقى مستمراً إلى أن تقوم الساعة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا)، وممّن حرص على المسابقة في الخير من أصحاب رسول الله، سيدنا بلال بن رباح -رضي الله عنه- مثلاً، فقد سمِع رسول الله دفّ نعليه في الجنة، ولّما سأله عن سبب ذلك أجابه بلال -رضي الله عنه- بأنه لم يتطهر طهوراً في ليل أو نهار إلا صلّى بعده ما تيسر له من الركعات، فقد كان سبّاقاً إلى الجنة بوضوئه وصلاته، وها هو أبو بكر -رضي الله عنه- لم يجد طريقاً وعلِم أن فيه أجراً وخيراً إلا سلكه، ولما سأل رسول الله أصحابه عمّن كان صائماً ومن تبع جنازة ومن أطعم مسكيناً ومن عاد مريضاً، كان أبو بكر من فعل كل هذا، ورُوي الكثير كذلك عن الصحابة؛ كعمر بن الخطاب، وأبي بكر الصديق، وأبي طلحة الانصاري في مسارعتهم إلى فعل الخير ونفع الغير رضي الله عنهم جميعاً.
 ثمرات العمل الصالح في الدنيا والآخرة 
خلق الله السماوات والأرض، وجعل في الأرض زينة و فيها الحياة والموت، وجعل الغاية والحكمة من الخلق هي العمل الصالح الحسن، فقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، ويكون العمل صالحاً إن كان العبد مخلصاً فيه مبتغياً وجه الله، وكان على وفق الشرع، كما يجب أن يكون متأسياً فيه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وغير ذلك من الأعمال هو ما كان عملاً طالحاً، وفيما يأتي بيان لثمرات العمل الصالح بشكلٍ مفصّل: 
 الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين، والأمن بعد الخوف في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)، وتحقيق الأمن والاهتداء. الحياة الطيبة وتكفير السيئات، والثبات على الحق حتى الممات، وما يتبع ذلك من دخول الجنة والرفعة في الدرجات، ومما يتفضل الله به على أهل الإيمان أنهم بعد ندمهم على المعصية وتوبتهم منها؛ يكفّر الله عنهم سيئاتهم ويرفع درجاتهم، ويجعل ندمهم عليها في عداد حسناتهم. الشهادة بالعمل الصالح للمسلم يعدّ من تعجيل البشرى له في الدنيا قبل الآخرة. كلما أكثر المسلم وزاد من العمل الصالح زاده الله رفعة ودرجة، وكلما أنفق نفقة يحتسبها لله كانت له أجراً، حتى وإن كانت واجبة في حقه. نيل الكرم من الله تعالى؛ فإن الله يجازي عباده على أحسن ما يصدر منهم من أعمالهم الصالحة، لا أوسطها ولا أدناها، ثم يضاعف الله هذا الثواب أيضاً.
تفريج الكربات، فرُبّ صدقة سر أخرجها العبد لوجه الله تعالى، ورُبّ ذهابٍ إلى صلاة الفجر والناس نيام، فرّجت على المؤمن ضيقته وشدّته، فيرضيه الله -تعالى ولا يخذله.
 نماذج للتعود على فعل الخير 
من رحمة الله -تعالى- أنه من كان معتادا على فعل الخير، ثم قصّر فيه في يوم من الأيام لعذر أو ظروف طارئة، فإن الله يكتب له الأجر والثواب حتى وإن لم يفعله، وهذا يجعل المؤمن دائم الصلة بالله، وحسناته مستمرة لا تنقطع، ويجعل البركة في أيامه وأوقاته، ومن الوسائل والنماذج التي تساعد على الاعتياد على عمل الخير ما يأتي:
 النوم على طهارة قبل النوم. 
تلاوة القرآن الكريم وختمه في الشهر. صوم عدّة أيام من كل شهر. الحرص على التبكير للصلاة دائما. 
استحضار نية الخير كل يوم، ومع كل عمل وقول، بأن يقصد المسلم ما يفعله من الأعمال الصالحة طيلة اليوم لوجه الله تعالى. التصدّق باستمرار. 
أن يكون للإنسان عبادات خفيّة لا يعلمها أحد إلا الله.
 مساعدة الآخرين ونفعهم، فهي من أعظم العبادات التي يحبها الله تعالى، وفيها إدخال السرور على قلب المسلم، فينفع الإنسان غيره بالعلم، أو المال، أو الكلمة الطيبة والنصيحة وغيرها، فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أفضلُ الأعمالِ أن تُدخِلَ على أخيك المؤمنِ سرورًا، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطعمَه خبزًا).

فضل التسبيح

ما هو فضل التسبيحتعريف التّسبيح 
يأتي لفظ سبّح بمعنى قدّس ونزّه ومجّد عن كلّ نقصٍ وعيب، والتّسبيح: هو قول لفظ (سبحان الله) الذي يعني؛ تمجيد الله تعالى وتنزيهه عن كلّ نقص؛ فهو الكامل عن كلّ عيبٍ سبحانه، والمسلم يسبّح الله تعالى حتّى ينزّهه عن النقص، وليحمده ويثني عليه؛ لتمام كماله، ويسبّح الله تعالى كذلك حين ينبهر ويتعجّب من رؤية مظاهر قدرته وعظمته سبحانه، فيذكر الله تعالى بتسبيحه، ولقد تكرّر لفظ التّسبيح في القرآن الكريم مراراً؛ حتّى يتدرّب لسان المسلم على لفظه ويتعوّد تكراره على الدّوام، فورد التّسبيح في القرآن الكريم عند ذكر تفرّد الله تعالى بخلق المخلوقات دون سواه، حيث قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ).
كذلك ورد التّسبيح في القرآن الكريم؛ ليتحدّث عن حِكمة الله تعالى في خَلقه، وينفي عنه العبث والّلهو، قال تعالى: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ)، وفي موطنٍ آخر جاء التّسبيح؛ ليؤكّد قدرة الله تعالى وينفي عنه العجر، وذلك في قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وقد جعل الله تعالى تسبيحه في موطن إثبات وحدانيّته سُبحانه ونفي افتراء المشركين أنّ لله زوجةً أو ولداً، قال تعالى: (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ)، كذلك جيء بالتّسبيح في إثبات عدل الله سبحانه وصدق قوله ووعده، قال سبحانه: (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا)
وورد التّسبيحُ حين ذكر الله تعالى مظاهر قُدرته في تبديل الّليل والنّهار وطلوع الشّمس وغروبها، قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ).
 فضل التّسبيح 
يعدّ ذكر الله تعالى عموماً من أعظم العبادات التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه سُبحانه، وقد ورد في فضل الذكر أحاديثٌ عظيمةٌ جداً، منها قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟ قالوا: بلَى، قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى قالَ معاذُ بنُ جبلٍ: ما شَيءٌ أنجى مِن عذابِ اللَّهِ من ذِكْرِ اللَّهِ)، فهذا شيءٌ من فضل الذّكر عموماً، وإنّ للتسبيح فضائل مخصوصةً ورد فيها العديد من الآيات الكريمة، منها ما يأتي:
 التّسبيح سببٌ لإزالة وهن النّفس ورفع الهمّة، فقد أوصى الله تعالى نبيّه أن يسبّح الله تعالى بعد كلّ التّكذيب الذي عايشه من قومه؛ وذلك لرفع همّته وإزالة الوهن والضّعف الذي صار إليه، قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ).
 التّسبيحُ سببٌ جالبٌ للنّصر ومعونة الله سبحانه إذا قُرن بالاستغفار؛ فقد قال تعالى موصياً نبيّه عليه السّلام: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ). التّسبيح مقرونٌ بالتّوكّل على الله والشّعور باليقين الكامل تجاه قدرته سبحانه وتأيّيده، قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ).
 التّسبيح مقرونٌ بجلب معيّة الله تعالى وعزّته، قال تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ* وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ).
 أشكال وألفاظ التّسبيح 
يأتي التّسبيح على عدّة ألفاظٍ، وقد يكون مقروناً بأذكارٍ أخرى، وقد ورد في فضل هذه الأذكار والتّسبيحات آياتٌ وأحاديث شريفةٌ، وفي ما يأتي ذكرٌ للفظ التّسبيح مقروناً بغيره من الأذكار، والأجر الذي رتّبه الله تعالى عليها:
 ذكر التّسبيح مع الحمد، وهو على عدّة أشكالٍ، قال في فضلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كلِمتان خفيفتان على اللِّسانِ، ثَقيلتان في الميزانِ، حبيبتان إلى الرَّحمنِ: سبحان اللهِ العظيمِ، سبحان اللهِ وبحمدِه)، وقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً: (من قال: سبحان اللهِ وبحمدِه، في يومٍ مائةَ مرَّةٍ، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ)،
 فالتّسبيح هنا ثقيلٌ في ميزان الله تعالى يوم القيامة، وهو سببٌ لمغفرة الخطايا بإذن الله أيضاً. ذكر التّسبيح مع الحمد وتكرار ذلك، وقد ورد في فضله أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى الصّبح يوماً، ثمّ جلست السيّدة جويرية -رضي الله عنها- تذكر الله تعالى في مصلّاها حتّى طلعت الشّمس، فلمّا رآها رسول الله على نفس الهيئة طول هذا الوقت قال لها: (لقد قلتُ بعدكِ أربعَ كلماتٍ، ثلاثَ مراتٍ، لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذُ اليومَ لوزَنَتهنَّ: سبحان اللهِ وبحمدِه، عددَ خلقِه ورضَا نفسِه وزِنَةِ عرشِه ومِدادَ كلماتِه).
 ذكر التّسبيح مع الحمد والتهليل والتّكبير، وقد ورد في ذلك الكثير من الأحاديث الشّريفة، وقد تعدّدت أوقات ذكرها أيضاً، فقد ورد في فضلها بعد الصّلاة المكتوبة، وقد ورد فضل ذكرها قبل النّوم، وفي أذكار الصّباح والمساء كذلك. ذكر التّسبيح مع أذكارٍ أُخر كما في الحديث الشريف: (أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ: سُبحانَ اللهُ لا شَريك لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، وهوَ علَى كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، سُبحانَ اللهِ وبحمدِهِ).
 ذكر التّسبيح عند القيام من المجلس؛ لتكفير الذّنوب، ويكون على هيئة: (سبحانَك اللَّهمَّ وبحمدِك أشهدُ أن لا إله إلَّا أنت أستغفرُك وأتوبُ إليك عملتُ سوءًا وظلمتُ نفسي فاغفرْ لي إنَّه لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنت).