السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2020-06-25

الإنذار والتخويف في آيات الله الكونية

كم يبلغ عدد المجرات في الكون ؟ - أنا أصدق العلم
تكفيه آيات الله الشرعية، فآيات القرآن الكريم تَقرَع قلبَه، فيُخبت ويُطيع ويُنيب، ومنهم مَن لا يكفيه ذلك، والناس إذا لم يرتدعوا بآيات الله الشرعية، أرسل لهم سبحانه وتعالى آياته الكونية 
{بسم الله الرحمن الرحيم } الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن يرسل لهم الآيات، التي تكون تأييدًا للرسل، وتخويفًا لمخالفيهم؛ قال الله تعالى: ﴿ {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّـهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ﴾ [العنكبوت: 50-51].
 وآيات الله سبحانه وتعالى: نوعان: آيات شرعية، وآيات كونية؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: فمن الآيات القدرية ما يحدثه في الكون، كانشقاق القمر، وهبوب الرياح التي أرسلها الله عز وجل على الأحزاب، وكذلك نزول المطر وامتناعه، وأشياء كثيرة لا تُحصى، ثم الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، كلها من آيات الله الكونية، وأما آيات الله الشرعية فهي الوحي، إذا تأملت الوحي، وأشرفُه القرآن، عرَفت ما فيه من الآيات العظيمة في الأخبار والأحكام". والناس منهم من قلبه حي سليم، تكفيه آيات الله الشرعية، فآيات القرآن الكريم تَقرَع قلبَه، فيُخبت ويُطيع ويُنيب، ومنهم مَن لا يكفيه ذلك، والناس إذا لم يرتدعوا بآيات الله الشرعية، أرسل لهم سبحانه وتعالى آياته الكونية؛ قال عز وجل: ﴿ {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } ﴾ [النمل: 82]؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: بيان حكمة الله تبارك وتعالى في الإنذار، وأنه سبحانه وتعالى يُنذر الناس بالآيات الكونية إذا لم تفدهم الآيات الشرعية. والآيات الكونية التي يُخوف الله بها عباده كثيرة، منها: الكسوف، والخسوف، والزلازل، والبراكين، والفيضانات، والعواصف، والصواعق، والجدب، والأوبئة، والحاصب من السماء، والرياح الشديدة، والأمطار المتواترة، وغيرها، وهي آيات من الله تدل على عظمته، وسلطانه، وجبروته، يُرسلها إنذارًا وتخويفًا لعباده، وتحذيرًا لهم من التمادي في الظلم والطغيان؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا } ﴾ [الإسراء:59]؛ قال العلامة السيوطي رحمه الله: عن قتادة رضي الله عنه في قوله: ﴿ {وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا } ﴾:
 إن الله يخوِّف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبون، أو يذكرون، أو يرجعون، وقال العلامة السعدي رحمه الله: 
المقصود منها: التخويف والترهيب، ليرتدعوا عن ما هم عليه، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أخبر سبحانه أنه لا يرسل بالآيات الدالة على قدرته الخارقة لما جرت به العادة كالكسوف، والزلازل، والفيضانات، والصواعق وغيرها، إلا لتخويف العباد من معاصيهم وعقوباتها لعلهم يرجعون إلى الله تعالى. 
وقال سماحة العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ما يحصل في هذا الكون من آيات تهز المشاعر، والأبدان؛ كالصواعق، والرياح الشديدة، والفيضانات المهلكة، والزلازل، وما يسقط بسببها من شامخ البنيان، وكبار الشجر، وما يَهلِك بسببها من الأنفس والأموال، وما يقع في بعض الأماكن من البراكين التي تتسبَّب في هلاك ما حولها ودماره، وما يقع من خسوف وكسوف في الشمس والقمر، ونحو ذلك، مما يَبتلي الله به عباده، وهو تخويف منه سبحانه وتعالى، وتحذير لعباده من التمادي في الطغيان، وحثٌّ لهم على الرجوع والإنابة إليه، واختبار لمدى صبرهم على قضاء الله وقدره، ولعذاب الآخرة أكبر، ولأمر الله أعظم. 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كسوف الشمس والقمر من حكمة ذلك تخويف العباد، كما يكون تخويفهم في سائر الآيات؛ كالرياح الشديدة، والزلازل والجدب والأمطار المتواترة ونحو ذلك من الأسباب التي قد تكون عذابًا. 
والعباد منهم مَن تنفعه تلك الآيات الكونية، فيرجع إلى ربه، ويتوب وينيب إليه، ومنهم من هو ميت القلب لا تؤثر فيه، نسأل الله السلامة، قال الله عز وجل عنهم: ﴿ {وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيْرًا } ﴾[الإسراء:60]
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هذا إذا لم يكن قلبه ميتًا للغاية، لم تنفع فيه حتى الآيات الكونية؛ قال تعالى:﴿ {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} ﴾ [الطور: 44]، قطعًا من العذاب تنزل من السماء،﴿ { يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} ﴾ [الطور: 44]، وعاد لَما رأوه عارضًا مستقبلًا أوديتهم، ﴿ {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ﴾ [الأحقاف: 24]، وفي الوقت الحاضر إذا رأوا هذه العقوبات يقولون: هذا أمر طبيعي، من فيضانات طبيعية وبراكين، وما أشبه ذلك من الكلام، وقال رحمه الله: بعض الناس بعد ظهور الآيات لا يزداد إلا كبرًا وعنادًا، فتجد من آيات الله ما يظهر ظهورًا بينًا، سواء أكانت هذه الآيات من الأمور الفلكية، أو الأرضية، فإن كثيرًا من الناس لا يهتم بها، ولا يذكرها إلا على سبيل أنها واقعة فقط، وعند حصول الزلازل والفيضانات والعواصف الشديدة، لا نجد كثيرًا من الناس يهتم بها، ويقلق منها، ويخشى أن يصاب بمثلها، بل لا يذكرونها إلا على أنها حوادث وقعت وكأنها كما يقولون كوارث طبيعية، لا يلتفت إليها، وليست من الآيات التحذيرية التي يحذِّر الله بها العباد. 
الناس اليوم يشاهدون العذاب بأعينهم، فيشاهدون الفيضانات المُدمرة، والرياح العاتية، ومع ذلك لا يهتمون بهذا الشيء، وكأنها أمور طبيعية ليس فيها إنذار، وإذا رأينا ما نحن عليه اليوم، عرَفنا أن قلوبنا قاسية مُتحجرة، بل هي أشدُّ قسوةً من الحجارة، إلا أن يمنَّ الله علينا بتليينها وخشوعها لذكر الله عز وجل، وقال رحمه الله: إنني أُحذر إخواننا المسلمين الذين يؤمنون بالله، مما يدور على الألسنة أحيانًا إذا أُصيب الناس بزلزالٍ، أو بعواصف، أو بفيضانات، قالوا: هذا أمر طبيعي، وهذا أمر لا يهُمُّ، فإن هذا لا شك دليل على قسوة القلب". فينبغي علينا أن نتَّعظ عند وقوع مثل هذه الآيات وما ماثَلها، فعن أنس رضي الله عنه قال: «كانت الريح الشديدة إذا هبَّت عُرِف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال، وحدوث ما يُخاف بسببه. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الواجب علينا أن نتَّعظ بهذه الآيات، وأن نخشى، وأن نحذَر، فإن الله تعالى يقول: ﴿ { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ﴾ [الأنفال: 25]، وقال: الواجب على المؤمن أن يتخذ من هذه الآيات عبرة، وأن يرجع إلى الله رجوعًا حقيقيًّا، حتى لا ترجع هذه الحوادث والكوارث على وجه أكبر مما كانت عليه من قبلُ. من آيات الله عز وجل الكونية التي ليست بعذاب في نفسها، ولكنها إنذار بعذاب قد انعقدت أسبابه: الكسوف، والخسوف؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الكسوف مَظِنَّةُ حدوث عذاب بأهل الأرض، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كسوف الشمس له سبب شرعي، وهو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام: أن الله يخوِّف بهما عباده، فتخويف العباد من عذاب انعقدت أسبابه، وليس الكسوف نفسه أو الخسوف عذابًا، لكنَّه إنذار بعذاب انعقدت أسبابه. وفي يوم 29 من شهر ربيع ثاني من هذا العام (1441هـ) صلى المسلمون لكسوف الشمس، والذي كان إنذارًا بعذاب انعقدت أسبابه، وبعده بنحو شهرين نزل وباء كورونا ببلاد المسلمين، فأضرَّ بالعباد والبلاد، وعلى ما يذكر أهل الاختصاص، فإنه في يوم (29) من هذا الشهر شهر شوال لعام (1441هـ) سيحدث كسوف للشمس، فينبغي الحذر والخوف، فالناس في هذا الزمان قد تساهلوا بالكسوف والخسوف، وأصبح عند بعضهم أمرًا عاديًّا، بينما كان الناس في الماضي القريب يخافون ويبكون، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كان الناس في الماضي إذا كسف القمر تحصُل منهم رهبة عظيمة، ويحصل منهم خوف، ويَحضُرون بأعدادٍ كبيرة إلى المساجد، وتحصل صلاة وبكاء وخوف، وقد رأيت هذا، أما الآن فلا ترى شيئًا من هذا. 
فحَرِيٌّ بالمسلمين جميعًا أن يحرصوا على عمل ما يدفع البلاء، من أداء صلاة الكسوف، والذكر، والاستغفار، والصدقة، والدعاء، والتوبة من جميع الذنوب والآثام التي هي من أهم أسباب نزول البلاء، فبعض المختصين في بعض المؤسسات العلمية والصحية يُحذرون من موجة ثانية لوباء كورونا، نسأل الله أن يرحمنا، ويتجاوز عنا، ويعفو عنا، وأن يرفع عنا ما نزل بنا، إنه سميع الدعاء.

فضل طلب العلم

كيفية طلب العلم - موضوع
مجالس العلم من أعظم المجالس في الأرض، بل إن الملائكة تحفها والسكينة تنزل على أهلها، والرحمة تغشاهم، ويذكرهم الله عز وجل فيمن عنده، والطريق إلى العلم يسهل الله له به طريقًا إلى الجنة 
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريكٌ في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إلهَ غيره ولا ربَّ سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله إلهُ الأولين والآخرين وقيومُ السماوات والأرضين، ومالك يوم الدين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليلُه أمينُه على وَحْيِه وخِيرتُه من خلقِه، أرسله اللهُ تعالى رحمة للعالمين، وحُجة على الخلق أجمعين، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة وجاهدَ في الله حقَّ الجهاد، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين،
 ثم أما بعد: أسأل الله عز وجل أن يرزُقنا علمًا نافعًا وعملًا صالحًا وقلبًا خاشعًا، ذكرنا في الدرس الماضي أن الله تعالى خلقنا لعبادته ولا طريق لعبادة الله عز وجل على الوجه الذي يرضيه إلا بالعلم، وإذا حُرِمَ العبدُ العلمَ وبقيَ في ظلمة الجهل تَخَطَّفَتْه شياطين الإنس والجن؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ"
 والله عز وجل قدَّم العلم على العمل، فقال سبحانه في كتابه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]
 اعلم أولًا ثم استغفر، إذًا العلم مقدم على العمل؛ لأن الإنسان ربما يعمل كثيرًا ويكون عمله مردودًا غير مقبول؛ لأنه يعبد الله عز وجل على البدع، فلا بد أن يتعلم الإنسان أولًا، ثم يعبد الله عز وجل على بصيرة. 
 وفضائل طلب العلم عظيمة وثماره قويمة: 
1- يكفي شرفًا لأهل العلم أن الله عز وجل استشْهَدهم على ما شَهِدَ به هو تبارك وتعالى؛ قال عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ } [آل عمران: 18]. 
 الملائكة شهدوا وأولوا العلم أيضًا شهدوا أن لا إله إلا الله.
 2- العلماء هم ورثة الأنبياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ» ، الأنبياء لم يتركوا لنا مالًا أو جواهرَ، أو ذهبًا أو فضة، وإنما تركوا لنا العلم، الذي عنده العلم قد أخذ أوفر الحظوظ، فلا شيء في الدنيا أشرف من العلم؛ لذلك أمر الله عز وجل نبيَّه أن يستزيدَه من العلم؛ قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، قال العلماء: لو كان شيء أشرف من العلم، لأمرَ اللهُ نبيَّه أن يستزيده منه كما أمره أن يستزيده من العلم. 3- العلم نور يهدي الله به من يشاء في هذه الدنيا؛ قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19]
 "الناس في الدنيا صنفان؛ إما شخص لديه علم ونور يهتدي به، وإما أعمى لا يرى. 
 4- رفع الله عز وجل قدر أهل العلم لا لحسبٍ ولا لجاه ولا لمال، وإنما بسبب العلم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، قال صلى الله عليه وسلم: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ».
 وسلوك الطريق المقصود به الطريق الحسي الطريق الذي يسير عليه الإنسان، الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام، ويسير فيه الإنسان؛ لكي يتعلم، ويذهب إلى مكان العلم، ومنه أيضًا الرحلة لطلب العلم، فجابر بن عبدالله رضي الله عنه أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار سافر شهرًا كاملًا في طلب حديث واحد، قطع مسيرة شهر ليل ونهار، وليل ونهار، وليل ونهار على الدواب، ليس يركب سيارة، أو يركب قطارًا، إنما يركب دابة يسير فترة ويستريح فترة، حتى وصل إلى مكان يأخذ منه حديثًا واحدًا، علينا أن نستشعر النعمة الآن لما نجلس هذا المجلس، كم حديثًا نسمع، وكم آية نسمع؟ ويدخل في ذلك أيضًا أن يلتمس الإنسان العلم من أفواه العلماء، أو من بطون الكتب، يقرأ ويتعلم، يبحث في المسائل، يستخرج الأحكام، يتعلم دينه، أو يجلس إلى أستاذ يتعلم منه، هذا أيضًا يقال عنه: سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا حتى وإن كان جالسًا في مكانه يستمع إلى محاضرات أو دروس يزداد بها علمًا، يستمع إلى الأحاديث والآيات والفقه والتوحيد والعقيدة، وغيرها من المواد الشرعية حتى لو كان جالسًا في مكانه، من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا يدخل فيه الطريق الحسي الذي تسير عليه بأقدامك والطريق المعنوي وأنت تطلب العلم وتذاكر، وتبحث في المسائل، هذا أيضًا طريق يلتمس فيه علمًا.
 5- أجر العلم لا ينقطع حتى بعد موت الإنسان؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» ؛ الإنسان يعيش في هذه الحياة فترة، ثم بعد ذلك يموت وتنقطع حياته، ويتوقف عمله، إلا ثلاثة أمور لا تتوقف ولا تنقطع حتى بالموت؛ صدقة جارية: يكون قد تصدَّق في حياته صدقة يجري عليه ثوابها حتى بعد موته، علم ينتفع به يكون هو تعلَّم وعلَّم غيره، وما زال غيره يعلِّم غيرَه، فالناس تنتفع بهذا العلم، فيكون له الأجر والثواب حتى يوم القيامة، حتي لو علَّم أحدًا مسألة واحدة، ثم بعد ذلك هو نقلها لغيره، وغيرُه نقلها لغيره، وهكذا حتى يوم القيامة تكون في ميزان حسنات مَن؟ في ميزان حسنات الذي بدأ، أو يكون له ولد صالح يدعو له بالمغفرة والرحمة، ويستغفر له، فالله عز وجل يقبل هذا الدعاء ولكن من ولدٍ صالح ليس أي ولد، ليس ولد فاجر أو عاصٍ، وإنما ولدٌ صالح. 
 6- يكفي في فضل العلم أنه علامة على إرادة الله عز وجل الخير؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُفقِّهْه في الدِّينِ» ؛ يعني كما أن الله عز وجل يشرح صدر الإنسان لطلب العلم ويصبره على الطلب، ويأتي ويبذل ويذاكر ويجتهد، هذا من علامة إرادة الله عز وجل الخير بهذا العبد، لا يمر عليه يوم في حياته إلا ويتعلم مسألة ويفهم مسألة، ويزداد علمًا، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ إذا صلَّى الصُّبحَ حينَ يسلِّمُ: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا، ورزقًا طيِّبًا، وعملًا متقبَّلًا» ، وقوله: "من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين"، هذا يدخل فيه جانبان؛ فقه العقائد: العقيدة التوحيد، أصول الإيمان، وفقه الأحكام والشرائع: تعلُّم الحلال والحرام، وأمور الدين، يتعلم ذلك من الكتاب والسنة. 
 لماذا نتعلم أمور الإيمان؟ 
لأن الإيمان شرط في قبول العمل، العمل لا يكون مقبولًا إلا عندما يكون الإنسان مؤمنًا بالله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5]، العمل لن يكون مرضيًّا عند الله عز وجل، إلا إذا كان الإنسان على عقيدة سليمة، لا يقع في الشركيات، حتى تكون أعماله مقبولة عند الله عز وجل، إذًا العقيدة والتوحيد وأصول الإيمان هذا يدخل في الفقه في الدين، وكذلك معرفة الشرائع والأحكام والعبادات كيف نُصلي؟ ما أركان الصلاة، الوضوء الطهارة، أمور المعاملات، البيع والشراء والمعاملات بين الناس؟ كل هذه الأحكام والشرائع أيضًا تدخل في الفقه في الدين. 
 نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن أراد بهم الخير ممن يتعلمون ويعلِّمون الناس، وينشرون الخير بين الناس، لذلك في بدايات الطلب انتبه إلى نشاط البدايات، الإنسان في البداية يكون عنده نشاط وهمَّة، وبعد ذلك قد يصاب بالكسل، أو يشعر بالفتور أو التراخي، وتبدأ مداخل الشيطان، الشيطان لن يتركك تتعلم؛ لأن العلم هو سلاح تواجه به البدع والمنكرات والمحرمات والفتن التي في الدنيا، وتزيين الشياطين والعقائد المنحرفة، وتستطيع من خلال التسلح بالعلم أن ترد على أهل البدع والأهواء، الشيطان لن يتركك تتعلَّم، سيضع لك العراقيلَ في كل وقت وحين، أنتَ مشغول بالعمل والإنفاق على الزوجة والأولاد، أنتِ مشغولة الأولاد والبيت والزوج ومشاكل الأولاد ودروسهم، التعب الإرهاق المسؤوليات، سيضع لك العراقيل حتى يُثبطك: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ» [فاطر: 6]. سلاح العلم هو ما تستطيع به نشر هذا الدين والدعوة إلى الله، ولو كان الإنسان على غير علم، فلن يستطيع أن ينشر العلم، أو أن يدعو إلى الله عز وجل، كما يقولون: (فاقد الشيء لا يعطيه)، أريد أن أدعو إلى الله، كيف سأدعو إلى الله وأنا فقيرة في باب العلم ليس عندي ما أدعو إليه: «بلِّغوا عني ولو آيةً» ، فمن لم يكن على علم بالكتاب والسُّنة، فلن يستطيع أن يدعو إلى الله عز وجل. الفقه في الدين المراد به الفقه المستلزم بالعمل: ليس فقط المراد أن الإنسان يتعلم ويفهم، ويدرس ويمتحن ويذاكر، ثم لا يعمل، العلم ليس غاية في حد ذاته، وإنما العلم وسيلة للعمل الصالح، هذه نقطة مهمة يجب أن نكون منها على بيِّنة، لماذا أريد أن أتفقه في الدين؟ حتى أعمل عملًا صالحًا، حتى أصلح قلبي، وأصلح أعمالي، وأزكِّي نفسي، وأصلح أحوالي مع الله عزو جل، ليس فقط أقول: أنا درست كتاب كذا، وأخذت شهادة كذا، ونجحت في كذا، ليس هو غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة؛ لكي تكون أعمالي صالحة مقبولة عند الله عز وجل، فطلب العلم المراد به العمل أن تتجه نية الطالب للعمل بالعلم، وهذا من مراتب الكمال، والنبي صلي الله عليه وسلم يبيِّن لنا هذا الأمر، فيقول: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتَّى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن علمه ما عمِل فيه، وعن ماله من أين كسبه وفيم أنفقه"
 السؤال الأول: عن عمره فيم أفناه؟ هذا العمر الذي عشته في الدنيا أنفقته في ماذا؟ هذه الأيام والليالي والشهور والساعات والأعوام التي تمر عليك أنفقتها في ماذا؟ أنفقتها في طلب العلم، في الدعوة إلى الله، في العمل لهذا الدين، في إصلاح نفسك، في مجاهدة نفسك على الطاعة، في معرفة ما يحبه الله ويرضاه، في الدعوة إلى الخير، في إصلاح الناس، في خدمة المسلمين في أداء عملك كما ينبغي، أنفقت هذا العمر في ماذا؟ أم أنفقته أمام التلفاز والمسلسلات، أو في مجالس الغيبة والنميمة، وفي قيل وقال؟ أم أنفقته في الأسواق والمتنزهات وعلى الشواطئ؟ "عن عمره فيما أفناه": 
السؤال صعب ليس سهلًا يتخيل البعض؛ لأنه سؤال عن عمرك كله، كل حياتك كل أوقاتك وساعاتك، لو ضيَّعنا أي وقت في غير طاعة أو ضيعنا وقت في معصية، أو ضيعنا وقت حتى انشغلنا بالمباح، بماذا سنجيب وكيف سنجيب.
 السؤال الثاني: عن جسده فيم أبلاه؟ الجسم، البدن، الأعضاء، هذا البصر الذي عندك الذي أعطاك الله عز وجل إياه، العقل الإدراك، الفهم، السمع، هذه اليد التي تتحرك وتحمل وتكتب، هذه الرجل التي تمشي، هذه الصحة، هذه القوة فيم أبليت ذلك؟ فيم أنفقت ذلك؟ فيم أنفقت تلك القوة واستهلكت تلك الأعضاء؟ أما السؤال عن المال، فليس سؤالًا واحدًا، وإنما يُسأل العبدُ عن ماله سؤالين: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ هل أنفق ماله على طاعة الله عز وجل؟ على خدمة هذا الدين؟ أنفقته في سبيل الله أم أنفقته على المتع والملذات والشهوات؟ السؤال الثالث: وهو موضع الشاهد وعن علمه؟ ماذا عمِل فيه؟ إذًا المقصود بالعلم العمل، ولذلك قيل: هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل؛ يعني هذا العلم الذي تعلَّمه الإنسان ينادي على العمل: أقبِل أيها العمل تعالَ، إذًا الإنسان عليه أن يعمل بعدما تعلَّم، فإن أجابه العمل، يعني أن العمل أجاب العلم، وأتى فعلًا، عمِل عملًا صالحًا، وإلا ارتحل، ارتحل العلم: ذهب بلا فائدة، ضاع ونُسِي، لم يصبح له فائدة؛ لأن الفائدة من العلم هي العمل، لذلك فمصيبة أن الإنسان يستكثر من العلوم ويتعلم ويدرس، ثم بعد ذلك لا يعمل، فيكون غرضه فقط التحصيل. 
 الآن أنت تصحح النية، لماذا أتعلم؟ هل فقط أريد أن أدرس حتى يقال أني درست، وفي حديث الثلاثة الذين تُسعر بهم النار: "إنما تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ، وقد قيل: "فيُلقى في النار - عياذًا بالله - قد قيل يعني قيل عنه أنه عالم، وقيل عنه أنه قارئ وحافظ، (وقد قيل)؛ أي: أخذ أجره في الدنيا، وليس له عند الله ثواب، أول ثلاثة تُسعر بهم النار يوم القيامة؛ منهم عالم أو قارئ، وإنسان كان ينفق فيما يراه الناس في سبيل الله، وكان يتصدق ويعطي الفقراء، ولكن كان يتصدق ليُقال كريم، كان يتعلم ويعلِّم ليُقال عالم، كان يجاهد وقُتل في المعركة ليقال جريء وشجاع، فيُلقى بهم في النار، ولذلك نريد أن نحقق الإخلاص، لماذا أتعلم؟ لله عز وجل؛ لكي أصلح نفسي أصلح أحوالي مع الله، أصلح عباداتي، أصلح عقيدتي وأصلح غيري، وأدعو الناس، ولكي أعمل لهذا الدين الذي يُحارَب في كل مكان، نحن نريد أن نعمل لهذا الدين حتى ينصرنا الله عز وجل، لذلك هذه النيات يجب أن تصحَّح، العلم المستلزم للعمل، الفقه في الدين المستلزم للعمل.
 أمثلة من حرص السلف رضوان الله عليهم على العمل بالعلم: 
1- "عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "قلتُ لفاطمةَ: لو أتيتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فسألتهِ خادمًا، فقد أجْهَدكِ الطَّحنُ والعملُ، قال حسين: إنه قدْ جهَدَكِ الطَّحنُ والعملُ، وكذلكَ قال أبو أحمدَ قالتْ: فانطلِقْ معي، قال: فانطلقتُ معها، فسألناهُ فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «ألا أدلُّكما على ما هو خيرٌ لكما مِنْ ذلكَ إذا أويْتُما إلى فراشِكُما، فسبِّحا اللهَ ثلاثًا وثلاثين، واحمداهُ ثلاثًا وثلاثينَ، وكبِّراهُ أربعًا وثلاثينَ، فتلكَ مائةٌ على اللسانِ وألفٌ في الميزانِ»، فقال عليٌّ رضي الله عنه: ما تركتُها بعدَ ما سمعتُها مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال رجلٌ: ولا ليلةَ صِفِّينَ قال: ولا ليلةَ صِفِّينَ". 
 التعليق على الحديث: ذهبت فاطمة تشتكي الخدمة والأعمال المنزلية، تخيَّل سيدة نساء أهل الجنة كانت تعمل في المنزل وأنتِ الآن أيتها الأخت قد تشتكين من أعمال المنزل وتتسخطين أحيانًا من كثرة الأعمال والمسؤوليات، ووالله لو تأملتِ وجدتِ هذه الأعمال نعمة أن يكون عندك بيت وأنتِ تقومين بأعمال البيت، بعض الناس لا يملكون بيوتًا أصلًا، يعيشون في الشوارع أو في مخيمات الإيواء، أنتِ عندك بيت الحمد لله هذه النعمة تستحق الشكر، وهذا المطبخ الذي تشتكين مِنْهُ هذه نعمة، وكون أن الإنسان يذهب إلى الأسواق ويشتري ما يحتاج إليه من الطعام، ويرجع مرة أخرى هذه أيضًا نعمة، نعمة الأمن الحمد لله أنك تستطيعين الذهاب والإياب، نسأل الله عز وجل أن يرفع البلاء عن بلاد المسلمين، وأن يصلح أحوال الأمة يا رب العالمين، فكل هذه نعم والله، ففاطمة رضي الله عنها سيدة نساء أهل الجنة تشتكي من أعمال المنزل وتقول: يا رسول الله، أريد خادمًا، فأرشدها صلى الله عليه وسلم إلى ما هو أحسن من الخادم، أن تسبِّح عندما تأوي إلى الفراش ثلاثًا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبر أربعًا وثلاثين، ربما أحيانًا ننسى هذا الذكر، وبعد ذلك نشتكي من التعب والإعياء والأعمال الكثيرة؛ لأننا ما طبَّقنا السُّنة، وما فعلنا السُّنة، فهذا الذكر عند النوم يكون سببًا في الإعانة على الأعمال المنزلية وعلى الأعمال اليومية. الشاهد من الحديث: قول علي رضي الله عنه: "ما تركتُها بعدَ ما سمعتُها مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"، فقه مستلزم للعمل إذا تعلَّم مباشرة يعمل، وليس يعمل مرة ويترك، كما يفعل البعض، وإنما يداوم، فظل علي رضي الله عنه طول حياته يقول هذا الذكر عند النوم، وأحيانًا الإنسان إذا انشغل ببعض الأعمال أو حصلت له مشكلة، يغفل عن الأوراد والأذكار اليومية، وبعض الناس قد يضيع ليس فقط الأذكار والأوراد، بل ربما يضيِّع الصلوات المفروضة بسبب دعوة بعض أقاربه لتناول الغداء، أو بسبب رحلة أو حفلة أو عُرس، علي رضي الله عنه لم يترك ذلك حتى في أحلك الظروف.
 مثال آخر: 
2- القرطبي المُفسر رحمه الله لما أورد حديث: «مَن نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قالَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ حتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلِهِ ذلكَ» ،  ﻭﻗﻮﻟﻪ: «فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ»؛ هذا خبر صحيح، وقول صادق، علمنا صدقه دليلًا وتجربة، فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت عليه، فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمهدية ليلًا، فتفكرت في نفسي، فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات، فقلت لنفسي - ذامًّا لها وموبخًا - ما قاله صلى الله عليه وسلم، فقد جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، ما لَقِيتُ مِن عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قالَ: «أَما لو قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ». 
 الفرق بيننا وبين السلف كبير، الصحابة والتابعين وأئمة السلف، الفرق بيننا وبينهم أن همَّتَهم كانت متجهة للعمل، أما نحن فهِمم كثير منا متجهة للحفظ والدراسة والتحصيل، لكن العمل عندنا فيه مشكلة، وفيه تقصير كبير إلا من رحم الله، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات، لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها، لا يتعلمون عشر آيات حفظًا إلا وتعلموا معانيها وما فيها، وكيف يكون تطبيقها؟ قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا، القرآن يعني لفظه، والعلم يعني تعلم معانيه، والعمل يعني التطبيق، يتعلمون ما فيها من العلم والعمل، أما نحن الآن فعندنا مشكلة في التطبيق وفي العمل بالعلم، لذلك يجب أن نوجه نيَّتَنَا للعمل وليس فقط للعلم كمعلومات ذهنية، إنما للعمل بما تعلَّمنا، ولذلك الإنسان عليه أن يتعلم وأن يعمل بما تعلم. نسأل الله عز وجل أن يفتح لنا أبواب العلم والدعوة، وأن يثبتنا جميعا في الدنيا والآخرة.
 مجالس العلم
من أعظم المجالس في الأرض، بل إن الملائكة تحفها والسكينة تنزل على أهلها، والرحمة تغشاهم، ويذكرهم الله عز وجل فيمن عنده، والطريق إلى العلم يسهل الله له به طريقًا إلى الجنة، ولو خرجت من بيتك تبحث عن مجالس أهل العلم والعلماء، فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، فهل تظن أن الجاهل والعالم يستوون عند الله عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]. قال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لَتضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ، وإنَّ العالمَ لَيستغفرُ له مَن في السماواتِ ومن في الأرضِ، حتى الحيتانُ في الماءِ، وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ» . 

لا تكن من الخاسرين

9 أخطاء بالفوركس تدمر تداولك اليومي | التداول بسهولة
والعبرة هناك حيث لا خوف ولا حزن ولاجوع ولا نقص ولا كبد ولا لغوب ، وينقضي ما ينقضى كأنها ساعة من نهار ، فلمثل هذا أحبتي فليعمل العاملون . 
 لا تكن من الخاسرين : وقد تبدل الحال وتغيرت الأحوال وكل بمراد الله فلا تكن يا رعاك الله من الخاسرين قال تعالى : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)} [النحل ] . فبعد هذا الوباء ( كورونا ) أيها الاحبة على ماذا نتحسر وبم نعتبر وبأي أي نتفكر ، ولمن نبث الشكوى والحزن ، وها قد فاتنا الكثير مما نحرص على دوامه رغم فقرنا وقلة حولنا وطولنا ومعرفتنا أن الأمر كله بيد الله وما نحرص عليه من الاموال والانفس والثمرات وما نعافسه من قلق وخوف وكل راحل . قال تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة] 
فكمالك وتوفيقك يا عبد الله يتأتى بالايمان والعمل الصالح من جهة ويقابله متمما له الصبر على الطاعات واجتناب المعاصي وتفقد وتعليم ونشر كل ما هو صواب ويوافق الحق عند الاخرين ويجانب الباطل وما نهى الله عنه .
 قال ابن القيم رحمه الله : ولما كان كمال الإنسان بالعلم النافع، والعمل الصالح، وهما الهُدى ودين الحق، وبتكميله لغيره في هذين الأمرين، كما قال تعالى: { {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} } [العصر: 1 - 3] 
أقسم سبحانه أن كلَّ أحد خاسر إلا من كمل قوته العلمية بالإيمان، وقوته العملية بالعمل الصالح، وكمَّل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه، فالحق هو الإيمان والعمل، ولا يتمان إلا بالصبر عليهما، والتواصي بهما. 
 ويتحقق كل ذلك أيها الاحبة بأن يجتهد الإنسان في تحقيق المطالب العالية للخلاص من هذا الخسران بالرجوع وتدبر وفهم وأخذ كتاب الله بقوة وعزيمة وجد واجتهاد فهو السبيل الكامل لذلك ، أليست كلمات الله هي الطيبات التامات المباركات ؟! 
قال ابن القيم رحمه الله: فكان حقيقا بالإنسان أن ينفق ساعات عمره بل أنفاسه فيما ينال به المطالب العالية ويخلص به من الخسران المبين وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره. 
إذن ما نفهم من هذا أحبتي، أن نجتهد ولا نتوان جهدا ألا نكون من الخاسرين وحتى لا نكون منهم هناك مطالب يجب تحقيقها ببذل الأسباب وطلب السداد من رب السماء فلديك إفتراضا يا رعاك الله قوة علمية وقوة عملية، فقوتك العلمية تعتبر كاملة بكمال إيمانك وتنقص بمقدار نقصانه، فالمطلب هنا تحقيق القرب من زيادة الايمان وتفقده ، فالايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي، ودليل الزيادة قوله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى –: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} [الانفال]
وتجنب ومفارقة المعاصي فالإيمان ينقص بالمعصية والدليل على ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» » 
فالطريق واضح للعيان للوصول إلى بر الأمان وطريق الرشد والبعد ومفارقة الخسران واما القوة العملية، فهو العمل الصالح الذي يكون خالصا لوجهه تعالى لا سمعة ولا رياء فيه، تسأل الله أن يعينك على أدائه على الوجه الذي يرضيه، وأن يتقبله بعد أدائه، ولا تغفل يا رعاك الله أن تستغفر حين الانتهاء منه، فإذا كان هناك ملحظا بأنك وفقت لعمل صالح بعده مباشرة فإعلم أن ذلك من بركات القبول لعملك السابق، يسر الله لك إستمرار الخير فالله هو الشكور. 
ولا يفوتك يا عبد الله أن تكمَّل الاخرين بالتوصية بالايمان وما يصاحبه من عمل فهو الحق وتوصيهم بالصبر على الطاعة والصبر على ترك المعاصي ، وكل متمم ومعين على البعد عن الوقوع في الخسارة .
 وحينها سوف يتنحى الشيطان عن طريقك ولن تكون ممن اتخذه وليا ،فتكون نجاة لك من الخسارة وقد حققت ما جاء في صورة العصر ، بل تكون بفضل من الله وهداه وتوفيقه قد حققت أمر الله بان جنبت نفسك بعد الاستعانة بربك عدوك اللدود ، قال تعالى : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر] وقالَ تعالى: ( {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} ) [النساء: من الاية -119]، قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رحِمَهُ اللهُ-: "وأَيُّ خَسَارٍ أَبيَنُ وَأَعظَمُ مِمَّنَ خَسِرَ دِينَهُ وَدُنيَاهُ وَأَوبَقَتْهُ مَعَاصِيهَ وَخَطَايَاهُ؟! فَحَصَلَ لَهُ الشَّقَاءُ الأَبَدِيُّ، وَفَاتَهُ النَّعِيمُ السَّرمَدِيُّ. كَمَا أنَّ مَنْ تَولَّى رَبَّهُ وَآثَرَ رِضَاهُ، رَبِحَ كُلَّ الرَّبْحَ، وأَفلَحَ كُلَّ الفَلاحِ، وَفَازَ بِسَعَادَةِ الدَّارَينِ، وأَصبَحَ قَرِيرَ العَينِ، فاللهم تَولَّنَا فِيمن تَوَليتَ، وعَافِنَا فِيمَن عَافَيتَ" فإن كنت يا عبد الله ممن يعمل الصالحات وتواصيت بالحق وتواصيت بالصبر ، إذن لن تخسر نفسك ولا أهلك يوم القيامة قال تعالى : {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(15) } [الزمر] والعبرة هناك حيث لا خوف ولا حزن ولاجوع ولا نقص ولا كبد ولا لغوب ، وينقضي ما ينقضى كأنها ساعة من نهار ، فلمثل هذا أحبتي فليعمل العاملون . 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.

من أبجدية السعادة الزوجية - دربهم

الأخطاء الشائعة في تربية الأبناء الذكور
فنجاح الأبناء والبنات -آباء وأمهات المستقبل- لا شك- نجاح الأسرة بأكملها، وفي سعادتهما سعادة للجميع. 
من أبجدية السعادة الزوجية – دربهم تتغير أحوال الدنيا وظروفها، فلم تُخلق الحياة على لونٍ واحدٍ من النعيم ولا من الشقاء، بل شاء الله - سبحانه وتعالى- أن يتمايز الخلق في كل شيء: في اللون والشكل والمظهر، وفيما منَّ به الله من رزق في الولد أو المال أو الأهل أو غير ذلك من فضل الله – سبحانه وتعالى- « {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} » [هود:118 ] وقد ذكر ابن كثير في تفسيره: "يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة ، من إيمان أو كفران كما قال تعالى: " {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا} " [يونس: 99 ] وقوله: " {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} " أي : ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم. قال عكرمة: مختلفين(في الهدى) . 
وقال الحسن البصري، مختلفين في الرزق، يسخر بعضهم بعضًا، والمشهور الصحيح الأول. وقال تعالى: « {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} » الزخرف
 ومن وسائل التربية المفيدة، والأساليب الجيدة أن يتحمل أفراد الأسرة المسؤولية، وأن يتعود الأبناء على تحملها، فالأبناء الذين ينشؤون على الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية وتقاسم الأعباء يكبرون وقد اعتادوا ذلك، فلا يصطدمون بمشكلات الحياة وتعقيداتها، وإن حدث كانوا على التعامل معها أقدر، وعلى حلها أكثر قدرة. 
 ولذا فمن الضروري أن تدرب أبناءك وبناتك وأهل بيتك على تحمل المسؤولية، ففيها النفع الكثير لك ولهم، وفي تعويدهم على تحمل المسؤولية الكثير من المنافع ولعل منها أنها: تكسبهم الثقة بالنفس وإمكاناتها، واحترام الذات وتقديرها. 
تكسبهم التوقف والابتعاد عن الخوف والقلق من الفشل وانتقاد الاخرين وغير ذلك.
 تكسبهم التمكن الجيد من إدارة الحياة، فالذي يتعود تحمل المسؤولية يستطيع أن يدير حياته بكل سهولة ويسر. 
تكسبهم النجاح المحقق في أغلب شؤون الحياة وذلك من واقع التجربة والخبرة الميدانية. 
 وكثيرًا ما يتردد قول القائل: اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم، ولا مانع أن ترتب وتخطط لتعويد أبنائك على تحمل المسؤولية وتدريبهم عليها، لأننا – وللأسف الشديد – في كثير من الأحايين لا نهتم بذلك، فنتج جيل اتكالي يعتمد على الآخر، مدلل في الكثير من شؤون حياته، لا يستطيع أن يخدم نفسه، أو أن يكون عونًا لأهله وأسرته في أبسط الأمور، تعوَّد على الراحة والدعة، ولله در عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حينما قال: " إني لأكره أن أرى الرجل سَبَهلَلاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة " وما ورد عن بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " إني لأمقت الرجل أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة"
 ومن ثم تجد كم العاطلين بالألوف .... لا تجد لهم عملاً، ولا ترى لهم قيمة سوى أنهم غير ذي قيمة. 
 ولم يكن ذلك شأن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا السلف الصالح ولا الكبار والقادة من هذه الأمة، فأسامة بن زيد قاد بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم – للروم وعمره ستة عشر عامًا، ومحمد بن القاسم الثقفي يقود جيوش المسلمين لفتح بلاد السند وعمره ثمانية عشر عامًا، وحفظ الشافعي القرآن وهو ابن سبع والموطأ وهو ابن عشر، وبدأ يفتي وهو دون العشرين، وغيرهم من كبار هذه الأمة. 
 والحق أنه كلما اعتمد الشاب على نفسه والفتاة على نفسها، كان ذلك أدعى إلى نجاح كل منهما، واستقرار الأسرة وسعادتها، فنجاح الأبناء والبنات -آباء وأمهات المستقبل- لا شك- نجاح الأسرة بأكملها، وفي سعادتهما سعادة للجميع. 
 وإن مما يعين على تربية الأبناء على تحمل المسؤولية مجموعة من الأمور أضعها بين يديك لعلها تكون سببًا في تربية جيل قادر على تحمل المسؤولية:
 وضوح الغاية من خلق الإنسان في نفوس الأبناء، فالله لم يخلقنا عبثًا وإنما لغاية وعلة، قال الله تعالى: " {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} " المؤمنون: 115، وقال – سبحانه-: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " الذاريات: 56
جيد أن يكون ذلك الأساس الذي تبني عليه. القدوة الحسنة لما تقوم به، فلابد أن يكون الزوج والزوجة مثالاً لتحمل المسؤولية والقيام بها، فلا يمكن أن ينشأ الأبناء على ما تريد وهم يرون الوالدين خلاف ما يوجهان به، أو يأمران بعمله، كن قدوة لأبنائك في القيام بواجبك نحوهم وفي تحمل المسؤولية. 
جيد أن تتناول معهم النماذج الرائعة والمشرقة من تاريخ أمتنا وسلفها الصالح، حدثهم عن مالك والشافعي وأحمد، حدثهم عن عائشة ورفيدة وزينب وأم كلثوم، حدثهم عن معاذ بن جبل وزيد بن ثابت، ومحمد الفاتح وصلاح الدين وغيرهم من أبطال الأمة ورموزها، حدثهم وشجعهم على القراءة عنهم، لا شك أنهم يتخذونهم قدوة، وليكن شعارك وشعارهم قول الشاعر: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكــرام فلاح الميدان العملي والتجربة أفضل ما يمكن أن يصقل المهارات فيهم، كلف أحد أبنائك بإدارة شؤون البيت ليوم واحد، حدد له الغاية والهدف، أعطه الإمكانات والصلاحيات كاملة، في نهاية اليوم اجلس مع أسرتك وقيم التجربة، وقدم له نجاحاته فيما قام به، وما يمكن أن يعالجه لاحقًا. عزز سلوكه وشجعه، وقدِّر فيه روح الجدية والانضباط والمبادرة والحرص على النجاح، وإياك أن تحبطه أو ترسل له أية رسائل سلبية، فإن أكثر ما يؤدي إلى الفشل هو هذه الرسائل. 
لا تيأس من إعادة المحاولة إن لم ينجح، وكرر ذلك معه مرات ومرات وبأشكال مختلفة. 
لا تقصر ذلك على أبنائك وفقط، وليكن ذلك نهج تربيتك لأولادك، وليكن لبناتك من ذلك الحظ والنصيب، فهن أمهات المستقبل، لتتحمل البنت هي الأخرى المسؤولية، يمكن أن تكلفها والدتها بالمسؤولية عن إعداد وترتيب وتجهير استقبال ضيوفكم أو إدارة شؤون البيت أو غيرها من المهام. 
إن الإنسان ينشأ على ما تربى عليه، وهو بالطبع انعكاس لما تكون عليه بيئته، وإن مما يحفظ من الأشعار قول أبي العلاء المعري: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه بهذه المعينات وغيرها يتعود أبناؤكم تحمل المسؤولية، وتنبت العديد من صفات الرجولة والقدرة والوعي بالمهام والتكليفات في أسرتك، وتسعد وتسعد أسرتك، قال -تعالى-:" {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} .... " الأعراف:58

لماذا لا نعالج الأخطاء بحكمة ؟!

لماذا لا نعالج الأخطاء بحكمة ؟!
إن الاعتراف بالخطأ أسلوب تربوي رائع للنفس، بالإضافة إلى أنه يريح المتكلم، والمستمع، ويجعلنا نتقبل النقد.

أخطاؤنا هي علامات مؤثرة في مسيرة حياتنا، لا نملك التغافل عنها، كما لا نملك التنصل منها، وحياتنا مليئة بالأخطاء على مستوى الفرد والجماعات والمجتمعات، ولكن تلك الأخطاء لا تعني دائماً الفشل وكذلك لا تعني دائماً الانحراف عن السبيل .. 
فالخطأ إذا صوّب وقوّم، صار تجربة للتعلم والانطلاق، وربما يصير دافعا قويا للنجاح والإنجاز. 
إن الاعتراف بالخطأ أسلوب تربوي رائع للنفس، بالإضافة إلى أنه يريح المتكلم، والمستمع، ويجعلنا نتقبل النقد. 
لكن وللأسف .. أكثرنا – إلا ما رحم ربي - حين يغشانا الخطأ في أمر نبحث عن التبرير .. مع وجود ما يدلنا على الحقيقة، ولكن قد لا نريد ذلك! .. وتعاملنا مع الآخرين يجب أن لا يكون على أساس أننا وهم أجزاء من آلة لا يقع فيها الخطأ - فالآلة تخطئ في بعض الأحيان - بل يجب أن نضع في اعتبارنا أن الطبيعة البشرية تصيب وتخطئ، وهي ليست معصومة. 
كذلك من الأمور الهامة في التعامل مع الأخطاء أن لا نضخمها، وأن نعطيها حجمها الطبيعي، وأن لا نتغافل عنها، وأن لا نتعود عليها، وأن نتعامل معها باعتبارها أمور محتملة الوقوع، وقابلة للعلاج في نفس الوقت.
 معظم الناس أيضا لا ينظرون إلى الخطأ بطريقة مجردة أو بمعنى آخر بطريقة تحليلية، فلو أخطأ شخص في جزئية معينة، فإنه يعمم الخطأ على بقية الأجزاء. 
والأشد من ذلك أن يتجه بالخطأ إلى الشخصية، فيأخذ الإخفاق على أنه نقص في الشخصية، ولهذا فمن المهم جداً أن تنظر إلى الخطأ بصورة موضوعية «كسبب ونتيجة» فإذا أخطاءنا في مسألة لا يعني نقصا في شخصيتنا أو أن حظنا عاثر؛ بل إننا لم نسلك الطريق الصحيح، ولم نتبع السبب المناسب كما قال الله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} فالأمور لا تؤخذ غلابا وإنما تؤخذ باتباع الطرق الصحيحة. 
فإذا كنت أنت المخطئ بحق الآخرين، سواء كان في الآراء والأفكار، أو في مجالات التعامل الأخرى، ففي هذه الحالة لا بد أن تكون صريحاً مع نفسك، وأن تبصر عيوبك قبل أن تبصر عيوب غيرك، وأن تعترف بأخطائك أمام نفسك دائماً.
 أما إذا أخطأ الآخرون بحقك، فالمطلوب أن تبدأ بأخطائك أولاً قبل أن تنتقدهم. وفي نقدك لهم يجب أن تكون أخلاقياً، بحيث يشجعهم النقد على الاعتراف بأخطائهم والإقلاع عنها، وليس المطلوب أن تهينهم وتجرح مشاعرهم، وتجعلهم يتعنتون لأخطائهم. 
إن المخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ، وإذا كان بهذه الحالة فمن الصعب أن توجه له لوماً مباشراً وعتاباً هادفا، وهو يرى أنه مصيب. 
إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ ولذلك من المهم أن نزيل الغشاوة عن عينه ابتداء ليبصر الخطأ. جاء شاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا بكل جرأة وصراحة فهمَّ الصحابة أن يوقعوا به؛ فنهاهم وأدناه وقال له: «أترضاه لأمك» قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم» قال: «أترضاه لأختك» ؟! قال: لا، قال: «فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم» [رواه أحمد ]
فكان الزنا أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد.
 وكذلك في قصة معاوية بن الحكم حيث قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: «يرحمك الله»، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: «ما شأنكم تنظرون إلي» فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ـ ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ـ فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». [رواه مسلم]. 
وإذا وصلت إلى طريق مسدود مع الآخرين فحاول أن تتجاوز الطرق التقليدية التي اعتدت اللجوء إليها، وحاول أن تنظر للأمور من زاوية مختلفة، أي حاول القفز من على الحواجز واعكس الأدوار لرؤية الأمور من وجهة نظر الطرف الآخر، تبادل الأدوار معه أو مثل الدورين بنفسك ولكن بصوت مسموع، لأنك بذلك تفتح لنفسك آفاقا أوسع وتكتسب المنطقية والواقعية في تحليلك للمشكلة والوصول معه لحل نموذجي وواقعي لها بإذن الله تعالى. 
ويمكن أن تستعين بمن يساعدك في تصحيح الأخطاء، بشرط أن يتوافر فيهم العدل والشفافية والبعد عن المصلحة الشخصية، والسلامة من الخلافية أو العدائية

سراق الفرحة

سراق الفرحة
من السهل أن تُحزن الإنسان، لكن من الصعب أن تجعله يضحك أو يفرح"

يقولون: "من السهل أن تُحزن الإنسان، لكن من الصعب أن تجعله يضحك أو يفرح"، والكل يسعى للسعادة والفرح، ويركض عن الحزن والنكد، وصديقك مَن يجتهد في إسعادك، وعدوك من يتفانى في إحزانك، وما أجمل التعبير القرآني في سورة المجادلة حين يقول الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، وهي صورة تبيِّن أحد أغراض عدو البشرية وهي جلب الحزن: مشاعر تُقعد الإنسان غالبًا عن العمل منطويًا يصاحبه البكاء في أحيانٍ كثيرة. 
 ومن العجيب أنه ليس شيطان الجن وحده هو مَن يسعى إلى صناعة الحزن وسرقة الفرح، بل هناك من البشر من أصبحوا يفعلون ذلك، وليس بالضرورة أن يكون عدوًّا لك، بل ربما صديق أو مُقرَّبٌ يراك في لحظة فرحة وسرور، فيسرقها منك ويحوِّلها إلى حزن طبعًا ليس بسوء نية، ولكيلا استرسل بالكلام دون استدلال
 سأذكر  بعض المواقف الحياتية ولك أن تقيس عليها:
 تخرج الأسرة في نزهة عائلية أو سفرة ممتعة، يتحدثون ويتنقلون ويضحكون، وفي أثناء تلك الفرحة، يقول أحدهم: يا ليت أخي فلان معنا الآن، لكانت الفرحة أكمل، ويجيبه الآخر: صحيح، كان رحمه الله ضحوكًا، تذكرون يوم كذا وكذا، وتستمر مسلسل الذكريات، وما هي إلا لحظات لتُسرقَ الفرحة. 
 يصرخ حمد من الفرحة، نعم بعد جهد وتعب نجحت من الثانوية وبمعدلٍ عالٍ ولله الحمد، وفي أجواء فرحته بين أصدقائه ومحبيه، ينبري أحدهم: ليس المهم النجاح، المهم القَبول في الجامعة، فيعلق الآخر: أصبح القَبول صعبًا، فالكثير تخرجوا بمعدلات عالية ولم يُقبلوا، ويُثلثُ أحدهم: وخاصة الكلية التي ترغب فيها يا حمد، وفي دقيقة واحدة تُسرق الفرحة من حمد ومحبيه.
 والصور كثيرة في ذلك، بل لا أبالغ حين أقول إن العبد نفسه يسعى أحيانًا لسرقة فرحته وبناء الحزن مكانها، حاول أن تعيش معي في بعض المواقف ربما حصلت لك: "الحمد لله كان كل شيء تمامًا"، هكذا حدَّثت نفسك بعض انتهاء حفلة عرسك، وفي قمة فرحتك تقول: لكن فلان لم يحضر مع أني دعوتُه بشكلٍ خاص؟ ليس هو فقط بل حتى فلان من أقاربي، أكيد غاضب مني، لكني لا أذكر أني أخطأتُ في حقه، حتى لو أخطأت ألا ينبغي أن يتجاوز ويحضر هذه المناسبة التي ربما لن تتكرر، وتبدأ دوامة الأفكار والأحزان والعتاب، والحقيقة أن الفرحة سُرقت. 
 حصلتْ على هَدية جميلة لمناسبة سعيدة من شخص عزيز وغالٍ عليها (زوجها مثلًا)، دخلت غرفتها فرحة وتُقلِّبُ تلك الهدية، وفجأة: لحظة يا ترى لماذا أعطاني تلك الهدية؟ لا بد أن له غرضًا ما، صحيح كما يقولون في المثل: الذئب ما يركض عبثًا، لا يجب ألا أكون مندفعة، العاقل يتريَّث... إلخ، تدخلُ نفسها في بيت الوساوس، والحقيقة أن فرحتها سُرِقت. 
 ولو أردت أن أذكر الأمثلة لما انتهينا، بل وصل الأمر حتى في أفضل الأعمال التي تدفع إلى الفرح، في أحد المجالس يذكرُ أحدهم أنه بفضل الله أسلم على يديه العديد من الناس، يقول هذا وعيناه كلها فرح وسرور، فيتطوع أحدهم: المهم ماذا بعد الإسلام، الكثير يدخلون الإسلام، لكن من يثبت عليه، ويزيد الطينَ بِلَّةً آخر: نعم الكثير من الإحصاءات تقول إن عدد من يرتدُّون كثير بسبب عدم الاهتمام بهم، فلا تعوِّل كثيرًا على إسلامهم... إلخ، والحقيقة هنا: أن فرحة صاحبنا سُرقت.
 لعلك لاحظت أن أكثر السرقات؛ إما من أشخاص، أو أحداث سابقة ولاحقة، نعم للتفكير والتدبير والدراسة والتفسير، لكن هلَّا أجلناها بعد وقت الفرحة. ألا تطمح أن يُحبك الله، لقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ يُحبَّ أن يَرى أثرَ نعمتِه علَى عبدِه»، ومن أثر النعمة الفرح بها، إن لم تمنع سرقة الفرحة، فلا تكن من سُرَّاقها.

علمنى الابتلاء

كيف أصبر نفسي على الابتلاء
وهكذا تمضى سنة الله فى الابتلاء ابتلاء للصبر وابتلاء للشكر وابتلاء للتوجيه وابتلاء للأجر وابتلاء للتمحيص 
تأملت فى قول الله تعالى :" {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ..." [سورة تبارك] فأدركت أننا خُلقنا للابتلاء والإختبار والعبرة فى النهاية من سينجح فى الإختبار فلابد أن يذوق المسلم فيه لذة العبودية وقهر الربوبية هكذا يعلمنا الابتلاء أن أفضل المواقف التى تبين المؤمن الحق هى مواقف الشدة فمثلا هل يستطيع الطالب فى مرحلة الثانوية أن يلتحق بالجامعة دون أن يمر على اختبار ليعلم هل يستحق المرحلة الأعلى فى التعليم أم لا ؟ والمؤمن أيضا لابد له من اختبار حتى ينال الدرجات العلى فى الجنه كما علمنى الابتلاء أن لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع فكم من بلية طويت فى باطن دنيا مزينة فأخذها العبد على ظاهرها فشقى بها وهو لا يدرى .
 وعلمنى أيضا أن ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله فاطمأن قلبى إلى أن كل ما يحدث بقدر الله وسابق علمه فلاتملك عندها النفس إلا الاستسلام لله والإذعان له حتى ينفرج الكرب وتنكشف الغمه وحتى لا نقع فريسة للإكتئاب والأمراض النفسية
 تعلمت من الإبتلاء استشعار مدى النعمة التى كنا نرفل فيها ونحن لا ندرى فمن اعتاد النعم قد يطغى ويفسد ويتكبر وكيف يشتاق إلى الجنة ونعيمها من بات منعم طيلة حياته فى الدنيا فكم من أمة ابتلاها المولى برغد العيش والنعماء فكان فيه هلاكها وكم من أمة أخذها بالعذاب حتى تعود إلى ربها وتتوب كما قال تعالى :" ﴿ {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } ﴾.الاعراف 130 
كما علمنى الإبتلاء أنه رفع درجات للعبد ورفع مكانته عند الله فلربما كتب الله لعبده المؤمن منزلة في الجنة لا يبلغها بمجرد عمله، فيبتليه ليرفع من درجته 
وعلمنى الإبتلاء أنه دليل محبة وليس بُغض فإن كان دليل غضب كما يظن البعض فإن الانبياء اشد الناس بلاء فهل هو غاضب على الانبياء والعياذ بالله كما 
علمنى البلاء أن الخير يكمن فى الشر أحيانا فالقتال والجهاد فى سبيل الله فى ظاهره شر ومهلكة للنفس والمال وضياع للاسرة ولكن فى باطنه رحمة للمجتمع من الفتن وضياع لأوطان بأكملها فيضحى الفرد من أجل صيانه مجتمع بأكلمه إذ يقول تعالى قال تعالى :" { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } ...."" 
علمنى البلاء أن به يُستخرج عبادة الدعاء فتجد الإنسان وقت الشدة يلهج بالدعاء فى كل وقت وفى أى مكان ويتتبع أوقات الإجابة لينفرج كربه كما وصفته الايات إذ يقول تعالى :" { وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } " [سورة يونس] وإنها لأحب العبادات إلى الله كما علمنى البلاء الرضا بأقدار الله ليعيش المؤمن رافع شعار قول الحق :" {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } " سورة التوبة فتسكن نفسه لقديم اختيار الله ويقدم محاب الله على أهواء النفس فلا توجد نفس تحب البلاء ولكن الرضا هو الدواء لجراحات النفس 
علمنى البلاء أن أحسن الظن بربى إذ يقول الرسول الكريم عن رب العزة :" أنا عند ظن عبدى بى ..." 
 فمن ظن أنّ الله سيفرج كربه ويرفع عنه البلاء ، فسيجد ظنه بربه، ولن يخيب رجاءه فيه وإنّ طال وقته فما كان الله ليضيع إيمان العبد بطول البلاء وهكذا تمضى سنة الله فى الابتلاء ابتلاء للصبر وابتلاء للشكر وابتلاء للتوجيه وابتلاء للأجر وابتلاء للتمحيص فلتطمئن النفس وتسكن إلى أنه بأمر الله وطاعة لله فى كل الأحوال. 

2020-06-19

العناد عند الأطفال .. الأسباب والعلاج

العناد عند الأطفال .. الأسباب والعلاج
بعض الأطفال يتميزون بالعناد الشديد، ويعتبر العناد من خصائص الطفولة، فليست هناك مدعاة للانزعاج من قبل الأب والأم أو اتهام الطفل بتعمد العناد، بل عليهما أن يشجعاه ويحفزاه على فعل النقيض بذكر القصص والحكايات التي تجعله ينفر من العناد، فمثلا: يشبه له الذي يعاند بالشيطان الذي عاند مع الله واستكبر عن السجود لسيدنا آدم عليه السلام ولم يطع أمر الله فغضب الله عليه وأدخله النار، الأمر الذي يجعل الطفل يبتعد عن هذه الصفة . 
ومن المهم أن يتأكد الوالدان تمام التأكد أن الطفل العنيد غير مريض وغير عاق لوالديه، وأن هذا العناد راجع لطبيعة المرحلة العمرية، فمثلا إذا صعد على الفراش برجله المتسخة ورفض النزول ورفض النوم أو صمم على الرفض أو عاند في أي شيء، فعلى الوالدين تحفيزه وتشجيعه وعدم إهانته أو عقابه.
 مظاهر العناد من مظاهر العناد عند الطفل التصلب في الرأي، والجمود في التفكير، مما يثير دهشتنا ويصيبنا بالضيق والحرج لهذا العناد وصلابة الرأي، فالطفل مثلا لا يريد أن يستمع لتوجيهات الكبار، ولا يحب أن يفعل إلا ما يريده هو، حتى لو كان ذلك الفعل غير سليم، أو لا يتماشى مع المنطق والعقل، ومن الأمور الأخرى رفض الطفل أموراً مهمة مثل النظافة، وغسل الوجه، والاستحمام، وتناول كوب الحليب، والنوم في الموعد المحدد، فيبدو مقاوما متشبثا برأيه رافضاً توجيهات الكبار، وقد يكون هذا الأمر مقبولا في مرحلة الحضانة، لكنه غير مقبول في مراحل العمر التالية للطفل، وقد يفسر بعض الآباء والأمهات هذا العناد على أنه دليل قوة شخصية الطفل، والحقيقة أن هذا السلوك لا يعبر عن هذا الفهم الخاطئ، لأن أسلوب العناد غير السوي يعبر عن ممارسات سلبية تبعد الطفل عن التفاعل الاجتماعي السليم، فليس العناد تعبيرا عن احترام الذات بقدر ما هو أسلوب يعبر عن المشاكسة. 
ويرتبط العناد بالقسوة والعدوانية، فنلاحظ أن بعض الأطفال الذين يتصفون بالعناد تبدو عليهم ميول عدوانية وكذلك بعض القسوة، ويتجلى ذلك من خلال بعض تصرفاتهم، فنراهم يمزقون الملابس، ويحطمون التحف الغالية، أو يعتدون على الحيوانات، أو يستخدمون الأقلام استخداما سيئا فيشوهون بها الجدران في المنزل أو المدرسة، وهذه التصرفات الغريبة قد تجعل الطفل يشعر بالقوة ويفخر بنفسه،
 فما الذي يجعل الصغير يلجأ إلى مثل هذه التصرفات ؟ يحب أن يقلد الكبار في قسوتهم، أو يميل إلى السيطرة أو الإعلان العنيف عن ذاته.
 ومن الأسباب التي تدفع الأطفال للعناد: 
العلاقات الأسرية المتوترة، والمعاملة الشديدة من قبل الوالدين مما يزيد من محاولات التعويض عند الطفل والانتقام فيقابل ذلك بالمثل. 
علاج العناد
- ينبغي ألا نقابل مقاومة الطفل بمقاومة مضادة، لكن علينا أن نتفاهم معه ونحرص على إقناعه، ونشجعه حتى يتدبر الأمر ويفهم كيف يتصرف في كل أموره بصورة سليمة ومنطقية. 
- الابتعاد عن أساليب الحماية الزائدة والتدليل المفرط، فهذه الأساليب تعود الطفل على أسلوب المخالفة. 
- عدم إرغام الطفل على القيام بسلوكيات معينة في الأكل او الملبس، أو مراعاة أصول الذوق واللياقة (الإتيكيت)، فهذا الخضوع المتكلف قد يدفع الطفل للخروج عليه ويقوده للتمرد على أصوله وحيثياته.
 - عدم تفضيل الأم أو الأب لأحد الأبناء أو البنات، فان ذلك التفضيل يكون في غالب الأحيان سببا في عناد الطفل. 
- تنمية تبادل الآراء بين الأ طفال حتى يشعر الطفل بالقيادة حينا والتبعية حينا آخر .

كن صبورا

الصبر على مشاق الدعوة إلى الله | موقع الشيخ يوسف القرضاوي
لاَ تَسُبِّى الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» 
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه ( {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } ) وفي الصحيح من حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ : «أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ :« مَا يَكُنْ عِنْدِى مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَلاَ أَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ» » 
 سنتحدث عن ضرورة أن يكون المؤمن صبورا في الأمور كلها.. ( {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} ) 
الصبر أيها المؤمنون هو أساس الدين.. الصبر هو عدة المؤمن في سراءه وضراءه وفي شدته وفي رخاءه الصبر من الإيمان هو بمنزلة الرأس من الجسد قال علي بن أبي طالب ( إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس هلك الجسد ثم رفع صوته فقال لا إيمان لمن لا صبر له ) 
الصبر هو صفة رب العالمين وفي صحيح السنة ( «لَيْسَ أَحَدٌ، أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ » ) 
والصبر هو أحد أشهر أخلاق الأنبياء والمرسلين وعلي رأسهم إمام المتقين وقدوة الغر المحجلين نبينا محمد صلي الله عليه وسلم.. قال الله تعالي ( {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} ) وقال ( {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} ) 
الصبر أيها المؤمنون معونة من الله تعالي الصبر هداية الصبر توفيق وخير ما عوّض الله عبدا أن يرزقه الصبر ( ما أنعم الله علي عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكان ما انتزع منه صبرا إلا كان ما عوضه ربه خير مما انتزع منه وذلك أن الله تعالي يقول (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) 
لكن على ماذا نصبر ؟؟ نصبر علي كل أمر من أمور ديننا ودنيانا لصلاتنا نصبر , لصيامنا نصبر , لصدقة نتصدق بها نصبر , لكلمة طيبة نقولها نصبر .
 نصبر على ما بيننا وبين أزواجنا وعلي ما بيننا وبين أولادنا نصبر على جار يؤذينا وعلي قريب يتعالي علينا 
نصبر على صديق يجافينا نصبر على طاعة الله حتي نأتي بها على الوجه الذي يرضي الله عنا .. فحتي نحافظ على صلاتنا على صيامنا على ذكرنا على شكرنا لربنا نحن بحاجة إلى صبر إلى نفس طويل إلى معونة إلى هداية إلى توفيق من الله تعالي.. 
وفي سورة لقمان وردت آية تقول ( {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } ) 
ومن دعوات النبي عليه الصلاة والسلام « اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » وإذا كانت العبادة تحتاج إلي صبر فكذا أخلاقنا هي الأخرى حتى تكون كريمة وحميدة..
أخلاقنا تحتاج هي الأخرى إلي صبر فعفة النفس صبر عن الفواحش والزهد صبر عن فضول العيش والحلم صبر عن الغضب والقناعة صبر ورضا بما قسم الله وحسن الخلق صبر عن أذية الناس..
 ومن ميادين الصبر: أن تصبر عن معصية الله فلا تقع فيها 
 أن تصبر عن معصية الله فتتجنبها وتتقيها.. 
ورد في الصحيح أنه « «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ» » قَالَ « «فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا » » قال الله تعالي ( {فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} )
 ومن أوسع وأرحب ميادين الصبر:
 أن تصبر علي مقادير الله مما تحب ومما تكره ..
 أن تقف أمام ما أصابك من ضر وأذى .. 
أن تقف مؤمنا صابرا محتسبا أجرك على الله يتحرك بها قلبك ولسانك ما أصابني لم يكن ليخطأني وما أخطأني لم يكن ليصيبني رفعت الأقلام وجفت الصحف وقضي الأمر فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ( {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} )
أن يرزق الإنسان صبرا علي ما يكره هذه من إحدى أجل النعم .. صبرك معناه أن ما أصابك من هم أو غم أو كرب أو حزن أو أسف أو تعب أو نصب أو كدر أو وحشة أو مرض أو فقد إلا بإذن الله .. 
ما أصابك من هم أو غم أو كرب أو حزن أو أسف أو تعب أو نصب أو كدر أو وحشة أو مرض أو فقد إلا وهو خير لك إلا وهو ستر لعيبك وغفران لذنبك .. 
مرضت إحدى الصحابيات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فدخل رسول الله عليها يعودها وجدها ترتعش فقال مالك يا أم السائب تزفزفين ؟؟ قالت من الحمى يا رسول الله لا بارك الله فيها .. فقال النبي عليه الصلاة والسلام « «لاَ تَسُبِّى الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» » 
وقد يكون أصابك ما أصابك ليرفع الله منزلتك « «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَنَلْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِى جَسَدِهِ ، أَوْ فِى مَالِهِ ، أَوْ فِى وَلَدِهِ ثُمَّ يرزقه الصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِى سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» »
 كم من الهموم نقاسيها وكم من الآلام نعانيها وكم من الأوجاع نشتكيها بعضنا يشكو ألما برأسه وبعضنا يشتكي عظامه وغيره يشتكي بصره وغيره يشتكي سمعه وآخر يشتكي قلبه وغيره يشتكي نفسه آلام وأوجاع أسأل الله أن يشفي منها كل مبتلى .. عزاء المؤمن في ألمه أن الله ما أصابه بما أصابه إلا لأنه يحبه .. يحب ماذا ؟ يحب أن يسمع دعوته يحب أن يغفر ذلته يحب أن يكون بالقرب منه ( «يا ابن آدم مرضتُ فلم تَعُدْنِى قال يا رب كيف أَعُودُكَ وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدى فلانًا مرض فلم تَعُدْهُ أما علمت أنك لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عنده» ) 
حضر أحدهم الموت يوما فبكت أمه فقال أم لم البكاء ؟ قالت لأنك يا بني تموت قال أمي إذا أنا مت فإلي من ؟ قالت إلى الله قال فلا تبكي فما رأينا الخير إلا من الله . 
عفوه رحمته صفحه ابتلاءه .. رحمة .. سبحانه وبحمده إذا ابتلى
عبدا غفر ذنبه وستر عيبه ورفع درجته 
قال عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ بَلَى. قَالَ هذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَلَتْ إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي قَالَ «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتكَشَّفُ فَادْعُ الله أَنْ لاَ أَتكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا النبي عليه الصلاة والسلام »
نحن علي إيمان تام بأن أفضل حال يلقي به المؤمن ربه حاله الشهادة في سبيل الله ( {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ) 
أن يلقي المؤمن ربه شهيدا هي أعظم حال تدخل بها علي الله عز وجل ..
  ولأن الله تعالي هو أكرم الأكرمين وسع الله دائرة رحمته حتي شملت الخلق أجمعين ووسع دائرة الشهادة حتى جمعت خلقا كثيرين منهم أهل البلاء منهم الصابرون منهم الراضون المستسلمون لحكم الله وقضاءه وهؤلاء كثر.. 
منهم من كان يشكو وجعا ببطنه فهو شهيد ومن كان يشكو ألما بجنبه فهو شهيد والمبتلي بالطاعون شهيد ومن غرق بالبحر فهو شهيد ومن صدمته سيارة فهو شهيد ومن مات بأرض غريبة فهو شهيد ومن مات محروقا فهو شهيد ومن لدغته حيه فمات فهو شهيد ومن تردى من رؤوس الجبال فهو شهيد ومن أكله السبع فهو شهيد والمرأة تموت وولدها في بطنها فهي شهيدة والأخرى تموت في نفاسها كل هؤلاء وأمثالهم من أهل البلاء يجري عليهم رب العالمين من جنس أجر الشهداء وذلك من الله رحمة وعل كل هؤلاء دلت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.. 
 بقي لنا في ختام الحديث أن نقول إن الله مع الصابرين بقي لنا أن نذكر بقول الله تعالي ( {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } ) ولكن علي الرغم من كل هذا إلا أن رسول الله كما في سنن الترمزي سمع أحد أصحابه يقول اللهم إني أسألك الصبر ولم يكن بهذا الصحابي بلاء فأشفق النبي علي صاحب هذه الدعوة أن تستجاب دعوته .. رفع الرجل يده وببصره شخص إلي السماء وقال اللهم إني أسألك الصبر فقال النبي عليه الصلاة والسلام لقد سألت الله البلاء .. كأنك تقول يا رب ابتليني .. 
والإنسان لا يدري وقت البلاء كيف يكون هل يصبر أو لا يصبر ولذلك قل اللهم عافني واعف عني.. وهذا معناه ألا تسأل الله عذابا هذا معناه ألا تسأل الله عقابا وإنما قل يا رب اغفر لي يا رب استرني يا رب عافني واعف عني .. يا رب اغفر زلتي واغسل حوبتي يا رب سامحني يا رب اهدني يا رب ارزقني.. 
دخل النبي على أحد أصحابه فوجده كالفرخ .. 
شاب شعره وانحنى ظهره وضعف بصره ورق عظمه واصفر لونه كما يذبل النبت فدهش رسول الله وقال مالك !! عافاك الله .. فَهَلْ كُنْتَ تَدْعُو بَشَيْءٍ ، أَوْ تَسْأَلُهُ ؟.. قَالَ قُلْتُ اللهمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم سُبْحَانَ الله إِذًا لاَ تَطِيقُ ذَلِكَ وَلاَ تستطيعه أَلاَ قُلْتَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّيْنَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ ثم دعا له النبي صلي الله عليه وسلم فشفاه الله عز وجل .
 فلا تتمنى بلاء ولا مرضا ولا موتا لضر نزل بك اللهم إلا الشهادة في سبيل الله فلا حرج عليك أن تسألها ربك ليلا ونهارا وسرا وجهارا فإن نلتها فبها ونعمه وإن لم تنلها بلغك الله منازل الشهداء وإن مت على الفراش .. كما قال صلي الله عليه وسلم .

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ

قصة سيدنا نوح عليه السلام ... دعوة قومه وبناء السفينة والطوفان – مجلتك
{ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
{ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} 
الابن ، وما أدراك ما الابن ! فلذة الكبد ، وبهجة النفس ، وأمل المستقبل ، وحامل الاسم ، وامتداد الذكر ، ووريث المال ، والعضد والنصير ، وأحب شيء للمرء ، ومن أجله يحمل الأب الهم ، ويكدح ويتعب ، ويدخر المال ، ويستعد للتضحية بكل غال وثمين ، وربما كان الولد لبعض الناس فتنة ، ومجبنة مبخلة .
 ونوح عليه السلام رسول كريم ، ونبي عظيم بل هو أول رسول لأهل الأرض ، لكنه - مع مقامه الرفيع ، ومنزلته العالية - بشر من البشر ، وأب مملوء رحمة وشفقة على ولده ، حريص على نجاته من عذاب الدنيا والآخرة ،وقد نصحه غاية النصح ، وبلغه أعظم البلاغ ، لكن الابن العاق آثر الكفر ، واختار طريق الضلال ، وانحاز لمعسكر المكذبين بدين الله ، ورسوله الذي هو أبوه وأقرب الناس إليه . 
ولما جاء الوقت المحتوم ، وركب نوح والمؤمنون الفلك ، عصى الابن العاق أمر أبيه الأخير أن يركب معه سفينة النجاة ( يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ) وآوى إلى جبل من الجبال ، ظنا منه أنه سيعصمه من الطوفان ، فلم ينجه ذلك ، ولم يعصمه من أمر الله عاصم ، وصار من المغرقين .
 ثم كان ماذا ؟ جاشت عواطف نوح عليه السلام ، ورق قلبه لولده الهالك في مياه الطوفان ، فنادى ربه وناجاه قائلا ( {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } ) 
وهنا جاء الجواب واضحا صريحا قاطعا ،مقررا درسا عقديا مهما للأجيال المسلمة في كل زمان ومكان ، وخلاصته : 
- أن رابطة العقيدة فوق كل رابطة بشرية ، وفوق كل عاطفة أو قرابة ، أو عشيرة أو أرض . 
- وأن المشاعر الإنسانية مهما عظمت فهي محكومة بأحكام الشرع . - وأن مع الكفر لا ينفع عمل ، ولا قرابة ، ولا شفاعة الشافعين ، حتى لو كان أبوك رسولا نبيا ، بل من أولى العزم من الرسل . { قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 

لا تحقرن شيئا من المعروف

قصة وعبرة...لا تحقري من المعروف شيئا
وقوله صلى الله عليه وسلم «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَمِ»
ينبغي للمرء في هذه الأيام التي اختلط فيها الحق بالباطل لدى كثير من الناس ، وانتشرت الأفكار المنحرفة : 
ألا يستهين بكلمة خير ينشرها ، أو آية من القرآن يبلغها ، أو حديث من السنة يذكر به ، أو معتقد صحيح يدافع عنه ، أو قولة باطلة يفندها ، وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم ( « لا تحقرن شيئا من المعروف» ) وهو في ذلك كله : 
ينوي إبلاغ الدين ، ونشر الدعوة ، ومدافعة الباطل وأهله ، وتكثير الحق وناصريه ، وتثبيت نفسه وإخوانه أمام طوفان الانحرافات الفكرية الهادر المحيط بنا ، وعدم إخلاء الساحة لدعاة الضلال كي يبثوا سمومهم .
 ولا يضيره بعد ذلك ، هل استجاب له الناس أم لا ، وهل انتشر كلامه أم اندثر ، وحسبه إن أخلص النية ، قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة» وقوله صلى الله عليه وسلم «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَمِ»

أفكار يجب أن تتغير

أفكار يجب أن تتغير
يحيا كل إنسان في بيئة مشحونة بالأفكار والعقائد والتقاليد والرموز والمعلومات، ومن مجموع تلك الأمور تتكون ثقافته العامة

يحيا كل إنسان في بيئة مشحونة بالأفكار والعقائد والتقاليد والرموز والمعلومات، ومن مجموع تلك الأمور تتكون ثقافته العامة، ومن تلك الثقافة تتولد رؤيته لأمور كثيرة، كما تتشكل لديه الصور الذهنية التي يرى من خلالها نفسه والعالم من حوله، وإن كل صورة ذهنية تبدأ بالتشكل نتيجة الخواطر التي يتكرر ورودها على الواحد منها، وكثيراً ما تأتي الأحداث اليومية لتؤكد صحة تلك الخواطر، ومن هنا فإن الواحد منا مطالب بأن يعي الصور الذهنية الخاطئة حتى يتمكن من مجابهة الخواطر التي تؤدي إلى تشكيل تلك الصور وقطع الطريق عليها. 
تؤكد الكثير من البحوث التي أجريت في علم النفس المعرفي على أن تغيير الأفكار هو المدخل الصحيح لتغيير الاستجابات الشعورية والسلوكية لدى الإنسان، والحقيقة أن الصور الذهنية التي تحتاج إلى التغيير، أو نحتاج إلى التخلص منها على نحو نهائي كثيرة جداً، لكن أكثرها حيوية وتأثيراً في مسار حياتنا الشخصية هي تلك الصور التي كوّناها عن أنفسنا وذواتنا؛ إذ إنها تؤثر على نحو جوهري في أسلوب رؤيتنا للحياة وفي نوعية مبادراتنا ونوعية ردود أفعالنا. 
ولعلّي أشير هنا إلى بعض تلك الصور والمفاهيم في الآتي:
 1. مشاعر الإحباط وعدم الأهلية كثيرون أولئك الذين تسيطر عليهم مشاعر الإحباط، ومشاعر عدم الأهلية للقيام بالأعمال التي يقوم بها نظراؤهم من الناس ولذا فإنهم بالتالي يشعرون أنهم لا يستحقون النجاح والتفوق، وينعكس هذا الشعور بالضآلة على نفسياتهم وسلوكاتهم، حيث إنك تجد الواحد منهم فاقداً للحيوية، فهو يؤدي أعماله بتثاقل وتباطؤ ومن غير أي حماس أو اندفاع، وإذا بدأ بإنجاز عمل أو مشروع فإنه قلَّما ينهيه، وإذا أنهاه لم ينجزه على الوجه المطلوب، وحين يفكر الواحد منهم، فإن تفكيره يفقد المسحة الإبداعية، ويتسم بالرتابة والتكرار إذ لا حافز يدعو إلى التجديد، وهذا الصنف من الناس كثيراً ما يحدثك عن العقبات التي تعترض سبيله، وكثيراً ما يزعم أنها عقبات طارئة وغير متوقعة. وأخيراً فإن الذين يفقدون الشعور بالأهلية للقيام بالأعمال الجيدة يحملون في نفوسهم الكثير من مشاعر اللوم للآخرين والعتب عليهم؛ لأنهم في توهمهم يخذلونهم ويحجبون عنهم العون الذي كان ينبغي أن يقدموه إليهم، وهذا يؤدي إلى عزلتهم، وابتعاد الناس عنهم مما يضاعف في مشكلاتهم، ويشعرهم بالاغتراب. 
أنا لا أشك أن مواهب الناس وإمكانياتهم وظروفهم متفاوتة، لكن أعتقد مع هذا أن هناك دائماً أكثر من طريقة ووسيلة لإدخال تحسينات على كل ذلك، لكن السلبية التي ورثها الكثيرون منا من بيئاتهم تمنعهم من رؤية الآفاق الممتدة التي أمامهم، وأظن أن تخفيض الطموحات سوف يقرب المسافة بين الأهداف وبين الإمكانيات المتوافرة، مما يحفز الإنسان على العمل والدأب، كما أن توضيح ما يريده الإنسان على نحو جيد يساعد هو الآخر على إزالة الأوهام التي تعشش في أذهان الناس، وتصبح مصدراً لتوليد الإحساس بصعوبات غير موجودة، ومن المؤسف في هذا السياق أن معظمنا يفكرون غالباً في الأشياء التي لا يريدونها، مما يجعلهم يشعرون بالمشكلات أكثر من شعورهم بالنتائج الجيدة. أخيراً فإن العزيمة على إنجاز أشياء محددة في زمان محدد، تجعل المرء يضع قدمه على بداية طريق النجاح، وبمجرد أن يشعر بأنه بدأ يتقدم تتولد لديه طاقات جديدة، تساعده على المضي نحو الأمام باطمئنان وثبات. 
2. الكفاءة الشخصية والإنجاز العالي بعض الناس يحملون صوراً ذهنية مبالغاً فيها حول الكفاءة الشخصية والإنجاز العالي، ويعتقدون أن الإنسان إذا لم يحقق نجاحات كبرى، فإنه لن تكون له قيمة بين الناس، وهذا غير صحيح، فالمرء لا يحترم لإنجازاته فحسب بل إن هناك الكثير من السمات التي ترفع من قدر الواحد منا في عيون إخوانه أكثر مما يرفع النجاح، وذلك مثل: الطيبة والتعفف وحب الخير للناس وبذل المعروف والاستقامة على أمر الله - تعالى - وما شابه ذلك. 
3. سير الرياح بما لا نشتهي يغلب على كثير من الناس مفهوم يقضي بأن تسير الأمور على ما يشتهون ويرغبون، وإذا لم يحدث ذلك فإن الحياة تصبح شيئاً لا يطاق، وهذا وهم كبير، فنحن لا نملك زمام الأحداث، ولسنا نحن الذين نحرك الأشياء، ولذا فإن علينا أن نتوقع دائماً أن يحدث ما ليس في الحسبان.
 ومن وجه آخر فمن الذي يزعم أن عدم حدوث ما نرغب فيه يشكل كارثة أو انتكاسة؟ إن الله - جل وعلا - وحده هو الذي يعلم خواتيم الأمور وعواقب الأحداث والأوضاع، ولذا فإننا طالما خشينا من وقوع الكثير من الأحداث، لكن بعد أن تقع نلمس فيها من لطف الله - تعالى - ورحمته وخيره، ونرتاح لذلك ونسرّ به، وإذا تأملت حياة الناس وجدت أعداداً لا تحصى منهم استاؤوا مثلاً عند فصلهم من وظائفهم، وعدٌّوا ذلك مصيبة كبرى، لكن بعد أن انطلقوا في الأعمال الحرة عدوا وقت فصلهم بداية رائعة لمرحلة مثمرة وعظيمة. يقول الله - جل وعلا - معلماً لنا هذه الحقيقة الناصعة: {وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبٌّوا شَيئاً وَهُوَ شَرُّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} [البقرة:216]
ثم إن الله - تعالى - أعطانا قدرة هائلة على التكيف مع الأمور الصعبة، وحين يقع ما لا نحبه أو نتوقعه، فإننا إذا استطعنا امتصاص الصدمة الأولى، سنجد أنفسنا متوافقين مع الأشياء الجديدة، وسنجد إذا استخدمنا البصيرة أنها لا تخلو من إيجابيات وحسنات. 
4. المبالغة في البحث عن الحل المثالي الحضارة الحديثة مكّنت الإنسان من السيطرة على الكثير الكثير من مظاهر الطبيعة، ورسخت في عقله ومشاعره أن هناك دائماً العديد من الخيارات، كما أن من حقه أن يتطلع إلى ما هو أكثر وأمتع وأرفه وأجود... وهذا كله جعلنا كلما واجهنا مشكلة طلبنا لها حلاً مثالياً كاملاً، وإذا لم نجد ذلك الحل، فإننا نشعر بالكثير من الأسى والفجيعة! لا ريب أن التطلع إلى ما هو أحسن وأكثر، شيء ليس خاطئاً من حيث المبدأ لكن يجب علينا أن ندرك أن ذلك لا يخلو في كثير من الأحيان من المثالية والمبالغة، ولذا فإن الإصرار على الحصول على الأفضل دائماً يجب أن يصحب بالاعتقاد أن لله - تعالى - الكلمة العليا والنهائية في هذا الوجود، وأنه لن يحدث إلا ما أراده وقدَّره، وهذا الذي أراده قد يوافق رغباتنا، وقد لا يوافقها، ثم إن الوصول إلى أي حل عاجل أو آجل لمشكلة صغيرة أو كبيرة، لا يمكن إلا أن يظل خاضعاً للبيئة والمعطيات السائدة، وبما أن شروط حياتنا الشخصية وشروط الحياة العامة تظل دائماً دون طموحاتنا وتطلعاتنا، فإننا سنظل نشعر أن الوسط الذي نعيش فيه هو أقل مما نريد، وأقل مما ينبغي أن يكون وهذا يعني أننا لن نصل أبداً إلى حلول كاملة ومثالية لأن الحل الكامل يتطلب وسطاً كاملاً، ولذا فإن علينا دائماً أن نتوقع حلولاً منقوصة ونتائج محدودة، والناس الذين لا يعرفون هذا المعنى سيظلون يشعرون بالخيبة والسخط! 
5. الاضطلاع بالمسؤوليات الجسام لو تساءلنا لماذا يعيش أشخاص في مركز الضوء وفي لُجَّة الأحداث، على حين يظل آخرون على هامش الحياة أخذاً وعطاءً وتأثراً وتأثيراً، لوجدنا أن لذلك العديد من الأسباب، لكن قد يكون من أهمها أن كثيرين منا يختارون تجنب المشكلات والتحديات، والابتعاد عن دائرة الضوء قدر الإمكان، ولهم في ذلك فلسفتهم الخاصة، وأعتقد أن هذا المفهوم يحتاج إلى تغيير، حيث إن مواجهة الصعوبات والقيام بالمهمات والمسؤوليات، كثيراً ما يكون السبيل الوحيد لتنمية الشخصية وبلورة الإمكانيات والقدرات، وفتح مجالات جديدة للعطاء والنفع العام. تصور معي ماذا كان يحدث لو أن رجلاً مثل أبي بكر أو عمر - رضي الله عنهما - رفض إمرة المؤمنين، ولو أن رجلاً مثل خالد بن الوليد رفض قيادة جيوش المسلمين، ولو أن رجلاً مثل الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة اشتغل بالزراعة، ولم يدخل المجال العلمي...؟؟ إن المتوقع آنذاك أن يكون كل واحد من هؤلاء العظماء في وضعية أقل أهمية وأقل ملاءمة للعطاء الكبير الذي قدموه. إن التاريخ يُصنع من وراء التصدي للمهمات الجليلة، ومن وراء التغييرات الكبيرة التي نُدخلها على حياتنا الشخصية من أجل الاضطلاع بالأعمال العظيمة.
 لا ريب أن البعد عن تحمٌّل المسؤوليات والإعراض عما يسبب الصعوبات، يجلب لنا الكثير من الراحة والهدوء، ويجعلنا أقل احتياجاً لاستنفار الإمكانات وتحرير الطاقات، كما أنه لا يتطلب منا كثيراً من التعديل في برامجنا الخاصة.. لكن علينا أن نتذكر أن البعد عن مركز النشاط الحضاري والرضا بالعيش الهادئ الهانئ، كثيراً ما يتسبب في الضمور والترهل، وفقدان البيئة التي تمكِّن الإنسان من النمو والعطاء، وعلينا ألا ننسى أيضاً أن تواري الصالحين والأكفاء عن محاور الحركة في الحياة، يتيح للآخرين التقدم إليها وملء الفراغ الذي تركه الأخيار بالأمور السيئة والضارة. 
6. تعليق الفشل على الغير لو سألنا الناس الذين لم يحققوا إنجازات جيدة عن الأسباب التي حالت دون ذلك، لوجدنا أن السواد الأعظم منهم يُحيل ذلك إلى عوامل وأسباب خارجية لا يستطيع الإنسان السيطرة عليها، وتلك الأسباب قد تكون مادية أو اجتماعية أو أسرية... وقليلون جداً أولئك الذين يقولون: إنهم لم يحققوا تقدماً أو تفوقاً على أقرانهم بسبب عدم امتلاكهم الاهتمام أو التنظيم الذاتي أو العادات الجيدة أو الآفاق الرحبة... وهذا يعود على ما يبدو إلى أن إدراك العوامل الحسية أسهل من إدراك العوامل المعنوية، ثم إن لدينا ميلاً غريزياً إلى جعل أسباب قصورنا أو إخفاقنا تتعلق بالآخرين، أو بأشياء خارجة عن سيطرتنا أو مسؤوليتنا، وهذه الفكرة تحتاج إلى تعديل، فنحن مع أننا لا نتجاهل تأثير العوامل البيئية والظرفية إلا أنا نعتقد أن المشكلة الأساسية تكمُن في عقولنا ونفوسنا وسلوكاتنا، وحين يحدث تحسن جيد على هذه الأصعدة، فإن تأثير العوامل الخارجية يتضاءل، بل إن الظروف المعاكسة تتحول من معوقات للتقدم إلى محفزات ومحرضات عليه، وكثيرون أولئك الذين صنعت منهم الأوضاع الصعبة رجالاً عصاميين من الطراز الرفيع.
 7. الوقوع في أسر الماضي نحن على نحو ما جزء من الماضي، وكثير مما نحمله من أفكار ومشاعر وعادات موروثة من أزمنة الطفولة والمراهقة والشباب، ونحن نتمسك بذلك الموروث لأننا نرى فيه استمرارية وجودنا ورسوخ ذواتنا، وهذا يجعلنا نعتقد أن الماضي بكل أحداثه ومؤثراته ومعطياته هو الذي يصوغ سلوكنا في الحاضر، وربما في المستقبل، والحقيقة أن معظم الناس يخضعون لتأثير أحداث الماضي وما أبقته في النفوس من مشاعر وصور وانطباعات، وربما تعاملوا معها على أنها نوع من الخبرة العزيزة التي يجب الاستفادة منها والسير على هديها.
 ويمكن القول: إنه كلما امتدت المساحات التي أفلتت من قبضة الوعي، فصار التعامل معها عن طريق (اللاشعور)، وجدنا أنفسنا في أَسر المشاعر والأفكار القديمة، المشكلة تتمثل في أن تلك المشاعر والانطباعات كثيراً ما تكون غير صحيحة، أو غير ناضجة، أو تكون قد تكونت في ظروف مغايرة كثيراً لما نحن فيه اليوم، وتؤدي الأمثال والمقولات الشعبية المأثورة عن السابقين دوراً سيئاً في هذا المقام لأن كثيراً منها كان عبارة عن إطلاقات بَدَهية لا تستند إلى خبرة عريقة، ولم تتعرض لأي دراسة أو تمحيص جيد. إن انطباعي عن زيد من الناس بأنه مهمل أو حقود أو كذاب أو سريع الغضب، قد يكون تولد من موقف واحد معه أو نتيجة إخبار بعض الناس لي، ويكون ذلك الموقف استثنائياً، لا يمثل وضعيته العامة، أو يكون الذي أخبرني غير صادق أو غير دقيق فيما يقول، وقد يكون الرجل أقلع عما كان عليه، وحسن حاله، وحينئذ فإن انطباعاتي وأحاسيسي عنه قد تكون متخلفة وظالمة! بعض الأفكار الموروثة نشأ بسبب وجود الأمية، أو بسبب أسلوب متصلب في التربية، أو بسبب عرف اجتماعي غير صحيح.. وعلى سبيل المثال فإن قول العامة: "أكبر منك بشهر أعرف منك بدهر" نشأ نتيجة انتشار الأمية، حيث يكون لكبر السن أثر كبير في حصيلة الإنسان العلمية، أما اليوم فإن العلم الغزير ليس مرتبطاً بالأعمار على نحو مطرد... إلخ. 
نحن في حاجة ماسة إلى غربلة ما ورثناه من مفاهيم ومقولات ومشاعر وانطباعات عن طريق النقد الدقيق والتأمل العميق والتحاكم إلى الخبرات الجديدة، وأعتقد أننا إذا فعلنا ذلك فإننا سنكتشف زيف الكثير من ذلك، كما أننا سنكتشف أن خضوعنا له قد غمرنا بالكثير من الأوهام! إن جوهر التقدم العقلي يرتكز إلى حدٍّ, بعيد على مدى قدرتنا على امتحان الأفكار والمفاهيم والمشاعر الموروثة، والتأكد من الوضعية المناسبة لها في منظوماتنا الثقافية والقيمية الجديدة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

يوم الفصل ، تؤدى الحقوق إلى أهلها

ان يوم الفصل ميقاتهم اجمعين تلاوة خاشعه بصوت الشيخ ادريس ابكر ...
وهل تظن أن القاتل ، أو الظالم ، أو الغادر ، أو آكل حقوق الناس ، يفلت بفعلته هناك في الآخرة ، وإن أفلت هنا في الدنيا ، ومتع قليلا ، وعمر قصيرا ؟ 
يقتص يوم القيامة للشاة الجلحاء - أي التي لا قرن لها - من الشاة القرناء - أي التي لها قرن - مع أنهما غير مكلفتين في الدنيا ، فما بالك بمقاطع الحقوق بين المكلفين من البشر ؟
 وهل تظن أن القاتل ، أو الظالم ، أو الغادر ، أو آكل حقوق الناس ، يفلت بفعلته هناك في الآخرة ، وإن أفلت هنا في الدنيا ، ومتع قليلا ، وعمر قصيرا ؟ كلا والله ! بل في يوم الدين ، يوم الفصل ، تؤدى الحقوق إلى أهلها ، ويفصل بين الخلق في الخصومات ، وتظهر الحقائق على رؤوس الأشهاد ، وتجزى كل نفس بما كسبت ، فلا أحد يظلم ، ولا حق يضيع ، ولا ضعيف يجار عليه ، ولا جبار يجد وليا أو نصيرا ، ولات حين مناص ، والملك يومئذ لله الواحد القهار ، يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون . قال تعالى ( { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم « «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء، من الشاة القرناء» »

من أي الفضل تريد أن تنهل أكثر؟

فضل الذكر | Gheir
هل جربت ذلك الشعور يوما وأنت محتار بين أي ذكر تقول؟ وأي فضل ترجو؟ أم لم تستشعر بعد لذة الذكر وحلاوته؟

ماذا كنت تفعل لو كانت أمامك مائدة عامرة بما لذ وطاب، عليها كل ماتحب وتتمنى، فتحتار أتأكل من ذلك الصنف أم ذاك، ولكن هذا طعمه طيب، وهذا وهذه وتلك وذاك.
 هل جربت ذلك الشعور يوما وأنت محتار بين أي ذكر تقول؟ وأي فضل ترجو؟ أم لم تستشعر بعد لذة الذكر وحلاوته؟ هل أثقلت كاهلك الذنوب وضاق صدرك بالهموم؟ هل تريد المال؟ أم تأخر الولد؟ إذا فهيا أسرع لماذا لا تُقبل على مائدة الاستغفار ؟ 
هيا لماذا لا تبدأ؟ يقول الله تعالى: :{ {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } } [النساء: ١١٠] . ويقول الله تعالى في سورة نوح: { {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ( 12)} }. 
ويقول الله تعالى: { {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} }[هود : ٤]
 ويُروى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب"
ألا يهفو قلبك إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وتريد أن تبلغه السلام فيرده عليك؟ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «لا تجعلوا بيوتَكُم قبورًا، ولا تجعلوا قَبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتَكُم تبلغُني حَيثُ كنتُمْ» رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع. 
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: « «ما مِن أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ علَيهِ السَّلامَ» » رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع. 
وتتذكر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: «أولى النَّاس بي يوم القيامة أكثرُهم عليَّ صلاةً» رواه الترمذيُّ وحسَّنه الألباني. 
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ : مَا شِئْتَ . قَالَ قُلْتُ الرُبُعَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قُلْتُ النِّصْفَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» ". رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترغيب. 
هل تعلم ذلك الفضل العظيم ثم لا تسرع وتبادر للصلاة عليه، وما إن تبدأ وتتذوق حلاوته، إذا بك تتذكر التسبيح وقوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [ الصافات: ١٤٤]، فتقرر أن تجعل لك رصيدا من التسبيح ينفعك وقت البلاء. 
 أو يضيق صدرك وتشعر بالحزن فتتذكر قول الله تعالى في سورة الحجر: { {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)} }، فتنتقل للتسبيح طمعا في انشراح الصدر. ثم يأتي مشهد الميزان أمام العين فترتجف الأوصال ولكن تتذكر أن لديك فرصة لتملأ الميزان فيطرب الفؤاد ويسعد، وتضيف على التسبيح الحمد، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : «الطُّهُورُ شطرُ الإيمانِ . 
والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ . وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ ( أو تملأُ ) ما بين السماواتِ والأرضِ ......» رواه مسلم. 
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. 
وتتخيل الجنة وما أدراك ما الجنة، طيبة التُّربة، عَذْبة الماء جاهزة للغرس وما بقي إلا ان تغرس فيها غرسك، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ألا أدلُّك على غراسٍ هو خير من هذا؟ تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ يُغرَس لك بكل كلمة منها شجرةً في الجنة» (صححه الألباني في صحيح الترغيب). 
فلماذا لا تغرس الملايين من الأشجار في الجنة. وتظن أنك بذلك بلغت أعظم المُنى، ثم تعرف أن سيد الأنبياء رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد علمنا صيغة للحمد والتسبيح لمضاعفة الأجور، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : «ألا أدُلُّك على ما هو أكثرُ من ذكرِك اللهَ الليلَ مع النهارِ ؟ تقولُ : الحمدُ لله عددَ ما خلق ، الحمدُ لله مِلْءَ ما خلق ، الحمدُ لله عددَ ما في السمواتِ وما في الأرضِ ، الحمدُ للهِ عددَ ما أحصى كتابُه ، والحمدُ لله على ما أحصى كتابُه ، والحمدُ لله عدَدَ كلِّ شيءٍ ، والحمدُ لله مِلْءُ كلِّ شيءٍ ، وتسبِّحُ اللهَ مثلهنَّ . تَعَلْمهنَّ وعَلِّمْهنَّ عقِبَك مِن بعدِك» صححه الألباني في صحيح الجامع. وهكذا تظل في حيرة من أمرك من أي الفضل تريد أن تنهل أكثر ، ومن أي الذكر تروي ظمأك، ومن أي مائدة تريد أن تأكل، ومن أي النسيم تريد أن تنعش قلبك، فكل ذكر له طعمه ومذاقه الخاص وثوابه العظيم، دون جهد أو تعب ولا يحتاج إلى وقت أو نصب. ويظل قلبك يطير بجناحيه بين هذا الذكر وذاك لا يستقر، يريد أن يتنعم، يرشف من هذا الذكر رشفة، ثم يقطف من ذلك قطفة. فلا تحرموا أنفسكم من مائدة الذكر، واحصلوا بكل يسر على كل ما يشغل الفكر.