السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2021-06-26

أنا حرة

  


أنت لست سلعة تباع وتشترى أنت غالية عند خالقك كلمة نسمعها من بعض الفتيات عندما تقول لها لماذا لا ترتدين الحجاب  ؟ فمنهم من يقول هذه حرية شخصية ليس لك شأن بها أو تنهال عليك بسيل من المبررات لعدم ارتداء الحجاب فتجدها تقول ألم تر حال المحجبات ظاهرهن شىء وباطنهن شىء والمهم القلب أنا قلبى نظيف ...!  أختى الحبيبة أنت لن تحاسبى عن أفعال غيرك  هى تسىء هى تحسن.... كلٌ يحاسب فرادى وهذا ليس كلامى إنما كلام ربك إذ يقول :"  {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} " [سورة فاطر]   .... ألم ترتضى الإسلام ديناً منذ البداية لماذا تصلين وتصومين ولا تقبلين فكرة الحجاب ؟! قال تعالى :"  {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } " [ البقرة]  ثم إن الآيات لم تقل الذين آمنوا فقط إنما قالت آمنوا وعملوا الصالحات   ....فأين العمل الذى يدل على إيمانك القلبى؟      

 وإذا كان القلب نظيفاً حقاً فلابد للجوارح أن تمتثل لطاعة الله  ....ما أثر الطاعة عليك ؟ أو تراها تقول لما أكبر وأتزوج  وهل تضمنين عمرك ؟وهل سينتظر ملك الموت حتى تتحجبى ؟ ماذا ستقولين له ؟قال تعالى :{حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون 99 - 100]

والزواج رزق ورزق الله  لا يأتى بمعصية الله وأى شاب هذا الذى يريد أن يتزوج من فتاة غير محجبة ؟! ويضعه شرط القبول للفتاة .....هذا  غير أمين عليك يريد أن يتباهى بك بين الناس وهل ترتضين مثل هذا زوجاً ؟أنت تستحقين رجلا وليس ديوثاً .

 أو تجدها تقول إنه مجرد غطاء للرأس ما قيمته ؟... إنه أمر من خالقك هو أعلم بما ينفعك وما يضرك هل رأيت إذا أحببت شخصا هل تشكين فى كلامه؟ أم إنك تسلمين بكل ما يقوله ؟

  فمابالك بخالقكك وهو أقرب لك من نفسك التى بين جنبيك ويعلم مكنونات النفس البشرية وأهواءها وأنت تعلمين فى داخل نفسك أن المرأة تحب الزينة وأن تسمع لكلمات الإعجاب وأنها بشعرها أجمل بكثير وأكثر فتنة من كونها  بحجاب إنها طبيعة المرأة لكن لابد لتشريع يحافظ عليك فالحجاب  حفظ لك من الفتن وستر عن أنظار من فى قلبه مرض  أختى  ...أريدك أن    تعرفى قيمة الحجاب فترتديه حباً فى تنفيذ أمر مولاك وليس مجرد فرض عليك ولا  يغرنك  جمالك  فقد يأتى  مرضًا أو هرمًا يفنى معه  الجمال ويصبح ذكريات وحسرات فى الآخرة ولا يغرنك دعاوى تحرير المرأة التى تملأ وسائل الإعلام والأفلام والمسلسلات  تحريرها من ماذا ؟من الحجاب من عفتها وطهارتها لتصبح سلعة رخيصة يتمتع بها كل ناظر يخفون وراء هذه الدعوات نواياهم الخبيثة فى تعريتها من الأخلاق وإنى أعلم أنك لن ترضى لنفسك أن تكونى سلعة رخيصة  وإنها لدعاوى الشيطان كما بينت الآيات : {يا بَني آدَمَ لايَفْتِنَنّكُمُ الشّيْطانُ كمَا أخُرَجَ أبَوَيْكُمْ مِنَ الجَنّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما}  [الأعراف] ولتعلمى أن الإنسان كلما تقدم  فى المعرفة بالأشياء والعلم  ستر نفسه  فالستر دليل تقدم وليس رجعية وتخلف  ومن تستحى من الحجاب وتظن أنه رجعية فلما لا تستحى من نظرات من لا يحل لها  حين ينظر إلى جسدها  وهى  غير محجبة ؟... ويا من تدعين  الحرية إن الله  فرض الحجاب ليفرق بين الإماء والحرائر فالحرة تأبى أن يرى منها رجل ما لا يحل له أما الأمة فهى لصاحبها يفعل بها مايشاء فما أجمل أن نكون إماء لله فقط عندها نتحرر من قيود الهوى والإفتتان بالموضة التى تجعلك أسيرة لها إن الله عزوجل عندما أمرك بالحجاب ليس ليكبتك كما تظن بعض الفتيات  ولكن ليجعل من يتعامل معك يتعامل مع عقلك وليس مفاتن جسدك يعاملك كإنسانة وليس كأنثى أنت لست سلعة تباع وتشترى أنت غالية عند خالقك   ولتعلمى أن الغرب فى داخله يحسد المرأة المسلمة على حشمتها وحجابها الساتر فكم عانت فتيات ونساء الغرب من أثر العرى فى حياتهم فهن لا يأمون على أنفسهم السير فى الشارع ولا الذهاب إلى أعمالهم أريدك  أن تقفى مع نفسك وقفة حقيقية قبل أن تقفى بين يدى الله يوم القيامة لماذا لا ترتدين  الحجاب ألست مسلمة مستسلمة لأمر الله أم أنه إسلام باللسان فقط ستجدين الأمر فى النهاية ليس إلا اتباع هوى أنت هواك مع عدم لبس الحجاب لتفقى هذه الوقفة الصادقة وتثقى فى أوامر المولى عزوجل وإننا أمة الإسلام لا نقتدى بمغنية ولا ممثل إنما نقتدى بزوجات النبى صلى الله عليه وسلم فالحجاب لم ينزل فقط لهن دون باقى النساء  كما بينت الآيات قال تعالى :" { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}   [59 الأحزاب]   إنه نزل لنساء المسلمين والمؤمنات ألا تحبين أن تدخلى تحت قوله {قل للمؤمنات} .   

أرجو أن تراجعى نفسك ماذا ستقولين لربك يوم القيامة يا صاحبة القلب الطاهر أثق أن عقلك لن يذهب بك بعيدا وستعودين إلى حجابك الذى يُرضى الله عزوجل .  



فضل اعتزال الفتن


 فضل اعتزال الفتن  

من لطف الله تعالى ورحمته بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه رفع العذاب العام عنها فلا تهلك به، وحفظها من ضعفٍ يُطبق عليها حتى يَطمع عدوٌ في فنائها وإبادة أفرادها، ولكنه سبحانه قدَّر عليها اختلاف أفرادها اختلافا يصل إلى القتال فيما بينهم من لطف الله تعالى ورحمته بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه رفع العذاب العام عنها فلا تهلك به، وحفظها من ضعفٍ يُطبق عليها حتى يَطمع عدوٌ في فنائها وإبادة أفرادها، ولكنه سبحانه قدَّر عليها اختلاف أفرادها اختلافا يصل إلى القتال فيما بينهم، وهذا أيسر وأهون من العذاب العام، والإبادة التامة؛ كما روى جَابِرٌ رضي الله عنهما قال: لَمَّا نَزَلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم {قُلْ هو الْقَادِرُ على أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا من فَوْقِكُمْ} قال: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» {أو من تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، فلما نَزَلَتْ: {أو يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: «هَاتَانِ أَهْوَنُ أو أَيْسَرُ» (رواه البخاري).

 وإنما رُفع العذاب العام عن الأمة، ومَنَع الله تعالى إبادتها على أيدي من سواها ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستجاب الله تعالى دعاءه في هذين الأمرين العظيمين، ولم يجبه في تسليط بعضها على بعض لحكمة يريدها؛ كما جاء في حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.... وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا من سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قال يا محمد إني إذا قَضَيْتُ قَضَاءً فإنه لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا من سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عليهم من بِأَقْطَارِهَا حتى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا»  (رواه مسلم). وقد دلت الآثار على أن القتل إذا وقع في هذه الأمة فإنه لا يُرفع عنها إلى آخر الزمان؛ كما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وُضِعَ السَّيْفُ في أُمَّتِي لم يُرْفَعْ عنها إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وكان عبد الله بن سلام رضي الله عنه من علماء أهل الكتاب ثم كان من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وكان يقول لما أحاط القتلة بدار عثمان رضي الله عنه: ((لا تسلوا سيوفكم فلئن سللتموها لا تُغمدُ إلى يوم القيامة)). 

وقد وقع السيف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلم يُرفع إلى يومنا هذا، ولن يرفع إلى آخر الزمان. ولما كان قضاء الله تعالى في هذه الأمة أن السيف إذا سُلَّ فيها لا يُغمد، وأن الفتن إذا اشتعلت لا تُطفأ، وسَيُسلط أفراد الأمة بعضهم على بعض، ويكون بأسهم بينهم شديدا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم من شفقته على أمته، ونصحه لها قد بيَّن لنا المخرج من هذه الفتن، ودلَّنا على السبيل الأمثل في التعامل معها؛ وذلك باجتنابها، واعتزال أهلها، وكَفِّ اليد واللسان عن العمل فيها، وجاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ من الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فيها خَيْرٌ من الْمَاشِي وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ من السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» (رواه الشيخان). 

واعتزال الفتنة، والهرب من أهلها أصل عظيم من أصول هذا الدين؛ لمصلحة العبد وصيانة دينه، وسلامة يده ولسانه من دماء المسلمين وأعراضهم، ولمصلحة الأمة بإخماد الفتنة، وتقليل الخسائر فيها؛ كما في حديث كُرْزِ بن عَلْقَمَةَ الخزاعي رضي الله عنه قال: ((قال رَجُلٌ: يا رَسُولَ الله، هل لِلإِسْلاَمِ من مُنْتَهَى؟ قال: نعم، أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ الله بِهِمْ خَيْراً أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الإِسْلاَمَ، قال: ثُمَّ مَهْ؟ قال: ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ، قال: كَلاَّ والله إن شَاءَ الله، قال: بَلَى والذي نفسي بيده، ثُمَّ تَعُودُونَ فيها أَسَاوِدَ صُبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)) رواه أحمد. وصححه ابن حبان وزاد في روايته: ((فخير الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب يتقي الله ويذر الناس من شره)). 

وأعظم الفتن فتنة الدجال، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ منه فان الرَّجُلَ يَأْتِيهِ وَهْوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَلاَ يزل بِهِ لِمَا معه مِنَ الشُّبَهِ حتى يَتَّبِعَهُ» (رواه أحمد). 

وهذا يدل على أن الفرار من الفتنة واعتزال أهلها من أصول هذا الدين العظيم. وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالبادية هربا من الفتنة مع ما في البادية من الجفاء، وتعطيل الدعوة والحسبة، والتخلف عن الجمع والجماعات، ولكن ذلك أهون من الانغماس في الفتنة؛ كما في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ من الْفِتَنِ» رواه البخاري وبوب عليه فقال رحمه الله تعالى: ((باب من الدين الفرار من الفتن)). بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ينجو من الفتنة إلا مرابط في الثغور، أو معتزلٌ في البادية؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أظلتكم فتنٌ كقطع الليل المظلم أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رَسْلِ غنمه أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه هذا» (رواه الحاكم وصححه).

 وقد لا يكون للعبد حال الفتنة غنم ولا إبل يفرَّ بها من الفتنة إلى البادية فأوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يلزم بيته، ويتخلص من سلاحه؛ لئلا يضطر إلى استخدامه ضد مسلم فيقتله فيبوء بإثمه؛ كما جاء في حديث أبي مُوسَى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال في الْفِتْنَةِ: «كَسِّرُوا فيها قَسِيَّكُمْ وَقَطِّعُوا فيها أَوْتَارَكُمْ وَالْزَمُوا فيها أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ وَكُونُوا كَابْنِ آدَمَ» رواه الترمذي وقال: حسن غريب صحيح. وفي رواية لأبي داود: قالوا: فما تَأْمُرُنَا؟ قال: «كُونُوا أَحْلاَسَ بُيُوتِكُمْ». وروى مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ رضي الله عنه فقال: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفُرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ فإذا كان كَذَلِكَ فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُدًا فَاضْرِبْهُ حتى يَنْقَطِعَ ثُمَّ اجْلِسْ في بَيْتِكَ حتى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أو مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ» (رواه ابن ماجه).

 وقد يُكْرَه المسلم على الخروج من منزله ليحضر الصف في قتال الفتنة، فإن خرج وقف في الصف، وكفَّ يده عن القتال؛ كما في حديث أَبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، ألا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ من الْمَاشِي فيها وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ من السَّاعِي إِلَيْهَا، ألا فإذا نَزَلَتْ أو وَقَعَتْ فَمَنْ كان له إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كانت له غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كانت له أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ»، قال: فقال رَجُلٌ: يا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ من لم يَكُنْ له إِبِلٌ ولا غَنَمٌ ولا أَرْضٌ، قال: «يَعْمِدُ إلى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ على حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إن اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللهم هل بَلَّغْتُ، اللهم هل بَلَّغْتُ، اللهم هل بَلَّغْتُ»، قال: فقال رَجُلٌ: يا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إن أُكْرِهْتُ حتى يُنْطَلَقَ بِي إلى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أو إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أو يجئ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي قال: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ من أَصْحَابِ النَّارِ» (رواه مسلم). 

وهذا الحديث يدل على الكف عن القتال في الفتنة ولو أُكره عليه، فإن دخل عليه مسلم في بيته يريد مقاتلته فالأفضل أن يكف يده عن مقاتلته ولو أدى ذلك إلى قتله؛ فقتله خير له من الولوج في الفتنة والتلطخ بدم مسلم، كما جاء في حديث سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إن دخل عَلَيَّ بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُنْ كَابْنَيْ آدَمَ» (رواه أبو داود).

 وفي حديث أبي ذَرٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في قتال الفتنة: «اقْعُدْ في بَيْتِكَ وأغلق عَلَيْكَ بَابَكَ، قال: فإنْ لم أُتْرَكْ؟ قال: فَائْتِ من أنت منهم فَكُنْ فِيهِمْ، قال: فَآخُذُ سلاحي؟ قال: إِذن تُشَارِكَهُمْ فِيمَا هُمْ فيه وَلَكِنْ إنْ خَشِيتَ أن يَرُوعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فألق طَرَفَ رِدَائِكَ على وَجْهِكَ حتى يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وإثمك»  (رواه أحمد). 

نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه، وأن يعافينا من التلبس بالفتن، وأن يرزقنا اتباع الحق {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} [آل عمران: 8] كما نسأله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجمع القلوب على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه سميع مجيب.

 أيها المسلمون: قد يظن بعض الناس أن هذه الأحاديث التي تنهى عن الدخول في الفتنة، وتأمر باعتزالها وأهلها تُكَرِّس الجبن والخور، وتُعين الظالم على ظلمه، وتُكرس الاستبداد السياسي، وهو ما يُتَهَم به الإسلام بألسن خصومه وأعدائه وأقلامهم. وقد يظنون أن أحاديث العزلة في الفتنة، والتخلص من السلاح، والبعد عن كلا الطائفتين، ولزوم الدار، وإغلاق الباب تتعارض مع أحاديث الدفاع عن النفس. 

وهذا ظن خاطئ، وفهم ناقص؛ ذلك أن قتال الفتنة ليس فيه خاسر ورابح، ولا منتصر ومهزوم، بل القاتل والمقتول فيه خاسران مهزومان، ولا رابح إلا من اعتزل الفريقين، وكف عن قتال المسلمين. وهذا من حكمة الشارع الحكيم؛ فإن الاستسلام في قتال الفتنة سببٌ لحقن الدماء المعصومة وتقليلها، وبه تخمد الفتنة، وتُخْرَسُ ألسن من يشعلونها وينفخون فيها، بخلاف الإصرار على القتال فإنه يزيد الفتنة اشتعالا وانتشارا، وبه يكثر القتلى، وتستنزف الدماء؛ فكان المعتزل والمستسلم فيها خيرا من المقاتل؛ فإنه ضحى بدمه لحقن دماء إخوانه، وقدَّم نفسه فداء لأمته، وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: «ابْنِي هذا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بين فِئَتَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ»  (رواه البخاري). فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ وضع الحسن رضي الله عنه السلاح، وترك القتال، وبايع معاوية رضي الله عنه؛ فاجتمعت الأمة بعد الافتراق، وحُقنت الدماء، وسُمي ذلك العام (عام الجماعة) وكان كف الحسن رضي الله عنه عن القتال خيرا له ولجميع المسلمين. ولقد كان العرب في جاهليتهم يفخرون بوضع السلاح عن قتال الإخوان، ويحضون على الصلح بين القبائل، ويمتدحون من بذل ماله أو دمه في سبيل إغماد السيوف، وحقن الدماء، واجتماع القلوب. ولما وقعت حرب البسوس بين بني وائل بكرٍ وتغلب، أرسل الحارثُ بنُ عُبَاد ابنَه بُجَيرا ليُقتل بدم كليب لتُحقن بدمه دماء القبيلتين فقتله أبو ليلى المهلهل، وسمع أبوه بمقتله وظن أنه قد قتله بأخيه كليب ليصلح بين الحيين فقال: ((نعم القتيلُ قتيلٌ أصلح بين ابني وائل)). وجمهور الصحابة رضي الله عنهم اجتنبوا الفتن، وهم الذين رووا أحاديثها، وأحاديث اعتزالها وفقهوها؛ فعصمهم الله تعالى بعلمهم بها وتطبيقهم لها من الوقوع فيها. قال التابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: ((هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما خَفَّ فيها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين)). 

وقال الشَّعْبِيُّ رحمه الله تعالى: ((لم يَشْهَدْ الْجَمَلَ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم من الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ إَلاَ عَلِيٌّ وَعَمَّارٌ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَإِنْ جاؤوا بِخَامِسٍ فَأَنَا كَذَّابٌ)). وكان ابن عمر رضي الله عنهما ممن اعتزل الفتن، وكان يصلي مع ابن الزبير رضي الله عنهما في الحرم، فإذا فاتته الصلاة مع ابن الزبير فسمع مؤذن الحجاج صلى مع الحجاج فقيل له: ((أتصلي مع ابن الزبير ومع الحجاج؟ فقال: إذا دعونا إلى الله عز وجل أجبنا، وإذا دعونا إلى الشيطان تركناهم)). 

والذين شاركوا فيها من الصحابة رضي الله عنهم كانوا سراة الناس، وقادة الأمة في وقتهم، فاضطروا إلى ذلك اضطرارا؛ ابتلاء من الله تعالى وامتحانا، واجتهادا منهم رضي الله تعالى عنهم في إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ومن عافاهم الله تعالى من الابتلاء بقيادة الأمة اعتزلوا فسلموا، وهذا من فقههم وورعهم رضي الله عنهم، فمن ابتغى السلامة سلك مسلكهم، واقتفى أثرهم، وجانب الفتن ومظانها، واعتزل أهلها، فسلم له دينه كما سلمت له دنياه {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].



العنف الأسري


العنف الأسري 

 يقول الغزالي رحمه الله في بيان علاج أخطاء الأطفال: "ينبغي أن يتغافل عنه".، نعم، لا تُظهر نفسك قد علمت بكل شيء، ليس الغبي بسيِّدٍ في قومه، لكن سيِّد قومه المتغابي!
روى البخاري ومسلم رحمهما الله أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه يقبِّل الحسنَ بن علي؛ فقال الأقرع: أتقبِّلون صبيانكم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»؛ فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد، ما قبلتُ واحدًا منهم قط! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لا يَرحم لا يُرحم». هذه الرحمة النبوية من الله، وهذا الهدي المعصوم في معاملتهم افتقدته بعض الأسر في حمئة ضغوط الحياة وتزايد أعباء المعيشة أضف إلى هذا قلة العلم وضعف الروابط الأسرية - لتجد أن العنف في التربية بات ظاهرة تهدد استقرار المجتمع وترابط الأسر. 

وقد قلنا إن ما نهمله ونغفل عن أهميته من إسناد أمر التربية إلى الخدم في البيوت، دون الالتفات إلى المرحلة العمرية الزمنية بالغة الخطورة والأهمية، باعتبار أن الأطفال في تلك المرحلة لا يحتاجون غير اللباس والغذاء - إن ذلك أكبر الأخطاء في التربية، وإن لها أثر يظهر في مخرجات السلوك بسبب مدخلات التعامل من قبل الخدم أو من قبل بعض الأولياء الذين لا يلتفون لهذه المرحلة العمرية الخطيرة. أحبتي في الله: إذا أضيف إلى هذا: ظاهرة العنف والقسوة والشدة في معاملة الأطفال، وعدم رحمتهم، وعدم الرفق واللطف واللين في معاملتهم - إن ذلك يفضي إلى ظواهر غريبة عجيبة؛ بل ربما أصبحت كلاًّ وعبءً وخطر عظيما على المجتمع يهدد أمنه وأمن الأسرة قبل ذلك بسبب العنف في تربية الأطفال، بسبب العنف في تربية الأبناء، بسبب القسوة في معاملة الأولاد والبنات - هرب أطفال من البيوت، وهربت مراهقات من المنازل.

 بسبب العنف انتحرت فتاة في الرابعة عشر من عمرها؛ بل بسبب العنف الزوجي أيضًا انتحرت امرأة بسبب سوء معاملة زوجها لها. بسبب العنف هرب بعض المراهقين من البنات والأولاد إلى الشوارع، لم يجدوا محضنًا سوى صدور الذئاب والسباع الجائعة والعَطْشَى إلى دم العفَّة والشَّرف. 

أشارت دراسة حديثة إلى تزايد عدد حالات العنف المبلَّغ عنها في مدينة الرياض فقط، لتصل إلى أحد عشرة حالة في الشهر الواحد، وتضيف الدراسة: أن هذا العدد يرتفع ويزيد مع بداية العطلة الصيفية. استعمال العنف في التربية والخشونة في التقويم من الأمور الخطرة التي يجب أن يرتفع مستوى الوعي في التعامل مع هذه الظاهرة، والحذر من الوقوع فيها، أو الوقوع في سيئات مخرجاتها؛ بل الواجب أن يلتفت كلٌ إلى أسلوب معاملته في بيته لزوجه وأطفاله، وولده وأولاده وبناته؛ ليعلم كيف يأسرهم بحبه لا بصوته وبغبضه، ليعلم كيف يحضنهم بقلبه، لا أن يحضنَهم بالعصى والسوط والمعاملة التي أفرزت ألوانًا غريبةً من السلوك والمعاملة. إن ظاهرة العنف من أكثر المظاهر خطرًا على الأسرة والفرد والمجتمع، تؤدي إلى اهتزاز الشخصية، خصوصًا عند الأطفال؛ بل وينشأ عندهم أساليب خطيرة في العلاقات والسلوك، وتبرز في شخصياتهم أمورٌ غريبة، وإن ذلك يحتِّم أو يوجِد - لا محالة - إعادة إنتاج العنف في تصرفات هؤلاء الأطفال. الذين تربوا على العنف إذا كبروا لن يعرفوا غير العنف سبيلاً وطريقًا إلى معاملة الآخرين. مَنْ تربَّى على الاحتقار، مَنْ تربَّى على الإهانة، مَنْ تربَّى على الأساليب البذيئة والألفاظ الحقيرة التي تسدَّد إليه رصاصًا أشدَّ من البندقية إلى قلبه وشخصيته وفكره، سوف يعيد إنتاجها، وسوف يعيد تصديرها إلى مَنْ يعاملهم إذا شبَّ على الضرب وكبر، أو إذا أصبح يومًا من الأيام أبًا أو أمًّا.

 أحبتي في الله: إن هذا يعني أن وقوع هذه الظاهرة ما عاد أمرًا نادرًا ولا سرًّا لا يعلمه أحد؛ بل بات معلومًا مشتهِرًا منتشرًا، ولذا بدأت بعض المؤسسات التي تنادي وتتداعى إلى محاربة هذه الظاهرة الخطيرة؛ حتى لا يقع الأطفال في نشأتهم ضحيةَ العنف، ثم يمارِسون العنف من جديد على مَنْ حولهم في المجتمع. أحبتي في الله: إن كان العنف يطال النساء من الزوجات، ويطال البنات، والأولاد من المراهقين والمراهقات - فإنه يطال الأطفال أيضًا؛ ويعامَلون به في بعض البيوت التي لا تملك درجة عالية من الوعي والفهم الصحيح لأسلوب التعامل مع الأطفال والصغار.

 أحبتي في الله: إن الأطفال الذين يرتكب بعض الكبار معهم معاملةً قاسية، ويوقِعون على أجسادهم ألوانًا من العقاب غريبةً وعجيبةً؛ بل وتُفضي إلى حوادث مؤلمة، دون مراعاة واعتبار لرقَّة الطفولة وبراءتها؛ بل لأسباب تافهة يمكن أن تعالَج بالكلمة والأساليب اليسيرة - البعض يوقِع بدلاً منها ألوانًا عجيبةً من الأذى والعقوبة!. إن ذلك - كما قلت - يُفضي إلى مشكلات يصعب حلَّها إذا كبر مثل هذا الفتى أو مثل هذه الفتاة في مرحلة وفي بيئة لا تعرف معاملة معها إلا القسوة والجفاء في الألفاظ والعبارة. نعم؛ إن من أهم أسباب العنف الأسري تفكُّك الأسرة، واسمعوا إلى هذه الرسالة القصيرة التي تكفي لمعرفة خطر تفكُّك الأسرة على الناشئة بصغارهم: أرسلت فتاةٌ إلى والدها رسالةً تقول فيها: يا أبتِ، لا تلمني حينما طالبت الجهات المختصة بأن تنزع حضانتي منك، لقد فعلتُ ذلك هربًا من بطشك وبطش زوجتك، وكأنك تصبُّ عليَّ جامَّ غضبك وانتقامك عما حدث بينك وبين أمي وأدى إلى انفصالكما! ما ذنبي لأجد نفسي في النهاية، ولأجد مصيري في النهاية - تتلقفني أجهزة الرعاية الاجتماعية؛ لتكون صدرًا أرحم بي من بيتنا الذي تعيش فيه أنت وزوجتك؟!". إذًا التفكك الأسري من أخطر الأمور التي تنعكس سلبًا على سلوك الأبناء والبنات، خاصةً في مرحلة الطفولة، وإن من العقل ورجاحة الحِجى بين الرجل وزوجته: أن إذا كان بينهم خلافٌ - ألا يُظهروا هذا الخلاف أمام الأطفال، وإن دار بين حوار ربما اقتضى إلى رفع الصوت يسيرًا، أو إلى لجاجةً في الجدال بينهما - ألاَّ يكون ذلك أمام الأطفال من الأولاد والبنات؛ بل ليجعلوا ذلك في مكان بعيد عنهم، أو في مختصرٍ لا يسمعه الأطفال ولا يرونه. أما الغضب، أما الحماقة، أما الرُّعونة، أما الجفاء، أما سرعة الغضب التي تبلغ ببعض أصحابها إلى استخدام أساليب غريبة في عقوبة الأطفال جراء ارتكابهم لبعض الأعمال التي ليست بمستغرَبة على سلوك وتصرفات الطفولة. 

كلنا في بيته أطفال، كلنا قد كسر الأطفال زجاجًا في بيته، كلنا قد أفسد الأطفال جهازًا في بيته، كلنا قد كفأ الأطفال آنيةً في بيوتهم، كلنا قد أفسد الأطفال شيئًا من هذه الأمور في بيوتهم! فالعقلاء يعرفون كيف يتصرَّفون، أما الذين امتلأت قلوبهم قسوة، وامتلأت نفوسهم غضبًا وحماقةً؛ فإنهم يوقعون بالأطفال ألوانًا من العقوبات، وكأن الطفل مجرمٌ في محاكمةٍ عسكرية!! اسمعوا إلى هذه القصة المؤلمة: طفلٌ كان يلعب داخل المنزل، فكسر زجاج النافذة، جاء أبوه إلى البيت ورأى الزجاجَ قد انكسر وتهشَّم على السجاد؛ فسأل بغضبٍ، ووجهٍ قد احمرَّ، وعيونًا قد توسَّعت حدقاتها، ورفع صوته، يصرخُ ذات اليمين وذات الشمال: مَنْ كسر النافذة؟ قيل له: فلان؛ فلم يتمالك نفسه أن التفت يبحث عن شيءٍ يريد أن يضرب به هذا الطفل ليؤدِّبه وليزجره؛ يظن أنه سيمنعه في المستقبل عن العَوْد إلى مثل هذا الفعل، فوجد عصا، لم يلتفت إلى ما في رأسها من مسامير قديمة قد عبث بها الصدأ، وتأثَّرت من طول ما فيها من هذه المسامير، فأخذ بهذه العصا ولم يلتفت إلى ما فيها، فأخذ يضرب ولده على يديه التي أمسكت بالكرة، والتي كانت سببًا في كسر زجاج النافذة، وبعد أن أشبع الأب غريزته، وأرضى كبرياءه وغروره، وصبَّ جام غضبه وأفرغ حماقته في سلوك عجيب أمام طفل رقيق العظم واللحم والعَصَب والجسد، أخلد الطفل يُظَنُّ أنه قد انكفَّ وقد ازدجر، وقد وعى خطأ فعله، لكن الطفل أخلد في لحظةٍ، ظنوه نائمًا، وكان في الحقيقة مغمًى عليه!! بعد أن أمضى هذا الطفل ساعات في حالة إغمائه هذه، جاءت الأم لتوقظ ولدها؛ فرأت يديه وقد انقلب لونهما إلى اللون الأخضر، فبادرت تصرخ لأبيه: إن الولد قد تأثَّر من هذا الضرب؛ فنقله أبوه سريعًا إلى المستشفى، وبعد الفحص قرَّر الطبيب أن اليدين قد أصيبتا بالتسمُّم، وتبين أن العصا التي ضُرب بها الطفل قد دخلت أو قد انغرزت هذه المسامير التي في طرفها في عروق هذه الطفل وبين عَصَبه وجسده ولحمه، أدى ذلك إلى تسرُّب الصَّدأ ومادته إلى هذه اليد التي ازرقَّت واخضرَّت من شدة الضرب، وهنا كانت الفاجعة، يوم أن قرَّر الطبيب أن لا بد من قطع يد هذا الطفل؛ حتى لا يسري السمُّ إلى سائر جسده!! فوقف الأب حائرًا، ثم يبكي، ثم يتوسل إلى الطبيب: ابحث. فتِّش. قلِّب. انظر؛ هل تجد وسيلةً غير بتر يده وغير قطعها؟ فقال الطبيب: إن لم نبادر بذلك فربما تُقطع من المِرفق، وإن تساهلنا بذلك فربما تُقطع من الكتف، وربما مات أيضًا!! فلم يجد الأب حيلةً إلا أن يوقِّع على مرسومٍ وعلى قرارٍ أنتجته يده التي حملت العصا ولم تنظر إلى ما فيها، أنتجته حماقته وغضبه، أنتجه نَزَقُه وغياب الرِّفق عن المعاملة في سلوكه وتصرُّفه. 

وقَّع الأب على هذه العملية، ولمَّا أفاق الطفل بعد أن قُطعت يده، أفاق من التخدير، فتح عينيه - فإذ بأبيه قد احمرَّت عينه، ليس غضبًا وإنما بكاءً وألمًا على ما فعله بطفله الصغير، فلمَّا رأى الطفل عينَي والده قد احمرَّتا - لا يدري أنها من البكاء والألم - ظنَّ أنها بقيةٌ باقيةٌ من الغضب، وجرعةٌ ودفعةٌ جديدة، وقسطٌ آخر من العقوبة؛ فرفع الطفل يده وقال: يا أبتِ، والله لا أعود إلى اللعب وكسر الزجاج، ولكن أَعِدْ إليَّ يدي مرةً ثانية!!! يظن الطفل أن أباه بيده القدرة على أن يفصِل اليد أو يردَّها بمجرد الرِّضا أو بمجرد الغضب، وبدأ يُقسم ويتوسَّل ويحلف: يا أبتي، لن أكسر الزجاج مرةً ثانية، فقط أَعِدْ إليَّ يدي، أرجوك يا أبي أَعِدْ إليَّ يدي ولن أقوم بالعبث أو كسر شيءٍ في المنزل!!! لم يتمالك الأب نفسه وهو يسمع هذا التوسُّل من هذا الصغير؛ فخرَّ مغشيًّا عليه. أحبتي في الله: نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب» في رجلٍ جاء يلتمس الوصية والنصيحة؛ بل قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق ما جاء في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزع من شيءٍ إلا شانَه»

الرفق في كل شيء، حتى في معاملة الأطفال والصغار، والزوجات والكبار، وغير ذلك. 

أحبتي في الله: بل إن إهمال الوالدَيْن، بل إن قسوة الوالدَيْن فيما يظنَّانه ضربًا من ضروب الأدب - هو أيضًا من الأسباب التي تفرز نتائج مؤلمة فيما يدَّعيه البعض ويظنه ضربٌ من ضروب التربية وأساليبها. طفلٌ كان يعاني مشكلةً سلوكيَّةً، وهو أنه يتبوَّل في فراشه، وهذه تقع من بعض الأطفال، بعضهم يصل إلى سن الخامسة والسابعة - بل إلى التاسعة من العمر - وهو يتبوَّل في فراشه، فما كان من الوالدَيْن وقد بلغ هذا الطفل خمس سنوات إلا أن بدءا يضربانه ضربًا مبرحًا، يظنان أن ضربه قبل النوم سيجعل أثرًا نفسيًّا عليه يمنعه من التبول في فراشه وفي ملابسه! فماذا كانت النتيجة: ضرباه ضربًا ذات يوم، ظنَّا أنه كعادته أخلد إلى النوم، لكنه أخلد إلى الموت بعد هذا الضرب المبرح!!. أحبتي في الله: العنف والقسوة والشدة التي ليس لها مسوغ ولا مبرر، وبغير طريقة معقولة ومقبولة - تفضي إلى صناعة شخصيات هزيلة ضعيفة، لا تعرف التعامل في محيطها الأسري أو المجتمع، فضلاً عن إذا كبرت وشقَّت طريقها في الحياة. العنف في المعاملة ينتج الانطواء والخجل والخوف من الكبار، وتبلُّد الأحاسيس والمشاعر، وقبول الخنوع والخضوع والدون، والرضى بالذلة والمهانة؛ بل ويفضي إلى الفرار من المنزل، والسلبية، وعدم التفاعل من قبل هؤلاء الأطفال مع محيطهم في طفولتهم؛ بل وإذا كبروا أيضًا، وينتج عدوانية وفوضى وشعورًا دائمًا بالخوف والقلق والضعف والهزيمة، والشعور بالعدوان، ناهيك عن الفشل في الدراسة والتعليم، وعدم الثقة بالنفس، واضطراب الشخصية. 

أما ما يفضي إليه العنف من الوقوع في أَتُّون المخدرات وألوان هذه المسكرات - فحدِّث ولا حرج من كثيرٍ من الناشئة الذين وقعوا ضحية هذه المخدرات، وباتوا أسرى لها بسبب العنف في المعاملة، وعدم الرحمة والرفق واللِّين فيها. أيها المسلمون: ليس من حقِّ الذُّريَّة أن تُعامَل بالعنف والقسوة، والذرية سببٌ لاستمرار عملك الصالح بعد موتك؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتَفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» (رواه الإمام مسلم).

 إن استثمار هذه النعمة لن يكون بالعنف والغِلْظَة، إنما بالعناية الفائقة العالية الحساسية، والوعي في التربية وفي التعليم وفي المعاملة، وفي القدوة الحسنة صلاحٌ بسلوكك، أنت قدوة هذا الولد، أنت سببٌ لصلاح الأبناء من بعدك، صلاح الآباء يدرك الأبناء: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82]. احفظ الله يحفظك في ذريَّتك، في أولادك وفي بناتك. 

أنت قدوةٌ أمام أطفالك، إذا اكتشف أولادك في قدوتهم خزيًا أو فضيحةً في فاحشةٍ أو كبيرةٍ من الكبائر - فإنه يتربَّى - في أقل الأحوال - على ازدواج الشخصية، ووجود شخصيتين في جسدٍ واحد!! إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى هذا الأمر العظيم، وبيَّن أن سلوكنا أمام أبنائنا من أعظم الأمور المؤثِّرة في صلاحهم؛ بل ودعاؤنا لهم أيضًا من أعظم الأسباب. 

وإني لأعجب من آباءٍ وأمهاتٍ طالما يرفعون أصواتهم بالدعاء على أولادهم: اللهم افعل بهم.. اللهم دمِّرهم.. اللهم خذهم.. اللهم افعل بهم! يدعون على أولادهم وقد جهلوا أو نسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعواتٍ مستجاباتٍ لا شك فيهنَّ:. دعوة الوالد لولده» ذكرها منها. إن امرأةً سئلت وقد حفظ أبنائها السبعة كتاب الله كاملاً عن ظهر قلب، قيل لها: كيف حفظ أولادك القرآن؟ قالت: والله ما ناديته إلا قلتُ: تعالى جعلك الله من الحافظين، قم جعلك الله من الحافظين، كُلْ جعلك الله من الحافظين، اذهب جعلك الله من الحافظين، لا تفعلْ جعلك الله من الحافظين.. فما أمرت أو زجرت، أو نهت أو أطعمت أو أيقظت، أو أرسلت أحد أولادها إلا واتبعت أمرها أيًّا كان نوعه بدعوة: جعلك الله من الحافظين لكتابه! فماذا كانت النتيجة؟ الدعوات سهامٌ، تكررت سهام هذه المرأة فأصابت في أوقات متفاوتة، فأصبح أبناؤها ممَّن حفظوا كتاب الله - عزَّ وجلَّ - عن ظهر قلب كاملاً، حفظًا تامًّا. هذه نعمةٌ عظيمةٌ، لنعلم أثر وبركة الدعاء، بركة دعاء الوالدين لأبنائهم، وخطر دعاء الوالدين على أبنائهم.

 أحبتي في الله: إن التربية بالحب والرحمة لَمِن أعظم الأساليب التي تجعل الطفل - وإن أظهر شيئًا من العناد - إلا أنه يجعل الرضا من هذا الذي يحبه أمرًا لا يطيق فراقه أو زواله أو تغيُّره، وبسبب ذلك سينصاع وينقاد ويتأثر ويستجيب بالأوامر والنواهي، ولو بعد بُرهة من الزمن يسيرة. كان صلى الله عليه وسلم يخطب ذات يومٍ؛ فجاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران؛ فنزل صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه ثم قال: ((صدق الله ورسوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}  [التغابن: 15]! «نظرتُ إلى هذين الصبيَّيْن يمشيان فيعثران؛ فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما»!! ثم أكمل خطبته - صلى الله عليه وسلم. ما ظنُّكم يا أخواني لو أن خطيبًا على المنبر أثناء خطبته دخل ولده الصغير، وأخذ يتعثَّر بين الصفوف، فنزل الخطيب وحمل هذا الولد وعاد إلى المنبر، وحمله على صدره وأكمل خطبته، ماذا سيقول الناس؟ ضربٌ من الحماقة.. ضربٌ من الجنون.. ضربٌ من السَّفَه.. ضربٌ من الجهل، لا يقدِّر المنبر.. لا يقدِّر المصلِّين!! سيكون هذا هو المتبادِر عن كثير من الناس حينما يرون خطيبًا ينزل من منبره ليحمل طفلاً يتعثر في صفوف المسجد بين المصلِّين، ليجعله على كتفه، ويصعد به المنبر ويكمل خطبته بعد ذلك. لكن هذا هو فعل الأسوة، فعل القدوة، فعل القائد، فعل المربِّي، عليه أفضل الصلاة والسلام، نبينا وحبيبنا وقائدنا صلى الله عليه وسلم الإمام العظيم صلى الله عليه وسلم القائد الأعظم، القدوة، الأسوة للأمة. كان يتلطف بالصغار تلطفًا غريبًا، ربما البعض لو وجد شخصًا بهيبته ومكانته وجلالة قدره ومنزله يأتي إلى طفل، فيقف عنده، ويسأله عن خاصَّة لعبه، ويسليه - لقالوا: كيف يليق بهذا الكبير في منزلته وقدره أن يقف مع هذا الطفل الصغير، ليسأله عن أشياء من مسلِّيَاته وألعابه؟! إن نبينا صلى الله عليه وسلم كما روى أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا، وكان لي أخٌ يقال له عُمَيْر، أحسبه فطيم - يعني: قد فُطِمَ - وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءنا في البيت سأل أخي عميرًا وقال له:  «يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُّغَيْر»؟!؛ نُغْرٌ: أي طائرٌ صغيرٌ كان يلعب به هذا الطفل؛ (رواه البخاري ومسلم). يقول الغزالي رحمه الله في بيان علاج أخطاء الأطفال: "ينبغي أن يتغافل عنه". 

نعم، لا تُظهر نفسك قد علمت بكل شيء، ليس الغبي بسيِّدٍ في قومه، لكن سيِّد قومه المتغابي! قال: "ينبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر على مثل هذا الفعل، لا سيَّما إذا ستر الطفل خطأه واجتهد في إخفائه، فإنَّ كَشْفَه وفضحه وإظهار ذلك عليه ربما يفيد جسارةً وجرأةً، لا يبالي بعدها بالعقوبة والمكافأة، فإن عاد ثانيًا يُعاتب سرًّا". وكثيرٌ منا لا يحلو له عتاب الأطفال إلا أمام أقرانه وأترابه؛ ليُسخر به ويُهزأ به من قِبَلِهم بعد أن ينتهي فصل هذا العتاب أو فصل هذا الأدب!! قال: "ويكون ذلك سرًّا، ويُعظَّم الأمر فيه، ويقال: إياك أن تعود لمثل هذا، أو يُطَّلَع عليك في مثل هذا؛ فيفتضح أمرك بين الناس.. ولا تُكثر عليه القول بالعتاب في كل حين؛ فإن ذلك يهوِّن عليه سماع الملامة وركوب القبائح، ويُسقط وقع الكلام من قلبه. 

وليكن الأب حافظًا هيبة الكلام معه؛ فلا يوبِّخه إلا أحيانًا، والأم تخوِّفه بالأب وتزجره عن القبائح. وينبغي أن يأتي العقاب فور حدود الدَّمِ". أما العقاب الذي يأتي اليوم لذنبٍ وقع في الأسبوع الماضي، أو في الشهر الماضي - ذلك ضربٌ من السَّفه والحماقة في التربية والمعاملة، ويجب ألاَّ يكون العقاب من الشدَّة بحيث يُشعر الطفل بالظلم، أو أن يجرح كبريائه. إن من أهم الأمور في التربية: حسن الرفق والمصاحبة؛ فقد جاء في الأثر: "لاعب ولدك سبعًا، وأدِّبه سبعًا، وصاحبه سبعًا". 

ومن الهدي النبوي في التربية: إفساح المجال أمام الطفل؛ لينطلق بطاقاته على سجيَّته، بعيدًا عن القيود أو الأمور التي تكبت قدراته. عند ذلك أو حينها؛ سيقوم الطفل وتظهر فيه ملامح شخصيته: أن يكون قياديًّا، أو صاحب ذاكرة، أو صاحب مهنة. ومَنْ دقَّق في سلوك الأطفال اكتشف توجُّههم في بدايات سلوكهم في الطفولة، إن أسامة بن زيد الذي أمُِّرَ على جيشٍ يغزو بلاد الروم وعمره سبعة عشر عامًا - ما كان ليكون قائمًا على جيشٍ لولا أن قلبه وعقله قد مُلئ بعبارات الرجولة وتقدير الشخصية، والسلامة من عبارات التحقير والإهانة، وكذلك معاذ بن جبل؛ بُعث أميرًا على اليمن وهو في التاسعة عشر من عمره، ما كان ليكون أميرًا لو كان يُعامل بالتحقير، أو يعامل بالإهانة والألفاظ الفظة البذيئة، التي تحطم الشخصية والصفات القيادية في هؤلاء الناشئة. 

عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: لما كانت وقعة الفتح؛ بادر كلُّ قومٍ بإسلامهم، وبَدَرَ أبي قوم بإسلامهم، فلما قدم إلينا قال أبي: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًّا، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلُّوا صلاة كذا حين كذا، وصلوا صلاة كذا حين كذا، ((فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن أحدكم، وليؤمّكم أكثركم قرآنًا»؛ فنظروا، فلم يكن أحدٌ أكثر قرآنًا منِّي!. كم كان عمره؟ كان عمره سبع سنين، هو أكثر قبيلته قرآنًا وحفظًا للقرآن! قال: "لِما كنتُ أتلقَّى من الركبان". كان هذا الطفل الصغير الذي في السابعة إذا قدم الركبان من المدينة - وقف يسألهم: ماذا نزل على رسول الله من الوحي؟ فيخبرونه فيحفظ، وقد أوتيَ حافظةً قويةً. فلما جاء أبوه من عند النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا إقامة الصلاة، فوجدوا مَنْ يؤذِّن، وبحثوا عمَّن هو أكثرهم حملاً للقرآن وحفظًا وتلاوةً؛ فلم يجدوا غير عمرو بن سلمة، الذي هو أصغرهم سنًّا - وكان عمره سبع سنين أو ست سنين. يقول: "وكانت عليَّ بردةٌ، إذا سجدت تقلَّصت عني فانكشفت عورتي!"، ما عندهم لباسٌ ولا ثياب، حتى إمامهم الصغير ليس عندهم كسوةٌ يكسونه بها! قال: "فكنتُ إذا سجدتُ تقلَّصت عني فانكشفت عورتي؛ فقالت امرأةٌ من الحيِّ: ألا تغطُّون عنَّا اسْتَ قارئكم! فاشتروا لي قميصًا. فما فرحتُ بشيءٍ فرحي بذلك القميص"؛ رواه البخاري. 

أحبتي في الله: إن التسلُّط على الطفل، وقهر شخصيته، ومنعه من تحقيق رغباته التي لا تكلِّف شيئًا يُذكر، أو لا تؤثر على سلوكه - إن ذلك لمن أعظم الأساليب الخاطئة الشائعة في تعامل كثيرٍ منَّا مع أولادهم وبناتهم، ونتيجة هذا زرعٌ للخنوع والخضوع والهوان والذلَّة، وكسرٌ الشخصية، وفقد القدرة على الإبداع والإنجاز، وعدم القدرة على الرأي والحوار والمناقشة، وقتلٌ للمواهب ووأدٌ لها في بدايتها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم. 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.   فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، تمسَّكوا بالإسلام، عضُّوا بالنَّواجذ على العُرْوَة الوُثْقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ في دين الله بدعة، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار. 

وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النار، عياذًا بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إن بعض المربِّين - ربما من المعلِّمين، أو من الآباء والأمهات والأولياء - يغفلون - أو لا يعلمون - خطأ العبارات القاسية، المشحونة بألفاظ التحقير وأوصاف الإهانة، ولا يظنُّون أن الطفل يتأثَّر بها؛ بل يجهلون أنها تعكس في شخصيته سلوكًا وتصرُّفًا يترجِم هذه العبارات التي تلقَّاها وسمعها ورأى مشاهدها؛ بل إنَّ أثر هذه العبارات يفوقُ أثر الإيلام الجسدي، أثر العبارات القاسية اللفظية على العقول والسلوك والشخصية ربما بلغ أثرً تجاوز أثر الإيلام والعقاب الجسدي! والحقيقة أن مثل هذا الكلام البذيء السيِّئ، وليس المسلم بالسبَّاب ولا الطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحش البذيء، هذا الفُحْش وهذه البذاءة والسبِّ والطعن واللعن، كما لا يجوز في الجار والبعيد - لا يجوز أيضًا في الزوجة والولد والأبناء، من مراهقين ومراهقات وصغار وغيرهم. إن هذه العبارات ربما أنتجت تمردًا وعنادًا وعصيانًا للأوامر، وسلوكًا في الاتجاه المعاكس.

 يا معاشر الأولياء، يا معاشر الآباء: ينبغي أن نعلم أن العقوبة حينما نعاقب الأطفال يجب أن تتناسب مع العمر، إنك لتعجب من أبٍ يأخذ المادة الحاذقة الحارقة التي يسميها الناس الآن (الشطَّة) أو (الفلفل)، ويجعلها على أفواه الأطفال؛ يريد أن يؤدِّبهم بهذا! الطفل لا يعرف ما هذه العملية المؤذية المؤلمة، الطفل في بعض مراحل العمر نعم هو يبكي من حرارة أذى هذه المادة الحارقة على لسانه، لكنه لا يعرف القضية، لا يدري ما هي، اللهم إلا أن كان الطفل الذي في الأربعين يأخذ تطعيمه ضد الجدري والحصبة يعرف شيئًا عن هذه الحديدة التي إذا طعم بها، أو القطرة التي إذا قُطرت في فمه لها أثر يجعله يبكي أو لا يبكي. البعض يتصرف تصرفات يظن أن الطفل يفهم ويفقه ما هو الأثر أو ما هو السبب الذي به يعطى هذه المادة الحارة أو يضرب بهذه الطريقة أو يعاقب بهذا الأسلوب! وكثيرٌ من الأطفال في بعض المراحل التي نوقع عليهم العقاب لا يعرفون معنى العقاب، يحتاجون أن يعرفوا ما هو الخطأ، وأن نبذل لهم الجهد الكبير في أن نعرفهم أن هذا خطأ، هذا أهم من المشهد الذي نتقنه ونحسنه، وهو أسلوب العقوبة التي لا تأتي مناسبةً لا لعمر الطفل ولا مؤثرةً في علاج هذا الخطأ الذي وقع عليه. 

ثم إذا كان الطفل يدرك معنى الخطأ، ويفهم ماذا نخاطبه به - إذا أخطأ فيجب أن يكون العقابُ خفيفًا بعد تنبيهٍ وتحذير، وإذا أدَّب الأب فيجب أن توافقه الأم، وإذا أدَّبت الأم فيجب أن يوافقها الأب، لا أن يعيش الطفل في مشهدَيْن متناقضَيْن: الأب يضرب، والأم تقول: دعه.. اتركه.. لا تظلمه.. لا تفعل به! ثم تُظهر مشهد التعاطف والانحياز معه؛ فيعلم ويقرِّر في ذاته أنه مظلومٌ ظلمًا بالغًا من أبيه، بدليل انتصار أمه، أو مظلومةٌ هذه الفتاة من أمِّها، بدليل انتصار أبيها. يجب إذا عاقبت الأم أن يكون دور الأب متَّفقًا موافِقًا مؤيِّدًا.

2021-06-04

يوم الجمعة


 إن أفضل أيام الأسبوع هو يوم الجمعة، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»

إن أفضل أيام الأسبوع هو يوم الجمعة، فقد روى أبو داود بسند صحيح عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ».  
 ويوم الجمعة فرضه الله عز وجل على اليهود والنصارى، ووكل إليهم اختيارَه، ولكنهم اختلفوا فيه، فأضلهم الله عنه، وهدى المسلمين إليه. روى البخاري ومسلم عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ».
 وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، المَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ».  
 أيها المسلمون، والمحافظة على صلاة الجمعة من أسباب مغفرة الذنوب، فقد روى مسلمعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» 
.وروى مسلمعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ». وقال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا».   وفي يوم الجمعة يستحب الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ». وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا». وصلاة الله سبحانه وتعالى معناها: ثناؤه عليه عند الملائكة.   ومما على المسلم فعله يومَ الجمعة الاغتسال، كما جاء في الحديث: «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».  
 ومما يستحب يوم الجمعة أيضًا وضعُ الطيب، والتسوك، روى البخاري عن أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ».
 وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى».  
 ومما يستجب يومَ الجمعة لُبس أفضل الثياب وأحسنها، لوصية النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةِ: «وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ».   ولا تنسَ أيها الأخ المسلم التبكيرَ بالذَّهاب إلى المسجد لشهود صلاة الجمعة، فقد جاء في الحديث: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» .   ومن أهم أوقات استجابة الدعاء ساعة الاستجابة في يوم الجمعة، فَفي الحديث أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.  
 اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك النعيم يوم العِيْلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إنا نسألك عيشة نقية، وميتة سوية، ومردًّا غير مخزٍ ولا فاضح، اللهم ابسط علينا من بركاتك، ورحمتك، وفضلك، ورزقك، اللهم حبب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.


فضل الذكر....


 قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحيِّ وَالميِّتِ»

رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحيِّ وَالميِّتِ».  
معاني الكلمات: يَذْكُرُ: أي يذكر الله بالأذكار الواردة. الحيِّ وَالميِّتِ:أي الإنسان الميت والحي. 
  المعنى العام: ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مثلًا بالذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه - بالإنسان الحي والإنسان الميت، لما في ذكر الله من حياة القلوب والأبدان، ولما في ترْك ذكر الله من موتٍ للقلوب والأبدان.  
 الفوائد المستنبطة من الحديث: 
1- فضيلة ذكر الله تعالى.
 2- مشروعية ضرب الأمثال للتوضيح والتقريب. 
3- ذكر الله فيه حياة للقلوب.
 4- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حياة أُمته وعنايته بهم. 5- الذي لا يذكر ربَّه يموت قلبُه وبدنه.


إني جاعل في الأرض خليفة

 تأمل جمال الحوار :  الله تعالى وهو الغني عن كل عباده يخبر الملائكة بقدوم وافد جديد سيخلقه تعالى لحكمة بالغة. 

بداية قصة الإنسان حيث كان الحوار القدسي المبارك الله رب العالمين جبار السموات والأرضين يخبر بجلاله ملائكة قدسه أنه سيجعل في الأرض خليفة تأمل جمال الحوار :  الله تعالى وهو الغني عن كل عباده يخبر الملائكة بقدوم وافد جديد سيخلقه تعالى لحكمة بالغة. ثم تأمل تقديس الملائكة وخوفها أن يُعصى الله في أرضه أو تحدث مفاسد, وتأمل ردها على الملك الجبار بكل اطمئنان وسكينة ومحبة وخوف من مقام الله وخشية من وقوع المعاصي. ثم تأمل أن الله تعالى خلق الإنسان ليخلفه في الأرض وينشر منهج الله وشرائعه فالإنسان خليفة لله في تمهيد الأرض لعبادة خالقها والسير على منهجه ومراده,  فإن حاد عن المهمة الأساسية وأعرض عن منهج الله فقد خان أمانة الاستخلاف. ثم تأمل بيان الله تعالى ورده على مخاوف الملائكة  {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} , فحكمة الله وعلمه فوق كل علم وحكمة , وهو تعالى يعلم أن في خلقه للإنسان خير كبير أكبر  بكثير من مخاوف الملائكة, فيكفي أن الله تعالى سيصطفي من ذرية آدم الرسل والأنبياء والشهداء والصالحين, وسيميز ما عند إبليس من شر وفساد. قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [(30) البقرة] قال ابن كثير:  يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم ، بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم ، فقال تعالى : {وإذ قال ربك للملائكة} أي : واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة ، واقصص على قومك ذلك