الهاتف النقال
وأحكامه الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين عالم الغيب والشهادة القائل في كتابه الكريم {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }غافر19 والصلاة والسلام على حبيبنا محمد الصادق الوعد الامين وعلى اله وصحبه وسلم تسليما مباركا الى يوم الدين وبعد: ان ديننا الاسلامي العظيم دين جاء بشريعة جليلة من خصائصها العظيمة أنها تعتبر موسوعة ضخمة فيها جميع الحلول المنسجمة مع الواقع الإنساني في كل زمان ومكان وأنها تستوعب الحوادث والنوازل مهما كانت جديدة والقضايا والمستجدات مهما كانت وفي ذلك دلالة كبيرة على صلاحية هذا الدّين العظيم لجميع الأزمنة والأمكنة مهما تقدّم العلم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3 ومن هذه الأمور المستحدثة في زماننا هذا والتي تعلق بها الناس كثيرا واصبح من ضروريات حياتهم هو(الهاتف)الذي صنعه العقل البشري حيث سهّل الاتصال ويسَّر العسير وقرَّب البعيد وأصبح بمقدور الإنسان في الشرق أن يخاطب أخاه في الغرب في لحظات معدودة فاصبح الهاتف جزءا من حياتنا يصعب الاستغناء عنه لذلك اصبح من الضروريّ معرفة ألاحكام الشرعية المتعلقة به فسنتناول ان شاء الله في الصفحات القادمة بعض الاحكام الشرعية المتعلقة بالهاتف.
تعريف الهاتف
الهاتف لغة: بكسر التاء اسم فاعل من هَتَفَ، أي: الصائح والجمع هواتف والهتف والهتاف هو الصوت الجافي العالي وسمعت هاتفاً يهتِف إذا كنت سمعت صوتاً ولا تبصر أحداً ومنه أخذ المحدثون اسم الهاتف للتلفون والهاتف: الصوت يسمع دون أن يرى صاحبه وجاء الهاتف في المعجم الوسيط بمعنى: الصوت يسمع دون أن يرى الشخص الصائح.
الهاتف اصطلاحا: جاء في معجم لغة الفقهاء: هو(( آلة تنقل الأصوات إلى بعيد)) وجاء في المعجم الوسيط: ((التلفون: الهاتف وهو جهاز كهربي ينقل الأصوات من مكان إلى مكان))أما الهاتف المحمول فهو: عبارة عن جهاز اتصال صغير الحجم مرتبط بشبكة للاتصالات اللاسلكية وتسمح ببث واستقبال الرسائل الصوتية والنصية والصور عن بعد وبسرعة فائقة.
والهاتف النقال : هو كل ما ينقل ويستقبل الأصوات والصور والرسائل النصية عن بعد وبسرعة فائقة.
نشأة الهاتف وأنواعه
أن الله سبحانه وتعالى قد جبل الإنسان على ان يكون اجتماعيا وهو ما استلزم منه على أن يكون في اتصال وتواصل مع أبناء جلدته منذ أمد طويل وبعد ما تقدمت المجتمعات الإنسانية أصبحت بحاجة ماسّة إلى وسائل الاتصال فيما بينها ومع تقدم العلوم تقدمت وسائل الاتصال بشكل كبير فكانت القفزة الكبرى باكتشاف اللاسلكي الذي يقرب المسافة ثمّ تطورت وسائل الاتصال والاختراعات لتصل إلى أعلى مستوياتها من خلال استخدام الأقمار الصناعية فكانت القفزة الكبيرة في عام (1957) م عندما تمّ إرسال القمر الصناعي (سبوتنيك) إلى الفضاء الخارجي للدوران حول الأرض ولإرسال المعلومات المدنية والعسكرية ثمّ أدت المنافسة في هذا المجال بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى تواجد في الفضاء آلاف الأقمار الصناعية تجوب الفضاء ليل نهار(ينظر: التلكس وكمبيوتر الاتصالات الدولية والآلية، أدوارد جورج، دار الراتب الجامعية ـ بيروت، 1987م: ص21
وتعود بداية ظهور الهاتف إلى سنة (1832)م عندما اخترع (سامويل مورس جهاز التلغراف (البرق) ثمّ أدّى اهتمام (جراهام بل) بتطوير الإرسال إلى اختراع التلفون لنقل الكلام البشري عبر المسافات في سنة (1875)م واستمرت بعد ذلك الجهود الرامية المبذولة في سبيل تطوير الاتصال التلفوني أما الهاتف المحمول فيعود تاريخه الفعلي إلى أبريل عام (1973)م وكان صاحب هذا الانجاز هو الأمريكي (مارتن كوبر) الباحث في شركة (موتورولا) للاتصالات في (شيكاغو) ثمّ تطورت الاتصالات حتى وصلت إلى المستوى الذي نراه اليوم.
تسميات الهاتف
ومن تسمياته بالإضافة إلى الهاتف المسَرَّة لسرية المكالمات بين الطرفين والتلفون وإذا أطلق الهاتف يراد به التلفون فهو إطلاق غير عربي لأنّ تلفون (Telephone)كلمة إنجليزية وهي تتكون من مقطعين: يعني المقطع الأول منها tele بعيدًا أما المقطع الثاني phone فيعني صوت.
والهاتف المحمول: يعرف بعدة أسماء نظراً لطبيعة مكوناته الالكترونية واستقلاليته العملية فيطلق عليه بالإضافة إلى المحمول الهاتف الجوال والهاتف النقال والهاتف الخلوي لخلوه بصاحبه والموبايل وبورتابل أو بورطابل ومهما تنوعت أسمائه فالمقصود واحد أمّا تسميته ب(جوّال) فلكون هذا الجهاز ليس مستقراً كجهاز الاتصالات الذي سبقه وهو الهاتف الثابت فمناسب أن يسمى(جوالاً)وأمّا تسميته ب(نقّال) فلعل علة التسمية أنه يُنتقل به من مكان إلى آخر وإن كان المراد به نقّال على صيغة المبالغة بمعنى أنه ينقل الأصوات من مكان إلى آخر فالتسمية المناسبة هي تسميته بـ(محمول)لأنه هاتف محمول تمييزاً له عن الهاتف الذي لا يحمل وهو (الثابت) أمّا كلمة (موبايل) فهو مصطلح شائع للجوال ولكنه مصطلح بلفظ ليس عربياً بل هي مكتوب كلمة (mobile) بحروف عربية وكلمة (mobile) هي: اسم الجوال في اللغة الانجليزية وأصل معناها عندهم (متحرك أو متنقّل) ولكن التسمية الحقيقية هي الهاتف لغة وما سواه من الجوال والنقال والمحمول وغيرهم تسميات عرفية.
كيفية الاتصال
عن طريق آلة الهاتف يقع تحويل الموجات أو الذبذبات الصوتية البشرية إلى ذبذبات كهربائية تترجم عن خصائص الموجات الصوتية من قوة وسرعة وتحمل تلك الذبذبات الكهربائية عن طريق أسلاك معدنية أو على الهواء إن كانت سرعتها كبيرة إلى الآلة المقصودة بالخطاب فتحول تلك الموجات الكهربائية إلى ذبذبات صوتية فخلاصة القول: إن دور آلة الهاتف هو تحويل الذبذبات الصوتية إلى إشارات كهربائية بالنسبة للمتكلم وتحويل الإشارات الكهربائية إلى إشارات صوتية بالنسبة للسماع.
الهاتف
(فوائده وأضراره)
(فوائده)
للهاتف فوائد كثيرة بحيث لا يمكن عد فوائده ومن تلك الفوائد
1. الهاتف وسيلة لنقل الدروس والمحاضرات والخطب والاستماع اليها لمن لا يستطيع الحضور إليها وكذلك الاجابة عن الاسئلة والحصول على الارشادات والنصائح المطلوبة بكل المجالات.
2. الهاتف المحمول وسيلة اتصال آمنة قربت مسافات هائلة وبعيدة جداً.
3. الهاتف اصبح وسيلة لإنقاذ ارواح الناس لمن اصابه شيء.
4. باستطاعة المريض الاتصال بالإسعاف او بمن ينقذه اذا اصابه طارئ وكذلك يمكن لمن يحتاج الدم والغير ان يتصل فورا بمن يتبرع له لإنقاذ حياته .
5. الهاتف النقال أصبح وسيلة ترويج للمنتجات الصناعية والتجارية وحتى في السياحة أيضا.
6. الهاتف يعمل على استغلال واختصار الوقت حيث اصبح من الممكن الاستفادة من الوقت لأنهاء الكثير من الاعمال والالتزامات .
7. رسائل الهاتف الجوال تعد من الوسائل الناجحة في الدعوة والتذكير ببعض الأعمال الصالحة التي قد يغفل عنها الناس.
8. يقوم الهاتف بواجب صلة الرحم والاستفسار عن أحوال الأقرباء والأصدقاء إذا كانوا بعيدينً عنا.
9. حفظ المواعيد والمهام المهمة من خلال نافذة التذكير الموجودة في كل جهاز والتي تعين على التواصل مع الآخرين من خلال عدم إخلاف الموعد معهم أو التساهل به.
10. في الحقيقة إنّ الهاتف بشكل عام والجوال(الموبايل) بشكل خاص هو من الأمور الضروريّة في حياتنا الدنيوية والأخروية إذا استخدمناه في الجانب الإيجابي الذي سيؤدي إلى المنفعة ودفع المفسدة.
أضرار الهاتف
بالرغم من كل الإيجابيات والخدمات التي يقدمها الهاتف المحمول لنا في حياتنا اليومية إلا أن سلبياته ومخاطره أيضاً لا يمكن تجاهلها بل هي حالياً الشغل الشاغل لكل مهتم بالسلامة العامة وصحة الإنسان وأمنه فإذا استُعمل في الجانب السلبيّ فإنّه سيؤدّي إلى هدر الوقت فضلاً عن الضررالماديّ والمعنويّ الذي يترتّب عليه فقد يتحوّل الاتّصال إلى ثقل على الفرد والمجتمع والعمل عندما يكون بهدف التسلية فيصبح هدراً للوقت والعمل فبدل أن يعود بالمنفعة على الأشخاص إذا به يعود بالضّرر عليهم.
اما من الناحية الصحية فعشرات الأبحاث تناولت مخاطر الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من هذه الأجهزة الصغيرة والتي تلامس أكثر أجزاء جسم الإنسان حساسية وهي الدماغ والأذن والوجه وأبحاث أخرى تناولت مخاطر استخدام الهواتف النقالة أثناء قيادة السيارات كما توالت خلال السنوات القليلة الماضية حوادث اشتعال وانفجار العديد من الهواتف النقالة سواء أثناء استخدامها أو أثناء وجودها في حالة الشحن.
إجراءات السلامة العامة لاستخدام الهاتف النقال
1. إبعاد الهاتف عن الوجه أثناء استخدامه ويفضل استخدام طقم الرأس الخاص بذلك.
2. تجنب وضع الهاتف المحمول في الجيب أو بالقرب من الخصر.
3. عدم وضع الهاتف المحمول تحت الوسادة أو بالقرب منه أثناء النوم.
4. عدم استخدام الهاتف المحمول بالقرب من مناطق التأثير الإلكتروني كالأبواب الإلكترونية وأجهزة التحكم عن بعد.
5. تجنب استخدام الهاتف المحمول أثناء العواصف الرعدية .
6. تجنب استخدام الهاتف المحمول بالقرب من خطوط الضغط العالي
الحكم الشرعي لاستخدام الهاتف
الأصل في استخدام الهاتف أنه مباح وذلك بناء على القاعدة الشرعية:(الأصل في الأشياء الإباحة) ومع ذلك فإنّ استخدام الهاتف تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة (الوجوب والندب والإباحة والتحريم والكراهة) وهي كما يلي:
1. واجب: وذلك مثل وجوب بيان حكم شرعي عن طريق الهاتف أو ردّ منكر والنهي عنه عن طريقه وهذا من باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذا استخدامه في الدعوة إلى الله تعالى
2. حرام: وذلك في حقّ من يستعين به في فعل المحرمات كاستعمال الهاتف المحمول المزود بكاميرا في التقاط صور النساء والاحتفاظ بها ونشرها لأنّ هذا فيه انتهاك لحرمات الناس كما فيه شيوع الفواحش بين الناس
3. مستحب: وذلك في حقّ من يستخدمه في الكلام الخير وصلة الرحم مثلاً.
4. مكروه: وذلك في حق من يسرف في استخدامه في غير مصلحة ظاهرة أو فيما ينشغل بها عن نوافل الطاعات والعبادات.
5. مباح: إذا كان استخدامه فيما لا محرم فيه ولا مكروه كالاتصال بشخص عنده عمل أو معرفة خبر أو معلومة وما شابه ذلك.
باختصار ان الهاتف آلة وسلاح ذو حدّين له جانبين الإيجابي والسلبي فإن استخدم في الجانب الإيجابي فهو حلال وإن استخدم في الجانب السلبي فحرام.
آداب الهاتف المتعلقة بالمُتّصِل
ان لاستخدام الهاتف آدابا لابد من مراعاتها منها:
اولا: عدم استخدام هاتف الغير
لا تستعمل هاتف غيرك فقد يكون في الهاتف أسرار ومواضيع تخص صاحبه لا يحب أن يطلع عليها غيره فتقليب نظرك فيما يحتوي عليه جوال غيرك ممّا يؤذيه ويغضبه ويزعجه لأنه لا يجوز للمسلم أن يستعمل هاتف غيره بغير إذنه ولا ينبغي له أن يفتحه دون علمه ولا أن ينظر في الأرقام المسجلة فيه وإن أذن له باستعماله لم يجز له أن يقرأ الرسائل الصادرة والواردة فذلك من التطفل والتجسس والخيانة.
ثانيا: دقات الجرس
المتصل مستأذن يستأذن في الحديث مع صاحب الهاتف و من أحكام الاستئذان أن يناديه مرة ومرتين وثلاث مرات أي: يترك الجرس يرن أول مرة.. المرة الثانية.. المرة الثالثة.. ثم يغلق يقول النبي صلى الله عليه وسلم{إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجعْ} (أخرجه البخاري في صحيحه: 5/235)لا أن يترك الجرس يرن مقدارخمس دقائق فيزعج ويؤذي المستقبل ومن حوله بل ومن في البيت جميعاً ربما صاحب الهاتف لا يريد أن يتحدث معك في هذا الوقت لذلك استعمل الهاتف بلطف لا بعنف وإطالة وانظر إلى أدب الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ كانوا يقرعون أبواب النبي صلى الله عليه وسلم بالأظافر(أخرجه البخاري في الأدب المفرد) خوفاً من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وإزعاجه.
ثالثا :التأكد من صحة الرقم
إذا أردت الاتصال بالمستقبل فعليك في بداية الأمر أن تتأكد من صحة رقم الشخص الذي تريد الاتصال به حتى لا تقع في غلط فتوقظ نائماً أو تزعج مريضاً أو تشغل غيرك عبثاً فلا تتصل إلاّ بعد توفّر رقم مكتوب أمام بصرك أو متأكداً منه في ذاكرتك ولا تضع إصبعك على رقم الهاتف إلاّ ويتبعه البصر فإن حصل خطأ فتلطّف بالاعتذار.
رابعا :الحفاظ على تحية الإسلام
بعد ما رفعت سماعة الهاتف على المهاتف أن يبادر بتحية الإسلام (( السلام عليكم)) فهي شعار الإسلام ومفتاح الأمان والسلام.
خامسا: تعريف المتصل نفسه
بعد ما يبدأ المتصل بالسلام لأنه كالقارع للباب يريد الإذن بالدخول ينبغي أن يعرّف نفسه بذكر اسمه أو لقبه إن كان مشهوراً به حتى لا يظل المستقبل في حيرة ومع من يتكلم ومن يريد جاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا؟ فقلت: أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم{ أنا أنا} وزاد أبو داود :{ كأنه كرهه}.
سادسا: النداء بأحبّ الأسماء
أثناء مكالمتك مع أي شخص ادعه بأحبّ أسمائه وتكلّم معه بأجمل الكلام فانّ المقابل يشعر بذلك وتأخذ حيزاً من قلبه و تكسب ود أخيك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ثلاث يصفين لك ود أخيك تسلم عليه إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه}( أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط:8/193).
سابعا: عدم السكوت بعد رفع السمّاعة
ومن الآمور السيئة سكوت المتصل بعد رفع السمّاعة وانتظاره حتى يتكلم المستقبل لأن ذلك مخالف للأدب الإسلامي .
ثامنا :المهاتفة مع المرأة
إذا اتصلت بشخص ورفعت السماعة من قبل امرأة وكانت غير محرم حاول أن تنتهي من المكالمة بأقصى وقت ممكن كما عليك أن لا تستعمل كلمات غير شرعية فكما يحرم على المرأة الخضوع في القول وترقيقه وتنغيمه بالنبرة اللينة يحرم على الرجل سماع صوتها بتلذذ لأن الشيطان يدخل بينهما ويدعوهما إلى الفتنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:{ ألا لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان }( أخرجه الإمام أحمد في المسند:1/222) في الحديث الشريف شيء دقيق جداً وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: ما خلا فاسق بامرأة وما قال: ما خلا كافر بامرأة وما قال: ما خلا منحرف بامرأة وما قال ما خلا مؤمن قال:(لا يخلون رجل بامرأة) أي رجل خلا بامرأة كان الشيطان ثالثهما وأي امرأة كائنة من كانت إذا خلت برجل كان الشيطان ثالثهما لأن الإنسان يضعف أمام ضغط الشهوة إذا وجدت الخلوة وكذلك المرأة والمكالمة مع المرأة في الهاتف وإن لم يكون خلوة حقيقية إلاّ أنها (شبه خلوة) .
تاسعا: الهاتف وأهل البيت
من الأمور المهمة عدم تمكين الهاتف لصغار السن والمراهقين لما فيه من الخطر عليهما وكذلك المرأة لا ترفع الهاتف إذا كان في البيت رجل من أهلها فالأولاد مسئولية الآباء والأمهات والأهل مسئولية رب الأسرة.
عاشرا: الهاتف والمسألة
إذا انتهى رصيدك في الهاتف فلا تأخذ الهاتف من أحد لأنه ربما يعطيك حياءا فيستحي أن يردك وهذا يعتبر(غصب الحياء) فالمأخوذ حياءا كالمأخوذ غصبا إلا في حالة الضرورة أو عند علمك بأنه يحب ذلك لكونه صديقاً لك أو قريباً واحذر أيضاً صفة البخلاء الذين يريدون استغلال الآخرين فيدق على إخوانه ليردوا عليه حفاظاً على رصيده فإن ذلك من الأخلاق السيئة وخوارم المروءة.
آداب الهاتف المتعلقة بالمُستقبِل
هناك آداب يجب أن تلاحظ من قبل المستقبل وهي:
اولا: الابتسامة عند الإجابة
حينما يرن الهاتف ابتسم وأنت تتلقى السماعة فإن محدثك على الطرف الآخر سيرى ابتسامتك من خلال نبرات صوتك والابتسامة من الفضائل التي يجب على المسلم أن يتحلى بها دائما يقول صلى الله عليه وسلم{تبسمك في وجه أخيك صدقة}(رواه الطبراني في المعجم الأوسط:8/183) .
ثانيا: عدم الانشغال بغير الإجابة
تجنب القيام بأي عمل أثناء إجابة المكالمة الهاتفية ذلك أن القيام بالطباعة أو الكتابة أو القراءة أو غير ذلك لابد أن يزعج الطرف الآخر والذي سوف يشعر بالتأكيد بانشغال المستقبل عنه من لهجة الصوت وعدم الانشغال بغير الإجابة يكسب ود أخيك المتصل
ثالثا: إجابة المُستقبِل بنفسه لا بغيره
إذا اتصل بك شخص فأجبه بنفسك ولا تعط هاتفك لشخص يجيب بدلك لأنه ربما لا يودّ المتصل أن يتكلم مع غيرك لذا حاول ما أمكن أن ترد على هاتفك شخصياً وأن تطلب مكالمتك مباشرة فبذلك تضفي على المكالمة لمستك الشخصية ويفهم المتصل أنك تهتم به كثيراً.
رابعا: معرفة نسب المتصل
إنّ معرفة النسب من الضرورات الشرعية حتى فيما بين الأصحاب والإخوان والجيران والرفقاء والمصلين في المساجد لذا من الأدب أن يسأل المستقبِل عن اسم المتصل إن لم يكن لديه معروفاً فإنّ ذلك يكشف عن أصله وفصله وعن نشأته وتربيته وعن أخلاقه كما أن السؤال عن اسمه ونسبه يدل على ثبوت ودّك لأخيك المتصل.
خامسا: عدم قطع الحديث
من أدب المُستقبِل الإنصات للمتصل حتى ينتهي من طرح ما لديه لأنه صاحب الحاجة وأيضًا عدم الدخول في تفاصيل عميقة لئلا يصبح ملولاً ويتهرب الآخرون من الاتصال به فإذاً لا تقطع على أحد حديثه ولا تضع السماعة ولا تقطع على من يتحدث معك حديثه حتى يكون هو الذي يقطع حديثه وهذا قد جاء النص عليه في حديث هند بن أبي هالة في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم مما أخرجه الإمام الترمذي رحمه الله تعالى {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز}(رواه البيهقي في شعب الإيمان:2/154) أي: يتم حديثه.
سادسا: انتهاء المكالمة
من الآداب الإسلامية إن من جاءك فلا ترده ولا تنهي الحديث معه حتى ينهي هو حديثه لأنه ربما ما زال في المقدمات يمهد ويقدم وما زال عنده بقية حديث فلا تقطع الحديث على من اتصل بك حتى يختم هو حديثه هذا ما نستفيده من أدب النبي صلى الله عليه وسلم في المصافحة{ كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل الذي يصرفه ولم ير مقدما على ركبتيه بين يدي جليس له}(أخرجه البيهقي في السنن الكبرى:10/192).
سابعا: عدم فتح السماعة الخارجية
إذا كان المستقبِل في مجلس واتصل به أحد فمن الأدب أن يأخذ الإذن من الجالسين ثمّ يجيب وذلك بدون فتح السماعة الخارجية لأنه يؤذيهم ويشوش عليهم أفكارهم كما عليه أن لا يخرج إلى خارج المجلس لأنه ربما يظنون به سوء ظن فيأثمون ومن المعلوم أن المسلم لا يكون سبباً لوقوع الناس في المعصية الاّ إذا كان له عذر شرعي فله الخروج بعد الإذن.
ثامنا: إغلاق الهاتف أو وضعه على الصامت عند دخول المسجد:
من أراد المسجد فعليه أن يغلق هاتفه أو يضعه على الصامت حتى لا يشوشَ على المصلين ويذهب خشوعهم وإقبالهم على صلاتهم وتوجههم إلى ربهم وإذا دخل المسجد و نسي إغلاقه أو وضعه على الصامت فليبادر إلى إغلاقه أو إسكاته إذا اتصل أحد لأن بعض الناس يدع هاتفه يرن وربما كان بنغمات موسيقية مؤذية فلا يُغْلِقُهُ ولا يسكته خوفاً من حدوث الحركة في الصلاة وعليه أن يعلم أن تلك الحركة فضلاً عن كونه مصلحة للصلاة مصلحة للمصلين عموماً أيضاً كما ينبغي علينا أن نعذر من نسي هاتفه الموبايل مفتوحاً أو جهل كيف يتصرف إذا اتصل به وهو في الصلاة لكن لا يجوز لنا تأخير النصيحة له وتعليمه وجوب المسارعة إلى إغلاقه وإن كانت النغمة فيها موسيقى أخبرناه بأن تلك النغمة لا تليق بمقام المسجد وشعيرة الصلاة كل ذلك بأسلوب لين لا إحراج فيه ولا تعنيف.
آداب الهاتف المشتركة بين المُتصِل والمُستقبِل
الآداب المشتركة بين المُتصِل والمُستقبِل هي:
اولا: حمل الهاتف باليمين
التيمن في ما كان من باب التكريم والتشريف من السنة النبوية لذا على المتصل أو المستقبل إذا أراد حمل الهاتف أو استعماله أن يأخذه بيمينه كما يجعل سماعة الهاتف تحت أذنه اليمنى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:{كان رسول الله يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله}( أخرجه البخاري في صحيحه: 1/74).
ثانيا: عدم رفع الصوت فوق الحاجة
من الآداب العامة في الحديث والكلام خفض الصوت فعلى المتصل أو المستقبل مراعاة هذا الأدب أثناء الاتصال بأن يكون صوته منخفضاً مسموعاً لا مزعجاً ولا مخافتاً بل يكون بين ذلك.
ثالثا: التماس العذر
إذا اتصلت بشخص وهو لم يرد عليك فالتمس له العذر واحسن به الظن وحاول أن لا تكرر الاتصال أكثر من ثلاث مرات فربما صاحب الهاتف لا يريد أن يتحدث معك في هذا الوقت لأنه إما أن يكون معذوراً أو في مكان غير مناسب.
رابعا: المحافظة على اللسان
إنّ اللسان من نعم الله العظيمة فإنه صغير حجمه وكبير فعله خيرا كان او شرا وخطره عظيم إذا لم يتق الله تعالى فيه فعلى المتصل وكذا المستقبل أن لا يتكلم إلا في خير ولا ينطق إلا في معروف فكل ما يخرج من فم الإنسان مسجل عليه فعليه الحذر من أن يقع في غيبة مسلم أو كذب ونميمة عليه كما على الإنسان الابتعاد عن السباب والشتم والفسوق والإجرام.
خامسا: المحافظة على الوقت والزمان
على المتصل أن يراعي الوقت وقيمته لأن الهاتف لا يكون إلا للضرورة ويراعي حال المستقبل فيبتعد عن الإملال والإطالة والإثقال فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم{ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ }(أخرجه البخاري في صحيحه:5/2357) .
فينبغي للمسلم أثناء مكالمته أن يسلك سبيل الاختصار والإيجاز
سادسا: تنزيل الناس منازلهم
من الأدب مراعاة حال المُستقبِل ومنزلته في العمر والقدر والمكانة والقرابة كما على الُمستقبِل أن يراعي الأدب في المكالمة حسب مقام المتكلّم معك ومنزلته في السّنّ لاسيما العالم العامل عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {أنزلوا الناس منازلهم}( أخرجه مسلم).
سابعا: عدم الاشتغال بالهاتف في المجالس
المسلم صاحب أدب رفيع يحترم الآخرين ويقدر شأنهم لذا لا يكون مشغول البال بالهاتف ولا بقراءة برامجه ولا بألعابه إذا كان في مجلس خصوصاً في مجالس أهل العلم والفضل حتى لا يؤذيهم ولا يكسر قلوبهم .
الحذر من الأمراض القلبية التي يسببها الهاتف
الأمراض القلبية كثيرة منها: الفخر والعجب والكبر والغرور والتباهي والرياء والسمعة وغيرها وحاملوا الهاتف من أكثر ما يصاب بهذه الأمراض نرى كثيراً يبدل هاتفه بدون حاجة ومبرر فما يحمله على شرائه وتبديله وحمله إلاّ الكبر والسمعة والفخر وهناك بعض الناس يستعملون الهاتف في المجالس ويتكلمون مع ذوي القدر والمكانة أو الجاه والغنى لإظهار العظمة وبيان أنه إنسان مهم إذ يوهم من حوله بأن فلاناً من أهل الفضل والمكانة يبحث عنه ويتصل به يقول النبي صلى الله عليه وسلم{المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور} (أخرجه البخاري في صحيحه:5/2001) .
الأزمنة والأمكنة التي لا يستعمل فيها الهاتف
بعض الناس يتصلون في أيّ وقت شاء دون أن يراعي الوقت المناسب وأكثر الناس يعاني من هذا فمن الأدب أثناء الحديث بالهاتف مراعاة التوقيت المناسب للمحادثات الهاتفية وهذه بعض الأزمنة والأمكنة التي من الأدب مراعاتها وعدم استعمال الهاتف فيها:
اولا: أوقات النوم:
على المتصل أن يختار الوقت المناسب لإجراء المكالمة مع الطرف الآخر لأن هذا سيزيد من فرص قيام الطرف الآخر بالرد على مكالمته فإن كان وقت نوم فلا يتصل إلا عند الضرورة حتى لا يؤذي الناس.
ثانيا: أوقات الصلاة:
إنّ الله تعالى فرض الصلاة وحدد مواقيت إقامتها فعلى المتصل مراعاة أوقات الصلاة فلا يتصل فيها حتى لا يشوّش على المصلي ويذهب خشوعه فيها.
ثالثا: أثناء وجبات الطعام:
بعض الناس يتصل حسب هواه وشغله ربما يتصـل وقت وجبـة الطعام فهو أكل بنفسـه ولا يلاحظ الآخرين كثيرا ما يتصل بالإنسان وهو يأكل الطعام و في فمه اللقمة فلا يدري كيف يجيـب بل ربما يؤدي ذلك إلى أذى في جسـمه ويؤدي إلى إلحـاق الضـرر بالآخـرين في حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم{لا ضرر ولا ضرار}( مسند الشافعي - (ج 2 / ص 468)
رابعا: في المسجد:
المسجد بيت الله تعالى وهو خير بقاع الأرض وهو المكان الذي يلتقي فيه المسلمون لأداء الصلوات وتعلم أمور الدين وهو المكان الذي لا يصلح إلاّ للعبادة فيه ومن الأدب مع المسجد ألا يرفع الإنسان صوته فيه ولا يتكلم فيه بكلام الدنيا والكلام بالهاتف يشغل المصلين ويشوش عليهم.
خامسا: في الخلاء:
من آداب دخول الخلاء الابتعاد عن الذكر والكلام فيكرهان في حالة قضاء الحاجة سواء كان في الصحراء أو في البنيان وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام إلا كلام الضرورة فقد اتفق العلماء على ترك الكلام في الخلاء وكراهة الكلام على قضاء الحاجة فيستحسن للمستخدم ومن الأدب أن يغلق الهاتف كلياً أو يجعله على وضع صامت قبل دخول الخلاء.
سادسا: في مجلس العلم:
كما يقبح استعمال الهاتف في المسجد كذلك لا يلاءم استعماله في مجالس العلم لأنّ ذلك يذهب هيبة المجلس ويقطع الفائدة على المتعلمين ويؤذي من يلقي الدرس ويزري بمن يستعمل الهاتف في تلك المجالس وقد يغتفر الاتصال أو الردّ إذا كان في الأمر ضرورة أو حاجة يخشى فواتها ويراعى في ذلك ترك التطويل ويجمل ويستحسن بالمرء إذا أراد الاتصال وهو في مجلس علم بل حتى في مجالس أخرى أن يستأذن ويخرج من المجلس.
سابعا: في السيارة:
ان الركاب هم امانة في عنق السائق وعلى السائق أن يوصلهم إلى المكان المطلوب بأمان وراحة بعيداً عما يثير قلقهم ومن قلة المروءة رؤية بعض أصحاب السيارات استعمال الهاتف الجوال أثناء سوقهم السيارة وقد يأخذهم الحديث فلا يتنبهون إلى ما يعرض لهم في الطريق فتقع الحوادث الجسام لذلك ينبغي إقفال الجوّال أثناء قيادة السيارة أو تسليمه لمن يجيب عنه.
الحكم الشرعي للكافر في اداءه الشهادتين عن طريق الهاتف
اذا اتصل شخص عن طريق الهاتف على غير ملة الاسلام واراد الدخول في الاسلام فلا باس بتلقينه الشهادة وهي (اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله) وتعليمه اركان ومبادئ الاسلام وعند نطقه بالشهادتين يعتبر مسلما فله وعليه واجبات الاسلام ويمكن بعد ذلك اللقاء به مباشرتا.
أحكام الهاتف المتعلقة بالمصحف الهاتفي
يتكون الهاتف المحمول (الموبايل)من مجموعة من المكونات المادية والبرمجية والمرافق الخدمية مثل: الشاشة والبطارية والسماعة والشريحة والذاكرة المتعددة الوظائف للتسجيل والتخزين والرسائل النصية والبلوتوث(Bluetooth) وهي تكنولوجيا جديدة متطورة تمكنت من توصيل الأجهزة الالكترونية مثل الكمبيوتر والتلفون المحمول ولوحة المفاتيح وسماعات الرأس من تبادل البيانات والمعلومات من غير أسلاك أو كوابل أو تدخل من المستخدم والقرآن الكريم يمكن تخزينه وتسجيله بالصوت أو مع الصورة (أي كتابة) في ذاكرة الهاتف والبلوتوث ويسمى (المصحف الهاتفي)هوتلك الوسائل المادية التي يجمع فيها القرآن الكريم وفق الهيئة التي جمعه عليها الخليفة عثمان رضي الله عنه مرتب الآيات والسوروبهذا التعريف تدخل جميع المصاحف القديمة والحديثة سواء أكانت مكتوبة على الورق أم كانت محملة على الهاتف أم على الأقراص والشرائح الإلكترونية.
الفرق بين المصحف الورقي والمصحف الهاتفي
اختلف الفقهاء المعاصرون في القرآن الالكتروني سواء أكان في المصحف الالكتروني أم الهاتف المحمول في إماكن عدّه من المصحف الورقي له أحكامه أو هو مجرد ملف الكتروني مساعد على القراءة والحفظ والاسترجاع وتعلم الأحكام التجويدية وتطبيقها وبالتالي لا يأخذ أحكام القرآن الورقي وكانوا في ذلك فريقين:
1. ذهب بعضهم إلى أن القرآن الالكتروني لا يعدّ مصحفاً ولا يأخذ أحكام المصحف بحال لأنه إذا أغلق الجهاز أو تمّ انتهاء البرنامج ينتهي ظهور الآيات وإنما هو مجرد آلة تساعد على تذكر الآيات وقراءتها.
2. ذهب آخرون إلى عَدِّه مصحفاً حال التشغيل فقط لأن الآيات تكون ظاهرة في هذه الحالة.
ولا يتبين لنا الحكم إلا بعد معرفة وجوه التطابق وغير التطابق بين مميزات القرآن الالكتروني ومميزات القرآن الورقي وبالتأمل في ذلك يظهر ما يأتي:
1. القرآن في الهاتف يعدّ مصحفاً لأنه اشتمل على القرآن الكريم كاملاً مرتب الآيات والسور في صورته المكتوبة وهو بهذا يكون موافقا للقرآن الورقي المعروف.
2. يوجد في الهاتف المحمول غالباً إلى جانب القرآن الكريم بعض الموضوعات المساعدة على حسن فهم معانيه كبعض التفاسير والترجمات إلى لغات أخرى وبعض أحكام التلاوة والصور والرسائل وغير ذلك وبهذه الإدراجات يخرج عن حد القرآن الورقي ويلحق بكتب التفسير والفقه والحديث مما اشتملت على الآيات القرآنية.
3. الهاتف المحمول لا تظهر فيه الآيات المصورة ولا تسمع منه الآيات المسجلة إلا حال تشغيله فقط وفي غير ذلك لا يرى ولا يسمع منها شيء وفي هذه الحالة لا يعدو أن يكون آلة إلكترونية ويكون برنامج القرآن فيه معطلاً.
ولهذه الأسباب لا يعدّ القرآن الموجود في الهاتف المحمول مصحفاً في ذاته ولا يأخذ حكم المصحف لأنه إذا أغلق الجهاز أو تم انتهاء البرنامج ينتهي ظهور الآيات و لكونه لا يشتمل إلا على القرآن الكريم كالمصحف الالكتروني بل فيه إدراجات للتفسير أو الترجمة أو الرسائل أو الأسماء وغيرها من البرامج وبالتالي لا يأخذ حكم المصحف المعروف لدى الناس وهو المحسوس الورقي.
حكم مس الهاتف الحاوي للقرآن وحمله وقراءته للمحدث والجنب والحائض؟
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية (واستثنى المالكية من ذلك الحائض والنفساء إذا كانت معلمة أو متعلمة)والشافعية والحنابلة إلى تحريم مس القرآن الورقي وحمله وتصفحه لمن كان محدثاً حدثاً أكبر والحائض وذهب في المحدث حدثاً أصغر جمهور فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز للمحدث أن يمس القرآن أو أن يحمله إذ يحرم عليه ذلك فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مس القرآن من غير طهارة حيث ورد عنه روايات متعددة منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم رضي الله عنه كتاباً وكان فيه:{لا يمس القرآن إلا طاهر} أخرجه الإمام مالك في الموطأ: 1/199 اي أنه لا يجوز أن يمس القرآن محدث .
وأمّا حكم مس القرآن في الهاتف فيمكن تخريجه على مسألة المس من وراء حائل واختلف الفقهاء في مس المصحف من وراء حائل هل تشترط له الطهارة أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: اشتراط الطهارة مطلقاً وبه قال المالكية وهو صحيح مذهب الشافعية وهو رواية عند الحنابلة فقال الشربيني رحمه الله تعالى:(وكذا جلده) المتصل به يحرم مسه بما ذكر (على الصحيح) لأنه كالجزء منه ولهذا يتبعه في البيع وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:(وفي مس غلافه وحمله بعلاقته رواية أخرى أنه لا يجوز).
القول الثاني: عدم اشتراط الطهارة وهو قول للحنفية ووجه للشافعية وهو مذهب الحنابلة.
القول الثالث: فإن كان الحائل متصلاً كالجلد اشترطت الطهارة وإن كان منفصلاً كالعلاقة لم تشترط الطهارة لمس العلاقة وهو مذهب الحنفية قال الزيلعي رحمه الله تعالى (ومسه إلا بغلافه) وغلافه ما يكون منفصلا عنه دون ما يكون متصلا به في الصحيح وقيل لا يكره مس الجلد المتصل به ومس حواشي المصحف والبياض الذي لا كتابة عليه والصحيح منعه لأنه تبع للمصحف.
لذا فعلى القول الأول والثالث في الخلاف السابق تشترط الطهارة لمس الهاتف الحاوي للقرآن في حال التشغيل دون القول الثاني الذي لا يشترط الطهارة مطلقاً فلا يشترط الطهارة لمس الهاتف الحاوي للقرآن في هذه الحال.
أنّ مس القرآن في الهاتف لا يتصور مسه حقيقة كما يتصور ذلك في القرآن الورقي الذي يكون مَسُّ أوراقه وحروفه بشكل مباشر ومن دون أي حائل فالذي يظهر على شاشة الهاتف الجوال من كلمات قرآنية هو إلا ذبذبات إلكترونية معالجة وفق برنامج إلكتروني ولا ظهور لها إلا عند انعكاسها على الشاشة وليس مس الشاشة الزجاجية مَسّاً للقرآن الإلكتروني وبناءً على ما تقدم فإنه لا مانع من مس هاتف المحمول المشتمل على القرآن أو أجزائه أو حمله بالنسبة لمن كان محدثاً حدثاً أصغر أو أكبر سواء أكان في حال التشغيل أم في حال الإغلاق ويدخل في ذلك جميع أنواع المصحف الإلكتروني سواء أكان محمَّلاً على الكومبيوتر أم كان على شبكة الإنترنت أو كان على قرص.
اما حكم قراءة القرآن على شاشة الهاتف للمحدث والجنب والحائض فقد أجمع الفقهاء رحمهم الله تعالى على جواز قراءة القرآن للمحدث حدثاً أصغر بدليل ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال:(بت ليلة عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوئه ثم قام يصلي) أخرجه البخاري في صحيحه:1/78 ولكن الفقهاء اختلفوا في قراءة الجنب للقرآن إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز قراءة شيء من القرآن مطلقاً وهو مذهب الامام الاعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وبه قال الشافعية ورواية عن الإمام أحمد رضي الله عنه واستدلوا بـما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن} أخرجه الترمذي في سننه:1/236
القول الثاني: يجوز قراءة القرآن مطلقاً وهو مذهب الظاهرية وبه قال الطبري ورجحه ابن المنذر وروى هذا القول عن المالكية وهو ظاهر تبويب البخاري في صحيحه رحمهم الله تعالى واستدلوا بعموم حديث عائشة رضي الله عنها قالت:{كان يذكر الله على كل أحيانه} أخرجه البخاري في صحيحه:1/116 أن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها {افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري} أخرجه البخاري في صحيحه:2/594 وفيه دلالة ظاهرة على جواز قراءة الحائض للقرآن لأن من شأن الحاج قراءة القرآن ولم يرد في منع الحائض من قراءة القرآن شيء صحيح فيؤخذ بعموم الخبر المتقدم حتى يرد ما يخصصه من صحيح الأخبار.
القول الثالث: تجوز قراءة الآية والآيتين والشيء اليسير ويحرم الكثير وبه قال الطحاوي(شرح معاني الآثار).
