السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2016-10-30

اليأس والأمل ومبشرات الفرج

لماذا اليأس !!!
1. لأن اليأس من صفات الكافرين : إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون , ونحن نعنزّ بإيماننا وإسلامنا .. فلا ينبغى أن نلصق بنا صفه من صفات الكافرين .
2. لأن اليأس يعوق صاحبه بل وأمته عن النهضة والعمل والبناء والإيجابية والإنطلاق .
3. لأن اليأس إذا تملّك صاحبه وهيمن عليه , فإنه قد يهوى به إلى الهاوية والإنتحار وسوء الخاتمة .
4. لأن اليأس يحجب المرء عن الناس ويطوى صفحته بينهم ويعزله عزلا عمن حوله .
5. لأن تداعيات الدنيا وخراب الضمائر وإنفلات ذوقيات كثير من الناس قد تسببت فى إتعاب أنفساً كثيرة وجلبت لأصحابها الهموم واليأس .
لماذا الأمل !!!
1. لأن الأمل يقذف بالمرء إلى سماء الله ليُحلّق فيها ويٌغرّد كالطير .
2. لأن الأمل يمنح المرء أماناً فى نفسه وطمأنينة ويزيده ثقة فى ربه وسكينة .
3. لأنه طالما أن هناك رباً عظيماً قادرا , إذن فلابد من أمل يدفع المرء دفعا ويهيمن عليه كُلًّا وجزءا .
4. لأن الأمل يُعلى الهمة ويقوّى الفكرة ويزيل المحنة ويُبدّد الظُلمة ويُخرج من الأزمة .
5. لأن الأمل يُجدّد الروح ويبعث فيها الحياة ويستطيع المرء أن يُسطّر به كل إبداع .
لماذ الإستبشار بالفرج !!!
1. كم وجدنا من صعوبة ومحنة كانت بداية لنجاح وتمكين , أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
2. كم من مرض تمكّن وإستفحل ثم جاء الشفاء وعلى غير موعد لصاحبه , أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
3. كم من ضيق وكرب وهم وحزن إنفلت وإنمحى فجأة وتحوّل إلى سعادة وعزة , أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
4. كم من صبر طويل وجهاد مرير , قد ذاق صاحبه مرة واحدة حلاوة الصبر وفضل القدير, أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
5. كم من أحلام كانت أحلاما بالأمس وقد تحولت إلى حقائق وحقيقة فى اليوم , أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
6. كم من عقيم طال عقمه ثم بِقُدرة القادر رُزق البنين والبنات دون تعب ولا مُقدّمات , أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
7. كم من يتيم فقد أبويه فى صغره , ثم وجدناه وقد صار عالماً مميزاً وبارعاً حاذقاً وعَلَمًا يُشار إليه بالبنان وما محمد صلى الله عليه وسلم إلا مثلا صادقا لذلك النموذج , أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
8. كم من طاغوت صالَ وجالَ فى الأرض فساداً وجبروتاً وطغياناً , ثم فجأة وقد زال عرشه وكيانه ( وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) .. أليس ذلك مما يستوجب على المرء أن يستبشر بالفرج .
خاتمة :
إلى كل من يَشرُف بالإنتماء إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم قاطبة فى مشارق الأرض ومغاربها أقول :
إجعل أمام عينيك دائما منظار الدكتور مصطفي السباعي – رحمه الله - الذي يقول فيه :
زُرْ المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخُلق.
وزُرْ المستشفي مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض.
وزُرْ الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة .
وزُرْ المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل.
وزُرْ ربك كل آن لتعرف فضله عليك في نعم الحياة.

النعم بين الشكر والجحود


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛
فإن التوفيق والفلاح دائر في فلك التقوى، وشكر النعم مدار التسديد والهدى، ومتى سأم الإنسان نعم الله عليه استقلها ثم جحدها وكفرها، فيكِله الله إليها فيهلكه بها، أو يُبدله بضدها فيعذبه بها. 
فقد ذكر اللهَ جل وعز في كتابه ما أنعمَ به على أهلِ سبأٍ من الرزق الوفيرِ والظلِ الظليل، وأنه قيل لهم:
{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}، لكنهم أعرضوا فأذهبَ اللهُ نِعَمهم بالسيل، وجعلهم أحاديثَ ومزقَهُم كل ممزقٍ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. فشكرَ النعمِ سببٌ لاستقرارها وزيادتها وسعتها، وكفرها سببٌ للشقوة بها، وسرعةِ زوالها وتبدلها بضدها.
فأنعام اللهِ إنْ لمْ تُشكر كانت بين أمرين لا ثالثَ لهما: فإمّا أنْ تُسلبَ في الحال، وإمّا أن تبقى للاستدراج، ليغترَّ الظالمون بها، ويزدادوا ظلماً وجوراً؛ وكِلا الأمرين نتيجتَهُ واحدة في المآل، ليصدقُ قوله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ}.
قال ابن كثير رحمه الله: "أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا! ... لقد أخطئوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاءً".
فمقامَ النعمةِ بين يَديّ الإنسان: كمقامِ وديعةٍ استودعها عابرُ سبيلٍ بين يَديّ رجلِ على البراءة الأصلية، فهو تاركٌ لها ما حافظ عليها، وهو قابضها ما فرطَ فيها.
إنّ تقلبَ النعمِ بين يَديّ المجتمعاتِ المترفة: كتقلبِ كرةٍ جليديةٍ من شاهقٍ، بَدأت صغيرةً وما زالت تَكبُرُ حتى يكون الاصطدامُ ثم الزوالُ والاضمحلال!
إنّ الذي يتبخترُ بنعمةِ قد وُضِعَتْ بين يديه لينسِبَها إلى نفسهِ بطريقةٍ ضمنيةٍ، وإنْ لم يقل ذلك بلسانه: فليَنْتَظِرْ تحولُ تلك النعمة من يدهِ إلى يد غيره. فاستبدال الشكر بالكفر -وإنْ لمْ يكن ذلكَ بصريحِ اللسانِ بلْ بالأقوالِ والأفعالِ-: نذيرُ خطرِ لاستدراجْ قومٍ من حالٍ إلى حال، ومن شأنٍ إلى شأن، والتاريخُ شاهدُ عيانٍ لأممٍ كانت يوماً تَنظرُ لغيرها بنظرةِ العطفِ والرحمة، لتنقلبَ تلكَ النظراتِ من الرآئي إلى المرئي {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}، بمثلِ هذهِ الكلماتِ القارونية كانت علّةُ الخسفِ، فأينَ قارونُ بما جمع؟! وأين الكنوزُ بما حَملت؟! 
لقد مضى وصارَ عبرةً لكلِ ذي لبٍ، ليكونَ ذلك الاسمُ عنواناً ورمزاً لطغيان الإنسان واستكباره. 
فويلٌ لمن يتبخترُ بما رُزق، ويتباهى بما وُهب، هي للمجهولِ نائبُ فاعلٍ وليستْ بفاعل، فَعلام التبخترُ في غيرِ مقامِ الحربِ يا أبا دجانة (إنها لمشيةٌ يُبغِضُها اللهُ إلا في مثلِ هذا الموطن) -أي: في الحرب-.
(بينما رجل يمشي في حٌلّة تعجبه نفسه، مرجِّلٌ جمتَه، إذ خسف الله به، فهو يتجلجلُ إلى يوم القيامة) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
واعجباً لكفر الإنسان وطغيانه، يا تُرى أنسيَ الإنسانُ أجيالاً مضت قبل جيله! وأقواماً عايشهم وأدركهم، أخرجَهُم الفقرُ والجوعُ من بلدانهم وأوطانهم، ليطلبوا لقمةَ العيشِ عند غيرهم!
أنسي الإنسانُ البؤسَ والعَوزَ والحرمانَ والألمَ والجوع! 
إنه استكبار المترفين! {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى}.
إن التفاوتَ الذي يُقدّرُهُ اللهٌ على عبادهِ في سعةِ الرزق وتضييقه نموذجٌ مصغّرٌ لسنةِ الاستبدالِ والتداول، فترى رأيَ العينِ أقواماً يعيشون عند الخطوطِ البدائية من الحياةِ الإنسانية، يفتقدون في قواميسهم كثيراً من المعاني والمترادفات، فيَعْرِفُونَ الشيءَ بلا عكسِ ولا مقابلةِ أو مرادفة، ففقرٌ بلا غنى، وبؤسٌ بلا سعادة،
وأقواماً يعيشونَ في أبراجِ عاجية، عكس هؤلاء المساكين البائسين، لهم قواميسُهم الخاصة، فما تمر الأيام والليالي حتى تتغير الأحوال بسنةِ التداولِ والاستبدال، فيرتفعُ أقوامٌ، ويَسفُلُ آخرون، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
لقد ضربَ اللهُ لنا من الأمثالِ ما فيه مزدجر، وقصّ علينا من الأخبارِ ما فيه مدّكر، {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
قال الصابوني رحمه الله في تفسيره: يهددهم "بعذاب في الدنيا بأن جعلهم مضرب مثل لقرية عذبت عذاب الدنيا، أو جعلهم مثلاً وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله".
{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }، 
هي صمامُ الأمانِ، لبقاءِ النعمِ وزيادَتِها، ليُقال: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}.
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}،
هي النجاة من زوالِ النعم، في زمنٍ كثُرَ فيه التنكر والجحود، وهيَ الدافعُ لسنةِ التداولِ والاستبدال.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}،
قال البيضاوي رحمه الله في تفسيره: أي "أولم نجعل مكانهم حرماً ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه ... يُحمل إليه ويجمع فيه ... ثمرات كل شيء من كل أوب! رزقاً من لدناً".
"ما بعدَ الكمالِ إلا النقصان"، هكذا نطق المُلهم الفاروق عمر، 
فالحذر من غمامةَ سوءِ ممزوجةً بمقتِ وسخطِ واستبدال، {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}.
إنّ نعمَ اللهِ ما حُفِظ موجُودُها بمثلِ عبادته، ولا استُجّلِبَ مفقُودُها بمثلِ طاعتِه، فإنّ ما عندَ اللهِ لا يُنالُ إلا بطاعته واستجلاب رضاه، والبُعد عن مواطن مقته وغضبه.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}،
هي نذارة وبشارة، وما بينهما عذاب أو مغفرة، وفعل العباد مؤشر الوقوع أو العفو، وعائشة رضي الله عنها تقول: "أنهلك وفينا الصالحون؟!" فقال عليه الصلاة والسلام: (نعم، إذا كثر الخبث).
اللهم اغفر للعباد حيث زللوا، وحيث ظلموا، وحيث أسرفوا.
اللهم لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك، وأفقر عبادك إليك، وهب لنا غنى لا يطغينا، وصحة لا تلهينا، وأغننا اللهم عمّن أغنيته عنّا.
اللهم احفظ علينا الأمن والإيمان، والسلامة في الأوطان، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

علاقتنا مع الدنيا


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن اهتدى بهداه واستن بسنته إلى يوم الدين ، اللهم آمين . أما بعد :
كم أرخينا آذاننا لسماع المواعظ !؟ وكم من عبر رأينا في أحوال خلق الله !؟ وكم من ملمات أصابت غيرنا إعتبر بها منا من إعتبر وأعرض عنها من أعرض !؟ كم حمدنا ربنا على المعافاة من خطوب الدنيا ونوازلها وكم سألنا الله السلامة والنجاة من فتن الدنيا بألسنتنا ، إلا أن حقيقة قلوبنا تركن إلى الدنيا وتلهث خلف متاعها ، والله المستعان !
شاء الله أن أقف على آية تختصر حقيقة الدنيا تأملتها فأحدثت في وجداني مالم يحدثه أي موقف وعبرة أو عظة سمعتها من قبل ، كيف لا والواعظ هنا ربنا جل جلاله وتقدست أسماءه ومن أحسن من الله قيلا ، ومن أحسن من الله حديثا .
قال الله جل وعلا في سورة الكهف التي نقرأها كل جمعة ولكن قد نغفل عما فيها من معان ظاهرة أو خفية
( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ) .
فلنتأمل سويا حقيقة الدنيا وقد رأيتها عيانا كما ضرب الله تعالى لنا هذا المثل في زرع نزرعه في الحدائق في فصل الربيع ، ذلك النوع من الزرع قصير الأجل الذي يخضر ويزهو في فترة الربيع الممتدة لأيام قصيرة كما نخضر ونزهو بشبابنا فما يلبث أن يأتي الصيف فيحرقه وييبسه فيموت فلا تنفع فيه سقيا ولا عناية ولو ارتوى بمياه الأرض كلها ما أحيته من جديد . وما أعمارنا وأحوال حياتنا غير ذلك ولا أفضل من هذا الوصف بمثقال ذرة . إلا أن غرورنا بطول الأمل ونحن نعلم علم اليقين أن نهايتنا ونهاية الدنيا كلها إلى يبس وزوال مستمر لا ينقطع مشوبا بذلك الركض المحموم إلى ما لا يشبعنا بلوغه فلا يملأ عيني ابن آدم إلا التراب ، وليس أكثر من ركضنا فرارا إلى الدنيا لا منها ، إلا غفلتنا !
وضرب الله جل وعلا الكثير في محكم آياته من الأمثال في الدنيا، ولكنه قل ما تمتلئ قلوبنا بما تتلوه ألسنتنا فتلك الأمثال لا يعقلها إلا العالمون لا الجاهلون الغافلون المصرفون عن تدبر هذا القرآن وتعلمه 
قال الله جل وعلا :
( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴿٢٠﴾ ” سورة الحديد
لو لم نقف إلا على ختام هذه الآية الكريمة لكفانا منها اختصارا معجزا في جمع كل حقائق الدنيا في كلمات قليلة بالغة الإعجاز ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) .
وفي كتب التفاسير عجب العجاب مما يأخذ الألباب المتأملة المتدبرة لمعاني هذه الآية ، فتأملوا معي :
يقول الإمام الطبري في تفسير الآية : " وما لذات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها إلا متاع الغرور ، وإلا متعة يتمتعكموها الغرور والخداع المضمحل الذي لاحقيقة له عن الامتحان ، ولا صحة له عن الاختيار ، فأنتم تتلذذون بما متعكم الغرور من دنياكم ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره فلا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها فإنما أنتم منها في غرور تتمتعون ، ثم أنتم بعد قليل راحلون ، ثم قال والغرور مصدر من قول القائل : غرني فلان فهو يغرني غرورا بضم الغين وأما إذا فتحت الغين من الغرور فهو صفة الشيطان ، الذي يغر إبن آدم .
وقال ابن كثير في تفسيره للآية : " ما الحياة الدنيا إلا الغرور تصغير لشأنها ن وتحقير لأمرها ، وأنها دنيئة فانية ، قليلة زائلة كما قال تعالى : بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى . وفي الحديث والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم إصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع إليه " .
وقد يظن الظان من الناس أن حديثنا عن غرور الدنيا هو دعوة للتقشف والزهد والإحجام عن التمتع بما أحل الله من الطيبات من الرزق ونجد من بيننا من يستشهد بقوله تعالى ( ولا تنسى نصيبك من الدنيا ) في الوقت الذي لم نجعل في أيامنا لآخرانا نصيب ، فالرجل منا مفتون بالمال والمناصب والكسب والمرأة مشغولة بمنافسة قريناتها والزينة ، حتى في تلك الأمور المحمودة من علم وتربية وتنمية وبناء في شؤون الدنيا نغفل أن نحتسب ذلك طاعة لله وسعيا في مرضاته فنحول رصيد تلك الأعمال إلى ميزان الآخرة .
فحري بنا أن نجدد النيات ونحتسب المباحات ناهيك عن الصالحات فقد قيل : بصلاح النيات تصبح العادات عبادات وبفساد النيات تصبح العبادات عادات . فالعادات من أكل شرب ونوم غير ذلك إذا احتسبها العبد طاعة لله وامتثال لأمره وكف عن نهيه كانت بميزان الصالحات من أعماله بإذن الله ، وقد نبلغ بنايتنا من الأجور مالا تدركه أعمالنا وطاقتنا وإذا صلحت نياتنا فقد نبلغ بإذن الله منازل الأبرار .
فانظر في قوله تعالى مثالين للبذل والإنفاق وافطن لعواقب الباذلين في الآيتين فرغم توحد العمل اختلفت العاقبة :
قال الله جل وعلا : ( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ) وقوله تعالى : ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ما الذي جعل عاقبة الباذلين في الآيات إلا ميزان الأيمان واحتساب نية العمل .
إذن في أحوال زمننا الذي عجزنا فيه أن نأخذ من الليل ما أخذ منه سلفنا الصالح ، وزمن كثرت فيه الملهيات والمشغلات فلا نفرط بمثل هذا العمل اليسير تحرير النية وتوجيها إلى بارئها في المنشط والمكره وقياما وقعودا وشبعا وجوعا وذلك في أدنى الأحوال ، إلا أن نكون من الملحين على الله بالدعاء بأن يرزقنا علو الهمة وقوة الطاقة في فيما يرضى من فضائل الأعمال والسداد في إتمام الواجبات والإحسان بالنوافل ، وأن كان ذلك صعبا في بداياته إلا أن الله أكرم من أن يمنع فضله ومدده وسداده على الصادقين من عباده ، فقد وعد ووعده الحق في سورة العنبكوت : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
إن الحديث في علاقتنا مع الدنيا يطول بطول أملنا فيها وغفلتنا وتقصيرنا ، وقد جاء في الكتاب المجيد من الآيات ما يفتح الله بها على قلوب العارفين ، وقال الواعظون في ذلك ما قالوا . 
قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر : " الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا " .
وما خاطرتي هذه إلا جهد المقل ولفتة يسيرة أذكر بها نفسي عل الله أن ينفعني بها وأياكم قبل فوات الأوان !
ربنا اجعلنا مما نال عفوك وعافيتك بالتقوى فأحسن العمل ونجى من عقابك وفاز بغفرانك فرزقته جنانك وذلك والله هو الفوز العظيم .

علامات الفشل والنجاح على الطريق إلى الله!!


قال تعالى : (وقليلٌ من عبادي الشكور) الآية، وقال تعالى : (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) الآية، وقال أيضاً في محكم التنزيل : (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) الآية . . فالقلة عند الشكر والطاعة، والكثرة عندالغفلة والضلالة، مؤشر خطير، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن طوفان الغفلة لا يزال يكتسح في طريقه الكثير من سواد الخلق، والصالحون على قلتهم؛ يحاولون وسعهم التشبث بما يعتقدون فيه النجاة من هول يوم الفزع الأكبر؛ غير أن استعار رياح الفتن، وتقلب القلوب، والانغماس في مشاغل الدنيا بين الحين والآخر؛ يجعل تحقيق تلك الغاية محفوف بالمصاعب وممتزج بالمشقة!!
ولكن هناك سبيل لتيسير تلك المشقة، وتسهيل تلك المصاعب، وذلك من خلال استكشاف الصالحين مدى ملازمتهم للوجهة الصحيحة خلال مسيرتهم إلى الله تعالى، كسبيلٍ للنجاة بأنفسهم من هول يوم المحشر؛ إذ لابد لهم من التماس بعض العلامات الاسترشادية التي توضح لهم صحة التوجه على هذا الطريق من عدمه!!
فإذا وجد العبد في نفسه مسارعة للتوبة عند الوقوع في أي زلل، واستشعر في قلبه صدق الندم على الوقوع فيه، وأكثر من الاستغفار منه، بل وبذل أقصى الجهد لتلاشي الاقتراب من مواطنه التي تضعف فيها نفسه، ويسهل على الشيطان استدراجه بسببها، فضلاً عما يجده في نفسه من خفة للقيام بالطاعة، وانقباضاً في القلب من ذكر المعاصي؛ فإن مباغتة الموت لهذا العبد وهو على هذه الحال، يرجى معها بإذن الله حسن الخاتمة!!
أما إذا وجد في نفسه عدم اكتراث بفعل المعاصي، بل والإكثار منها؛ للدرجة التي تحدث فيها ألفة بينه وبينها، كما أضحى قيامه بالطاعات أقرب ما يكون إلى العادات منه إلى العبادات، وما يقترن بها من صدق انعقاد النيات، فإن ذلك العبد قد ران على قلبه رصيدٌ من كثرة المعاصي، لا تستقيم معه لحظة مباغتة الموت؛ سوى سوء الخاتمة عياذاً بالله!!
فاستيقظ لنفسك يا عبد الله، فما هي إلا لحظة مباغتة، تجعل حاضرك ماضياً، وتسلب من مستقبلك أي فرصة للعودة أو الرجوع لإصلاح ما فسد!!
وهذه اليقظة تتمثل في استشعارك لطوفان الغفلة الذي يجتاح الجميع من حولك، ومحاولة بذل أقصى الجهد في النأي بقاربك عن الاتجاه في نفس المنحى الذي يجرف الغافلين فيه، وذلك بالصحبة الصالحة، والتشبث بالأعمدة الصلبة التي بني عليها هذا الدين، والكفيلة بأن تضمن لك من شدة متانتها النجاة من أي طوفان يجتاح العالمين، وذلك بحسب مصداقيتك في الالتزام بنهج ربنا وشرعه!!
فهلا نظرت في أعمالك نظرة المتفحص بعمق؛ كي تتعرف على علامات الفشل أوالنجاح في مسيرتك إلى الله تعالى؛ قبلما تباغتك لحظة الفراق؟!

تأملات وفوائد من قوله تعالى: { يحبهم ويحبونه }


والحمدلله رب والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
اعلم أيها المبارك أن المحبة بين الله وعباده محبة متبادلة ؛ لقوله ﷻ { يحبهم ويحبونه } ، والمحبة الصادقة توجب التعلق بالمحبوب والسعي لإرضائه ، أما زعم المحبة دون بذل الأسباب التي تستدعي تحقيق محبة المحبوب فهو مجرد كلام قلما يصدق صاحبه ؛ لقوله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ؛ فمحبه الله توجب طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى الله عنه وزجر والاتباع لسنه رسوله وأمينه على وحيه محمد ﷺ .
وقال الشافعي رحمه الله :
تعصي الإله و أنت تزعم حبه - هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقًا لأطعته - إن المحب لمن يحب مطيع
وإن تحققت محبة الله للعبد تحققت ولايته له وحفظه ورعايته للحديث القدسي :
" من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه "
وهذا كمال محبة الله للعبد الناتج عن تقرب العبد لربه بما يرضيه .
أما في الآية { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا ... }
فالند هو الشبيه والنظير ، وتعالى الله أن يكون له ذلك ؛ { فليس كمثله شيء وهو السميع البصير } .
واتخاذ الأنداد يكون ببذل المحبة المذكورة سابقًا إليهم ، بالتعلق والحرص على الإرضاء ، وقد فعلها المشركون مع أوثانهم بزعم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } .
فصرفوا ما يجب أن يُصرف لله وحده إلى أوثانهم المزعومة ، أما مشركو زماننا فقد كانت لهم أوثان من بشر أو عقائد أو مبادئ باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ، فصرفوا أسباب المحبة والتعلق والبذل والتضحيات لغيره تعالى ، وصرفوا أشكال المحبة من توكل وخوف ورجاء بالمخلوقين دون الخالق ، فضلوا وأضلوا !
نسأل الله السلامة والعافية

قانون التركيز

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏طائر‏، ‏‏نبات‏، ‏في الهواء الطلق‏‏‏ و‏طبيعة‏‏

يوجد قانون بغاية الجمال
يغير حياتك كلها
اسمه ( قانون التركيز )
بمعنى ماتركز عليه تحصل عليه
إذا ركزت على اﻻلم والنقص والحسد والعين والمرض والمصائب زادت بحياتك ..
والعكس صحيح 
اذا ركزت على الصحة والعافية والمال والجمال والوناسة ..زادت بحياتك .
من أتقن سياسة "التغافل" أراح نفسه وقهر عدوه.
*_ مرَّ من أمامي ولم يسلم عليَّ، "أين المشكلة؟"
*_ سلمت عليه ولم يرد عليَّ، هناك ملك فوق رأسه يرد عليك بدلا منه، وشتان بين الردين!؟
*_قابل إحسانك له بالإساءة، ومعروفك بالجحود، وخيرك بالجفاء،" كل إناء ينضح بما فيه"👍
*_ يتكلمون عنك ويكثر حولك القيل و القال، "دعهم في غيِّهم يعمهون" وبين يدي ربك الحساب
*_ يتمنون زوال نعمة من نعم الله عليك، "الحسد ، بدأ بصاحبه فقتله".
*_ يستصغرونك ويحتقرونك ويقللون من شأنك، ذبابة قتلت النمرود ونملة أوقفت نبي الله سليمان، أما وقد رأيت البعوضة تدمي مقلة الأسد.
وفي الأخير:
"أنا لا أبحث عن مكان في قلب كل انسان بل أبحث عن فردوس عند رب الجنان"
إحسانك وتعاملك لا يُنسى ، فلا تندم على لحظات اسعدت بها احداً حتى وإن لم يكن يستحق ، كل يعمل بأصله
كن شيئا جميلاً ﺑحياة من يعرفك و كفى ان لنا ربّ ، يجازينا بالإحسان إحسانا .
ثق بربك 
وارفع أكف الخضوع والتضرع واعلم أن فوق سبع سماوات
رب منتقم جبار
نحن قوم إذا ضاقت بنا الدنيا 
اتسعت لنا السماء فكيف نيأس
اللهم زدنا بك ثقة واجعلنا من المتوكلين عليك

2016-10-23

الضمائر.... بين الحياة.... والموت


كما الحق والباطل ، الحق يحيا والباطل يموت، فكذا الضمائر الحية والميتة تفترقان.....
فمنبع الحق، ضمير حي، ومدخل الباطل ضمير ميت، ولكل مشاربه.
فما بني على الحق فالحقيقة بجانبه، وبعكس ذلك فالحقيقة تجانبه فالحديث عن الضمائر حديث بين الحياة والموت.
فالضمائر الحية بما تملك من أحاسيس ومشاعر نحو امة تعيش لمبادئها المقدسة ولفكرها النير النقي ممزوجاً بعقيدةَِ لا تعرف التلون والمواربة
..... لا تعيش لذاتها ....
بل تعيش لكي تحيا بالإنسان وتحيا معه قضيته الشريفة ينافح عنها بما يملك من تجارب ومقدرات.
 لا يمكن للضمائر البصيرة أن تبني جداراً وهيلماناً على نفسها أولاً وتحمي غيرها من أعداءها وهي تفتقر مقومات من يعيش لأمته ويطلب لها معالي الأمور و ثانيا بينما هي لاتستطيع أن تحمي نفسها
كيف لضمائر حية أن تجلس مع أو تصافح عدواً ذاق المسلمون منه صنوف التنكيل والعذاب ومرارة الأيام وهو لا يرقب في مؤمن ٍ إلاًّ ولا ذمه.
حاورته في سنوات كلها الضياع للضمير وتخلٍِِ عن المبدأ وتلويث للفكر وضياع لمقدرات الأمة.
(ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.....)سورة آل عمران آية( 73)
الضمائر الحية يا سادة لا تفسد حياتها بأساليب خبيثة للصد عن سبيل الله من حيث تدري أو لا تدري ويا أسفاه إن كانت على دارية فمصيبة وبغيردراية فالمصيبة أعظم كيف لا وهي تنبري لك بقانونين متهرئة لخدمة الحدود والحروب المصطنعة لتجميل صورة العروس القبيحة وهي تفتقد شرط النكاح.
لا يتصور لضمائر يقضه أن تغلق باباً يقتاتُ منه الجياع وتمنع عنهم الدواء وتعذب من خلال ذلك الأطفال.
ما قيمة الضمير الذي فقد الأحاسيس والمشاعر النبيلة كلها إلا من حب العدو والسير خلفه نحو القذة بالقذة. 
ضمائر ماتت فيها الأحاسيس والمشاعر وماتت فيها الشجاعة والرجولة 
تلك الضمائر الميتة التي سارت في ظلمات الصهيونية والماسونية وركعت وسجدت عند أقدامها من اجل سيادة وسلطان ذليل مهان. 
قال تعالى ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت .....)
قل لي يا عادل كيف تفتح الأبواب وتستقبل الأقزام وتوصد أمام الانقياء ذوي الأيادي البيضاء.
أي عدل هذا ..... أي قلوب هذه... أي شجاعة تمتلك ...!! أم هي قصة الخذلان والهوان؟!!
أخي المهجر .... أخي الصامد 
لا تحزن على الأمس فهو لن يعود
ولا تأسف على اليوم فهو راحل 
واحلم بشمس مضيئة في غد جميل
(قال تعالى: لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنةٍ أو من وراء جُدر...)

يوم تنقطع الأنساب



إذا نفخ في الصور نفخة النشور وقام الناس من القبور " فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " إذ لا تنفع الأنساب يومئذ ،ولا يرثي والد لولده ولا يلوي عليه .قال الله تعالى " ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم " فلا يسأل الصديق المقرّب عن حميمه وهو يبصره ولو كان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره وكان في الدنيا أعز الناس عليه .لن يلتفت إليه ولن يحمل عنه وزن جناح بعوضة قال الله تعالى " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " لماذا؟ والجواب "لكل امرء يومئذ شأن يغنيه" إن هناك ما يشغله بنفسه عن الآخرين يريد ان ينجو بها ، ولا يهتم بغيره.
ما الفرق الدقيق بين قوله تعالى " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ...." وقوله تعالى " يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومِئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينُنجيه." .. 
فالآية الأولى تذكر فرار الرجل ممن كانوا يساندونه ويدعمونه في الدنيا فالموقف في الآخرة رهيب رهيب ، وكل واحد يمكن ان ينقلب عليه ويطلب حقه منه، فلقد كان الأخ سند لأخيه ورفيقه  أسرارهما معاً ، وكانت أمه أكثر الناس رحمة به وكذلك أبوه ، ثم تجد الزوجة والأبناء جاءوا في الترتيب أخيراً لأنهم اعتادوا أن يساعدهم هو لا أن يساعدوه هم.فهو الذي يصرف على أولاده وزوجته فمنه ينتظرون العون، يفر من هؤلاء الآن وقد كانوا عزوته ومؤيديه.
أما في الآية الثانية فإننا نجد الموقف الذي كنا نستبعده في الدنيا يتحقق في الآخرة، فالأب – في الدنيا- يحارب الجميع في سبيل نصرة ولده وزوجته ويقطع عن نفسه اللقمة ليضعها في أفواههم ويبذل الغالي والرخيص في سبيلهم ويعادي الناس ولا يزعج أولاده وأسرته أما في الآخرة فإنه - لما يرى من الهول الذي ينتظره - يفتدي نفسه بأعز الناس عليه - بنيه وزوجته ثم بأخيه ثم فصيلته التي تؤويه - .. إن مقاييس الآخرة غير مقاييس الدنيا .يتخلى المرء عن كل شيء لينجو .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هو حسبنا ومولانا الرحيم بعباده.
وقال ابن مسعود : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد : ألا من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه - قال - فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده وإن كان صغيراً أو زوجته ; ومصداق ذلك في كتاب الله قال الله تعالى " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " .... أرأيت يا أخي كيف يسعى المرء في الآخرة ويقول نفسي نفسي ويعادي الجميع لينجو وحده من عذاب يوم القيامة؟!.
لكنّ نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم له شأن آخر بين يدي الله تعالى فالرسول حبيب الله ونسبه مصان وذريته الصالحة في أمان مما ينتظر الناس ويخيفهم.فعن عبد الله بن أبي رافع عن المسور رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاطمة بضعة مني ، يغيظني ما يغيظها وينشطني ما ينشطها ، وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري " وهذا الحديث له أصل في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها ويؤذيني ما آذاها " وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر " ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومه ؟ بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرط لكم إذا جئتم " فأقول لهم : أما النسب فقد عرفت ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى " 
لما تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب " قال : أما والله ما بي – أي لا رغبة لي في الزواج- إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" كل سبب ونسب فإنه منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " رواه الطبراني وغيره وذكر أنه أصدقها أربعين ألفا إعظاما وإكراما ، رضي الله عنه .
وروي عن ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري " وروي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا " سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج إلي أحد منهم إلا كان معي في الجنة فأعطاني ذلك " .هذا طبعاً في ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ماتوا على الإسلام .
نسأل الله تعالى حسن الختام وشفاعة رسوله ورضاه سبحانه فإنه مولانا ونعم المولى ونعم النصير.
 

مجانين العقلاء .!


اللهمّ يا ربّ لك الحمد على نعمة العقل بكلّ فصاحة وبيان ، وكلّ حرف ولسان ، وبكلّ لغة للإنس والجانّ ، بما تقدّم من ذلك واندثر ، وبما عمّ وظهر ، وشاع وانتشر ، وبما هو كائن إلى يوم المحشر .. والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان ، الأغرّان الأزهران ، على سيّد الأنبياء ، ودرّة تاج العقلاء من بني البشر .. وبعد ؛ فإنّ نعمة العقل على الإنسان أكبر نعم الله بعد نعمة الإسلام ، وحديثي إليكم أيّها الأحبّة عمّن لا يقدر هذه النعمة قدرها ، ولا يرعى حقّها ، ممّن أسمّيهم : مجانين العقلاء .! نعم ، مجانين العقلاء .! أنا أقصد ما أقول .. لا عقلاء المجانين .! فعقلاء المجانين يتحدّث الناس عنهم كثيراً ويتندّرون ، ويحفظون عنهم من الطرائف والغرائب الشيء الكثير .. وأحسب أنّ أكثر الحديث عنهم لا هدف له إلاّ التفكّه في المجالس ، ونقل المواقف الطريفة المسلّية .. 
وفي الناس سفهاء عقول ، أمرهم بيّن ، والسفيه خفيف العقل إلى درجة لا تبلغ حدّ الجنون الظاهر ، وهو الذي لا يحسن التصرّف بماله ، فيشتري الخسيس بالنفيس ، ويبيع النفيس بالخسيس ، ويضيّع المال فيما لا ينفع ،  ولكنّه يحجر عليه لمصلحته ومصلحة الأمّة ، حتّى يظهر رشده ، فيدفع إليه ماله .. 
أمّا مجانين العقلاء فقلّ من ينتبه إليهم وينبّه ، ويتحدّث عنهم وينوّه ، ويرصد نماذجهم ، ويضعها تحت مجهر البحث والنقد .. فمن هم مجانين العقلاء .؟ 
إنّهم عقلاء فيما يبدو للناس ، لا يظهر عليهم أيّ مظهر للشذوذ عن منطق العقل وأحكامه ، ولكنّ عقولهم في الحقيقة في إجازة مفتوحة ، وتعطيل ظاهر ، وتبلّد يفتقر إلى أدنى شعور .. والتحليل الدقيق لمواقفهم يكشف عن جنون خفيّ مُستَحكِم ومُتحَكِّم ، وأكثر الناس عنه غافلون أو متغافلون ، إذ يحتاج إلى تجلية وبيان .. لأنّ تعطيل العقول عن أحكامها ، وتناقض العقلاء فيما يفعلون ، ضرب من الجنون لا محالة ..
والقرآن الكريم يصف مجانين العقلاء ببيانه المعجز أنّهم : ( .. لهم قلوب لا يفقهون بها ، ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام ، بل هم أضلّ ، أولئك هم الغافلون (179) ) الأعراف . 
وأنّهم يتحسّرون على عقولهم المعطّلة ، يوم لا تنفع الحسرة والندامة : ( وقالوا : لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السعير ، فاعترفوا بذنبهم ، فسحقاً لأصحاب السعير (9 ـ 10) ) الملك . 
مجانين العقلاء تفسد تصوّراتهم فيما يقبلون ويرفضون ، وتضطرب مواقفهم فيما يفعلون ويتركون ، وتختلّ موازين أحكامهم ويتناقضون ، وتغلب عليهم الحيرة فيما يأتون ويذرون .. وكأنّهم المعنيّون بقول الشاعر أبي تمّام :

يقضى على المرء في أيّام محنته حتّى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ

 تلك هي الرؤية العقليّة القلبيّة ، لا الرؤية البصريّة .. وهي إعاقة للإنسان تشلّ فاعليّته ، وتعطّل مواهبه ، وربّما وصلت به إلى آفة فكريّة ونفسيّة ، مزمنة مستديمة ، لا تنفع معها علاجات الدنيا كلّها ، تتشعّب مسالكها ، وتتنوّع مظاهرها .. إنّها أشدّ أنواع الإعاقة .. فدونها الإعاقات الجسديّة ، والبصريّة ، والسمعيّة ، لأنّ هذه يمكن التغلّب على آثارها ببعض وسائل التقنية المعاصرة .. 
وتصوّر أيّها العاقل أنّ أمامك عدداً من أنواع هؤلاء المعاقين عقليّاً .! وهم يرون في قرارة أنفسهم أنّهم عقلاء حكماء ، ويرون أنّك أحوج منهم إلى المعالجة .. فأنّى لك بمعالجتهم ، وتقويم اتّجاهاتهم .؟ فاحمد الله تعالى على نعمة العقل والعافية .. 
نماذج وأنواع من مجانين العقلاء : 
1 ـ من مجانين العقلاء من يتخلّى عن عقله لأهواء الآخرين الكبراء ، الذين يحكمونهم بدعوى العقول وأحكامها ، ولكنّهم مُستَرقّون لأهوائهم وشهواتهم ، مُستَعبِدون لمن سواهم .. إنّهم الإمّعات التائهون ، الذين يعيشون بغير مبدأ في الحياة ، إنّهم أشبه بقطيع السائمة ، يقول أحدهم : ( أنا مع الناس ، إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساءوا أسأت .. ) 
وقال الله تعالى في أمثال هؤلاء : ( وقالوا : ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً (68) ) الأحزاب . 
وما أكثر هذا الصنف من الناس ! وما أسوأ ابتلاء عقولهم بهم .! 
فالإحسان والإساءة عند هؤلاء سواء ، ولا استعداد عندهم أن يغيّروا مواقفهم إلاّ إذا غيّر الآخرون الكبراء ، فعند ذلك تراهم يسارعون ، ويبرّرون ويفلسفون .. 
ترى نماذج هؤلاء في الأخلاق والعادات ، والسلوك والمواقف ، وفي أخطر القضايا وأهمّها كالعقيدة والعبادة ، كما في أدناها شأناً ، وأقلّها أهمّيّة ، كمظاهر السلوك والعادات ، وفي كلّ حال يبرّرون مواقفهم بمزيد من التقديس والتعظيم لكبرائهم .. 
2 ـ ومن مجانين العقلاء من يبذل النفيس الذي لا يعوّض ، من الشباب والصحّة والمال ، لينال التافه الخسيس ، وما أكثر هذا النوع ! وما أكثر نماذجه ! 
خذ مثلاً من يبدّد الأموال بتوافه الأعمال ، وخبائث المحرّمات ، كالخمور والمخدّرات ، وصحبة المفسدين الذين لا يكون منهم إلاّ السير في أودية الضلال .. 
ومن يضيّع أعزّ ما يملك من زهرة شبابه وميعة صباه باللهو والعبث ، وغيره يبني نفسه ، ويصنع مستقبله ، ويعمر آخرته .. 
وفي الحديث الصحيح : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغ ) . 
وهذا الحديث أصل كبير في موضوع هذا المقال ، نحبّ أن نقف عنده قليلاً ، لاستجلاء ما فيه من حقائق الوحي والهدى ، التي تضع الإنسان على المسار القويم ، يقول الإمام ابن حجر في شرح هذا الحديث : 
" قال ابن بطال : معنى الحديث أنّ المرء لا يكون فارغاً حتّى يكون مكفياً صحيح البدن ، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه ، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، فمن فرط في ذلك فهو المغبون . وأشار بقوله : كثير من الناس إلى أنّ الذي يوفّق لذلك قليل . 
وقال ابن الجوزيّ : قد يكون الإنسان صحيحاً ، ولا يكون متفرّغاً لشغله بالمعاش ، وقد يكون مستغنياً ، ولا يكون صحيحاً ، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون ، وتمام ذلك أنّ الدنيا مزرعة الآخرة ، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة ، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون ، لأنّ الفراغ يعقبه الشغل ، والصحة يعقبها السقم ... 
وقال الطيبيّ : ضرب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للمكلف مثلاً بالتاجر الذي له رأس مال ، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال ، فطريقه في ذلك أن يتحرّى فيمن يعامله ، ويلزم الصدق والحذق ، لئلاّ يغبن ، فالصحة والفراغ رأس المال ، وينبغي له ان يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس ، ليربح خيري الدنيا والآخرة . وقريب منه قول الله تعالى : ( هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم .. ) الآيات . وعليه ان يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح . وقوله في الحديث : " مغبون فيهما كثير من الناس " كقوله تعالى : ( وقليل من عبادي الشكور ) ، فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية . 
وقال ابن بطال : ومما يستعان به على دفع الغبن أن يعلم العبد أنّ الله تعالى خلق الخلق من غير ضرورة إليهم ، وبدأهم بالنعم الجليلة من غير استحقاق منهم لها ، فمنّ عليهم بصحة الأجسام وسلامة العقول ، وتضمّن أرزاقهم ، وضاعف لهم الحسنات ، ولم يضاعف عليهم السيئات ، وأمرهم أن يعبدوه ، ويعتبروا بما ابتدأهم به من النعم الظاهرة والباطنة ، ويشكروه عليها بأحرفٍ يسيرة ، وجعل مدّة طاعتهم فى الدنيا منقضية بانقضاء أعمارهم ، وجعل جزاءهم على ذلك خلودًا دائمًا فى جنات لا انقضاء لها مع ما ذخر لمن أطاعه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فمن أنعم النظر فى هذا كان حريًا ألا يذهب عنه وقت من صحته وفراغه إلا وينفقه فى طاعة ربه ، ويشكره على عظيم مواهبه والاعتراف بالتقصير عن بلوغ كنه تأدية ذلك ، فمن لم يكن هكذا وغفل وسها عن التزام ما ذكرنا ، ومرت أيامه عنه فى سهو ولهو وعجز عن القيام بما لزمه لربه تعالى فقد غبن أيامه ، وسوف يندم حيث لا ينفعه الندم . 
وقال حجة الإسلام : " الدنيا منزل من منازل السائرين إلى الله تعالى ، والبدن مركب ، ومن ذهل عن تدبير المنزل والمركب لم يتمّ سفره ، وما لم ينتظم أمر المعاش في الدنيا لا يتمّ أمر التبتل والانقطاع إلى الله " . 
وقال ابن عباس في قوله تعالى : ( ثمّ لتُسئلُنّ يومئذٍ عن النعيم ) ( التكاثر ) : النعيم صحّة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العباد فيما استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله تعالى : ( إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً ) 
3 ـ ومن مجانين العقلاء من لا يملك إرادة لعقله على سلوكه ، ولا قوّة ضابطة ، وإنّما سمّي العقل عقلاً لأنّه يعقل صاحبه عمّا يشينه ، ويكبح جماح النفس عن ركوب متاهات الهوى ، ولكنّ هذا الصنف عقله في واد ، وسلوكه في واد آخر .. فربّما عُذر الأخرق السفيه ، إذ هذا مبلغه من العقل ، ولكن أيّ عذر للعاقل إن لم يستعمل عقله .؟! 
وقد أثر عن بعض العقلاء الحكماء أنّه كان يكرّر على ابنه الناشئ كلّما أخطأ : " استعمل عقلك يا بنيّ .! " فلمّا سأله عن سرّ ذلك قال له : وهل رأيت خطأ من أخطأ ، وانحراف من انحرف إلاّ لتعطيل عقله ، وإبعاده عن ضبط سلوكه .؟! 
4 ـ ومن مجانين العقلاء من يعلم أنّه في الطريق الخطأ ، ويصرّ على الاستمرار فيه ، مكابرة وعناداً ، أو كسلاً وتراخياً عن اقتحام ميدان التغيير ، أو خشية كلام الناس ونقدهم ، ولن يبوء بالخسر سواه ، لأنّه يسترضي الناس على حساب شقائه وسوء عاقبته .. 
5 ـ ومن مجانين العقلاء من يعظّمون ما يُحتقر .. ويحتقرون ما يُعظّم .. فتراهم يلهثون وراء توافه الأمور وسفسافها ، ويعرضون عن معاليها ونفائسها ، وربّما ضيّع أحدهم يوماً من عمره أو أكثر ، لتحصيل ما لا يعود عليه بطائل .. 
وأظهر نموذج لهؤلاء من يتمسّك بالعادات والتقاليد ، ويعلم تفاهة كثير منها ، ولا يتخلّى عنها ، ولو كلّفته أشدّ العنت على نفسه وأهله وماله .. 
ومن يتتبّع « الموضات » القادمة من أعداء الأمّة والملّة في المجلاّت والإعلانات ، أوّلاً بأوّل ، وبكلّ لهفة وشغف ، ودون أدنى منطق من عقل ، أو حجّة من ذوق .. إلاّ أنّها من فعل فلان أو فلانة .. فأيّ عقل لهؤلاء .؟! 
6 ـ ومن مجانين العقلاء مَن تحكمهم اللحظة الحاضرة ، ولا يستشرفون العواقب ، ولا يفكّرون في المستقبل .. ولو وسّعوا أفق نظرهم قليلاً لأعادوا النظر بأحكامهم ، وغيّروا كثيراً من مواقفهم ، وخفّفوا كثيراً من غلوائهم .. 
فكم من رجل سارع في ساعة غضب إلى طلاق زوجته ثلاثاً أو أكثر ، ثمّ ركبته الندامة بعد قليل .! وأخذ يضرب يميناً وشمالاً يبحث عن الحلّ .. ثمّ تكرّر منه هذا الأمر مرّة بعد مرّة .. ويا أيّها المُفتون ! أنقذوا أسرتي من الخراب ..
وكم من رجل لا يعرف إلاّ العنف مع زوجته وأولاده ، والكبت والتسلّط ، ثمّ يقع في بيته عواقب عنفه ، من ردّة فعل لم يحسب لها حساباً ، فيندم ، ولات ساعة مندم .!
وعلى نقيض هذا من يترك الحبل لأهله على الغارب ، فلا يسأل ولا يحاسب ، ولا يوجّه ولا يعاتب ، ولا يعرف من خرج ومن ولج ، بدعوى الثقة وإعطاء الحرّيّة ، وعندما تقع الطامّة ، يعضّ الأصابع من الندامة .. 
7 ـ ومن أسوأ أنواع مجانين العقلاء مَن يبيع دينه بعرض من الدنيا .. كمن يبيع دينه ، ويدنّس شرفه بشهوة ساعة ، تعقبها ندامة عمر ، أو بغضب لحظة تقوده إلى مقتله ، أو يلهث وراء ما لم يكتب له ، فيذلّ نفسه ، ويهدر كرامته ، ويضيّع دينه في سبيله .. 
* ـ وشرّ منه من يبيع دينه بدنيا غيره .. كمن يرضى لنفسه أن يكون عبداً للطاغوت من دون الله ، وأداة بيد الظالم الفاجر ، يحرّكها كيف يشاء ، فيبلغ به مآربه ، ثمّ يرميه غير مأسوف عليه ، كما يرمي المنديل الوسخ .. 
* ـ وشرّ منهما من يبيع دينه بدنيا عدوّه .. كالجاسوس الخائن ، الذي يجسّ لحساب عدوّ دينه ووطنه ، في سبيل عرض دنيويّ تافه ، أو شهوة نفس دنيئة .. فحقّ على مثله القتل بلا رأفة ، لأنّه ميّت في صورة حيّ ، لا ترتجى حياته ، ولا يؤمل خيره ، بل هو مفسد في الأرض ، قد قتل نفسه ثلاث مرّات قبل أن يخون أمّته ، ويسعى في قتلها .. 
8 ـ ومن مجانين العقلاء من يأبى السلوك السويّ ، ويعرض عن الحلال الطيّب ، وهو رهن بنانه ، وطوع يديه ، ويسارع إلى الفعل الشاذّ ، ويركب الصعب إلى السلوك المعوجّ .. والله تعالى يقول : ( قل : لا يَستوي الخبيثُ والطيّبُ ، ولو أعجبكَ كثرةُ الخبيث ، فاتّقوا الله يا أولي الألباب ، لعلّكم تفلحون ) المائدة (100)
9 ـ ومن مجانين العقلاء من يرى عبر الحياة أمامه وحوله ، ومن أين أتي الناس فيما حلّ بهم من مصائب ، وما نزل بهم من بلاء ، ويسمع عن مصائر الغابرين من المفسدين ، فلا يتّعظ بما يسمع ، ولا يعتبر بما يرى ، ويصرّ على أن يسير مسارهم ، ويسلك مسالكهم ، ثمّ يستنكر ما يأتي به القدر ، وما يحلّ به من بلاء .! 
10 ـ ومن مجانين العقلاء من يعاند الحقّ ، وقد قامت حجّته ، وخفقت أعلامه ، وسطعت براهينه ، وعمّت خيراته ، وتهاوت شبهاته ، وأذعن له المنصفون العقلاء ، وشهد له الأعداء ، وسارع إليه السعداء .. فماذا أضرّ الحقّ هؤلاء .؟! إنّه الحقد والكبر ، الذي يملأ القلوب ، ولا يضرّ إلاّ أصحابه ، ولا يصطلي بناره إلاّ موقدوها .. ( إنّ الذين يجادلون في آياتِ الله بغير سُلطان أتاهم ، إن في صُدورهم إلاّ كبرٌ ما هُم ببالغيه ، فاستعِذ بالله ، إنّه هُو السميعُ البصيرُ (56) ) غافر
وأظهر مثل عن هذا النوع من المجانين أولئك الشيوعيّون ، ومن كان على شاكلتهم ، الذين افتضحت أنظمتهم ، وتهدّم بنيانهم ، وسقطت نظريّتهم ، وظهر عوارها ، وانكشفت سوآتها ، وانفضّ عنها أتباعها في أرضها وديارها ، وتفرّق أنصارها ، وارتفعت أصواتهم في نقدها وفضحها .. وبقي فريق من الأذناب التافهين يكابرون ويعاندون ، ويصرّون على التعلّق بأذيالها ، والتحمّس لها ، والتهالك في الدفاع عنها ، أفليس هؤلاء مجانين في صورة عقلاء .؟! وماذا أضرّ الحقّ هؤلاء .؟! 
لقد ضرب الله في القرآن الكريم لهؤلاء مثلاً ، يدلّ على مبلغ جنونهم ، واستغلاق عقولهم ، يقول الله تعالى : ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متمّ نوره ، ولو كره الكافرون (8) ) الصفّ . 
وإنّ من يتطاول ليطفئ نور الشمس بفمه نقول عنه مجنون ، فماذا نقول عمّن يريد أن يطفئ نور الله بفمه .؟! أفليس هو أجنّ المجانين .؟! ومع ذلك فهذا الصنف من الناس يصرّون ويكابرون ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ..! 
والسؤال المهمّ أخيراً في هذا المقام : كيف يبتلى الإنسان العاقل في ظاهر الأمر ، فيكون مجنوناً بصورة من هذه الصور ؟! وكيف له أن يستمرئ هذا الحال ، ويرضى به .؟! 
إنّها معادلة بسيطة ظاهرة ، ولكنّها واسعة متشعبّة ، عميقة متجذّرة ، في حياة الإنسان وسلوكه ، لا ينجو منها إلاّ من استنارت بصيرته بنور الإيمان والعلم ، وحفّته عناية الله وتوفيقه قبل كلّ شيء :
إنّه نقص العلم + غلبة الهوى = تعطيل العقل وتغييبه . وتعطيل العقل هو الجنون بكلّ صورة من هذه الصور ..غنيّ عن البيان أنّ غلبة الهوى وراءها الشيطان المتربّص بالإنسان ، كما يتربّص الوحش الكاسر بفريسته .. وعندما يغلب الهوى ويتمكّن ، يستحوذ الشيطان على الإنسان وينسيه ذكر الله ، فما أبعده عندئذٍ عن الفلاح إلاّ أن يشاء الله ..وبعد ؛ فممّا هو شائع عند عامّة أهل الشام دعوة حكيمة : " اللهمَّ يا مالكَ يوم الدين ، ثبّت علينا العقل والدين " ، فالعقل والدين صنوان ، لا يفترقان إلاّ كان أحدهما بلاء على صاحبه . وهم يقولون ذلك كلّما رأوا خروج أحد عن منطق العقل وبداهته ، وتندّراً ببعض المواقف والتصرّفات .. 
وممّا سمعت من بعض المشايخ كلمة مأثورة لم أعرف قائلها : " من عصى الله فارقه عقل لا يعود إليه أبداً .. " إلاّ أن يتوب . 
فيا ربّ لك الحمد على نعمة العقل ، ونسألك أن تحفظ علينا ديننا وعقولنا ، وتلهمنا رشدنا ، وتعيذنا من تسلّط الأهواء علينا ، وتحكّم المحن بنا ، وتأخذ بنواصينا إليك ، ولا تجعل للشيطان علينا سبيلاً 

خواطر من شواهد


النظرية، بحث تستخدم في الوصول إلى نتائجه ملايين الكلمات، لكي يتم التعبير عنه في نهاية المطاف بكلمتين أو ثلاث!! والله قد جعل لنا تجارب الحياة بماضيها وحاضرها ومستقبلها في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!! فهل نحن آخذون به لنجاة دنيانا وآخرتنا؟!
تقلب القلب ناتج عمَّا يحيط به من شواغل، وله على الخير والشر بابان، فإن غلبت عليه شواغل الدنيا، طرق الشر أبوابه؛ ليفسده، وإن غلبت عليه هموم آخرته، طرق عليه الخير أبوابه؛ ليصلحه، فقاوم شواغل الشر بجعل الآخرة أكبر همك، فإن صلاح قلبك وحده فقط، هو مناط نجاتك يوم القيامة!! 
شيطان الوحدة يستعين بأمرين؛ ليثير في نفسك بواعث رغبتها في الحصول على المحظور، أولها فقدانك الصحبة الصالحة التي تخمد بواعث الشر في نفسك، وثانيها ضعف المراقبة الناتج عن تلك الوحدة، فهل ستجعل الله أهون الناظرين إليك؟! أم سوف تستنفر كل قوى الإخلاص في قلبك، وتستشعر اطلاع الله عليك؟!
المعصية، ترافقها لذة عاجلة سريعة الزوال، ويعقبها همٌ وغمٌ طويل المآل!! فارحم نفسك من هَمٍ يطول بلذةٍ تزول!! واستعلي عن شهوةٍ حيوانيةٍ رخيصةٍ، بالشوق إلى جنان حباها الله بطول اللذات، والمتع البهيجة!!
دمعة ظرفت من عينيك رجوت بها عفو ربك، وأشفقت بها من العذاب على نفسك، هل ترى الله معذبك بها وهو أرحم الراحمين؟! فأكثر من الخلوات واستحضر العبرات، فهذه الدموع وحدها، هي أسرع بريد لاستجلاب رحمات ربك!!

2016-10-10

لنتعلم من أطفالنا


الحمدلله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ أما بعد 
فليس عيبا أن نتعلم من أطفالنا ، ومن تأمل في تصرفات الأطفال وجد أن الطفل يملك من مهارات الحياة ما لا يملكه الكبير ويستمتع بحياته استمتاعاً لا يحلم كثير من الكبار أن يعيش جزءا منه فقط .
فتعال أخي الكريم لنتعلم من مهارات الأطفال :
فالأطفال رغم كثرة البكاء لا يتوقفون عن المحاولة والعجيب أنهم يحققون أهدافهم دائماً ؛ فهم يركزون فقط على ما يريدون وليس على ما يحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم .
هم يتجاهلون حجم الصعوبات التي تعترضهم.
فتجاهل حجم الصعوبات التي تقابلك قد يكون مفيد لك أحيانا في جعلك تستطيع تجاوزها .
وتكرار المحاولة يجعل نسبة النجاح في كل محاولة جديدة ترتفع إلى الأعلى .
كثير من الناس يتوقفون عن المحاولة ويستسلمون 
عندما لا يكون بينهم وبين تحقيق أهدافهم إلا محاولة واحدة فقط .
والطفل ينسى إخفاقاته السابقة ؛ بل وينسى أحيانا كل الآلام التي أصابته بسبب محاولته .
فتعلم منه هذه الميزة الإيجابية ؛ لأن كثير من الكبار يصبح ويمسي على ذكرى إخفاقاته وفشله.
والطفل ينسيه إحسانك له إساءتك السابقة له
وبعض الكبار يكفي ليشطب تاريخك معه إساءة واحدة فقط .
والطفل عندما يسامح يسامح حقيقة فلا يبقى في قلبه غل ولا حقد ،وبعضهم يصافحك يقابلك بابتسامة وقلبه يغلي عليك حقداً .
والطفل يحاول أن يتأقلم حسب المكان الذي يكون فيه ،وأنت أيضاً حاول أن تتأقلم مع كافة ظروف حياتك .
والطفل يمتلك ابتسامة ساحرة تملك القلوب وهو لم يُحسن الكلام بعد ؛ فما رأيك أن ترسم على محياك مثل تلك الابتسامة الرائعة .
والطفل لا يتكلف في حياته بل يعيش بطبيعته ؛ فما أجمل أن ننبذ التكلف ونعيش البساطة. 
والطفل يحاول أن يكتشف الحياة من حوله ؛ ونحن بحاجة لاكتشاف الحياة من حولنا وتعلم الجديد والمفيد وتطوير أنفسنا .
والطفل يثق فيمن حوله ثقة عمياء ، ونحن بحاجة أن نعطي من حولنا المزيد من الثقة . 
والطفل يرى أنه الأفضل دائما ونحن بحاجة إلى الرضى بما نحن فيه والتطلع للأفضل والسعي إليه .
والطفل أجبن ما يكون عندما يتيقن أن الأمور لا تسير في صالحة ونحن بحاجة للإحجام عندما تكون الأمور لا تسير وفق تطلعاتنا .
فليست الشجاعة الإقدام دائما حتى قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص أعياني ياعمرو أن أعرف أشجاع أنت أم جبان ؟
قال عمرو إن كانت الفرصة لي أقدمت وإن لم تكن لي أحجمت !
والطفل يلح على والديه ويبكي رجاء تحقيق ما يريد ونحن ولله المثل الأعلى بحاجة إلى أن نبكي بين يدي الله سبحانه ونلح عليه فيما نريد .
والحق يقال أن المهارات الحياتية التي يحسنها الأطفال كثيرة لكن أكتفي بما ذكرت وأسأل الله أن يكون نافعاً لي ولكم ولجميع المسلمين .

إخلاص الإخلاص


ذكر الذهبي في السيَر عن أبي حاتم الرازي قال : حدثنا عبدة بن سليمان المروزي قال : كنا سريّة مع ابن المبارك في بلاد الروم ، فصادَفَنا العدو ، فلما التقى الصفان ، خرج رجل من العدو فدعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل من المسلمين فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم دعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل من المسلمين فطارده ساعةً فطعنه المسلم فقتله ، فازدحم إليه الناس ، فنظرتُ فإذا هو عبدالله بن المبارك ، وإذا هو يكتم وجهه بكمّه ، فأخذتُ بطرف كمّه فمددته ، فإذا هو هو.
فقال : وأنتَ يا أبا عمرو ممن يشنّع علينا ! 
لا أجد عنواناً يناسب هذه القصة إلا (إخلاص الإخلاص) فهو من المعالم الواضحة فيها وفي حياة السلف عموماً والتي ينبغي الاسترشاد بها والسير على طريقها.
فتأمل في القصة السابقة إخلاص هذا الإمام رحمه الله في هذا العمل الصالح المتمثل في إخفاء نفسه عن أنظار الناس ، في موقف يُتشوّف فيه لإظهار النفس ، وتأمل إخلاصه في هذا الإخلاص حيث غضب على من كشفه وأظهره للناس.
سأتكلم بإذن الله عن هذا الموضوع من خلال نقاط غير مرتبة تأملتها علّ الله أن ينفع بها راقمها وقارئها :
١- إخلاص العمل لله سبحانه فيه مشقة وعسر إلا من يسره الله تعالى عليه لأن الإخلاص عمل قلبي خفي لا يطّلع عليه البشر وليس للإنسان فيه نصيب ولأنه يحتاج إلى عناية مستمرة فالنية تتقلب ، وكذلك ارتباط الإخلاص بكل عمل يعمله المسلم صغيراً كان أم كبيراً. 
قال يوسف بن الحسين : (أعز شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لون آخر) 
ويقول سفيان الثوري : (ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تتقلب عليّ) 
ويقول يوسف بن أسباط : (تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد) 
٢- إخلاص الإخلاص قدر زائد على الإخلاص فهو كالقيد لهذا العمل يحفظه من الضياع وكالصندوق يحمي به المسلم عمله من أن يسرقه وسوسة شيطان أو ثناء إنسان.
فالمسلم إذا أخلص في عمل ، يجب عليه أيضاً أن يحافظ على هذا الإخلاص بإخلاص آخر يصاحبه ويستمر معه فيخلّصه من شوائب الرياء.
٣- من مظاهر عدم الإخلاص في الإخلاص إظهار النحول والتعب ليدل به على صومه بل والتحدث عن مشقة العبادات فتجده مثلاً يقول لقد لقينا من حجنا أو صومنا هذا نصباً وربما ذم نفسه أمام الملأ ليزيّن نفسه بذلك.
يقول مطرف بن الشخّير : (كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند الله سفه)  ومن المظاهر العجب بإخلاص العمل ، بل تعدى الأمر ببعض الأفراد إلى نشر ما يقومون به من أعمال دعوية وخيرية على وسائل التواصل الاجتماعي ونقش هذه الصور على توبيكاتهم وحساباتهم الشخصية وكأنهم ينبهون الناس على فضيلتهم ومزيتهم ، بل ترى بعض هؤلاء عندما تدخل إلى بيته كيف صف الدروع والشهادات وربما علق القصائد التي تشيد بجهوده وإنجازاته ، وغيرها كثير من هذه المظاهر التي ينفر منها أهل الحق. 
4- كما تجتهد في أول العمل بمحاولتك الإخلاص فيه فاجتهد أيضاً بعد العمل إذا أخلصت فيه بكف صوارف الإخلاص من رياء وحب مدح وغيره ، فالبعض يظن أن الإخلاص يكون في أول العمل فقط.
جاء عن سليمان الهاشمي أنه قال : (ربما أحدث بحديث واحد ولي نية ، فإذا أتيت على بعضه تغيّرت نيتي فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات)
5- جاء ما يؤيد هذا المعنى في البخاري ومسلم مرفوعاً في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة حيث سألوا الله بصالح أعمالهم ، والتي يجمع بينها الإخلاص ، حيث أنهم لم يذكروا هذه الأعمال الخفية لأحد إلا في هذا الموضع الذي احتاجوا فيه لذكرها والتوسل بها إلى الله ليفرج عنهم كربتهم ولذلك استجاب الله لهم دعائهم لعلمه بصدق إخلاصهم.
6- إخلاص الإخلاص كما يكون في الفعل يكون في الترك أيضاً ففعل الطاعة وترك المعصية كلاهما يحتاج إلى إخلاص الإخلاص فيهما ، فكما تجتهد في إخلاصك في الطاعة فاجتهد أيضاً في إخلاصك في ترك المعصية ، فكم إنسان تحدّث عن صبره في مقاومة معصية من المعاصي وكيف تركها مع توفر الدواعي لها ، فهذا مما ينافي إخلاصه في ترك المعصية.
7- استواء كتم الحسنات بكتم السيئات من علامات إخلاص الإخلاص ، فإذا كان المسلم يتضايق ويتململ من انتشار حسنته بين الناس مثل تضايقه من انتشار سيئته بينهم فهو على خير.
جاء عن ابن حازم أنه قال : (اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك) 
8- ولا يدخل في هذا الموضوع من ترك العمل لأجل الناس ظناً منه أنه من الإخلاص ، قال الفضيل : (ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما) 
9- هذا الموضوع قد يمتد معك حتى بعد موتك ، قال بشر بن الحارث : (قد يكون الرجل مرائياً بعد موته يحب أن يكثر الخلق في جنازته) 
فيعمل الأعمال الصالحة وربما يخلص فيها لكنه يتمنى أن يذكره الناس بعد موته بتلك الأعمال التي قام بها في حياته. 
10- هنا مسألة مهمة ألا وهي أنه إذا كان العمل لله وشاركه الرياء؟
إذا شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه وحبوطه ، أما إذا كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فإن كان خاطراً ودفعه فلا يضره بغير خلاف ، وإن استرسل معه فيبطل إذا كان العمل يرتبط أوله بآخره مثل الصلاة والصيام ، وأما ما لا يرتبط ببعضه مثل القراءة والذكر فإنه يبطل بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية.
ونختم هذا الموضوع ببستان جميل من قصص السلف الصالح في هذا الباب لعلها تنبه غافلاً أو تذكر ناسياً فمن هذه القصص :
تقول سريّة للربيع بن خثيم : (أنه كان يدخل على الربيع الداخل وفي حِجره المصحف فيغطيه) 
وجاء عن الأعمش أنه قال : (كان عبدالرحمن بن أبي ليلى يصلي فإذا دخل الداخل نام على فراشه) 
وعن حماد بن زيد قال : (كان أيوب في مجلسه فجاءته عَبرة فجعل يمتخط ويقول : ما أشد الزكام) 
وعن ابن واسع أنه قال : (إن الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم) 
وجاء عن عاصم أنه قال : (كان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجاً ولو جُعلت له الدنيا على أن يفعله وأحدٌ يراه مافعله) (15)
وعن عبيد الله بن أبي جعفر أنه قال : (إذا كان المرء يحدّث في مجلس فأعجبه الحديث فليمسك وإذا كان ساكتاً فأعجبه السكوت فليتحدث) 
وجاء عن سهل بن منصور أنه قال : (كان بِشر يصلي فيطوّل ورجل ورائه ينظر ففطن له فلما انصرف قال : لا يعجبك ما رأيت مني ، فإن إبليس قد عَبَدَ الله دهراً مع الملائكة) 
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. 
وقال عون بن عبدالله في نصيحة للمتصدقين والمنفقين : إذا أعطيت المسكين فقال لك بارك الله فيك فقل أنت : بارك الله فيك ، حتى تخلص لك صدقتك. 
وجاء عن مقدم برنامج (صفحات من حياتي) الأخ فهد السنيدي أنه طلب لقاء من الشيخ محمد بن سبيّل رحمه الله ليتكلم عن سيرته فقال : (يا فهد سيرتنا وأعمالنا الظاهرة هذه يعرفها الناس ، وأما أعمالي الخفية لا يمكنني أن أتحدث عنها).
وهذا غيض من فيض.
نسأل الله تعالى الإخلاص في حركاتنا وسكناتنا وأن يعاملنا بعفوه ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
وصلى والله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

مفارقات بين الخلق والخالق


كم هو الفرق عظيمٌ بينَ الخَلْقِ والخالق، بينَ الخلقِ المطبوعين على النقص والضعف والتقصير، وبين الخالقِ الكاملِ ذي القوَّة المطلقة. 
إنَّ الخَلْقَ يغضبون إذا سألتهم وأكثرت من سؤالهم، أما الخالق فهو الذي حثَّك على سؤاله، ويجيب دعوة الداعي، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وإذا ذكرتَ الله في نفسك ذكرَكَ في نفسه، وإذا ذكرتَهُ في ملأ ذكرَكَ في ملأٍ خير منهم.. 
فالله الودود قد تكفل لعباده وهو الغني عن العالمين بأن من ذكره وحمده أن يشرِّفه الله عز وجل ويذكره ويكون معه، ففي الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة). متفق عليه. فمن ذكر الله بالتنزيه والتقديس سرّاً ذكره الله تعالى بالثواب والرَّحمة سرّاً، وإن ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منهم. 
إنَّ الخَلْقَ يضيقون بتكرر الخطأ منك وقد لا يقيلون العثرات ولا يقبلون الاعتذار، أما الخالق فهو الذي أمر عباده بالتوبة وهو يحب التوابين، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ). 
وقال النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام: (لَـلهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ في أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَاني الَّذِى كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ) متفق عليه واللفظ لمسلم. 
وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) متفق عليه واللفظ لمسلم. أي: ما دمتَ تذنب ثم تتوب غفرت لك. 
إنَّ الخالقَ يوفق عبده للطاعة ثم يشكره ويثيبه عليها، أما الخَلْق فقد لا يساعدوك على الخير، ثم إنْ فعلتَ الخير فقد يشكروك وقد لا يشكروك عليه، وإذا شكروك فإنَّ شكرَهم ناقصٌ محدودٌ، أما الخالقُ فهو الذي يوفِّق عبادَه للطاعات ثم يُثيبُهُم عليها، قال تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أبَداً وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). 
وقال سبحانه: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). 
إن التذلل والخضوع لله هو العزُّ والشرف ويقودك إلى الرفعة والكرامة، أمَّا الخضوع للمخلوقين فهو الذل والهوان. 
ففي العبودية لله يوفقك الله إلى ما فيه خيرك ونفعك وصلاحك، أما في العبودية للبشر فهي تقوم على الأنانية والأثَرَة ففيها يأخذ السيدُ مصلحتَه ومنفعتَه من غلامه ولا يهتم بعد ذلك بخيره ومنفعته.
إنَّ الخَلْقَ إذا أرادوا مجازاة أحد كان جزاؤهم محدوداً منقطعاً، أما الخالق فيجزي عن الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبعمائةِ ضِعْفٍ إلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً). 
وقال رَسُول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً). متفق عليه. 
إنَّ الخَلْقَ لا يعترفون بالنيَّات الحسنة ولا يكافؤون عليها، أما الخالق سبحانه فيرحم ضعفك ويكتب لك أجرَ ما نويتَ من الخير وإنْ لم تستطع فعله، عن جابر الأنصاريِّ رَضي اللهُ عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ ، فَقالَ : (إِنَّ بالمدِينَةِ لَرِجَالاً ما سِرْتُمْ مَسِيراً ، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً ، إلاَّ كَانُوا مَعَكمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ). وَفي روَايَة: (إلا شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ) الروايتان رواهما مسلم. 
وفي رواية عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال : (إنَّ أقْواماً خَلْفَنَا بالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادياً ، إلاّ وَهُمْ مَعَنَا فيه؛ حَبَسَهُمُ العُذْرُ). رواه البخاري. 
وكذلك إذا كنت تعمل العملَ وأنت في صحتك وعافيتك، ثم حال بينك وبين هذه العمل مرض أو سفر، كتب اللهُ لك أجرَ ما كنتَ تعمله في حال عافيتك أو إقامتك، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً). رواه البخاري. 
إنَّ الخَلْقَ قد يتقربون إليك لمصلحة يرجونها منك، أما الخالق فإنه يتودد إليك ويغمرك بإحسانه وهو ليس بحاجة إليك فهو الغني عن العالمين. 
إنَّ الخلقَ قد ينافسونك ويحقدون عليك ويتمنون لك الشر، أما الخالق فيريد لك الهداية ويريد أن يتوب عليك، ويريد أن يخفف عنك، قال تعالى: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً). 
وقال: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وقال سبحانه: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). 
إن إرادة الخالق مطلقة لا يحدُّها شيء، أما إرادة الخلق فهي ضعيفة ومحدودة، (وَمَا تَشَاؤونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ)، فعندما تعتمد على الله وتتوكل عليه فأنت تتوكل على القوي القادر الذي لا يعجزه شيء، قال سبحانه: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). وقال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). 
فقدرة الله تَخرِقُ القوانين المعروفة، فقدرته هي التي جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهي التي نصرت المؤمنين في مواقع كثير على قلة عددهم وعتادهم، فلا يمكن لشيء أن ينفع أو يضر إلا بإذن الله تعالى، فالله هو الذي جعل النار محرقة فهي لا تحرق بذاتها، فإذا أراد لها أن تكون برداً وسلاماً صارت كذلك، قال ابن عباس: (لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من شدَّة بردها). 
فالله الذي جعل النار برداً سلاماً هو الذي يجعل المِحَن مِنَحاً وعطايا، ويجعل الفقرَ والحاجةَ سعةً وغنى، ويجعل الهمومَ والأحزانَ أفراحاً ومسرَّات، ويجعل المنعَ عطاءً ورحمةً، وهذا كلُّه لمن توكَّل على الله تعالى وأيقن به وأحسن الظن بالله سبحانه. 
10ـ إن أصحاب المكانة من المخلوقين يصطنعون لأنفسهم حُجَّاباً وحُرَّاساً، ويمنعون كثيراً من الناس من الدخول إليهم أو إرسال حاجاتهم، أما الخالق سبحانه فأيُّ مسلم في أطراف الأرض، وفي فجاج البحر، يستطيع بمفرده أن يتصل بربه، ولا يحتاج إلى واسطة في سؤاله، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). 
11ـ إنَّ الخَلْقَ قد ينظرون إلى نسبك أو بلدك أو لونك، أما الخالق فإنه ينظر إلى قلبك وعملك، فالعلاقة بين الخلق والخالق تقوم على أساس العبادة وحدها، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ). رواه مسلم. 
12ـ إذا اقترض أحد من الخلق مالاً منك، فإنه إذا رده رده كما هو، أما الله سبحانه فيضاعفه أضعافاً كثيرة وهو ثواب خالد لا يفنى، قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً). وقال: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ). 
والذي يقدم المعروف إنما يقدمه لنفسه، قال سبحانه: (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً). 
فهل لعاقلٍ بعد هذا أنْ يعلقَ قلبَهُ بالمخلوقين ويكونَ همُّهُ منصرفاً إلى إرضائهم ويتركَ إرضاءَ الخالقِ الذي بيده قلوب العباد وله الملكُ كلُّه..
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.

فضل لا إله إلا الله


لا إله إلا الله مفتاح السعادة لا إله إلا الله مفتاح الفوز لا إله إلا الله مفتاح الفلاح والنجاح لا إله إلا الله طريق الطمأنينة والسكينة طريق القوة والعزة فهي الكلمة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه, ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة, وبها تؤخذ الكتب باليمين أو الشمال, وبها النجاة من النار بعد الورود, وبها أخذ الله الميثاق, وعليها الجزاء والمحاسبة, وعنها السؤال يوم التلاق إذ يقول تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة, وهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره \"فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا\" فلا إله إلا الله.. هي كلمة التقوى : وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا. وهي القول الثابت : يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ. وهي الكلمة الطيبة: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء , أصلها ثابت في قلب المؤمن, وفرعها العمل الصالح في السماء صاعد إلى الله عز وجل. وهي التي من أَجْلِها أرسل الله الرسل، فما من رسول إلا ودعا قومه إلى «لا إله إلا الله»، وأوذي من أجل «لا إله إلا الله»، وهي أعلى شعب الإيمان؛ يقول صلى الله عليه وسلم«الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». وهي أفضل الذكر،. ففي الحديث: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله».وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) ) 
ولهذه الكلمة شروط من حققها قبلت منه وتحقق له ما أخبر الله به من دخول الجنة وشروطها :
1- العلم أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وصرف العبادة له يقول تعالى:فاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ[محمد: 19].
2- اليقين الذي يقتضي التيقن أن الله المعبود بحق لا غيره يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله [الحجرات: 15].
3- القبول لهذه الكلمة وعدم ردها؛ فلقد عرضت على قريش فردوها وقالوا:أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5].
4- الانقياد والاستسلام لله تعالى والسلامة من الشرك قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر: 54] 
5- الصدق؛ يصدق بها العبد ولا يكذب، ويصدق من جاء بها وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[الزمر: 33]،
6- الإخلاص المنافي للشرك «من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل الجنة»
7- المحبة: بأن يحب الكلمة، ويحب المستحق لها، ويحب في الله ويبغض في الله، ويوالي في الله ويعادي في الله ففي الحديث: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...».
اللهم اجعلنا من أهل (لا إله إلا الله)، ومن الداعين إليها، وممن يحيا عليها ويموت عليها ويدخل الجنة بها، وممن يحققها بشروطها. إنك سميع مجيب.اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله ..اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين

2016-10-06

مسائل في صيام عاشوراء


الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته نوافل يتقربون بها إلى الله عز وجل، تزداد بها محبة الله لهم، كما قال عز وجل «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» (رواه البخاري)
فالمسلم ينبغي عليه أن يحافظ على هذه النوافل ولا يتركها، أو يتكاسل عن أدائها، ومن هذه النوافل صيام عاشوراء وفيه مسائل فأقول مستعيناً بالله :
🔳 المسألة الأولى : يستحب للمسلم الإكثار من الصيام في شهر المحرم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم )) رواه مسلم
🔳 المسألة الثانية : ولا يشرع صيام الشهر كله ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الشهر تاما إلا شهر رمضان .
🔳 المسألة الثالثة : ويتأكد في هذا الشهر صيام يوم عاشوراء لما ورد فيه من الفضل العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم
🔳 المسألة الرابعة : الصحيح أن المراد بعاشوراء هو اليوم العاشر
🔳 المسألة الخامسة : كان صومه واجبا في أول الأمر ثم نسخ ذلك حين وجب صوم رمضان
🔳 المسألة السادسة : يستحب مخالفة اليهود فرغب في صيام التاسع مع العاشر أخرج مسلم في صحيحة أن رسول الله عليه وسلم قال ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)
🔳 المسألة السابعة : صيام عاشوراء على مرتبتين :
الأولى : أن يصوم التاسع والعاشر، وهذا هو الأفضل.
الثانية : أن يصوم العاشر فقط، وهذا جائز وإن كان خلاف الأولى ، ولا دليل لمن كره ذلك.
🔳 المسألة الثامنة : وقد ذكر بعض أهل العلم مرتبة ثالثة وهي صيام يوماً بعده ، والصحيح أن ذلك لا يشرع لأسباب :-
١ - الحديث المروي فيه لا يصح فقد رواه ابن أبي ليلى وهو سيء الحفظ
٢- وفيه مخالفة للأحاديث الصحيحة ، والمحفوظ في الصحيح هو التاسع والعاشر
٣- لا حجة لمن استحبه من التابعين
🔳 المسألة التاسعة : من وجد نشاطاً وصام ثلاثة أيام ولم يعتقد استحباب اليوم الثالث بخصوصه فحسن لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ))
🔳 المسألة العاشرة : يستحب صيام عاشوراء للسافر كما ذكر ذلك ابن رجب وهو اختيار الإمام أحمد
🔳 المسألة الحادية عشر : يجب تبيت النية من الليل في صيام الفرض ويستحب في النافلة ويصح صيام النافلة من النهار واختلفوا في أجره هل هو من اليوم أو من النية والذي رجحه ابن عثيمين رحمه الله من النية فعليه يستحب تبيت النية لعاسوراء من الليل
🔳 المسألة الثالثة عشر : من كان عليه قضاء من رمضان فلا يخلو من حالات :
الاولى : يصوم القضاء ثم يصوم عاشوراء وهذا الأفضل لأن أداء الفرائض مقدم على النوافل
الثانية : صيام عاشوراء وتأخير القضاء وهذا جائز لأن القضاء موسع
الثالثة : أن ينوي القضاء وعاشوراء فله أجر القضاء وأجر عاشوراء فقد أجازة جمع من أهل العلم منهم العلامة ابن عثيمين
🔳 المسألة الرابعة عشر : يكفر صيام يوم عاشوراء الصغائر قال النووي : يكفر كل الذنوب الصغائر وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر ، قال شيخ الاسلام : وتكفير عاشوراء للصغائر فقط
🔳 المسألة الخامسة عشر : إن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنه ورفعت له به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن يخفف من الكبائر قاله النووي في المجموع
🔳 المسألة السادسة عشر : قد ضل في هذا اليوم طائفتان :
الأولى : اتخذت هذا اليوم فرحا وإظهارا للسرور وهذا مسلك الصوفية .
الثانية : اتخذت هذا اليوم مأتما وإظهارا للحزن وهذا مذهب الرافضة.
والله أسأل أن يوفق المسلمين لما يحب ويرضى من الأقوال والأفعال والصالحة ، والحمد لله رب العالمين.