السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2020-10-29

المعلم الأول: محمد صلى الله عليه وآله وسلّم

 



نقبل على ربنا نخلص نوايانا نسارع إلى الخير كما كان يفعل رسول الله نصل أرحامنا ، نحب للناس من الخير ما نحب لأنفسنا نتراحم فيما بيننا ونتصافي ونتجاوز ما استطعنا عن الهفوات والزلات...

في مثل هذه الأيام المباركة ونحن نسري عن نفوسنا ونحن نروح عن قلوبنا بذلك الحديث الماتع عن المبعوث رحمة للعالمين نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد صلي الله عليه وسلم أود أن أقول:

إن أعظم صورة أراها تصلح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نأتى الى ما درسناه وإلي ما عرفناه وما تعلمناه من هديه وسنته وأخلاقه عليه الصلاة والسلام فنجعله فى حياتنا واقعاً نتعايش به ونتحرك فى نوره..
" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر "

فكما بعث النبي الخاتم رحمة.. بعث النبي الخاتم معلما..بعث النبي الخاتم ليتمم مكارم الأخلاق.. بعث النبي الخاتم بالحنيفية السمحة.
"لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"

فعلى كلٌ واحد منا في موضعه في بيته مع والديه مع جيرانه مع أقاربه مع زوجه وولده وصحبه يضرب من نفسه المثل في التمسك والمحبة والرضا والعمل بسنة الحبيب المصطفى صلي الله عليه وسلم

كل واحد منا في محل عمله وفي موضع إنتاجه وفى موضع عطائه يطبق ما عرف من صدق وإخلاص وعلو همة رسول الله صلى الله عليه وسلم علي نفسه

نحن لا نريد أن نتحول كلنا إلى دعاة على المنابر وإنما نريد أن نتحول كلنا إلى نماذج مصغرة مما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم

نعلم الناس الخير ونرفق بهم ونصبر عليهم تأسيا برسول الله صلي الله عليه وسلم
فبالحلم وبالنفس الطويل وبسعة الصدر نستطيع بفضل الله تعالي أن نعلم الجاهل وأن نقوم المعوج وأن نفتح القلوب المغلقة وأن نزرع المعروف في النفوس المؤمنة وأن نصلح ما فسد من العادات والأخلاق

قال عليه الصلاة والسلام " «إنما بعثت معلما» "
قلت: ولم يكن أحد أحسن تعليما منه صلي الله عليه وسلم لم يكن يكهر ولا ينهر ولم يكن يكل ولا يمل..

علم الصغار فقال لأحدهم وهو عمر بن أبي سلمة يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك، وزرع في الآخر حب الله وخشية الله فقال والله يا أنس لولا خوف الله ولولا خشية الله لضربتك بهذا المسواك

وعلم الشباب فقال لأحدهم كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وقال للآخر أحكم السفينة فإن البحر عميق واستكثر من الزاد فإن السفر طويل وخفف الحمل فإن العقبة كؤود وأخلص العمل فإن الناقد بصير

وعلم الشيبان فقال لأحدهم خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله وقال للآخر لا يزال لسانك رطب من ذكر الله تعالي

وقف رسول الله بين أصحابه معلما ومربيا وناصحا أمينا يعظهم ويعلمهم ويفقههم باللين تارة وبالحلم تارة والصبر تارة أخري وقد كان من أصحابه السهل وكان منهم الصلب فما كان أحد أحسن تعليما للجميع منه عليه الصلاة والسلام

ورد في الصحيح أن أعرابيا حضر مجلسا لرسول الله وكان ذلك المجلس في المسجد النبوي فينما الأعرابي بالمجلس إذ وجد حقنا من بوله فما كان منه إلا أن قصد ناحية من المسجد ووقف يبول فيها
فطار الصحابة إليه فنهروه وزجروه وقالوا مه! مه!
فقال معلم الأمة عليه الصلاة والسلام دعوه ولا تزرموه لا تقطعوا عليه بولته
فتركوه حتي بال.. ثم إن النبي دعاه فحضر فقال له النبي هل
أنت مسلم؟
قال بلي يا رسول الله..قال فما حملك أن بولت بمسجدنا؟
فبان من كلامه أنه جاهل لا مستخف ولا معاند قال والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما حسبته مسجدا ما ظننته إلا صعيدا من الصعدات فبولت فيه..
فأمر النبي صلي الله عليه وسلم بذنوب من الماء فأفرغ علي بولة الأعرابي وهو يقول معلما لأصحابه إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين..
ثم علم الأعرابي فقال إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاء وقراءة القرآن وقع هذا الأسلوب التربوي علي قلب الأعرابي وقوع العافية علي قلب السقيم ووقوع الثروة علي اليتيم وتحت قوة التأثير أخطأ في التعبير فقال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا..
فضحك رسول الله وقال لقد ضيقت واسعا يا أخا العرب.

فما أحوج كلُّ واحد منا في موقع إنتاجه وعطائه وفي بيته ومع زوجه وولده وجاره وصحبه وبحسب ما منَّ الله به عليه من قدرات فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها أن يتحري وأن يتحسس هدي النبي عليه الصلاة والسلام ففي اتباع الهدي النبوي نجاة وأي نجاه !!!

الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم معلما ومربيا.. بقي لنا أن نقول:

قبل أيام تألمت قلوبنا وحزنت نفوسنا أن أساء أحدهم بألفاظ وكلمات ورسومات لا تليق بالنبي محمدصلي الله عليه وسلم

حق لك مسلم أن يغار علي رسول الله حق لكل غيور أن يدافع عن رسول الله وأن ينافح عنه بكل طريقة ممكنه فنصرته صلي الله عليه وسلم واجب علي كل مسلم

ومن الواجب أيضا أن نعلم أول خطوة في نصرة رسول الله أن ننصره في نفوسنا وفي بيوتنا وفي معاملاتنا وفي أخلاقنا..

من الواجب علينا أن نعلم أول خطوط الدفاع عن جناب رسول الله أن نعيش سنته أن نتحسس هديه في الأمور كلها فأني وجدناه أخذناه.

نقبل علي ربنا نخلص نوايانا نسارع الى الخير كما كان يفعل رسول الله نصل أرحامنا نحب للناس من الخير ما نحب لأنفسنا نتراحم فيما بيننا ونتصافي ونتجاوز ما استطعنا عن الهفوات والزلات...

ذلك أني أري أن حب رسول الله والغيرة عليه ونصرته والدفاع عن جنابه أفعال وليست فقط أقوال

قال العرباض خطبنا رسول الله ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وزرفت منها العيون
فقيل يا رسول الله كأنها موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟
قال عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة..

وفى الختام نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يردنا إلى هذه المعاني رداً جميلاً، وأن يأخذ بنواصينا إليه أخذ الكرام عليه، وأن يرد أمتنا إلى سابق عهدها من العز والكرامة والمجد ونسأله سبحانه أن يؤلف بين قلوبنا

إنا كفيناك المستهزئين ... إشارات وهدايات.

 وأعز الله نبيه صلى الله عليه وسلم فانظر الفرق الشاسع وتدبَّر نصر الله تعالى لنبيِّه ومن اقتفى أثره {فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}

الحمد الله {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، والصلاة والسلام على تكفل ربه بعصمته من الناس فقال تعالى  {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، أما بعد: فهذه بعض الإشارات وشيء من الهدايات نحاول تلمُّسْها من قوله تعالى:( {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، في وقت غربة شديدة فكما تتطاول سابقاً الأعداء والمنافقون على جناب الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا كان لهم خلف فقد «بدأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأ فطُوبِى للغرباءِ) ،ونسأل الله تعالى أن يجعلنا : مَن الغرباءُ؟: الذين يصلحون إذا فسد الناسُ»، وأيضاً  «هم الذين يُصلِحون ما أفسد الناسُ من سنتي» ، فإلى الهدايات:

  • وردت هذه الآية في سورة الحجر والتي من أهم مقاصدها (تثبيتُ المؤمنينَ)، فمن تعرض للاستهزاء قد يُضْعُف فجاءت هذه السورة كسلوان للنبي صلى الله عيه وسلم من أذى المشركين لا سيما الاستهزاء.
  • السورة التي وردت فيها الآية مكية، والفترة المكية كانت فترة استضعاف، فالمشركون مع قوتهم المادية وضعف المسلمين إلا أنهم لجئوا إلى الاستهزاء وذلك لإفلاسهم من الحجة، فكلما أفلس الكافرون والظالمون من الحجة والبرهان؛ لجئوا إلى السخرية والاستهزاء.
  • (السورة مكية ونزلت في وقت اشتد الأذى على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين في مكة وتعرضوا للاستهزاء والاتهام كحال المسلمين الآن فجاءت هذه السورة وكأنها رسالة قرآنية من الله تعالى ليطمئن رسوله والمسلمين أن هذا الدين محفوظ من الله تعالى وما على المسلمين إلا الاستمرار في الدعوة والتركيز عليها وعدم الانبهار بقوة أعدائهم أو الاستشعار بالضعف والوهن والانهزامية أمام الأعداء).
  • (هذه الآية جاءت بعد الأمر بالصدع، فهي وعد من الله عزّ وجل لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتطمين وتثبيت بأنه معه إذا بلّغ) وهكذا فإن الداعية إلى الله الصادع بالحق لا يثنيه الاستهزاء، فما دام يسير على خطى المصطفى فقد كُفِىَ المستهزئين.
  • من هدايات الآية أن الاستهزاء يحز في النفس كثيراً ويضيق الصدر {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ وقد يثبِّط الداعية ما لم يكن له عَوْن من الله، فأَمْر الاستهزاء عظيم جدا ولذلك مَنْ استهزأَ  بالرسول صلى الله عليه وسلم كَفَرَ بعد إسلامه وقتل بالأجماع وإنما اختلف العلماء هل يُقْتَل إذا تاب أم لا قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.
  •  الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم اختبار لصدق إيماننا وعمق محبتنا وامتحان لولائنا لله ورسوله وبراءتنا من أعداء الله والمستهزئين برسوله صلى الله عليه وسلم وإلَّ فقدا كفى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المستهزئين حياً وميتاً.
  • قال الله تعالى لنبيه قبل هذه الآية {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُأي (أي: فاجهَرْ بدينِ اللهِ- الذي أمَرْناك بتبليغِه- وأظْهِرْه علانيةً، وفرِّقْ بين الحَقِّ والباطلِ حتى تقومَ على النَّاسِ الحُجَّةُ  ) ، فالصدع بالحق يغيض الأعداء فيلجئون إلى أذية أهل الحق بشتى الوسائل ومنها الاستهزاء.
  •  في الآية حماية الله تعالى ونصرته لأنبيائه وأتباعهم، فقد تولى تعالى بنفسه الدفاع عن أهل الحق وهذا نظير قوله تعالى:  {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}.
  • (لَمَّا كان الصَّدعُ في غايةِ الشِّدَّةِ عليه- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لكثرةِ ما يَلقَى مِن الأذَى؛ خَفَّف عنه سُبحانَه بقَولِه مُعَلِّلًا له  {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
  • (قولُ الله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَالتعبيرُ عنهم بوصفِ المُستَهزِئينَ إيماءٌ إلى أنَّه كفاه استهزاءَهم، وهو أقَلُّ أنواعِ الأذَى، فكفايتُه ما هو أشَدُّ مِن الاستهزاءِ مِن الأذَى، مَفهومٌ بطريقِ الأحْرَى)، ( يقال: كَفَيْتَ فلانًا المؤنة إِذا توليتها ولم تحوجه إِليها).
  • (في كفايةِ اللهِ لِرَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعداءَه، وعِصمتِه له من النَّاسِ، آيةٌ لنبُوَّتِه) فلم يستطع أن ينال منه أعداءه ويوقفوا دعوته، فقد بدأ عليه الصلاة والسلام وحيداً، ويوم القيامة هو أكثر الأنبياء تبعاً، حيث قال:( «والَّذي نَفسي بيدِهِ ، إنِّي لأرجو أن أَكونَ أَكثرَهُم تَبعًا» ) أتباعاً  {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ.
  • (تَأكيدُ الخبرِ بـ (إنَّ) لتَحقيقِه؛ اهتمامًا بشَأنِه، لا للشَّكِّ في تَحقُّقِه) فالله تعالى لا يخلف الميعاد، {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ}، وهذه عادة الله مع أوليائه {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا}.
  • (التَّعريفُ في (الْمسْتَهْزِئِينَ) للجِنْسِ، فيفيدُ العُمومَ)، فكل مستهزئ من رسولنا فيما مضى أو مستقبلاً، فرداً أو جماعه، بوسيلة قديمة أو حديثة، فإن الله الحي الذي لا يموت كافي نبيه وناصره  {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ.
  • الذين استهزءوا بالرسول صلى الله عليه وسلم {كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ، ووبال استهزائهم عائد عليهم {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وأعز الله نبيه صلى الله عليه وسلم فانظر الفرق الشاسع وتدبَّر نصر الله تعالى لنبيِّه ومن اقتفى أثره {فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.
  • (في قوله: "إنَّا" إشعارٌ بالقوة والقهر، والعظمة وشديدِ البَطْش، وأن الذي سيكفيك هو الْمَلِك الكبير الْمُتعال، القاهِرُ فوق عباده)، فيا أيها الدعاة أنتم تلجؤون إلى ركن شديد ومعكم (العَزِيزِ الحَمِيدِ) .
  • في قوله (الْمُسْتَهْزِئِينَ)، جمع يدل على أنهم كثرة وأيضاً (كانوا من أكابر الكفار وأهل الشوكة فيهم، فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر من هو دونهم بالأولى).
  • الكفار (كانوا يعيبون من جَحَد إلهية أصنامهم وهم جاحدون لإلهية الرحمن؛ وهذا غاية الجهل).وفي هذا بيان سفهم في سخريتهم فإنهم على باطل ولا يستطيعون البرهان عليه من نقل أو عقل، فهم أجدر أن يُستهزأ بهم.
  • في الآية أيضا دلالة على سقوط الأقنعة عند الأعداء، فكفار قريش الذين يرون أنفسهم سادة العرب وأهل بيت الله الحرام وأصحاب الرفادة والسقاية، ولكن عندما يتم المساس بباطلهم ينزلون إلى أحط دركات الإنسانية وأسفه منحدرات الأخلاق، وهكذا في زماننا، لا يجوز ازدراء الأديان إلا أذا كان الإسلام، ومعادة السامية محرَّمة ومجرَّمة إلا إذا كانت تستهدف عقيدة المسلمين، [ {وَيَجْعَلُونَ للهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الحُسْنَى].
  • (في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تعالى «من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» " فكيف بمن عادى الأنبياء؟)، فالذي يعادي ويستهزئ بالأنبياء وأتباعهم فهو مخذول ومهزوم ومقهور مِنَ [اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ] فهذه سنة الله تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.

فليكن لكل منا موقف حسب طاقته في مواجهة هذه الحرب التي تستهدف دين الله تعالى بالطعن والاستهزاء بـ (سيدُ ولدِ آدمَ ) و(أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه ) و(أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ) ولواءُ الحمدِ بيده يومَ القيامةِ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ

 ﴿إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ﴾ [الكوثر: ٣]

كل مبغضٍ وذامٍ ومنتقصٍ من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مقطوع من كل خير..
وأما محمد ﷺ فهو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار والأتباع ﷺ..

[تفسير السعدي]

‏خرج رجلٌ يطوف في القتلى حتى وجد سعد بن الربيع جريحًا بآخر رمق، فقال له سعد: أبلغ رسول الله ﷺ مني السلام، وقل له: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته، وأبلغ قومك السلام وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم وفيكم عينٌ تَطرِف.

📚 الجهاد لابن المبارك (٩٤)

2020-10-09

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ



 ولا تنتظر في حياتك ثمرةَ سيرك؛ فموسى مات في التيه، وعيسى رُفع في الفتنة، ومحمدٌ- عليه وعلى أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام- ارتدَّ أعرابُ جزيرته بعد موته،

بسم الله الرحمن الرحيم   قال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }   [غافر:18ُ]   قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ} الإنذار الإعلام المقترن بتهديد خاصة، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذاراً. {الْآزِفَةِ} القيامة. وإنما عبر عنها بالآزفة لأجل أزوفها أي قربها.

 وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من اقتراب قيام الساعة، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}. وقوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}. وقوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}. وقوله تعالى في الأحزاب: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً}. وقوله تعالى في الشورى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}. والمعنى: أنذرهم يوم القيامة، بمعنى خوفهم إياه وهددهم بما فيه من الأهوال العظام ليستعدوا لذلك في الدنيا بالإيمان والطاعة. قوله: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} ومعنى كون القلوب لدى الحناجر، في ذلك الوقت، فيه لعلماء التفسير وجهان معروفان: 

1/ أحدهما: ما قاله قتادة وغيره، من أن "قلوبهم يومئذ، ترتفع من أماكنها في الصدور، حتى تلتصق بالحلوق، فتكون لدى الحناجر، فلا هي تخرج من أفواههم فيموتوا، ولا هي ترجع إلى أماكنها في الصدور فيتنفسوا". وهذا القول هو ظاهر القرآن. 

2/ الوجه الثاني: هو أن المراد بكون القلوب، لدى الجناجر، بيان شدة الهول، وفظاعة الأمر، وعليه فالآية كقوله تعالى: { {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} } وهو زلزال خوف وفزع لا زلزال حركة الأرض. وقوله: {كَاظِمِينَ} مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً والكاظم الساكت حال امتلائه غماً وغيضاً، والمعنى أنهم لا يمكنهم أن ينطقوا وأن يبوحوا بما عندهم من الخوف والحزن، فهم قد أطبقوا أفواههم على ما في قلوبهم من شدة الخوف، وذلك يوجب مزيد الشدة والمعاناة.

 قوله: {ما للظالمين من حميمٍ} قريب مشفق {ولا شفيعٍ يُطاع} ولا شفيع تُقبل شفاعته. 

عن الْحَسَنُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ وَيَعِظُ، فَقَالَ لِرَجُلٍ حَدَثٍ بَيْنَ يَدَيْهِ: اقْرَأْ يَا بُنَيَّ فَقَرَأَ الرَّجُلُ: {{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} } فَقَطَعَ عَلَيْهِ صَالِحٌ الْقِرَاءَةَ فَقَالَ: وَكَيْفَ يَكُونُ لِلظَّالِمِينَ حَمِيمٌ أَوْ شَفِيعٌ وَالطَّالِبُ لَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ وَاللهِ لَوْ رَأَيْتَ الظَّالِمِينَ وَأَهْلَ الْمَعَاصِي يُسَاقُونَ فِي السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ إِلَى الْجَحِيمِ حُفَاةً عُرَاةً مُسْوَدَّةً وُجُوهُهُمْ مُزْرَقَّةً عُيُونُهُمْ ذَائِبَةً أَجْسَامُهُمْ يُنَادُونَ يَا وَيْلَاهُ يَا ثُبُورَاهُ مَاذَا نَزَلَ بِنَا؟ مَاذَا حَلَّ بِنَا؟ أَيْنَ يُذْهَبُ بِنَا؟ مَاذَا يُرَادُ مِنَّا؟ وَالْمَلَائِكَةُ تَسُوقُهُمْ بِمَقَامِعِ النِّيرَانِ، فَمَرَّةً يُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَيُسْحَبُونَ عَلَيْهَا مُتَّكِئِينَ، وَمَرَّةً يُقَادُونَ إِلَيْهَا عُنُتًا مُقَرَّنِينَ، مِنْ بَيْنِ بَاكٍ دَمًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدُّمُوعِ وَمِنْ بَيْنِ صَارِخٍ طَائِرِ الْقَلْبِ مَبْهُوتٍ، إِنَّكَ وَاللهِ لَوْ رَأَيْتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَرَأَيْتَ مَنْظَرًا لَا يَقُومُ لَهُ بَصَرُكَ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ قَلْبُكَ وَلَا يَسْتَقِرُّ لِفَظَاعَةِ هَوْلِهِ عَلَى قَرَارٍ قَدَمُكَ. ثُمَّ نَحَبَ وَصَاحَ يَا سُوءَ مَنْظَرَاهُ وَيَا سُوءُ مُنْقَلَبَاهُ وَبَكَى وَبَكَى النَّاسُ، فَقَامَ شَابٌّ بِهِ تَأْنِيثٌ فَقَالَ: أَكُلُّ هَذَا فِي الْقِيَامَةِ يَا أَبَا بِشْرٍ قَالَ: نَعَمْ وَاللهِ يَا ابْنَ أَخِي، وَمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَنْقَطِعَ أَصْوَاتُهُمْ فَلَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا كَهَيْئَةِ الْأَنِينِ مِنَ الْمُدْنِفِ، فَصَاحَ الْفَتَى إِنَّا لِلَّهِ وَاغْفَلَتَاهُ عَنْ نَفْسِي أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَيَا أَسَفَى عَلَى تَفْرِيطِي فِي طَاعَتِكَ يَا سَيِّدَاهُ وَاأَسَفَاهُ عَلَى تَضْيِيعِ عُمْرِي فِي دَارِ الدُّنْيَا ثُمَّ بَكَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَقْبِلُكَ فِي يَوْمِي هَذَا بِتَوْبَةٍ لَكَ لَا يُخَالِطُهَا رِيَاءٌ لِغَيْرِكَ، اللهُمَّ فَاقْبَلْنِي عَلَى مَا كَانَ مِنِّي وَاعْفُ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَارْحَمْنِي وَمَنْ حَضَرَنِي، وَتَفَضَّلْ عَلَيْنَا بِجُودِكَ أَجْمَعِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، لَكَ أَلْقَيْتُ مَعَاقِدَ الْآثَامِ مِنْ عُنُقِي، وَإِلَيْكَ أَنْبَتُّ بِجَمِيعِ جَوَارِحِي صَادِقًا بِذَلِكَ قَلْبِي، فَالْوَيْلُ لِي إِنْ أَنْتَ لَمْ تَقْبَلْنِي، ثُمَّ غُلِبَ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَحُمِلَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ صَرِيعًا يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ لَهُ. وَكَانَ صَالِحٌ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُهُ فِي مَجْلِسِهِ يَدْعُو اللهَ لَهُ وَيَقُولُ: بِأَبِي قَتِيلُ الْقُرْآنِ بِأَبِي قَتِيلُ الْمَوَاعِظِ وَالْأَحْزَانِ فَرَآهُ رَجُلٌ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ، قَالَ: عَمَّتْنِي بَرَكَةُ مَجْلِسِ صَالِحٍ فَدَخَلْتُ فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. قَالَ: وَكُنَّا فِي مَجْلِسِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ فَأَخَذَ فِي الدُّعَاءِ فَمَرَّ رَجُلٌ مُخَنَّثٌ فَوَقَفَ يَسْمَعُ الدُّعَاءَ وَوَافَقَ صَالِحًا يَقُولُ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لَأَقْسَانَا قَلْبًا، وَأَجْمَدِنَا عَيْنًا، وَأَحْدَثِنَا بِالذُّنُوبِ عَهْدًا»، فَسَمِعَ الْمُخَنَّثُ فَمَاتَ فَرُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ. قَالَ: غَفَرَ اللهُ لِي، قِيلَ بِمَاذَا؟ قَالَ: بِدُعَاءِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، لَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ أَحْدَثُ عَهْدًا بِالْمَعْصِيَةِ مِنِّي فَوَافَقَتْ دَعْوَتُهُ الْإِجَابَةَ فَغُفِرَ لِي

 أخي الحبيب الزم ثغرك، واعلم أنكَ لن تجدَ واقعاً أشدَّ فساداً من الواقع الذي نُبِّئ فيه الأنبياءُ وأُرسِلَ فيه الرُّسُل؛ ولولا شِدَّةُ فسادِه ما أُرسِلُوا، ولستَ أكرمَ على الله من رُسُلِه ليُصلِحَ لك-دون سَعيٍ منك- واقعاً لم يُصلِحْهُ لهم، وقد أكرمكَ اللهُ بإيجادك في واقعٍ شبيهٍ بواقعهم لتصلحهُ كما أصلحوه؛ فإن لم تكن منهم فَسِرْ على آثارهم تكن معهم، ولا تنتظر في حياتك ثمرةَ سيرك؛ فموسى مات في التيه، وعيسى رُفع في الفتنة، ومحمدٌ- عليه وعلى أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام- ارتدَّ أعرابُ جزيرته بعد موته، ولو وضعَ أبو بكر رضي الله عنه يَده على خَدِّهِ ويئس- حين انتقض عليه أعرابُ الجزيرة- ما وصلكَ مما وصلكَ من الدين شيء.. 

حسبك أن تؤذِّنَ كما أذَّنَ إبراهيم، ومَا عَسى يبلغُ صوتُ إبراهيم!! إنما عليكَ الأذانُ وعلى الله البلاغ، ولكلِ ثغرٍ أذانُه، وكُلُّ الثغورِ شاغرة؛ فإن وجدتَ ثغركَ فالزمه- وذلكَ عبادتُك- وإن لم تجده فابحث عنه- وذلك أيضاً عبادتُك حَسْبُكَ ألا يراكَ اللهُ إلا على ثَغرٍ، أو باحثاً عن ثغر !!



كيف يخطط المؤمن لأعماله؟



 في الآونة الأخيرة بدأ يشكو كثير من الناس من الفوضوية، وانعدام التنظيم، وقلة البركة، وضعف العزيمة، فسعى معظمهم لحضور دورات التخطيط؛ ظنًّا منهم أنها هي الملجأ لهذا.  

 في الحقيقة التخطيط ليس جدولًا تكتب فيه المهام، وتعلِّقه في الجدار أو في مكتبك؛ لأن المشكلة ليست في عدم معرفة الإنسان بالأصلح، وإنما في انعدام الرغبة والعزيمة، وقلة الاهتمام، وكثرة أمراض النفس التي تُثْقِلُ الإنسان وتُشتِّتُهُ.  

 فكيف يكون التخطيط إذًا؟ تخطيط المؤمن بعدة أمور: 

♦ التخطيط بالحرص على الحسنة؛ فالحسنة تجرُّ أختها، والمسارعة بالطاعات؛ حتى لا تقعد النفس وتغفل. 

♦ التخطيط بقراءة القرآن؛ فهو البركة، ووقودُ عملك القرآن، فكلما تعبت وكسلت، تقوَّى بالقرآن. 

♦ التخطيط بالمحافظة على الصلاة؛ فهي التي تزيد من إيمانك وقوتك وإنتاجك.   رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من معركة، تصوروا من الجهاد، فكيف يكون الجهد والتعب؟ فقال: «أرِحْنا بالصلاة يا بلال» ؛ فالصلاة هي الراحة، هي غذاء الروح، فإذا نشطت الروح، انطلق الجسد بنشاط.  

 ♦ التخطيط بالاستغفار؛ فما يعقِّد الأمور ويصعِّبها علينا هو ذنوبنا، ذنوبنا عائق.   ♦ 

التخطيط بالتوبة؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222]، فما ظنُّك بعبد يحبه الله؟ التائب يبدِّل الله سيئاته حسنات.   ♦ التخطيط بـ"لا حول ولا قوة إلا بالله"، تسهُلُ عليك الصعاب، فتستمد قوتك من قوة الله، فإذا خرجت من حَوْلِك وقوتك، واعترفت بتقصيرك، واعترفت بحول الله وقوته - أعانك الله. 

  ♦ التخطيط بكثرة التسبيح؛ فالملائكة الذين يحملون العرش يسبِّحون، ولو علِمَ الله ذكرًا يُعينهم على حمل العرش غير التسبيح، لدلَّهم عليه، التسبيح يعينك على عملك، ويسهل عليك.  

 ♦ التخطيط بالدعاء؛ قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].   

♦ التخطيط بصِلَةِ الرحم؛ قال صلى الله عليه وسلم: {من أحبَّ أن يُبسطَ له في رزقه، ويُنسَأ له في أثَرِهِ، فلْيَصِلْ رَحِمَهُ}؛ فصلة الرحم بسطٌ في الرزق، وبركة في العمر والمال والعمل.  

 ♦ التخطيط بالتوكل على الله؛ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أما من يرسم الخطة ويجدوِلُها، ويضع لها أوقاتًا زمنية، ثم بعدها يعتمد على حَوْلِهِ هو، ويعتمد على نفسه - يَكِلْهُ الله إلى نفسه.  

 ♦ التخطيط بالصيام؛ فالصيام مدرسة للصبر والتحمل، وميدان الصابرين، ونحتاج في هذا الزمن لمدرسة الصيام؛ فإنه يربِّي المسلم، ويزيده تقوى في زمن الانفتاح وانعدام الوقاية، ونحتاج كذلك أن نربيَ أنفسنا وأبناءنا وبناتِنا على الصيام في زمن الرغبات، وانتفاش النفس، وطلبها للشهوات؛ فالصيام فيه تهذيبٌ للنفس ومنعها عن الهوى.   

♦ التخطيط بمساعدة الآخرين، وهذا مهمٌّ؛ لأن كثيرًا من الدورات تقول: نفسك نفسك، لكن اعلم أنك ما دمتَ تتعاون مع أخيك المسلم، فسيعينك الله: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».   إن صعُبَ عليك أمرٌ، فالتفت لمن يريد العون ممن حولك، وسيسخِّرُ لك الله من يعينك؛ فالمؤمن قوي بإخوانه. 

  ♦ التخطيط بقيام الليل؛ فمن يقُمِ الليل، يكافِئْه الله في النهار، ولن يخيِّبَ الله في النهار عبدًا قام بين يديه في الليل.  

 ♦ التخطيط بالصدقة؛ فهي الدواء لأمراض الجسد وأمراض النفس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة» ، «الصدقة تطفئ الخطيئة»، والخطيئة معقود بها شيطانها الناري، فالصدقة تطفئ النار.  

 ♦ التخطيط بالأعمال الصالحة بشكل عام؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الكافر إذا عمل حسنةً، أُطعم بها طعمةً من الدنيا، وأما المؤمن، فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته».   والآيات كثيرة في هذا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة: 257]،  {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38].  

 إن الكافر والفاسق مخذول عن عمل الصالحات، فيعينه شيطانه على عمله، حتى لو لم يخطط، لماذا؟ لأن قلبه خَرِبٌ، وعمله دنيويٌّ، ليس له فيه أجر، بل يستفيد منه الشياطين في فتنة المؤمنين، أما المؤمن فتخطيطه يكون بتقواه وإيمانه؛ لأن الشيطان يحاول أن يجدَ ثَغْرًا ومَنْفَذًا كي يُعِيقَهُ بفعل الذنوب، ويصده عن أعماله الصالحة، فالتخطيط يكون بطرد العوائق.  

 لكن دورات التخطيط المعقَّدة والجداول ليست بذات أثر على النفس، إنما هي جميلة على الورق.  

 شاهدنا أحيانا للنفس قبولًا واجتهادًا وتقدُّمًا، فتنجز أكثر مما كتبت وخططت ببركة الطاعة والاعتماد على الله، وشاهدنا أوقات الفتور مهما كتبنا وجمَّلنا الخطة، تتعثر النفس عن التقدم.


ترياقُ العُصاة .

 


وحينما تتراكمُ الذنوبُ على بعض الناس ، يبيتُ في حالةٍ نفسية بئيسة، يحتاج فيها إلى منقذٍ إيمانيٍ وفكري وثقافي، ينتشله من ذلك المستنقعِ الفظيع ، الذي اصطلى فيه بكل همٍّ، وغم وحزن...!  

• جماهيرُ ممن يُبتلَى بالمعاصي يندمونَ بعدَها، ويتألمون من آثارها وقسوتِها، وودُّوا لو وجدوا حلاً، أو ترياقًا ، أو منقذا يرف بهم إلى برِّ الأمان ، ويقدم لهم مركب النجاة ..! ولا ارتيابَ أن الذنوب مهلكاتٌ، وهي إن أمتعتهم ابتداءً ولكن في طياتِها حسراتٌ، وفيها آلامٌ، وتلفُّها أسقامٌ وأحزان..! قال تعالى : ( فأهلكناهم بذنوبهم ) تبتدئ بالحزن، وليس آخرها الإفلاس..!  
 • وحينما تتراكمُ الذنوبُ على بعض الناس ، يبيتُ في حالةٍ نفسية بئيسة، يحتاج فيها إلى منقذٍ إيمانيٍ وفكري وثقافي، ينتشله من ذلك المستنقعِ الفظيع ، الذي اصطلى فيه بكل همٍّ، وغم وحزن...! 
  • وفِي التوبةِ الصادقة، والاستغفار المتوالي، والندم الجاد ترياقٌ ومعافاة، وعنايةٌ وسلامة ، وتذكر وادكار... فعدْ يا صديقي إلى الله.. واتلُ آيات ، أو استمعْ محاضرات إيمانية ، واصحبْ رفقةً تؤنسك ولا تُهلكك وتتعسك ... ففي بعض الصحاب يُمنٌ ونجاة ، وفِي آخرين هُلكةٌ ومواجع، والمرء على دين خليله ..!  
 • ليكن لك زادُك القرآني ، الذي تتعاهده من حين لآخر ، ومِيرتُك الحديثية التي تتعظ بها، وتسامر دروسها ولمساتها، كرياض الصالحين.. فاقطِفْ منه قطفا نافعة، وعناقيدَ حالية ، وأفانين لذيذة ، فهو كتاب العالم والعامي، والذكر والأنثى ، والطائع والعاصي.. منهل الواردين، وبلسم الزائرين.  
 • وهنالك ترياقٌ آخر ، قلّ من تنبه له، ونعتقد أن فيه بعدا إيمانيا ونفسيًا وثقافيًا ، يحتاج إليه إخوتنا المقصرون، وكلنا ذوو خطأ وتقصير... فاللهم اعف وتجاوز، واستر وارحم . 
  • وهو كتاب العلامة المحقق الروحاني ابن قيم الجوزية، الذي جاوز به المدى، ولامس الهدى ، وجانب الردى، وأحسن في التشخيص والمعالجة، وكشف السرَّ والمحاججة، وقفا فيه كلَّ فائدةٍ وعائدة ، فرحمه الله رحمة واسعة .  
 • وهو كتابُ رياضةٍ وتهذيب، ودواء وترتيب، يعيد لك فهم أسرار النفس، ويكشف بلاياها ، وما تنطوي عليه من شرور وأخطاء ، تجعلها تتورط في الخطايا، وتذهب العواقب... فرسم فيه ورتب، وشرحَ وهذب، وعالج وأطنبَ ، ودققَ وأتعب...! 
  • وإذا سئلت عن أصول كتب الرياضات الروحية، فمن أطيبها وأنفسها( الداء والدواء ) أو ( الجوابُ الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) .. شفَى فيه وأشفى ، ومضَى فيه وأمضى ، وهَدى فيه وأهدى، وسَقى فيه وأسقى ..!  
 • واتسمَ الكتابُ بحُسن اللغة وصدقها، وفقهِ الكلمة وإيحائها ، ووعي القضية ونهايتها، بحيث فلسفَ المعاصي وضررها، والنهايات الموحشة من جرائها، وقسمَ القلوب ، وأدواءها ، وطريقة علاجها ، ووضع خطوات المخرج منها وبلسمها . 
  • حيث قام الكتاب على أطروحة سائل مبتلى ببلية كالمعاصي تقر
يبًا ، ويلتمس حلها عند السادة العلماء ، وقد تعب وعانى من ذلك ...!   • ولما كان السؤالُ موحيا بالحَيرة والإشفاق ، زاده بالعلم الشفيق، والفقهِ الرقيق، والتقرير العميق .  
 • وبعد ما قدّم عن أهمية الدواء وأنه لا استحالةَ مع الشريعة في دوائه.. قال رحمه الله:" وَلَكِنْ هَاهُنَا أَمْرٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَذْكَارَ وَالْآيَاتِ وَالْأَدْعِيَةَ الَّتِي يُسْتَشْفَى بِهَا وَيُرْقَى بِهَا، هِيَ فِي نَفْسِهَا نَافِعَةٌ شَافِيَةٌ، وَلَكِنْ تَسْتَدْعِي قَبُولَ الْمَحِلِّ، وَقُوَّةَ هِمَّةِ الْفَاعِلِ وَتَأْثِيرَهُ، فَمَتَى تَخَلَّفَ الشِّفَاءُ كَانَ لِضَعْفِ تَأْثِيرِ الْفَاعِلِ، أَوْ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمُنْفَعِلِ، أَوْ لِمَانِعٍ قَوِيٍّ فِيهِ...". 
  • وقال أيضا:" وَكَذَلِكَ الدعاء، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي دَفْعِ المكروه، وَحُصُولِ المطلوب، وَلَكِنْ قَدْ يتخلف أَثَرُهُ عَنْهُ، إِمَّا لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ - بِأَنْ يَكُونَ دُعَاءً لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ العدوان - وَإِمَّا لِضَعْفِ الْقَلْبِ وَعَدَمِ إِقْبَالِهِ عَلَى اللَّهِ وَجَمْعِيَّتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الدُّعَاءِ، .."   • سلاح الدعاء : ومن كلامه الجميل :" وَالْأَدْعِيَةُ وَالتَّعَوُّذَاتُ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، وَالسِّلَاحُ بِضَارِبِهِ، لَا بِحَدِّهِ فَقَطْ، فَمَتَى كَانَ السِّلَاحُ سِلَاحًا تَامًّا لَا آفَةَ بِهِ، وَالسَّاعِدُ سَاعِدُ قَوِيٍّ، وَالْمَانِعُ مَفْقُودٌ؛ حَصَلَتْ بِهِ النِّكَايَةُ فِي الْعَدُوِّ، وَمَتَى تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تَخَلَّفَ التَّأْثِيرُ، ..".  
 • القربُ من الله:" وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ وَتَجَارِبُ الْأُمَمِ - عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَمِلَلِهَا وَنِحَلِهَا - عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَضْدَادَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ، فَمَا اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ اللَّهِ، وَاسْتُدْفِعَتْ نِقْمَتُهُ، بِمِثْلِ طَاعَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ ".  
 • منفعةُ التدبر :" وَمِنْ أَنْفَعِ مَا فِي ذَلِكَ تُدَبُّرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ كَفِيلٌ بِذَلِكَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَفِيهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا مُفَصَّلَةً مُبَيَّنَةً، ثُمَّ السُّنَّةِ، فَإِنَّهَا شَقِيقَةُ الْقُرْآنِ، وَهِيَ الْوَحْيُ الثَّانِي، وَمَنْ صَرَفَ إِلَيْهِمَا عِنَايَتَهُ اكْتَفَى بِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهُمَا يُرِيَانِكَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَأَسْبَابَهُمَا، حَتَّى كَأَنَّكَ تُعَايِنُ ذَلِكَ عِيَانًا ".  
 • غلطُ الجهال : " وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ اعْتَمَدُوا عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ، وَضَيَّعُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَنَسُوا أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْعَفْوِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ فَهُوَ كَالْمُعَانِدِ. قَالَ مَعْرُوفٌ: رَجَاؤُكَ لِرَحْمَةِ مَنْ لَا تُطِيعُهُ مِنَ الْخِذْلَانِ وَالْحُمْقِ.   
• معنى الاستدراج : "وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَاحْذَرْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ يَسْتَدْرِجُكَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ - وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ - وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 33 - 35] ".  
 • ضررُ الذنوب : وقد أطالَ النفسَ في ذلك إطالةً رائقة فقال : " فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ، أَنَّ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ تَضُرُّ، وَلَا بُدَّ أَنَّ ضَرَرَهَا فِي الْقَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهَا فِي الضَّرَرِ، " .  
 • رسلُ الطاعة والمعصية : "وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يُعَانِي الطَّاعَةَ وَيَأْلَفُهَا وَيُحِبُّهَا وَيُؤْثِرُهَا حَتَّى يُرْسِلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِرَحْمَتِهِ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ تَؤُزُّهُ إِلَيْهَا أَزًّا، وَتُحَرِّضُهُ عَلَيْهَا، وَتُزْعِجُهُ عَنْ فِرَاشِهِ وَمَجْلِسِهِ إِلَيْهَا. وَلَا يَزَالُ يَأْلَفُ الْمَعَاصِيَ وَيُحِبُّهَا وَيُؤْثِرُهَا، حَتَّى يُرْسِلَ اللَّهُ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينَ، فَتَؤُزُّهُ إِلَيْهَا أَزًّا. فَالْأَوَّلُ قَوِيٌّ جَنَّدَ الطَّاعَةَ بِالْمَدَدِ، فَكَانُوا مِنْ أَكْبَرِ أَعْوَانِهِ، وَهَذَا قَوِيٌّ جَنَّدَ الْمَعْصِيَةَ بِالْمَدَدِ فَكَانُوا أَعْوَانًا عَلَيْهِ" .   
• مع عقوبات الذنوب : وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: " أَنَّهَا تُطْفِئُ مِنَ الْقَلْبِ نَارَ الْغَيْرَةِ الَّتِي هِيَ لِحَيَاتِهِ وَصَلَاحِهِ كَالْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ لِحَيَاةِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَالْغَيْرَةُ حَرَارَتُهُ وَنَارُهُ الَّتِي تُخْرِجُ مَا فِيهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ، كَمَا يُخْرِجُ الْكِيرُ خُبْثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ، وَأَشْرَفُ النَّاسِ وَأَعْلَاهُمْ هِمَّةً أَشَدُّهُمْ غَيْرَةً عَلَى نَفْسِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعُمُومِ النَّاسِ، " .   
• ومن عقوباتها : " وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُؤَثِّرُ بِالْخَاصَّةِ فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ، فَلَا تَجِدُ عَاقِلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ وَالْآخَرُ عَاصٍ، إِلَّا وَعَقْلُ الْمُطِيعِ مِنْهُمَا أَوْفَرُ وَأَكْمَلُ، وَفِكْرُهُ أَصَحُّ، وَرَأْيُهُ أَسَدُّ، وَالصَّوَابُ قَرِينُهُ. وَلِهَذَا تَجِدُ خِطَابَ الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ أُولِي الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ، كَقَوْلِهِ: {واتقونِ يَاأُولِي الألباب} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 197] " .   
• دَوَاءُ الْعِشْقِ : " ودواء هَذَا الدَّاءُ الْقَتَّالُ: أَنْ يَعْرِفَ أَنْ مَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ هَذَا الدَّاءِ الْمُضَادِّ لِلتَّوْحِيدِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ جَهْلِهِ وَغَفْلَةِ قَلْبِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ تَوْحِيدَ رَبِّهِ وَسُنَّتَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَأْتِي مِنَ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِمَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ عَنْ دَوَامِ الْفِكْرَةِ فِيهِ، وَيُكْثِرُ اللَّجَأَ وَالتَّضَرُّعَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي صَرْفِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَأَنْ يُرَاجِعَ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ أَنْفَعُ مِنَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ، وَهُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } سُورَةُ يُوسُفَ: ٢٤ .  
 • والكتابُ بعد توفيق الله يورث المناعة الفكرية ، التي تعالج الشبه والحيرة ، ويثبّت الوعي الشرعي والتربوي، ويمنح القناعة واليقين . ويصلح أن يكون ترياق كل بلية، وبلسم كل خطيئة، لما أودعه مؤلفه من قواعد السلامة الروحية، ومنافذ النجاة السلوكية ، علاوةً على ما في كلماته من رقائق أهل الإيمان ، وينابيع أهل التقوى والإحسان، وذلك فضل من الله وتسديد .  
 • والمحصِّلة : أن الكتابَ مادة ثرية للمبتلى بالذنوب، وسيلقى بغيته في المعالجة، أو تناول جرعة علاجية مبدئية، تصلح من شأنه بإذن الله تعالى ، ولولا خشيةُ الإطالة لاسترسلنا في استخلاص فوائده وحكمه.. والله الموفق .


هموم الرزق




 مِنْ أكثرِ الهُموم التي تُشغِلُ الناسَ وتُرهِقُهم؛ هَمُّ تحصيلِ الرِّزق، مع أنَّ اللهَ تعالى قَسَمَ رِزْقَه بين الخلائق، وضَمِنَ لهم ذلك، حتى الأجِنَّة في بطون أُمَّهاتهم.

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: مِنْ أكثرِ الهُموم التي تُشغِلُ الناسَ وتُرهِقُهم؛ هَمُّ تحصيلِ الرِّزق، مع أنَّ اللهَ تعالى قَسَمَ رِزْقَه بين الخلائق، وضَمِنَ لهم ذلك، حتى الأجِنَّة في بطون أُمَّهاتهم. فالواجب على العباد أنْ يتوكَّلوا على الله تعالى، ويأخذوا بالأسباب؛ كما فَعَلَت الطيور، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» صحيح - رواه ابن ماجه.  
 واللهُ تعالى هو الرزَّاق لِخَلْقِه، المُتكفِّلُ بأقواتهم، والقائِمُ على كل نَفْسٍ بما يُقيمها من قُوتها، وسِعَ الخلقَ كلَّهم رِزقُه ورحمتُه، فلم يختصَّ بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًّا دون عدوٍّ، يَسُوقُ الرِّزق إلى الضعيف الذي لا حَول له، كما يسوقه إلى الجَلْد القوي، يقول تعالى - مُخبِرًا عن لُطفِه بخلقه في رِزقِه إيَّاهم عن آخِرِهم، لا ينسى أحدًا منهم: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]
فالله تعالى مُتكفِّل بأرزاق المخلوقات، من سائرِ دوابِّ الأرض؛ صغيرِها وكبيرِها، بَحْرِيِّها، وبَرِّيِّها، {يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} يعلم أين مُنتهى سَيرِها في الأرض، وأين تأوي إليه من وكْرِها، وهو مُستودَعُها. 
ورِزقُه تبارك وتعالى لا يختص ببقعة؛ بل رِزقه تعالى عامٌّ لِخَلْقِه حيث كانوا، وأين كانوا، فيبعث إلى كلِّ مَخلوقٍ من الرزق ما يُصلحه، حتى الذَّر في قرار الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الماء، فَلْتَطْمَئِنَّ القلوبُ إلى كفاية مَنْ تَكفَّل بأرزاقها، وأحاط عِلمًا بِذَواتِها، وصِفاتِها. 
  ورِزْقُ اللهِ لعباده نوعان: 
الأوَّل: رِزْقٌ عامٌّ؛ يشمل البرَّ والفاجر، والمؤمنَ والكافر، وهو رِزقُ الأبدان، وهذا من عظيم لطفه بعباده؛ كما قال سبحانه: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ} [الشورى: 19]. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» (رواه البخاري ومسلم)
فالله تعالى واسِعُ الحِلم، حتى مع الكافر الذي ينسب له الولد، فهو يُعافيه ويرزقه.  
 والثاني: رِزْقٌ خاص؛ وهو رِزْقُ القلوب وتغذيتها بالعلم والإيمان، والرِّزق الحلال الذي يُعِينُ على صلاح الدِّين، وهذا خاصٌّ بالمؤمنين على مختلف مراتبهم، بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته، وأعظمُ رِزقٍ يَرزُق اللهُ به عِبادَه المؤمنين هو الجنة، التي خَلَقَ فيها ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خَطَر على قلب بشر؛ بل كلُّ رِزقٍ يَعِدُ الله به عبادَه الصالحين فغالبًا ما يُراد به الجنة؛ كقولِه تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الحج: 50]، وقولِه تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق: 11].
ومَنْ طالَعَ صفة الجنة؛ عَلِمَ سعةَ رِزقِ أهلها، وكثرتَه وطِيبَه وتنوُّعَه، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71]
فهو أحسن الرزق وأكملُه وأفضلُه وأكرمُه، لا ينقطع ولا يزول {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ}  [ص: 54]
وهو رزق واسع عظيم، خَصَّ اللهُ به المؤمنين، وحَرَمَ منه الكافرين، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50].  
 والله سبحانه هو الغني، لا يحتاج إلى أحد؛ بل العِباد هم المحتاجون إليه، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56-58].
 فلا يريد من أحدٍ رِزقًا ولا إطعامًا، وجميعُ الخلق فقراء إليه، في كل حوائجهم ومطالبهم، ولذا قال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} أي: كثير الرِّزق، {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} فمِنْ قُوَّتِه تعالى أنه أوْصَلَ رِزْقَه إلى جميع العالَم، وهو غنِيٌّ عنهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]. ولو أنَّ العباد جميعًا سألوا اللهَ تعالى فأعطاهم؛ لم يُنْقِصْ ذلك من مُلْكِه شيئًا؛ كما في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ» (رواه مسلم)
  وكثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله تعالى، ولكنَّ الكفارَ لجهلهم ظنوا ذلك، {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}  [سبأ: 35، 36]، يظن كثير من الكفار والمترفين بأن كثرة الأموال والأولاد دليل على مَحبَّة الله لهم! فردَّ الله عليهم: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ: 37]. وقال سبحانه: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55، 56]؛ يُخطِئُ الذين يظنون أنه ما وَسَّعَ عليهم إلاَّ لفضلهم وعلوِّ مكانتهم، ويُخطِئُ الذين يَعْظُمُ في نفوسهم الأثرياءُ المستكبرون المختالون في الأرض، وقد أخذ اللهُ قارونَ أخْذَ عزيزٍ مقتدر، فخَسَفَ به وبداره الأرض، {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 81، 82]
  والدنيا كلُّها لا تَزِنُ شيئًا عند الله سبحانه؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» صحيح - رواه الترمذي، فليس كَثْرَةُ العطاء في الدنيا دليلًا على كرامة العبد عند الله، كما أنَّ قِلَّته ليس دليلًا على هَوانِه عنده؛ قال تعالى: {فَأَمَّا الإنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلاَّ} [الفجر: 15-17].
 فالغِنَى والفقر والسَّعة والضِّيق، ابتلاءٌ من الله وامتحان؛ لِيَعْلَمَ الشَّاكِرَ من الكافر، والصَّابِرَ من الجازِع.  
 لله تعالى الحِكمةُ البالغة في جَعْلِ مَنْ يشاء غنيًّا، وجَعْلِ مَنْ يشاء فقيرًا؛ فهو المُتصرِّف في أرزاق عباده، فيبسط لأُناس، ويُقَتِّر على آخَرِين، وله في ذلك حِكَمٌ بالغة، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: 71]؛ وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30]
فالله تعالى هو الرزَّاق، القابض الباسط، المُتصَرِّف في خلقه بما يشاء، فيُغني مَنْ يشاء، ويُفقِر مَنْ يشاء، بما له في ذلك من الحكمة؛ فقد تجد أكْيَسَ الناس وأجوَدَهم عقلًا وفهمًا مُضَيَّقًا عليه في الرزق، وبِضِدِّه ترى أجهلَ الناس وأقلَّهم تدبيرًا مُوَسَّعًا عليه في الرِّزق، فالمُضيَّق عليه لا يدري أسبابَ التَّضييق، والمُوَسَّع عليه لا يدري أسبابَ تيسير رِزقه؛ ولهذا قال سبحانه: {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}.   
وبعض الناس لو أعطاهم الله تعالى فوق حاجتهم من الرزق؛ لحملهم ذلك على البغي والطغيان؛ أشرًا وبطرًا، قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } [الشورى: 27]، فهذا من لُطْفِ الله بعباده، أنه لا يُوَسِّع عليهم الدنيا سَعَةً، تَضُرُّ بهم، {وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} بحسب ما اقتضاه لُطفه وحِكمته؛ لأنه {بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}. وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]
فجميع الأرزاق لا يملكها أحد إلاَّ الله، فخزائنها بيده، يُعطي مَنْ يشاء، ويمنع مَنْ يشاء، بحسب حكمته ورحمته الواسعة، {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} فلا يزيد على ما قدَّره الله، ولا ينقص منه.   عباد الله.. التقوى والطاعة سببٌ عظيم لحصولِ الرزق، والبركةِ فيه، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]. فالله تعالى يسوق الزرق للمُتَّقي، من جهةٍ لا تخطر بباله. وبِضِدِّ ذلك المعاصي؛ فإنها تُنْقِصُ الرِّزقَ والبركة؛ لأن ما عند الله تعالى لا يُنال إلاَّ بطاعته، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]. قيل: الفساد في البَّر: القحط، وقلة النبات، وذهاب البركة.
 والفساد في البحر: انقطاعُ صيدِه بذنوب بني آدم. 
وقيل: هو كساد الأسعار، وقلة المعاش.
 فتبيَّن أنَّ المعاصي تُفسد الأخلاقَ والأعمالَ والأرزاق، كما أنَّ الطاعات تَصْلُح بها الأخلاقُ، والأعمالُ، والأرزاقُ، وأحوالُ الدنيا والآخرة.


كيف أجدد حياتي؟



 يعاني كثيرون من الملل والرتابة بسبب دورانهم في حلقة مفرغة في حياتهم اليومية حيث يمارسون نفس الأعمال ويعيدون نفس الأنشطة بشكل متكرر مما يصيبهم بالملل والرتابة وبالتالي يقودهم إلى مشاعر الكآبة..

يعاني كثيرون من الملل والرتابة بسبب دورانهم في حلقة مفرغة في حياتهم اليومية حيث يمارسون نفس الأعمال ويعيدون نفس الأنشطة بشكل متكرر مما يصيبهم بالملل والرتابة وبالتالي يقودهم إلى مشاعر الكآبة.. 
وبخاصة إذا كانوا مجبرين على تكرار نفس الدور بشكل متكرر..   وهنا حيث لا يمكن لهم أن يغيروا طريقة حياتهم بسبب التزاماتهم أمام جهات عملهم وأسرهم وأنفسهم سنحاول أن نزود هؤلاء بعض النصائح التي يمكن أن تسهم في تجديد حياتهم أو على الأقل أن تساعدهم في تجديد نظرتهم للحياة.. وغالبًا سيكون أهم عنصر هو تغيير طريقة تفكيرك في الأشياء والأحداث وتغيير طريقة تناولك لها: 
1) قبل أن تبدأ لابد أن تعرف أي شيء يستنزفك أكثر وتحاول أن توقفه إذا استطعت أو تقلله إلى الحد الأدنى. 
  2) انظر ما هي الأشياء البسيطة اليومية التي تستمتع بها واحرص على العناية بها ولا تتخل عنها مهما كانت بسيطة. 
  3) تعلم فن الاسترخاء فهو يساعد في التخلص من مشاعر الاحتراق الداخلي ويخفف من الشعور بالإنهاك.  
 4) قد تكون حالتك وظروفك الواقعية جيدة ويحلم بها كثيرون غيرك لكن اعتيادك عليها هو سبب مللك منها.. وهذه حالة ذهنية وعلاجها ذهني من خلال التفكير الدقيق.   
5) قد تكون مشكلتك آتية من ارتفاع سقف طموحاتك وهذا يجعلك تشعر بالإحباط لعدم تحقق رغباتك التي قد تكون خيالية.  
 6) قد تكون مشكلتك في مقارنتك نفسك بآخرين سواء أكانوا زملاء أو أقارب أو جيران وهذا ليس في مصلحتك إذ يجب أن تتوقف عن تلك المقارنات الظالمة لأنك غالباً تقارن أسوأ ما لديك بأفضل ما لديهم والنتيجة معروفة!! 
  7) انشغالك برؤية من هم أفضل منك يحبط نفسيتك ويشغلك عن رؤية من هم أقل منك ولو التفت إليهم لعرفت أن عندك ما يطمح فيه الكثيرون..   
8) احرص على العناية بممارسة حياة صحية وتجنب العادات غير الصحية فلذلك أثر كبير على المزاج.. فنوع الأكل ومواعيد النوم و تلوث الجو وكثرة المنبهات ، وتكرار الضوضاء لكل ذلك أثر على مزاجك..  
 9) مارس رياضة المشي بشكل يومي لأن المشي مع فوائده الصحية له فوائد نفسية كبيرة. 
  10) مارس هوايات جديدة أو عد لممارسة هوايات سابقة أهملتها من قبل بسبب تغير أنماط حياتك. 
  11) يمكنك زراعة نباتات منزلية ، أو تربية حيوانات أليفة وأن تعتني بها وهذا سيضفي إلى يومك تجديدًا.. وسيعطيك أهدافًا تدفعك لإيجاد معنى لحياتك.  
 12) حاول أن تشارك في بعض الأعمال التطوعية مهما كانت بسيطة إلا أنها سترفع من مستوى مشاعرك الإيجابية بشكل واضح.. وذلك ثابت في الدراسات أنه كلما أسهمت في سعادة غيرك كلما زاد ذلك في مستوى سعادتك وأضفى معنى ساميًا لحياتك..  
 13) صل رحمك واعتن بوالديك ، وأسرتك وأدخل عليهم السرور ولو بكلمة أو ابتسامة أو شيئًا تقدمه مهما كان بسيطًا فستجد فرقًا كبيرًا في حياتك إذا جعلت هذا من أهدافك اليومية.. وتذكر أن أولى الناس بحسن خلقك وبمساعدتك وإسعادك لهم هم أسرتك ثم أدناك فأدناك.   
14) حاول أن تتعلم مهارة جديدة أو تطور إحدى مهاراتك السابقة.   15) اقرأ كتابًا جديدًا.. اسمع شيئًا جديدًا.. شاهد شيئًا جديدًا: فكل ذلك يعمل على تجديد يومك. 
  16) سافر في إجازة إذا استطعت ولو قصيرة لمدة يومين إلى مكان جديد لتتعرف عليه أو مكان قديم تحبه.  
 17) حاول أن تبتعد عن الألعاب الالكترونية إذا كنت مدمنًا عليها لتعيش حياة طبيعية فإن إدمان الألعاب يفصلك عن الواقع الحقيقي ويعلقك بالواقع الافتراضي الذي يجعلك ملولا من كل ما حولك..   18) حاول أن تلتحق بدورة أو برنامج تدريبي ، أو ناد أو مجموعة ثقافية وأن تلتزم بجدولهم وهذا سيضيف لك نوعًا من التجديد ويدفعك للاهتمام.  
 19) اعتن بتفاصيل يومك الصغيرة واعطها وقتها وحاول أن تتلذذ بها في شرابك وأكلك ولبسك وحديثك وعلاقاتك.  
 20) قد تكون بعض التغييرات البسيطة في الديكور أو توزيع الأثاث مفيدة في إضفاء التجديد على المكان.   
21) اعتمد البساطة في جميع الأمور السابقة وفي جميع شؤون حياتك لأن كثرة مبالغاتنا في تحصيل الأشياء وبحثنا عن الأجمل والأغلى يقودنا إلى التوتر المستمر كما أنه يزهدنا فيما نملكه.   22) قلل قدر الإمكان من استخدام الأجهزة التقنية الحديثة وقلل من متابعة الأشخاص والمواقع ، وأوقف نهمك في تتبع كل جديد وكل موضوع لأن ذلك يجعلك أسيًرا للآخرين ويشغلك عن ممارسة حياتك الخاصة.   
23) تعلم الموازنة بين حاجاتك الروحية والجسدية والعقلية والاجتماعية.. ولا تقضي وقتك كله في إشباع جانب منها حتى لا يتضخم على حساب الجوانب الأخرى.. ومع ذلك تذكر أننا في زمن شيوع المادية وكثرة المغريات لإشباع رغباتنا الجسدية قد نغفل عن تغذية أرواحنا مما يؤثر علينا سلبًا من الناحية النفسية وقد قيل إذا تعبت النفس تكلم الجسد.. وهذا يبين لماذا كثرت مشكلاتنا النفسية والجسدية في هذا العصر.   
وفي النهاية استفد من حكمة التشريع الإسلامي في تنويع الفرائض والنوافل في هيئاتها وفي أوقاتها وحاول أن تطبق السنن الواردة بأنواعها من الصلوات والأذكار وسنن الصباح والمساء وهي بالتأكيد مع عظم أجرها ستضفي على حياتك الجديد وتعطيها معنى أسمى وتساعدك على التوازن النفسي مما سينعكس على نظرتك للحياة بشكل كامل وطريقة ترجمتك للأحداث من حولك ويدفعك لإعادة ترتيب أولوياتك في الحياة.