السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2021-04-23

صوم اللسان

 

احذَرْ لسانَك أيها الإنسانُ *** لا يَلدغنَّك إنه ثعبانُ

قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]
♦ إذا أحَبَّ الله عبدًا ورضي عنه، وفَّقه للخير، وسدَّد خطاه في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، حتى إنه ليفعل الشيء أو يتكلم الكلمة لا يُلقي لها بالًا فيُرفَع بها الدرجات. 
♦ وإذا أبغض الله العبد وسخط عليه، خذَلَه في كل موقف، وتخلَّى عنه في كل شدة، حتى إنه لَيفعلُ الشيء أحيانًا غير مفكِّر في عاقبته، فيهوي في النار سبعين خريفًا. فقد صح عن رسول الله أنه قال: «إن العبد لَيتكلَّمُ بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد لَيتكلَّمُ بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم» ، وهذا الحديث يوضح أن العبد المشمول برضوان الله موفَّقٌ ومسدَّد، وأن العبد المغضوب عليه من ربِّه مخذولٌ ومؤاخذ. وللِّسان صيامٌ خاص يَعرِفه الذين هم عن اللغو معرِضون، ويعرفه عباد الرحمن الذين لا يشهدون الزُّور، وإذا مرُّوا باللغو مرُّوا كرامًا، وصيام اللسان دائمٌ في رمضان وفي غير رمضان، ولكن اللسان في رمضان يتهذب ويتأدب؛ فقد صح عن رسول الله أنه قال لمعاذ رضي الله عنه: «أَمسِكْ عليك هذا»، وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: وإنَّا لَمؤاخَذون بما نتكلَّم يا رسول الله؟! فقال عليه الصلاة والسلام: «ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم»؟!؛ لذلك فخطر اللسان عظيم ليس له حد، ولا لمنتهاه رد. جعل صدِّيقُ الأمَّة يأخذ بلسانه ويبكي ويقول: هذا الذي أورَدَني الموارد. 
وجعل ابن عباس يخاطب لسانه ويقول: "يا لسان، قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن شرٍّ تَسلَم". فاللسان سبع ضارٍ، وثعبان ينهش، ونار تلهب.
 وصدق القائل: احذَرْ لسانَك أيها الإنسانُ *** لا يَلدغنَّك إنه ثعبانُ   لما تأدَّب قوم بالكتاب والسُّنة صوَّموا ألسنتهم، ووزَنوا ألفاظهم، واحترموا كلامهم، فكان نطقُهم ذِكرًا، ونظرُهم عِبرًا، وصَمْتُهم فكرًا، ولما خاف الأبرار من لقاء الواحد القهار، أعمَلوا الألسنة في ذكره وشكره؛ لأنهم تعلَّموا قوله سبحانه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]
فوائد حفظ اللسان: 
♦ الجنة لمن حفظ لسانه: لقوله عليه الصلاة والسلام: «من يَضمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين فخذيه، أضمنْ له الجنة». ♦ النجاة: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كيف النجاة؟ قال: «أَمسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتك» . ♦ الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمُتْ» . 
♦ حفظ بقية الجوارح: فمَن حَفِظَ لسانه حَفِظ جوارحه، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلَّها تُكفِّرُ اللسانَ، تقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا»
♦ كيف يصوم من أطلق لِلسانه العنان؟! كيف يصوم من لعب به لسانُه، وخدعه كلامه، وغرَّه منطقه؟! كيف يصوم من كذب واغتاب، وسب وشتم ونسي يوم الحساب؟! كيف يصوم من شهد الزور، ولم يكُفَّ عن المسلمين الشرور؟! فقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن: ((المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده)). ♦ كم من صائم أفسد صومه يوم فسد لسانه، وساء منطقه، واختلَّ لفظُه! ليس المقصود من الصيام الجوع والظمأ؛ بل التهذيب والتأديب. 
أقوال في حفظ اللسان: 
يقول ابن مسعود: "ما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان". يقول أبو الدرداء: "أنصِفْ أُذنيك مِن فيك؛ فإنما جُعلتْ لك أذنان وفمٌ واحد لِتسمعَ أكثرَ مما تتكلم به". 
وقال مخلد بن الحسين: ما تكلمت منذ خمسين سنة بكلمة أريد أن أعتذر منها.
 وهذا قليل من كثير، فاحرص على استجلاب رضوان الله ومحبته، وتفكَّر في عاقبة الكلمة قبل النطق بها، وتذكَّر - أيها الصائم - أن كلمة واحدة تُفسِد صومك، وتكون سببًا في دخولك النار، وأن كلمة واحدة قد تكون سببًا في دخولك الجنة. 
واجب عملي: اجعل من شهر رمضان فرصة لتدريب اللسان على الصوم عن فحش القول، والاشتغال بذكر الله تعالى، ولا تكثر من الكلام في المجالس؛ فإن من كثُر كلامُه كثُر خطؤه.


أليس من الغرور أن تظن أنك خلقت سدى؟

 تأملْ كيف اصطفاك اللهُ تَعَالَى لعبادته على ملياراتِ البَشَرِ، وهدَاكَ لدينِهِ مِنْ بَينِ تِلكَ الجُمُوعِ الغفيرةِ، واختَارَكَ لِيُسْبِلَ عليك سِتْرَهُ، وَيُسْبِغَ عليك فَضْلَهُ، ويُنْعِمَ عليكَ بإِحْسَانِهِ، وَيُدْخِلَكَ دارَ كَرَامَتِهِ. أليسَ مِنَ الغُرُورِ أَنْ تَظُنَّ أَنَّكَ خُلِقْتَ سُدَى، وَتُرِكْتَ هَمَلًا، وأنَّ الجنَّةَ بلَا ثَمَنٍ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .   

تأملْ تلكَ النعمةَ العظيمةَ التي لَا أعظمَ مِنْهَا!   نعمةُ الهدايةِ للإسلامِ.   تخيَّلَ لو أَنَّكَ وُلِدتَ لأبويين وثنيين، أو يهوديين، أو نصرانيين، أو مجوسيين، أو هندوسيين، أو غير لك من مللِ الكفرِ، فنشأتْ تعبدُ وثنًا، أو تركعُ لصليبٍ، أو تعبدُ نارًا، أو تسجدُ لبقرةٍ، وتجدُ مَنْ يُزيِّنُ لك ذلك، ويُثني على فِعَالِك.   ومن كانَ كذلك كانَ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، ليس بينه وبين أَنْ يَهوِي فيها إِلا أَنْ يموتَ وهو كذلك.  

 هَلْ تظنُ أَنَّكَ اهتدَيتْ لفرطِ ذَكَائِك؟ أَوْ بحسنِ تدبِيرِكَ؟ أو من أجلِ حكمتِكَ البالغةِ؟   هَلْ تظنُ أَنَّكَ نجوتَ مِنَ الضلالِ لِكَرمِ أَصلِكَ، وحُسْنِ مَنْبَتِكَ؟   ألم أقل لك إِنَّهَا أَجَلُّ نعمةٍ، وأعظمُ منَّةٍ؟   اسمعْ إلى مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أولئك الذين ارتكسوا في أوحال الضلالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} .  

   وقَالَ تَعَالَى عَنْ تلكَ الأمةِ المرحومةِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} .  

 تأملْ كيف اصطفاك اللهُ تَعَالَى لعبادته على ملياراتِ البَشَرِ، وهدَاكَ لدينِهِ مِنْ بَينِ تِلكَ الجُمُوعِ الغفيرةِ، واختَارَكَ لِيُسْبِلَ عليك سِتْرَهُ، وَيُسْبِغَ عليك فَضْلَهُ، ويُنْعِمَ عليكَ بإِحْسَانِهِ، وَيُدْخِلَكَ دارَ كَرَامَتِهِ.   أليسَ مِنَ الغُرُورِ أَنْ تَظُنَّ أَنَّكَ خُلِقْتَ سُدَى، وَتُرِكْتَ هَمَلًا، وأنَّ الجنَّةَ بلَا ثَمَنٍ؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} .   فاحذرْ يا عبدَ اللهِ، واحذري يا أمةَ اللهِ أنْ يكونَ حالُك كحالِ أولئك الذين قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فيهم: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} . 

  اللهم لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، هديتنا من الضلالة، وعلمتنا من الجهالة وبصرتنا من العمى، اللهم كما هدينا للإسلام ثبتنا عليه حتى نلقاك.   



أخلاقك في رمضان

 


ويصفها الحسن البصري- رحمه الله - بقوله: "حقيقة حسن الخلق : بذل المعروف، وكف الأذى، وطلاقة الوجه " إذا كانت تقواك - أيها الصائم - هي الأثر الباطن المرجو من أداء فريضة الصيام؛ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/١٨٩] 

فإن حسن الخلق هو الأثر الظاهر المطلوب من ورائها ، فصلاح الباطن بالتقوى، تظهر آثاره في حسن الخلق، و رمضان فرصة للتعبد بتلك العبادة التي لا تدانيها في الموازين عبادة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «ما مِن شيءٍ أثقلُ في الميزانِ من حُسنِ الخُلُقِ» [ أخرجه أبو داود واللفظ له، والترمذي وأحمد ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (٢٦٤١) ] 

ولحسن الخلق حقيقة لا تكاد تخطئها العين، ويصفها الحسن البصري- رحمه الله - بقوله: "حقيقة حسن الخلق : بذل المعروف، وكف الأذى، وطلاقة الوجه ".. وعبر عنها القاضي عياض بقوله: " حسن الخلق؛ هو مخالطة الناس بالجميل والبشر، والتودد لهم، والإشفاق عليهم، واحتمالهم والحلم عنهم، والصبر عليهم في المكاره، وترك الكبر والاستطالة، ومجانبة الغلط والغضب والمؤاخذة " [ جامع العلوم والحكم /١/٤٥٧]  

وارتباط التقوى وحسن الخلق بالصيام، يظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( « الصيامُ جُنَّةٌ ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ» ) [ متفق عليه] 

والاقتران بينهما واضح في السلوك العام، من قوله عليه الصلاة والسلام يئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخل حسن» ). [ رواه اترمذي وحسنه وصححه الألباني في الترغيب (٣١٦٠) ] 

ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس برب الناس؛ فقد ورثه ذلك كمال الخشية وتمام التقوى، كما قال : ( « إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له» ) [ أخرجه البخاري ٥٠٦٣ ] وظهرت ثمرة ذلك في مدحه من الخالق العظيم : ( {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} ) [القلم/٤] 

فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لايهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لايصرف عنا سيئها إلا أنت .. اللهم آمين..



النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان



 كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على اغتنام رمضان فيقول: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين» 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد: ونحن نتفيأ فضل الله علينا ببلوغ شهر الله المبارك شهر رمضان، ما أجمل أن تعود بنا الذكرى إلى ذلك الزمن الأجمل، الذي كانت فيه أنفاس محمد صلى الله عليه وسلم تعيش لحظات هذا الشهر المبارك، لنقرأ سوياً كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي يومه المبارك في هذا الشهر المبارك، وكيف حديث أفضل الخلق عن أفضل الشهور. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على اغتنام رمضان فيقول: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين»

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الصيام، فقال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»

وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، حيث فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وتوفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الثاني في السنة الحادية عشرة فلم يصم رمضان تلك السنة. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يعجل الفطور، وكان يقول: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»

 كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على السحور، ويقول: «تسحروا فإن في السحور بركة» ، وكان يؤخر السحور إلى قبيل الفجر، وقد وصف الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه قدر هذا التأخير فقال: «تسحرنا مع رسول الله ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية»

وأما فطوره صلى الله عليه وسلم فقد بينه خادمه الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: «كان رسول الله يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء»

وكان صلى الله عليه وسلم يحث على القيام في رمضان، فقال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»

غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الليل في السنة وليس في رمضان فقط، يجلي هذا السؤال المبارك الذي وجهه التابعي الجليل أبو سلمة بن عبد الرحمن لعائشة رضي الله عنها حيث قال لها: «كيف كانت صلاة رسول الله في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي».

 وهذه العناية بصلاة الليل تزيد مع العشر الأواخر من رمضان فيكون لها شأن خاص عند النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يتحرى فيها طلب ليلة القدر، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» .

 ولهذا كان يعتكف في المسجد هذه العشر، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان» ، واستمر هديه في هذا حتى آخر سنة من حياته الشريفة عليه الصلاة والسلام فزاد هذه العشر عشراً أخرى، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً»

فالعشر الأواخر لها شأن خاص، تصفه عائشة رضي الله عنها في وصفين كاشفين عن حقيقة هذا الاجتهاد النبوي الخاص فيها، فتقول: «كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره». وتقول: «كان النبي إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله».

 غير أن قيام الليل آنذاك لم يكن في جماعة واحدة في المسجد، وإنما كانوا يصلون فرادى، وإنما صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم بعض ليالٍ منها ثم ترك، تبين ذلك عائشة رضي الله عنها فتقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناسٌ، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: «رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يُفرض عليكم». قالت: وذلك في رمضان. 

فقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم ترك صلاة الليل في رمضان جماعة خشية أن تفرض على الناس، وهذا من كمال عطفه وشفقته على أمته عليه الصلاة والسلام، وهذه الخشية قد زالت بعد وفاته فلا يكون في إقامتها أي مخالفةٍ لهديه، بل هي من هديه الذي يرتضيه لولا خشيته على أمته، ولهذا لما جاءت خلافة الخليفة الملهم الفقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ليلة فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجلُ فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل، فجمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه.

 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن في رمضان، وكان أجود ما يكون في رمضان، يصف هذا الخلق النبوي الصحابي الفقيه ابن عباس فيقول: «كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة»

وكان عليه الصلاة والسلام يحث على الأخلاق الحسنة في هذا الشهر، فالصيام طريق للتقوى ورفعة الدرجات، غير أن ترك الطعام والشراب قد يتسبب في ضيق خلق بعض الناس، وهذا مما ينافي شعيرة الصيام، فقال عليه الصلاة السلام: «الصيام جُنَّة، فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم»

وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً أثر هذه الأخلاق: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»

فلم يكن الصيام في رمضان سبباً لترك الواجبات أو تضييع الحقوق بدعوى التعب والمشقة التي يجدها الصائم كما هو حال كثيرٍ من أبناء عصرنا، بل إن بعض الأحداث الكبار المهمة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقعت في رمضان، كغزوة بدر، وفتح مكة، وهي غزوات كبيرة شهدت انتصارات للإسلام، وقوة للمسلمين. وسافر لفتح مكة وهو صائم ثم أفطر، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله عام الفتح في رمضان، فقام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وكان أصحابه يتتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم، وإنما أفطر النبي لما قيل له إن الصوم قد شق على الناس، فلما علم أن بعضهم ظل صائماً قال: «أولئك العصاة»

فهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، صيام في حسن خلق وقيام ليل، وقراءة للقرآن، وعبادة تحقق التقوى وتقرب إلى الله، ولا تمنع المسلم من بر ولا خير ولا تضعفه عن مصالح دينه أو دنياه. رزقنا الله الاقتداء بهديه، واتباع سنته، والسير على طريقته.



روح الصيام ومعانيه - أذكارك في رمضان


 ورمضان أكبر ميدان للسباق في تحصيل كنوز الذكر التي تحيي القلوب بروح الصيام الإيمان يزداد في قلوبنا بالطاعات والصالحات، وتنقصه المعاصي والغفلات، ولا أزيد للإيمان وأذهب لآثار المخالفات من ذكر الله ، كما في الحديث « أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم ، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم ، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم ، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتَضْرِبوا أعناقَهُم ، ويَضْرِبوا أعْناقكُم ؟ ! ، قالوا : بَلَى ، قال : ذِكْرُ اللهِ » [ رواه الترمذي، وابن ماجة واحمد ،وصححه الالباني في المشكاة (٢٢٠٩) 

ولعظيم فوائد الذكر وفضائله؛ لم يأمرنا تعالى بأن نذكره فحسب؛ بل دعانا للإكثار من هذا الذكر ، وقرن ذلك بصلاته سبحانه، و ورحماته وثنائه ودعاء ملائكته ، فقال :  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}  ( الأحزاب/43)

وأجور الذاكرين، وبخاصة الصائمين، لا يقدر مقدار عظمتها إلا الله : { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب/35)..

وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ بالسبق في الفوز للذين ينفردون بربهم ذاكرين في خلواتهم وجلواتهم، فقال : « سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ.»  [ رواه مسلم/ ٢٦٧٦ ] 

ورمضان أكبر ميدان للسباق في تحصيل كنوز الذكر التي تحيي القلوب بروح الصيام ؛ قال النخعي رحمه الله : ( صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسببحة فيه خير من ألف تسبيحة، وركعة فيه خير من ألف ركعة) 

 فاللهم اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين ، إليك مخبتين منيبين.. يارب العالمين



أعظم الناس فلاحا


 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

   تَأَمَّلْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، بعدَ الأَمْرِ بالدَّعْوةِ إِلَى الْخَيْرِ وَالأمرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، لتعلم أن أعظم النَّاسِ فلاحًا، وأكثرهم نجاحًا هم الدعاة إلى الله. 

  وَهَلْ هُنَاكَ أَعْظَمُ فَلَاحًا مِمَنْ يَدُلُّ النَّاسَ عَلَى رَبِّهِم؟ وَهَلْ هُنَاكَ أَفْضَلُ حَالًا مِمَنْ يَأْمُرُ النَّاسَ بما يُحِبُهُ اللهُ ويرضَاهُ، ويَنْهَاهَم عَمَّا يُسْخِطُ اللهَ؟ ألَيسَتْ الدَّعْوةُ إِلَى اللهِ سَبِيلَ الْمُرْسَلِينَ؟   قَالَ تَعَالَى:  {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}   

 ألَيسَتْ دَلِيلًا عَلَى مُتَابَعَةِ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟  

 قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .  

 فاحْرصْ يَا عَبْدَ اللهِ أَنْ تَكُونَ مِمَنْ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. 

  وإياكَ أنْ تتبرَّمَ مِمَنْ يأمركُ بالخيرِ، ويَدُلّكَ على رَبِكَ، ويأخذُ بيَدِك إلى الجنَّةِ.