السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2020-12-18

18 ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية

 

18 ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية

نحتفي باللّغة وكلّنا يقين أنّ المفردات التي اخترعناها كانت لهدف ما في هذه الحياة ، وما أروع أن تكون كالضّوء الذي يبتلع عتمة هذا العالم لنصبح معا تحت الحروف نتنفّس الأفكار والعواطف والمبادئ والعلوم والتّجارب الإنسانيّة .
اللّغة صلتنا بالآخر ، بالتّاريخ الذي يسندنا ، بالأشياء التي ستأتي و تتجمّع بلطف في لغتنا العربيّة التي نفتخر دوما بانتمائنا لها ، بجذورها المتأصّلة في ألسنتنا ، بحبّنا لها ، بارتفاعنا بها ، بعيشها بداخلنا كالأمّ التي تحضن آلامنا ، لحظاتنا ، ذكرياتنا .
اللّغة العربيّة لغة الكون ، لغة تغطّي على الصّمت ، لغة فاتنة تلقي جواهرها الثّمينة لتبقى لامعة في الوجدان البشريّ الذي لولاها لما أبدع في الكلام ، والرّسم ، والشّعر ،والأدب .
لغة التّوحيد لا التّفرقة ، لغة الأرواح التي تصل الأجساد ببعضها ، والقلوب في قالب واحد ، والشّعور في إطار واحد إنّها لغة القرآن اللّامعة باليقين والإعجاز والتّنوير .
لغة عريقة ، حروفها أثقل من الكلام كلّه ، تشعّباتها اللّغوية تخلق أكثر من جوّ لفظي ، تفضي إلى الكثير من الأساليب المفتوحة على النّفس ، تراكيبها أقوى من شلاّلات الطّبيعة الإنسانية ، لغة حيّة ، متدفّقة تتلوّن دوما حسب المزاج ، باقية إلى الأبد مادمنا نقدّسها ونحبّها ونعيش بداخلها .

أمّي هلاّ خرجت من أوراقي

 هل يمكن لقلم الرّصاص أن يخرجك من دوائر البياض التي رسمتك فيها ، هل يمكن للألوان أن تطرد السّواد على قلبي وتعيدك إليّ ، هل يمكن لكلّ أوراق الكلام أن توقف خطوط البك
اء ، وتضمّد الشّوق الذي فاض وأنت تحت التّراب .

ماما تمزّقت حروفها ولا أراك لأقولها لك مرّة ثانية ، لا أجدك فوق رأسي لأناديك بها حين أخاف ، وأشتاق ، وأحتاج حضنك ، يدك التي تحصد المخاوف رقدت وصار فوقها الصّخر والرّخام والتّراب وكومة من العشب .
ماما ، ماما تعاليّ ككلّ مرّة أناديك فيها ، ما بالك لا تظهرين من خلف الباب ، ما بالك لا تقفين أمام باب المدرسة لتقبّليني بفرح ، ترافقين خطواتي ككلّ مرة إلى البيت .
سمعتهم يقولون أنّك متّ ، أنّك عند الله ، أنّك في السّماء ، أنّك لن تعودي إلى حيث ذهبت أريد أن أذهب إلى الموت لأخبره أنّي اشتقت إليك ، سأترجّاه كي يعيدك إليّ ولكن أين هو هذا الموت لا أراه إلاّ في كومة التّراب التي تنامين تحتها .. ماما الألوان لا تصغي لدموعي فهلاّ أتيت ككلّ مرة حين أفرد أوراقي ودفاتري لأدرس تحت ضوء عينيك .
لاحول ولا قوّة إلا بالله

حياتك هي اللحظة التي أنت فيها

 







حياتك هي اللحظة التي أنت فيها، فعِشِ اللحظة ولا تنتظر الغد؛ فقد لا تكون موجودًا.

  • اعلم أيها الـمهموم أن الحزن والحسرة لن يردَّ لك ما صار في خبر كان، ولن يعطيك شيئًا، ولكن تأكد أنه يأخذ منك أنفس شيء عندك، وهي: صحتُّك، فتأمَّل. 

• علامَ تذهب نفسك حسرات، والله قدَّر رزقك قبل خلق الأرض والسماوات؟! فلو غضضت الطَّرف عمَّا فاتك، واجتهدت في التخطيط لآمالك، لتحسَّنت أحوالك. 

  قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]. 

• علَّمَني الإيمان بالقضاء والقدر ألا آسى على ما فاتني، وألا أفرح كثيرًا بما أتاني، وأن ما قُدِّر لي لا يأخذه غيري، وأن ما هو لغيري لن يكون يومًا لي.  

 • حياتك هي اللحظة التي أنت فيها، فعِشِ اللحظة ولا تنتظر الغد؛ فقد لا تكون موجودًا. 

• عبارة "أنت فاشل"، أو ما يقوم مقامها: أكثر العبارات فتكًا بآمال الإنسان، وهي - في حقيقة الأمر - سمٌّ ناقع، وابتلاء واقع، وداء خطير، والأخطر من ذلك كله: التصديق بها، وقَبولُها من غير نكران، ولا إظهار لأي انفعال تجاهها. 

  إنك أيها الإنسان لست فاشلًا! وليس لدى أحد الحقُّ بنعتك بها؛ ما دمت تحاول، وتأبى الركون إليه... إنك ببساطة لـم تولَد فاشلًا، فكيف ترضى وصف نفسك به؟ فالحذرَ الحذرَ من هذا الداء العضال الذي لا يرجى برؤه، وفِرَّ من الـمجذوم به فرارك من الأسد؛ فمَن صَاحَب الفاشلين - أي: الراضين به - صار منهم، والصَّاحِب ساحب، وأدمن الفأل؛ فإنه مضاد حيوي للإحباط والتعاسة والدَّعة، وسائر الأدواء التي تفضي إلى هذا الـمرض.  

 • من عوامل النجاح في الامتحانات جميعًا: تنظيم الوقت. عندما تنظم وقتك، تستطيع أن تساير الـمهام جميعًا، وتوافق بين أشغالك، على عكس الفوضى والتخبط والاعتباطية، فإن كلَّ ذلك من أسباب الإخفاق. عندما تكون منظمًا وقتك، تتضح لك الأمور أكثر من ذي قبل، فتستطيع أن تخطط لآمالك وأحلامك بهدوء وروية، وكل ذلك يعينك على الوصول إلى هدفك والنجاح في الحياة. 

  تنظيم الوقت يجعلك تساير بيُسر بين حياتك الـمهنية والأسرية والعلمية. تنظيم الوقت مَغْنمة، والتفريط فيه مَضْيعة وخسارة. فقد فهمت الآن أن تنظيم الوقت عاملٌ حيوي، ومطلب ضروريٌّ للنجاح؛ لا يفرط في هذا الجانب أحدٌ إلا وتذوَّق مرارة الإخفاق والفشل، وقد قالوا: "الوقت سيف؛ إن لم تقطعه قطعك". 

  • أخبِرني أيها الكسول الخمول، الذي يريد الوصول إلى هدفه الـمأمول: أرأيت يومًا السماء تمطر ذهبًا أو فضة؟ أو أكَلَ العسلَ مَن لا يصبر على لسع النحل؟ ارمِ عنك دثارك، وقم إلى تحقيق هدفك بهمَّةٍ وعزم، وإلَّا تفعل، قطعك سيف الوقت الذي لا يرحم.  

 • ليس مهمًّا كيف يراك الناس، الأهم: كيف ترى نفسك؛ فرِضا الناس غايةٌ لا تدرَك! فاهتم بنفسك، ولا تلتفت إلى ما يقال عنك، فلو أنك كل مرة تنظر خلفك، فأخبرني - إذًا - كيف تصل إلى هدفك؟ وإذا طُعنت من الخلف، فتلك علامة أنك في الـمقدمة، فكفى بك اليومَ على نفسك حسيبًا، ودَعِ الخلق للخالق.  

 • تذكر دائمًا: كلما ضاقت عليك الأرض بما رحُبت "أنه مجرد يوم سيئ، وليس حياة سيئة"، وتيقَّن أنه عمَّا قريب سيبزغ فجر يوم جديد؛ ينسيك كل همومك، فثق بربِّك، ولا تقنط من رحمة الله، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح: 5، 6].  

 • لا تندم على أي علاقة مررت بها في حياتك؛ لأنك وإن لم تنتفع أو تستفد منها، فإنك قد اكتسبت تجارب تُضاف إلى قائمة دروسك الدنيوية. ولكن احرص - أشدَّ الحرص - على صفاء جوهر العلاقة، واتبع هذه القاعدة: "إذا لم أستطع أن أنفع غيري، فلا أضره"، فإلحاق الضرر بالغير محرَّمٌ عقلًا وفطرة وإنسانية قبل أن يؤكِّده الإسلام شرعًا.  

 • إذا لم يكن قلبك صافيًا نقيًّا، فلا خير في مظهرك وإن كنت جميلًا أنيقًا. يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].  

 • لا تحدِّث الناس عن استقامتك، ولكن أرشِدهم إليها، ولا تكُ من الذين يطلقون الأحكام، ولا يحملون همَّ الدعوة إلى رياض دين الإسلام؛ فلأنْ يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس، ولا تمنُنْ تستكثرُ؛ فلولا رحمة الله لكنت من الضالين، وهذا سيد الخلق، وخير البريَّة، وأخشانا لله وأتقانا، ومن ترجم القرآن إلى عمل وسلوك ومنهج حياة، فصار بذلك قرآنًا منظورًا، ووحيًا على الأرض ماشيًا، يقول له ربي وربُّكم ورب الناس: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} [الإسراء: 74]، فلا تُراءِ الناس بما تصنع، ولا تُزَكِّ نفسك؛ فالله أعلم بمن اهتدى واتقى. 

  • الفرق بين اليوم والبارحة هو أن اليوم هو تلك الفرصة التي أتيحت لك أمسِ، فإنِ اغتنمتها فقد أظهرت الفرق بينهما، وإن ضيَّعتها كما ضيعت الأولى، فلن يصير هناك أي فرق، بل سيصدق عليه قول القائل: "ما أشبَهَ اليوم بالبارحة!". 

• ابتسم دائمًا مهما كانت ظروفك؛ فما قدَّره الله ماضٍ، فلتكن عنه راضيًا.   • رُب ابتسامة أزالت من قلبٍ ترحًا، وملأته فرحًا، ورب ابتسامة صيَّرت قلبًا حسودًا حنونًا ودودًا، ومن هنا نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وتبسُّمُك في وجه أخيك صدقةٌ».

 • الهدوء الحقيقي: هو عندما تضع رأسك على الوسادة، فتنام مطمئنًّا، لا تتذكر مظلمة أحد عليك، ولا بغيك على أحد، تنام وقلبك صافٍ وخالٍ من أية ضغينة، فمن كان في هذه النعمة، فليحمد الله عليها، ومن كان في عتاب وجدال مع نفسه الأمَّارة بالسوء، فنرجو له العافية.  

 • الاختلاف في الرأي: أن أختلف معك في الرأي، هذا لا يعني أنني أناصبك العداء؛ فلربما أتفق معك في مسائل أخرى مما لا يحصى كثرة، ألا يحق لنا أن نكون إخوة وإن اختلفنا؟! سبحان الله! بعض الناس يصنِّفون كلَّ من يخالفهم في خانة الأعداء، متغافلين بالكلية عن المواطن التي يجتمعون فيها.   الاختلاف رحمة مهداة إلينا من خالق الناس، فلمَ نجعله ـ إذًا ـ نقمة علينا وسبب العداوة والشقاق بيننا؟ ألم يقل الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118]؟ ففصل الحكم في قطع الاختلاف إنما هو بيد ملك الـملوك يوم القيامة، وما نحن مطالبون به هو: معرفة كيفية تدبير هذا الاختلاف، وآداب التعامل مع الـمخالفين؛ حتى نجعل من هذا الاختلاف مصدرَ قوة، لا مصدر ضعف وفتنة.  

 • تفاءل دائمًا، واحذر من أن يسري الإحباط إلى قلبك. 

• قد يسهل عليك الاعتراف بالهزيمة، ولكن سيصعب عليك التخلص من طعمها. 

• شارك أحزانك مع أحبائك؛ لأننا إذا لم نشاطر الآلام مع الآخرين، فلن نستطيع تخفيفها عن أنفسنا.   

• أكبر كذبة سمعتها في صغري، وصدَّقتها حينئذٍ هي: "المستقبل"، ولما كبرت، اكتشفت أنها أكذب من كذبة أبريل... فما المستقبل إلا اللحظة التي أنت فيها، أما غدًا، فعلمُه عند ربِّي في كتاب، لا يضل ربِّي ولا ينسى، قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]. لا شك في أنك سمعت أيها القارئ الكريم بهذه العبارات: ادرس جيِّدًا من أجل المستقبل، واعمل جاهدًا من أجل المستقبل، وابْنِ دارًا من أجل المستقبل، وتزوَّج من أجل المستقبل، واجمع المال من أجل المستقبل... يكبر الإنسان ويشيخ، ويكاد ملك الموت يقبض روحه، ولا زال ينتظر المستقبل، فعن أي مستقبل يتحدَّثون؟ فما هذه الكلمة إلا اعتقاد غربي، نفخ بها في أبواقه، فالتقَطَها أدعياء السخافة - عفوًا: الثقافة - وصدَّقها عوام الناس، الذين امتلأت عقولهم بالإلباس، فما لي والناس؟! أعوذ بالله من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس. لا يصدِّق بهذه اللفظة إلا الذين أسلموا فقط ولَـمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم: ((قلْ: آمنتُ بالله، ثم استقم))، وكفاك من هذه التُّرَّهات. 

 • ارْضَ بما قسَمَه الله لك، تكن أغنى الناس، ولا تلهث في هذه الدنيا وتتعب نفسك من أجل الرزق، فكن على يقين أن رزقك لن يأخذه غيرُك، فالله هو الرزاق ذو القوة الـمتين؛ يرزُق الجنين في بطن أمِّه، والحيتانَ في ظلمات البحر، وصغارَ الطيور في أعشاشها، فلو كان الرزق يؤخذ بالقوة ما أكل عصفور شيئًا مع النسر كما قال الإمام الشافعي رحمه الله، ولن تموت نفس إلا بإذن ربِّها، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاطمئنَّ، وخُذ بالأسباب، وتوكَّل على الـملك الوهَّاب.



الرفق صولجان المربي


 طريق التربية طويل ممتد؛ فإن ذلك يعني أن الوالدين يلزمهما كثير من الصبر والتحلي بالرفق في التعامل مع الأبناء حتى يعبروا هذه المراحل بسلام... جاء في المعجم الوسيط:الصولجان: عصًا يحملها المَلِكُ، كرمز لسلطانه. 

عندما يرزقنا الله تعالى بالأبناء فإنهم يولدون وهم لا يعلمون شيئاً من خبرات الحياة، فتتلقفهم يد الوالدين الحانية، ليستمدوا منهم كل معارفهم وخبراتهم؛ {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]

يولد الأبناء ولديهم مشاعر كاملة، ووعي وخبرات ناقصة تكتمل وتتنامى عبر مراحل نموهم الصاعدة، ومن خلال التجربة والصواب والخطأ وتوجيه الوالدين.

 ولأن طريق التربية طويل ممتد؛ فإن ذلك يعني أن الوالدين يلزمهما كثير من الصبر والتحلي بالرفق في التعامل مع الأبناء حتى يعبروا هذه المراحل بسلام، فهل ينجحون جميعاً في التعامل بهذه الطريقة مع الأبناء؟ 

الرِفْقُ هو الفضيلة التي اختارها الله تعالى للمُرَبِّين: 

الرفق هو الصفة اللازمة والأسلوب الناجح الذي قرره الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم  في التربية ولكل مربٍّ فيه أسوة حسنة، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، وهو الطريق التربوي المعتمد الذي وعد الله تعالى بالعون لمن يسلكه في بيته مع بنيه وأهله، مستهدياً باسمه سبحانه «الرفيق»، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّه قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ»

قال ابن القيم رحمه الله نظماً: وهو الرفيق يحب أهل الرفق يعطيهم بالرفق فوق أمان وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في شرحه لهذا البيت: «من أسمائه سبحانه: الرفيق، وهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها، وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال». 

وقد كانت سيرته صلى الله عليه وسلم  في التربية وتصحيح الأخطاء، خاصةً مع الصغار، تبين هذا الرفق بجلاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسين بن علي - وكان صبياً - تمرة من تمر الصدقة؛ فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كخ، كخ. ارم بها أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة» . فلم يضربه النبي صلى الله عليه وسلم  ولم ينهره، ولكن نبّهه إلى أن ما فعله سلوك مرفوض لا يصلح أنْ يصدر منه، مع الإلزام بترك التمرة في الموقف نفسه بل في اللحظة ذاتها، كل ذلك بلغة يفهمها طفل صغير جداً في الثالثة أو الرابعة وهو سنّ الحسين رضي الله عنه آنذاك. ولكن لماذا يضيق صدر كثير من المربين عن الرفق بأبنائهم؟ 

• غلبة العجلة وقلة الصبر عموماً على معظم البشر: وذلك لأن العجلة من غرائز الإنسان الفطرية التي تدفعه دائماً إلى تحقيق رغباته والتعلق بتملكها دون أناة أو انتظار، ويشهد لهذا الدافع قوله تعالى: {خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، [الأنبياء: 37] أي: ركب على العجلة فخلق عجولاً؛ فيستعجل كثيراً من الأشياء وإن كانت مضرة. وقوله تعالى: {وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]، أي: خُلِقَ عجولاً يبادر الأشياء ويستعجل وقوعها. 

هذه العجلة تجعل المربي يستعجل النتائج، ويشكك في أن الرفق مُجدٍ مع الأبناء، فيعمد إلى سبيل العنف وعندئذ يخسر كثيراً. 

• ضعف الإرادة: اللجوء إلى العنف مع الأبناء يعدُّ تعبيراً عن ضعف المربي وإفلاسه، فهو لا يملك من الوسائل والأساليب التربوية ما يمكنه من السيطرة على المواقف الضاغطة والمحرجة التي يتعرض لها المربي في مواجهة أخطاء أبنائه! فإذا كانت التربية هي: «إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حَدِّ التمام»، فإن ذلك يعني أنها مهمة صعبة وطويلة ومستمرة! يحتاج فيها المربي إلى كثير من أدوات العمل، في مقدمتها الصبر والرفق واعتماد سياسة العمل المتراكم مع النفس الطويل، حتى يصل بأبنائه إلى بر الأمان. • ضعف الجانب الإيماني لدى المربي: قد يغفل المربي عن الدعاء في حين أن التربية عملٌ ليس بالهين، لأنه يهدف إلى التأثير الإيجابي في النفوس والقلوب، وصياغة العقول، وبناء الشخصيات؛ ولذلك كان من أهم الأعمال التي تحتاج إلى دعاء عريض، فلا يزال المربي معتصماً بالله تعالى متوكلاً عليه في أمر صلاح أبنائه، فذلك هو هدْي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى على لسان إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، وهدْي المؤمنين من أتباع الأنبياء، كما جاء في صفة عباد الرحمن، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا} [الفرقان: 74]

 • الخلط بين الرفق والتهاون في التربية: يرفض بعض المربين أسلوب الرفق مع الأبناء ظناً منه أن ذلك ضعف ورخاوة قد تفسدهم وهذا فهمٌ خاطئ، فالرفق لا يعني ضعف المربي ورخاوته، بل يُقْصَدُ به لِينُ الجانب، ولَطافةُ الفعل، وحُسْن الصَّنيع، مع الحفاظ على الحزم، ونعني به الإلزام بالصواب في التنفيذ والتطبيق، ولا بد له من الجمع بين الرفق كأسلوب أمثل في التربية، وبين الحزم كأسلوب ضروري لضبط وإحكام الجانب التطبيقي في العملية التربوية.

 • تراجع الثقافة التربوية لدى كثير من الآباء والأمهات: كثير الآباء والأمهات لا يعرف حاجات الطفل، وما هي المراحل والأطوار التي يمر بها أثناء نموه، وأيها أهم، وكيف يواجه المؤثرات التربوية المضادة، وكيف يحمي أبناءه منها، في حين أن تسلح المربي بالثقافة التربوية ييسر عليه مهمته ويجعله أقرب إلى الرفق مع أبنائه، فمثلاً معرفة خصائص المراحل العمرية للأبناء تسهم بشكل كبير في ضبط ردود أفعال الوالدين تجاه الطفل إذا أخطأ أو تعثّر، كما يكسبهم الصبر على سلوكياتهم التي قد تكون مزعجة لأنهم قد عرفوا مسبقاً أنها من خصائص المرحلة التي يمرون بها. 

فنجد المربي يتقبل من طفل العامين كثرة الحركة، والارتباط بصندوق اللعب وسكبه على أرضية الحجرة يومياً، بينما يستشرف لولده الذي بلغ الثالثة عشرة بكثير من الصبر والاحتواء والاستعداد للجدال والمناقشات الطويلة وتوقع التمرد على أوامر وتعليمات الوالدين، لأن هذه السلبيات متوقعة من الابن في مرحلة المراهقة. • التهوين من الأثر السلبي للعنف مع الأبناء: تعتبر الإهانات اللفظية والشتائم والعزل والرفض والتهديد والإهمال العاطفي والاستصغار، جميعها من أشكال العنف التي قد تلحق الضرر بسلامة الطفل النفسية أو البدنية أو كلتيهما. وقد أثبتت الدراسات أن الأسر التي تتعامل بالرفق هي الأكثر تماسكاً والأكثر جذباً للأبناء من تلك التي تعتمد أساليب عنيفة متسلطة في التعامل معهم. 

كيف يجمع المربي بين الرفق والحزم؟  عن عمر بن أبي سَلَمة، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم  - أي الذي تربى في حجره - يقول: «كنت غلاماً في حِجْر رسول الله، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: «يا غلام سَمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك». فما زالت تلك طعمتي بعد)» (رواه البخاري)

ففي هذا الحديث تتجلى فضيلة الرفق في التوجيه، وما يثمره من نتائج سريعة وطويلة المدى، كما تتضح فيه أهمية أن يجمع المربي بين الحزم في معالجة الأخطاء وعدم التقاعس عن ذلك، وبين الرفق في الأسلوب الذي تتم به المعالجة.

 ففيه من الرفق:

 • أن النبي صلى الله عليه وسلم ، تحبب إلى الغلام في النداء الذي يحصل به الانتباه لما سيقوله من توجيه فقال: يا غلام! 

• لم يضرب الغلام ولم يعنفه أو يخلع عليه وصفاً أو تشبيهاً قبيحاً عندما أساء. 

• لم يكرر الخطأ لفظاً أو يحكيه ويجسده أمام الغلام، ولكنه ألقى إليه مباشرة الأصول السليمة، ليتعلمها ويفهم أن ما كان يفعله خطأ. وفيه من الحزم: 

• أن النبي صلى الله عليه وسلم  عالج الخطأ السلوكي فوراً بمجرد رؤيته له، فالتقاعس وتجاهل أخطاء الأبناء والتراخي في علاجها، يحولها بالضرورة إلى عادة يصعب علاجها فيما بعد. 

• عدم الاكتفاء بالتلقين النظري للأبناء حتى يقترن بالتطبيق العملي. • أن النبي صلى الله عليه وسلم  علّم الغلام السلوك الصحيح بلغة وألفاظ حازمة، حيث تتابع الجمل، ووضوحها، واستخدام أفعال الأمر. 

• ثم دلّ قول عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: «فما زالت تلك طُعمَتي بعد» على نجاح هذا الأسلوب وفاعليته وقوة تأثيره في المتربي حتى صار الفعل الصواب عادة له طوال حياته.  وأخيراً.. 

عزيزي المربي: لنرفق بالقوارير من بناتنا مربيات الأجيال، ولنرفق بالبنين من أبنائنا صناع المجد بإذن الله؛ فإننا بالتزام الرفق معهم نصل - بتوفيق الله تعالى - إلى ما لا نستطيع أن نصل إليه بالشدة والعنف. 

وسيبقى المربي الرفيق فقط هو من يستطيع أن يستوعب أخطاء أبنائه بصبر وحب وتصميم على تعديلها، آخذاً بأيديهم إلى سبل الخير والرشاد. وعندئذ سيظل ملكاً متوجاً على قلوب أبنائه وبيده صولجان الرفق: هداية الله تعالى للمربين!  



عندما يكون التفاؤل منهج حياة

 إن التفاؤل إكسير الحياة السعيدة، وما فقد الإنسان هذا الإكسير إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأصبح وجه الحياة قاتمًا مظلمًا في عينيه، يفقد الأمل والراحة والهناء، يملّ الحياة وما فيها، ويراها قد أصبحت مجرَّدة عن أيِّ معنى.

ورد في مسندِ الإمام أحمد - رحمه الله - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «الطَّيْرُ تَجْرِي بِقَدَرٍ». وَكَانَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ". وبهذا الحديث النبوي يصح معنى الحكمة المشهورة أيضا، التي تقول: (تَفَاءَلُوا بالخَيرِ تَجِدُوهُ)؛ إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجّع الناس على التفاؤل، وينهاهم عن التشاؤم والتطير.  
 يُحكى أنه: سُجن شاعران؛ متفائل ومتشائم، فأطلّا من نافذة السجن، فأمّا المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك، وأما المتشائم فنظر في طين الطريق فبكى.  
 إن التفاؤل إكسير الحياة السعيدة، وما فقد الإنسان هذا الإكسير إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأصبح وجه الحياة قاتمًا مظلمًا في عينيه، يفقد الأمل والراحة والهناء، يملّ الحياة وما فيها، ويراها قد أصبحت مجرَّدة عن أيِّ معنى.   
لن يفقد نافذة النور من تعوِّد التفاؤل، وليوافينه الأمل ملوحًا له من بعيد، إذ المشاعر الإيجابية التي تحيطه لا تسمح له يغرق في السلبيات وينظر إلى الحياة نظرة تشاؤمية، وأما المتشائم فلا يجني الراحة والسرور ولو كان في رغد العيش ورحراح الحياة، لأنّ نظرته السلبية لا تدعه يهدأ وينعم، بل تنغّص عليه عيشه وفرحه، وتسلبه متعة الاستمتاع بالحياة وتزهّده فيما يملك.  
 المتشائم يسيء الظن بالله تعالى، ومن هنا ينشأ يأسه وتشاؤمه، وأما المحسن الظن بالله تعالى فهو لا يفقد النور وبصيص الأمل في الحياة مهما اشتدّت الظروف وتتابعت المحن، فكلما ذكر أنّ الله مدبّر أموره ازداد قوة وتفاؤلًا، علمًا منه أنّه مدبِّر لا يُتّهم في جميل تدبيره، وهو دائمًا يختار له الأجمل والأكمل والأفضل. 
  يظلّ المتشائم خبيث النفس، مبخوس الحظّ، معقود الجبين، كالح الوجه، ضيّق الصدر، متوتّر الأعصاب، مسلوب الراحة والسكون، ولو حيزت له الدنيا بحذافيرها، لا يجد في الوجود ما يحسِّن حاله حتى ولو كان يعيش فيما لا يمكن الآخرين رؤيته إلا في الأحلام. لأنه يرى أنّ الراحة تزول، والمال ينفد، والصبح ينتهي، والسلامة تنهار، ويحلّ محلّ هذا كله ليل يبقى، وفقر يستمر، وجوع يدوم، ومرض لن يقلع. 
إنه دوّن لنفسه قاموسًا مفرداتُه هي: (الموت، والسقم، والهلاك، والفشل، والإحباط، والسقوط). وهكذا يموت وهو حيّ، ويجوع وهو شبعان، ويفتقر وهو غني.  
 ما أحوجنا إلى إكسير التفاؤل في الحياة، نطرد به جيوش الهموم والغموم ونزيل الأحزان والأتراح، ونجلب لنا الرضى والسكينة والسرور. وبخاصة في عصرنا هذا، حيث كثرت فيه المحن ولكن لا كـ كلمة نرددها على ألسنتنا وإنما كـ منهج حياة، فإذا صار التفاؤل منهج الحياة، يساعد على تحمُّل المصائب والمصاعب، ويؤدي إلى الانشراح الدائم والتام، والإنسان عندما يصل عند هذا الحد يرى كل شيء جميلا، حتى وإن كان يظهر للناس على أنه قبيح.  
 ليس عند الناس ما هو أشد وأهول من الموت، لكن المتفائل والذي يحسن الظن بالله تعالى يجد في الموت وفيما بعده من المشاهد الكثيرَ ممّا يسرُّه ويُرضيه: كيف لا؟ وهو سوف يرى الملائكة، ويزور النبي صلى الله عليه وسلم، ويلقى الله الرحمن الرحيم الذي ما به من نعمة إلا منه، ويجتمع مع أهله وأقربائه وذريته في جنَّات ربه. 
وبهذا لا يخاف الموت، بل هو مستعد للموت رغبةً فيما بعده. قيل لأعرابي: "إنّك ميّت.
 فقال: ثمّ إلى أين؟ قيل له: إلى الله تعالى. فقال: ما وجدنا الخيرَ إلّا من الله تعالى.. أفنخشى لقاءه؟". ما أجمل هذه القصة الموجزة من حيث الألفاظ العامرة من حيث المعاني.  
 زار النبيّ صلى الله عليه وسلم أعرابيًا به حمّى فقال له مواسيًا: «لا بأس طَهورٌ إن شاء الله»، فلم يقبل الأعرابي هذا الفأل الحسن؛ بل قال: بل حُمّى تفورُ على شيخ كبير تُزِيرُهُ القبورَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنعم إذن» . والحديث أخرجه البخاري. 
فما دام أراد لنفسه هذا فهذا نصيبه، إنه لا يريد أن يكون متفائلا.   إننا في زمن كورونا وعلى الرغم من كل ذلك الإجهاد النفسي والمجتمعي الذي نعيش فيه، وكل الخسائر اللاحقة في الأنفس والأموال والتعليم وكل تلك الظروف القاسية التي تمر على البشرية جمعاء، يمكننا التفاؤل، إذا نظرنا إلى ما تعلمنا من هذا الفيروس، فقد تعلمنا منه الكثير، وجرّبنا ما لم نجرّب سابقًا، وكم كانت خسائر البشرية فيما إذا لم تكن لديها وسائل التواصل الاجتماعي وهذه الإمكانيات المتطورة والتكنولوجيا الحديثة. إنه جعلنا نعيد النظر في أعمالنا وصلتنا بالله تعالى، ومنحنا فرصة للتوبة. 
هذه هي النظرة التفاؤلية الإيجابية للحالة الكارثية التي نعيشها.   ونسأل الله تعالى العافية ورفع البلاء والوباء والغلاء عنا وعن الناس جميعا.   
لا يعني التفاؤل عدم الحزن، بل يعني أن نعيش لحظة الحزن بعقلانية بدون الغرق فيها، وألَّا نسمح للحزن أن يستبدّ بنا، وأن نرى الجوانب الإيجابية رغم الحزن. 
ونكون واثقين بالله، مستعدّين دائما لرؤية الجانب الجيد والإيجابي في الأشياء والاطمئنان إلى الحياة، والنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب أيضا بدل التركيز على النصف الفارغ منه فقط، كما يعني النشاط وتحمّل المسؤولية.  
 تسلّح بالتفاؤل وافتح نوافذ قلبك أمام شمس التفاؤل، تتغلغل بداخلك، وتجري في عروقك، فأنت تحتاج إلى نور التفاؤل، ولتعرف أنه لا شيء كامل في دنيانا، لذلك طِبْ نفسًا وتفاءل بالخير تجده.



اليقين بالموت


 قال أبو حامد الغزالي " كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة ، فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة ، ثم يفضى إلى الموت" 

من جميل ما نقل عن التابعي الجليل الحسن البصري - رحمه الله - قوله " ما رأيت يقيناً لا شك فيه ، أشبه بشك لا يقين فيه من الموت " وصدق رحمه الله ، فمن الحقائق اليقينية المتفق عليها بين سائر البشر ، ولا يمكن لأحد أن يشكك فيها حتى لو كان من أعتى الملحدين : أننا جميعا سنموت ، طال العمر أم قصر . 

ومع ذلك فجلنا يتعامل مع تلك الحقيقة بمنطق عقلي بارد ، حيث نجزم بها لكننا نستبعدها ، أو نتعمد تجاهلها ، وربما كرهنا تذكرها ، وصحيح أننا نراها تصيب غيرنا ، ويتخطف الناس من حولنا ما بين حين وآخر ، لكننا نعلل النفس أنها بعيدة عنا ، وما يزال في العمر متسع ، وفي الأجل بقية . 

ولعل في كثرة المتوفين بكورونا هذه الأيام من الشباب والشيوخ - رحمهم الله أجمعين - عظة وعبرة ، وتذكيرا للنفس الغافلة ، والمسكونة بطول الأمل أنه حتى لو افترضنا أن الموت لن يأتي فجأة ، فالمرض يداهم الناس فجأة ، ودونما مقدمات ، ومن يضمن ألا يفضى المرض إلى الموت . قال أبو حامد الغزالي " كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة ، فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة ، ثم يفضى إلى الموت، فما لك - يا نفس - لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب "




وصايا نبوية للمرأة

 النساء شقائق الرجال، والمرأة في سيرة وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها مكانة عظيمة، فهي عِرْضٌ يصان، ومخلوق له قدره وكرامته. النساء شقائق الرجال، والمرأة في سيرة وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها مكانة عظيمة، فهي عِرْضٌ يصان، ومخلوق له قدره وكرامته. 

وقد خاطب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل والمرأة بوصايا وتكاليف، وكل أمر ونهي عام في أوامر ووصايا النبي ـصلى الله عليه وسلمـ فإنه شامل للرجل والمرأة قطعاً، والمرأة داخلة فيه بلا شك، وإنما يوجّهَ الخطاب للرجال تغليباً على النساء، وهذا أمر سائغ في اللغة، إلا أن هناك أحكاماً ووصايا لا خلاف في اختصاصها بالمرأة دون الرجل، مما يدل على اعتبار شخصيتها المستقلة عن الرجال. ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجه للنساء خطاباً خاصاً بعد حديثه للرجال، وربما خصهن بيوم يعلمهن فيه دون الرجال. عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قالت النساء للنبي ـصلى الله عليه وسلمـ: «غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن ..» (البخاري)

وكانت ثمرة ذلك الاهتمام وتلك الوصايا النبوية للمرأة، صوراً مشرقة في التاريخ من النماذج النسائية المثالية. وهذه باقة من بعض وصايا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمرأة، نرى من خلالها اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها وبدورها، وحرصه على صيانتها وسعادتها.  

المرأة راعية في بيتها: الراعي هو الحافظ المؤتمن، الملتزم بمصالح ما قام عليه في أموره الدينية والدنيوية، والذي سيُسْأل أمام الله عن رعيته: ضيَّع أم حفِظ ؟ !.

 والمرأة مسؤولة أمام الله تعالى عن بيت زوجها وأولاده، وستُسْأل عن ذلك، ضيعت أم حفظت ؟، نصحت أم غشت ؟. عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـصلى الله عليه وسلمـ  «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (مسلم). 

وعن الحسن أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» (البخاري).

 طاعة الزوج: من أسباب دخول المرأة الجنة من أي أبوابها شاءت: محافظتها على الصلوات الخمس، وصيامها رمضان بتمامه، وعفتها، وكذلك طاعتها لزوجها. 

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ: «إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت»  (ابن حبان). 

وعن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الحاجة فقال لي: «أي هذه! أذات بعل» ؟ قالت: نعم، قال: «كيف أنت له»؟ قالت: لا آلوه (لا أقصر في طاعته وتلبية ما يطلبه) إلا ما عجزت عنه، قال: «فانظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك»  (أحمد). 

وأكد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وصايا كثيرة للمرأة على حقوق زوجها عليها

 وجعل أول وأهم هذه الحقوق: الطاعة في غير معصية الله، وحسن عشرته وعدم معصيته، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:  «اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد آبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع» (الطبراني). 

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق» (أبو داود). 

ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ تعظ النساء: " يا معشر النساء: لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بخد وجهها "

إياكِ والطلاق: الطلاق لا ينازع أحد في حاجة الزوجين إليه ـ أحيانا ـ، حينما يتعذر العيش معاً تحت سقف واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغا، يصعب معه التودد والاستمرار، فالواجب أن يتفرقا بالمعروف والإحسان، كما اجتمعا بهذا القصد، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} [النساء:130]

لكنه في الوقت نفسه عظيم الخطب، شديد الآثار والأضرار، فكم هدَّم من بيوت المسلمين، وكم قطَّعَّ من أواصر للأرحام، وفرَّقَّ من شَمْلٍ للأولاد، ومن ثم حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة ـ خاصةً ـ منه، ومن طلبه من غير حاجةٍ مُلْجئةٍ وملحةٍ له. عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «أيما امرأة سألت طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» (الترمذي)

وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجىء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً. قال: ثم يجىء أحدهم فيقول: ما تركتُهُ حتى فَرَّقْتُ بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نِعْم أنت» (مسلم). قال الأعمش : أراه قال: ( فيلتزمه ) أي: يضمه ويعانقه.

 مما غزانا به أعداؤنا في هذا الزمان هذه الأزياء للمرأة التي وضعوا أشكالها وتفاصيلها وراجت بين المسلمين، وهي لا تستر العورة لقصرها، أو شفافيتها، أو ضيقها، وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ظهور هذه الأنواع من الألبسة على نساء آخر الزمان وحذر المرأة من ذلك، كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت»  (الجِمال طوال الأعناق) المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا (مسلم). 

قال النووي: "هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان، وهما موجودان، وفيه ذم هذين الصنفين، قيل: معناه كاسيات من نعمة الله، عاريات من شكرها، وقيل: معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا بحالها ونحوه، وقيل: معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها. 

وأما مائلات فقيل: معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه، مميلات: أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: مائلات يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا، مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة. ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت: أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها.. ". 

وقال ابن عبد البر: " أراد النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة..". 

وهكذا كانت المرأة في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحياته وهديه، لها من المكانة والمنزلة، ولا نظير له في أي مجتمع آخر مهما ادعى الحفاظ على حقوقها وكرامتها، وسيظل دورها رائداً في صلاح وبناء المجتمع ولا يمكن إغفاله ولا إهماله، فهي الأم والزوجة، والبنت والأخت.

 فكوني أختي المسلمة حفيدة فاطمة وأسماء، وقافةً بالطاعة والامتثال عند أوامر ووصايا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد قال الله تعالى للرجال والنساء جميعاً: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}  [الحشر: من الآية7].



القوة التي لا تغلب



 مَن أحسَنَ ظنَّه بالله، أتاه كلُّ ما هو جميل، ومن طال بلاؤه فليُبشِرْ بالعطاء الجزيل، ليس دومًا يبتلي الله ليعذِّب، بل قد يبتلي ليهذِّب، وربما كان الفرج قريبًا، وبالدعاء يكشف الله كربات المكروبين تلك القوة التي وقف بها موسى أمام بطش فرعون ثابتًا. 

تلك القوة التي ثبَّتت يوسفَ في محنه. 

تلك القوة التي زلزلتْ قلوب الكافرين رغم عُدَّتهم وأعدادهم الكبيرة، وكانت سببًا في نصر المؤمنين رغم قلَّتهم. 

نعم، إنها القوة التي لا تُغلب! إنها قوة الإيمان بالله، التي تجعل قلبَ الإنسان راضيًا مطمئنًّا، وإن أحاطت به الهموم، وألمَّت به الكروب. هذه كلمات أسوقها لأصحاب الابتلاءات الذين ضاقت صدورهم، وربما فقدوا الصبر لشدة ما وجدوا.

 هذه كلمات أسوقها لمن يظنُّون أنها النهاية، ولمن سقطوا في بحار اليأس والاكتئاب.  

 لماذا يبتلي الله العباد؟ إن الابتلاء سنةٌ كونيةٌ، ولله عز وجل حِكَمٌ في ابتلاء عباده، منها: 

١- إما أنه جل وعلا يقوِّيهم ويثبِّتهم بهذه الابتلاءات؛ ليتعلَّموا الصبر، وتَقْوى قلوبُهم على تحمُّل الشدائد، ويروا حقيقة الدنيا، وأنه لا راحة فيها ولا سعادة؛ وإنما هي دار فانية لا تدوم؛ وإنما الهناء ورغد العيش في الجنة، ومن هنا تنقطع آمالهم وتعلُّقهم بالدنيا ومشاغلها، وينصرفون إلى إعداد الزاد للدار الآخرة.  

 ٢- أو أنه سبحانه وتعالى يبتليهم؛ ليميز الخبيث من الطيب، وليميز ضعيف الإيمان الذي يعبد ربَّه على حرف، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج: 11]، إن أتاه الخير يفرح، وإن أتاه ابتلاء أو فتنة انقلب ساخطًا، غيرَ راضٍ، يكون عابدًا ربَّه مطمئنًّا في حال الرخاء، وإن أصابته الضراء نكص على عقبيه متأفِّفًا، أما قويُّ الإيمان، فتراه في حال الابتلاء صابرًا محتسبًا راضيًا شاكرًا لله في السراء والضراء، ثابتًا قويًّا.   

نعم، يصيبه الحزن، لكنه سرعان ما يدفع حزنه بحسن الظن واليقين في الله جل وعلا، يعلم أن ابتلاءه هو خير له، فكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له» (أخرجه مسلم). 

  ٣- كذلك قد يكون الابتلاء تكفيرًا للسيئات، ورفعةً للدرجات؛ فالإنسان قد لايوصله عمله لمنزلة معيَّنة قد كتبها الله له في الجنة؛ فيبتليه ليرفعه لها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم يصبِّره حتى يُبلغه المنزلة التي سبقت له منه».   ٤- قد يبتلي الله العبد؛ لأنه يحبه، فإذا كنتَ على خير، ونزل بك البلاء، فأبشِرْ؛ إن الله يحبك، وسيأتيك من العطاء على قدر البلاء، فاصبر ولا تجزع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».  

 كيف يكون المرء ثابتًا في الابتلاء؟ يكون المرء ثابتًا بقوة إيمانه بالله جل وعلا، تلك القوة التي لا يُهزم صاحبها أبدًا، فكلما قوَّى العبد إيمانه، زاده ذلك صلابةً وقوةً يدفع بها الحزن واليأس، فبقوة إيمانه يزداد سكينة، وما يزيده البلاءُ إلا اطمئنانًا ورضًا بالله الحكيم، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح: 4].  

 فالمُبْتلَوْنَ المؤمنون حقَّ الإيمان بالله جل وعلا صامدون ثابتون، لا يُخيفهم بطش الجبابرة؛ ها هو موسى عليه السلام، البحر أمامه، وفرعون وجنوده من خلفه، فإما الموت غرقًا، وإما التنكيل والتعذيب على يد فرعون وحاشيته، إنها لحظات عصيبة تُزلزل القلوب، لكن قلب موسى عليه السلام قلبٌ مُلئ بالإيمان، قلب مُلئ بالقوة التي لا تُغلب، وقف صامدًا، يقول: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]. أيها المبتلَون، يا من تخلَّل الجزعُ إلى نفوسكم، قولوا كما قال موسى، قولوا لتلك المحن والفتن: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}  [الشعراء: 62].   أيها المبتلَون، أنتم تحتاجون إلى غرس التقوى والصبر في القلوب؛ قال الله تعالى في سورة يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]، بالتقوى والصبر عبَر يوسف عليه السلام المحن والفتن والشدائد، تكالَبَت عليه الابتلاءاتُ واحدةً تلو الأخرى، ابتداء بمكر إخوته وعزمهم على قتله وإلقائه في البئر، ثم بيعه في السوق، وشراء المَلِكِ له، ودخوله القصر ومراودة امرأة العزيز له، ثم السجن ظلمًا لسنوات، وهو صابر محتسب، ثم بعد ذلك، ماذا حدث له؟ أصبح عزيزَ مصر!.. ومن هنا أقول: قد تأتي المنحة في ثوب المحنة! وربما كان الابتلاء سببًا في نصر كبير، وفوزٍ عظيم.   

ومَن أحسَنَ ظنَّه بالله، أتاه كلُّ ما هو جميل، ومن طال بلاؤه فليُبشِرْ بالعطاء الجزيل، ليس دومًا يبتلي الله ليعذِّب، بل قد يبتلي ليهذِّب، وربما كان الفرج قريبًا، وبالدعاء يكشف الله كربات المكروبين، ويفرِّج همَّ المهمومين، ويجبر كسر المنكسرين، عطاؤه لحكمة، ومنعه لحكمة، وهو على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلِّم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



{واستبقا الباب ...}



 أمَّا أعظمُ دُروسِ هذا المشهدِ العَجيبِ: فهو أنَّهُ إذا استَحْكَمَت حَبائِلُ الشَّهوةِ فلا تُغَامِرْ بالصُمُودِ مَهمَا كُنتَ في العِلمِ والتَّقوى.. وعَليكَ بالهرُوبِ فَورًا، فالسَّلامَةُ لا يَعدِلُها شَيءٌ.

يا لهُ من مشهدٍ زاخرٍ ومُؤثرٍ: فامرأةُ العزيزِ حينَ {غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف: 23]، كانت قد حبكَت الخطَّة، وأحْكمَت غلقَ جميعِ أبوابِ القصرِ، بما فيها البابُ الخارِجي.. فلمَّا بدأ يوسفُ عليه السلامُ بالهَربِ، أخذَ يُفتِّحُ هذهِ الأبوابَ المغلَّقَةَ، بَابًا بعدَ آخرَ وهيَ تُطارِدُه.. وكانَ كلَّمَا عَالجَ بابًا ليفتَحهُ تأخرَّ شيئًا ما، فتقترِبُ هيَ مِنهُ أكثر.. حتى إذا لم يبقَ إلا البابُ الأخيرُ، وهو البابُ الخارِجي، اشتدَّت المطارَدةُ.   تأمَّل: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ..} فهو إذن سِباق، والسِباقُ إنَّما يكونُ بِسرَعةٍ شَدِيدَة، ويتطلبُ (مسافةً معقُولةً).. فلَعلَّ هذا البابَ الأخِيرَ كان بعيدًا نوعًا مَا.   تأمَّل أيضًا: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ.. } فكِلاهما (في الظَاهِرِ) يجرِي بشِدَةٍ.. لكن شَتانَ بين جَريِ هذا وهذا.. فأحَدُهُما يجرِي هَاربًا من المعصِيةِ.. والآخَرُ يجرِي طَالِبًا لها.. وإنَّما الأعمَالُ بالنيات، لا بالظَواهِرِ.   تأمَّل أكثر: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ.. }؛ أي أنَّ (البَابَ) بذَاتِهِ كانَ هدَفًا لكُلِّ مِنهُما، أحَدُهما (يُرِيدُ فَتحهُ ليخرُجَ).. والآخَرُ (يُريدُ إبقَاءَهُ مُغلَقًا) لينَالَ مُرادَهُ، أو لكي لا ينكشِفَ أمرُهُ.. ويَبدو أنَّ يُوسُفَ عليهِ السلامُ قد سَبقَها إلى البابِ بقليل، فلمَّا فتحَهُ وأوشكَ على الخُروجِ، أدْركتُه فجَذَبت قَمِيصَهُ من الخلفِ لتُوقِفَهُ، فتَمَزَّقَ القَمِيصُ، فلمَّا خَرجَ وهي في أثَرِهِ، {أَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} ينتظرُ أن يُفتحَ لهُ.   أمَّا أعظمُ دُروسِ هذا المشهدِ العَجيبِ: فهو أنَّهُ إذا استَحْكَمَت حَبائِلُ الشَّهوةِ فلا تُغَامِرْ بالصُمُودِ مَهمَا كُنتَ في العِلمِ والتَّقوى.. وعَليكَ بالهرُوبِ فَورًا، فالسَّلامَةُ لا يَعدِلُها شَيءٌ.   اللهُم ارزُقنَا تَقْواك، واجعَلنَا نخشَاكَ كأنَّا نَراك.



كن واثق النفس


 العلم نور للعقل وراحة للنفس، وبصيرة تسير على هداها في حياتك، فلا تحرم نفسك من هذا النهر الغزير، مهما بلغت من الوظائف والرتب.

 إن هذه الثقة، يبحث عنها الجميع، ليس فقط من يشعر بضعف تقدير الذات، بل حتى ذاك الذي يأمل في تعزيزها، ليُحقِّق ما يرغب من آمال، في حياته الشخصية والعملية، بثبات وتحدٍّ وعزيمة. 

  تأتيك الثقة بالنفس بمحادثة الناس ومخالطتهم ومعرفة أمزجتهم، لا تظن أن بقاءك في مكانك دون حركة، سيمكنك من الوصول إلى ما تصبو إليه! تعلَّم أن تأخذ بالأسباب، وتتوكل على خالقك وتمضي في سبيلك، وأن ترضى بما كتبه الله لك من رزق. 

  تُحقِّق الثقة بالنفس من خلال بناء شخصيتك وتدعيمها والبحث والاطلاع، لتشفي غليلك من المعرفة والعلم، تذكَّر أن العلم نور للعقل وراحة للنفس، وبصيرة تسير على هداها في حياتك، فلا تحرم نفسك من هذا النهر الغزير، مهما بلغت من الوظائف والرتب. 

   تُمارس الثقة بالنفس بتقوية الشخصية، بأن يكون كلامك في محله، وأن تجتنب مُضيِّعات الوقت، ما يُقوِّض بناء شخصيتك، هذه التَّفاهات تُؤثِّر على قناعاتك وتوجهاتك، وبدلا من أن تسعى إلى تحقيق أهدافك، تسير في سبل أخرى، مُشتِّتة لفكرك وقاتلة لطاقاتك.   اكتسب هذه الثقة ثم قوِّها، ولا تنس أن من خلقك يُيسِّر لك خطاك، فلا تعتقد أبدا أنك لوحدك، فطريقك يُحالفه التوفيق، ما دامت النية صادقة، والهدف واضح، والعزيمة صلبة وثابتة.



2020-12-04

التسبيح

 



عن جابر رضي  الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخله في الجنة» [أخرجه الترمذي]. 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فطوبى لمن كان مُسبحًا مُعظمًا لله عز وجل، فنال الأجور العظيمة، والفوائد الكثيرة، والتسبيح يطلق ويُرادُ به معاني، فمن المعاني التي يُرادُ بها لفظ التسبيح: الصلاة، قال الله عز وجل: ﴿  {فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى}  ﴾ [طه:130] قال الإمام الطبري رحمه الله: ﴿  {وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ}  ﴾ يقول: وصلِّ بثنائك على ربك. الذكر عمومًا، قال الله عز وجل: ﴿  {فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ المِحرابِ فَأَوحى إِلَيهِم أَن سَبِّحوا بُكرَةً وَعَشِيًّا}  ﴾ [مريم: 11]، قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: وقد يجوز في هذا الموضع أن يكون عنى به التسبيح الذي هو ذكر الله، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويُرادُ بالتسبيح جنس ذكر الله تعالى، يُقالُ: فلان يسبح، إذا كان يذكر الله، ويدخل في ذلك التهليل والتحميد. العبادة، قال الله عز وجل عن نبيه يونس - عليه الصلاة والسلام -: ﴿  {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}  ﴾ [الصافات: 143] قال الإمام البغوي رحمه الله: قال وهب: من العابدين، وقال العلامة السعدي رحمه الله: أي في وقته السابق بكثرة عبادته لربه. التنزيه، وهو: تنزيه الله عز وجل من كل نقص وعيب، وتنزيه صفاته من مماثلة صفات المخلوقين، وتنزيه أفعاله وأحكامه من العبث والظلم والشر.   

وهذا التنزيه يستلزم التعظيم، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه والملائكة عليهم الصلاة والسلام يسبحون الله عز وجل تسبيحًا متواصلًا من غير انقطاع ولا فتور، ولا سآمة، قال الله جل جلاله: ﴿ { فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}  ﴾ [فصلت:38] قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: و (يَسْأَمُونَ) معناه: يملُّون.

 فإذا كان هذا هو حال الملائكة الكرام في التسبيح والذكر والعبادة، وقد عصمهم الله من الذنوب والعصيان، فعلى المسلم أن يجاهد نفسه، وأن يكثر من تسبيح الله تعالى بالليل والنهار.

 وعباد الله المؤمنين، وأوليائه المتقين، عمار المساجد، يسبحون الله ويذكرونه، في المساجد، في أول النهار، وفي آخره، وفي داخل الصلاة وخارجها، وقد مدحهم الله عز وجل وأثنى عليهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿  {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}  ﴾ [النور:36-37] 

فهنيئًا لمن كان منهم، وسار في ركبهم. والتسبيح عبادة لجميع الكائنات، من الحيوانات، والنباتات، والجمادات، كلها تسبح لله عز وجل، قال الله: ﴿  {سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}  ﴾ [الحديد:1] وقال: ﴿  {وَيُسَبِّحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ}  ﴾ [الرعد:13] وقال: ﴿  {وَسَخَّرنا مَعَ داوودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ وَالطَّيرَ وَكُنّا فاعِلينَ } ﴾ [الأنبياء:79] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قرصت نملة نبيًا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله)» [متفق عليه] ويقين العبد المسلم أن كل الكائنات تسبح لله عز وجل، دافع ومهيج له على كثرة تسبيح وذكر الله.  والتسبيح لا ينتهي بانتهاء الحياة الدنيا، بل يستمر عباد الله المؤمنين بتسبيح الله عز وجل في الجنة، قال سبحانه وتعالى: ﴿  {إنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهديهِم رَبُّهُم بِإيمانِهِم تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ في جَنّاتِ النَّعيمِ * دَعواهُم فيها سُبحانَكَ اللَّـهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعواهُم أَنِ الحَمدُ لِلَّـهِ رَبِّ العالَمينَ } ﴾ [يونس:9-10] 

قال العلامة السعدي رحمه الله: ﴿  {دَعواهُم فيها سُبحانَكَ اللَّـهُمَّ } ﴾ أي عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائص، وآخرها: تحميد الله. فلنكثر من التسبيح في هذه الحياة الدنيا، نسأل الله الرحمن الرحيم أن يجعلنا من عباده الذين سينعمون بتسبيحه في جنات النعيم، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وعلى المسلم أن يستشعر خوف الله وهيبته وإجلاله عندما يُسبحُ بلسانه، قال الله عز وجل: ﴿  {وَيُسَبِّحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِن خيفَتِهِ}  ) ﴾ [الرعد: 13] قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: وقوله: (وَالمَلائِكَةُ مِن خيفَتِهِ) يقول: وتُسبحُ الملائكة من خيفة الله ورهبته. والتسبيح يعين على الصبر، قال الله تعالى: ﴿  {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } ﴾ [ق: 40] قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله: ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله الكفار والتسبيح بحمده جلا وعلا أطراف النهار، قد ذكره الله في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في أخريات طه: ﴿  {فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى}  ﴾ [طه: 130] وأمره له بالتسبيح بعد أمره له بالصبر على أذى الكفار فيه دليل على أن التسبيح يعينه الله به على الصبر المأمور به، والصلاة داخلة في التسبيح. والتسبيح سبب لزوال الكرب، قال عز وجل: ﴿  {وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ * فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ}  ﴾ [الحجر: 97-98] قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: اعلم أن ترتيبه جل وعلا الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره صلى الله عليه وسلم بسبب ما يقولون له من السوء دليل على أن الصلاة والتسبيح سبب لزوال ذلك المكروه.  ولفظ التسبيح، جاء في النصوص مفردًا، (سبحان الله )، وجاء مقرونًا ببعض ألفاظ الذكر الأخرى، كالتحميد، والتهليل، والتكبير، وببعض أسماء الله تعالى وصفاته، وقرن بالاستغفار، وبالدعاء، وقرن التسبيح بالتحميد هو الأكثر ورودًا في نصوص الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالتسبيح قرين التحميد. 

ومن فضائل التسبيح المفرد، ما جاء في حديث مصعب بن سعد قال:حدثني أبِي قال:كُنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «(أيعجزُ أحدكم أن يكسبَ كل يومٍ ألف حسنةٍ؟) فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: (يُسبحُ مائة تسبيحةٍ فيكتبُ له ألفُ حسنةٍ، أو تُحطُّ عنه ألفُ خطيئةٍ)» [أخرجه مسلم] قال الإمام المباركفوري رحمه الله: (تكتب له ألف حسنة) لأن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها، وهو أقل المضاعفة الموعودة في القرآن بقوله: ﴿  {مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثالِها } ﴾ [الأنعام: 160]. وقد ورد في التسبيح المقترن بالتحميد فضائل، منها الأتي: أنه يحط الخطايا وإن كثرت: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)» [متفق عليه] أنه أفضل ما يأتي به العبد يوم القيامة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(من قال حين يصبح وحين يمسى: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه)» [أخرجه مسلم ]. 

أنه أحب الكلام إلى الله عز وجل: عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(إن أحب الكلام إلى الله: سبحان وبحمده) » [أخرجه مسلم]. 

أن المسبح تغرس له بكل تسبيحه نخلة في الجنة: عن جابر رضي الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخله في الجنة)» [أخرجه الترمذي]. 

وفي الختام ما أحسن أن يختم المسلم حياته بالتسبيح والاستغفار، قال الله عز وجل: ﴿  {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}  ﴾ [النصر: 3] قال الإمام البغوي رحمه الله: قال الحسن: أُعلِمَ أنه قد اقترب أجله، فأُمِرَ بالتسبيح والتوبة، ليختم له بالزيادة في العمل الصالح.  اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واجعلنا من عبادك الذاكرين المسبحين.





 



لماذا التربية الإيمانية؟


إن من تأمل كتاب الله عز وجل وتدبر آياته البينات وجد موضوعها الأساس هو توحيد الله عز وجل والأمر بعبادته وحده، وذكر ما أعده الله عز وجل للموحدين من عباده من النعيم المقيم، وما أعده للمشركين أعداء توحيده من النكال والعذاب الأليم....
إن من تأمل كتاب الله عز وجل وتدبر آياته البينات وجد موضوعها الأساس هو توحيد الله عز وجل والأمر بعبادته وحده، وذكر ما أعده الله عز وجل للموحدين من عباده من النعيم المقيم، وما أعده للمشركين أعداء توحيده من النكال والعذاب الأليم، وضمنه ما شرعه لعباده من الشرع الحكيم الذي يحققون به عبادة الله عز وجل واستسلامهم له وإسلامهم لحكمه. وهذه هي حقيقة الإيمان وحقيقة الإسلام الذي هو دين الرسل جميعًا، الذين دعوا إلى إسلام الوجه لله عز وجل بعبادته وحده والتسليم لأمره وحكمه؛ حيث إن العبودية الصادقة لا تتحقق إلا بالإسلام والتسليم والانقياد لله رب العالمين. وقد وردت في كتاب الله عز وجل نصوص كثيرة مبينة لمعنى هذا الإسلام والتسليم وفضل أهله، منها قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112]، وقوله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]، وقوله تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [لقمان: ٢٢]، وقال عن خليله إبراهيم إمام الحنفاء عليه الصلاة والسلام: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَـمِنَ الصَّالِـحِينَ 130 إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ 131 وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 130 - 132]، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208]، وقد وصف الله عز وجل من امتلأ قلبه بالإيمان والتسليم لله تعالى بأنه ذو «قلب سليم» جاء ذلك في ثنائه سبحانه على خليله إبراهيم  بقوله: {وَإنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ 83 إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 83، 84] كما جاء ذلك في دعاء الخليل عليه السلام لربه بقوله: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ 87 يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ 88 إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87 - 89]، لذا فإن التربية الإيمانية على محبة الله عز وجل وتعظيمه ورجائه والخوف منه والتسليم لأمره ونهيه وحبه لتأتي اليوم على رأس الأولويات والواجبات التي ينبغي للمربين أن يعتنوا بها، وذلك للأمور التالية: الأمر الأول: وجوب بيان معنى الإيمان والإسلام الحقيقي لله تعالى المنجي عند الله عز وجل من سخطه وعذابه الذي بعث به الأنبياء والرسل وجعله الغاية من خلق الثقلين، وأنه ليس بمجرد الانتساب للإسلام والهوية الإسلامية أو فعل بعض الواجبات وترك بعض المحرمات فحسب وإنما هو إسلام النفس لله تعالى بعبادته وحده لا شريك وإخلاص التوحيد له سبحانه وإفراده بالمحبة والخوف والرجاء وسلامة القلب من كل شبهة تعارض الخبر، ومن كل شهوة تعارض الشرع والأمر، ومن كل اعتراض يعارض القضاء والقدر، وبيان أن هذه هي مواصفات القلب السليم المستسلم لربه سبحانه الراجي لرضوانه وبأن سلامة القلب ليست مجرد ما يفهمه كثير من الناس بأنه القلب السالم من الحقد والحسد والغل، حيث يقصرون وصفه على ذلك فحسب؛ بل هو أكبر وأشمل من هذا الفهم القاصر بكثير. لذا فإن بيان هذا الأصل العظيم من أوجب الواجبات وأهم المهمات، فعليه يقوم بناء الدين وبه يتحقق الإيمان الذي يثمر سعادة الدنيا والآخرة. وإنه لمن أكبر المصائب على العبد أن يخرج من هذه الدنيا وهو جاهل بهذا الأصل العظيم لم يذق له طعمًا. ولا تظهر الحاجة بل الضرورة إلى هذا الأمر كما تظهر في واقعنا المعاصر لذا فإن التربية على هذه المعاني اليوم من أعظم الواجبات وأهم الضروريات، حيث يجب على العبد تفقد هذا الأمر في نفسه وتربيتها على التمسك به، وذلك لما ظهر في زماننا اليوم من قلة الوازع الديني الذي سببه ضعف تعظيم الله عز وجل في النفوس وقلة الخوف منه وتوقيره والحياء منه، مما كان له الأثر في الجرأة على المحرمات والاستهانة بالواجبات والجرأة على النصوص الشرعية المحكمة وردها وأصبحنا نرى تطفل كثير من الكتاب والمثقفين الجاهلين بعلوم الشرعية يتعاملون بأهوائهم مع نصوص الكتاب والسنة كأي علم إنساني آخر ليس لها خصوصية التعظيم والتوقير، فالكل له الحق في الخوض في القضايا الشرعية وانتقاد المناهج الشرعية وعلماء الشريعة بحجة أن الدين ليس حكرًا على طائفة!! أو بقولهم لا تقحموا الدين في كل شيء، وقد تأثر بطروحاتهم هذه عدد ليس بالقليل من الناس. وكل ذلك إنما نشأ من الهوى وضعف الإيمان بالله عز وجل فاطر السموات والأرض، والجهل بمعاني أسمائه الحسنى وصفاته العلا التي تثمر في النفوس التعظيم لله عز وجل والتسليم له وقبول شرعه والانقياد له محبة ويقينًا وخوفًا ورجاءً وقبولًا واستسلامًا؛ قال الله عز وجل عن نبيه نوح # وهو يدعو قومه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] لذا فإن التربية على هذا الأصل وإشاعة فهمه في الأمة لمن أكبر أسباب تقوية الإيمان والانقياد لأوامر الله عز وجل والاستسلام له. الأمر الثاني: ما ظهر في زماننا اليوم من ثورة هائلة في وسائل الإعلام والتواصل والاتصالات واستخدام هذه الوسائل من قبل أعداء هذا الدين من كفار ومنافقين في بث الشهوات وتسهيل الوصول إلى المحرمات وإثارة الشبهات والشكوك والاعتراضات على ثوابت هذا الدين وأصوله وأحكامه، فتأسست من أجل ذلك مواقع إلكترونية وقنوات فضائية ودور نشر تمكر في الليل والنهار، فقست القلوب بذلك ووافقت عند بعض أبناء المسلمين قلوبًا خاوية من العلم والشرع والتقوى آلت ببعضهم إلى الحيرة والشك والعياذ بالله تعالى، فلا جرم كانت الحاجة بل الضرورة ماسة لرد الناس إلى الفهم الصحيح للإسلام والإيمان وتربيتهم عليه وأنه قائم على التسليم لله عز وجل رب الناس ملك الناس إله الناس العليم الحكيم اللطيف الخبير العظيم الكبير العلي الأعلى الرحمن الرحيم العليم الخبير القوي العزيز له الأسماء الحسنى. وهنا ينبغي التأكيد على أن رد الشبهات المثارة حول هذا الدين وأحكامه لا يكون بالوقوف عند الشبهة وردها مجردة وإنما يكون بالتربية الإيمانية، وذلك بربط القلوب بربها والاستسلام له والتسليم لأمره وخبره وشرعه وما لم تتمكن هذه الأحوال من القلوب فلن تجدى مناقشة الشبهات والرد عليها مجردين عن هذا الأصل العظيم، فإذا تمكن في القلوب الإيمان والتسليم الحق لله عز وجل وانقادت القلوب لبارئها وقوي يقينها بربها واستسلمت لأخباره فكلها صدق، ولأحكامه فكلها عدل وفضل ورحمة قال سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115]، صدق في الأخبار وعدل في الأحكام، فمتى ما اتصفت القلوب بهذا التسليم لم يكن للشبهات ولا الشهوات عليها طريق وإن وردت فإنها ترد بهذا التسليم وقوة الإيمان واليقين وبيان حكمة الله عز وجل فيما يشرع، وما لم تتبين الحكمة فيه فلقصور في العقول، وحينئذ يتلقى بالتصديق والقبول والتسليم كما قال الراسخون في العلم {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧]. الأمر الثالث: إن في طرح هذا الموضوع المهم ورد الناس إليه علاجًا لكثير من الأمراض القلبية والنفسية التي كثرت في الأزمنة المتأخرة، كالقلق والحيرة والاضطراب والاكتئاب، والتي مرد كثير منها إلى ضعف الإيمان والركون إلى الدنيا ونسيان الآخرة مما نشأ عنه كثرة الاعتراضات التي تكون في القلوب، سواء على أخبار الله عز وجل الغيبية أو على أحكامه الشرعية أو على أقداره المؤلمة. ولا سبيل لعلاجها إلا بمعرفة الله عز وجل حق المعرفة وتعظيمه وإجلاله والتعبد له سبحانه بأسمائه الحسنى وإقامة واعظ الله في القلوب والتسليم للخالق العليم الحكيم الذي هو على كل شيء قدير يعلم ولا نعلم ويقدر ولا نقدر وهو علام العيوب {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ} [الملك: 14]، وبهذا التسليم والتفويض والتربية الإيمانية تحصل الراحة والسكينة والطمأنينة. الأمر الرابع: ظهور أقلام وأصوات لبعض المنافقين الذين يسمون أنفسهم بالليبراليين أو العلمانيين ومن تأثر بهم ممن يتسمى بالعصرانيين والتنويريين تدعو إلى فصل الدين عن الحياة، وتزعم أن نصوص الوحي لم تعد صالحة لإدارة شؤون الحياة المعاصرة إلا بقراءة جديدة ومتطورة، ويسمون من يدعو إلى التسليم للكتاب والسنة وتحكيمها في جميع شؤون الحياة بأصحاب الإسلام السياسي ويكيلون لهم شتى التهم المنفرة كالمتطرفين والإرهابيين والأصوليين؛ فكان لا بد من التصدي لهذه الدعوات الخبيثة. وذلك بالتربية المكثفة علي الإيمان والتسليم لله تعالي ولشرعه حيث إن مثل هذه التربية تعد من أقوى ما تواجه به هذه الدعوات الخبيثة. وأشد شيء يخشاه أصحاب هذه الدعوات أن يواجهوا بهذا السيف البتار سيف التسليم والإسلام لله تعالي وتربية الناس عليه والذي هو ركن التوحيد والعبودية لله عز وجل قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. الأمر الخامس: طغيان الحياة المادية والثورة الصناعية وطغيان العلوم التجريبية في حياة الناس مما كان له الأثر في إضعاف الإيمان بالغيب وغرور الإنسان بعقله والتركيز على الأمور المحسوسة ورد كل ما لا يدرك العقل كيفيته فكان لا بد من تدارك هذا المرض ببيان مكانة العقل وحدوده ودوره في تلقي النصوص وأثر الإيمان والتسليم في علاج مثل هذه الأمراض. الأمر السادس: ما نشهده اليوم من انفتاح كبير على متاع الدنيا وزخرفها وزينتها، الذي لم يشهد له التاريخ مثيلًا، وما صاحب ذلك من وسائل دعائية ماكرة، تدعو الناس إلى بهجة الحياة الدنيا ومتاعها الزائل، وتلاحق الناس بكل جديد من وسائل الترف والمتعة والزينة، تدعو الناس إليها وتسهل الوصول إليها وترغب الناس فيها، والركون إليها، وكأنهم مخلدون فيها فنسيت الآخرة، وأصبح الناس في لهث وراء الدنيا والتكاثر فيها، ومتابعة الجديد منها في كل صباح ومساء، حتى أصبحت عند كثير من الناس غاية يتنافسون فيها ويتحاسدون. وأصبحنا نرى جليًّا ذلك التفرق والتدابر الحاصل اليوم بين ذوي الأرحام والإخوان بل بين بعض الدعاة والمجاهدين والذي يمكن عزو كثير من أسبابه إلى هذه الدنيا، والتكاثر فيها، والغفلة عن الآخرة وضعف الإيمان واليقين والإخلاص، ولا علاج لذلك إلا بالتربية الإيمانية وإصلاح القلوب وإنشاء هم الأخرة في النفوس.