السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2018-02-25

أهمية الصيام

أهمية الصيام
الصيام 
يعرف الصّوم لغةً بأنّه الإمساك، ويعرف اصطلاحاً بأنّه الامتناع أو الكفّ عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو أحد أركان الإسلام المفروضة على المسلمين منذ السنة الثانية للهجرة بإجماع أهل العلم، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ حكم الصيام إمّا مفروضاً، أو واجباً كصوم النذر والقضاء والكفارة، أو تطوّعاً كالسنن المؤكّدة أو المستحبّة، وكالنوافل، علماً أنّ للصوم فضائل، وفوائد، وأهمية، حيث سنعرفكم في هذا المقال على أهميته. 
أهمية الصيام 
الأهمية دينية 
تقوية الإرادة، والعزيمة، والنفس، علماً أنّ الإنسان الذي يمتثل لأوامر الله يستطيع أن يتغلّب على شهوته، وأن يسيطر عليها، وأن يترك ما كان مباحاً له قبل الصيام كالنكاح، والمشروبات والمأكولات اللذيذة والشهية، الأمر الذي يكوّن عنده إرادة صارمة وقوية.
 امتلاك زمام النفس، والتوجيه، والإرشاد نحو الوجهة الصحيحة والصالحة، فيعلم الإنسان بذلك أنّه عبدٌ لربّه وليس عبداً لمطامعه وشهواته. 
التربية على الحلم، واكتمال العقل. 
الأهمية الدنيوية 
تربية الإرادة، وكبح جماح الأهواء، علماً أن الذي يصوم لربه محتسباً الأجر منه، لا يأكل حقوق الناس بالباطل، ولا يخون الأمانة، كما لا يتعرّض لأعراضهم ولا يسبها. 
الشعور مع الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يأكلونه، مما يوطّد أواصر المحبة بينهم، علماً أنّ الصيام يعين على الشعور بالجوع والحاجة، فبذلك يشعر الأغنياء مع الفقراء، مما يدفعهم لمواساتهم والعطف عليهم؛ لأنّهم سيشعرون بذات المعاناة التي يعانيها أولئك الفقراء.
 الشعور بالمساواة بين المسلمين، فلا فرق بين غني أو فقير، فالجميع يصوم في نفس الفترة، ولنفس المدّة مهما اختلف المكان، الأمر الذي يشعر بعزّة الإسلام، ويدلّل على وحدته، وقوّته، وقدرته على جمع الناس على أمرٍ واحد. 
الأهمية الصحية 
الوقاية من الإصابة بالأمراض السرطانية، علماً أنه يقضي على الخلايا الضعيفة والتالفة، كون الشعور بالجوع يحفّز أجهزة الجسم الداخلية، مما يزيد من نشاطه وحيويته، مما يساعد على التخلص من هذه الخلايا. 
تخليص الجسم من الرواسب الكلسية، والحصوات، والأكياس الدهنية، والزوائد اللحمية، وغيرها. 
الحماية من الإصابة بمرض السكري، فالصيام يمنح البنكرياس مجالاً للراحة، علماً أنّه يفرز الإنسولين المسؤول عن تحويل السكر إلى مواد دهينة ونشوية، وزيادة كمية الإنسولين تصيب البنكرياس بالإرهاق، مما يؤثر على كفاءته، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم السكر في الدم، والصيام ينظّم هذه العملية دون الحاجة لتناول الأدوية والعقاقير. 
المساعدة على إنقاص الوزن، بشرط الالتزام بإفطار صحي وخفيف، وغنيّ بالعناصر الغذائية اللازمة لصحة الجسم وسلامته، ولمنحه القدرة على تحمّل عبء الصيام في اليوم التالي. 
معالجة الأمراض الجلدية، كونه يقلل من كمية الماء في الدم، وبالتالي تقل كميته في الجلد الأمر الذي يزيد من مناعة الجلد، ويقلّل من حدّة الأمراض التي تصيبه، ويخفّف من حساسيته، ويقلّل من إفراز السموم التي تخمر وتتحول إلى بثور ودمامل دائمة. الوقاية من الإصابة بمرض النقرس والمعروف بداء الملوك، والناتج عن الإكثار من تناول اللحوم. 
الحماية من تجلّطات المخ والقلب؛ لأنّه يقلل من نسبة الكولسترول الضار في الجسم. التخفيف من آلام المفاصل.

العفة والقناعة في تحصيل المال

العفة والقناعة في تحصيل المال
العفة والقناعة 
تعرف العفة بأنها النفور من الحرام، والابتعاد عن جمع المال بالطرق المحرمة، من سرقة، ونصب، واحتيال، واحتكار، وتعرف أيضاً بأنها امتناع المسلم عن كلّ الشهوات المحرمة، من كذب، وزنا، مما يمنع من الوقوع في العديد من الذنوب، بينما تعرف القناعة بأنها الرضا بما قسم الله له من رزق سواء كان قليلاً، أو كثيراً، والاستغناء به عن كل حرام، وفي هذا المقال سنعرفكم على العفة والقناعة في تحصيل المال.
 العفة والقناعة في تحصيل المال 
يؤدي جمع الأموال بطرق شرعية، وقناعة بما رزق الله إلى تجنّب الكسب الحرام الذي يمنع من استجابة الدعاء، كما أن العفة تدفع كل فرد لتأدية عمله وواجبه ضمن الحدود المباحة، ومن أسباب نجاح المؤمن منع النفس من الحرام، والسعي في الكسب الحلال، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإنسان القانع يحبّه الناس، ويحبه الله، وتحقّق له القناعة خيراً في الآخرة والدنيا، فهي طريق للجنة، كما أنها سبب البركة، حيث إنها كنز لا يفنى، والإنسان الطماع لا يشبع أبداً، ولا يشعر بالبركة في الزرق، ويلحّ في سؤال الناس. 
أحاديث العفة والقناعة في تحصيل المال 
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ) [رواه مسلم]، ويعني هذا الحديث أنه إذا هدي العبد للإسلام، الذي هو دين الله الذي لا يقبل سواه ديناً، فقد فاز بالثواب والنجاة من العقاب، وحصل على الرزق الذي يكفّ وجهه عن سؤال الخلق، فتمّم الله عليه النعمة بأن اقنعه بما آتاه، فحصل له الرضى بما أوتي من الكفاف، والرزق، ولم يطمح لما وراء ذلك، فقد نال الحسنة في الآخرة والدنيا. 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) [متفق عليه]، ويعني الحديث أن الغني المحمود، هو غنى النفس وقليل الحرص على الزيادة، لا كثير المال والحريص على الزيادة ؛ لأن من كان طالباً للزيادة لم يستغن بما معه فليس له غنى. قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[البقرة: 275]، وتعني هذه الآية أن الله أحل الأرباح في المال. التجارة والشراء والبيع، والتي من وجه الزيدة على رأس المال الذي ابتاع به البائع سلعته، وحرم الربا، ويعرف الربا أنّه الزيادة من وجه تأخير. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء:10]، وتدعو هذه الآية إلى الحذر من أكل أموال الأيتام بغير حق، حيث يجب اتقاء الله، والإحسان في أموالهم؛ لأن أكلها ظلماً يؤدي إلى الدخول إلى النار، فإذا كان فقيراً يجب أن يتصرف ويتجر فيها ويأكل بالمعروف، بينما إذا كان غنياً فليستعفف عنها، إلا في حال فرض له الحاكم والقاضي أجرة معلومة على تجارته فيها جعل له نصف الربح، أو ثلثه، أو ربعه أو خمسه، فالمقصود أن لا يأكلها ظلماً. 
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي هريرة: (وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ) [الترمذي]، حيث يعرف الرضا بأنه عكس السخط، ويعرف أيضاً بأنه سكون القلب إلى اختيار الرب، ولا يعد الرضا استسلاماً؛ لأنّ الاستسلام هو الانهزام وعدم بذل الجهد لتحقيق الهدف، أمّا الرضا فهو السعي لتحقيق الهدف، لكن لم توفق إليه، فترضى بما قسم الله من غير سخط أو ضجر، كالذي تزوّج ولم يرزق بولد، بالإضافة إلى ذلك يعدّ الرضا قبول حكم الله في السراء والضراء، والعلم أنّ ما قسمه الله هو الخير كلّه. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ) [رواه مسلم]، يتحدث هذا الحديث عن تحريم الاحتكار، ويعرف الاحتكار بأنه شراء السلع في وقت الغلاء للتجارة أو في وقت الرخص، وعدم بيعها في الحال، بل ادخارها حتى يرتفع ثمنها، فيضطر الآخرون لشرائها.
 آثار القناعة غنى النفس: عادةً ما لا ينظر الإنسان القنوع إلى ما متع الله تعالى به غيره من نعم وخيرات، وبالتالي يكون الإنسان قنوعاً رضي النفس. 
الحد من الذنوب الباطنة: مثل الحسد، والحقد. 
عزة النفس: حيث لا يذل المسلم نفسه بالطمع، بل يكون غنياً عن الناس، وعزيزاً بينهم، وتكون أخلاقه حميدة، ويعمل بجد. 
تجعل صاحبها حراً: حيث لا يتسلط الآخرين عليه، على عكس الطمع الذي يجعل صاحبه عبداً لغيره. 
سبيل للراحة النفسية: حيث يعيش المسلم القانع في راحة واطمئنان دائم، بينما يعيش الطماع مهموماً.

إبداع الله في الكون


إبداع الله في الكون
 قال الله تعالى : " الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار " 
خلق الله سبحانه و تعالى الكون و خلق الإنسان ليعبد الله و يتفكر في بديع خلقه و كائناته فلم يخلق أي شيء عبثا كل مخلوق و له عمله الموكل إليه في هذه الحياة . 
من أهم الواجبات الموكلة إلى المسلم التفكر و التأمل في خلق الكون , لترى عظمة الخالق في خلق السماوات و الأرض فلولا عظمة الخالق في ترتيب و تنسيق جميع موازين الكون و مقاييسها لإختلت جميعها . 
و أيضا إبداعه في خلق المجرات و الكواكب و الشمس و القمر و النجوم , قال تعالى : " و زينا السماء الدنيا بمصابيح و حفظا , ذلك تقدير العزيز العليم " , كل له وظيفة و دورانه الخاص , فالأرض تدور حول الشمس بنظام معين و بمقدار مناسب , فلو زاد أو قل هذا المقدار لحدثت الكوارث و المصائب فسبحان عظمة الخالق في خلق الكون و إبداعه و من الأمور التي يجب التفكر فيها و رؤية عظمة الخالق فيها هي خلق الإنسان , خلق الله سبحانه و تعالى الإنسان من نطفة و سواه في أحسن تقويم , و حماية له في بطن أمه فقد وضعه في غشاء يحميه من أن يخرج من الرحم و جعل وجهه لظهر الأم كي لا تضايقه رائحة الطعام و جعل له متكأ على اليمين و هو الكبد و متكأ على الشمال و هو الطحال , و جعل له حرية التقلب في بطنها حتى يولد و يخرج إلى الحياة , و بعد خروجه للحياة أيضا وفر له الغذاء المفيد و المغذي و المناسب , من حليب الأم الطبيعي البارد في الصيف و الدافئ في الشتاء هكذا حتى يقوى ظهره و يشتد أزره و يصبح قادرا على الإعتماد على نفسه التفكر في خلق البحار و المحيطات و الأنهار و ما فيها من كائنات بحرية حية منها ما توصل الإنسان إلى معرفته و منها لم تعرف بعد , كل منها له وظيفته الخاصة من طعام و شراب و طاعة لله عز وجل , تجد في هذه المحيطات بعض المواد التي تشفي من الأمراض , و أيضا تجد فيها كائنات تفيد في تنقيتها و حمايتها من التلوث , و فوائد المياه في الشرب و الري و الإستجمام و توفير الطاقة و غيرها و التفكر في خلق الجبال و قوتها و صمودها و لكنها تخر خاشعة من خشية الله , و التفكر في السهول و الوديان و تكوينها و الصحارى الممتدة و تملأها عظمة الخالق في الإبداع و أيضا عظمة التفكر في عظمة الخالق في أركان الإسلام و فوائدها و عظمتها , و تسهيلاتها في السير في طاعة الله عز وجل من فوائد الصلاة و الصوم و الحج لبيت الله الحرام و من أعظم التفكر في الكون , التفكر و التمعن في اليوم الآخر يوم الحساب هذا اليوم العظيم الذي ينصف فيه المظلوم و يعاقب فيه العاصي 
منح الله سبحانه وتعالى الإنسان العقل ودعاه إلى التأمل والتفكير، والنظر في هذا الكون، وجعل له من الأدلة، والبراهين ما يستدل به على وجوده، فكل ما في هذا الكون يدعو إلى الإيمان بالله، حيث يمكن للإنسان معرفة الله وتبين صفاته عن طريق التفكر في مخلوقاته، ليجد بديع إتقانه، وروعة صنعه، وفي نهاية الأمر يصل إلى الاعتراف بوحدانية الله وعظيم قدرته، وقد ذكر القرآن الكثير من الآيات التي تدعو الإنسان إلى النظر في بديع خلق الله، فقد قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]
بديع صنع الله في الكون خلق الإنسان تظهر قدرة الله، وعظمته في خلق الإنسان، فقد خلق الله آدم عليه السلام من طين، ثمّ خلق حواء من ضلعه، ثمّ تكاثر الإنسان عن طريق تلقيح البويضات في جسم المرأة، بالحيوانات المنوية التي ينتجها الرجل، فيتكون الجنين في رحم الأم، ثمّ تتم عملية الولادة، فقد قال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [ المؤمنون:12-14]، وقد كرّم الله الإنسان عن سائر المخلوقات ومنحه العقل، وجعله خليفة له في الأرض، ومن آيات إبداع الخالق في جسم الإنسان العدد الكبير من الأجهزة التي تعمل وفق نظام دقيق ومحدد، حيث يقوم كلّ منها بوظيفة معينة، من أجل الحفاظ على حياته، ومن هذه الأجهزة: 
العين البشرية فهي خير مثالٍ على بديع صنع الله عزّ وجل وهي أحد النعم الكثيرة التي أنعمها الله على الإنسان، فمن خلالها يرى الإنسان عجائب قدرة الله، وإبداع صنعه، حيث تحتوي على عدد هائل من الخلايا، والمستقبلات الضوئية، التي تعمل بشكلٍ دقيق، والتي تبلغ دقتها 576 ميجا بيكسل. 
عضلة القلب التي تضخ الدم المحمل بالأكسجين إلى جميع أجزاء الجسم، وذلك وفق نظامٍ دقيق، يعجزعن القيام به أكثر الأجهزة تطوراً، وتعقيداً. خلق السماوات خلق الله عزّ وجل السماوات وأبدع في خلقها، حيث جعلها ثابتة في مكانها دون أعمدة، أو دعائم تسندها، كما أنّه خلق المجرات التي تجري فيها بنظام دقيق ومنظم، وجعل في كلّ مجرة عدداً كبيراً من الكواكب، والشموس، والأقمار، والتي يدور كلّ منها في مداره الخاص به، دون انحراف أو تداخل، كما أنّه خلق الأرض وجعلها تدور حول الشمس، لتنتج الفصل الأربعة وجعلها تدور حول نفسها لينتج عن هذه الحركة تعاقب الليل والنهار، كما أنّه خلق الشمس وجعلها تسير في سرعة ثابتة دون أي زيادة أو نقصان، وأن إي خلل في سرعتها سيؤدي إلى نهاية الحياة على كوكب الأرض. 
خلق الأرض خلق الله كوكب الأرص وأبدع خلقه، حيث خلق الجبال العظيمة الراسية، والتي تعتبر من أعظم مظاهر كماله وقدرته، فقد خلقها بألوانٍ مختلفة فجعل منها الأبيض والأحمر والأسود، كما أنّه خلق البحار والمحيطات والأنهار، وأبدع خلقها وجعل فيها المخلوقات المتنوعة والمختلفة، وخلق الحيوانات والحشرات والنباتات وجعل لكلّ منها وظيفتها المحددة في هذا النظام، كما أنّه سير الرياح التي تسهم في تلقيح النباتات، وأنزل الأمطار التي تعتبر مصدر المياه التي تعتمد عليها جميع الكائنات الحية على سطح الأرض.
 اللهم ثبتنا في اليوم العظيم و أسترنا فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض يا رب العالمين فإذا نظرنا في هذا الإبداع الإلهي و تمعنا و تفكرنا فيه ذلك يحثنا على طاعة الله و الشعور بعظمته و ما وفر لنا من نعم كثيرة نتمكن من خلالها بالفوز برضى الله و دخول جنته بإذن الله تعالى

2018-02-21

الناس بين الظن واليقين

تصنيف الناس بين الظن واليقين
الظنّ واليقين
 لا يكون التقرُّب إلى الله -سبحانه وتعالى- بالأمور العمليّة فقط، بل قد يكون بأمور أخرى قلبيّةٍ أو عقليّةٍ، ومن تلك الأمور إحسان الظنّ بالله، والاعتقاد بأنّ الله سُبحانه وتعالى أعدّ لعباده من الخير ما لا يسعُهم تصوُّره إذا ما التزموا بأوامره وانتهوا عن نواهيه، وبناءً على ذلك فإنّ النّاس يتفاوتون في القُرب من الله والبعد عنه كلٌّ حسب إحسان ظنّه بالله إو إساءة ظنّه به. 
وقد ثبت في الصّحيح أنّه كلّما ازداد حُسن ظنّ العبد بالله ازدادَ قُرباً منه، من ذلك ما جاء في حديث المُصطفى صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال: (خرَجْتُ عائدًا لِيزيدَ بنِ الأسودِ، فلقِيتُ واثِلةَ بنَ الأسقعِ وهو يُريدُ عيادَتَه، فدخَلْنا عليه، فلمَّا رأى واثِلةَ بسَط يدَه وجعَل يُشيرُ إليه، فأقبَل واثِلةُ حتَّى جلَس، فأخَذ يزيدُ بكفَّيْ واثِلةَ فجعَلهما على وجهِه، فقال له واثِلةُ: كيف ظنُّك باللهِ؟ قال: ظنِّي باللهِ -واللهِ- حسَنٌ، قال: فأبشِرْ، فإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: قال اللهُ جلَّ وعلا: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي إنْ ظنَّ خيرًا، وإنْ ظنَّ شرّاً).
[١] معنى الظنّ واليقين
معنى الظنّ الظنّ لُغةً: هو الاعتقاد الرّاجح مع احتمال النّقيض، وتُستخدَم لفظة الظنّ في الإشارة إلى اليقين والشكّ
 ويُقصَد بحُسن الظنّ بالله اصطِلاحاً: أن يعلم العبد أنّ الذي يبتليه ويختبره بالمرض والأوجاع هو الله سبحانه وتعالى، وأنّ الله -عزَّ وجلَّ- لم يبتلِه ليُهلِكَه أو يُعذِّبه أو يضُرَّه، وإنّما ابتلاه مثل غيره من الخَلق؛ ليمتحِنهم، ويعلم من يصبر منهم مِمّن يجزع، ويرى تطبيقَهم العمليّ للإيمان بالله وإحسان التوجُّه إليه في وقت الشِّدّة كما في وقت الرّخاء، وليسمعَ دُعاءَهم إذا أصابهم البلاءُ، ويرى انكسارهم له لا لسواه؛ حتّى يرفع ما بهم من أذىً، وقد بينّ الله -سبحانه وتعالى- أنّه لا يُمكن أن يتجاوز ذلك الاختبار إلا من صلح عمله، وصدق إيمانه.
[٣] معنى اليقين 
اليقين: هو العِلم بأنّ حُكم الله خير الأحكام، وأفضلُها، وأتمُّها، وأعدلُها، وأنّ الواجب على كلِّ مكلّفٍ الانقيادُ له، مع الرِّضا والتّسليم التامّ بكلّ الحوادث التي تمرّ بالمسلم، وذلك تصديقاً لقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
واليقين أيضاً: التّصديق الجازِم الذي تستقرّ معه النّفس وتطمئنّ.[٦] تصنيف النّاس بين الظنّ واليقين 
يمكن التّمييز بين الظنّ واليقين عند النّاس بعدّة أمور؛ فالعبد المؤمن يكون مُقبلاً على الآخِرة بالعمل الصّالح؛ لعِلمه اليقين أنّ الله سيجزيه لقاء عمله، بينما يسعى الذي يظنّ بالله ظنّ السُّوء إلى إدراك الدُّنيا بكلّ ما أوتِي من طاقةٍ؛ لأنّه يظنّ أن الله لن يحاسبَه على ما قدّم في الدذُنيا من الأعمال فيُهمل الآخرة، وممّا يوضّح الفرق بين النّاس من حيث الظنّ أو اليقين ما يأتي:
 يسعى العبد الموقِن بالله إلى فَهم معاني أسماء الله الحُسنى، والإلمام بكلّ ما يحيط بها من معانٍ جليلةٍ تزيده يقيناً بالله، بينما يُهمِل الذي يظنّ بالله ظنّ السّوء تلك الأسماء والصّفات، فيبقى بعيداً عن الله، مُدبِراً عن الآخرة، مُقبِلاً على الدُّنيا. 
يجتنب العبد الموقِن بالله المُنكَرات والآثام والمعاصي جميعها، وإذا اقترف ذنباً أو قصّر بحق الله فإنّه يلجأ إلى التّوبة عن تلك الذّنوب والخطايا، بينما يوغِل العبد الذي يظنّ بالله سوءاً في المعاصي والآثام، ولا تردعه ذنوبه ومعاصيه عن ذلك، وكلّما أذنبَ ظنّ أنّ الله لن يغفرَ له، فيزيد في العصيان، ويوغل في المعاصي أكثر وأكثر. 
يلجأ العبد الموقِن بربّه إلى الإقبال على الله بالعمل الصّالح، خصوصاً إذا شعر بأنّه ابتعد عن الله، بينما يبتعد الذي يظنّ بالله ظنّ السُّوء عن الصّالح من العمل؛ لظنّه أنّ الله لن يقبل عبادته وطاعته مهما قدّم وعمل. 
يُدرِك العبد الموقِن بالله أنّ خزائن السّماوات والأرض بيد الله لا بيد أحدٍ سواه، وأنّه هو الوحيد المُتصرّف فيها بالخَلق، والإيجاد، والإعطاء. 
يصبر العبد الموقِن بالله على ما يُصيبه من البلايا والمِحَن، ويحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى؛ حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (عجباً لأمرِ المؤمنِ! إنّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمنِ؛ إنْ أصابَته سرّاءُ شكرَ، فكان خيراً له، وإنْ أصابته ضرّاءُ صبر، فكان خيراً له)، بينما يجزَع العبد الذي يظنّ بالله ظنّ السّوء؛ لاعتقاده أنّ ما يُصيبه هو عقوبة من الله على تقصيره.
[٩] الظنّ واليقين في القرآن الكريم 
أظهرت النّصوص القرآنيّة منزلة الظنّ واليقين بالله في الكثير من المواضع، ممّا يدلُّ على مكانة إحسان الظنّ بالله وأهميّته، وفضل اليقين عند الله سبحانه وتعالى، كما أظهرت تلك النّصوص أهميّة توجُّه العِباد إلى الله تعالى، وأنّهم يتفاضلون في درجات ظنّهم ويقينهم بالله، وذلك ما يزيد قُربَهم من الله أو بعدهم عنه، وبيان بعض تلك النّصوص فيما يأتي: الظنّ في القرآن الكريم جاء ذِكر تفاضُل النّاس بين الظنّ واليقين في القرآن الكريم في العديد من المواضع، منها على سبيل المثال ما يأتي: قول الله سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ*فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)، وورد معنى الظنّ هنا مرادِفاً للاعتقاد الجازِم لا بمعنى الشكّ والتوهُّم؛ فمعنى قول الله سبحانه وتعالى: (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ)؛ أي أنّ المؤمن يحمل كتابه بيمينه، ثمّ يقول: لقد اعتقدتُ يقيناً أن الله سيُحاسبني على ما قدّمت وعملت، فلجأتُ إلى حُسن الظنّ به مع العمل الصّالح، فنجى العبد المؤمن من عذاب الله، ووصل إلى رضوانه بِحُسن يقينه به وبُعده عن الظنّ السيِّئ به، وإعداده لذلك اليوم بحُسن العمل.
 قول الله عزَّ وجلّ: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)، جاء الظنّ هنا بمعنى الشكّ والتوهُّم النّاتج عن ضعف الإيمان؛ وقد أشارت الآية إلى عقوبة من يُسيء الظنّ بالله سبحانه وتعالى، حيث يتعرّض لعقوبة الله وسخطه؛ لظنّه بالله غير الحقّ. قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)، معنى الظنّ هنا هو الاعتقاد الجازِم الذي لا شكّ فيه؛ فالله -سبحانه وتعالى- يصف عِباده الذين يُحسِنون الظنّ به بصِفات تُميِّزهم عن غيرهم من النّاس؛ فهم الأقدر على الصّبر على الشّدائد، والخشوع في الصّلاة، فيؤدّونها بسكينةٍ وطمأنينةٍ، أمّا قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، يعني أنّهم يعتقدون بحقيقة حصول ذلك اعتقاداً جازماً لا شكّ فيه، وقد أوصلَهم ذلك الاعتقاد إلى ما وصلوا إليه من الخشوع في الصّلاة، وإحسان العبادة. 
قول الله عزَّ وجلّ: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)، جاء معنى الظنّ هنا بمعنى الشكّ والتوهُّم؛ فقد نهى الله سبحانه وتعالى الناس جميعاً في هذه الآية عن أن يظنّوا به غير الحقّ، وبيّن أنّ ظنّ غير الحقّ بالله صفةٌ اتّصف بها أهل الجاهليّة، وأنّ من يكون ذلك حاله فإنّه يتصف بصفات أهل الجاهليّة.
 اليقين في القرآن الكريم 
ذُكِر اليقين في كتاب الله -سبحانه وتعالى- في العديد من المواضع، وأشارت تلك المواضع في غالبيّتها إلى أفضليّة اليقين وأهله، ومكانته عند الله سبحانه وتعالى، وكيف يكون أجر من يتّصف بتلك الصِّفة ويتحلّى بها يوم القيامة، وممّا جاء في اليقين في كتاب الله ما يلي: قال تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ*أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، يتّصف أهل اليقين في هذه الآية بمجموعة من الصّفات الحميدة التي تُميِّزهم عن غيرهم من النّاس، ويتقرّبون بها من الله سبحانه وتعالى؛ فهُم يؤمنون بكلّ ما جاء به الوحي من الأمور الغيبيّة إيماناً بصدقِ ما جاء به المُصطفى صلّى الله عليه وسلّم. قال الله سبحانه وتعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ*وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ*وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)، فأهل اليقين يتدبّرون في آيات الله التي وضعها في خلقه المتمثّل بالطّبيعة، والآيات الموجودة في خَلق النّاس، ويصدّقون أنّ كلّ خيرٍ إنّما هو آتٍ من عند الله، وأنّ كلّ بلاءٍ يُصيب العبد فإنّما أصابه ليكون فيه اختبار صبره وكُفرِه. 
الظنّ واليقين في السُّنّة النبويّة مثلما ذُكِر حُسن الظنّ بالله واليقين به في كتاب الله، فقد ذُكِر ذلك أيضاً في سُنّة رسوله المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- في مواضع كثيرةٍ، وممّا جاء في الظنّ واليقين في الحديث الشّريف ما يأتي: ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: (قال اللهُ جلَّ وعلا: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي إنْ ظنَّ خيراً وإنْ ظنَّ شرّاً)، فالعبد المؤمن يظنّ بربّه خيراً ويتوكّل عليه، ثمّ يقوم بالأعمال المطلوبة منه ليقينه أن الله سيُثيبه عليها، ويبتعد عن كلّ ما حرّمه الله لظنّه أنّ الله سيُبدِله ويعوّضه عنها في الجنّة؛ فاليقين ظاهرٌ عند العبد المؤمن في الإقبال على الآخرة بالعمل الصّالح، والبُعد عن كلّ ما حرَّمه الله.
 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (حُسنُ الظنِّ مِن حُسنِ العِبادةِ)، وفيه هذا الحديث يظهر أنّ حُسن الظنّ نوعٌ من عبادة الله، فكما يتقرّب المسلم من الله بالأعمال الصّالحة فإنّه يتقرّب منه كذلك بحُسن الظنّ به واليقين بأنّ كلّ ما يُصيبه إنّما هو من الله سبحانه وتعالى، وأنّه سيجزيه لقاء صبره، ويثيبه على ذلك إمّا في الجنّة أو الدُّنيا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ يقولُ: أنا عِند ظنِّ عَبدي بي، وأنا مَعَهُ إذا دَعاني).
 عن جابر بن عبد الله قال: (سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قبل موتِه بثلاثةِ أيامٍ يقول: (لا يموتنَّ أحدكم إلّا وهو يُحسنُ الظنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ)).

قدرة الله في خلق الكون

قدرة الله في خلق الكون
خلق الكون
 لا شكّ في أن كلَّ ناظرٍ ومتأمّلٍ للكون يتعجّب من عظيم قدرة الله -تبارك وتعالى- على حسن تدبيره وإنشائه، فالانسجام المُعاين في الكون بالعين المجردة أو بالوسائل المعاصرة، إنما يُشير إلى عظيم قدرة الله في خلق هذا الكون الواسع، وأن هذا الكون بخوارقه ومعجزاته وبكواكبه ومجراته لم يوجد عبثاً، وهو يدلُّ على إتقانٍ وحكمةٍ في خلق ذلك، وليس الإبداع فقط في خلق تلك المجرات وإنشائها، بل أيضاً في وظيفة كل جزئيةٍ منها ودورها البارز في الحياة، فلا تجد شيئاً خُلق دون هدف أو حكمة، بل إن لكل شيءٍ حتى الجمادات وظائف وفق نظامٍ بالغ الدقة، كلُّ ذلك جاء بحكمةٍ من الله وعلمٍ مُسبقٍ أزلي. 
تعريف الكون 
يتساءل الكثير من الناس عندما يُطلق لفظ الكون على ماذا يدلُّ ذلك، وربما توهَّم البعض أموراً خارجةً عن المقصود بتلك اللفظة، أو ربما اعتقد البعض أن لفظة الكون تشمل فقط السماء وما يدور فيها، وتلك نظرةٌ قاصرة، حيث إنّ الكون يشتمل على مجموع المخلوقات الكائنة فيه، وجميع ما يتعلّق بها ويرتبط بها من قوى وعمليات متعددة في الزَّمان والمكان، فيشمل ذلك جميع المعارف الإنسانية التي توصَّل لها عن الوجود، وما لم يتوصَّل إليه أيضاً، فمهفوم الكون أوسع مما يتصوره الإنسان، وأكبر مما يتخيله.
[١] مظاهر قدرة الله في الكون 
الناظر في الكون يجد العديد من المظاهر الدَّالة على قدرة الله في خلق الكون وتدبيره، وقد جاءت العديد من الآيات القرآنية في إثبات ذلك، ومنها مثلاً قول الله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
[٢] ومن دلائل وعلامات ومظاهر قدرة الله في خلق الكون ما يلي:
[٣] خلق السموات والأرض وما بينهما فإن من أبرز الدلائل الكونية على عظيم خلق الله وقدرته أن خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ومع تلك السرعة في خلق السماوات والأرض إلا أنّ خلقها كان بأعلى درجةٍ من الإبداع والإتقان، فرفع السموات بلا أعمدة وهو ما لا يمكن تصوُّره من ناحية المنظور البشري، وقد أُشير في كتاب الله إلى أن ذلك كان من إعجاز الله في كونه، وأن الله يتصرَّف في رفع السماوات بأمره فهو يمسكها إمساكاً يليق بجلاله، وبيده حفظها من أن تزول، ولإن زالت لزال معها الوجود كاملاً، قال تعالى: ( إِنَّ اللَّـهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
[٤] يقول علماء الفلك: (لو حاولنا استبدال قوى الجاذبية التي خلقها الله بين السموات والأرض بأعمدة فإننا نحتاج إلي ما يزيد عن مليار عمود، قطر الواحد منها خمسة أمتار يفصل بين كل منهما مسافة عمود واحد، وأصبحت الحياة على الأرض مستحيلة) وهذا اللأمر لا يُمكن تخيُّل وجوده على الحقيقة إذ تتعذر مع ذلك الحياة، وذلك يدلُّ على عظيم صُنع الله وإبداعه في خلقه. المجرات وما فيها من كواكب ونجوم وأقمار يدلُّ وجود الكواكب العديدة المتوزّعة بين المجرات، والأقمار الكثيرة واسعة الانتشار، والنجوم الهائلة المتلألئة على عظيم خلق الله، حيث تتسع تلك المجرات والكواكب والأقمار والنجوم، وتُبحر في السماء المنظورة المعاينة بسرعةٍ رهيبةٍ، كما تدور في فَلَك السماوات دون أن تصطدم ببعضها، فكل شيءٍ يجري فيما قُدِّر له السير فيه، دون أن يحدث في ذلك خللٌ أو خطأ على كثرة تلك الأقمار والكواكب والنجوم وتعددها، ويتمُّ ذلك وفق نظامٍ متناسقٍ عالي الدقة، قال تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ*وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ*لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
[٥] سخر الله تعالى القمر وجعله آية من آياته ودليلاً على قدرته وعظمته تبارك وتعالى، يستمد القمر نوره من الشمس، ويعكس هذا الضوء على الأرض، ويتحرك وفق نظام دقيق، تحدث بسببه ظاهرة تحوّل القمر من هلال إلى بدر، وينشأ عن ذلك حدوث الليل والنهار والشروق والغروب، وغيرها من الدلائل على قدرة الله تبارك وتعالى في خلق الكون، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )،[٦] وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
[٧] كل هذه الآيات والدلائل تشهد على عظيم قدر الله تبارك وتعالى وقدرته في هذا الكون الشاسع الذي يجري فيه كل شيء وفق نظام دقيق ومحكم قدّره الله سبحانه دون خلل أو اضطراب، فسبحان الله الخالق الذي قدر كل شيء فأحسن تقديره. 
كلٌّ في فلكٍ يسبحون مما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى ويدلُّ على عظمة خلق الكون قوله عزَّ وجل: (وَهُوَ الَّذي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحونَ)،[٨] وتَعني هذه الآية أنَّ كُلَّ جُرمٍ سَماوي سواء كان كوكباً أو نجماً أو قمراً فإنه يَسبَح أولاً في فَلَكِه، ثم يَسبَح في فََلََكِ الجُرم السَّماوي الأكبر منه في الحجم والمرتبة، والذي يُعتبر القائد لمجموعةٍ من الأجرام السماوية، فيسيران في الفلك نفسه، وبعد ذلك يَسبَح الاثنان في فَلَكٍ آخَر أكبَر من الذي كانا يسبحان فيه، ثم تدخل الأجرام الثلاثة في فلكٍ أكبر لجرمٍ آخر، وهكذا دواليك، ومثاله أنَّ القَمَر يَسبح أولاً في فَلَكِ الأرض التي هي أكبر منه في الحجم، ثم يسبح القمر والأرض في فلك الشَّمس التي هي أكبر منهما، والأرض والكَواكِب الأخرى وأقمارها يَسبَحُون كذلك في فَلَك الشَّمس، والمَجمُوعَة الشمسيَّة بكل ما فيها من الأجرام والكواكب والأقمار والنجوم الأُخرى تَسبَح في فَلَكٍ واحِد رئيسيّ هو فلك المجرَّة الكبرى، وتَسبَح هذه المجرة مَع باقي المَجَرَّات الأخرى المَحَليَّة في فلكٍ واحد. يُساوي عدد المجرات ثلاثين مجرَّة، فكلُّها تَسبَح حَول مَركِزِ المَجمُوعَة الَّذي يَقَع بَين مَجَرَّتِنا وَمَجَرَّة المَرأة المُسَلسَلَة (Andromeda Galaxy)، وتَسبَح مَجمُوعَتنا المَحَليَّة وما فيها من المجرّات مَع مَجمُوعات مَحَليَّة أُخرَى تحوي مجموعات أخرى من المجرات حَولَ مَركِزٍ يُطلق عليه اسم العُنقُود المَحَلّي، أو حَشد المَجَرَّات المَحَليَّة (Vigro Super cluster) وهذا الأمر بحدّ ذاته ربما يعجز العقل عن تصوُّره، فضلاً عن القدرة على إيجاد جزءٍ مثله، فما بالك بأن يوجد هو وغيره في غضون ستة أيامٍ فقط، فهل يدلُّ كلُّ ذلك إلا على عظيمٍ متصرِّفٍ قادرٍ حكيمٍ خبير.

2018-02-10

كيف يأتي الرزق؟

ما هو الرزق
يُعتَبر الرِّزق من أكثر المواضيع الحسّاسة في حياة النّاس كافّةً، وقد خلق الله الإنسان وهيّأ له من الأسباب ما يضمن بقاءه على هذه البسيطة، ولأجل ذلك سخَّرَ الله سبحانه الأرضَ وما عَليها من دواب وأنعام وجماد للإنسان وهيء له كل السبل والطرق التي تساعده على استغلال الأرض واستخراج ما فيها من الخيرات؛ فأنزَلَ الله سبحانه الأمطارَ، وأنبتَ له الأشجارَ، وساق له رزقه المكتوب له أينما كان. 
لا يرتبط الرزق بالمال فحسب؛ بل يرتبط بكافة مناحي الحياة التي يحتاجها الإنسان؛ فمثلاً الصِّحة رزق، والأبناء رزق، والصُّحبة الصالحة رزق، والزوجة الصالحة رزقٌ لزوجها، وكذلك الزوج الصالح رزقٌ لزوجته، والوالدان رزق، والإيمان رزق، والعمل الصالح الذي يعمله العبد رزق، إلى غير ذلك من الأمور. 
من أهمّ ما يجب على المؤمن أن يعتقده ليَصدُق ويَقوى إيمانه أن يثق ويعتقد أنّ الله هو الرزَّاق، وهو الذي خَلَقَ الخَلْقَ وتولَّى أرزاقهم، فقد قال الله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ)، وقد حثّ الله سبحانه عباده على السعي لطلب الرزق، فقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، وهذه دعوة صريحة للسَّعي إلى الرِّزق، فلا بُدَّ للإنسان أن يسعى حتى يأخذ من رِزق الله الذي قدّره له. 
معنى الرزق 
يُعرّف الرِّزقُ بأنه كلُّ ما يُنتَفَعُ بهِ من مالٍ أو زَرعٍ أو غيرِهما، وهو ما يتهيّأ للعبدِ من اللهِ -عزّ وجلّ- بلا سَعيٍ منه ولا نيَّةِ لتحصيله، فليس الرزق، كما يظنُّ النَّاس، بأنَّهُ ما يأتي للمسلم بطريق العمل أو الاستثمار أو نحو ذلك، بل هو ما يَقسِمُ الله تَعالى لعباده من الطَعام والشَراب واللباس، وكُلُّ ما يمكن له الانتفاع به واستهلاكه.
 الرزق في القرآن الكريم والسنة النبوية
في القرآن الكريم ورد ذكر الرزق في نصوص القرآن الكريم في العديد من الآيات التي تدل على أسباب تحصيل الرزق، ومن هذه الآيات ما يأتي: قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ*أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ*أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ*أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)؛ تدلّ الآية الكريمة على أنّه من أسباب تحصيل الرزق والبركة فيه (سواء للفرد أو الجماعة) هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيده، والإيمان بالرسل عليهم الصّلاة والسّلام، وسبب منع الرزق هو كفرهم بالله وإشراكهم في عبادته، وارتكابهم للمعاصي. قول الله سبحانه وتعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)، تدل الآية الكريمة على أنّ من أسباب الحصول على الرزق كثرة الاستغفار.
 قول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، تدل الآية الكريمة على أنّ الله سبحانه هو الذي يُقدّر الرزق لعباده، فيُعطي من يشاء ويمنعه عمّن يشاء من باب الابتلاء والامتحان، وفي الآية دعوة إلى إنفاق العبد في سبيل الله، وأنّ الصدقة لا تُنقص من المال شيئاً، بل هي من أسباب البركة في الرزق.
 قول الله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، تدل الآية الكريمة على أنّ كلّ من يتّق الله تعالى ويخافه فلا يعصيه، وكل من يتوكّل عليه في أموره فإنّه يجعل له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل كرب أصابه فرجاً، ويرزقه من حيث لا يرجو.
 قول الله سبحانه وتعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
 من أسباب الحصول على الرزق، سواء في المال أو الأولاد
كثرة الاستغفار.
[٦] في السنة النبوية هنالك الكثير من الأحاديث النبويّة التي وردت في ذكر طرق تحصيل الرزق، وأساليب الحصول عليه، وأسباب منعه، ومن تلك الأحاديث ما يأتي: قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد وَكَّلَ بالرَّحمِ ملَكًا، فيقولُ: أي ربِّ، نُطفةٌ، أي ربِّ، علقةٌ، أي ربِّ، مضغةٌ، فإذا أرادَ اللَّهُ أن يقضيَ خلقًا، قالَ: قال الملكُ: أي ربِّ ذَكَرٌ أم أنثى ؟ شقيٌّ أم سعيدٌ ؟ فما الرِّزقُ ؟ فما الأجلُ ؟ فيُكْتبُ كذلِكَ في بَطنِ أمِّهِ):فالله سبحانه يكتب للعباد أرزاقهم وهم في بطون أمهاتهم، والعبد قبل أن يولد يُكتب رزقه وأجله، وهل هو ذكرٌ أم أنثى، وهل هو شقيّ أو سعيد. ما رواه علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم: (اجتمع عليُّ بنُ أبي طالبٍ وأبو بكرٍ وعمرُ وأبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ فتمارَوْا في أشياءَ، فقال لهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ: انطلِقوا بنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نسألُه، فلمَّا وقفوا على النَّبيِّ عليه السَّلامُ قالوا: يا رسولَ اللهِ جِئنا نسألُك، قال: إن شئتم سألتموني وإن شئتم أخبرتُكم بما جئتم له، قالوا أخبِرْنا يا رسولَ اللهِ، قال: جئتم تسألوني عن الصَّنيعةِ لمن تكونُ؟ ولا ينبغي أن تكونَ الصَّنيعةُ إلَّا لذي حسَبٍ أو دِينٍ، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ يجلِبُه اللهُ على العبدِ، اللهُ يجلبُه عليه فاستنزِلوه بالصَّدقةِ، وجئتم تسألوني عن جهادِ الضَّعيفِ، وجهادُ الضَّعيفِ الحجُّ والعمرةُ، وجئتم تسألوني عن جهادِ المرأةِ، وجهادُ المرأةِ حُسنُ التَّبعُّلِ لزوجِها، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ من أين يأتي وكيف يأتي، أبَى اللهُ أن يرزُقَ عبدَه المؤمنَ إلَّا من حيث لا يحتسِبُ)؛
 فالصدقة تُعتبرمن أوسع أبواب استجلاب الرزق وحصول البركة فيه، والله سبحانه وتعالى يرزق عبده المُؤمن من حيث لا يحتسب. الأسباب الجالبة للبركة في الرزق 
يوجد العديد من الأسباب الجالبة للبركة في الرزق منها:
 تقوى الله عزّ وجلّ، ومخافته، واتّباع ما جاء به رسول الله عليه الصّلاة والسّلام من أوامر واجتناب للنواهي. 
التوكّل على الله سبحانه وتعالى مع الأخذ بالاسباب؛ فاعتماد القلب على الله، واليقين بالله مع سعي العبد في طلب رزقه من الأسباب الجالبة للرزق. 
التسمية وذكر الله تعالى، واللجوء إليه بالدعاء والتوبة والاستغفار. شكر الله تعالى وحمده على ما أنعم به على العبد من النعم صغيرةً أو كبيرةً، قليلةً أو كثيرةً. 

تفسير آية إن كيدكن عظيم

تفسير آية إن كيدكن عظيم
 سورة يوسف مكيّة، وعدد آياتها مئة وإحدى عشرة آيةً، وفيها عرضٌ للوقائع والعجائب التي مرّ بها سيّدنا يوسف، مثل: تعبير الرّؤيا، وحسَد الأخوة، ومحاولتهم التّفريق بين سيّدنا يوسف وأبيه، وفيها، أيضاً، تفصيلٌ لصبر يعقوب عليهِ السّلام، وعرضُ رغبةِ زوجةِ العزيز زليخة بسيّدنا يوسف، وحيرة النّساء بحُسن جمال يوسف عليهِ السّلام، كما ذكرت تسلُّمَ يوسفَ لخزائن مصرَ، وقدوم إخوته إليهِ، ورجوعهم بالبشارة إلى أبيهم يعقوب عليهِ السلّام بلقاء أخيهم يوسف عليهِ السلام.
[١] تحدّثت سورةِ يوسف عن مرحلةٍ من أهمِّ المراحلِ، وأدقّها، وأخطرها في حياةِ سيّدنا يوسف عليهِ السّلام، وهي مرحلة تعرُّضهِ للفتنِ والمؤامرات بعد أن بلغ أشُدَّهُ، وآتاهُ اللهُ من الحكمة والعلمِ الشّيءَ الكثير، وقد واجه سيّدنا يوسف عليهِ السّلام هذه الفِتَن بقلبٍ سليمٍ، وخُلُقٍ قويمٍ، فنجّاهُ الله تعالى منها.
[٢] مناسبة قوله تعالى (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) 
إحدى الفِتَن التي مَرَّ بها سيّدنا يوسف عليهِ السّلام كانت أثناء وجوده في بيت العزيز، والذي أمر امرأتهُ أن تكرّمَ مثواهُ؛ ليتّخذهُ ولداً لهما، إلّا أنّها نظرت إليه بعينٍ تختلفُ عن العينِ التي نظرَ بها زوجها إليه، فاستعملت معه الطُّرق العديدة لمُراودتهِ عن نفسهِ، وتحايُلها عليه مرّاتٍ ومرّات، وبصورةٍ متكرّرةٍ، وبشتّى وسائلِ الإغراءِ؛ لمحاولة الإيقاعِ بهِ، وما كانَ منهُ عليه السّلام إلا الامتناع، ورفض ما تريدهُ؛ خوفاً من اللهِ عزّ وجلّ، فَعَلِمَ العزيزُ ما جرى في بيتهِ، حيث أظهرَ اللهُ براءةَ يوسف عليهِ السلّام ممّا اتّهمتهُ بهِ زوجةُ العزيزِ، وقوله سبحانهُ: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)
[٣] بيانٌ لما قالهُ زوجها بعدَ أن انكشفت لهُ الحقيقة انكشافاً تامّاً، وهكذا واجه العزيزُ خيانةَ زوجته لهُ، بهذا الأسلوب الهادئ، بأنْ نسبَ كيدَها ومكرَها إلى جنسها كلّهِ، لا إليها وحدَها، فقال: (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ).
[٤] وفيهِ بيانٌ أنَّ مكرَ المرأةِ وكيدَها شديدُ التأثيرِ في النفوس، غريبٌ لا يفطَنُ له الرّجال، ولا قِبَلَ لهم بهِ، ولا حِيَلها وتدبيرِها.[٥] مفهوم كلمة الكيد الكيد: 
القيامُ بشيءٍ يوجِبُ الغيظ،
[٦] وقيل الكيد: إيقاعُ الضرّ بالغير بشيْء من التّدبير، وهو شبيهٌ بالمُحارَبة.
[٧] والكيد عندما يكون من الله سبحانه وتعالى، يأتي بمعنى الاستدراج، أي أنّ الله عزَّ وجلَّ يستدرج الكفّار دون علمِهم شيئاً فشيئاً، بحيث يخفى الأمر عليهم.
[٨] تفسير قوله تعالى (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وُصِف كيدُ النّساءِ بالعظمة في قوله تعالى: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)
[٣] وفي موضعٍ آخر وُصِفَ الإنسانُ بالضّعفِ، وذلك في قوله تعالى: (وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا)
[٩] وليس المقصودُ بالقولين أنَّ القوّةَ منسوبةٌ للنّساءِ، والضّعفَ للرّجالِ؛ فالإنسان ذكراً كان أم أنثى ضعيفٌ بالنّسبةِ إلى خلقِ ما هو أعظمُ منهُ، مثل: خلق السّمواتِ والأرض، ووصِفَ الكيد بالعظمة؛ لأنَّ كيد النّساء أدقُّ من كيدِ الرّجالِ وألطفُ، ولأنّ مكرهُنَّ أعظم من كيد البشر جميعهم؛ لأنّ لهنّ من الكيد والمكرِ والحيلِ في إتمامِ مرادهنّ ما لا يقدُر عليهِ الرّجال.
[١٠] وقوله تعالى للنّساء: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)
[٣] إنّما هو فيما يتعلّقُ بمعاملتهِنّ مع الرّجالِ، ولكن من ناحيةِ الفروضِ، وإدارةِ الأعمالِ، والبلدانِ، وأمور الصّناعةِ والتجارةِ، فتدبيرُ الرّجالِ أشدّ، وبأسُ الرّجالِ أقوى، حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)
[١١]فالحديث هنا يبيّن أنّ الحاكم يجب أن يكون ذكراً، ولا يصلح لامرأةٍ تولّي الحُكم، أو أيّ عملٍ من أعمال المسلمين عامّةً؛ ذلك أنّ هذه المناصب والأعمال تحتاجُ إلى كمال الرّأي، والبُعد عن العاطفةِ، التي تتملّك المرأة في معظم شؤون حياتها.
[١٢] الكيدُ علامةُ ضعفٍ يرى البعضُ أنَّ المكرَ دليلُ ضعفٍ لا دليل قوّةٍ؛ لأنّ من معاني المكرِ التّثبيتُ في الخفاء، والمكر هو الشّجرُ الملتفُّ بعضهُ على بعضهِ الآخر؛ حيث لا نعرف أيَّ ورقةٍ تنمو من أيِّ جذعٍ أو فرعٍ؛ فالضّعفاءُ لا يواجهون لضعفِهم، أمّا الأقوياءُ فيواجهون ولا يبيتون؛ ولذلك يُقالُ: إنَّ الذي يكيد لغيره إنّما هو الضّعيف؛ لأن الإنسان الواضح الصّريح القادر على المواجهة هو القويّ. وهناك من يجعل ضعف النّساء دافعاً لهنَّ على قوّةِ المكر، استناداً إلى قولهِ تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
[١٣] وقوله تعالى: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)
[٣] فلا يكيد إلا الضّعيف، ومن لا يقدر على المواجهة فهو يبيت، ولو كان قادراً على المواجهةِ لما احتاجَ المكرَ، وقد يمكر كثيرٌ من البشر، ويبيتونَ بخفاءٍ عن غيرهم، إلا أنَّهم لا يستطيعون أن يعملوا بخفاءٍ عن الله عزّ وجلّ؛ لأنَّهُ عليمٌ بخفايا الصّدور، وأمر الحقّ في التبييت أقوى من أمر الخلق؛ لذلك نجد قوله سبحانه: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
[١٤] بما أنّ صفةَ الكيد عظيمةٌ، فالضّعفُ أعظم؛ لأنَّ الضّعيف إذا وجد فرصةً لهُ استغلّها واغتنمها؛ خوفاً من عدم تكرار مثلها ثانيةً، لذلك يندفع إلى قتل خصمه، والانقضاض عليه بقوّته كلّها، أمّا القوي فهو يثق بقوّتهِ وقدراتهِ؛ لذلك قد يترك خصمَه مرّةً، ويعطيهِ فرصاً أخرى للتّراجعِ، وإن أساءَ عاقبَهُ على قدرِ إساءَتهِ، ودليلُ ذلكَ قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ)
[١٥] أي يضمر الذين كفروا الكيد والتّبييت للرسول عليه الصّلاة والسلام بالمكر، لكنّهم لا يعلمون أنّ مَنْ أرسله لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم ما يُسِرّون، وقد يقدرون على المكر لمن هم في مثلهم من القدرة، لكنّ رسول الله مُحاطٌ بعناية الله تعالى وقدرته؛ فهو حامل رسالته، وفي حفظه ورعايته.

بلادنا عظيمة فلنجعل بيئتها سليمة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏6‏ أشخاص‏، و‏أشخاص يبتسمون‏‏

جمعية جزائر الخير تحت شعار 
بلادنا عظيمة فلنجعل بيئتها سليمة
أسبوع البيئة من 01 إلى غاية 10 فبراير 2018
وبهذه المناسبة التي منحت للشجرة صوتها ، وللنّظافة كلمتها ، وللمحيط رايته الخضراء ، حيث قامت لجنة الطلبة جزائر الخير بثانوية هواري بومدين بلدية اليشير بمبادرة تستحق التشجيع والثّناء بحملهم الألوان سلاحا ، والفرشاة مدادا يكتبون بها على جدرالأقسام أجمل لوحة صنعتها أيديهم الطيّبة و جعلهم محيط المؤسسة يبدو كجنة زاهية الألوان . 
كما ستكون هناك أعمال أخرى في مختلف ولايات الوطن بحملات تشجير ، وتنظيف ، وتزيين لواجهات الأماكن العموميّة ، كما ستنظّم حملات للتوعية في أوساط المؤسّسات التّربوية ، إحياء ندوات في القاعات العموميّة ، والجامعات وبعض الأحياء الجامعية وذلك بالتنسيق مع الجهات الوصية و المختصة ، تنظيم دورات تكوينية ، وتكريم النّشطاء البارزين وغدا السبت 03 فيفري 2018م ستكون لي مشاركة في ندوة حول الثقافة البيئية في حدود الساعة 14:00 بالمركب الرياضي الاخوة مجدوب ببرج بوعريريج ويسرنا في مكتب جمعية جزائر الخير حضوركم 
والدّعوة مفتوحة للمشاركة من جميع الفئات على مختلف أعمارها وتوجّهاتها لنصنع يدا بيد وروحا بروح ، وقلبا بقلب لوحة فتّانة لبيئتنا التي أتعبتها يد الإنسان غير الواعية وعلى ضوء هذا يقول قلمي دون أن يتكلّم بأنّ أ سبوع البيئة هذا من الأفكار النّبيلة التي تفيض معانيها بالخضرة ، وتنعكس على السّلوك البشريّ لتجعله في الأرض مزهرا ، مغروسا كالدرّ والياقوت . وقد سرّتني هذه المبادرة التي جمعت في فضائها مختلف الفئات لتصنع بالقوّة والقدرة معا وجها آخر لمدينة بلا بكاء ، وغابة بلا تشويه ، وشوارع بلا غيوم تعصرها يد الإنسان لتجعل أكثر سوء ومضرّة للعين والقلب والرّوح .
إّن البيئة حضن الإنسان الذي لا يفارقه مهما كبر ، فهي قطعة منه خرج منها بعد أن أودعت في روحه دمها وتنهيدات صدرها . فهل يجوز بعد كلّ هذا أن يكون أوّل من يطعنها ويريق جمالها بهذا الشّكل المفزع .
إنّنا نقتل الأرض بأيدينا ، بأفكارنا التي تغيب عنها المسؤولية كما تغيب الشّمس في يوم غائم .. لكن الحمد لله على وجود أناس أنقياء يدركون أنّ نظافة المحيط من نقاوة القلب والجسد والفكر ، وأنّ غرش الأشجار كغرس أريج من الحياة . لذلك أنا أبارك لهم هذا المجهود ، وهذه القوّة ، وهذا الإصرار على تغيير لون السّواد من محيطنا .
عبد النور خبابة 




قوارب الموت



ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏محيط‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏
إلى كل المسافرين في قوارب الموت!!
إلى كلّ الذين يحاولون عبور البحر دون أن تكون لهم هويّة ، إلى كلّ من يعتقد أنّ ركوب اللّيل مجرّد تسلية تصوّب رماحها في عين النّور المتلألئ هناك ، وأنّ خلف البحر نافذة لجنّة موعودة رسمها العقل فوق الجنون دون ألوان ، إلى كلّ من يتعمّد الموت دون أن يتعرّف عليه المكان.
تطلع أجسادهم كالخشب من تحت الأمواج باردة ، مبلّلة ، مشوّهة كأنّهم في ضمير الطّبيعة مسمار صدئ جرفه الموج كعمر مسروق باسط جناحيه كطائر لوت العواصف ظهره دون أن يغادر أشلاءه المتناثرة بين موجة طائشة ، وصخرة غائرة ، وشاطئ مفزوع. 
كالمرايا المشقوقة في مغرز العنق ارتفعت روح وتركت جثّتها متخلّفة في أرض مدينة بعيد ... فلا ملامح بقيت ، ولا أعضاء ظلّت وفيّة لصاحبها ، ولا دمعة نزلت من عين حفرها الماء حتّى اضمحلّت ، واختفت تحت ردم الموج لتصل العالم الآخر دون أن تصل .
أطفال سابقهم الموت في زورق خائن ، وضمير مثقوب ، وقلب وضعت عليه الأقفال ليقتحم ظلمة البحر في ليل هائج ، وطيش شباب يبحث عن الرّغد في بلاد ترفض الكسل وتخرج العرق من الحجر ولا تعترف بعظام غريبة دون ظلّ وماء ونسيم .
أيّ وجهة كالسّيف القاطع نضع أعناقنا تحتها لنصبح طعما للسّمك ، للغفلة القاتمة دون أن ننصت لأكنان الوطن الذي يرعانا كطيور أبصرت النّدى في جدوع أشجاره ، وهوائه ، وكتفيه .
فكم من حاسّة استحالت إلى أمواج يجري فيها حطام حلم ، وزبد ندم ، ومدّ لا نهاية له من القلق لؤلائك الذين تركناهم خلف المغامرة دون وداع ، دون أن نمنح عيونهم مناديل للبكاء . دون أن نترك لهم قبرا يودعون فيه بقيّة ما تركنا من ذكرى ، أيّ دمعة ستفي كلّ هذا الحزن أمام روح ضاعت في السّماء ، وجسد رفضته القبور وجهله الموت ..
كم من إنسان استسلم لخبث الوهم وصنع لنفسه رجاء بلا شراع ، كم من ضحيّة طمرها البحر في أمعائه دون أن تظهر ، كم من جثّة استقبلتها الرّمال دون أن تتعرّف على ملامحها الممسوحة كذنب ، كم من مغامر اختارته السّواحل رفيقا لوحشتها دون أن تمنحه محبّتها الظّامئة ، كم من صدر أمّ صار فارغا ، يابسا محترقا كقصيدة جفّفها الحزن دون أن تنشد على القوافي منطقها الأخير. كم من رضيع بريء جعلوا طفولته هي المثوى الأوّل ، وغرزوا شفاه الموج في وجنتيه لتكون قبلته الأولى ، ورسموا بين أطرافه الصّغيرة حضنا كحضن الأمّ ليمنحه البرد عناقه الأخير ، كم من منظر بشع ستعايشه قلوبنا بعد هذا المنظر المؤلم لطفولة قضمها الضّمير قبل أن تقضمهاا الأمواج والصّخور والرّمال لتنام في كتاب بارد ، كم من وجوه آملة استلمها البحر دون أن يمنحها لجوء الحياة إلى الضفّة الأخرى ، أقصد إلى الهلاك الآخر .


عبد النور خبابة

نجم يموت في سماء غائمة











ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏أشخاص يجلسون‏‏‏








طبيب_الفقراء والمساكين
قالمة تودع طبيب الفقراء بعدما توفي ساجدا في صلاة العشاء
إنّ الكلمات كظلام اللّيل تتثاءب بين حرف وآخر دون أن تنزل كدمعة رقراقة كلّما حاولت أن تسيل أمسكها ألم الفقد الذي تجري فيه النّفوس الكبيرة مجرى الخلود ، جاثية منكبّة في خدمة الإنسان كأنّها في صلاة .
لا نستطيع أن نكتب عن كبير دون أن ننفخ في كلّ كلمة معنى من معاني الحياة التي تركها هذا الغدير الصّافي في عيون النّاس دون أن يجرحنا بصخور همومه وتعبه الذي كان يتركه جانبا لأجل مهنته التي فاقت مهنة الطبّ لتتجاوزها إلى شيء آخر يشبه النّبوّة والحلم في يقظة كلّ إنسان عايشه عن قرب . 
سي محمد الذي لقّب بين محبّيه ب " حبيب الزّوالي "، و" أبو المرضى الفقراء" قد غادر صفحة الحياة تاركا دفاتره العامرة بالتّضحيات دون أن يأخذ معه شيئا سوى قلوب النّاس والمرضى الذين كانوا يقفون خلف حجرة الفحص كمن يقف على ربوة من المسك دون أن تمزّقهم غمامة القلق والتّذمّر .
سي محمّد نور من الضّحى ، قطعة نقيّة تناثرت في الهواء دون أن يظفر بأريجها إلاّ من اختبر دفء حواسه عن قرب ولامسته حرارة الرّوح التي تقدّس في تواضعها هذا العمل الإنساني ، وليس هذا فقط بل كان يسعى خلف كلّ باب سمع من خلفه أنين المرضى ليجلس تحت أنفاسهم بقوّة وعزيمة ينتفض لها الضّعف ويغادرها بمجرّد أن يضع ضميره على الألم دون أن يأخذ مقابلا غير ابتسامة يزرعها أو أمل يطبعه على جبين اليأس ويغادر .
لم ينظر يوما في وجه التّاريخ وهو ينسحب من أصابع الزّمن ، ولم يصافح يوما فرصة حظّ تتاجر بمبادئه التي كانت بالنّسبة له الكنز الذي يملأ ذاكرة الزّمن الخالية ، كان كالهديّة إلى القلب ، إلى كلّ نفس مختنقة تشتدّ خلفها الصّعاب ليجعلها سهلة هيّنة كالسّراب .
كصوت الرّوح كان يتنقّل من جسد إلى جسد ، من بيت إلى آخر ، من فقير معدم إلى أكثر دون أن تثبّطه مسافة أو تعجزه دقائق الوقت المتأخّرة من افتكاك الإبتسامة من فم المرض وجعلها كصفحة الزّهر تفوح أملا .
لم يكن سي محمد طبيبا عاديّا ، بل كان متفوّقا بإنسانيّته وطيبته ، وعطفه ، وكرمه الذي فاق التّصديق لأنه كان يمنح مرضاه مساعدات مالية لاقتناء الأدوية ، والمميز أكثر في المرحوم وبشهادة الجميع، أنه عند الكشف على مرضاه يدقق في كل شيء ويجلس إلى المريض أحيانا أكثر من نصف ساعة، رغم التوافد الكبير للمرضى على عيادته المتواضعة ببلدية بلخير.
لم تساومه الحياة بملذّاتها عن مبادئه التي لا تنحرف ، ولا تضعف ، ولا تنثني كالأوراق الدّابلة التي تنثرها المطامع من شجرة انّفوس . بل كان كمعجم الفضيلة الذي يتألّف من مفردات ومعاني الشّهامة والصّدق والإخلاص والإيثار لتكون نهايته الطّاهرة بين يديّ الله تعالى مصلّيا ساجدا تاركا القلوب فارغة من بعده.
ماذا عساي أقول وأنا أستذكر الكثير من المواقف التي تتابعت في ذهني وأنا أستقبل خبر وفاة هذا الرّجل القيّم القدير الذي يفوق قدره وزن الذّهب والجوهر والياقوت كأنّه خارج من الكتب والرّوايات الخالدة .
أيّها القمر الذي أفل في صمت ولا يزال يشرق إلى أجل ماذا عساه القلم يكتب وأنت تتخطّى الفكر والرّوح واللّغة 
في زمن صار فيه الطّبيب يتاجر بالأرواح والأجساد كالدّمى ويضرب عن عمله الإنساني لأجل حفنة من النّقود فقد فيها الكثير من النّاس أعمارهم كما تفقد الأشجار أوراقها ، ضمير غائب ، وقلب ميّت ، وإنسانية مهدورة تفتقر للأخلاق غلبها الطّمع والتّكبّر والفضاضة والقسوة دون أن يكون في وجدانهم رأفة بفقير أو رحمة بيائس أو عطف بمتألّم إلا من رحم ربي .
رحمك الله يا عميد الأطباء فالبكاء فيك قليل .
أرجو من الجميع الترحم عليه 
عبد النور خبابة