السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2018-02-10

نجم يموت في سماء غائمة











ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏أشخاص يجلسون‏‏‏








طبيب_الفقراء والمساكين
قالمة تودع طبيب الفقراء بعدما توفي ساجدا في صلاة العشاء
إنّ الكلمات كظلام اللّيل تتثاءب بين حرف وآخر دون أن تنزل كدمعة رقراقة كلّما حاولت أن تسيل أمسكها ألم الفقد الذي تجري فيه النّفوس الكبيرة مجرى الخلود ، جاثية منكبّة في خدمة الإنسان كأنّها في صلاة .
لا نستطيع أن نكتب عن كبير دون أن ننفخ في كلّ كلمة معنى من معاني الحياة التي تركها هذا الغدير الصّافي في عيون النّاس دون أن يجرحنا بصخور همومه وتعبه الذي كان يتركه جانبا لأجل مهنته التي فاقت مهنة الطبّ لتتجاوزها إلى شيء آخر يشبه النّبوّة والحلم في يقظة كلّ إنسان عايشه عن قرب . 
سي محمد الذي لقّب بين محبّيه ب " حبيب الزّوالي "، و" أبو المرضى الفقراء" قد غادر صفحة الحياة تاركا دفاتره العامرة بالتّضحيات دون أن يأخذ معه شيئا سوى قلوب النّاس والمرضى الذين كانوا يقفون خلف حجرة الفحص كمن يقف على ربوة من المسك دون أن تمزّقهم غمامة القلق والتّذمّر .
سي محمّد نور من الضّحى ، قطعة نقيّة تناثرت في الهواء دون أن يظفر بأريجها إلاّ من اختبر دفء حواسه عن قرب ولامسته حرارة الرّوح التي تقدّس في تواضعها هذا العمل الإنساني ، وليس هذا فقط بل كان يسعى خلف كلّ باب سمع من خلفه أنين المرضى ليجلس تحت أنفاسهم بقوّة وعزيمة ينتفض لها الضّعف ويغادرها بمجرّد أن يضع ضميره على الألم دون أن يأخذ مقابلا غير ابتسامة يزرعها أو أمل يطبعه على جبين اليأس ويغادر .
لم ينظر يوما في وجه التّاريخ وهو ينسحب من أصابع الزّمن ، ولم يصافح يوما فرصة حظّ تتاجر بمبادئه التي كانت بالنّسبة له الكنز الذي يملأ ذاكرة الزّمن الخالية ، كان كالهديّة إلى القلب ، إلى كلّ نفس مختنقة تشتدّ خلفها الصّعاب ليجعلها سهلة هيّنة كالسّراب .
كصوت الرّوح كان يتنقّل من جسد إلى جسد ، من بيت إلى آخر ، من فقير معدم إلى أكثر دون أن تثبّطه مسافة أو تعجزه دقائق الوقت المتأخّرة من افتكاك الإبتسامة من فم المرض وجعلها كصفحة الزّهر تفوح أملا .
لم يكن سي محمد طبيبا عاديّا ، بل كان متفوّقا بإنسانيّته وطيبته ، وعطفه ، وكرمه الذي فاق التّصديق لأنه كان يمنح مرضاه مساعدات مالية لاقتناء الأدوية ، والمميز أكثر في المرحوم وبشهادة الجميع، أنه عند الكشف على مرضاه يدقق في كل شيء ويجلس إلى المريض أحيانا أكثر من نصف ساعة، رغم التوافد الكبير للمرضى على عيادته المتواضعة ببلدية بلخير.
لم تساومه الحياة بملذّاتها عن مبادئه التي لا تنحرف ، ولا تضعف ، ولا تنثني كالأوراق الدّابلة التي تنثرها المطامع من شجرة انّفوس . بل كان كمعجم الفضيلة الذي يتألّف من مفردات ومعاني الشّهامة والصّدق والإخلاص والإيثار لتكون نهايته الطّاهرة بين يديّ الله تعالى مصلّيا ساجدا تاركا القلوب فارغة من بعده.
ماذا عساي أقول وأنا أستذكر الكثير من المواقف التي تتابعت في ذهني وأنا أستقبل خبر وفاة هذا الرّجل القيّم القدير الذي يفوق قدره وزن الذّهب والجوهر والياقوت كأنّه خارج من الكتب والرّوايات الخالدة .
أيّها القمر الذي أفل في صمت ولا يزال يشرق إلى أجل ماذا عساه القلم يكتب وأنت تتخطّى الفكر والرّوح واللّغة 
في زمن صار فيه الطّبيب يتاجر بالأرواح والأجساد كالدّمى ويضرب عن عمله الإنساني لأجل حفنة من النّقود فقد فيها الكثير من النّاس أعمارهم كما تفقد الأشجار أوراقها ، ضمير غائب ، وقلب ميّت ، وإنسانية مهدورة تفتقر للأخلاق غلبها الطّمع والتّكبّر والفضاضة والقسوة دون أن يكون في وجدانهم رأفة بفقير أو رحمة بيائس أو عطف بمتألّم إلا من رحم ربي .
رحمك الله يا عميد الأطباء فالبكاء فيك قليل .
أرجو من الجميع الترحم عليه 
عبد النور خبابة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق