السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-05-31

فضائل بركة السحور

 نقل الإمام ابن المُنذر الإجماع على أنّ التسحُّر مندوب.
والسَّحور - بفتح السين - : اسم للطعام الذي يتسحّر به.
والسُّحور - بضم السين - مُشتقٌ من السّحر قبيل وقت الفجر.
و يبدأ السَّحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، وقال جمهور العلماء أنّه يبدأ من السدس الأخير من الليل.
والمستحب تأخيره ؛ فعن زيد بن ثابت قال: (تسحّرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قمنا إلى الصلاة وقد كان بين السحور والصلاة، قدر خمسين آية ) أخرجه البخاري ومسلم.
ويحسن بالمرء أن يتسحّر على التمر لما صحّ من حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (نعم سحور المؤمن التمر)أخرجه أبو داود.
والسّحور طعام مُبارك، فقد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم قوله : (تسحُّروا فإنّ في السحور بركة) متفق عليه.
ومن بركة السحور:
1) بقاء الخيرية في الأمّة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : (لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفِطر) متّفق عليه، وزاد أحمد بسند صحيح : ( وأخُّروا السّحور) لهذا يقول عمرو بن ميمون: ( كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعجل الناس إفطاراً، وأبطأهم سحوراً) أخرجه البيهقي بسند صحيح.
2) مُخالفة أهل الكتاب فقد ثبت في صحيح مسلم أنّه عليه الصلاة والسلام قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر).
3) الدعاء بالبركة للمُتسحّرين، والبركة من معانيها النماء والزيادة، والتبريك الدعاء بالبركة.
4) بركة طعامه، وفي سنن النسائي بسند جيد أنّه عليه الصلاة والسلام قال: (عليكم بهذا السحور فإنّه الغذاء المُبارك).
5) يعطي الصائم قوّة لا يمل معها الصيام، بخلاف من لا يتسحّر.
6) سبب للانتباه من النوم وقت السّحر الذي هو وقت يحلو به الاستغفار؛ فقد قال تعالى: (وبالأسحار هم يستغفرون) وقال تعالى: ( والمستغفرين بالأسحار)، ويتنزّل فيه الجبّار فيقبل دعاء الداعين وتوبة التائبين، ويحسن فيه قراءة القرآن.
فقد قال أبو الزناد: "كنت أخرج من السّحر إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم فلا أمر ببيت إلا وفيه قارئ".
7) قيام الشخص عَقِبَه بالصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد.

التغافل، وأخلاق الكبار



مُعظَمُ النَّاسِ يَسْعَونَ جاهدينَ لتحقيقِ السَّعادةِ والنَّجاحِ، ونَجَاحُ الإنسانِ في حياتِهِ يَكمُنُ في صِدْقِهِ، وإخلاصِه مع رَبِّهِ وتطبيقِه لأحكامِ شَرعِهِ، ومعاشرتِه للنَّاسِ بأحسنِ الأخلاق وأفضلها، وحماية اللسان من الخوض فيما لا يَعني و لا يُغني، لأنّ الرسولَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد وجّه المسلمَ لاغتنام طاقاتِه فيما ينفعُه، وتركِ ما يضرُّه، ففي الحديث الصحيح: "مِن حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُه مَا لا يَعنِيهِ" رواه الترمذيّ وحسّنه. 
ومن حِرصِهِ – صلى الله عليه وسلم- على غرسِ المحبّةِ والأخوّةِ بين أفرادِ أمّتِهِ قال عليه الصّلاة والسّلام: "مَنْ رأى منكُم مَنكَرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإنْ لم يستطِعْ فَبِلسَانِهِ، فإنْ لم يستطِعْ فبقلبِهِ، وذلك أضعفُ الإيمانِ" رواه مسلم. 
فقوله عليه الصلاة والسلام "مَنْ رأى" دليلٌ عَلَى أَنَّ الإِنكَارَ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّؤْيَةِ، فَلَوْ كَانَ مَسْتُورًا فَلَمْ يَرَهُ، وَلَكِنْ عَلِمَ بِهِ، فالْمَنْصُوصُ عَنْ الإمام أَحْمَدَ-رحمه الله- فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لا يَعْرِضُ لَهُ، وَأَنَّهُ لا يُفَتِّشُ عَمَّا اسْتَرَابَ بِهِ".
لذا لا يجوز للإنسان أنْ يظنَّ بالنّاس سُوءاً أو أنْ يقولَ فيهم سوءاً ظناً منه أو اعتقاداً في ارتكابهم للمنكر، لأنّ مَنْ "رأى" ليس كمن ظنَّ أو اعتقد، كما أنَّ مِن سلامة الإنسان تغافُلُه عن معاصي الناس وأخطائِهم ما لم يُجاهروا بها. ومن أسباب سلامة الإنسان أيضاً عدمُ التدقيق في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ. 
وفي صحيح الجامع ( برقم 7984 و 7985 ) يقول عليه الصلاة والسلام: "من تَتَبَّعَ عورةَ أخيه تَتَبَّعَ اللهُ عورَتَهُ، ومن تَتَبَّعَ اللهُ عورَتَه يَفضَحْهُ ولو في جَوفِ بَيتِهِ".
فاتّقِ اللهَ يا من تَتْبَعُ عوراتِ النّاسِ وفضائِحَهم وتَنْشُرُها في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وفي غيرِها من المجالسِ والمنتدياتِ، و أعلمْ أنّ مَن تَتبّع عوراتِ النّاس كانَ مِنْ شِرارِ خَلقِ اللهِ، إذ يقول الشاعر:
شرُّ الورى بمساوي النَّاسِ مُشْتَغلٌ ** مثلُ الذُّبابِ يُراعِي موضعَ العللِ
واجعل السّعادةَ الأخرويّةَ هدفاً من أهدافِكَ في هذه الحياةِ ليَستُرَ اللهُ حالَكَ، فلا يُوجد مَنْ ليسَ له عُيوبٌ، واعلم أنَّ كلامَك مكتوبٌ وقولَكَ محسوبٌ، و اسألْ ربَّكَ أنْ يَستُرَ عيوبَكَ. 
كانَ الإمامُ مالكٌ بنُ أنسٍ - رحمه الله- يقولُ: أدركتُ بهذه البلدة - يعني المدينة - أقواماً لم تكن لهم عُيوبٌ، فعابوا الناسَ؛ فصارتْ لهم عُيوبٌ. وأدركت بها أقواماً لهم عُيوبٌ، فسكتوا عن عُيوبِ النَّاسِ؛ فنُسيتْ عُيوبُهم". مجموع أجزاء الحديث.
فالسكوتُ عن عيوبِ النَّاسِ من أخلاقِ الكبارِ، مِثْلُهُ مِثْلُ التَّغافُلِ عن سَفَهِ الشَّبابِ وزلاتِهِم، والكَيِّسُ العاقلُ هو الفَطِنُ المتغافلُ عن الزَّلاتِ، وسَقَطَاتِ اللِّسانِ- إذا لم يَتَرَتَّبْ على ذلك مفاسدُ-.
إذا أنت عِبْتَ النَّاس عابوا وأكثروا ** عليك وأبدوا منك ما كان يُسْتَرُ
فإن عِبْتَ قومًا بالذي ليس فيهمُ ** فذلك عنــدَ الله والنّـــَاسِ أكبرُ
وإن عِبْتَ قومًا بالذي فيك مثله ** فكيف يَعِيب العُورَ من هو أعورُ
والإسلامُ أمَرَ بِسَتْرِ عوراتِ المسلمينَ، واتِّقاءِ مواضعِ التُّهَمِ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) [النور: 19].
كما يدعو إلى التَّغافُلِ عن الزَّلاتِ، و إظهارِ عَدَمِ رُؤيَتِها.
ومِنْ فَضَائِلِ التَّغافُلِ مَا رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الإِمَامِ أحمدَ عَن عُثْمَانَ بن زَائِدَةَ قَالَ: "الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ". فحدَّثتُ به أحمد بن حنبل فقال: "العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ كُلُّهَا في التَّغَافُلِ".وكَثِيرًا مَا وَصَفَتْ الْعَرَبُ الْكُرَمَاءَ وَالسَّادَةَ بِالتَّغَافُلِ وَالْحَيَاءِ فِي بُيُوتِهَا وَأَنْدِيَتِهَا.
قَالَ الشَّاعِرُ :
نَزْرُ الْكَلامِ مِنْ الْحَيَاءِ تَخَالُهُ ** صَمْتًا وَلَيْسَ بِجِسْمِهِ سَقَـمُ
وَقَالَ آخَرُ:
كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرَفَ دُونَ خِبَائِهِ ** وَيَدْنُو وَأَطْرَافُ الرِّمَاحِ دَوَانِـي
وَقَالَ كُثَيِّرٌ:
وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ ** وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يَتَطَلّـَبْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ ** يَجِدْهَا وَلا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ
وفي وصف ابن الأثير-رحمه الله- لصلاح الدين الأيوبي قال: "وكان -رحمه الله- حليماً حَسَنَ الأخلاقِ، ومتواضعاً، صبوراً على ما يَكْرَهُ، كثيرَ التَّغافُلِ عن ذُنُوبِ أصحابِهِ، يَسمعُ من أحدِهم ما يَكْرَهُ، ولا يُعلِمُهُ بذلك، ولا يَتَغَيَّرُ عليه".
وهذه لعمري هي أخلاقُ الكبارِ وسادةِ القَومِ، وعلى الإنسان إذا ما أرادَ أن يعيشَ سعيدًا مسرورًا محبوبًا معدودًا في جُملةِ الكِبارِ أن يتحلَّى بها.
وكانت العربُ تردِّدُ هذا البيتَ كثيرًا:
ليسَ الذكيُّ بسيّدٍ في قومِهِ ** لكنَّ سيّدَ قومِهِ المُتَغَابِي
وفي حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: "جَلَسَتْ إحدى عَشْرةَ امرأةً، فتعاهَدْنَ وتعاقَدْنَ أنْ لا يَكْتُمْنَ من أخبارِ أزواجهنَّ شيئاً. وقالت إحداهن: "زوجي إذا دَخَلَ فَهِد، وإذا خَرَجَ أَسِدَ، ولا يَسْألُ عَمَّا عَهِدَ" رواه البخاريّ في بابِ حُسْنِ المعاشرةِ مع الأهلِ.
ومِنْ صفاتِ الفَهْدِ التَّغَافُلَ.
تذكّرْ -أيٌّها الموفَّق- ما مرّ في يومك وليلتك من مواقف تعاملت فيها مع أهلِك، أو أصدقائِك، أو طلابِك، أو معلميك، أو عامّةِ النَّاسِ، ثم انظرْ هل تَغافلتَ عن أخطائِهم؟ أم حاسبْتَهم عليها حِسابَ الشَّريكِ لشريكِهِ؟
إنْ لم تكنْ قد تغافلتَ عن ذلك فيما مَضَى؛ فلديكَ فيما بقيَ من عُمُرِكَ فُرصٌ جديدةٌ تستحقُّ الاغتنامَ، واغتنامُها يكونُ بالتَّغَاضِي والتَّغافُلِ وغَضِّ الطَّرفِ:
ولسْتَ بمُسْتَبْقٍ أخاً، لا تَلُمُّهُ ** على شَعَثٍ، أيُّ الّرجال المُهَذَّبُ؟
التَّغَافُلُ خُلُقٌ جَميلٌ من أخلاقِ الكِبارِ، وهو من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، فاللهُمَّ ارزقْنا مِنْ وَاسِعِ فَضْلِكَ.

لنجاح جدولك الرمضاني..

   سل الله البركة عند بلوغ رمضان كما قال العلامة ابن سعدي رحمه الله، فكم من بالغ له، لم يصب بركته وروحانيته..؟!
تخفف من المشاغل والملاهي، واعقد العزم على الإنجاز والإنتاج وبلوغ حلاوة الثمار.
ارسم جدولك المربوط بالصلوات الخمس، بعد كل فريضة ولو صفحات قرآنية محددة .(( إن هذاالقرآن يهدي للتي هي أقوم )) سورة الإسراء .
جلسة العصر الثمينة البس لها التفرغ الكامل وأغلق جوالك، واسكن في مسجدك، واسبح في عمق التلاوات وتدبراتها ا(( ما يفتحِ الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)) سورة فاطر.
في الصيام جُنة تحميك من الشهوات فصم بكل اخلاص ونزاهة(( ونهى النفس عن الهوى )) سورة النازعات .
أكثر من الدعاء كثيرا بالتوفيق، ولُذ بجناب ربك منطرحا له سائلا أفضاله ورحماته (( وما بكم من نعمة فمن الله )) سورة النحل .(( الدعاء هو العبادة )) كما صح به الحديث.
اجعل لك صنفين من التلاوة قراءة عامة، وقراءة تدبرية تستلهم المواعظ والبينات ليحيا القلب وتزكو النفس (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته..)) سورة ص .
في حالات الكسل تذكر(( فتحت أبواب الجنة ))، وأن نورا يسري في الأرواح كاف في اليقظة .
حاذر لصوص الوقت من جوال سارق، أو زميل فارغ، أو متاع آسر..!
الخلطة الاجتماعية مذهبة للجدول برمته فاقتصد فيها، وأحيانا السفر للحرمين الشريفين يشعل الهمة، وينهي الخلطة..!
التبكير للصلوات وحمل النفس على المسارعة يكسبك تلاوة رائعة رائقة وقد تختم سريعا بفضل التبكير .
عند التعب والسامة اقرأ في أحوال السلف وفقه الصيام وأحاديث الصوم في كتب السنة..! فالتنويع جالب للنشاط .
لحظات العمل والتجارة والفراغ ليكن مصحفك معك، ومع الجوالات الحديثة بات المصحف محمولا وفِي التناول المغري..!(( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)) سورة القمر. أي هل من متعظ..؟!
صلاة الفجر والسحور مفتتح البركة والتوفيق والإعانة ، والأذكار في مظانها (( سبق المفردون )) كما في صحيح مسلم رحمه الله.
لابد من نوم في الليل ولو لساعتين، حتى يُستثمر النهار، وإلا بات نهاره نائما مجهدا، لا يستطيع عملا ولا حراكا...!(( وإن لجسدك عليك حقا )).
ليس أحسن للهمة العالية من التفرغ والإقبال القرآني الفريد في المسجد.
المتكاسلون عليهم المجاهدة وتخير أصدقاء الذكر ومجالس الخير والصفاء، واللقاءات الشبابية المنتجة لا الفارغة..!
التردد على حلق الذكر وتصحيح التلاوة مما يعين ويثبّت زمانا وقرآنا..!
تأكد أن صحبة المقصر والكسول تزيد غماً إلى غمك، وتنقلك لحالة مأساوية من الضعف والمهانة ،، ولا تصحب الأردى فتردَ مع الردي..!
السهر الطويل ومغالبة الراحة المعتدلة يورث الكسل والنوم المضاد ويحرمك التبكير والنوافل، وروح الصفاء العبادي..!
الأب الصالح ينفض البيت تذكيرا وترتيبا وحفزا وملاطفة، ويشعل فوانيس الجد وسرج التنافس(( وفِي ذلك فليتنافس المتنافسون )) سورة المطففين .

رمضان كمقاومة

 الحديث عن المقاومة ليس كثيراً على أمة ينتهك أعاديها مقدساتها، ويعبثون بأركان ثقافتها، ويقتطعون أطرافها، ويحتلون ديارها، وينهبون خيراتها، ثم يولون على رقاب كثير من أهلها – غالباً- أخسَّ أبنائها؛ الذين يسيمون الأمة مزيداً من الذلة والهوان؛ كي تظل حبيسة حبال غليظة، ورهينة قيود ثقيلة، بل ومغلولة اليد إلى العنق؛ فلا تقوى حتى على الصراخ!
وحين نقول بأن القراءة فعل مقاومة، والكتابة ممارسة مقاومة؛ والتفكير سلوك مقاومة، فلسنا نخرج هذه الأعمال من سياقها الثقافي والفكري، ولا ننزع عنها المتعة واللذاذة، بيد أننا نستكشف جوانب العزة فيها، ونستلهم ما قد يكون تصرفاً يفوق المدى المنظور إلى آفاق أرحب، ولذا كانت القراءة، والكتابة، والتفكير، أعمالاً بغيضة عند طغاة الأرض، وكم استضافت معتقلاتهم من أربابها؛ وعند الله الملتقى.
ومن البديهي أننا لا نقصد بالمقاومة أي عمل محرم، أو غير مشروع، أو بلا مصلحة. وإنما معناها المراد هنا هو طيف المقاومة الواسع؛ فكل عمل إيجابي يمثل لبنة في بناء المقاومة، وربما يكون المرء في بيته أكثر مقاومة ممن يجول في الميادين؛ وبالتالي فنحن نتلمس المقاومة في كل موسم، وفكرة، وعمل، وقول، ونراها من الصغير والكبير، وعند العصاة والأبرار والمقربين؛ لأنها واجب الوقت، ولازم الحال، وضرورة لا مناص منها للتغيير الإيجابي.
وحين يقترب شهر رمضان المبارك، يبتهج عامة المسلمين له، ويستعدون لحلوله بما يرونه مهماً أو معتاداً، ولا بأس بالحلال المباح ألبتة. ويجتهد آخرون لبيان فضائله وأحكامه، ويحبس العبَّاد أنفسهم في خلوات التعبد والاعتكاف، وحتى أهل الفساد اهتبلوه لترويج محظوراتهم التي توجب عليهم العقوبة؛ لو كان لشرع الله حكم نافذ في بلاده، والله المستعان.
وفي رمضان من زوايا المقاومة الكثير الكثير؛ بل إن الشهر في ذاته يحمل سمات المقاومة، وما أشد وقعه على المرجفين والمنافقين الذين لم يغفلوا عن هذه الصفات في الموسم الميمون، فنازلوه منازلة العدو، وما أموالهم وجهودهم المسخرة لإفكهم وبهتانهم، إلا خير شاهد على ترسخ هذا المفهوم لديهم؛ وإن لم ينطقوا به.
فحين يأتي رمضان يوحِّد أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الصيام والقرآن، وفي اختلاف دخوله تبعاً لمطالع الهلال، توسيع لدائرة الاجتهاد والتعاذر بين أبناء الأمة، وكم حاول الأعادي تمزيق جسد هذه الأمة حتى جعلوها أشلاء متناحرة، وشعوباً متنافرة؛ ليأتي رمضان فيجمعهم على فعل، ونبل، وسمو نفس، وصفاء روح؛ وأعظِم بالاجتماع من مقاومة!
وينغمس المسلمون تبعاً للعالم في كانون ويناير، ولم يعد للتقويم الهجري مكان في التعاملات الرسمية والشعبية إلا ما ندر، بيد أن فرحة المستغربين لا تكتمل بوجود شهر كرمضان، فالسؤال عن الهلالين، وتحري وقتي الغروب وطلوع الفجر، وتسمية رمضان باسمه العربي الإسلامي، يصيب التبعية بمقتل، ويعزز ارتباط الأمة بهجرة نبيها، وتاريخها الإسلامي، وتقويمها العربي، وعسى أن يأتي زمان يكون التأريخ والتوقيت متوافقين مع أحكام شريعة ربنا عز وجل.
ورمضان يجمع أهل البلد الواحد على خير، فالفقير يستفيد من زكاة الغني وجوده، والجاهل يقبس من فهم العالم وحكمته، والعمل الخيري والاجتماعي ينشط بانشراح الصدور وإقبال الناس، وحتى أهل البيت الواحد، وأبناء الجد البعيد، يجدون فسحة من الوقت ليلتئموا حول مائدة، أو في حديث حميم، وإن هذا التماسك والتآزر مما يعزز فينا وصف البنيان المرصوص الذي لا يخترق، ولا يتهدم.
وتصوم المرأة مع الرجل سواء بسواء؛ لها ما له، وعليها ما عليه، بيد أنه يصيبها ما اختصها الله به من حمل ورضاع ومحيض، فيكون لها أحكامها الخاصة؛ التي تراعي أحوالها، وتنشد مصلحتها ومصلحة وليدها، وبالتالي تسقط كل شبه المرجفين، سود الوجوه أتباع اتفاقية السيداو وغيرها من مبتكرات "الرجل" الأبيض الفاجر وأذنابه، لتنأى المسلمة بنفسها ومجتمعها من غوائل كيدهم، ويتيقن الأغرار منهن خاصة أن دين الله يعلو ولا يعلى عليه، فيستقر في روع الفتاة أنها متعبدة في كل شيء لمن صامت له.
ولا تسل عن علاقة عامة الناس بالربانيين من العلماء في رمضان، فدينهم يأخذونه عن العلماء به؛ وليس عن منافق عليم اللسان، أو من أعجمي-أو أعجمية- الفؤاد واللسان. واستمع لصوت دويهم بالقرآن قراءة وترتيلاً، ولاحظ الازدحام في المساجد، والتوافد على الحرمين، والرباط في المسجد الأقصى وأكنافه، وستعلم يقيناً بأن شهر رمضان شهر مقاومة إسلامية شعبية شاملة، وما أحرانا باستشعار ذلك في نوايا العمل الرمضاني الصالح؛ لنغيظ العدو القريب أو البعيد التغريبي، والمتربص، والمعتدي.
وفي تاريخ رمضان من ذكريات المقاومة العبقة ما يفجع دهاقنة النفاق والكفر، فيوم الفرقان ومعركة بدر الكبرى كانت في منتصفه تقريباً، وفتح مكة خلاله، وكثير من المعارك الخالدة وقعت فيه كالقادسية، وفتح الأندلس، والزلاقة، وحطين، وعين جالوت، ولازالت الأمة صائمة عن مثل هذه المآثر، وعسى أن يكون يوم فطرها وعيدها قريباً.
ويشترك مع رمضان غيره من المواسم وشعائر الهدى، فالحج مؤتمر للمقاومة كبير، والحجاب شعار مقاومة أقض مضاجع الديمقراطيات الكافرة، والزكاة فعل مقاومة بالمال ينفي الفقر والعوز، والصدقات والأوقاف ميدان رحب للمقاومة تحمي مشاريع الخير من العثار، وهكذا لو استطردنا، فكل موسم أو عمل يسلِمنا لما بعده؛ وفيه من روح المقاومة ما فيه.
وكم نحن بحاجة لمن يأخذ بيد هذه الأمة؛ بأي طريقة مناسبة يحسنها؛ كي يحيي فيها أحكام الدين الإسلامي تمثلاً واعتزازاً، ويستنهض همتها لخدمة أمة أحمد عليه الصلاة والسلام، فلا أرذل من حياة ليس فيها شيئاً من المعنى الحقيقي للحياة، وإن ديدن المؤمن والمسلم أن يسأل ربه، ويلح بالسؤال؛ لتكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته خالصة لله رب العالمين.
 

2017-05-22

حتى تكون عزيزاً


إذا أردتَ أن تكون عزيزاً عليك أن تعلم أولاً أن العزة هي لله وحده، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فلله العِزَّةُ جَمِيعَاً)، وقال: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً)، وقال سبحانه: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فجعل الله العزة له وحده .
وكذلك في قوله تعالى: (وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، فالعزة هنا هي لله سبحانه، فكل من اتصل بالله فهو عزيز لاتصاله به سبحانه، ومن هنا جاءت العزة لرسل الله ولعباده المؤمنين، ونعتز بالإسلام لأنه دين الله تعالى، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نحن قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلام مهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلَّنَا الله)، فالعزة من عند الله وقد أعزنا الله بدينه الإسلام، ومن ابتغى العزة بغيره أذله الله. 
فبالإسلام يسمو الإنسان بنفسه فلا يعبد إلا الله تعالى ويتحرَّر من العبودية لغيره. 
فالعزة تكون بطاعة الله سبحانه والقُرْب منه، والذلة والمهانة بمعصيته والبعد عنه، وأبى الله إلا أن يذل من عصاه، قال الإمام الشافعي: (مَنْ لم تُعِزُّهُ التقوى فلا عِزَّ له)
ولَمَّا فُتِحَتْ مدائنُ قُبْرُسَ، تَنَحَّى أَبُو الدَّرداءِ وجعل يَبكِي، فَأتَاهُ جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبا الدَّرْدَاءِ؟ أَتَبْكِي فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَأَذَلَّ فِيهِ الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ؟ فقال أبو الدرداء: (مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللهِ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى النَّاسِ، لهم المُلكُ حَتَّى تركوا أمرَ اللهِ ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى). 
والعلو والرفعة هي للمؤمنين بالله سبحانه، قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، واللهُ وَلِيُّ المؤمنين، قال تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) وقال سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)، والنصر والعاقبة للمؤمنين المتقين، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)، وقال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ). 
فالشرف كل الشرف أن تكون عبداً لله تعالى، من أوليائه الذين يعملون الصالحات ويجتنبون المحرَّمات.
وممّا زادني شَرَفاً وتيهاً ... وكدتُ بأخمصي أطَأ الثُريَّا 


(وَاللهُ يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُونَ)

قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
ما أجملَ أنْ تضع هذه الآية نصب عينيك عندما تواجه أمراً تكرهه، فأنتَ لا تدري أين الخير هل هو فيما تحب أو فيما تكره، فلا تنظر إلى ظاهر الأمور وتغفل عمَّا تنطوي عليه من الحِكَم والفوائد. 
ولَكَ في قصة الخَضِر مع موسى عليهما السلام عبرةٌ، فانظر كيف كان الخضر يعمل أعمالاً يحسبها موسى عليه الصلاة والسلام شراً فيكلمه فيها، ثم بعد أن يبيِّن له حقيقة الأمر وملابسات الموقف عرف أنَّ ما فعله الخضر هو الخير والصواب؛ وهكذا في حياتك حينما تُفَاجأ بما لا تحب وما لا تريد تذكَّر قصة الخضر مع موسى عليهما السلام، واعلم أن الله أعلم بما يصلحك وهو أحكم الحاكمين، وتذكر في حياتك كم هي الأمور التي كنت تحسبها شراً ثم تبين لك أنها خير ومصلحة لك. 
وها هو نبيُّ الله يوسف عليه الصلاة والسلام، كاد له إخوته كيداً وأرادوا أن يخفضوا من شأنه ومكانته، فجَعَلَ اللهُ كيدَهم رِفْعَةً ليوسف عليه السلام وجعله عزيز مصر، فإرادة الله غالبة وهي فوق إرادة الكل، وصَدَقَ الله: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً). 
فلا مكان في الوجود للمصادفة العمياء، فكل ما يحصل هو بإرادة الله وحكمته وتقديره، قال سبحانه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)، وقال: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)، فكل أمر له حكمة. ولكن هذه الحكمة قد تغيب عن الناس ولا يدركونها. 
ثم إنَّ الدنيا دارُ ابتلاء واختبار للعباد، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإلَينَا تُرجَعُونَ)، فالصحة والمرض، والغنى والفقر، وكل ما في هذه الدنيا من خير أو شر، هو امتحان للناس، فعطاء الله ومنعُه في الدنيا لا يستدل به على رضوان الله عن العبد أو سخطه ، فهو يعطي الصالح والطالح، ويمنع الصالح والطالح؛ إنه يعطي ليبتلي، ويمنع ليبتلي، والمعول عليه هو: نتيجة الابتلاء، فمن صبر على الضَرَّاء وشكر عند السرَّاء، فهو من المفلحين. 
قال عبد الملك بن أبجر: ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره، أو مبتلى ببلية لينظر كيف صبره. 
فما على المؤمن إلا أنْ يأخذ بالأسباب ثم يطمئن إلى حكمة الله وعدله ورحمته، (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

طريق النجاة


نعيش في هذه الأزمنة فتناً كبيرة ، ومتغيرات خطيرة ، تعصف بنا كعصف الريح العاتية بالورقة اليابسة , فتن تمر على العباد كقطع الليل المظلم ، تتبدل فيها الأحوال وتتغير فيها النفوس ، وتضيق بها صدور أهل الحق , وقد اخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن وقوع الفتن وعمومها وشدة خطرها ، فقال عليه الصلاة والسلام : (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً , ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، ومن يشرف لها تستشرفه ، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به) 
 وهذه بعض الأدلة التي تدل على كثرة الفتن ، وتتابعها ، وعموم البلوى بها ، وأنه لا يكاد يسلم منها أحد , وهذا يفيد أن المسلم بحاجة إلى الثبات على الدين والحرص على القيم الإسلامية والفطرة السليمة والتصدي لهذه الفتن ، والثبات يحتاجه حتى الأنبياء والرسل، قال تعالى : (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في سجوده : (اللهم مثبت القلوب ثبت قلبي على طاعتك) فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يهتم بطلب الثبات ويدعو الله تعالى به في سجوده ، فالناس أولى وأحرى إلى ذلك.
ومن أعظم الأسباب في تحقيق الثبات على الدين أن يعتصم المسلم بالكتاب والسنة ، فإنهما الأصل , وأساس الخير ، وحزام الأمان من الضلال بعد الهدى ومن الحور بعد الكور ، فمن اعتصم بهما فقد هُدي ، ومن استمسك بهما فقد فاز وأفلح ، وقد ضمن الله – تعالى - لمن تمسك بهما أنه لا يضل ولا يشقى ، قال تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) 
 وقد لخص الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى- حقيقة الاعتصام بالقرآن العظيم بقوله : ( وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم ، ومعقولاتهم ، وأذواقهم , وكشوفاتهم , ومواجيدهم , فمن لم يكن كذلك فهو مُنسل من هذا الاعتصام فالدين كله في الاعتصام به وبحبله ، علماً وعملاً ، وإخلاصاً واستعانةً ، ومتابعةً ، واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة ) , وقد أجمع المسلمون أنه لا مخرج للعبد من الفتن المتلاحقة والبلايا المتعاقبة إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة ، وأجمعوا على أن من أعظم أسباب حلول الفتن مخالفة الكتاب والسنة ،كما قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وختاماً ... فإن الواجب على المسلمين الإقبال على القرآن الكريم والسنة المطهرة قراءةً وحفظاً وتعلماً وتدبراً وتعليماً والتحاكم إليهما ، ونبذ جميع الأعراف والتقاليد والعادات والأنظمة المخالفة لهما وتقديمهما على كل شيء ، وجعلهما حكماً عند التنازع والاختلاف ، فلا نقدم عليهما رأياً ولا نظاماً ولا سياسةً ولا عقلاً ولا شهوةً ولا مذهباً ، ولا أي شيء ، كما قال تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) 
 ويجب على طائفة – بقدر الكفاية - من علماء المسلمين وطلاب العلم المتمكنين ببذل الأوقات واستخدام شتى الوسائل في بث أخبار اليقين بنصر الدين , والإهتمام ببناء النفوس , وتربيتها التربية الإيمانية السلفية ؛ لمواجهة المرحلة المستقبلية لهذه الأمة . والحرص التام على نشر جهاد الكلمة والبيان بالحكمة البالغة والحجة الدامغة لكتم الأفواه التي تنادي إلى نبذ الكتاب والسنة والإقبال على هدي الغرب  والسير وراؤهم .

الإعتماد على الرجاء

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد اطلعت كما أطلع غيري على بعض المقاطع التي يقوم بنشرها بعض طلبة العلم تغلب ركن الرجاء على غيرها من أركان العبادة
فأقول مستعينا بالله :
- قال الله تعالى – في وصف حال المدعوين من الملائكة والأنبياء والصالحين - : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) الإسراء/ 57 .
وقال الله تبارك وتعالى – في وصف حال الأنبياء - : ( إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .
فالمؤمن الموفق يجمع في عبادته بين الخوف والرجاء، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ {الزمر: 9}.
وكثيرا ما يقترن بالخوف والرجاء أمر ثالث وهو التذكير بعظمة الله تعالى ونعمه المتكاثرة على عباده، مما يثمر محبة الله تعالى، وبهذا تتحقق عبودية الله، كما في قوله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ {غافر:3}.
وقد بوب البخاري في صحيحه باب: باب الرجاء مع الخوف.
- قال الحسن -رحمه الله تعالى-: "إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني لأحسن الظن بربي، وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل".
وقال أحد السلف: "رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان".
- حين لا تستوعب نصوص الرجاء، ولا تفهم مدلولاتها، تتمادى النفوس في طغيانها، ويأسرها هواها، بل ترتكب المعاصي، وتنتهك الحرمات، ويتحايل على المحظورات، فهم لا يتذكرون من أسماء الله وصفاته إلا أنه غفور رحيم، كريم، ودود، ودليلهم في كل حين، أن الإسلام دين السماحة واليسر.
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد"رواه مسلم
- والنصوص الشرعية من الآيات والأحاديث السنية، تربي على الخوف والرجاء، فهما رفيقان ينبغي أن لا يخلو قلب المؤمن منهما، وإن غلب أحدهما حينا وغلب الآخر حيناً آخر.
- إن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود، ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود، فلا يقود إلى قرب الرحمن، وروح الجنان، مع كونه بعيد الإرجاء، ثقيل الأعباء، محفوفاً بمكاره القلوب، ومشاق الجوارح والأعضاء إلا الرجاء، ولا يصد عن نار الجحيم، والعذاب الأليم مع كونه محفوفاً بلطائف الشهوات، وعجائب اللذات، إلا سياط التخويف.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : 
ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري [ الحرورية : هم الخوارج ] ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن .
- فمتى خلا القلب من هذه الثلاث : فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا . ومتى ضعف فيه شيء من هذه: ضعف إيمانه بحسبه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/21)
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" الواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله ، ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل ؛ ولكن يحذر معاصي الله ، ويخافه ولا يأمن ، بل يكون بين الخوف والرجاء " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/ 38)
- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن غلب عليه الرجاء ؛ وقع في الأمن من مكر الله ، وإن غلب عليه الخوف ؛ وقع القنوط من رحمة الله ، وكلاهما من كبائر الذنوب " لقاء الباب المفتوح" (11/ 7)
- وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله :
متى يجد العبد طعم الراحة ؟
فقَالَ: " عند أول قدم يضعها فِي الجنة "طبقات الحنابلة" (1/ 293) .
- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والعبادة مبنية على أمرين عظيمين ، هما : المحبة ، والتعظيم ، الناتج عنهما : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهَباً ) الأنبياء/ 90 ، فبالمحبة تكون الرغبة ، وبالتعظيم تكون الرهبة ، والخوف " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 8 / 17 ، 18 ) .
- قال ابن القيم في مدارج السالكين أنواع الرجاء:
الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان ونوع غرور مذموم.
فالأول : رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه،
والثاني : ورجلٌ أذنب ذنوباً ثم تاب منها فهو راجٍ لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث: رجلٌ متمادٍ في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عملٍ فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب
الفرق بينه وبين الغرور.
قال يحيى بن معاذ:
من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله -تعالى- بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط.
- متى يصح الرجاء
قال ابن القيم رحمه الله اجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل"مدارج السالكين ،واعلموا أن الجمع بين الخوف والرجاء
١ - يثمر لكم العمل الصالح والإكثار من الحسنات،
٢ - والتوبة من الذنوب والسيئات، فكونوا دائما بين الخوف والرجاء
قال الشيخ صالح الفوزان :لا تغفلوا عن هذا الأصل فإنه أصل عظيم، ومن غفل عنه هلك وتاه، فمن قنط من رحمة الله خسر، ومن أمن من مكر الله خسر
فكونوا بين الخوف والرجاء بمعنى: أنكم إذا تذكرتم النار والعذاب تتوبون إلى الله عز وجل وتتوقفون عن الذنوب والمعاصي والسيئات، وإذا تذكرتم الجنة وثوابها تكثرون من الحسنات
فإن الجنة لا تنال بالتمني وإنما تنال بالأعمال الصالحة بعد رحمة الله سبحانه وتعالى، فليس الإيمان بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال
ختاماً : فالذي يؤمن بالجنة والنار يعمل لهما، يعمل للجنة فيكثر من الحسنات ويعمل ما ينجيه من النار فيتجنب السيئات والخطيئات ولا أحد يسلم من الذنوب إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى، ولكن الله فتح بابه للتائبين وهذا من رحمته سبحانه أنه لا يعاجلهم بالعقوبة؛ بل يمهلهم، ويدعوهم إلى الجنة وإلى التوبة، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه (وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)
هذا ما تيسر جمعه وبيانه نسأل الله أن يجعلنا من الراجين لرحمته الخائفين عقابه وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، والحمد لله في الآخرة والأولى، وصلى الله على نبيه المصطفى.

ملخص أحكام الصيام من كتاب : الدروس الفقهية للشيخ محمد بن صالح العثيمين

🔘 تعريف الصيام : 

التعبد لله بترك المفطرات من طلوع
الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
🔘 متى فرض الصيام؟
في السنة الثانية من الهجرة.
🔘 مراحل فرض الصيام :
1⃣ فرضية صيام يوم عاشوراء.
2⃣ التخيير بين الصيام والفدية.
3⃣ فرضية صيام رمضان.
🔘 الحكمة من فرضية صيام رمضان :
بينتها الآية بقوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
وقال صلى الله عليه وسلم : "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
🔘 ما يثبت به دخول رمضان :
يثبت دخول رمضان بواحد من أمرين :
1⃣ برؤية هلاله.
2⃣ بإكمال شعبان ثلاثين يوما.
🔘 حكم صيام يوم الشك :
الأرجح أن صيامه دائر بين التحريم والكراهة، لحديث عمار بن ياسر معلقا عند البخاري : "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم".
🔘 من يلزمه صوم رمضان أداء؟
1⃣ المسلم.
2⃣ البالغ.
3⃣ العاقل.
4⃣ المقيم.
5⃣ الخالي من الموانع (الحيض والنفاس).
6⃣ القادر.
وإذا تخلف شرط من هذه الشروط فإن الصوم لا يجب أداء، لكن ثلاثة لا يجب أداء ولا قضاء : الإسلام والعقل والبلوغ، وأما الإقامة والقدرة وعدم المانع فلا يجب أداء، لكنه يجب قضاء.
🔘 أحكام العاجز عن الصوم :
العاجز عن الصوم نوعان :
النوع الأول : العاجز عجزا مستمرا دائما : فإنه يجب عليه الإطعام لكل يوم مسكينا ولا يصوم.
النوع الثاني : العاجز عجزا طارئا شرعيا أو حسيا، فالطارئ الشرعي مثل الحيض والنفساء، والطارئ الحسي مثل المريض الذي يرجى برؤه : فلا يجب عليه الصوم أداء، لكن يجب عليه الصيام قضاء.
🔘 حكم الصيام في السفر :
لا يخلو المسافر من ثلاثة أحوال :
1⃣ أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة جدا : فالصوم في حقه حرام.
2⃣ أن يشق عليه مشقة محتملة :
فالصوم في حقه مكروه.
3⃣ أن لا يشق عليه الصوم : فهذا يكون الصوم في حقه والفطر سواء.
• وهنا أيهما أفضل؟
ذهب الإمام أحمد إلى أن الفطر أفضل، وذهب الشافعي إلى أن الصوم أفضل (وهو الراجح).
وذلك ﻷن الصيام فيه عدة مميزات :
- ﻷنه اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له.
- فيه الإسراع بإبراء الذمة.
- أيسر وأسهل على المكلف غالبا.
- ﻷنه وافق الزمان الفاضل.
🔘 مسألة : لو أسلم كافر أثناء نهار رمضان؛ هل يلزمه الإمساك والقضاء؟
الصحيح : أنه يلزمه الإمساك دون القضاء؛ ﻷنه حينما أسلم صار أهلا للوجوب، وأما قبل ذلك لم يكن من أهل الوجوب فلم يكن مخاطبا به.
ومثله الكافر الصغير إذا بلغ، أو المجنون إذا رد الله عليه عقله عند زوال الشمس؛ فإن عليه الإمساك دون القضاء.
🔘 مسألة : لو أقام المسافر أو زال العجز أو طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار : فالصحيح أن عليه القضاء دون الإمساك بقية اليوم.
• وأما من قال : أن عليه الإمساك بقية اليوم، تعليلا باحترام الزمن؛ فإننا نقول : الاحترام على من كان أهلا للوجوب، وهذا ليس من أهل الوجوب.
🔘 مسألة : إذا ثبت رؤية الهلال في أثناء النهار؛ فهل يلزمهم الإمساك والقضاء؟ أم يلزمهم الإمساك دون القضاء؟ أم القضاء دون الإمساك؟
فالصحيح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يجب الإمساك دون القضاء.
فيلزمهم الإمساك؛ ﻷنه ثبت أنه يوم من رمضان. ولا يلزمهم القضاء؛ ﻷنهم أكلوا وشربوا في أول النهار جاهلين غير عالمين.
🔘 حكم صوم الحامل والمرضع :
الصحيح : أن الحامل والمرضع إذا أفطرا لمصلحة ولديهما، أو خوفا على أنفسهما؛ أنه يلزمهما القضاء فقط، ولا يلزمهما الإطعام.
• وحكمهما حكم المرضى، وتقاس عليه الحبلى.
🔘 من احتاج للفطر لدفع ضرورة غيره،أو للجهاد في سبيل الله تعالى :فإنه يفطر قياسا على فطر الحامل والمرضع، وصورته : لو رأى إنسانا غريقا ولم يتمكن من إنقاذه إلا بالفطر؛ فله ذلك، وعلى هذا فقس.
🔘 حكم النية في الصوم :
واجبة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام :
"إنما الأعمال بالنيات".
🔘 كيفية النية في الصوم :
النية تصير بشيئين :
1⃣ نية للصوم. 
2⃣ نية للتعيين في رمضان.
🔘 متى يكون زمن النية؟
يكون قبل الفجر، يعني : ينوي أنه صائم اليوم قبل طلوع الفجر عليه.
والمذهب أنه يجب تجديد النية كل ليلة في رمضان، والصحيح : أنه يكفي النية من أوله؛ ﻷن كل مؤمن قد عزم عزما أكيدا على أنه إذا دخل شهر رمضان فهو صائم جميع أيامه إلا لوجود مانع.
النية المعلقة : وهي أن يقول : إن كان غدا من رمضان فأنا صائم. ولم يقم إلا بعد الفجر، وإن لم يكن فلا، فلا بأس بها.
🔘 مفطرات الصيام :
1⃣ الجماع في الفرج.
- ويوجب الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
2⃣ إنزال المني بمباشرة أو محاولة فعلية.
- الإنزال لا بد أن يكون معه عمل، فلو أنزل بتفكير دون عمل فإنه لا فطر به، حتى ولو كان قولا.
- وكذلك النظر، فلو نظر إلى امرأة نظرة واحدة فحصل إنزال فإنه لا يفطر بذلك.
3⃣ الأكل والشرب : مفطران بالنص والإجماع.
- قال بعض العلماء : الذي لا يذوب مثل الحديد، والذي لا يغذي لا يفطر، لكن هذا القول ضعيف، والصحيح أن الأكل والشرب يفطر مطلقا، فما دام أنه أكل وشرب فهو مفطر.
- والأكل والشرب سواء كان له جرم أم ليس له جرم، وسواء كان من الفم أم من الأنف أو من غيرهما، ووصل إلى المعدة فإنه يفطر.
4⃣ ما بمعنى الأكل والشرب : كالحقن المغذية.
- أما بقية الإبر التي للدواء فلا تفطر مطلقا، سواء كانت من الوريد أو من العضلات.
- أما (حقن الدم في المريض) ففي السابق كنت أجزم بأنه يفطر، ثم ظهر لي أن حقن الدم لا يفطر؛ ﻷنه ليس أكلا ولا شرابا ولا بمعناهما. 
5⃣ القيء باستدعاء : وهو إخراج ما في المعدة من المعدة، لكن بشرط أن يكون الإنسان هو الذي استدعاه بنفسه.
6⃣ خروج الدم بالحجامة.
- مذهب الأئمة الثلاثة وجمهور العلماء أنها لا تفطر، ومن العلماء من يرى أنها تفطر، ومنهم الإمام أحمد.
- وعندي أنا أن الفطر بالحجامة ليس بالقوي، ولو قضاه احتياطا لكان حسنا، أما الجزم به فلا يسعنا عند الله عزوجل.
7⃣ ما جرى مجرى خروج الدم بالحجامة، مثل : الفصد والتشريط فهما معدودان من وسائل إخراج الدم.
- من ذلك أيضا إخراج الدم للتبرع به.
- وخروج الدم بقلع ضرس ليس بمفطر، والرعاف ليس بمفطر، وجرح اليد أو الرجل وخروج الدم سواء بحديدة أو مسمار أو غيره ليس بمفطر، وإخراج الدم لقياسه واختباره لا يفطر لقلته. 
8⃣ خروج دم الحيض والنفاس.
- ولو خرج دم الحيض أو النفاس
بعد غروب الشمس بلحظة لا تفطر.
🔘 شروط الفطر بالمفطرات :
1⃣ العلم وضده الجهل.
2⃣ الذكر وضده النسيان.
3⃣ الاختيار وضده الإكراه.
- فجميع المفطرات الثمانية السابقة - غير الحيض والنفاس - لا يفطر صاحبها إلا بتحقق هذه الشروط الثلاثة.

2017-05-18

يا نفس توبي {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}



إن الله هو التواب الرحيم؛ لكثرة قبوله توبة العباد حالًا بعد حال، وإن تكررت الذنوب، فهو التواب الذي ييسر لعباده وسائل التوبة، ثم يتوب عليهم.
وهو الرحيم الذي يرحم عباده مهما أساءوا، فيقبل توبتهم، ويبدل سيئاتهم حسنات قال تبارك وتعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البَقَرَة: 37].
وهذا مما يزيد العبد المؤمن رغبةً ورجاءً، حين يعلم بأن التواب وصف لازم للرب سبحانه، فلا ييأس من رحمته أحد:{إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يُوسُف: 87].
قال ابن القيم رحمه الله:
وكذلك التوَّابُ من أوصافه --- والتَّوبُ في أوصافه نوعان
إِذنٌ بتوبةِ عبدِه وقبولُها --- بعد المتاب بمنَّةِ المنان
إن الله هو العفو الغفور، الرحيم الغفار، الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفًا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفًا، فكل واحد من عباده مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما أن الكل مفتقر ومضطر إلى كرمه ورحمته.
قال سبحانه: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النُّور: 22].
هو الغفور سبحانه الذي يستر العبد، ويغفر الذنب، يفعل ذلك مرة بعد مرة إلى ما لا يحصى.
هو السِتِّير الذي يحب الستر لعباده، ويستر ذنوبهم،بل وأمرهم أن يستروا عوراتهم، وألَّأ يجاهروا بمعاصيهم في الدنيا؛ ليسترها عليهم في الدنيا الآخرة.
يقول ابن القيم رحمه الله :
وهو الحيِيُّ فليس يفضحُ عبدَه --- عند التجاهرِ منه والعصيانِ
لكنَّـــه يُلقي علــيه سِـــتْرَه --- فهو السَّتِيرُ وصاحبُ الغفرانِ
وهذا جدير بأن يدفع المسلم إلى الإسراع بالتوبة، ثم الاستبشار بأن الله يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويمحو أثرها. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[الشّورى: 25].
والله يفرح بتوبة العبد، وهذا من رحمته بعباده، وعظيم لطفه بهم، فضلًا عن قبول التوبة والأمر بها، وقد جاء ما يؤكد ذلك في سنة الهدى والرحمة؛ ليكون دليلًا شاهدًا على أن هذا الدين - بحمد الله - كله خير وفضل ورحمة للعباد، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبيَاء: 107].
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ" .
إنه رجل بأرض فلاة ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فَضَلَّت عنه، فذهب يطلبها فلم يجدها، فبقي ليس حوله أحد، لا ماء، ولا طعام، ولا أناس، فلما أيس من راحته وحياته؛ ذهب إلى شجرة ونام تحتها ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذ بناقته عنده قد تعلق خطامها بالشجرة التي هو نائم تحتها، فبأي شيء يُقَدَّرُ هذا الفرح؟! إنه فرح عظيم لا يتصوّره إلا من وقع في مثل حاله، إنه فرح بالحياة بعد الممات؛ لذا أخذ بخطام ناقته وأراد أن يثني على الله فيقول: "اللهم أنت ربي وأنا عبدك"؛ لكنه من شدة الفرح قلب القضيَّة فقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك"
وفي هذا دليل على أن الله عز وجل يحب ويفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه فرحًا عظيما يليق بجلاله وعظمته ولا يشبهه فرح المخلوقين، ليس لحاجته إلى أعمالنا وتوباتنا، فإن الله غني عنا وعن طاعاتنا وتوباتنا؛ ولكن لعظيم كرمه؛ فالعفو والمغفرة أحب إليه من أن ينتقم ويؤاخذ.
وهذا الفرح من الله بتوبة عبده لم يأت نظيره في غيرها من الطاعات، وهذا دليلٌ على عظم قدر التوبة، وفضلها عند الله. ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان، وأن أمرها عظيم، لم يكن الرب تبارك وتعالى ليفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم.فهو سبحانه يحب من عباده أن يتوبوا، ويريد التوبة منهم، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النِّسَاء: 27].
قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» 
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي --- جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته --- بعفوك ربي كان عفوك أعظما

***

2017-05-12

كنوز رمضان


هل تعلم أنّ هناك ثلاث طبقات في الخَلْق؟!..
هذه الطبقات كالتالي:
١- طبقة الآدمية.. ٢- طبقة فوق طبقة الآدمية وهي طبقة الملائكية..
٣- طبقة تحت طبقة الآدمية وهي طبقة الحيوانية
..
إنّ المطلوب من المسلم أن يعلو نحو طبقة الملائكية، ويبتعد عن طبقية الحيوانية، وذلك بأن يتقرب ويتعبد لله تعالى كما هو حال الملائكة مع الله عزوجل، فيحرص على ما يحب الله ويبتعد عما يسخط الله، ويتأكد هذا التعبد والتقرب في مواسم النفحات والخيرات، وأزمنة الطاعات والبركات، وهي مواسم تفضل الله بها على عباده ليغتنموها ويتعرضوا لها، وفيها يَقبَل منهم التوبةَ والذكر وأنواع الأعمال والأقوال الصالحة.
جاء في السنة الشريفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ» رواه الطبراني وحسنه الألباني.
ومن جملة هذه النفحات التي سخرها الله للمسلم : شهر رمضان المبارك.
ذلك أن شهر رمضان دورة تدريبية على السباق إلى الله التواب الرحيم، والاعتكاف والانطراح على أعتاب الغفور الودود.
رمضان شهر كريم، شرَّف الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بصيامه، فلم تصُمْه أمة قبلها، وجعل صومه وقيام لياليه مغفرة لما سلف من الذنوب، وفيه خير ليلة في السنة كلها.
رمضان شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتصفد فيه الشياطين، ويعتق الله تعالى عند كل فطرٍ عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة منه.
شهرٌ هذا فضْلُه وشأنُه، حَرِيٌّ بالمسلم الصالح الحريص على الخير أن يهيئ نفسَه لاستقباله، وأن يُنجزَ فيه من التقربات والعبادات ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
إليكم مجموعة مقترحة من كنوز العبادات في رمضان:
1- الاستبشار بحلوله والفرح بقدومه:
وهذا ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص عليه ، فقد كان يبشِّر أصحابه بقدومه؛ فيقول: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" رواه أحمد وصححه الألباني.
2- تعلُّم أهمّ المسائل الواجبة المتعلقة بفريضة الصيام، والتي لا يصحّ الصيام إلا بها:
وذلك بقراءة كتاب مختصر، أو سؤال أهل العلم والمشايخ، أو زيارة الشبكات الفقهية والمواقع العلمية الموثوقة في الانترنت.
وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بعمومه في كل عملٍ يُقْبِل عليه المسلم؛ فقال: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
3- التوبة الصادقة من الذنوب والمعاصي، ومن التقصير في حق الله تعالى علينا:
فإذا كانت التوبة والإنابة إلى الله متأكِّدة في كل وقت، فهي في شهر رمضان آكد.
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" الآية. سورة التحريم آية 8.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ" رواه مسلم.
4- قيام ليالي رمضان:
وهي صلاة التراويح وصلاة التهجد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.
وقد كان قيامُ الليل دَأَبَ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه. قالت عائشة رضي الله عنها: "لا تَدَعْ قيامَ الليل، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يَدَعُه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً" رواه أبوداود وصححه الالباني.
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من قام مع إمامه حتى ينصرف؛ كُتِبَ له قيامُ ليلة" رواه أهل السنن.
5- قراءة القرآن:
شهر رمضان هو شهر القرآن ، فقد نزل فيه أعظمُ وأقدسُ كلامٍ: "شهر رمضان الذي أُنْزِلَ فيه القرآن"، وكان جبريل عليه السلام يدارس النبيَّ صلى الله عليه وسلم القرآنَ في شهر رمضان. وكانت للصالحين أحوال عجيبة عظيمة مع القرآن في رمضان؛ فقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان التابعي الجليل الأسود بن يزيد النخعي رحمه الله يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكان الإمام التابعي الجليل محمد ابن شهاب الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يَفِرُّ من الحديث الشريف ومجالسة أهل العلم ويُقْبِل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان الإمام سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان تَرَكَ جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
يقول الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القَدْر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها؛ فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن، اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان. انتهى من كتاب لطائف المعارف ص 171.
6- الصدقة:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ" متفق عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة صدقةٌ في رمضان" رواه الترمذي.

والنصوص من القرآن والسنة كثيرة جدا في فضل الصدقة، لكن للصدقةِ في رمضان مزيةٌ وخصوصيةٌ وذلك لشرف الزمان.
وللصدقة صُوَرٌ كثيرةٌ، منها:
أـ إطعام الطعام :
قال الله تعالى في شأن صفات الأبرار: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرةً وسروراً وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً" سورة الإنسان 8 ـ 12.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : "أيما مُسلِمٍ كسا مسلماً ثوباً على عُرْيٍ؛ كساه الله من خُضْرِ الجنة، وأيما مسلم أطعمَ مسلماً على جُوع؛ أطعمه الله مِن ثمار الجنة، وأيُّما مسلمٍ سقى مسلماً على ظمإٍ؛ سقاه الله عز وجل من الرحيقِ المختوم" رواه أبوداود وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط.
وكان الصحابي صهيب الرومي رضي الله عنه يُطعِم الطعام الكثير، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ياصهيب ، إنك تُطْعِم الطعام الكثير، وذلك سَرَف في المال. فقال صهيب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خياركم مَن أطعم الطعام، وَرَدّ السلام" رواه أحمد وحسنه الألباني.
وكان كثيرٌ من السلف يُؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل رحمة الله عليهم.
وما من شك أن إطعام الطعام وسيلة للتودد والتحبب إلى الطاعمين، وهو بدوره سبب لدخول الجنة : "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابّوا" رواه مسلم.
ب- تفطير الصائمين:
قال صلى الله عليه وسلم : "مَنْ فطَّر صائماً كان له مِثْلُ أجْره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيءٌ"رواه أحمد وصححه الألباني.
ج- سقْي الماء:
وخاصة مع اشتداد الحر؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة سَقْي الماء" رواه أحمد وصححه الالباني.
وهي من أفضل الصدقات الجارية للميت، فقد أتى سعدُ بن عبادة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي توفِّيَتْ ولم تُوصِ، أفينفعها أن أتصدق عنها؟. قال: "نعم، وعليكَ بالماء" رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني.
وقد ورد أن الإمام المحدِّث الحاكم النيسابوري رحمه الله أصابته قُرْحةٌ في وجهه، قريباً من سَنَةٍ، فتصدق على المسلمين بوضْع سقايةٍ على باب داره، فشرب منها الناس، فما مرّ عليه أسبوعٌ إلا وظهر الشفاءُ وعاد وجهُه أحسنَ ما كان.
7- الدعاء:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص أيام شهر رمضان: "ولكلِّ مسلمٍ في كل يوم وليلة دعوةٌ مستجابة" رواه الطبراني وقال الألباني: صحيح لغيره.
والمتدبر لآيات الصيام في سورة البقرة، يلاحظ أن الله تعالى قد ذكر آية الدعاء في ثنايا آيات الصيام: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" سورة البقرة آية ١٨٦.
وما ذاك إلا ليتقربوا إلى الله بالدعاء الذي هو من أعظم العبادات.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أعجزُ الناس مَنْ عَجِز عن الدعاء" صححه الألباني.
8- زيارة البيت الحرام في مكة لأداء العمرة:
فعن ابْن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: "مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟. قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران]، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً" متفق عليه، وفي رواية لمسلم: "حجةً معي".
ولا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حجِّ الفريضة، بمعنى أنّ من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمّتُه من أداء الحج الواجب.
لذلك كان المقصود من الحديث تشبيهُ العمرةِ بالحجِّ من حيث الثواب والأجر، وليس من حيث الإجزاء.
9- الاعتكاف:
وهو لزوم المسجد بنية مخصوصة طاعةً وتقرّبًا لله تعالى، وهو مشروعٌ مستحبٌّ باتفاق أهل العلم، وقد ورد فيه حديثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. رواه البخاري ومسلم. وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرةَ أيام، فلما كان العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوما. رواه البخاري.
فالاعتكاف عبادةٌ جمّاعةٌ لكثير من الطاعات من تلاوة القرآن، وذكر الله عمومًا، والدعاء، وصلاة القيام، وغيرها.
ويتأكد الاعتكاف أكثر في العشر الأواخر من رمضان؛ تحرِّياً لليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهرٍ.
10- تحري ليلة القدر:
قال الله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر" سورة القدر الآيات 1ـ3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "للَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" رواه أحمد وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحريها ، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أنهم كانوا يغتسلون ويتطيبون في ليالي العشر الأواخر مما يدل على عنايتهم الشديدة بتحرِّي هذه الليلة المباركة.
وقد صحّ أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟. قَالَ: "تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ، تُحِبُّ الْعَفْوَ؛ فَاعْفُ عَنِّي "رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

11- صلة الرحم:
صلة الرحم من من محاسن الأخلاق، ومن العبادات الاجتماعية التي حثّ عليها الشرعُ في مطلق الأوقات، فقد دعا الله عزوجل عباده إلى صلة الأرحام في تسع عشرة آية من القرآن الكريم، ولهذا حرص سلفُ هذه الأمة على صلة أرحامهم، رغم صعوبة التواصل في زمانهم، لذا صار موضوع صلة الأرحام يسيرا سهًلًا في وقتنا الحاضر، مع توفر وسائل الاتصال بأنواعها، ووسائل المواصلات بأشكالها.
ولصلة الرحم طعمٌ آخر في رمضان، حيث تتبادلُ الأُسَرُ والعوائل والجيران الزياراتِ والتهاني وأطباقَ الأكل وأنواع الشراب والهدايا ونحوها، لذلك كانت صلة الأرحام من الأعمال الحسَنة والطيِّبة التي يستحسن التأكيد عليها في شهر الخير.
وقد دلّ على فضل صلة الرحم مجموعةٌ كبيرةٌ من الأحاديث الصحيحة، منها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يبسط في رزقه، وينسأ في أجله؛ فليصل رحمه" رواه البخاري. ومعنى ينسأ: أي يؤخّر.
إن أدنى مراتب صلة الرحم أن يصِلَ المسلمُ أرحامَه بالكلام ولو بالسلام. روى ابنُ عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بُلُّوا أرحامَكم ولو بالسلام" أخرجه البزار والطبراني وحسنه الألباني. بُلُّوا: أي ندُّوها بِصِلَتِها، وهم يطلقون النداوة على الصلة، كما يطلقون اليبس على القطيعة.
12- تفنّن في التقرب والتعبد لله تعالى بما يمكنك وبما تتقنه، والأمر متروك لكل واحدٍ منّا، من زيارة مريض، أو اتباع جنازة، أو إدخال سرور، أو كفالة يتيم، أو كسوة عيد، ونحو ذلك، فابحث لك عن كنزٍ تتقرب به إلى الله في هذا الشهر الكريم، فأنت الحكم على نفسك لإي نهاية المطاف.
تقبل الله مني ومنكم.

2017-05-04

شعبان ورفع الأعمال


لكل منا صحائف تسجل فيها الأعمال وهي ترفع في كل عام في شهر شعبان .
كما أن هناك رفع أسبوعي ويومي ( كما سيأتي).
والسؤال الذي يطرح الآن : كيف تحب أن يرفع عملك؟!
والجواب في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه عندما قال
يا رسولَ اللَّهِ ! لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ ؟ ! قالَ : ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ.
فقد بين نبينا ﷺ أنه يحب أن يكون صائمًا عندما يرفع عمله .
والناس - غالبًا- يغفلون عن شهر شعبان إلا من رحم الله.
وذلك أن اجتهادهم يكون في شهر رجب المشهور بينهم عرفًا وفي رمضان المشهور شرعًا وهذا جعلهم يغفلون عن الطاعة في شعبان كما مر في الحديث .
وينبغي أن تعلم أن رفع الأعمال لا يقتصر على شهر شعبان وإنما هناك أربع صور لرفع الأعمال:
وهي الرفع اليومي والأسبوعي والسنوي والختامي، وقد بينها
ابن القيم رحمه الله فقال: فإن عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق، أنه ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم، ويعرض عمل الأسبوع يوم الإثنين والخميس، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار، فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله، وطويت صحيفة العمل."
وفائدة التقسيم السابق لرفع الأعمال أن نجتهد أكثر في هذه الأوقات ونملأها بالطاعات كي يرفع عملنا ونحن في صيام أو ذكر أو استغفار .
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب صومه يومي الإثنين والخميس فقال : ذانِكَ يومانِ تُعرَضُ فيهما الأَعمالُ على ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُعرَضَ عمَلي وأَنا صائمٌ. [صحيح النسائي ].
فاجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على صوم شعبان وحسب ؛ بل كان يصوم الإثنين والخميس .
وكذلك كان يرغّب بأذكار الصباح والمساء ويحث على صلاتي العصر والفجر حيث تجتمع الملائكة قبل الصعود بأعمال العباد.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم -وهو أعلم -بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون.[صحيح البخاري]
والآن بعد معرفة أوقات رفع الأعمال فأوصيك أيها القارئ وأوصي نفسي بهذه الكلمات:
احرص أن تقدم العمل الطيب فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا
اقرن عملك بالإخلاص فأعمالك بدونه تكون هباء منثورًا و لن تجني منها سوى التعب.
ليكن لك خبيئة لا تراها الأعين ولا تسمعها الآذان ولا تلتقطها العدسات .
احذر الشحناء فإنها تمنع قبول الأعمال ففي الحديث :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) . [صحيح مسلم]
داوم على الأعمال الصالحة ولو كانت قليلة ليُكتب لك أجرها ولعل الله يختم لك عليها.
أكثر من الدعاء أن يتقبل الله منك وأكثر من الاستغفار . قال بكر المزني رحمه الله: «إنَّ أعمال بني آدم ترفع، فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رُفعت بيضاء، وإذا رفعت صحيفة ليس فيها استغفار رفعت سوداء. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتقبل طاعاتنا . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.