السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2020-09-24

المعلم القدوة


 المعلم كبير في عيون طلابه، والطلاب مولعون بمحاكاته والاقتداء به؛ لذلك كان لزامًا على المعلمين أن يتصفوا بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاق والأعمال؛ فهم أحق الناس بذلك وأهلُه؛ لما تميزوا به من العلوم التي لم تحصل لغيرهم، ولأنهم قدوة للناس. 

المعلم كبير في عيون طلابه، والطلاب مولعون بمحاكاته والاقتداء به؛ لذلك كان لزامًا على المعلمين أن يتصفوا بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاق والأعمال؛ فهم أحق الناس بذلك وأهلُه؛ لما تميزوا به من العلوم التي لم تحصل لغيرهم، ولأنهم قدوة للناس.  

 فإذا كانوا كذلك أثَّروا على طلابهم، وانطبع من تحت أيديهم على أخلاق متينة، وعزائم قوية، ودين صحيح.   وإن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلًا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان بنفسه صالحًا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين.  

 ولقد كان السلف الصالح -رضي الله عنهم - يستعينون بالعمل على العلم؛ لأن العلم إذا عُمِل به نما، واستقر، وكثرت بركته.   وإذا ترك العمل به ذهبت بركته، وربما صار وبالًا على صاحبه؛ فروح العلم، وحياته، وقوامه إنما هو بالقيام به عملًا، وتخلقًا، وتعليمًا، ونصحًا؛ فالشرف للعلم لا يثبت إلا إذا أنبت المحامد، وجلب السعادة، وأثمر عملًا نافعًا.  

 ومما يحقق ذلك قوله -تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]

  فانظر كيف ذم الله الذين درسوا التوراة، وأتوا عليها تلاوةً، ثم أحجموا عن العمل بموجبها -في أسلوب بليغ؛ فضرب في وصفهم مَثَلَ الحمار يحمل الأسفار؛ من حيث خلوهم عن المزية، وعدم استحقاقهم للحاق بزمرة العلماء؛ إذ لا ميزة بين من يحمل كتب الحكمة على غاربه وبين من يضعها داخل صدره أو دماغه إذا صدَّ وجهه عن العمل بها.   

وتنسحب هذه المذمة على كل من حفظ علمًا طاشت به أهواؤه عن اقتفائه بصورة من العمل تطابقه . 

    قال الخطيب البغدادي: فإن العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملًا . 

  وقال: فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشًا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرًا في العمل، ولكن اجمع بينهما وإن قلَّ نصيبُك منهما .   

قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيته للمعلمين: ثم احرصوا على أن ما تلقونه لتلامذتكم من الأقوال منطبقًا على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال؛ فإن الناشئ الصغير مرهفُ الحس، طُلَعَةٌ إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها، ولا ينالها اهتمامكم، وإنه قوي الإدراك للمعايب والكمالات؛ فإذا زينتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسَّنتم له الصبر فكونوا من الصابرين.  

 واعلموا أن كل نقشٍ تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشًا في نفوسكم فهو زائل، وأن كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلًا في أرواحكم - فهو لا محالة ناصل حائل، وأن كل سحر تنفثونه؛ لاستنزالهم غير الصدق -فهو باطل. 

  ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة. 

   وقال في موطن آخر: وأعيذكم بالله يا أبنائي أن تجعلوا اعتمادكم في تربية الصغار للرجولة على البرامج والكتب؛ فإن النظم الآلية لا تبني عالمًا، ولا تكوُّن أمة، ولا تجدد حياة.  

 وإنما هي ضوابط وأعلام ترشد إلى الغاية، وتعين على الوصول إليها من طريق قاصد، وعلى نهج سويٍّ.  

 أما العمدة الحقيقية في الوصول إلى الغاية من التربية -فهي ما يفيض من نفوسكم على نفوس تلاميذكم الناشئين من أخلاق طاهرة قويمة يحتذونكم فيها، ويقتبسونها منكم، وما تبثونه في أرواحهم من قوة عزم، وفي أفكارهم من إصابة وتسديد، وفي نزعاتهم من إصلاح وتقويم، وفي ألسنتهم من إفصاح وإبانة.   وكل هذا مما لا تغني فيه البرامج غناء .  

 وقال: كونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال، والأحوال، والأقوال، لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال والأحوال، ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال. 

  وإن الكذب في الأحوال أضر على صاحبه وعلى الأمة من الكذب في الأقوال؛ فالأقوال الكاذبة قد يُحترز منها، أما الأحوال الكاذبة فلا يمكن منها الاحتراز .   

وبعد هذا قد تقول -أيها المعلم الكريم -: أنَّى لي أن أكون قدوةً وأنا مقصر في نفسي؟ وكيف وأنا أعاني من بعض النقائص ونفسي تميل بطبعها إلى بعض الأخلاق المرذولة؟ وكيف أنصح للطلاب وأنا لم أُكمِّلْ نفسي بعد؟ ألا أخشى أن أدخل في وعيد الله بقوله -عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}  [الصف: 2 -3].   

   والجواب عن ذلك أن يقال لك: ليس من شرط القدوةِ العصمةُ؛ فالعصمة إنما هي للأنبياء -عليهم السلام - فيما يبلغون به عن ربهم.   ولا يضيرك تقصيرك ما دمت مخلصًا في نصحك، حريصًا على تكميل نفسك وغيرك؛ فالسعي في التكميل كمال، ومن الذي يخلو من النقائص؟ فأي الرجال المهذب؟ ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها  ***   كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه   ولو ترك الناس النصح بحجة التقصير لما بقي ناصح على وجه الأرض، ولو كان من شرط القدرة العصمة لما بقي للناس قدوة بعد الأنبياء عليهم السلام. 

إذا لم يعِظْ في الناس من هو مذنب  ***   فمن يعظ العاصين بعد محمد  

 قال ابن حزم فَرْضٌ على الناس تَعَلُّمُ الخير والعمل به؛ فمن جمع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معًا، ومن عَلِمَهُ ولم يعمل به فقد أحسن في التعليم وأساء في ترك العمل به، فخلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا .  

 وقال:  ولو لم يَنْهَ عن الشر إلا من ليس فيه منه شيء، ولا أمر بالخير إلا من استوعبه -لما نهى أحدٌ عن شر، ولا أمر بخير بعد النبي " وحسبك بمن أدَّى رأيه إلى هذا فسادًا، وسوءَ طبعٍ، وذمَّ حال 

  وقال: وقد صح عن الحسن أنه سمع إنسانًا يقول: لا يجب أن ينهى عن الشر إلا من لا يفعله. 

فقال الحسن: ودَّ إبليس لو ظفر منا بهذه؛ حتى لا ينهى أحد عن منكر، ولا يأمر بمعروف.  

 ثم إن ميل الإنسان بطبعه إلى بعض النقائص لا ينافي التقوى إذا كان لا يغشى تلك النقائص، وكان يجاهد نفسه على بغضها. قال ابن حزم: لا عيب على من مال بطبعه إلى بعض القبائح ولو أنه أشد العيوب، وأعظم الرذائل ما لم يظهره بقول أو فعل.

بل يكاد يكون أحمد ممن أعانه طبعه على الفضائل.  ولا تكون مغالبة الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل . 

  ومع ذلك فكلما اقتربت من الكمال، وحرصت على التخلص من النقائص -عظم الاقتداء بك، وزاد الانتفاع بحكمتك؛ فلا يعني ما سبق أن تبقى على عيوبك دون سعي لعلاجها، ودون مجاهدة للترقي في مدارج الكمال.



وأصلح لي في ذريتي

 ومن علم هذه الحقيقة لهج بالدعاء والتبتل لله سبحانه أن يصلح له في ذريته ، وأن يجعلهم مسلمين لله ، مقيمي الصلاة ، جنودا لهذا الدين ، حملة لرسالته. 

من رزقه الله بولد صالح - ذكرا كان أو أنثى - فقد فاز بحظ عظيم من خيري الدنيا والآخرة ، فالأولاد في الدنيا : قرة العين ، وأنس النفس، والعون على النوائب، وهم بعد الموت امتداد للأثر ، وسبب للذكر الحسن ، وباب للحسنات والدعوات التي لا تنقطع .

 ومن أعظم ما ينبغي أن تبذل فيه الأوقات والطاقات  تربية الأبناء ورعايتهم ، لا سيما في هذه الأيام التي كثرت فيها فتن الشهوات والشبهات ، وتعاظمت الخطوب ، وتنوعت الشواغل ، وقل المعين  وندرت محاضن الدعوة والتزكية ، وزاحمتنا مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل وعيهم ووجدانهم .

 وللأسف الشديد فإن أكثرنا مقصر في حق الأبناء، ومشغول عنه بغيره من السعي وراء لقمة العيش ، مع أن الاستثمار في الأبناء تربية وإصلاحا : 

هو المشروع الرابح الذي لا يخسر صاحبه قط ، وحاجة الأبناء للرعاية والنصح والتوجيه أعظم من حاجتهم للمال .

 ويبقى أنك مهما بذلت وربيت ووجهت ، فالتوفيق والهداية والصلاح بيد الله سبحانه وحده ، الذي بيده قلوب العباد ، يصرفها كيف يشاء ، ومن هداه فلا مضل له ، ومن أضله فمن يهديه من بعد الله .

 ومن علم هذه الحقيقة لهج بالدعاء والتبتل لله سبحانه أن يصلح له في ذريته ، وأن يجعلهم مسلمين لله ، مقيمي الصلاة ، جنودا لهذا الدين ، حملة لرسالته.  {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ، ربنا وتقبل دعاء}  {وأصلح لي في ذريتي ، إني تبت إليك وإني من المسلمين } {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، واجعلنا للمتقين إماما}



في وصف الجنة


إن الحديث عن الجنة من أعظم أسباب الاستقامة وصلاح القلوب، والحديث عن الجنة لا يُمل، وكيف يمل الحديث عن دار بناها الله بيده، وجعلها مقرا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه...

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد: 
فإن الحديث عن الجنة من أعظم أسباب الاستقامة وصلاح القلوب، والحديث عن الجنة لا يُمل، وكيف يمل الحديث عن دار بناها الله بيده، وجعلها مقرا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، ومُلكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، أهلها يحيون فلا يموتون، وينعمون فلا يبأسون، ويشبون فلا يهرمون، ويصحون فلا يمرضون؟.
 وهل أقض مضاجع العابدين، وأسهر ليل المتقين، وأرَّق الصالحين إلا خوفهم أن يُحرموا دخولها؟ وهل عاش الأنبياء والمرسلون وأتباعهم من المؤمنين إلا وهم يسألون الله الجنة؟. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: «كيف تقول في الصلاة»؟  قال: أتشهد، وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ. فقال صلى الله عليه وسلم: «حولها ندندن». إنها الجنة عظيمة في اتساعها أنيقة في بنائها عجيبة في منازلها ودرجاتها. 
أما اتساعها فيدل على عظمته قول الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد]
وقوله تعالى:  {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}   [آل عمران(133]
وإليك هذه الأحاديث التي تبين لك سعة الجنة: 
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ في الجنَّةِ مائةَ درجةٍ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِ اللهِ، ما بين الدَّرجتَيْن كما بين السَّماءِ والأرضِ...»
وأعجب من ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن نصيب آخر رجل يدخل الجنة فقال: «آخرُ مَن يدخلُ الجنَّةَ، رجلٌ يمشي على الصِّراطِ، فهوَ يمشي مرَّةً، ويكبو مرَّةً، وتسفعُهُ النَّارُ مرَّةً، فإذا جاوزَها التفتَ إليها، فقال: تباركَ الَّذي نجَّاني منكَ، لقد أعطاني اللهُ شيئًا ما أعطاهُ أحدًا مِن الأوَّلينَ والآخرينَ، فتُرْفَعُ لهُ شجرةٌ، فيقولُ: أيْ ربِّ أدْنِنِي مِن هذهِ الشَّجرةِ فلأستَظِلَّ بظِلِّها، وأشربَ مِن مائِها، فيقولُ اللهُ: يا ابنَ آدمَ لعلِّي إن أعطيتُكَها سألْتَنِي غيرَها؟ فيقولُ: لا يا ربِّ، ويُعاهدُهُ أن لا يسألَهُ غيرَها، وربُّهُ يعذرُهُ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ، فيُدنيهِ منها، فيستَظِلَّ بظلِّها، ويشربَ من مائِها، ثمَّ تُرْفَعُ لهُ شجرةٌ أُخرَى، هيَ أحسنُ مِن الأُولَى، فيقولُ: أيْ ربِّ أدْنِنِي من هذهِ، لأشربَ من مائِها، وأستَظِلَّ بظلِّها، لا أسألُكَ غيرَها! فيقولُ: يا ابنَ آدمَ ألَم تُعاهِدْني أن لا تسألَني غيرَها؟ فيقولُ لعلِّي إن أدنَيتُكَ منها تسألْني غيرَها؟ فيُعاهدُهُ أن لا يسألَهُ غيرَها، وربُّهُ يعذرُهُ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ، فيُدنيهِ منها، فيستَظِلَّ بظلِّها، ويشربَ من مائِها، ثمَّ تُرْفَعُ لهُ شجرةٌ عندَ بابِ الجنَّةِ، هيَ أحسنُ من الأُوليَيْنِ، فيقولُ: أيْ ربِّ ! أَدْنِنِي مِن هذهِ، فلأستَظِلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائِها، لا أسألُكَ غيرَها ! فيقولُ: يا ابنَ آدمَ ألَم تُعاهدْني أن لا تسألَني غيرَها ؟ قال: بلَى يا ربِّ، أدْنِنِي مِن هذهِ لا أسألُكَ غيرَها، وربُّهُ يعذرُهُ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ، فيُدنيهِ منها، فإذا أدناهُ منها سمِعَ أصواتَ أهلِ الجنَّةِ، فيقولُ: أيْ ربِّ أدخِلْنِيها، فيقولُ: يا ابنَ آدمَ ما يَصريني منكَ ؟(أي يقطع المسألة بيني وبينك) أيُرضيكَ أن أُعطيَكَ الدُّنيا ومثلَها معها ؟ فيقولُ: أيْ ربِّ أتستَهزئُ منِّي وأنتَ ربُّ العالمينَ ؟ فيقولُ: إنِّي لا أستَهزئُ منكَ ولكنِّي على ما أشاءُ قادرٌ»
وحين تقرأ هذا الحديث أو تسمعه قد يرد على ذهنك سؤال مهم: إذا كان هذا نصيب آخر رجل يدخل الجنة، فكيف يكون نصيب أعلاهم منزلة؟ هذا السؤال سأله نبي الله موسى عليه السلام وكان الجواب من الله تعالى: «أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها . فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر». قال:"ومصداقه في كتاب الله عز وجل : {  {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة / من الآية - 17]
نعم إن الجنة لواسعة جدا حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في الجنَّةِ خَيمةٌ من لؤلؤةٍ مجوَّفةٍ . عرضُها ستُّونَ ميلًا . في كلِّ زاويةٍ منها أَهلٌ . ما يرونَ الآخرينَ . يطوفُ عليهِمُ المؤمنُ». هذه الخيمة فما بالك بالقصر؟ وقال صلى الله عليه وسلم: "
 إنَّ في الجنَّةِ لشجرةً، يسيرُ الرَّاكبُ في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يقطعُها". وأبواب الجنة عظيمة تدل على مدى سعة الجنة، فقد خطب عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: "
ولقد ذُكر لنا أنَّ ما بين مِصراعَين من مصاريعِ الجنةِ مسيرةُ أربعين سنةً . وليأتينَّ عليها يومٌ وهو كظيظٌ من الزحامِ".
 فإذا عرفت أن مسيرة اليوم والليلة تعادل 75 كيلو متر تقريبا فإن عرض باب من أبواب الجنة يزيد على مليون كيلو متر، وللجنة ثمانية أبواب . 
 أما بناؤها فإنه لا يخطر على بال فقد سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فقال: «لبِنةٌ من فضَّةٍ ولبنةٌ من ذَهَبٍ، وملاطُها المسكُ الأذفرُ، وحصباؤُها اللُّؤلؤُ والياقوتُ، وتُربتُها الزَّعفرانُ مَن دخلَها ينعَمُ ولا يبأسُ، ويخلدُ ولا يموتُ، لا تبلَى ثيابُهُم، ولا يفنى شَبابُهُم...»
سبحان الله ما أعجب هذا البناء وأحسنه، لبنة من فضة ولبنة من ذهب والطين الذي يوضع بينهما من المسك الخالص، والحصى على الأرض الياقوت واللؤلؤ، لكن لم العجب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فاقرءوا إن شئتم» {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.




حفظ الود



قال الإمام الشافعي رحمه الله: الحر من راعى وِدَاد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة. 
ومراده: أن مراعاة هذه الصفات مما ينال به المرء المنازل الشريفة والمراتب العالية والذكر الحميد بين الناس؛ لما اشتملت عليه من الوفاء والعدل والإنصاف والتواضع.  
 إن محافظة الشخص على العلاقات الطيبة واحترامه للذكريات الحسنة بينه وبين من يلتقي بهم ويخالطهم من مكارم الأخلاق ومحاسن الخلال، وإذا ما كان الشخص الذي التقيت به وعاشرته قد قام بينك وبينه مقتضيات الود كأن يكون والداً أو ذا رحم أو زوجاً أو جاراً أو صديقاً أو زميلاً فإن يكتسب بذلك مزيد منزلة في الحب والود والوفاء، كلٌّ بحسب منزلته. 
  جاء في الأثر: 
عليك بصاحبك الأقدم فإنك تجده على مودة واحدة وإن قدم العهد وبعدت البلاد. 
  كان محمد بن واسع رحمه الله يقول: لا يبلغ العبد مقام الإحسان حتى يحسن إلى كل من صحبه ولو لساعة، وكان إذا باع شاة يوصي بها المشتري ويقول: قد كان لها معنا صحبة!.   
ويأتي تطبيق حفظ الود بيناً بين الزوجين لأن الله جعل هذا الود بينهما من آياته العظيمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].  
 فمهما بلغ الزوجان في الخصومة والافتراق فإن الله يذكِّرهما بساعات ودِّهما ولحظات صفائهما، وبخاصة الرجل الذي قد يطأ تلك المشاعر ويتناساها فيتوجه إليه العتاب فيما يتعلق بالمهر: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21] 
فتتضاءل حينئذ الماديات... فهي صغيرة وإن كانت بالقناطير.. إذا وضعت إزاء الماضي الأثير وذكريات العشرة.. في لحظة الفراق الأسيف!  

 وحتى نعتبر: تقول أمنا عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكر خديجة وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة.  
 وقالت أيضاً: جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عجوز، فقال: "من أنت"؟ قالت: جَثَّامة المزنية. 
قال: «بل أنت حَسَّانة المزنية، كيف حالكم؟ كيف كنتم بعد ذا»؟ قالت: بخير. فلما خرجت قلت: تُقْبِلُ هذا الإقبال على هذه؟! قال: «إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» قال المناوي: رواه الحاكم وقال: على شرطهما ولا علة له وأقره الذهبي.   قال النووي: في هذا دلالة على حسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حياً وميتاً، وإكرام معارف ذلك الصاحب.  


2020-09-18

أسباب السعادة


 أسباب السعادة 

 قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] وقال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} } [طه: 82] وقال تعالى: { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28] {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277] وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56] والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة.

 وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم» (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه»  (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن أن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» وقال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا لطعام، وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»  «وقال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»  وقال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه»[5] وقال: «ثلاث منجيات تقوى الله في السر والعلانية والقول بالحق في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى» . 

فيتلخص مما سبق من أسباب السعادة ما يأتي: 

1- الإيمان الصادق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. 

2- العمل الصالح الخالص لله الموافق للسنة وفي مقدمة ذلك القيام بأركان الإسلام الخمسة 

3- التواصي بالحق الذي شرع الله ورسوله وأمر به. 

4- التواصي بالصبر على طاعة الله والصبر عن معاصيه والصبر على أقداره المؤلمة. 

5- تقوى الله تعالى وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. 

6- التوبة النصوح في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات. 7- طاعة ولي الأمر في غير معصية الله. 

8- معاملة الناس بما تحب أن يعاملوك به. 

9- الشكر عند النعم والصبر عند المصائب. 

10- إفشاء السلام وصلة الأرحام وإطعام الطعام والصلاة في الليل و الناس نيام. 

11- القناعة برزق الله وهي كنز لا يفنى. 

12- الاقتصاد في النفقات. 

13- الاستمرار على ذلك والثبات والاستقامة عليه حتى الموت {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}  [فصلت: 30] {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 14]. 

14- الجهاد في سيبل الله بالأموال والأنفس ويشمل جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين.

 15- الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وهجر ما نهى عنه الله ورسوله اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة ويسر لنا أسبابها يا رب العالمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا قريب يا مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.  



كيف يعالج الإسلام المشكلات الزوجية ؟


لطالما كان الإسلام مصدراً لكل التشريعات والقوانين التي تحكم كافة تفاصيل حياتنا اليومية بما فيها القضايا الأسرية والمشكلات الزوجية.

لطالما كان الإسلام مصدراً لكل التشريعات والقوانين التي تحكم كافة تفاصيل حياتنا اليومية بما فيها القضايا الأسرية والمشكلات الزوجية. ومن هذا المنطلق شرع الله عز وجل الزواج على أن يكون مبنياً على المودة والرحمة والاحترام المتبادل بين الزوجين مما يكون له الأثر البالغ في تكوين حياة مستقرة فيما بعد بين الزوجين ويؤلف بين قلبيهما ولم يغفل الدين الإسلامي حالات وقوع مشكلات بين الزوجين فأمرنا بالتغافل والتجاوز يقول تعالى: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة : 237]. كما أمرنا الله عز وجل لبناء حياة أسرية مستقرة بالقيام بسلسلة من الواجبات تجاه الأسرة، على الزوج واجب القوامة والإنفاق كما أمر الزوجة بطاعة الزوج واحترامه فتكون له سكناً ويكون لها سنداً فيدوم الود بينهما والحب حتى في حال وقوع خلافات طارئة لا تعكر صفو حياتهم، وذلك لا لشيء سوى أنهما قد اتبعا تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف في بناء حياة أساسها المودة والرحمة والتفاهم لتكون له قرة عين ويكون لها خير شريك في الحياة. وفي حال استحالة الحياة بينهما وطغت الخلافات على حياتهما بتقصير أحد الطرفين أو كليهما شرع الله الطلاق.  ومن المشكلات التي يستحيل بسببها العشرة بين الزوجين: عدم الإنفاق من الزوج على الأسرة وتهربه المتعمد من القيام بواجب الإنفاق كما أمره الله عز وجل على زوجته وأبنائه، وكذلك السب والضرب الذي من شأنه أن يعكر صفو العشرة ويهدم المودة بين الزوجين، فضلاً على عدم طاعة الزوجة لزوجها وهجر أحدهما لفراش الآخر دون وجه حق ودون سبب مقنع، مما يكون له أبلغ الأثر في بناء حواجز من العزلة النفسية والجفاء بين الزوجين أو بسبب خيانة أحدهما ثقة الأخر سواء كانت الخيانة بالكلام والمحادثات المحرمة او بالخيانة في فراش الزوجية والذي بدورة يجعل استمرار الحياة الزوجية بينهما أمراً شديد الصعوبة والتحقيق، ولهذا أمرنا الله عز وجل بدرء كل أسباب الخيانة والهجر بين الزوجين وفي حال استحالة العشرة بين الزوجين لأي سبب من الأسباب السابقة وجب على الزوج التسريح بإحسان وعدم التعسف في استغلال حقة في قرار الطلاق وأن يعمل جهده على أن يكون إنهاء الحياة الزوجية بالمعروف والاحترام تقديراً لما كان بينهما من سنوات العشرة وتقديراً للرباط المقدس الذي كان بينهما. ونظراً لذلك فقد شرع الله عز وجل مراحل عدة يفترض أن يلجأ اليها الزوجان قبل التفكير في الطلاق أو طرحه كحل أخير كالنقاش بين الزوجين أو اللجوء لأهل الخبرة والحكمة من المختصين في المشكلات الزوجية والتوجيه الأسري أو بطلب تدخل طرف محايد من أهله وأهلها فكانت كل تلك الحلول ماهي إلا دروع حماية من الوقوع في فخ الطلاق والتفكك الأسري، وحتى في حال وقوع الطلاق لا سمح الله لأي سبب من الأسباب جعل الطلاق ثلاثاً الأمر الذي يتيح لهم فرصة التراجع عن قرار الطلاق، وعلق الطلاق بعدة شروط كأن يقع في طهر لم يجامعها فيه وإن كانت ذات حمل ينتظر حتى تضع حملها، وكل هذه الإجراءات ماهي إلا خطوات للتأني بحال لم يكن أحد الزوجين أو كلاهما غير مدرك بما فيه الكفاية لتداعيات الطلاق وخطورة هذا القرار على تشتت الأسرة وتمزيق كيان المجتمع ككل ولا سيما أن الأسرة هي نسيج هذا المجتمع وأساسه.

 أما في حال وقوع الطلاق بعد اللجوء لكل تلك الحلول الودية سالفة الذكر شرع الدين الإسلامي حزمة من الحقوق والواجبات بحيث لا يقع الأبناء ضحية لهذا القرار فشرع حق الإنفاق على الأب وتوفير المسكن والمأكل والمشرب كما أمر الأم وشدد عليها في مسألة حق الرؤية الشرعية للأبناء واستمرار تواصلهم مع الوالد بحيث تظل أواصر الاسرة متماسكة وتظل صلة الرحم مبنية وقوية لا تنفك.



فاصبر إن وعد الله حق

 


 {فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ وَلَا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ لَا یُوقِنُونَ }

قال تعالى: {فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ وَلَا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ  لَا یُوقِنُونَ}. 
أَيِ: اصْبِرْ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنْ نَصْرِهِ إِيَّاكَ، وَجَعْلِهِ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِمَنِ اتَّبَعَكَ فِي الدُّنْيَا  وَالْآخِرَةِ.  {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}
 أَيْ: بَلِ اثْبُتْ على مَا بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ، فَإِنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَا تَعْدِلْ عَنْهُ وَلَيْسَ فِيمَا سِوَاهُ هُدَى يُتَّبَعُ، بَلِ الْحَقُّ كُلُّهُ مُنْحَصِرٌ فِيهِ. {فاصْبِرْ} أيْ إذا عَلِمْتَ حالَهُمْ، وطَبَعَ اللَّهُ تَعالى عَلى قُلُوبِهِمْ فاصْبِرْ عَلى مَكارِهِهِمْ مِنَ الأقْوالِ الباطِلَةِ والأفْعالِ السَّيِّئَةِ،  {إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} وقَدْ وعَدَكَ عَزَّ وجَلَّ بِالنُّصْرَةِ  وإظْهارِ الدِّينِ وإعْلاءِ كَلِمَةِ الحَقِّ، ولا بُدَّ مِن  إنْجازِهِ والوَفاءِ بِهِ لا مَحالَةَ. 
 {ولا يَسْتَخِفَّنَّكَ} لا يَحْمِلَنَّكَ عَلى الخِفَّةِ والقَلَقِ، {الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} بِما تَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنَ الآياتِ البَيِّنَةِ بِتَكْذِيبِهِمْ إيّاها، وإيذائِهِمْ لَكَ بِأباطِيلِهِمُ قال الآلوسي: وفي الآيَةِ مِن إرْشادِهِ تَعالى لِنَبِيِّهِ صَلّى اللَّهُ  تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وتَعْلِيمِهِ سُبْحانَهُ لَهُ  كَيْفَ   يَتَلَقّى المَكارِهَ بِصَدْرٍ رَحِيبٍ كما لا يَخْفى. وقال الطاهر ابن عاشور :  والخِفَّةُ مُسْتَعارَةٌ لِحالَةِ الجَزَعِ وظُهُورِ آثارِ الغَضَبِ. وهي مِثْلُ القَلَقِ المُسْتَعارِ مِنِ اضْطِرابِ الشَّيْءِ لِأنَّ آثارَ الجَزَعِ والغَضَبِ تُشْبِهُ تَقَلْقُلَ الشَّيْءِ الخَفِيفِ، فالشَّيْءُ الخَفِيفُ يَتَقَلْقَلُ بِأدْنى تَحْرِيكٍ، وفي ضِدِّهِ يُسْتَعارُ الرُّسُوخُ والتَّثاقُلُ. وشاعَتْ هَذِهِ الِاسْتِعاراتُ حَتّى ساوَتِ الحَقِيقَةَ في الِاسْتِعْمالِ. ونَهْيُ الرَّسُولِ عَنْ أنْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ نَهْيٌ عَنِ الخِفَّةِ الَّتِي مِن شَأْنِها أنْ تَحْدُثَ لِلْعاقِلِ إذا رَأى عِنادَ مَن هو يُرْشِدُهُ إلى الصَّلاحِ، وذَلِكَ مِمّا يَسْتَفِزُّ غَضَبَ الحَلِيمِ، فالِاسْتِخْفافُ هُنا هو أنْ يُؤَثِّرُوا في نَفْسِهِ ضِدَّ الصَّبْرِ. والَّذِينَ لا يُوقِنُونَ: هُمُ المُشْرِكُونَ الَّذِينَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفاتُ المُتَقَدِّمَةُ مِنَ الإجْرامِ، والظُّلْمِ، والكُفْرِ، وعَدَمِ العِلْمِ ومَعْنى لا يُوقِنُونَ أنَّهم لا يُوقِنُونَ بِالأُمُورِ اليَقِينِيَّةِ، أيِ التي دَلَّتْ عَلَيْها الدَّلائِلُ القَطْعِيَّةُ فَهم مُكابِرُونَ. وقال العلامة ابن القيم:  في قوله تعالى : {فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ ولا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ لَا یُوقِنُونَ} [الروم: ٦٠] إنَّ المُتَمَكِّنَ لا يُبالِي بِكَثْرَةِ الشَّواغِلِ، ولا بِمُخالَطَةِ أصْحابِ الغَفَلاتِ، ولا بِمُعاشَرَةِ أهْلِ البَطالاتِ، بَلْ قَدْ تَمَكَّنَ بِصَبْرِهِ ويَقِينِهِ عَنِ اسْتِفْزازِهِمْ إيّاهُ، واسْتِخْفافِهِمْ لَهُ. 
 ولِهَذا قالَ تَعالى: {فاصْبِرْ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: ٦٠]  فَمَن وفّى الصَّبْرَ حَقَّهُ، وتَيَقَّنَ أنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لَمْ يَسْتَفِزَّهُ المُبْطِلُونَ، ولَمْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ومَتى ضَعُفَ صَبْرُهُ ويَقِينُهُ أوْ كِلاهُما اسْتَفَزَّهُ هَؤُلاءِ واسْتَخَفَّهُ هَؤُلاءِ، فَجَذَبُوهُ إلَيْهِمْ بِحَسَبِ ضَعْفِ قُوَّةِ صَبْرِهِ ويَقِينِهِ، فَكُلَّما ضَعُفَ ذَلِكَ مِنهُ قَوِيَ جَذْبُهم لَهُ، وكُلَّما قَوِيَ صَبْرُهُ ويَقِينُهُ قَوِيَ انْجِذابُهُ مِنهم وجَذْبُهُ لَهم.



2020-09-04

أوقات فراغ

 تعبير عن وقت الفراغ جديد ومميز - موسوعة

أوقات فراغ

 إن تلك الأوقات المُهدرة التي نتركها تتسرب من بين أيدينا بلا فائدة،وتلك السويعات التي نتعامل معها وكأنها بلا قيمة بإمكانها أن تصنع فارقاً كبيراً في دنيانا وأُخرانا..

 تمضي بنا الأيام بين يومٍ مضى ويومٍ نحياه ويومٍ لا نعلم هل سندركه أم لا! كل منا في جعبته الكثير والكثير، من الأحلام والآمال،منا من يسير في دربه نحو أحد الأهداف ومنا من يخطط للغد بقلب مقبلٍ على الحياة. 

ولكن ما هي أهدافنا التي نمضي لأجلها؟ أهي نافعة لنا أم أنها مجرد أهداف لانعرف لما اخترناها؟! هل لدينا إيمان كاف بقيمة أعمالنا وبقيمة كل خطوة نخطوها؟ هل أدركنا قيمة أعمارنا وأنها رأس مالنا في الحياة؟ في زاوية ما من الحياة هناك أناس أدركوا قيمة أعمارهم فجعلوا حياتهم وأيامهم أرض خصبة مُعمرة بما ينفعهم في دينهم ودنياهم. 

وهنالك أشخاص آخرون تركوا أنفسهم فريسة للحياة تمضي بهم كما تشاء، ربما أنهم منشغلون ببعض الأعمال دينية كانت أو دنيوية ولكن دون وعي منهم بماهية ما يصنعونه ودون إيمان كافٍ منهم بقيمة ما يفعلونه،تمر بهم الأيام بين جهد وكد ولكن ينقصهم شئ ما، إنهم بحاجة إلى وقفة إدراك، وقفة إدراك لقيمة حياتهم وأعمارهم من أجل أن يضبطوا بوصلة أعمالهم هذه فيكون لهم فيها نية حسنة يتقربون بها إلى الله، ومن أجل أن يطرحوا تساؤلات هامة على أنفسهم في كل خطوة يمضوها في دروب الحياة :

- لماذا نفعل هذا العمل؟ 

هل سيعود علينا بالنفع في ديننا أو دنيانا؟ 

هل نحتسب فيه نية وأجراً؟

 إننا حين نعيش الحياة بقلوب يقظة لديها وعي بماهية الحياة : لماذا نحن هنا؟ كيف يجب علينا أن نعيش حياتنا؟، سنعرف كيف نضبط بوصلة اختياراتنا وأعمالنا ونوايانا بالشكل الصحيح، سنعرف كيف نتخذ من حياتنا بستان نزرع فيه كل جميل، سنعرف أن هناك أشياء كثيرة بإمكاننا أن نقوم بها وسيكون لدى كل منا أولويات عُظمى تعلن عن نفسها و تخبره أنها هاهنا بحاجة إلى الخروج للنور... 

 إنهم أشخاص صادقوا الفراغ، لا هم يستغلون صحتهم في ما ينفعهم من أمر دينهم أودنياهم ولاهم يشغلون أوقات فراغهم بما يجب أن تُعمر به الأعمار... إنهم أيضاً بحاجة إلى وقفةٍ، وقفةٍ يراجعون فيها أنفسهم، ويقدموا الجواب بين يدي هذه التساؤلات

 :- لماذا نستسلم للفراغ،لماذا نهدر أعمارنا في غير فائدة؟

 يوماً ما سَيُسأَل كل إنسان عن عمره فيما أفناه، فهل أعد كل منا الجواب؟ إن تلك الأوقات المُهدرة التي نتركها تتسرب من بين أيدينا بلا فائدة،وتلك السويعات التي نتعامل معها وكأنها بلا قيمة بإمكانها أن تصنع فارقاً كبيراً في دنيانا وأُخرانا.. 

إن تلك الساعات التي نتركها تمضي سدى، يمكنها أن تكون ساعات مثمرة بإذن الله إن نحن عرفنا كيف نستثمرها. 

لمَ لا نعمرها بالعلم النافع؟ فنطلب العلم الشرعي أو نتعلم القرآن ونحفظه؟ أو نتعلم عن الحياة الزوجية وتربية الأبناء لنعرف كيف نحسن إلى رعيتنا وكيف ندير بيوتنا من أجل حياة طيبة ترضي الله وتسعدنا؟ لمَ لا نستثمرها في تطوير مواهبنا وقدراتنا واستخدامها في إصلاح دين و دنيا غيرنا بالدعوة إلى الله والأعمال التطوعية، كلٌ حسب طاقته ووقته وقدراته؟ 

لمَ لا نطور من أنفسنا بقراءة الكتب وسماع المحاضرات النافعة في المجالات التي نحتاج إليها؟...و غير ذلك كثير وكثير من الأحلام والأهداف النافعة في الدنيا والآخرة. 

إننا إن علمنا كيف نستغل أعمارنا الاستغلال الأمثل وكيف نشغل أوقاتنا بما ينفعنا لن نجد في قاموس أيامنا تلك المفردة " أوقات فراغ "، بل ستتحول أوقاتنا إلى طريق نعبر به نحو حياة أفضل وتتحول حياتنا إلى سلمٍ نرتقي به في منازل الآخرة. 

وليعلم كل منا أن ثمة فارق حقيقي بين أشخاص يحيون حياة ذات قيمةٍ وآخرون يعيشون حياة لاقيمة لها، حياة بلا نفعٍ وبلا أهداف.. 

ثمة فارق كبير بين أشخاص يبذرون ثمار الخير في الدنيا ليحصدوا أثره هناك في الآخرة وبين أشخاص لا زرع لهم ولاحصاد.

 إن قيمة حياتنا الحقيقية تتمثل في كل خيرٍ وطاعة بيننا وبين الله وفي كل نية طيبة وعمل صالح نتقرب به إليه. 

إن حياتنا تكتسب قيمتها من تلك الأعمال النافعة والصالحة التي نقوم بها، ومن تلك الأهداف و الغايات العُظمى التي نسعى لأجلها.

 فأي حياة نحياها أنا وأنت؟ وأي قيمة نأمل أن تملكها حياتنا ذات يومٍ؟ فليقف كل منا وقفة يحاسب فيها نفسه ويكون صادقاً معها، وقفة تمكنه من أخذ قرارٍ إيجابي بشأن القادم من أيامه وأعماله وعمره، فلا يعلم كل منا متى سينتهي أجله.


نساء صنعن أجيالاً

 كشكول: تعرفي على تأثير ثقافة الأم في تربية أطفالها

نساء صنعن أجيالاً 

 حثت الشريعة الإسلامية على تربية الأولاد، وحمَّلت الآباء والأمهات مسؤولية ذلك، وجعلت هذه المسؤولية مشتركة بين الأب والأم معاً... 

حثت الشريعة الإسلامية على تربية الأولاد، وحمَّلت الآباء والأمهات مسؤولية ذلك، وجعلت هذه المسؤولية مشتركة بين الأب والأم معاً، وليست مقتصرة على أحدهما دون الآخر، ولكن الشريعة خصت الأم بالعبء الأكبـر في ذلك؛ لِـمَا للأم من الأهميـة البالغة في تربية الأبناء؛ وعظم تأثرهم بها، واطلاعها على أحوالهم لطول فترة ملازمتهم لها؛ جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»  .

 وقد أرشدت الشريعة ورغَّبت في حسن اختيار الأم قبل مرحلة الزواج؛ إذ جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك» . 

قال النووي: «في هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم، وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم». 

وقال ابن الأمير الصنعاني: «دل الحديث على أن مصاحبة أهل الدين في كل شيء هي الأولى؛ لأن مصاحبَهم يستفيد من أخلاقهم، وبركتهم، وطرائقهم، ولا سيما الزوجة فهي من يعتبر دينه؛ لأنها ضجيعته، وأم أولاده، وأمينته على ماله ومنزله وعلى نفسها». فالأبوان أكثـر ملازمة للأولاد، وهما أعظم تأثيراً عليهم سلباً أو إيجاباً؛ كما دل على ذلك الحديث الصحيح: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»

والأم بصفة خاصة أكثر ملازمة للأولاد من الأب، ومن ثَمَّ فهي أكثر تأثيراً عليهم؛ فهي الحضن الدافئ للأولاد ينهلـون من روحها، ويتطبعون بطبعهـا؛ فهـي التي ترضعهم من خُلُقها قبل ثديها، وتغمرهم بالعطف والحب، وتبذل الغالي والرخيص في سبيل تربيتهم وتقويمهم وإصلاحهم، فالأم ينعكس خلقها على أبنائها سلباً أو إيجاباً. 

وقدمت الشريعة الأم على الأب في صناعة الأولاد منذ الصغر؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى أن المرأة أحق بولدها ما لم تزوج»  ذلك أنها أخبر بحضانة الطفل، وأكثر شفقة ودراية بحاجته من الأب.

قال الماوردي واصفاً حال الأم مع أولادها: «والأمهات أكثر إشفاقاً، وأوفر حبّاً؛ لما باشرن من الولادة، وعانين من التربية؛ فإنهن أرق قلوباً، وألين نفوساً». 

والأم بجدارة هي مربية الأجيال، وصانعة الرجال، والأمينة على أخلاق الأطفال، والمدرسة الأولى في تنمية أخلاق العيال، وتعديل سلوكيات الأطفال؛ كما قال حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها  أعددت شعباً طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا  بالريّ أورق أيما إيراق الأم أستاذ الأساتذة الألى   شغلت مآثرهم مدى الآفاق والأم هي المعنية بالمقام الأول بتحقيق ما قرره بعض التربويين بقوله: «أعطني السبع السنوات الأولى من عمر طفل، أعطيك رجلاً» فهي من ينقش في لب الأولاد المعاني والمفاهيم، ويرسخ فيهم الآداب والقيم. 

وهي المعنية أيضاً بالمثل السائر: «وراء كل رجل عظيم امرأة». وتربية الرجال وصناعة الأجيال ليست بالأمر السهل؛ بل هي مهمة صعبة وشاقة، تستدعي مزيداً من الصفات التي يجب أن تتوفر لدى مربية الرجال وصانعة الأجيال؛ ومن ذلك: أن تكون صالحة في نفسها، مصلحة لغيرها من أخواتها المسلمات، طائعة لربها ولزوجها في رضا ربها، حافظة لفرجها، صائمة لشهرها، قائمة بما أوجب الله عليها، مبتعدة عما نهى الله عنه، قدوة حسنة لأبنائها. 

وهنا لا بد أن نذكِّر مربية الرجال وصانعة الأجيال ببعض الوسائل التي من خلالها يمكنها - بعد توفيق الله - تربية الرجال، وصناعة الأجيال، ومن ذلك: 

أولاً: الإخلاص لله: فهي تربي أولادها من أجل الله ولله، فهم أمانة أعطاها الله إياها.

 ثانياً: القدوة الحسنة: وذلك بأن تكـون الأم قدوة للأبناء في عباداتها وتعاملاتها وأخلاقها، ومأكلها في مشربها؛ فالابن مثل الإسفنجة يمتص كل ما حوله، وإذا كانت الأم قدوة حسنة اقتدى بها أولادها. ثالثاً: العدل: وذلك بأن تكون الأم عادلـة بين أولادها في العطايا والهبات، حتى في المدح والثناء. 

رابعاً: الحكمة: وذلك بأن تكـون الأم حكيمة في تعاملاتها مع أبنائها، وذلك يتطلب منها أن تقرأ كثيراً، وأن تكثر من الاستشارة، ومن أساليب الحكمة التربية بالموقف.

 خامساً: الصبر والحلـم: وذلـك بـأن تكـون الأم صبورة على أولادها؛ وخاصة عندما يقع منهم الخطأ العابر، فتصبر عليهم، وتقوم بالتوجيه والنصح والتقويم.

 سادساً: الرحمة والحب: وذلك بأن تستبدل الأم الحب بالعقاب؛ لأنه للأسف الشديد في كثير من البيوت أصبح الأب والأم أدوات تعذيب للأبناء؛ فالأب يضرب، والأم تصرخ، وهذا خلاف المنهج التربوي الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم . 

سابعاً: الدعاء: وذلك بأن تكثر الأم من الدعاء لأولادها بالهداية والرشاد والاستقامة، ولا تيأس إذا رأت غير ذلك في أحد أبنائها، بل عليها الإلحاح والاستمرار؛ فالدعاء سبب عظيم من أسباب صلاح الأولاد، وللأم في ذلك قدوة وأسوة في أدعية الأنبياء لأولادهم؛ كما أخبر الله عن ذلك في القرآن، ومن ذلك قول صاحب العزة والسلطان في أواخر سورة الفرقان عن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]

قال القاسمي - رحمه الله -: «أي أولاداً وحفدة، تقرُّ بهم العيون وتسرُّ بمكانهم الأنفس، لحيازتهم الفضائل، واتصافهم بأحسن الشمائل». وقال سبحانه تعالى مخبراً عن زكريا - عليه السلام - قوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38].

 ولقد سطر التاريخ الإسلامي في أنصع صفحاته أروع الأمثلة في قيام الأمهات الفضليات بتربية الرجال وصناعة الأجيال، وخاصة بعد أن مات عنهن أزواجهن، تاركين خلفهم أولاداً صغاراً، فقامت الأمهات برعايتهم رعاية كريمة، وتربيتهم تربية حسنة، بل كنَّ سبباً في حفظهم لكتاب الله وكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولم يجاوزوا الحُلُم، فأخرجن لهذه الأمة قادةً عظماء، وعلماء أجلاء، وعباداً أتقياء، وزهاداً صلحاء؛ كما تدل على ذلك شواهد التاريخ، ومن ذلك ما يلي: 

النموذج الأول: صفية بنت عبدالمطلب: فقد ربَّت الزبير بن العوام رضي الله عنه وأحسنت تربيته؛ وأدبته فأحسنت تأديبه، حتى أنها في بعض الأحيان كانت تضربه ضرباً شديداً؛ كما ذكر ذلك مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله، حيث قال: «وكانت أمه صفية تضربه ضرباً شديداً، وهو يتيم. فقيل لها: قتلته، أهلكته، قالت: إنما أضربه لكي يدب  ويجرَّ الجيش ذا الجلب وفعلاً صار الزبير بعد ذلك قائداً من القادة الكبار الذين يشار إليهم بالبنان، بل هو أول من سل سيفه في سبيل الله، وقد شهد بدراً واليرموك، وغيرها، قال عروة: «كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كنتُ لأُدخل إصبعي فيها، ضُرب اثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك. حتى أن حسان بن ثابت - رضي الله عنه - مدحه بذلك، فقال: أقام على عهد النبي وهديه حواريه والقول بالفعل يعدل أقام على منهاجه وطريقه يوالي ولي الحق والحق أعدل هو الفارس المشهور والبطل الذي  يصول إذا ما كان يوم محجل إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها   بأبيض سباق إلى الموت يرقل وإنَّ امرءاً كانت صفية أمه  ومن أسد في بيتها لمؤثل له من رسول الله قربى قريبة  ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل فكم كربة ذب الزبير بسيفه عن المصطفى والله يعطي فيجزل ثناؤك خير من فعال معاشر   وفعلك يا بن الهاشمية أفضل 

النموذج الثاني: أم الإمام الأوزاعي: فقد كانت أمّاً فاضلة كريمة، وكان لها فضل عظيم - بعد فضل الله - في طلب الأوزاعي للعلم، قال العباس بن الوليد: «فما رأيت أبي يتعجب من شيء في الدنيا، تعجُّبه من الأوزاعي، فكان يقول: سبحانك، تفعل ما تشاء! كان الأوزاعي يتيماً فقيراً في حجر أمه، تنقله من بلد إلى بلد، وقد جرى حكمك فيه أن بلغته حيث رأيته. يا بني! عجزت الملوك أن تؤدب نفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه، ما سمعت منه كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه، ولا رأيته ضاحكاً قط حتى يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد، أقول في نفسي: أترى فـــي المجـــلس قلـب لم يبك؟!». فهذا الإمام العلَم الكبير ثمرة من ثمرات تلك الأم الفاضلة، وغرس من غراسها، وسيأتي يوم القيامة في ميزان حسناتها؛ لأنها كانت السبب - بعد الله - في رعايته، وتنشئته؛ فقد كانت تنتقل به من بلد إلى آخر، ومن عالِم إلى آخر؛ حتى أصبح يضرب المثل في سعة العلم، وغزارته، قال عنه أبو نعيم - رحمه الله -: «العلَم المنشور، والحكم المشهور الإمام المبجل، والمقدام المفضل عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي رضي الله تعالى عنه، كان واحد زمانه، وإمام عصره وأوانه، كان ممـــن لا يخـاف فـــي الله لومـة لائم، مِقوالاً بالحق، لا يخاف سطوة العظائم». 

النموذج الثالث: أم سفيان الثوري رحمهما الله: فقد كان لها عظيم الأثر في تنشئة سفيان تنشئة صالحة، وتربيته تربية حسنة، فقد ربَّته على حب طلب العلم، والاشتغال به؛ فعن وكيع قال: «قالت أم سفيان لسفيان: اذهب فاطلب العلم، حتى أعولك بمغزلي (الغزل فتل الصُّوف أَو الْقطن وَنَحْوهمَا بالمغزل)، فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه وإلا فلا تتعنَّ»، أي فلا تتعب نفسك، ولا تهتم بذلك كثيراً. 

وكانت هي السبب الرئيس في رعاية ولدها، وتشجيعه على طلب العلم، وحثه عليه، وتكفلت بالنفقة عليه، بل إنها كانت أمّاً فقيهة فلم تقتصر على حثه على كتابة الحديث وحفظه فحسب، بل أرشدته على العلم الذي يقرب إلى لله، وهو العمل بالعلم، وخشية الله في الغيب والشهادة، فقالت له: «فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث فانظر؛ هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه وإلا فلا تتعن» لسان حالها: تأمل في نفسك: هل إذا حفظت حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  تزداد خشية لله، وخوفاً منه، ودليل ذلك: قيامك بفعل المأمور، واجتناب المحذور؟ فإن كنت كذلك فهذا هو المطلوب والمقصود من حفظ الحديث. قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية». 

وأصدق من ذلك كله قول أصدق القائلين في كتابه المبين: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28]. وإن لم يثمر حفظ الحديث العملَ به، فلا تهتم بذلك، ولا تكثر منه؛ فإنه والحالة هذه حجة عليك؛ كما قال مكحول رحمه الله: «كان رجل يسأل أبا الدرداء، فقال له: كل ما تسأل عنه تعمل به؟ قال: لا. قال: فما تصنع بزيادة حجة الله عليك؟». فالعلم إن يتبعه عمل، فهو حجة على صاحبه لا حجة له، وسيكون وبالاً عليه. وفعلاً عمل سفيان بوصيتها وتوجيهها؛ فأصبح بعد ذلك إماماً من الأئمة، وجهبذاً من الجهابذة، قال المثنى ابن الصباح: «سفيان عالم الأمة، وعابدها». وقال ابن أبي ذئب: «ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري». وقال شعبة: «ساد سفيان الناس بالورع، والعلم». وقال ابن عيينة: «ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال، والحرام من سفيان الثوري». بل قال ابن عيينة لأحمد بن حنبل: «لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت». 

وتاريخنا الإسلامي مليء بالنماذج والأمثلة والشواهد على دور الأمهات في صناعة الأجيال، وقد أحسن الشاعر حينما قال: ولو كان النساء كمن ذكرنا  لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب  ولا التذكير فخر للهلال والأمهات اليوم مدعوات إلى أن يقتدين بهؤلاء الأمهات الفضليات، وأن يبذلن جهدهن وطاقتهن في تربية فلذات الأكباد، وأن يُشعِرن الأبناء بحبهن وحنانهن، وأن يحيطنهم بنصحهن ورعايتهن؛ وأن يوجهنهم التوجيه السليم؛ فذلك مساهمة منهن في نصرة هذا الدين، والذود عن حياضه. 

وليعلمن أنهن في بيوتهن ملكات؛ منحهن الله السلطة والهيبة، وجعلهن مسؤولات عن بيوتهن وأزوجهن وأولادهن؛ فإذا قُمن بهذه المسؤولية، وأحسن تربية الأولاد عاد ذلك عليهن بالنفع في دنياهن وآخرتهن، أما في الدنيا فإن الأولاد إذا تربوا تربية حسنة، فستقر بذلك أعينهن. وأما في الآخرة فإن الأولاد إذا تربوا تربية حسنة؛ فإنهم سيدعون الله للآباء والأمهات، وسيصل أجر ذلك إلى قبورهم؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته»

. ولما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة»، وذكر منهن: «أو ولد صالح يدعو له»

والولد إذا أطلق في النصوص الشرعية شمل الذكر والأنثى؛ كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء: ١١]. 

وسيرفع الله الأمهات درجات في الجنة باستغفار أولادهن؛ كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله عز وجل ليرفَع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك». دمتِ أيتها المرأة قائمة برسالتك النبيلة على وجه التمام والكمال، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


اكتسب الأفكار الإيجابية

افكار لحياة ايجابية - Home | Facebook

 اكتسب الأفكار الإيجابية 

 إليك إشارات جالبة للأفكار الإيجابية، والأساس فيها اقترانها بالمتعة حتى تُفعِّل أثرها في يومياتك:

 ♦ تحكَّم في تفكيرك، ولا تدع الأفكار السلبية تسيطر عليك، بدِّلها بالإيجابية والنافعة منها، وكلما شعرت بها تحاول فرض سيطرتهابادر مباشرة إلى تغييرها بأبسط السبل المتوفرة لديك.    اتخذ صديقًا مقرَّبًا إليك يبادلك أطراف الحديث، ويُمكِّنك من تفريغ ما لديك من طاقة سلبية، فبحديثك معه ومحاورته تكتسب منه أفكارًا مفيدة، وتفهم كيف يفكر وأساليبه في إيجاده الحلول الناجعة.   

♦ دعِّم قراءاتك بالنصوص الجالبة للتفاؤل، ولتجعلها بصورة يومية، فأفضل مصدر للأفكار المثمرة المطالعة والتسلية بها، ولا ترهق عقلك كثيرًا دعها تكون متعة لروحك.  

 ♦ عليك بالنشاط والحركة باستمرار، فلا يأتيك الشعور بالإحباط إلا بالملل والتكاسل والتقاعس، أما الحركية والفاعلية تجلب لك التجديد، وتُهديك ألوانًا زاهية لحياتك السعيدة.   

 إذا خاب ظنك في أمرٍ ما لا تجعلها نهاية المطاف بالنسبة لك، اعتبرها تجربة مثمرة لخبراتك، تعلَّم المرونة والتفاؤل وسعة الصدر، فهذه النفس النشيطة حَرِيَّةٌ بتحقيق النجاح.  




الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم

 الواعظ ®️ (@Fahad1396m) | Twitter

الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم 

 إن المسلم معرض لوسوسة الشيطان وإغوائه، حسدا منه لآدم الذي أغواه فتاب إلى ربه، ولهذا يحتاج المسلم إلى تذكيره بمخاطر عدوه إبليس، وإلى تذكره دائما بأن الشيطان له بالمرصاد... 

إن المسلم معرض لوسوسة الشيطان وإغوائه، حسدا منه لآدم الذي أغواه فتاب إلى ربه، ولهذا يحتاج المسلم إلى تذكيره بمخاطر عدوه إبليس، وإلى تذكره دائما بأن الشيطان له بالمرصاد، ولا ينجيه منه إلا لجوؤه إلى الله تعالى يستعيذ به من عدوه، ويجاهد نفسه على طاعة ربه مخلصا له عمله متبعا فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا ضل وهلك وصار من حزب عدوه الذي أمر الله عباده بعداوتهم له والبعد عن طاعته لأنه لم يفتأ يسوس لهم ليضلهم ويوقعهم فيما وقع فيه من غضب الله فيكون مصيرهم كمصيره النار، كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر (6)] والذي يترك اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ويتبع الشيطان، إنما يشاق الله ورسوله ويحارب دينه وكتابه، وجزاؤه ما ذكره الله تعالى في قوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء (115)] 

فالمسلم في حاجة دائمة – بل في ضرورة ملحة – إلى ما يلازمه في حياته كلها، ليذكره بطاعة الله تعالى وترك معاصيه، ويذكره بعدوه إبليس الذي يلازمه ملازمة ظله ليغويه ويصرفه عن عبادة الله إلى عبادته وعن طاعة الله إلى طاعته: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} [الأعراف] 

وقد أمد الله عباده بمنهج واضح في غاية الوضوح كامل في غاية الكمال، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، شامل لكل حياتهم أفرادا وأسرا وجماعات ودولا، يغنيهم عن غيره من مناهج الأرض كلها، ولا يغنيهم عن شيء منه، شيء مما سواه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام (153)] 

فإذا جد المسلم واجتهد في تعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على أيدي من فقههم الله تعالى فيهما، وقرأهما قراءة الفاحص المتأمل بعرض نفسه عليهما ليعلم مدى استجابته لهما وعمله بما أمره الله فيهما وترك ما نهاه الله عنه، وعمل بذلك فقد فاز برضا ربه. ولكنه لا يستغني عن مرشد ناصح له يذكره إذا نسي وينبهه إذا غفل ويوقظه إذا نام، وهل سيتوفر له هذا المرشد الناصح في جميع أوقاته التي لا يدعه فيها الشيطان لحظة واحدة في داخل بيته وخارجه، في مدرسته ومصنعه، وسوقه ومكتبه، في حضره وسفره في خلوته وجلوته؟ كلا! 

وهنا يسأل السائل: وما ذا يفعل المسلم الذي يحتاج إلى هذا الواعظ المرشد الذي يحتاج إليه في كل أوقاته وقد لا يجده في وقت هو أكثر ضرورة لوجوده؟ 

والجواب أن الله تعالى بفضله ورحمته قد تكفل لكل مسلم بل لكل إنسان على وجه الأرض بهذا المرشد الناصح الملازم الذي لا يغيب عنه لحظة من لحظات حياه، وأقام عليه به الحجة البالغة، فأخبره به ودله عليه وجعله عليه حارسا لا يفارقه، يحثه على ما ينفعه ويسوقه إليه سوقا ويحذره مما يضره ويدفعه عنه دفعا، فإن هو استجاب له وعمل بإرشاده نال الفوز في حياته الدنيا وآخرته وانتصر على عدوه الذي لا يفتأ يوسوس له ليضله، وإن هو صد عنه وأعرض واتبع هواه، خاب في دنياه وآخرته وأصبح من جند إبليس الخاسرين. الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم.

 نعم إنه الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم الملازم الذي لا يغيب عن الإنسان في كل لحظات حياته، إنه علم الله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، علمه تعالى الذي بثه في كل صفحات كتابه المقروء، ودلت عليه كل ذرة من كتابه المفتوح. وعندما يكون المؤمن مستحضرا هذا الواعظ بقوة في قلبه سيحاول الشيطان الرجيم أن يهتبل منه لحظة غفلة فيصرفه عن طاعة أو يوقعه في معصية، ولكن هذا الواعظ في المتمكن من قلبه سرعان ما يذكره بربه وكونه يعلم الغيب كما يعلم الشهادة فلا يخفى عليه شيء، فينيب إليه ويستغفره ويعود إلى رشده، وكأنه فقد بصره لحظة فعاد إليه سريعا فإذا هو مبصر: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف (201)] ولنستعرض هذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم في بعض نصوص الوحيين، لنُذَكِّر بهما أنفسنا ونقوي بهما إيماننا وندعم بهما تقوانا، فنتسلح به و بهما في حياتنا لتكون كلها حارسا لنا من عدونا الشيطان الرجيم فلا يأتينا من فج إلا وجد منهما شهبا محرقة وجنودا به محدقة، فلا يجد له علينا سبيلا، بل يولي مدبرا مدحورا ذليلا: 

فلنتذكر أولا: أنه لا يوجد عند الله تعالى غيب كما يوجد عند المخلوقين الذين لا يعلمون إلا ما علمهم الله، ومهما بلغوا من العلم الذي نالوه، فإن ما يعلمونه في غاية الضآلة بجانب ما غاب عنهم، أما الخالق سبحانه، فلا فرق عنده بين ما هو من عالم الغيب وما هو من عالم الشهادة عند خلقه، كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}  [في سور كثيرة من كتابه، كسورة الأنعام (73) وسورة التوبة (94)، و (105) وسورة الرعد (9) وسورة الزمر (46) وسورة الحشر (22 ] 

فإذا علم المؤمن أنه مهما غاب عن أعين الناس لا يغيب عن علم الله تعالى تيقن أن هذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم ملازم له في كل حال، فراقب أشد المراقبة هذا الواعظ الأكبر الذي لا يغيب عنه طرفة عين، فيحمل نفسه على طاعة ربه في كل ما أمره به، مستكثرا طامعا في رضا الله وجزيل ثوابه تعالى، لعلمه أن كل ما يعمله من الطاعات عند ربه محسوب، وفي سجله لديه مكتوب، كما يراقب هذا الزاجر الأعظم بكل ما يعمل في ما نهاه الله تعالى عنه، فيكبح جماح شهوات نفسه الأمارة بالسوء فلا يقدم على معصية من المعاصي، لعلمه أنه ما يعمل من مثقال ذرة منها إلا لقي عليه جزاءه يوم الدين.

بل إن ذلك الرقيب الذاتي الملازم، ليحمله على الحرص على عمل ما يحبه الله تعالى من الأعمال، ولو لم يكن واجبا بل مندوبا لأنه يعلم أنه كلما عملا يرضي ربه ثقل عنده ميزان حسناته، وبتعد عما يكرهه الله تعالى ولو لم يكن محرما عليه، لعلمه أنه سيثيبه على ذلك كله ولو لم يعاقبه على فعل المندوب وترك المكروه. 

ولنتذكر ثانيا: ان الله تعالى علم أن أكثر خلقه لا يستغنون أبدا عن التذكير بهذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، بل هم في غاية الضرورة إلى التذكير به وتذكره، لكثرة أعدائهم المحيطين بهم الملازمين لهم الأولى يزينون لهم القبيح من المنكرات والفواحش، ليدَعُّوهم إلى غضب الله وشديد عقابه دعاًّ، فالشيطان الرجيم كما سبق للإنسان بالمرصاد، ونفس العبد الأمارة بالسوء تهيجه إلى كل الموبقات، وهواه يجعله لا يفرغ من تعاطي شهوة - حلالا كانت أم حراما نافعة أم ضارة - إلا أغراه بأختها، فأكثر سبحانه لعباده في كتابه من ذكر هذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، ليتسلحوا به ضد أولئك الأعداء الملازمين. 

قال تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [ هود (5)] هذه الآية الكريمة – مهما اختلف المفسرون في سبب نزولها – تجعل قارئها واجف القلب مرتعد الفرائص من أي حركة يتحركها أو سكنة يسكنها، محذرا نفسه من مغبة ما تأتي وما تذر مما يفقده رضا خالقه ويجلب له غضبه، لأن سره وعلنه لدى بارئه مكشوف، بل ذات خلايا صدره وخطرات قلبه تحت سمع الله وبصره، فأين المهرب من علم الله المهرب وأين المفر من رقابته ؟ قال فضيلة شيخنا العلامة المفسر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود (5)]: يبين تعالى في هذه الآية الكريمة. أنه لا يخفى عليه شيء، وأن السر كالعلانية عنده، فهو عالم بما تنطوي عليه الضمائر وما يعلن وما يسر، والآيات المبينة لهذا كثيرة جداً، كقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ} [ق: 16] وقوله جل وعلا: {إِنِّيۤ} [هكذا وجدتها في النص المنقول من موقع "المشكاة" ويبدو لي أنه عَنى رحمه الله الآية الكريمة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة (30)] والله أعلم ويجب مراجعتها من النسخة المطبوعة] وقوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ} [الأعراف: 7] وقوله: {وَمَا تَكُونُ في شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلاٌّرْضِ وَلاَ في ٱلسَّمَآءِ} [يونس: 61]

ولا تقلب ورقة من المصحف الكريم إلا وجدت فيها آية بهذا المعنى. تنبيه مهم اعلم أن الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء إلى الأرض واعظاً أكبر، ولا زاجراً أعظم مما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها في القرآن، من أنه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه، رقيب عليهم، ليس بغائب عما يفعلون. وضرب العلماء لهذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم مثلاً ليصير به كالمحسوس، فقالوا: لو فرضنا أن ملِكاً قتّالا للرجال، سفّاكاً للدماء شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلماً، وسيافه قائم على رأسه، والنطع مبسوط للقتل، والسيف يقطر دماً، وحول هذا الملك الذي هذه صفته جواريه وأزواجه وبناته، فهل ترى أن أحداً من الحاضرين يهتم بريبة أو بحرام يناله من بنات ذلك الملك وأزواجه، وهو ينظر إليه، عالم بأنه مطلع عليه؟ٰ لا وكلاٰ، بل جميع الحاضرين يكونون خائفين، وجلة قلوبهم، خاشعة عيونهم، ساكنة جوارحهم خوفاً من بطش ذلك الملك. ولا شك (ولله المثل الأعلى) أن رب السموات والأرض جل وعلا أشد علماً، وأعظم مراقبة، وأشد بطشاً، وأعظم نكالاً وعقوبة من ذلك الملك، وحماه في أرضه محارمه. 

فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه، وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه، وخشي الله تعالى، وأحسن عمله لله جل وعلا". [انتهى كلامه رحمه من كتاب أضواء البيان أول سورة هود] 

ولنتذكر ثالثا: أنه تعالى نوع لعباده هذا المعنى، وهو رقابته الدائمة عليهم، ليشعر كل منهم أن كل نوع من تلك الأنواع كاف وحده لعظته وزجره وتقواه لربه في سره وعلنه، ولكنه تعالى نوعها لهم ليزدادوا تقوى ورقابة على أنفسهم من ترك طاعاته أو ارتكاب معاصيه، ومن تلك الأنواع ما يأتي: النوع الأول: جعل كل خلية من خلايا جسم الإنسان محصية عليه ما يأتي وما يذر، لتأتي يوم القيامة - وقد كانت صامتة في الدنيا - شاهدة عليه بذلك ناطقة به، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23)} [فصلت] 

فإذا كان الكفار أعداء الله، لم قد حاربوا الله تعالى وحاربوا رسله وكتبه ودينه، ولم يصدقوا في الدنيا ما أخبرهم به وتوعدهم عليه واقترفوا ما اقترفوا من الفواحش وأنواع المنكرات وأعضاؤهم تسجل عليهم من حيث لا يشعرون، حتى إذا جاءهم اليوم الموعود فشهدت عليهم بكل ما عملوه، تعجبوا وأنكروا على جلودهم شهادتها عليهم، إذا كان الكفار كذلك، فالمؤمنون بخلافهم آمنوا بربهم وبرسله وكتبه وبما أخبرهم به، ومنه علمه بسرهم وعلانيتهم، ولهذا يكونون دائما مراقبين ربهم يعلمون أن جلودهم تسجل عليهم أعمالهم، فيكون ذلك أكبر واعظ لهم وزاجر. النوع الثاني: أنه تعالى أخبر عباده بأنه أرسل عليهم حفظة من ملائكته، يكتبون أعمالهم وأقوالهم ومكنهم من معرفة ما يريدون فعله أو تركه في قلوبهم، فلا يزالون يسجلون عليهم ذلك، ليقرؤوه يوم القيامة في صحائفهم، فأما الكفار فلا يتعظون بذلك ولا ينزجرون، حتى يأتي اليوم الذي تبلى فيه السرائر. قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِي (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ... (11)} [الرعد] 

والسَّرَب الذهاب والتقلب في الأرض. ومعنى يحفظونه من أمر الله أي بأمره كما تبينها قراءة ابن عباس، والحفظ شامل لحفظ الملائكة ما يتعلق بالعبد من السوء الذي لم ينزل به قدر الله ومن كتابة ما يعمل من خير أو شر، حتى يأتوا به يوم القيامة في سجله.

 ومثل آية الرعد آيات الانفطار: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}. فهم من الملائكة الذين جعلهم الله تعالى رقباء على عباده حفظة لهم ولأعمالهم. قال شيخنا الشنقيطي رحمه الله: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً}. [الأنعام: 61] لم يبين هنا ماذا يحفظون وبينه في مواضع أخر فذكر أن مما يحفظونه بدن الإنسان بقوله:{لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ} [الرعد: 11] وذكر أن مما يحفظونه جميع أعماله من خير وشر، بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}  [الانفطار] وقوله:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق] وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف]

أضواء البيان النوع الثالث: أنه تعالى لم يقتصر على ذكر عموم علمه وإحاطته بكل شيء، مثل قوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق (12)] وقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة (29)] وغيرها. بل فصل لعباده ذلك العموم بذكر أمثلة جزئية في الكون تبين لهم أنه لا يفوت على علمه شيء فيه صغر أم كبر لئلا يتوهموا أنه يعلم فقط الكليات، كما قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام(59)] 

النوع الرابع: أنه تعالى فصل كمال علمه وشموله فيما يعمله الإنسان، مع أن تفصيله السابق في آية الأنعام وما شابهه وهو كثير لو تأمله العاقل كفاه شمولا لأعماله وتصرفاته، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة (7)]

النوع الخامس: أنه تعالى مع ذلك التعميم والتفصيل الذي شمل بعضا من تصرفات الإنسان، خص بعلمه ما قد يظن الإنسان أنه مخفي في داخل قلبه لا يطلع عليه أحد، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران (29)] النوع الخامس: أنه تعالى بين أنه يترتب على معرفة شمول علمه لكل شيء، خوف المؤمنين من ربهم العالم بأسرارهم، في حال خلواتهم من المخلوقين، ليقينهم أن أنهم مهما غابوا عن الخلق، فإنهم لا يغيبون عن الخالق، على عكس حال المنافقين الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله قال تعالى عن المؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك] وقال عن المنافقين: {يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء (108)] 

فالذي لا يخشى ربه بالغيب، ولا يطيعه في خلوته، ولا ينزجر عن معصيته، يخشى عليه من أن يكون من هؤلاء الذين يستخفون بعاصي الله وترك طاعته من الناس ويجاهرون ربهم بها وهم المنافقون أعاذنا الله منهم ومن صفاتهم. اللهم أعنا على مجاهدة أنفسنا بتذكر إحاطة علمك بكل شيء، لنتعظ به فلا نترك طاعة تأمرنا بها، ولا معصية تنهانا عنها في سرنا وعلنا، إنك على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.