السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2021-08-20

سامحنا يا جمال



 سامحنا يا جمال

قلب كنجمة وحبّ بحجم كوكب ، ونخوة بمقاس البطولة وجناحان يدركان خطورة الامتزاج بالنّيران ولكنّ الرّوح التي تشكّلت بداخله لا تساومه على قداسة الانتماء لوطنه ، قدح الرّجولة الذي احتساه من ضرع الأرض اقتلعه من جذعه وطمره في مهمّة نبيلة علّمته الغوص في الألوان بلا خوف من رماديّة النّفوس التي هدمت نقاوته وجعلتها قبسا للنّار .
حمل غصنا أخضرا وغرزه في عين الرّماد ، بثّ كلمات متوقّدة على شاشاتنا المفتوحة على الجراح دوما ليضمّدها ، توحّد مع نيران الغابات المحترقة ليمسح الدّخان من جباه المتضرّرين تاركا خلفه دمعة امّ وصرخة أب .
أقبل الفتى إقبال العصفور للغصن المكسور ، أقبل كفراشة حطّت فوق زهرة محروقة ليضمّد بنقاوته السّواد الذي انتشر في كلّ مكان ولكنّ النّار التي دخلها كانت أكبر منه ، التهمته نار أفتك من تلك التي أكلت طمأنينة الأشجار والحيوانات ، نار التّهوّر والحقد والظّلم التي طالت روحه بلا رحمة ودهسته كقشّة حقيرة انفلتت من الشّوك الكثيف كانت أحرّ وألسع من أي نار طالتنا .
أمام أعيننا لم يكن المشهد قابلا للتّصديق ، لم تكن عقولنا متأهبة لرؤية فاجعة كهذه ، لم نستوعب إن كان حقيقة أم فيلما مرعبا ، لم يكن سهلا علينا أن نراه مدهوسا بالأقدام بلا رحمة ، لم يكن هيّنا أن يظلم بهذه الطّريقة الموجعة التي لم أشهد لها منظرا مماثلا في حياتي ، أيعقل أن يحدث كلّ هذا لعصفور اعتقد أنّ كلّ شجرة هي موطنه ، وأنّ كلّ زهرة هي حبيبته ، وأنّ كل الغابات هي أمّه ، وأنّ زناد الحبّ كلّ رصاصاته التي تأهّب لإطلاقها في عين من أفسدوا لنا الحياة .
معركة خاسرة تلك التي ندخلها بلا ضمير أو دليل ، أجساد بلا قلوب أنهت حياته بأبشع طريقة دون أن تسأله أو تحاسبه أو تترك له فرصة للدفاع عن نفسه ستظلّ ندبة عفنة محفورة في تاريخ الإنسان البشع الذي ما ترك لنا كرامة نقف عليها ، أو أملا نسند ضعفنا عليه ...
كيف كان شعورك وأنا أحاول أن أضع نفسي مكانك بداخل الشاحنة وأنت محاط بملايين البشر الغاضبة ، الجميع يحيطون بك يصرخون ، يتوعّدونك ، يطالبون بروحك ، أنت لا تفهم ما يحدث في تلك اللحظة تريد أن تشرح ولكن لا أحد يسمعك ، الشاحنة تهتزّ يحاولون اقتلاعك منها ، يجرّونها بحنق ينتشلونك منها كأنّك مذنب تراك ماذا قلت لهم وهم يجرّونك نحو الأرض ، أنا بريء ، أنا خوكم موحال نغدر بيكم ، أنا مش أنا لا أحد يسمعك تتلقّى ضربات قاتلة في كلّ مكان في جسدك لا تزال تقاوم تبحث بينهم عن قلب حيّ له ضمير لا تجد . الكلّ تحوّل إلى نار بشرية تحاول التهامك في تلك اللحظة كم ضاق نفسك كم شعرت بالظّلم ، كم حاولت أن تصمد ولكنك وحيد وسط الحشد لا ذنب لك سوى أنّك جئت للمساعدة ، ليس في جيبك سوى روحك المتضامنة ، تذكّرت في تلك اللحظة أنها نهايتك ، أمّك تظهر فوقهم كغيمة رحيمة ووالدك وراء الحشد يلوّج لك ، لم يعد وجهك يعرف من كثرة الضرب والدّعس والرّكل ، متى فقدت وعيك كي لا أشعر بالألم أكثر فحينها فقط يمكنهم فعل أي شيء ولا تحسّ ، لا ترى ما يفعلونه بجسدك البريء ، ماذا كانت آخر نداءاتك ، أين نظرت ، ماذا تمنيت ..........
روحك الطاهرة صعدت وهي تحمل نواياك الطيبة ، جسدك لم يعد يحسّ بالغدر والاحتراق ولكنّ قلبي أحسّ واحترق وكتب ولا يزال تحت تأثير الصدمة
هاذوا بشر ولا وحوش ؟
لا حول ولا قوّة إلا بالله تقطّع وريدي
رحل الفتى بوجه مشوّه مليء بالدمّ ، رحل وإصبعه المرفوع نحو الله يستنجد به وحده ، رحل بين أرجل الطّغاة وهو يجرّ كقشّة ، رجل وهو يحترق لحما وعظما وروحا أمام من ظلموه ، أوجعونا يا جمال بك وما عاد لنا قدرة على الكتابة أو التّنفّس أو الكلام مخنوقون نحن بهذا المشهد الذي غدر بك وجعلك عصفورا فوق الأرض وفي الجنّة وحدها يمكنك أن تبتسم ، يمكنك أن تأخذ بثأرك أمام العدالة الإلاهيّة .
منحنا الله القوة على تحمّل مشهد استشهادك المؤلم ، وألهم والدك الحكيم الصّبر ووالدتك أطنانا هائلة من الطّمأنينة فقلبها يحترق مع كلّ دمعة وذكرى وصورة وصرخة تناديك من خلالها ولا تردّ فقط ذكرياتك تحوم حولها لتزيدها ألما .
🖋
بقلم عبد النور خبابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق