السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-10-19

#شرح_قصيدة_ابتسم_لإيليا_ابو_ماضي :

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏نظارة‏‏‏
هل أرهقك عملك الشاق ومللت ذلك الروتين المتكرر ؟ هل أصابك الإحباط فكرهت نفسك وكرهت العالم وكل شيء ؟ هل أثقلتك المشاكل ؟الحل جد بسيط وهو أن تبتسم ! ربما ستضحك ساخرا – ولا ألومك – لكن صدقني أن الابتسامة تقودك إلى الإيجابية ، والإيجابية تفتح لك أبواب النجاح والأمل والعزيمة بعد أن تتوكل على الله تبارك سبحانه . تلك هي فلسفة الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي في قصيدته ‘ ابتسم ‘ حيث يكشف سر وقوة تأثير الابتسامة ، فدعونا نكتشف القصيدة .قال : السماء كئيبة ! وتجهّماقلت : ابتسم ! يكفي التجهم في السما !قال: الصبا ولّى ! فقلت له : ابتــسم !لن يرجع الأسف الصبا المتصرماقال : التي كانت سمائي في الهوىصارت لنفسي في الغرام جــهنماخانت عهودي بعدما ملّكـتها قلبي ، فكيف أطيق أن أتبســما !قلت : ابتسم و اطرب فلو قارنتها
لقضيت عمرك كله متألما
قال : الــتجارة في صراع هائل
مثل المسافر كاد يقتله الـــظما
أو غادة مسلولة محــتاجة
لدم و تنفث كلما لهثت دما
قلت : ابتسم ! ما أنت جالب دائها
وشفائها ؛ فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرما ، و تبيت في
وجل ، كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال : العدى حولي علت صيحاتهم
أأُسرّ ، و الأعداء حولي في الحمى ؟
قلت : ابتسم ! لم يطلبوك بذمهم
لو لم تكن منهم أجلّ و أعظما
قال : المواسم قد بدت أعلامها
و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و عليّ للأحباب فرض لازم
لكن كفّي ليس تملك درهما
قلت : ابتسم ! يكفيك أنك لم تزل
حيا ، و لست من الأحبة معدما
قال : الليالي جرّعتني علقما
قلت : ابتسم ! و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما
طرح الكآبة جانبا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما
أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح ، لا خطر على شفتيك أن
تتثلّما ، و الوجه أن يتحطما
فاضحك ! فإن الشهب تضحك و الدجى
متلاطم ، و لذا نحب الأنجما !
قال : البشاشة ليس تسعد كائنا
يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت : ابتسم ! مادام بينك و الردى
شبر ، فإنك بعد لن تتبسما !
يا لها من كلمات تغوص في أعماق قلبك فتحيي فيه أمل الحياة ، ونغم التفاؤل ، فترسم على محيّاك أجمل ابتسامة . فالشاعر إيليا أبو ماضي يدعو في هذه القصيدة صراحة إلى المرح والحبور ، وقد نسجها على شكل حوار جميل بينه وبين شخص آخر دائم الشكوى والتشاؤم .
– تجهّم : صار عابس الوجه .
– غادة مسلولة : امرأة ناعمة مصابة بداء السل .
– معدم : المحتاج إلى المال .
– العلقم : النبات المرّ
– التبرّم : الضجر والقلق .
تتثلم : يصير فيهما شق وجرح .
الردى : الموت .
قصيدة ابتسم للشاعر إيليا أبو ماضي تحمل في أعماقها معاني الأمل والإيجابية اتجاه المشاكل والعوائق التي يصادفها الإنسان فتحيط به وتؤثر على حياته ، هذه المشاكل أبان الشاعر عن خبرة واحترافية في معالجتها ، فلعب دور الطبيب النفساني ، والمرشد الاجتماعي ببراعة منقطعة النظير .
فهاهو الرجل يشتكي من الجو الكئيب ، فينصحه بالابتسامة فهي خير ملطّف للجو ، – بل كيف يشتكي من أحوال هي بيد العزيز الحكيم سبحانه ! – وينتقل بعدها إلى الشكوى من كبر السن وحاله كلسان الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوما * فأنبئه بما فعل المشيب
فينصحه الشاعر بدواء الابتسامة فهي تحفظ للشباب والشيب صحتهم ونشاطهم ، بل إن البكاء على الشباب لن يعيده ، والأحرى أن ينظر المرء للشيب نظرة حكمة ووقار ، لينتقل الرجل بعدها إلى المشاكل العاطفية ، ويذكر خيانة حبيبته وتنكرها له بعد أن وهبها قلبه ، ويستنكر على الشاعر في هذه الحالة أن يدعوه إلى الابتسامة .
قال : التي كانت سمائي في الهوى
صارت لنفسي في الغرام جــهنما
خانت عهودي بعدما ملّكـتها
قلبي ، فكيف أطيق أن أتبســما !
لكن الشاعر وبتفاؤل كبير جدا يؤكد له أن الابتسامة هي الحل الذي سيساعده على نسيان جرح الحبيب ، وإلا فسيقضي عمره كله يتذكر هذه الآلام فيزيد من جرحه عمقا .
وبكلمات تنساب جمالا وروعة يتطرق الشاعر إلى أزمة اقتصادية في صورة سؤال من الرجل ، حيث يشتكي من صراع الناس الكبير حول التجارة وكنز الأموال ، كالمسافر الذي كاد يموت عطشا ، أو المرأة المصابة بداء السل في كل دقيقة تسعل دما ، ولعمري أنه أجاد فبرع .
قال : الــتجارة في صراع هائل
مثل المسافر كاد يقتله الـــظما
أو غادة مسلولة محــتاجة
لدم و تنفث كلما لهثت دما
ويواصل الشاعر حواره مع الرجل الذي يشتكي تارة من تكالب الأعداء عليه ، وتارة من قلة المال ، فيصف له الدواء السحري المجاني المدهش ، وهو الابتسامة ، ويدعوه إلى أن يتأمل الكواكب والنجوم كيف تتبسم بنورها الوهاج ، فتضفي أملا على القلوب الشقية المكلومة .
قصيدة ابتسم لإيليا أبو ماضي تمثل التفاؤل بأسمى معانيه ، وإن عارضه البعض في هذه المبالغة إلا أن المغزى العميق من قصيدته هو دعوة إلى محاربة اليأس الذي قبع في النفوس واستوطن فيها ، فزرع الإحباط في نفس العامل والتاجر والصانع والطبيب والأب والزوج ، كل واحد ألهته مغريات الحياة عن كل ما يدعو إلى التفاؤل . وكأني بالشاعر يقدم الوصفة النبوية العظيمة ‘ تبسمك في وجه أخيك صدقة ‘ ، ولا عجب في ذلك فإيليا أبو ماضي من أبرز أعضاء الرابطة القلمية لأدباء المهجر بقيادة الشاعر جبران خليل جبران .
وهو من رواد الفلسفة والفكر الرومنطقي الذي يقوم على العناية بالنفس الإنسانية ، ويلامس جوانبها الروحية والعاطفية ، وهذا ما لمسناه في قصيدة ابتسم ، والتي عنى بانتقاء الألفاظ التي تنفّس عن الإنسان ، بل يلاحظ أنه أكثر من حرف السين لما له من غاية تنفيسية كما أشرنا .
أما من ناحية الأساليب البلاغية فقصيدة ابتسم تزخر بألوان مبتسمة من التعابير اللغوية الجميلة ، فمن الأسلوب الخطابي الحواري الذي مكّن الشاعر من إيصال موضوعه بأسهل الطرق ، إلى التشابيه الرائعة التي جعلت القارئ يعيش ذلك الجو المؤنس ( قال : السماء كئيبة – الشهب تضحك ) ، ومن ثم أسلوب الاستفهام الذي يجعل الشاعر يتحكم بأدوار الحوار والأحداث في قصيدته كما يشاء ، ليصل إلى هدفه النهائي ومقصده الكبير ، وهو الدعوة إلى التفاؤل في الحياة .
إن حجم التفاؤل الكبير الذي طغى على الشاعر مردّه في الحقيقة الشعور بالقلق والحزن ، أي أنه جعل من حزنه وقودا يولّد تفاؤلا لا ينقطع خيطه ، وفي ذلك يرى الأديب المؤرخ شوقي ضيف أن تفاؤل أبي ماضي لم يكن فارغا من القلق والحيرة والإحساس بالأسى والألم ، واقتران تفاؤله بهذا الإحساس هو الذي أعطاه حدته وتوهجه .
ولمن أراد الاطلاع على حياة الشاعر إيليا أبو ماضي يرجى زيارة الرابط أسفله :
معلومات عن الشاعر إيليا أبو ماضي : رائد المدرسة الرومنطيقية
– ديوان إيليا أبو ماضي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق