السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2011-10-20

مذكرات ضحية

مذكرات ضحية

مرت تلك الليلة يراقب الكل فيها النجوم ،تارة يعدونها و تارة يخاطبونها ،مرة تختفي و مرة أخرى تظهر على شكل رسوم جميلة ،كانت ليلة بقدر ما فيها من جمال منبعث من قدرة الله تعالى حزينة ،ليلة سوداء تريد تلك النجوم إضاءتها لكن لم تقدر، كانت الدموع تنهمر من الأعين و الآهات تنبعث من أعماق القلوب و باطن الأنفاس متجهة إلى السماء تشقها شقا ،و بقى الله طويل لا نوم فيه و لا كلام ،فقط تسليم الذات للخالق ،حتى التفكير شل ،فلا واحد منهم يعرف ما حصل لكنهم يعيشون حقيقة مرة ،متأكدين من أن زهرة من زهرات هذه الدار غادرت و انطفئ نورها في عنفوان شبابها ،فساد اللاشيء في نفوس الحاضرين حتى سمعوا آذان الفجر ،فلم يتردد أحد في الذهاب للصلاة ،ركع الجميع لله طالبين العفو ،سائلين إياه الرحمة و الهداية ،خاشعين يلتمسون الصبر للعائلة ،و في الصباح تفرق الجميع و كان الله قد ألهمهم صبرا شديدا مكنهم من تجاوز الأمر و المضي في الحياة...لكن والدة "ياسمين" لم يطلع عليها فجر و لا صباح منذ ثلاثة أيام، قد عزلت نفسها في غرفة ابنتها ، و تخلت عن كل واجباتها ،و عزمت ألا يفوت عليها يوم و ألا و تبكي فيه ثلاث مرات :واحدة لابنتها الوحيدة التي انقطع وجودها من هذه الحياة ،و أخرى لحالها المزرية و الثالثة للمستقبل الذي ضاع . لقد أصبحت حادثة موت ابنتها مصدرا لمقالات الجرائد و ملاها لثرثرة النساء، لم تترك الجرائد روحها ترقد بسلام، خدشوا عفتها تارة و ذموا أخلاقها تارة أخرى، لقد ماتت هذه الفتاة و أخذت معها سرا كبيرا...إلى أن وقعت مذكراتها في يد ابنة العم صدفة فقرأتها "اليوم تعرفت على وائل..انه شاب وسيم و غني، متحضر و مثقف ،عرفتني به منال أخبرتني أنه معجب بي منذ فترة طويلة،و كله أمل و شوق لأن يحدثني و يصادقني" "ها قد عدت إليك يا مذكرتي لأسكب مدادي على أوراقك الغالية بعد أن أهملتك هذه الأيام ،الواقع أنني أعيش أياما سعيدة جدا ،لقد بدأت أشعر باهتمام 'وائل' المتزايد و إعجابي الكبير بي ،كما أني أصبحت أشعر براحة كلما رأيته ،و كلماته أصبحت تترك أثرا في نفسي ..هل هو الحب ؟؟ كان ما كان و ليكن ما يريد المهم أن وائل يعجبني
بدأت ليلى تهتم بمذكرات 'ياسمين' فأخذتها معها إلى منزلها، فقد أحست أن هذه الأسطر هي التي ستفتح باب الحقيقة و تظهر راس الخيط الذي دمر هذه العائلة الشريفة.
كانت تقرأ كلمات عذبة و عاطفية ،وصفت فيها وائل بفارس الرومانسية ،كما دونت كل عبارات الغزل و وصف النظرات و الهمسات فجعلتها مجسدة أمام ليلى بالرغم من أنها كلمات و أحرف قيلت فماتت ،لأن معظم الكلمات تموت حين تقال. كانت 'ياسمين' تكتب مذكراتها بخط جميل و بقلم حبر أزرق ،و تتروى في الكتابة و الوصف ، و بعد مرور أشهر من تاريخ لقائها بوائل بدأت الخلافات بينهما فقد كان يريد ضمها و تقبيلها و لكنها كانت ترفض باستمرار ،اخذ الضغط يلعبدوره ،فكيف لها أن تترك نفسها تقع في الخطأ ،و كيف لها أيضا أن تمنع حبيبها قبلة وصفها لها بكل شاعرية ...أخبرها أن القبلة بلسم الروح و نقطة اتحاد و رمز للتعارف...ثم إنها أعذب من الكلمات و أصدق من الأحلام...إنها نسمة وردية بنفسجية تحر ك قلب المحبين...فتزيدهما شوقا في غربتهما ..إنها موسيقى ميتافيزيقية تلهم الروح فتزيد من إبداع الإحساس...القبلة هي صورة الإنسان الضائع الذي يبحث عن استقراره النفسي ...ضائع في مناجاة الروح، في توسل القلب، ضائع في جمال النهدين و سؤال الشفتين و حمرة الوجنتين...فلم تستطع إلا الاستسلام لهذه القبلة فأخذها برضا عن نفسها... أخذت 'ليلى' تقلب الصفحات و تتلو الكلمات حتى شعرت أن طريقة الكتابة تغيرت، أصبحت تكتب بسرعة و بخط يصعب قراءته بقلم احمر و اسود..فزاد فضولها لإتمام الوقائع.
 يا الهي..لقد خدعني في مطرح أمنته فيه على نفسي و روحي و جسدي ،لقد كانت تلك نقطة ضعف لي و كانت له ساعة للقوة و الوصول إلى المراد..لكن مراده لم يكن أبدا جسدي و عذريتي أو قبلة مني ...لقد كان يريد صورا و فيلما يهددني بهما كلما رفضت أن أنصاغ لأوامره..."
كلمات كتبتها 'ياسمين' و لم تفهم منها ليلى سوى أن ابنة عمها كانت في مأزق، فأخذت تقلب الأوراق إلى أن لمحت صفحة رسم فيها دائرة نثرت داخلها كلمات متفرقة غير مترابطة "خداع، حب، سيارة، صور، صديق، بيتنا، رسائل، خيانة، علاقة..."
تابعت القراءة إلى أن وصلت للحدث و هناك أخذت تقرأ الأسطر بانتظام، و لم يكن تحتها تاريخ أو ساعة و جاء فيها.."اليوم سأخرج من الجامعة لألتقي بشاب سيقدم لي كيسا ورديا آخذه إلى متجر 'الفردوس'بالشارع الرئيسي ،كيس به خراب المجتمع و جزاءات قانونية مدمرة و لكن ما باليد حيلة ،لأن تلك الصور و أنا معه في منزله قد تقتل أمي من حسرتها و يقتلني أبي نعها و يرحل أخي تاركا عاري وراءه...." "السنة الجامعية توشك على الانتهاء، و أنا لم اهتم سوى بهذه المعضلة التي وقعت على رأسي ضربة واحدة، فغيرت نمط حياتي، و أخذت راحتي و بسمتي..لقد أصبحت وسيلة نقل الأكياس المدمرة، دمرتني و دمرت شبابي و سمعتي و أكيد إنها تزيد من قوة ذاك النذل و شركائه فلطالما كان يصفني بالحنونة، ذات الوجه الملائكي، لقد استغلني و أوهمني بحبه، لأن وجهي و هيأتي لا توحيان بأنني شريكة تجار مخدرات ملعونة.في الوقت الذي حملتني فيه كلماته للنجوم و وضعتني فوق السحاب و أدخلتني عالم الحب و الأحلام "
لقد كانت ياسمين تصف في تلك المذكرات الأشخاص الذين كانت تسلم لهم البضاعة و تذكر عناوين المناطق التي تأخذ إليها تلك المغلفات..و تذكر طرق التسليم ..كما كانت تصف الخوف الذي عانت منه لأنها وقعت بين حدين..إما أن تنقض سمعة عائلتها و تسمح بهلاك آلاف الشباب و المراهقين أو توقف هذه المهزلة بالذهاب و كشف هذه اللعبة القذرة للشرطة و يكون عقابها وخيمة. فوالدها عضو بالبرلمان و سيفصل عند أول خطوة لها في العدالة و أمها مديرة روضة ستغلق بمجرد انتشار الفضيحة و أخوها شرطي سيقتلها من دون شك.
و آخر صفحة مكتوبة كانت رسالة لأمها قالت فيها " أمي الحبيبة..الحمد لله..اليوم سوف من مشكلة كبيرة..سوف أقوم بمهمة صعبة و خطيرة مقابل أن يعطيني وائل الصور و الفيلم، سأحرقهم يا أمي..و أمزق هذه المذكرات..أرحل إلى مصر..سأبدأ حياة جديدة...أنا أنتظر اتصال وائل ليخبرني بمخطط جريمته القذرة..."
كلمات أنهت بها ياسمين همها، رسمت كعادتها طريقا جديدا لتسير فيه، فرغم ما حصل لها مازالت تخطط و تحلم. و الواقع أن ما كان يجب أن تكتبه أخطر بكثير من أحلامها، فقد كان عليها أن تقول لأمها سامحيني و لوالدها اغفر لي، و لكنها خدعت نفسها. و بينما هي في طريقها للساعة الرئيسية في المكان المحدد قرب مخبزة الطاهر، وهي مرتدية سروالا أسود و قميصا ابيض و تحمل حقيبة يد زرقاء كبيرة، بداخلها حبوب ستغرق سوق المخدرات في متاهة جديدة، مع العلم أن الشرطة قد ألقت القبض على جل العصابة، و بقيت المسكينة متلبسة بكيلوغرامات من السموم، تحملها مظهرة الرضا و الابتسامة...و ما ان وصلت حتى رأت صاحب القبعة الزرقاء، انه من سيأخذ هذه الحبوب و يكون بذلك قد خلصها من حمل ثقيل، و بعد أول كلمة سر بينهما سكتت و أخذ الصمت مكانه في ذاك الشارع الموحش..الشرطة منتشرة هنا و هنا تنتظر الإشارة للقبض عليها، حتى رأت الرجل صاحب القبعة الزرقاء يخرج سكينا و يغرسه فيقلب الفتاة فسقطت قتيلة...أسرعت الشرطة إليها لتسعفها لكن دون جدوى فقد شاء القدر أن يجعلها ضحية لعلاقة خاطئة ..أما بالنسبة للرجل الذي قتلها فقد قبض عليه و سلم إلى المحكمة و أول ما قاله كان
"
لقد خلصت البلاد من مجرمة خطيرة، إنها أختي الصغيرة، فقد طلب مني العقيد خالد أبو سالم الانخراط في هذه الجماعة لنلقي القبض عليهم، وقد تتبعت كل خطواتهم إلى أن تمكنا منهم ، و آخر شخص كنت أتوقع رويته ذاك اليوم هو أختي المدللة 'ياسمين'
سيدي القاضي، لقد قتلتها و انأ مدرك لما فعلت و عل يقين أن قتلها اليوم أحسن بكثير من قتلها غدا..سيدي، لا التمس منكم أي عذر مخفف لحكمي، فأنا، و بعد أن غسلت عارها، لم يعد يهمني شيء..فليكن حكمكم أقصى من حكم القدر الذي وضع أختي في هذا الشرك اللعين..و ليكن حكمكم حكما أكبر من جريمة قتل الأصول عمدا"
بقلم أ فاطمة الزهراء حمادو

هناك تعليق واحد: