السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2011-10-19

الانتقاد

الانتقاد للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي

سألني بعض الأصدقاء عن رأيي في الانتقاد، وشروطه، وحدوده، وآدابه وواجباته، ورأيي فيه ألا شروط له ولا حدود، ولا آداب ولا واجبات، وأن لكل كاتب أو قائلٍ الحقَّ في انتقاد ما يشاء من الكلام، مصيباً كان أم مخطئاً محقاً أم مبطلاً، صادقاً أم كاذباً، مخلصاً أم غير مخلص؛ لأن الانتقاد نوع من أنواع الاستحسان والاستهجان، وهما حالتان طبيعيتان للإنسان لا تفارقانه من صرخة الوضع، إلى أَنَّة النزع.
وكل ما هو طبيعي فهو حق لا ريبة فيه، ولا مراء فإن أصاب الناقد في نقده فقد أحسن إلى نفسه وإلى الناس، وإن أخطأ فسيجد من الناس من يدله على موضع الخطأ فيه ويرشده إلى مكان الصواب منه، فلا يزال يتعثر بين الصواب والخطأ، حتى يستقيم له الصواب كله.
فإن أبينا عليه أن ينتقد إلا إذا كان كفؤاً في عمله، ومخلصاً في عمله كما يشترط عليه ذلك أكثر الناس _ فقد أبينا عليه أن يخط سطراً واحداً في الانتقاد، وقضينا على ذهنه بالجمود والموت؛ لأننا لا نعرف لهاتين الصفتين حدوداً معينة واضحة، فكل منتقد يزعمها لنفسه، وكل منتقد عليه يجرد منتقده منهما، ومتى سمح الدهر لعامل من العاملين بالإخلاص الكامل في عمله، فيسمح به لجماعة المنتقدين؟!.
على أن المنتقد الناقم لا تمنعه نقمته من أن يكون مصيباً في بعض ما يقول؛ لأنه لم يأخذ على نفسه عهداً أن يختلق جميع المآخذ التي يأخذها، وألا يكتب إلا الباطل والمحال، وإنما هو رجل عياب بالحق وبالباطل؛ فهو يفتش عن السيئات الموجودة حتى يفرغ منها؛ فيلجأ إلى السيئات المختلقة.
ولقد كُتِب أول انتقاد في التاريخ بمداد الضغينة والحقد؛ فقد كانت توجد في عصور اليونان القديمة طائفة من الشعراء يجوبون البلاد، ويتغنون بالقصائد الحماسية، والأناشيد الوطنية في الأسواق والمجتمعات، وبين أيدي الأمراء والعظماء؛ فيكرمهم الناس ويجلونهم إجلالاً عظيماً، ويجزلون لهم العطايا والهبات؛ فَنَفَسَ عليهم مكانَتَهم هذه جماعةٌ من معاصريهم من الذين لا يطوفون طوافهم، ولا يَحْظَون عند الملوك العظماء حَظْوتَهم، فأخذوا يعيبونهم، ويكتبون الكتب في انتقاد حركاتهم وأصواتهم، ومعاني أشعارهم، وأساليبهم، وكان هذا أول عهد العالم بالانتقاد، والفضل في ذلك للضغينة والحقد؛ فلرذيلة الحقد الفضل الأول في وجود الانتقاد، وبزوغ شمسه المنيرة.
كذلك لا يمنع الجاهل جهله من أن يكون رأيه في استحسان الكلام واستهجانه رأياً صائباً، لا بل ربما كان شعوره بحسن الكلام وقبحه _ متى رزق حظاً من سلامة الذوق، واستقامة الفهم _ أصح من رأي الأديب المتكلف الذي يتعمل الانتقاد تعملاً، ويتعمق تعمقاً كثيراً في التفتيش عن حسنات الكلام وسيئاته حتى يضل عنهما، ورب ابتسامة أو تقطيبة يمران بوجه السامع العامي عفواً أنفع للأديب حين يراهما، وأعون له على معرفة مكان الحسنة والسيئة من كلامه من مجلد ضخم يكتبه عالم متضلع بالأدب، واللغة في نقد شعره أو نثره.
وإذا كان من الواجب على كل شاعر أو كاتب أن ينظم أو يكتب للأمة جميعها، أو خاصتها أو عامتها _ فلم لا يكون من حق كل فرد من أفرادها متعلماً كان أو جاهلاً، أن يدلي برأيه في استحسان ما يستحسن من كلامه، واستهجان من يستهجن منه.
وهل رفع العظماء من رجال الأدب إلى مواقف عظمتهم وسجل لهم أسماءهم في صحائف المجد، إلا منزلتهم التي نزلوها من نفوس السواد الأعظم من الأمة، والمكانة التي نالوها بين عامتها ودهمائها؟
وبعد، فلا يتبرم بالانتقاد ولا يضيق به ذرعاً إلا الغبي الأبله، الذي لا يبالي أن يقف الناس على سيئاته فيما بينهم وبين أنفسهم، ويزعجه كل الانزعاج أن يتحدثوا بها في مجامعهم، ولا فرق بين وقوفهم عليها وحديثهم عنها، أو الجبان المستطار الذي يخاف من الوهم، ويفرق من رؤية الأشباح، ولو رجع إلى أَنَاته ورويَّته لعلم أن النقد إن كان صواباً فقد دله على عيوب نفسه فاتقاها، أو خطأ فلا خوف على سمعته ومكانته منه؛ لأن الناس ليسوا عبيد الناقدين ولا أسراهم، يأمرونهم بالباطل فيذعنون، ويدعونهم إلى المحال فيتبعون.
ولئن استطاع أحد أن يخدع أحداً في كل شأن من الشؤون فإنه لا يستطيع أن يخدعه في شعور نفسه بجمال الكلام أو قبحه، ولو أن الأصمعي، وأبا عبيدة، وأبا زيد، والمبرد، والجاحظ، والقالي، وقدامة، وابن قتيبة، والآمدي، وأبا هلال، والجرجاني([1]) بُعِثوا في هذا العصر من مراقدهم وتكلفوا أن يذموا قصيدة يحبها الناس من شعر شوقي مثلاً لما كرهوها، أو يمدحوا مقالة يستثقلها الناس من نثر =فلان+لما أحبوها، فالحقيقة موجودة ثابتة لا سبيل للباطل إليها، فهي تختفي حيناً، أو تتراءى في ثوبٍ غير ثوبها، ولكنها لا تنمحي ولا تزول.
فلتنطق ألسنة الناقدين بما شاءت، ولتتسع لها صدور المنتقدين ما استطاعت؛ فلقد حرمنا الحرية في كل شأن من شؤون حياتنا، فلا أقل من أن نتمتع بحرية النظر والتفكير.




([1]) هؤلاء من كبار الأدباء والنقاد في الأدب العربي.

هناك تعليقان (2):

  1. لقد كان في قصصهم عبرة ...
    -1 - طلع سروالك(01)
    قيل : (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )

    دخل المائضة على عجل ،فلمح شيخا ،اقترب منه وقال باستهزاء :ما هذه العمامة التي تلف رأسك (ترانت تروا تور )trente trois tours ،وأرسل بعدها قهقهة دوت المكان ولفتت انتباه الحضور ،أكمل الشيخ وضوءه ورفع يديه إلى السماء داعيا (أشهد أن لا إله إلا الله ،وأشهد أن محمدا رسول الله ) ،ثم خاطب الفتى قائلا :لقد حاربت فرنسا العمامة (الشاش) مدة 130سنة ولم تفلح في اقتلاعها ،ولكن الدش (البار بول ) اقتلع رجولتكم في مقابلة رياضية من 120دقيقة ،طلّع سروالك يا بني ،وإلا فصلّ خلف الستار وراء النساء .

    - 2-على شاطئ مدينتي
    ...ورحت أسوق الخطى مسرعا نحو مدينتي المتهاوية تحت الأعاصير لعلي أن أخمد ألسنة لهيبها ، ولكن ....هي ذي سنة الحياة فلذات أكبادي وهي ذي إرادة السماء رئالي .
    آه لك أيتها الحمر المستنفرة ،هل أدركت أن القسورة المتحجبة خلف فقاعاتك آتية لتمد يدها لأن قربها هنا ترياق ...
    إنها حبات القمح في حسناواتها الشقراء تغازل بظفائرها الصفراء البرق والرعد والسحب خلف البحار،فتلوي الزرافات رقابها الممدودة وتعود ، وتعود مولية القهقرى ، داخلها وأمامها فتتهاوى الأعاصير على شاطئ مدينتي تلثم تلك اللآلئ، ولكنها طعام كالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع .

    -3-فهامة...من غير" إلا"
    تقديم: عندما يسقط الاستثناء في حياتنا اليومية
    أدى الصلاة جماعة ،وخرج على عجالة ليلحق الركب يتسامرون في المقهى بلعبة الأحجار(الدومينو) ،فشد انتباهه إعلان "الأماسي " فصاح في الملإ :(والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون)،ألسنا في شهر الصيام والقيام ،فما لهؤلاء اللئام ينفثون سمومهم في الأنام ،سبحان الله ،فقاطعه من أشعل سيجارته للتو : لقد سمعت إمامكم يقول في صلاته منذ قليل (ويل للمصلين) ،فسبحان الله وبحمده .
    -4-قدوة
    حبس أنفاسه، استجمع قواه، فتّش عن ولاعته، جُيُوبه الباطنية والخارجية، لم يعثر عل شيء، لمح غير بعيد فتى يعلوه دخان، أسرع نحوه، ناداه: هات لأحرق أعصابي. استدار الفتى وقال: ولكن على طريقتي أيها القدوة...
    قلم: ساعد بولعواد

    - 5- سبابــــــــــة

    تناول سيجارته اليومية،ولكن مساء ...لأنه اليوم صائم،أحس بالحمى تسري في جسده ،راح يتحسس وجهه،جسده ،أطرافه،وكلما فعل ذلك أن وشكا .دخل إلى أقرب عيادة طبية في الحي الذي يسكنه بعد أن صلى العشاء دون التراويح ، خاطب الحكيم قائلا :أحس بألم شديد حيثما أضع أصبعي .فقال الحكيم :لأن سبابتك كسرت في موضع السجود.

    -6- طلع سروالك(02)
    حاول ،راوغ،اشتكى ،بكى،استجدى أستاذه الجامعي أن يمنعه علامة 10/20 حتى يتمكن من الارتقاء والاسترخاء بعد عام من الاستلقاء ،قائلا في حزن وأسى :جنبني العار ،وطلعني للقسم الأعلى؟?"؟§
    نظر الأستاذ إليه مليا وقال :كي تطلع سروالك تطلع

    -7-عَََبرة...وعبرة
    يقول المثل الشعبي :كي شبع ...سمّـــــــــــــــى
    انتفش،زمجر ،نظر،عبس وبصر،أرسل عبرة على الخدين ،ثم انكمش .
    فزعوا ،هرعوا ،ضربواأخماسا لأسداس ،ناحوا ،لطموا خدودا،وبعدلأي كبروا ،وحوقلوا ...ثم استرجعوا.

    ردحذف
  2. تراتيل مقتضيا ت الساعة


    ذكــرت الرسـول عليه السلام
    و ما قال لابـن رواحـة المسمى

    و من مقتضى الحال شعرا فهات
    و إني لأنظـر هـذا الكلامـــا

    و ذكـر الحبيب عليـه السـلام
    بعيد الثلاثه سنون و يــــوما

    فأحببت تقليد "ابن رواحـــة "
    لعـلي أكـون كما كان يومـــا

    مع القرض بين صحاب النــبي
    و نعم المكان فأتبعه رســــما

    أتيت المكان بما كان عــنـدي
    لعلي أكفـر لفـظا و نظـــما

    و حلما حججت ومن غير ظهـر
    بأذني عشقت بقاعا ســـلاما

    بعيني أريد ليقضى ســؤالــي
    و قد قالت العرب يوما كــلاما

    فيا رب كن لي نصيرا و عــونا
    و لا كون إلا الذي شئت علــما

    تراتيل مقتضيات السويعــــه
    بها النفس جـادت فبارك كلامـا

    و حمدا لربي ثناء و شكـــرا
    هـو الله قمصني ذا الـكلامـــا

    لأمـي كـما لأبي أبتــــغيه
    و أهديه صحبي و نشئي جــما

    وعـذرا لمن لا يطيق السمـاع
    فعـول القريب أرادت ســـلاما

    الأستاذ: ساعد بولعواد
    بليمور *19/10/2011 *23سا-32د

    ردحذف