السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2019-12-05

ما همست به الكتب في أذني :

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، و‏أشخاص يجلسون‏‏ و‏لحية‏‏‏

ما همست به الكتب في أذني :
بعض الكتب تحتاج إلى قارئ فوق المألوف ، يفهم الجملة التي لم ينسجها العقل ، ويلاحق المفردات التي تطير كالفراشات في ربيع اللّغة التي تزجّ بنا بين قضبانها قبل أن نصطادها .
الكاتب والكتاب كالموت والحياة لا يلتقيان إلاّ على جثّة أحدهما لينتقلا معا إلى برزخ كلام لا هو من طين البشر ، ولا هو من رفات الموتى ... مزيج بين الرّوح والجسد ، بين الماضي واليوم ، بين الصّوت والسّكوت بين الحرف ومعناه ، بين المعنى وأثره في الأسلوب ، بين الأسلوب وصاحبة ، بين ما تهاوى في أخيّلة القارئ ، وما شيّده الكاتب وراء مكتبته ، بين ما صنعته أصابعه من فنّ يصعب الوصول إلى نهايته ، وبين نهاية يكتشفها القارئ وهو في طريقه إلى البداية .
الحياة تحتاج إلى كتب مرتحلة ترفض أن تصبح يتيمة بلا عائلة ، تحتاج إلى أن تتحرّر من اللّسان لتستوطن القلب الذي أفلت العقل لأجل نبضة حرف كلّ مؤشّرات انتباهه .
ما أجمل أن نتجوّل وأيدينا في أيدي الكتب نخرجها الواحدة تلوى الأخرى من رفوف الحياة ، ما أجمل أن تحضر كاتبها أمامك وتفتّش في دواخله عن حديث لم يقله ، عن جملة مفتوحة تركها للفضوليّين ، عن نصّ تجاوز الزّمن ولم يعد له وقت محدّد ، صالح لأحوالك ، وأحوال غيرك فموتها داخل صفحاتها مشنوقة ، باردة لا يغريني أبدا .
أريد للكاتب أن يصبح فردا من العائلة ، تفكّر فيه وأنت داخل حروفه ترسم له قدرا جديدا وانت سائر في طريق عملك ، تحمل أفكاره معك لتلقيها على طاولة غيرك ، هكذا ينتقل القارئ بين الكتب ، هكذا يتحوّل الكاتب إلى رمز أو أحجية ليس لها حلّ إلاّ بالإصرار .
القراءة علّمتني أن أعيش في حروف غيري ، علّمتني حكمة لم أجرّبها بعد
الكتب كرفقة طيّبة أرواح من بداخلها تتجاوز الجسد ، والمكان ، والزّمن كأنّها مصنوعة من طينة خالدة تنبت وقت زرعها ، حدائقها دائمة الاخضرار كلّما همست بأفكارهم أضيف لعمرك حديقة جديدة ...
هكذا أريد أن يسكن الكتاب أجسامكم كيّ يحرّكها من الدّاخل ، لا أن يبقى محكوما برفّ ، ومكتبة ، وطاولة للزّينة
✍️ بقلم عبد النور خبابة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق