السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2019-12-10

أهمية الصبر

أهمية الصبر
الصبر 
الصبر نقيض الجزع، وأصل الصبر في اللغة الحبس، فهو: حبس النفس عن الجزع، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ، فهو: حبس النفس عن محارم الله تعالى، وحبسها عن القيام بفرائضه، ومنعها عن الشكوى والسخط من أقداره، ويختلف الصبر عن التصبّر، والاصطبار، والمصابرة، والاحتمال، فإن كان هذا خُلُقاً للإنسان وسجيّةً فإنّه الصبر، وإن كان بتكلّفٍ مع ما يستصعبه من تجرّع مرارته فهو التصبّر، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ومَن يتصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ)، والاصطبار هو ابتداء اكتساب التصبّر، فإنّ كثرة تكرار التصبّر يجعله اصطباراً، أمّا المصابرة فيكون وقوعها بين اثنين في حال المخاصمة والمرابطة، ويتوقّف ذلك على التقوى، ويتجلّى ذلك في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وإنّما سمّي الصبر صبراً؛ لتمرّره في النفس كما هو الصبر المعروف بأنّه دواءٌ مرٌّ، وهو من أكثر الأخلاق التي اعتنى بها دين الإسلام، وممّا يدلّ على ذلك كثرة تكراره في القرآن الكريم، فقد قال أحمد بن حنبل: إنّ الصبر مذكورٌ في القرآن نحو تسعين مرةً، فجاء في عدّة مواضع، منها ما كان بالأمر به، ومنها ما كان بالنهي عن ضده، وبعضها جاءت بربط الفلاح به، ومنها ما أخبرت أنّ أجر الصابرين مضاعفٌ عن غيرهم، وكما ورد ذكره في القرآن الكريم في مواضع عديدةٍ، فقد جاء ذكره كذلك في السنّة النبويّة الشريفة. فضائل الصبر وثماره
أمر الله تعالى بالصبر، وحثّ عليه، وبيّن ما فيه من الأجر الكبير، وفيما يأتي بيانٌ لما في الصبر من الجزاءات بشكلٍ مفصّلٍ: لم يحدّد الله جزاءً محدّداً للصابرين، وإنّما قال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، ولو لم يكن للصبر إلّا هذا الفضل لكفى، ووصف الله الصابرين بالمتقين، وهم كذلك في معيّة الله وحبّه ونصره. يعدّ الصبر سبباً من أكبر أسباب الخوض في معترك الحياة، والقدرة على السير فيها، فالصبر هو المغزى والوسيلة لكلّ من أراد أن يصل إلى هدفه في الحياة الدنيا ووصل إليه، فمن باب أولى أنّ الوصول إلى الجنّة والفوز برضا الله يحتاج إلى تعبٍ وصبرٍ، ولا يتحقّق ذلك بالكسل والراحة، فرسول الله لم ينل الراحة في دعوة الناس إلى الخير ونشرالإسلام بينهم، حتى وصفه الله بأنّه ذو خُلقٍ عظيمٍ. تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب، ومحو الخطايا، ودخول الجنّة، وهذا من أعظم ما يجنيه العبد من الصبر، دلّ على ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ*جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ*سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).
 أنواع الصبر 
لا يخلو حال الإنسان من أمرين؛ إمّا سراءٌ وإمّا ضراءٌ، وفي كلٍّ من الحالين وجب على الإنسان عملٌ لا بُدّ أن يقوم به؛ ليتحقّق بذلك إيمانه، فعمله في الضرّاء؛ أن يكون من الصابرين، فالله تعالى هو الذي خلق الإنسان، وهو أعلم به، يدبّر أمره، ويفعل به ما يشاء، وما على الإنسان سوى أن يرضى بقضاء الله تعالى، ويستسلم له، ويتذكّر قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ)، وممّا يهوّن عليه؛ أن يتذكّر فضل ما هو فيه، ويقارنه بما ابتُلي به غيره، ومن الصبر أن يصبر المؤمن عن المعاصي؛ فإنّ ذلك يحتاج منه مشقّةً ومجاهدةً للنفس، ولا يصحّ من العبد أن يكون صابراً عن بعض ما هو محرّمٌ، ومنهمكاً في غيرها من المحرمات، وثالث أنواع الصبر؛ هو الصبر على طاعة الله، فإنّها تحتاج منه أن يجاهد نفسه ويبذل جهده؛ حتى يؤدي ما أمره الله تعالى بالقيام به، وكلّ ذلك يحتاج إلى صبرٍ، وعلى ذلك فإنّ الصبر يكون على ثلاثة أنواعٍ:
الصبر على الأقدار.
 الصبر عن معصية الله.
 الصبر على طاعة الله. 
أمّا الحالة الثانية من أحوال الإنسان؛ وهي السّراء، فالواجب عليه أن يشكر الله عليها، ويعلم أنّها من فضل الله عليه، ولولا لطف الله فيه ورحمته به لما كان حاله هكذا، فيحمد الله على ما أنعم عليه من نعم الدنيا والآخرة، الظاهرة والباطنة، ثمّ يقوم بطاعة مَن أنعم عليه بهذه النعم، فمن مقضيات الشكر أن يصاحبه العمل، وبذلك يحقق العبد مقام الشكر والصبر، ويكمل إيمانه، مقتدياً بقول الرسول عليه السّلام: (عجباً لأمرِ المؤمنِ، إنّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ؛ إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيراً له).
 نماذج من صبر الأنبياء 
من أعظم وأجلّ ما جاء في الصبر؛ صبر أولي العزم من الرسل على مشاقّ الدعوة إلى الله، وما تحمّلوه من الأذى في سبيل ذلك، فقد صبر نوح -عليه السّلام- ألف سنةٍ إلّا خمسين عاماً وهو يدعو قومه، وصبر إبراهيم -عليه السّلام- على أبيه وقومه، وتحمّل منهم صنوف الأذى، فقد جُمع له الحطب الكثير وأوقد وألقي في النار، فجعلها الله برداً وسلاماً، وصبر موسى -عليه السّلام- على أذى فرعون له وجبروته عليه، أمّا عيسى -عليه السّلام- فقد كان له من الصبر على ما لقيه من أذى بني إسرائيل وتكذيبهم له، فقد أرادوا أن يقتلوه ويصلبوه، لكنّ الله نجّاه منهم ورفعه إليه، ونزلت الوصيّة لمحمدٍ -عليه الصّلاة والسّلام- من الله تعالى، فقال له: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق