السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2019-12-12

إيّاك أن تصدّق !!!

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏
إيّاك أن تصدّق !!!
إيّاك أن تصدّق تلك الكذبة التي تقول أنّ الإنسان ثمين جدا ، وأنّ الحياة كالعصفور في يده متى ما أطلقها غرّدت ، وأنّ عافيته تشبه الفرس الذي أُطلق سراحه وراح يركض بين شعارات هذا العالم الكاذب الذي ينمّق الفضيلة بكثير من الخبث ، ويجعل الضّمير تحت الأقدام لا يروح ضحيّة انسحاقه سوى مساكين الأرض الذين لا يملكون حفنة نقود للعلاج في مشفى خاص ، ولا يعرفون سوى الله فوق الأرض وتحت السّماء .
الدّخول إلى المشفى العمومي الذي نهبه أصحاب المعارف ووحوش الطبّ أشبه بالدّخول إلى جنائز بالجماعات ، يظهرون بلباسهم الأبيض الذي يخفي سواد القلب ، وقسوة أكبر تظهر في ملامحهم الحديديّة التي تتحرّك بين المرضى والموتى بلا مشاعر.
لا تأتيك ممرّضة إلاّ بوصاية ، لا تتفقّد أحوال المريض إلاّ إذا أكثرت عليها من الشّكوى والتّهديد ، وإن قامت بعملها تترك أثرا ناقصا يدلّ على تهاون كبير من البداية كأنّ هذا الجسد الممدّد لا يعنيها ، لا تعذّبها جمرة القسم على أداء المهمّة لأنّ جلدها اخشوشن بالمطامع والمصالح .
أتساءل لم يرتدي هؤلاء اللّون الأبيض ، لم يجلس البعض باطمئنان وراء حجرات الكشف وفي الخارج طوابير من النّاس بردت أعصابها ، وشلّت رغباتها وصارت عاجزة عن رفض الوضع .
أتساءل كيف لهذا القبر الكبير أن ينعش إنسانيّتنا ونحن في الأساس نشنقها بأبشع الصّور أمام الملأ .
هذا الملأ الذي بدا لي كمسرح كبير كلّ يؤدّي دوره بإتقان عدا المرضى الذين يجلسون على حافة الموت بملامحهم الحقيقيّة حتّى انغمسوا في دور الضّحية وتقبّلت أجسامهم الانسحاب بهدوء في ركن مظلم كأنّهم على موعد طويل مع الفحص الذي لا يكشف الضّرر بل يزيد في تعسّفه حتّى يكتمل مشهد الموت .
هذا الملأ الذي أدّى دوره بألف وجه وتلاعب خلف الأبواب بيديه لأجل حزمة من النّقود ، أو اسم مرّر من تحت الطّاولات كأنّنا في مسرحيّة أخرى لهذه المستشفيات التي تحوّلت بالوراثة إلى ملك هؤلاء الذين باعوا إنسانيّتهم .
الموتى يبقون لساعات فوق الأسرّة دون أن يحضر إليهم أحد ، والأحياء الذين ينامون في منتصف الحياة لا يبالي بهم ضمير ، والمرضى الذين يسيرون على أقدامهم يكافحون بلا أمل .
لم يعد للوطن شرفاء ، لم يعد في الوطن من يعمل بضمير ، لم يعد في الوطن سوى من ينبش عظامه ويزيدها تفتّتا .
لم أعد أصدّق أنّ الإنسان هو الأغلى و ذهني مشتّت بين تكذيب وتصديق فما ندركه في لحظاتنا الحرجة أكبر من أي جرح وحرف .
هل تدرك أيّها الطّبيب أنّ كلمة واحدة منك تزرع عافية فتيّة في قلب الجرح ، وأنّ موقفا إنسانيّنا منك قد يعيد الحياة بطريقة أخرى في ذهن من ماتت فيه سبل الأمل .
لذلك أنا سأصدّق أنّ في الحياة نماذج بشريّة تعمل بضمير وسأكذّب حدس الحروف ..
فهناك دائما بين أكوام الخراب زهرة تغالب التّراب لتخرج بكلّ نقاوتها لتجعلني أؤمن بأنّ الحياة لا تزال بخير ، وأنّ الأطبّاء بعضهم كالدواء نحتاجهم في كلّ لحظة انهيار
فتحيّة كبيرة لكلّ طبيب جعلني أصدّق أنّ الضّمير الحيّ لا يزال يعبر تلك الأروقة الباردة فإيّاكم أن تصدّقوا كلماتي ، وإيّاكم أن تصدّقوا صمتي لحظة جرح.
برج بوعريريج في 2019/12/11
✍️ بقلم عبد النور خبابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق