السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2019-12-05

أريد الذّهاب معهما

أريد الذّهاب معهما
لم يكن البكاء يوما أكبر من أحزاننا التي تغرّد كصوت الرّصاص لتكتب بالجراح التي ننزفها كفنا جديدا يوارى الثّرى قبل أن يكمل صاحبه ضحكة الحياة التي تركها ناقصة في عيون صغاره الذين جرّبوا عجلة الفقد قبل أوانها .
أريد الذّهاب معهما إلى حضن الموت الذي أراه أرحم من جوف زهرة ممزّقة ، أريد أن أسرق قبلة أخرى من وجه أبي قبل أن يتلاشى كتفه النّاعم تحت التّراب ، أريد أن أسابق الشّوق لأرمّم ثقوب الحاجة التي تملؤها أمّي بالدّفء ساعة تضع عناقها في ذراعي .
أريد ألاّ أريد ، ألاّ أجلس في قارعة مجهولة أنتظر فيها خطوات نثرتها رياح لم تجرّب الحبّ يوما ، لم تألف الأعصاب المفترسة التي تمشّط الموت لأجل أن أظلّ واقفة مبتسمة لا يهمّني من الحياة غير دميتي ، وكتابي ، وقصّة الثّعلب الضّجر الذي لم يفترس أطراف وطني .
أصرخ ولا يخرج منّي غير البكاء ، وقلبي الذي تمزّق باكرا ما عدت أحسّ بدورته الدّمويّة وأنتما أمام الفاجعة تذوبان في لحظة خلود صغيرة ، وتغيبان كلوحة الضّوء حين توارى خلف الرّكن .
ما عدت أعرف ما الحياة ، ما الموت ، ما الفقد ، ماذا تعني عبارة من الذّكرى ، وأين تتوالد جمل العزاء ، ولا كيف يحشر الحداد الوجوه التي تلفّني ، تمنعني عنكما ، وصوتي كطفل لحظة الولادة يؤلمه التّنفّس ، يخيفه العالم الذي خرج إليه كأنّه قصر من الثّلج لا تدري متى يتهاوى فوقك .
أريد الذّهاب معهما قبل لحظة الوداع ، قبل أن يغادر الزّمن إلى غربته ، قبل أن أصدّق فعلا أنّي فقدتكما إلى الأبد ولا يمكن لكما أن تنهضا من حقل الصّراخ وأنتما الابتسامة الوحيدة المتبقّية لي . فكيف لي أن أعثر على جرح جديد لشفتين داميتين قبّلتكما حتّى سكنني الرّعب وتقطّع صوتي دون أن يسمعني أحد ، أو ينتشلني أحد من وحل فراقكما المباغت .
✍️ بقلم عبد النور خبابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق