السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-12-27

لعبة الموت

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏

جدران البيت باردة و أثاث المنزل صامت كأهله الذين ابتاعوه ليملأ المكان بالحياة ، كلّ شيء من حولي يستدعي الهروب والمقاومة لذلك لم أجد أمامي غير الوهم الرّقمي الذي يبغض الصّواب ويحفّز على الإنفراد والتّوحد بألعابي الآليّة التي تجعلني أبلغ عالما وجدت فيه انشغالي حيث تبدأ أضواء المرح ترقص في عينيّ كلّما داعبت أزرار الحاسوب وتنطلق ضحكاتي من غرفتي المعزولة كلّما انتصرت في جولة مع اللّعبة .
لا أعرف وجه أبي ولا أذكر صوته إلا في أحلامي ، وكلّما حاولت أن أستبدل الحاسوب بحضنه ، والألعاب بيديه لا أجد غير ظهره ورائحة قلبه التي يتركها ويرحل ، أمّي التي طلّقني حضنها منذ أن بدأت الإعتماد على نفسي لتستبدل جسمي الصّغير بهاتفها وعلبة مكياجها وجلسات مستمرّة مع صديقاتها ، وكلّما حاولت أن أظفر بعطرها يتشتّت مطلبي في الهواء بانشغالها الدّائم عنّي ودفعها لي دفعا نحو حضن الحاسوب الزّجاجي كي لا أشتّت حواسها لم أجد أمامي غير الألعاب لتكون رفيقتي وميزتها الوحيدة أنّي كلّما انتصرت عليها شجّعتني أكثر ، وكلّما خسرت جولة في عراكها لا تدير ظهرها لي بل تظلّ معي دائما حتّى أنّي ظننت أنّ العالم الرّقمي هو العالم الحقيقيّ الوحيد الذي أنتمي إليه .
لكن مع الوقت انتهت الألعاب وبدأت أملّ من واقع خرج منه خيالي ، من كلّ صورة استفرغت فيها طاقتي ، و مع الوقت اكتشفت لعبة جديدة لينعدل ليل الوحدة راجعا إلى مآبه ويحلّ نهار المتعة والحماس واليقظة فأقرّ في موضعي لا ينحرف بصري ولا يضطرب فكري ، ولا يتململ شعوري إلاّ حين أوشك على الخسارة.
هذه المرّة اكتشفت أنّ اللّعبة مختلفة ، وأنّ أوان التّراجع قد فات ، وأنّي مهما حاولت لن أستطيع أن أنقذ نفسي فألعابي الآن صارت تحمل موتي ، تقوم بتهديدي إن لم أفعل ما تطلب منّي .
مطارد صرت أنا أنتظر عدوّي خارج باب المنزل ، وفي الشّارع وفي سريري ، صارت تهدّدني ألعابي إن لم أحقّق ما تطلبه منّي .....
لم أعد أعرف أيّ عالم تصدّقه طفولتي فالمرّة الأولى جرحت معصمي كما طلبت لعبتي وصرت أؤذي نفسي دون أن أدرك الحقيقة من الوهم إلى أن اكتشفت وأنا ألفّ الحبل حول عنقي أنّها مجرّد لعبة وأنّي الخاسر الوحيد الذي لاعب الموت طويلا إلى أن أمسك به دون أن يفلته ، وأنّي ضيّعت زهرة عمري تحت أقدام بشريّة لا ضمير لها .. وأنّي كنت ضحيّة إهمال في هذا العالم الذي لم أنضج فيه كفاية لأعرف الخطأ من الصّواب . لأعرف أنّ اللّعب جريمة و خطيئة أعاقب عليها بهذا الشّكل . كلّ هذا عرفته متأخّرا حين أيقنت أنّي انتهيت بين يدي حبل صنعته كما طلب منّي تحت التّهديد . 
كلّ هذا حدث لي دون أن ينتبه أحد من حولي وغادرت المكان ولوحة الألعاب في يدي كأنّي أقول لمن تركوني بلا حماية قد أخذت يا أمّي من كان بصحبتي طيلة الوقت ، قد حملت يا أبي لعبتي معي دون أن أزعجك . ها قد رحلت في صمت كما ترحل الطيّور الغريبة دون بكاء .
رسالة من طفل لعب بلعبته دون أن يدرك أنّه يلعب بموته .
بقلم عبد النور خبابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق