السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-12-12

خيانة تبيع قدسا ... وحفاوة تخون وطناً


ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏
خيانة تبيع قدسا ... وحفاوة تخون وطناً 


نتهاوى كالصّخر الصّلد من القمّة إلى أسفل ، ومن ظلّ إلى ظلّ ، ومن فكّ إلى فكّ ، ومن سمّ إلى آخر دون أن ندري أيّ عضو فينا يتألّم ، أو أيّ قيمة صار ت لنا ونحن نمضغ مضغ الخبز اليابس في الفم ، ومن سكرة إلى أخرى نترجرج دون أن يثور بنا الغضب على ما آلت إليه بلادنا العربيّة التي صارت مرقصا تتلوّى فيه المهانة والخيانة التي نخيطها على الجلد لنهيّئها للحرق دون أن تترك أثرا لدخّانها الضّعيف ، كالمشي على قبر ذبحنا قدسنا و نفخنا في دمه نقطة غدر وجلسنا خلف الجدار، خلف الحجارة ، خلف البيوت نشهد استباحتها دون أن تهتزّ نخوة العروبة فينا وتستفرغ رشّاشها في صدور همّتنا ، دون أن يتململ وجع الإنتماء في مدافن الّلّهو ، دون أن ننفر من قلوبنا التي تبرّأّ منها القلق وصارت محنّطة .
يا قدس يا جنّة الله في الأرض و يا مرارة الّلذّة في الحلق ، يا غيظ نفسي في الأوراق والكتب ، كيف بعدك أرفع رأسي العربي وأقول بملء فمي أنّ العروبة تجري في دمي ، كيف أرفع قلمي دون أن يخالط حبره طعم الرّصاص ، كيف من دونك نرفع هاماتنا المهتاجة وأطرافنا التي تحملنا مبتلّة بالمذلّة ، بعظام من ضحّوا لأجل النّدى في صفحاتك العالية .
أتبعثر متكسّرا تزيدني الكرب عقدة عقدة في شعوب همّها الوحيد ماركة جديدة ، وهاتف خلويّ ثمين ، وامرأة جميلة يبكي عواطفها كلّ ليلة تحت فتور القمر دون أن تبقى في آدميّته الذّابلة حسّ الإنسانية ، وإرادة الوطنيّة ، ونخوة العروبة التي انتقلت إلى ذمّة الله دون نعي أو جنازة أو قبر يتخطّف جثّتها ليردم رائحة الخيانة النّتنة من زجاج عطريّ فاخر اقتنيناه مقابل تراب القدس النّفيس الذي لا تقدّره أرواح البشر .
جريح من وطنيّتي ، من عروبتي ولا أملك سوى أن أجرح الأوراق ببكائي المرير فالقدس تتلوّى بين أياد غاشمة بمباركة عربيّة وصمت عالمي يحطّم ضراوة السّباع السّجينة ، ويرفع النّعاج إلى أبواب الفكر والقيادة . 
أنا لا أدري ما أقول ولا أعرف ما أكتب فالمصيبة مصيبتان مصيبة القدس التي قضمت عروبتنا وانتماءنا الدّيني فجعلته أعرجا كشجرة فوّاحة تعطّر الفأس التي تضربها وتحطّم فيها ، ومصيبة الوطن الذي غادره الضّمير واستبيحت على إثره شواهد التّضحيات التي طأطأت رأسها ودفنته في التّراب ، جفّفت دماء الشّهداء الخالدة التي توجّعت بقبلة أودعتها نساؤنا في وجنة من قتّل أجدادنا وذبّح أطفالنا واغتصب ترابنا وليس هذا فقط بل تهاوت الأيادي وتسابقت لأجل أن تصافح من هشّم هويّتنا وجعلها في الحضيض . إنّي والله لأخجل من هذا المشهد القبيح الذي نزعني من مكاني نزعا وجعلني في حيرة كبيرة إذ كيف ينسى الجزائريّ أنّ مجرمي فرنسا كانوا يوما ما يتفنّنون في وقوفهم على جثث الجزائريين مبتسمين دون أن ترفّ فيهم جفون الرّأفة .. كيف بالغصص المؤلمة ترسو هكذا بين عروق الوطنيّة الضّاربة في تضحياتها ، وتتغرّز كالشّوك في دمي لتحدث حروقا عميقة في عضلة قلبي الذي يرتجّ كلّما شاهدت التّهافت المذلّ لالتقاط صورة مع رئيس دولة لم تعترف يوما بخروجها مغلوبة مطرودة ذليلة.
أشعر وكأنّ بركانا تزلزل في أعماقي واضطرمت حممه غيرة على التّاريخ الذي مات لأجله رجال يعادلون اللّؤلؤ الفريد في رجولتهم وحبّهم الإيماني للوطن ، يتندّى الجبين خجلا أمام أريج تضحياتهم وثقل إنسانيّتهم وأمانة الوطن التي أصبحت اليوم تداس بعناق من كان عدوّا وبالوقوف لساعات طوال لتحيّة من ذبّح طيور الجزائر التي اقتلعت دون أن تذبل في العواصف ، فماذا سنقول لمن ماتوا لنعيش ، كيف سنواجه من صافح الموت مرارا لتعانقنا الحياة ، ماذا سنقول لهم ونحن قد نسينا غلاوة دمائهم التي ارتوت بها الأرض لتنمو زهور الغد . كيف سنستمرّ في خداع أنفسنا بهذا الشّكل المقيت دون أن نشعر بجرح الخيانة ، وموت الوطنيّة ، وغياب النّخوة وضياع الأمانة الغالية . ما عساي أقول سوى أنّي أخرج من غيظ لأدخل آخر دون أن أجد هويّتي .
20 ربيع الأول 1439 ه / 08 ديسمبر 2017م
بقلم عبد النور خبابة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق