السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-12-30

شفاعة الرسول يوم القيامة

أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بعبادته وحده وعدم الإشراك به وأمرهم كذلك بفعل الخيرات واجتباب المحرّمات، فبعث الله نبيّه بالشّريعة الخالدة هدىً للعالمين، قد أكمل الله بها الدّين فأصبحت حجّة للعالمين، فيها من الأحكام ما يصلح حال المسلمين، فمن سار على نهجها واقتفى أثرها أفلح وسعُد ومن تنّكب طريقها ضلّ وخسر، وقد تعهّد الله لعباده بغفران الذّنوب إن تحلّل العبد منها واستغفر ربّه وأناب، فالله سبحانه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك من الذّنوب والمعاصي لمن يشاء، فرحمته واسعةٌ لا يغيضها شيء . 
و قد جعل الله سبحانه وتعالى الشّفاعة لخاصته من البشر، والشّفاعة هي الواسطة التي يتحقّق بها جلب خيرٍ ومنعةٍ أو دفع ضررٍ ومفسدةٍ، وقد أُكرم النّبي عليه الصّلاة والسّلام بأن أعطاه الله المقام المحمود ودرجة الوسيلة والشّفاعة التي تكون ملاذاً للعباد حين يقفون بين يدي الله سبحانه فيشتدّ حالهم وغمّهم فيلجؤون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لهم عند ربهم بعد أن يراجعوا عدداً من الأنبياء في ذلك فيعتذرون لهم، فهذه الشّفاعة هي خاصةٌ للنّبي الكريم عليه الصّلاة والسّلام وهناك شفاعة لأهل الجنّة حين يقفون على الصّراط منتظرين دخول الجنّة فيشفع لهم النّبي الكريم، وهناك الشّفاعة لأهل الكبائر من هذه الأمة فقد بيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّ لكل نبيٍّ سبق دعوةٌ مستجابةٌ وإن دعوته اختبأها شفاعةً لأمته يوم القيامة، فمن قال لا إله إلا الله يوماً خالصاً من قلبه وجبت له شفاعة الرّسول، فيشفع له النّبي ويدخله برحمة الله تعالى الجنّة . 
و للشّفاعة شروطٌ وأحوالٌ فلا يعطيها الله سبحانه إلا لمن اصطفى من عباده كالنّبيّين والصّديقين والشّهداء، فالشّهيد من كراماته أنّه يشفّع في سبعين من أهل بيته، وكذلك فأنّ المشفوع له يجب أن يكون ممّن أذن الله أن تسعه الشّفاعة، قال تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )، فالشّفاعة لأهل الباطل لا تنفع قال تعالى ( فما تنفعهم شفاعة الشّافعين )، فالشّفاعة هي إكرامٌ من الله سبحانه لعباده المصطفين يتوسّلون بها عند الله لمن أذن ورضي الله عنه من عباده المؤمنين أو الضّالين .
شَفاعَةُ الرَّسولِ عليه السّلام
 إنَ سَيِّدنا مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام رسولُ الله هو خَيرُ البَريِّة جَميعاً، وهو خاتمُ الأنبياء والمُرسَلين، ومُنجي النَّاس مِن العَذاب بِشفاعته يومَ القيامَة، حيث أنَّ لكلِّ نَبيٍّ مِن الأنْبياء دَعوةٌ يَدعوها لِربِّه على قَومه فَيستَجيبُ له بهذه الدَّعوة، إلا النَّبي مُحمد لم يدعُ رَبَّه بَعد، وتَركها إلى يوم القِيامَة حَيث اخْتَبَأَها لِيشْفَعَ بِها لِأُمَّته. فَعَن أبي هُريرَة رَضِي الله عَنه قَال: قال رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا).
 وإنّ هذا الموقِفَ مِن رَسولِ الله عليه الصّلاة والسّلام يَدلُّ على عِدَّةِ أُمورٍ مِن أبرَزِها: رَحمتُهُ وحُبُّهُ لأمَّتهِ، وتَقديمِه لِمصلَحةِ أُمَّتهِ على مصلَحتِه الشَّخصيَّة فَهو على يَقينٍ مِن إِجابَةِ هذا الدُّعاء لِوعدِ الله لَه بِذلك مُسبقاً كما جاء في نَصِّ الحَديث، ولَكنَّه تَركهُ ليومِ العَرضِ على الخالقِ عزَّ وجلَّ حيثُ تكون الحاجةُ للإجابةِ أشدُّ وأبْلغُ مِنها في الحياة الدُّنيا، وقد استأثَر بالدُّعاء لأمَّتِهِ بَدَل أن يَدعو لِنفسِه في ذلك اليومِ العَصيبِ الذي لا ينفَعُ فيه المالُ ولا البَنون، قالَ تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
في ذلكَ اليَوم لا يَعرِف أحدٌ أحداً إلا نَفسَه ولا يَهَبُ الابنُ لأبويهِ ولو حَسَنة، كلُّ شَخصٍ يقولُ نفسي نفسي، ولا يأبَه بغيره إلا الرَّسولُ عليه الصّلاة والسّلام فهُو يَخشى على أمَّتِهِ عذابَ يومٍ عَصيب، يوم يُعرَضُ فيه الخَلقُ عُراةً حُفاةً غُرلا كَمَا وُلِدوا.
الشَّفاعةُ حقٌ يجبُ الإيمانُ بها الشفاعةُ حقٌ يَجِبُ الإيمان بِها، والمَقصودُ بها: سُؤالُ فِعلِ الْخَيْر وَتَرْكِ الضَّرَر عَن الْغَيْر لأَجلِ الْغَيْر على سَبِيل الضَّراعَة، فهي نَوعٌ من أنواع الدُّعاء المُستَجاب. ولقَد وَرَدَ عن النَّبيِّ الكَثيرَ من الأحاديثِ عن الشَّفاعة في الصَّحيحَيْن، وعن جَماعةٍ من الصَّحابة -رِضْوانُ الله عَليهِم-، وتلكََ النُّصوُص وغَيرُها تُثبِتُ الشَّفاعة وتُدلِّل على حَقيقتها ووَقتها، وهي ثابِتةٌ لِرسولنا عليه الصّلاة والسّلام وغيرُه من الأنبياء والصَّالحين والشُّهداء إذ يُشفَّع الشَّهيد بسبعين من أقاربِه كما جاءَ في الحديثِ الصَّحيح الذي يَرويه أبو داوودَ في سُنَنِه عن الوَليد بن رباح الذِماريّ قال: (حَدَّثني عمِّي نُمران بن عُتبة الذِّماري قال: دَخَلنا على أمِّ الدَّرداءِ ونَحنُ أيتامٌ، فقالت: أبشروا، فإنِّي سَمعتُ أبا الدَّرداء يقول: قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: يَشفَعُ الشَّهيدُ في سَبعينَ من أهل بيتِه).
 أنواع الشَّفاعة 
للشفاعة أنواعٌ وهي على النَّحو الآتي:
الشَّفاعة الأولى أو العُظمى: وهي خاصَّة بِنبيِّنا محمد عليه الصّلاة والسّلام من بَين الأنبياء والرُّسل، وفيها يأتي الله -سُبحانه وتعالى- لفَصل القَضاء بين الخَلائق، كما ورَد في حَديثٍ عن النَّبي، حيثُ يَستشفِعون إلى آدم فمِن بَعدهُ من الأنبياءِ من نوح وإبراهيم وموسى ومن بعده عيسى، ثم يأتونَ محمداً عليه الصّلاة والسّلام، فيذهبُ ليسجُد تحتَ العرشِ في مكانٍ يُقال له الفَحص، فيَشفعُ قائلاً: (ياربِّ وَعَدتني الشَّفاعة فّشفِّعني في خَلقك، فاقضِ بينَهم)، فيقولُ الله -تعالى- : (شفَّعتُك، أنا آتيكُم فأقضي بينهم)، قال: (فأرجِعُ فأقِفُ مع النَّاس).
 الشَّفاعتان الثَّانية والثَّالثة: شَفاعةٌ لأقوامٍ تَساوت حَسناتُهم مع سَيِّئاتِهم فَيشفَع لهم لِيدْخلوا الجنَّة. 
الشَّفاعة الرَّابعة: رَفعُ دَرجاتِ أعمالِ الذينَ يَدخُلون الجنَّة في ما يفوقُ أعمالَهم. 
الشَّفاعةُ الخامسة: الشَّفاعةُ في أقوامٍ أن يَدخلوا الجنَّة بغير حسابٍ ويَشهدُ لهذا حَديثُ الرّسولِ عليه الصّلاة والسّلام حيث قال:(عُرِضَت عليَّ الأُمَم، فَجعَل النبيُّ والنَّبيانِ يمرُّون مَعَهُم الرَّهط، والنَّبيُّ ليسَ مَعَه أَحَد، حتى رُفِع لي سَوادٌ عَظيمٌ، قلتُ: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيلَ: بل هذا موسى وقومه، قِيل: انظُر إلى الأُفُق، فإذا سَوادٌ يَملأُ الأُفُق، ثمَّ قيل لي: انظر ها هُنا وها هُنا في آفاق السَّماء، فإذا سوادٌ قد مَلأَ الأُفُق، قِيل: هذهِ أُمَّتُك، ويَدخُل الجَنَّة مِن هؤلاءِ سَبعونَ ألفًا بغيرِ حِساب، ثُمَّ دَخَل ولم يُبيِّن لهم، فَأفاضَ القَوم، وقالوا: نُحن الذين آمنَّا بالله واتَّبعنا رسولَه، فنحنُ هم، أو أولادُنا الذين وُلدوا في الإسلام، فإنَّا وُلدنا في الجاهليَّة، فبَلغَ النَّبيَّ صلَّ الله عليه وسلَّم فَخَرج، فقال: «هُمُ الذين لا يَستَرِقون، ولا يَتطيَّرون، ولا يَكتوون، وعلى ربِّهم يتَوكَّلون» فقال عُكاشَةُ بن مُحصن: أمِنهُم أنا يا رسول الله؟ قال: «نعم» فقام آخر فقال: أمِنهم أنا؟ قال: «سَبقَك بها عُكاشة»).
 الشَّفاعة السَّادسة: الشَّفاعةُ في تَخفيفِ العَذاب عمَّن يَستحقُّه، كشَفاعتِه في عمِّه أبي طالب أن يُخفِّف عَنه العَذاب.
 الشَّفاعة السَّابعة: شَفاعتُه أن يُؤذَن لِجميعِ المُؤمنين في دُخول الجنَّة، وهُم على القُنطُرة بعد الصِّراط.
 الشَّفاعة الثَّامنة: شَفاعتُه في أَهلِ الكَبائِر من أمَّتِه مِمَّن دَخَل النَّارَ فَيخرُجونَ مِنها. فَيخرُج كُلُّ من تَشفَّع إليهِ النَّبي، ولا تَتمُّ الشّفاعَة إلا بإذنِ الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق