السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-12-12

القدس الجريح

لا يتوفر نص بديل تلقائي.















عبد النور خبابة 
خطبة الجمعة 20 ربيع الأول 1439ه 
08 ديسمبر 2017م
المسجد العتيق اولاد لعياضي 
القدس الجريح 
الحمد لله فالق الحب والنوى،ومحيِّ العظام بعد الموت والبِلى،ومُنْزِلِ القطرِ والندى،أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الت ترى آلاءه العظمى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من وطئ الثرى،إمام التقى وعنوان الهدى فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء،ما تحقق لأمة الإسلام نصر أو بدا،وما تمسك عبد لله بدين الله ولنبيه اقتفى . أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المذنبة أولاً بتقوى الله في السر والعلن فهي سبب المدد من الواحد الأحد بأسباب النصر على الأعداء يقول الباري جلت قدرته :{بلى إن تَصْبِروا وتتقوا ويَأْتُوكُمْ من فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ الآفٍ من الملائِكةِ مُسَوِّمِينَ}ويقول سبحانه:{..وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(1) 
 يَعيثُ بأَرضِنا قِردٌ حَقيرٌ *** وخِنْزِيرٌ تَذَأَّبَ مُسْتَهِينايَدُوسُ القدسَ وا أسفا جهاراً *** وَحَوْلَ رُبُوعها قومي عِزِينا؟وَثَمَّ المسجدُ الأقصى يُنادي *** وَيَصْرُخُ في جموعِ المسلمينَاولكن لا ترى إلا نَؤُوماً *** تغافلَ عن نداءِ الصَّارخيناولا تلقى سو لاهٍ ضحُوكٍ *** كأنَّ القومَ مِنْ شكْرٍ عَمُوناأمة العزة والإباء
 إن للأجيال أمانة في أعناقنا ألا تُنسى القدس والمسجد الأقصى ومكانتهما في هذه الأمة،فالمسجد الأقصى ليس شأناً فلسطينيا خاصاً وإنما هو شأن الأمة الإسلامية جمعاء،فتاريخ المسجد الأقصى هو تاريخ الأنبياء من لدن أدم عليه لسلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي عرج به إلى السماء من ذلك المكان المبارك،وفي كل صلاة نذكره لأن الصلوات إنما فرضت في تلك الرحلة المباركة، فالمسجد الأقصى يمثل تاريخ التوحيد الذي كان الإسلام آخر حلقاته؛وإن كانت كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى فإن لبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين ذكرها ابن حجر في الفتح،و إن أول من سكن القدس قبائل الكنعانيين من العرب وسموها بأول اسم لها وهو (أور-سالم) أي مدينة السلام،وأخذ اليهود هذا الاسم وحرفوه كعادتهم ووضعوه في التوراة باسم أورشليم ، ،وذكرها صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء والمعراج باسم بيت المقدس ،وهي أرض مباركة نص القرآن على بركتها في أكثر من موضع منها:قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..}(2)وقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}وقوله:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} 
وقد وردت عدة أحاديث نبوية في فضل المسجد الأقصى منها:ما أخرجه الأمام أحمد أَنَّ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: ((أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَتْ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ)) وأخرج عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس))،بل هو أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال،أخرج البخاري والإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى))،وهو مسجد تضاعف فيه الصلوات،ولاتضاعف إلا في مسجد ذي فضل، أخرج البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه ((الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة،والصلاة في مسجدي بألف صلاة،والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة)) كان أول عهد القدس بالفتح الإسلامي في عهد الفاروق رضي الله عنه ورفض أهلها إلا أن يسلموا مفتاح المدينة لعمر بن الخطاب شخصياً فلما جاءه الخبر ركب إليهم ولم يبدل من مظهره ولا من مركبه لأن عزة الإسلام كانت تملأ قلبه فتنعكس على محياه هيبة وإجلالاً،فَقَدِمَ عليهم بثوبه المرقع أخذاً بلجام دابته التي يركب عليها مولاه،وهو يخوض في الطين رضي الله عنه فتسلم المفتاح وكتب لأهلها العهد المشهور ودخل دخول الفاتحين،ولما دخل بيت المقدس وجد على الصخرة زبالة عظيمة لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها،مقابلة لليهود الذين يصلون إليها،فأمر بإزالة النجاسة عنها،وكانت الصخرة مكشوفة حتى عهد الوليد بن عبد الملك الذي بنى القبة عليها،وكان أول سقوط للقدس في أيدي الصليبين في عام 492هـ حيث سلم القائد الفاطمي افتخار الدولة أخزاه الله القدس ودفع أيضاً مبلغاً من المال للقائد الصليبي ريموند مقابل الإبقاء على حياته وحرسه الخاص،وترك الصليبيين يذبحون أهل القدس حيث قتلوا بالمسجد وحده مايزيد على سبعين ألفاً حتى دخل قائدهم وهو يتلمس الطرق بين الجثث والدماء التي بلغت ركبته،وغير المجرمون من معالم المسجد فجعلوا جزء منه كنيسة وجزء سكناً لفرسانهم وبنوا بجواره مستودعا لأسلحتهم،أما مسجد الصخرة فحولوه إلى كنيسة ونصبوا فوق القبة صليباً كبيراً وانظروا إلى الفرق بين اليوم الذي تمكن فيه المسلمون حيث كان يوم أمن وأمان ويوم أن تمكن الصليبيون كيف جعلوه يوم موت ودماء ثم قيض الله للمسجد الأقصى المبارك القائد المؤمن صلاح الدين الأيوبي وكانت عودة المسجد الأقصى إلى مكانها الطبيعي في حيازة المسلمين يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب عام خمسمائة وثلاث وثمانون للهجرة،واستمر في عز المسلمين حتى كانت المؤامرة الدولية على الأرض المباركة وتسليمها لليهود،وقد فطن أهل فلسطين للمؤامرات من بدايتها وكانت هناك تضحيات وقصص عجيبة وكانت حرب 67م التي احتلت فيها دولة اليهود الجزء الشرقي من مدينة القدس ودأب الشبان الإسرائيليون على اقتحام المسجد الأقصى والرقص والغناء وإقامة الحفلات الخلاعية والاعتداء على المصلين فيه،ثم كان إحراق المسجد الأقصى في 21/8/1969م،واستبسل أهل القدس في إطفاء الحريق رغم محاولات اليهود تعطيلهم،واستمرت الحفريات لغرض هدم المسجد الأقصى،وهاهم إخواننا هناك مازالوا يعانون من بطش اليهود وظلمهم ولكن الله غالب على أمره.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول متى نصر الله " إخوة الإيمان، يؤكدّ قرآننا وسنة نبينا  وتقرّر عقيدتنا؟! ء أن الصراع بيننا وبين اليهود صراع عقيدة وهوية ووجود. ألم نقرأ قول الحق تبارك وتعالى:َ"َلتجدنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ"وقوله سبحانه:"َلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ،تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ"!
اقرؤوا التأريخ لتدركوا أن يهود الأمس سلف سيِّئ،ويهودَ اليوم خلف أسوأ،كفَّارُ النعم،ومحرِّفو الكلم، عُبَّاد العجل، قتلة الأنبياء، مكذِّبو الرسالات،خصوم الدعوات،شُذَّاذ الآفاق، حثالة البشرية، "من لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ".هؤلاء هم اليهود،سلسلةٌ متصلة من اللؤم والمكر والعناد،والبغي والشر والفساد،"َيَسْعَوْنَ في ٱلأرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ"حلقات من الغدر والكيد، والخسة والدناءة، تطاولوا على مقام الربوبية والألوهية،"َّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء "قَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ" تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.لقد رموا الرسل بالعظائم، واتهموهم بالشناعات والجرائم،آذوا موسى،وكفروا بعيسى، وقتلوا زكريا ويحيا، وحاولوا قتل محمد ،عملوا له السحر،ودسّوا له السمّ، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، "َفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ"ولعل ما شهدته الساحة الفلسطينية بشكل عام هذه الأيام من مشاهد مرعبة ومآسي مروِّعة حيث المجازر،والقذائف والدبابات،جُثثٌ وجماجم،حصار وتشريد،تقتيلٌ ودمار وحصار،في حرب إبادة بشعة، وانتهاك صارخ للقيم الإنسانية، وممارسة إرهاب الدولة الذي تقوم به الصهيونية العالمية، مما لم ولن ينساه التأريخ، بل سيسجّله بمداد قاتمة، تسطّرها دماء الأبرياء،الذين رويت الأرض بمسك دمائهم،من إخواننا وأخواتنا على أرض فلسطين المجاهدة، الذين يُذبَّحون ذبح الشياه.
عشراتُ المساجد دمرت،ومئات البيوت هُدّمت،وآلاف الأنفس أُزهقت،كم نساءٍ أيِّمت،وأطفالٍ يُتِّمت،ومقابر جماعية أقيمت،فإلى متى الذل والمهانة والضعف لهزيمة والاستسلام؟! والداهية الدهياء أن يعلن علجهم ان القدس عاصمة لإسرائيل ، القدس عاصمة فلسطين أمس واليوم وغدا ، وما يبعث على اللوعة والأسى إعلان وزارة الأوقاف رفع سلطتها على المسجد الاقصى ليكون بلا اذان وإمام ، في وقت يحل فيه خنزير بالجزائر تستقبله بعض نسائها بالعويل والتقبيل ؟ أما آن لهذا الهوان أن ينتهي،وللضعف والذل أن ينقضي،وليلِ الليل الطويل أن ينجلي؟ فهل تفيق أمتنا من سباتها؟ نداءٌ حار إلى أهل المليار وإلى قادة المسلمين أن أدركوا فلسطين قبل أن تضيع،واعملوا على إنقاذ الأقصى قبل أن يُستقصى. لقد نكأت الأوضاع المستجدة فلسطين الجراح،فأين منا خالد والمثنَّى وصلاح؟!يا ويح أمتِنا ماذا أصابها؟!
الخطبة الثانية:
الحمد لله الأحد الواحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو المستعان على ما نرى ونشاهد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد عظم البلاء وقلّ المساعد، وحسبنا الله ونعم الوكيل وقد عظم الخطب والكرب زائد، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل أسوة وأكرم مجاهد، صلى الله عليه وعلى آله أولي المكارم والمحامد، وصحبه السادة الأماجد، والتابعين ومن تبعهم بأحسن السبل وأصح العقائد، وسلم تسليماً كثيراً. 
أيها الإخوة في الله، لعلّ اللبنة الأولى في مواجهة هذا الصراع مع العدو الصهيوني الغاشم هي العودة إلى الذات، إصلاحُ بناء الأمة من الداخل، اعتصامُها بحبل الله وسنة رسوله ، والوقوفُ صفاً واحداً أمام العدو المتربِّص، والتفطّنُ للعدو من الصديق، في الوقت الذي تواجه فيه الأمة ألواناً من التحديات، يتولى كبرها والتخطيط لها حكام صهيون، وأذنابهم وأفراخهم، في حروبٍ معلنة وخفية،حتى بلغوا مبلغاً خطيراً،في الأمة أشتاتٌ متنافرون، لعبت بهم الفرقة والخلافات والأهواء، واكتوت قلوبهم بالحسد والبغضاء، والتباغض والشحناء، وأشغِل كثير منهم بالبدع والمحدثات، ولربما تشاءموا من بعض الشهور والأيام، وذوي العاهات والأسقام.إنها دعوة للأمة إلى أنه لا يستردُّ مجدٌ ولا يُطلب نصرٌ إلا بالسير على خُطى سلف هذه الأمة، فليس يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولها.
الدعاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق