السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2018-05-26

العِلمُ والعَلَمُ



ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏2‏ شخصان‏، و‏‏لحية‏‏‏





العِلمُ والعَلَمُ 
من قال أنّ النّجوم حين تتفجّر تموت ، ومن قال أنّ الشّمعة حين تنطفئ يذهب نورها ، ومن قال أنّ المصباح المتكسّر تبرد حرارته ، ومن قال أنّ العلم يوارى الثّرى بموت أصحابه الذين أنجبوه ورحلوا ، من قال أنّ الذّكرى التي يحفرونها في أرض صلبة لا تنبت طويلا ، من قال أنّ الضّوء الذي أوقدوه بعقولنا سيبهت مع الأيّام ويخفت في قلوب صغاره .
إنّه يوم 16 أفريل لحظة أفول وتفجّر جديد ، ساعة موت وانبعاث آخر ، هم هكذا رجال العلم يجمعون بين النّقيضين كمعجزة إلهية خالدة في لوح خصالهم ، باقية في دفاتر أفكارهم ، حيّة في سجلاّت التاريخ ، ولعلّه يوم جمعنا لندرك أنّ بذرة تعبهم قد أزهرت فينا ، وأنّهم لا يزالون يتابعون حياتهم بداخلنا ، وأنّنا صرنا أيديهم التي تكتب ما انقطعوا عنه لحظة فراق محتّم .
لذلك أحبّائي وجودكم سيكتب بدلا عنهم ، سيحيي الأرض التي تركوها عامرة ، ستستذكر حناجركم أفكارهم كي لا ننسى أنّ العلم توارث بين الأفراد لأنّ دم الإسلام والعروبة واحد ، وأنا أشكر كلّ من حضر اليوم إحياء لذكرى العلم والعلماء مع جزمي بأنّ شموع قلوبكم وعقولكم ستبقى متوقّدة منتبهة لهذا الانفجار الهادئ الذي ستحدثه بعض الأصوات والأقلام لتصنع لنا حفلا فكريا لا ينسى بمجموعة من النشاطات و المسابقات والتكريمات..
ما أوسع باب العلم وما أضيق نوافذ الجهل فليس بينهما رابطة دم فكريّة تقوّم العقل وتجعل منه منارة مضيئة لا يدركها إلاّ من غالب المسالك الوعرة ، وداهم بقوّة غلظة اللّيل التي قبعت سنينا وأعواما في لوح العقول التي داهمها الاحتلال وحاول جاهدا أن يطفئ موقد العروبة ، وشعلة اللّغة التي كان لها حماة لا يعرفون من جور الطّبيعة غير الإقدام .
وقد كان العلامة عبد الحميد بن باديس الوجه الآخر لأشعّة النّجوم التي سطعت رغم السّحب المطرّزة بطمس الهوية التي ظلّت كالبرق والرّعد والغضب تنزل قاصفة راعدة تجلجل بأجراسها خبث الاستعمار .
وتخليدا لروح هذه القامة النّورانية التي جابهت جرثومة الاستعمار بهوادة دون أن يكون لها موضع قدم في عقول الجزائريين الذين يدركون تماما أنّ الخضوع الحقيقي ليس خضوع الجسد بل العقل والفكر والانتماء لذلك على مقدار هذه التّضحيات التي قدّمها علماء الفكر واللغة والوطنية تبقى أرواحنا عاجزة عن تقدير هذا الدّرع الإنساني المتين الذي بنوه بعزيمة متناهية لتبقى لغتنا سالمة في ألسنتنا ، وتبقى هويّتنا محفوظة في صدورنا ، وتبقى الوطنيّة وحبّ الوطن أرضية ثابتة لأحلامنا وأمنياتنا .
نحتفي بهم لأجل العلم ، نحتفي بالعلم لأجلهم ، نحتفي بتضحياتهم ، نحتفي بمحصولهم الفكري الوافر الذي ما جاع بعده عقل ، ولا زاغت بعده نظرة ، ولا ذبلت بعده فكرة بل بقيت فينا أرواحهم كأنفاس العلم التي تتصاعد كالبرهان في مساحة كلّ قلب ، وسماء كلّ روح ، ونافذة كلّ عقل ، وبستان كلّ مزارع ، وسطوة كلّ معلم لتبقى شعلة العلم متوقّدة ، لتبقى تعاليمهم مرسما و تذكارا أبديا تتقلّده الأجيال جيلا بعد جيل لنحتفي بانتصار العلم على الجهل ، وغلبة الفكر على الوهم ، وتفوّق الحقيقة على الخيال ، وفوز الإيمان على الرّيب ، وانقداح شعاع الإرادة والعزيمة رغم عنف الرّياح الهادمة .
إنّه العلم الذي يستأصل الظلام ويزيد نهارك ضياء وينعش أملك الخائب ، ويوضح لك في غيوم السّماء لطائف الحقّ ، إنّه العلم الذي يجعل من البشر إنسانا يدع الممكن ليأخذ المستحيل ، يسابق لجج النّسيان ليظفر بقلب الذّاكرة . إنّه العلم الذي يدسّ فضيلته في العقل لتطفو ألفاظه في الوجود ، في قلب الإنسان ، في نصف الحياة ونصف القوة ونصف الضّعف ليكمّل معانيها ويلقي النّور في ظلّها ، وشعاع الرّؤية في دمها لتبقى الحياة بين الضّحى والظّهر ، بين السّاحل والبحر ، بين الدّنيا وصراط القضاء متموّجة لا ترسو على برّ دون لفحات العلم التي تجابه صخور الجهل لتحطّمها .
فالعلم نور العين ، وجذع الحياة ، ومتّكأ الرّوح ، ومعبر السّعادة ، وملاذ الأمم في ارتقائها ، ومعرفة الكون الذي تسير فيه دون أن تضيّع الطّريق .
لذلك لا يسعني سوى أن أحمل شمعة الكلمات وأتأمّلها وأنا أمازج في خلسة نورها ، وأطلق سراح الحمام الذي في صدري وأركن إلى ظلّي ، إلى حماسة العمر ، وعاطفة البصير ة التي أوقدها رجال عظماء لم يوقفهم ظرف أو قصف أو خوف 
في 27 رجب 1439 هـ الموافق لـ 14 أفريل 2018م
بقلم عبد النور خبابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق