السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-06-08

لماذا أخجل من نفسي؟!


أعزَّائي القُرَّاء، سنبدأ مشوارَنا في البحث والنَّظر، عن أفضل وأحسن قَدَر؛ وليس ذلك بالأمر المذموم؛ لأننا عندما نُفكِّر بالأسباب، ونتوكَّل على ربِّ الأرباب، نكون كمن يَفِرُّ مَن قَدَرِ الله، إلى قَدَرِ الله، فهذا ما ورد عن عُمر، كما صحَّ في الخبر.
رضي الله عنه وعن سائر الصَّحابة الكرام، وجمعنا بهم في جنَّات ونَهَر، في مقعد صدقٍ عند مليك مُقتدِر.
قرَّاءنا الأفاضل، حديثنا اليوم مُفعَمٌ بالحب والائتلاف، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد بيننا اختلاف، وقد يَهمِس بعضُكم: مختلفين؟ أَمِن البداية ستتحدَّثين عن الخلاف؟! لمَ لا تؤجِّلين الموضوعَ، ودعينا نقرأ كلمتين، عن الأُلفة والأُلَّاف، واتركي قصصَ الخلاف!!
معكم حق قرَّاءنا الأكارم، ونزولاً عند رغبتكم المقدَّرة، سأنتقل إلى القصة مباشرة، والقصة بعُنوان: (أنا من نَفْسي خجلان!!)
كان لدى امرأة مُسنَّة إناءان كبيران، تَنقُل بهما الماءَ، من النهر إلى بيتها، وتحملهما على كَتِفيها، مربوطين بعمود خشبي، أحدُ الإناءين كان بحالة ممتازة، أما الآخر فكان به شرخٌ يُسرِّبُ الماء، ولمدة سنتين كاملتين، كانت السيِّدة المُسنَّة تَصِل إلى منزلها بإناء مملوء بالماء، وآخر ليس فيه إلا نصف الكَمِّية فقط.
خلال تلك الفترة، كان الإناء السليم يزهو بعمله التام، ويفتخر أمام صاحبه بمدى قدراته وإتقانه، بينما يعتري الإناء المشروخ شعورٌ بالنقصِ، واحتقار النَّفس؛ لعدم قدرته على إتمام ما هو مُتوقَّع منه!!
وفي يوم من الأيَّام، وبعد مرور سنتين من المرارة والإحساس بالفشل، تكلَّم الإناء المشروخ مع صاحبته، وقال لها بصوتٍ مخنوق:
"أنا خَجِلٌ جدًّا من نَفْسي، إنني عاجزٌ، ولديَّ شرخٌ يُسرِّب الماء، ولا أستطيع الحِفاظ على كل الكَمِّيَّة في طريق عودتنا إلى المنزل".
ابتسمت المرأةُ وقالت:
"لكن، ألم تُلاحِظ الزهورَ التي نبتت وتفتَّحت على جانب الطريق من ناحيتكَ، بينما لا يوجد أي من هذه النباتات الجميلة في الجانب الآخر؟"
ثم استدركت حاملةً الإناء بين يديها:
"لا تقلق، أنا أعلمُ تمامًا عن الشَّرخ الذي يُفقِدك الماء، ولذلك غرستُ البذور على طول الطريق من جِهَتك، حتى ترويها في طريق عودتنا إلى البيت، ولمدة سنتين متواصلتين، كنتُ أَقطِف من هذه الورود الرائعة ما أُزيِّن بها منزلي، وأبيع الباقي لجيراني.
اطمئنَّ أيها الإناء، إنه لو لم يكن فيك ما أنت عليه، فما كان لي أن أَجِد هذا الجمال، ولم أكن لأكسب هذا المال"!!
الاختلاف أمرٌ واقعٌ، لا يحتاج إثبات وجوده إلى دليل أو حُجَّة، لكن مَن قال بأنَّ الاختلاف مآله إلى شِقاق ومُنافرة؟! على العكس من ذلك؛ فاستثمار تفاوت الأفهام والمعارف، والقدرات والأدوات، وبالطريقة الصحيحة، هو أفضل مُتاجرة؛ لأن عائِدَهُ إغناء النظر، وتعدُّد الإنجازات، وتَكامُل الخُطُوات، وتنوُّع وغنى في الأعمال والمشاريع، وطالما أنَّ الطريق واحد، والمَقصِد وحيد، فلا بأس إن اختلفت وسائلنا، وتعدَّدت مداخلنا.
إن كل واحد منَّا لا شكَّ عنده ضَعْف في جانب من الجوانب، وبسبب هذه الشروخ، تتداخل حيواتنا مع بعضها البعض، وتتكامَل حاجاتنا لبعضنا البعض، بطريقة عجيبة ومؤثِّرة.
لكنَّ أمرًا في غاية الضرورة علينا أن نبدأ به: إنه التقبُّل ... نعم، أن يتقبَّل بعضنا بعضًا على ما نَمتلِكه من قُدرات، وإلا سيَظلُّ كل واحد منا مشغول "بالتعييب والتعيير"، وقلَّة التقدير، ولن نَنتقِل إلى مرحلة البحث عن أدوار إيجابية تتناسب مع القدرات المختلفة.
من هنا نبدأ: من الإيمان الفعلي بأن (كلٌّ مُيسَّر لما خُلِق له)... مع المراعاة الحقيقية بأنَّ الله ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].
فإلى كلِّ الذين يشعرون بالاختلاف أو بالعجز أو النقص، أقول لهم: إذا لم يُعجِبكم ما حصلتم عليه من مواهب وقدرات، فانظروا إلى ما تمنحونه لغيركم من أعمال وإنجازات.
التفتوا إلى جانب الطريق المُزهِر، إلى النواحي المُشرِقة في حياتكم، وشاهدوا أزهارَ المحبَّة والمودة التي نبتت في قلوب من حولكم، واشكروا مولاكم، على ما أولاكم...
اشكروه - بالحد الأدنى - على فمٍ بالذِّكر عاطر، وقلبٍ بالأنس عامر، وعمرٍ بالخير زاخر.
اشكروه على مُعلِّم وفيٍّ، وخِلٍّ تقي، وأخٍ زكي نقي...
إن الحياة لا تُعطيكم إلا بقدر ما تعطونها، ولا تَحرِمُكُم إلا بقدر ما تَحرِموا أنفسكم منها، فاعملوا على قَدْرِ ما أوتيتم، ولا تأسوا على ما فاتكم، فقد يكون الخير فيما كَرِهتموه، ويكون الشرُّ فيما رغِبتموه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
دُمْتم في انسجام وائتلاف..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق