السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2013-06-28

أثر الصّدق في المعاملة والبيع





بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 
عن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:      البيِّعان  بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما   متفق عليه. 

هذا الحديث حديث عظيم، وهو كما ترون في الصحة متفق عليه، حديث صحيح، عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   البيعان بالخيار   البيعان يعني المتبايعان، المراد بهما البائع والمشتري، كل منهما يقال إنه بيِّع، وهما متبايعان؛ لأن في الحقيقة كل من البائع والمشتري يبذل عوضًا ويأخذ بدله، فمعنى البيع موجود في الطرفين، معنى البيع معاوضة مالية، معنى البيع موجود في الطرفين إلا إنه غلب، يعني إطلاق اسم البائع على باذل السلعة، والمشتري على باذل الثمن، وذلك أظهر ما يكون إذا كان الثمن يعني نقديا من الأثمان كالذهب والفضة وما قام مقامهما. 
فهنا يتبين البائع من المشتري، ويتبين بالطلب، المشتري في الغالب هو الطالب، وإلا فقد يكون مثلًا قد يكون الثمن عروضا، أبيعك هذا الثوب، أو يقول المشتري الطالب: بعني هذا الثوب بهذا الكتاب، ما فيه أثمان، ما فيه نقود، فمن هو المشتري؟ المشتري هو باذل الكتاب؛ لأنه هو الذي طلب قال بعني، بعني هذا الثوب، صار كل منهما باذلا للسلعة، يعني في هذه الطرق كل منهما بذل سلعة. وقد ينعكس ويأتي صاحب الثوب ويقول بعني هذا الكتاب بهذا الثوب فيكون هو المشتري. 
 البيعان بالخيار   بالخيار، الخيار اسم مصدر من اختار يختار اختيارًا، وهو اختيار أحد يعني خير الأمرين، يعني اختر يعني اطلب خير الأمرين، إذا خُيِّر الإنسان بين أمرين فإنه يبحث عن خيرهما، ويطلب خيرهما، بالخيار يعني هما بالخيار أي بالاختيار، أي كل منهما متلبس بالاختيار، فالباء للملابسة، كل منهما، البيعان بالخيار، المتبايعان هما بالخيار في إمضاء البيع أو فسخه، كل من المتبايعين. 
لكن متى يكونان متبايعين؟ هما لا يكونان متبايعين إلا إذا صدر منهما القبول والإيجاب، إذا صدر منهما القبول والإيجاب صارا بيعين ومتبايعين، فالمتبايعان هما بالخيار، إذا قال أحدهما بعت، وقال الآخر قبلت، هما الآن بيعان ومتبايعان، وهما حينئذ بالخيار، أي في حكم الاختيار، كل منهما له حق الإمضاء أو الفسخ، إلا في حالين: 
أما أحدهما فذكر في هذا الحديث، ما لم يتفرقا، إذا تفرقا ولم يفسخ واحد منهما البيع فقد وجب البيع، كما جاء في الحديث الآخر، ما لم يتفرقا فإن تفرقا ولم يفسخ واحد منهما البيع فقد وجب البيع، يعني لزم البيع، وأصبح لا يمكن لواحد منهما الفسخ إلا برضا الآخر، وينتقل الحكم إلى الإقالة، حكم الإقالة، أما ما دام في مجلس العقد فكل منهما بالخيار. 
ويجب البيع إذا أسقطاه أو أحدهما وكان العقد صفقة، يعني صفقة بيع بدون خيار؛ ولهذا جاء في الحديث ما لم يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فقد وجب البيع، يعني من قبله، يعني لا تختر أنا خلاص أمضيت البيع، انتهى، يعني معناه أنه أسقط حقه في الخيار وهذا حقه، ما لم يتفرقا أو تكون صفقة خيار بمعنى أنه لا خيار فقد يسقطان وقد يسقطه أحدهما، فإن قال أحدهما اختر أو قال أنا لا خيار لي، أو اتفقا بعد أن يعني عقدا البيع أن لا خيار فالحمد لله وجب البيع، الأمر إلي. 
قال في هذا الحديث: "ما لم يتفرقا". قال:   فإن صدقا وبيّ
نا بورك لهما في بيعهما   هذه دلالة أنه يجب على المتبايعين الصدق في ما يخبران به عن قدر المبيع والثمن وعن صفة المبيع، وصفة الثمن، ويجب عليهما البيان أيضًا، يجب عليهما الصدق فيما يخبران به من صفة المبيع، من صفة العوض، ويجب عليهما أن يبينا أيضًا، يعني ما يكفي أن يقول ما قلت له شيء أنا ما قلت إنه سليم، ما قلت إنه بهذه، بل عليه أن يبين الأمر الذي يعني يطلبه الطرف الآخر، يهمه العلم به وله أثر في قيمة العوض، العوض اللي يتأثر بالصفة زيادة وبالعيوب نقصًا. 
فلا بد أن يبينا،   فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما   هذا هو الثمرة، والبركة هي كثرة الخير والنماء، بورك لهما في بيعهما وكانت تجارتهما مباركة وكان هذا البيع مباركًا، مباركًا عاجلًا وآجلًا، فبصدقهما يكون العقد صحيحًا ويرجى أن تكون هذه التجارة نافعة مربحة إن كان المقصود بها الربح، ونافعة إن كان المقصود منها الانتفاع، بورك لهما في بيعهما، يكون العوض ما يأخذه كل واحد من المتبايعين، حلالًا، حلالا وهذه بركة، كون العوض ما يصل إليك حلال، أي بركة، هذا مطلب. 
 فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما   بورك لهما يعني بارك الله، الفعل مبني للمجهول بل للمفعول، والذي يجعل البركة هو الله تعالى بورك لهما أي بارك الله لهما في بيعهما، فبارك الله لكل واحد من المتبايعين بما في يده، هذا أخذ السلعة وانتفع بها ويمكن إنه يروح يقصد منها التجارة فيبيعها فيرزق، وهذا أخذ الثمن وهكذا، بارك الله لهما في بيعهما. 
يضاف إلى هذا الثواب الأخروي على تحري الصدق؛ لأن المسلم يلتزم بما أوجب الله عليه رجاء ثواب الله، فهو يصدق ويبين رجاء ثواب الله، يرجو ثواب الله، فيفوز بالثمرة العاجلة، وهي البركة فيما أخذ، والثواب على الصدق والبيان والالتزام بحكم الشرع في المعاملة، التقيد بالشريعة عمل عبادي، عمل عبادي، عبادة. التاجر يتعبد لله ويعبد الله بالالتزام بالشريعة في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه وتعاملاته، فهو يراقب ربه، يراقب ربه،   فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما   . 
وفي المقابل على النقيض وإن كذبا، إن كذبا فيما يخبران به من حال العوض البائع أو المشتري، وكتما ما يخفى، كتماه مع العلم محقت بركة بيعهما، محق، المحق هو الإتلاف والإهلاك   يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ   يربي الصدقات يضاعفها وينميها وتكون أضعافًا مضاعفة، أما الربا فهو ممحوق يمحق الله الربا. 
وهكذا البيوع التي لا تشتمل على ما يجب من الصدق والبيان بل على الكذب. التجارة التي تقوم على الكذب والغش والكتمان تكون ممحوقة البركة، يعني لا بركة فيها، ولا خير فيها، فهذا المال أولًا إن الكاذب الكاتم يأثم على كذبه وكتمانه، إثم، يكون عاصيًا آثمًا متعرضًا للعقاب، ويكون أيضًا نتيجة أخرى عاجلة، وهي أن يكون العوض الذي يأخذه من ناحية أيضًا ممحوق البركة، لا يبارك له فيه، يمكن يتعرض للتلف، ولا يربح في السلعة التي اشتراها على هذا الوجه، لا يربح فيها، ولا يهنأ فيها، لا تكون هنيئة ولا ينتفع بها يمكن أن يتلفها الله عليه، يمحقها عليه، فلا ينتفع بها عقوبة، عقوبة معجلة إن كذبا وكتما. 
وكلمة صدقا وبينا، ما هو بشرط أن يكون الصدق منهما أو الكذب منهما، يعني معناها أن من صدق بورك له، وأثيب، ومن كذب منهما، فقد يصدقان ويبينان كل منهما يكون صادقًا وناصحًا وصدوقًا، وقد يكون كل منهما مثل الآخر، كل منهما كاذب محتال خداع غاش، وقد يكون الغش والكتمان والكذب من أحدهما دون الآخر هذا هو الجاري، فمن صدق بورك له، من صدق وبين بورك له، ومن كذب منهما كذلك، وإن صدقا وبينا بورك لكل منهما، وإن كذبا جميعًا، كل منهما يعني متشابهان، أحيانًا يكون كل من المتبايعين متشابهين في المدح والذم، فالإيمان والخوف من الله كل منهما يتحرى الصدق، كل منهما يصدق في معاملته، وينصح لأخيه، ويبين ولا يكتم ولا يكذب، وأهل الجهل وقلة الخوف من الله يجترئون على ما حرم الله من الكذب والكتمان. 
فالحديث في الحقيقة منهج، هذا الحديث منهج في المعاملة، في التجارة، ولا يختص هذا بالبيع هذا يشمل كل العقود، عقود المعاوضات، العقود كلها يجب فيها الصدق والبيان، البيع والإجارة والشركات، عقود الشركة، مساقات، مزارعات مضاربات، كلها، يعني هذا المنهج لا يختص بالبيعين بالمتبايعين، بل ورد لفظه في المتبايعين ومعناه أن حكمه شامل لسائر المتعاقدين، حتى عقد النكاح يجب فيه الصدق والبيان ويجب الحذر من الكذب والكتمان. 
فهذا الحديث أصل في خيار المجلس، وقد جاء ذكر خيار المجلس في غير حديث، من حديث حكيم بن حزام، وحديث ابن عمر وغيرهما، خيار المجلس؛ المراد به مجلس العقد، المجلس الذي جرى فيه عقد البيع، وأضيف للمجلس لأن حكم الاختيار مرتبط بالبقاء في المجلس، فإن تفرقا فقد وجب البيع؛ ولهذا قال في الحديث ما لم يتفرقا، وجاء التصريح بأنه فإن تفرقا فقد وجب البيع، إذا تفرقا قبل أن يفسخ أحدهما البيع، فقد وجب البيع. 
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم وقالوا إن المراد بالتفرق تفرق الأبدان، التفرق بالأبدان، أجريا العقد في هذا المكان وجلسا وبقيا يتحدثان فهما بالخيار ما داما باقيين، فإن تفرقا من غير احتيال تفرقا عاديا، قاموا، السلام عليكم، كل واحد في طريقه، أو قام واحد في حاجة أو قام أحدهما لحاجة فقد حصل التفرق. 
وهذا الخيار له حكمة، وهو أن الإنسان قد يستعجل في التصرف بالبيع أو الشراء ثم يندم، فمن حكمة الله أن جعل للإنسان فرصة يمكنه التدارك، يعني لو كان إذا قال الواحد بعتك وقال الثاني اشتريت لزم البيع، لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني قد يبدر من الإنسان بلحظة تعجل، فلو كان يجب عليه، فلو كان البيع يلزمه في هذه اللحظة يعني حصل حرج عظيم على بعض الناس، لكن ما دام فيه نفس، ما داموا واقفين في المقام، في الموقف، ما داموا جالسين كل واحد عنده فرصة يمكن يهون، وهكذا في مكان السوم، الدلّال الآن يعرض السلعة ثم قبلها، المشتري قبلها، ما دام أنهم واقفون مع بعض يمكن الوعد، لأن هذا الموقف الآن هو مجلس، والحديث ما فيه ما لم يتفرقا، البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، سواء كان في مجلس مما يسمى بمجلس، وقد يكونا واقفين، المراد من المجلس هو مكان العقد، المكان الذي جرى فيه العقد. 
وقال بعض أهل العلم إنه لا خيار؛ لأن لا خيار إذا حصل الإيجاب والقبول تم البيع، مثل ما في النكاح زوجتك وقبلت، النكاح ما فيه خيار، فإذا قال أحدهما بعتك وقال الثاني قبلت، فقد وجب البيع. وتأولوا هذا الحديث تأويلا مردودا وضعيفا، قوله ما لم يتفرقا يعني بالأقوال ليس المراد التفرق بالأبدان، بل التفرق بالأقوال. 

وكيف يكون التفرق بالأقوال، التفرق بالأقوال بأن يقول أحدهما بعت والثاني يكون اشتريت، يعني معناه كل واحد أتى بالصيغة المناسبة، طيب متى الخيار، متى على هذا المذهب، متى الخيار؟ الخيار في هذا الحديث ما داموا في مقام السوم بس والعرض، وهل كانا متبايعين، هل كانا بيعين ما داموا لم يقع من أحدهما إيجاب ولا قبول، لم يتم منهما إيجاب ولا قبول، هل صارا متبايعين؟ ما فيه، يقولون إن هذا الحديث معناه أن المتبايعين يعني بالمتبايعين أو البيعين إنه العارض لسلعته، والسائل، يعني في مقام السوم، كل منهما بالخيار. 
فإذا حصل الإيجاب والقبول قال بعت وقال الثاني اشتريت، فقد وجب البيع ولا خيار للمجلس ولا شيء، وهذا وإن قال به أئمة وعلماء كثير فهو قول مردود يرده ظاهر الحديث، وترده الألفاظ الصريحة، وفي الحديث الآخر ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله، لا يحل له أن يفارقه يعني ببدنه، خشية أن يستقيله، ثم لفظ ما لم يتفرقا، التفرق معروف لغة، الناس اجتمعوا في المكان ثم تفرقوا. 
فهذا الحديث وما في معناه أصل في خيار المجلس، والخيارات تعرفون أن الخيارات في البيع متعددة: خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار كذا، وخيار العيب، وخيار... إلى آخره خيار التدليس، والحديث كذلك دليل على وجوب الصدق والبيان في العقود، في البيع والشراء والإجارة وسائر العقود، يجب الصدق والبيان، وفيه دلالة على تحريم الغش بأنواعه. 
والغش إما أن يكون بإظهار السلعة على خلاف ما هي عليه، مثل المدلس اللي يدلس السلعة ويظهرها بصورة يعني صورة ترغب المشتري، هذا من نوع الكتمان العملي، كتمان عملي، وكذب عملي، كذب عملي، وكتمان عملي، قال كتسويد شعر الجارية وتحمير وجهها، وكذلك المصراة جمع لبن البهيمة فيها، إبرازها على أنها ذات لبن كثير، هذا من الغش، وفي الحديث الصحيح:   من غشنا فليس منا   فالغاش كاتم، كاتم للعيب. 
ومن هذا الحديث وأمثاله أخذ العلماء خيار مثلًا العيب، وخيار التدليس، خيار العيب بعيب تكون السلعة فيها عيب، الدابة فيها مرض، السيارة فيها خلل، فالبائع يكتم ما يبين هذه السلعة قدامك، وهو يعرف العيب، والصحيح أنه لا تصح البراءة من العيب المعلوم، هذا بالاتفاق، البراءة من العيب المعلوم لو عرض السلعة وقال أنا ترى ما لي شغل اشتري هذه السلعة وأنا خلاص، على ما هي عليه، ما دام يعلم العيب فهذا لا تبرأ ذمته أبدًا. 
لكن اختلف العلماء في البراءة من العيب المجهول، العيب المجهول يعني إنسان عنده الدابة ما يدري عنها، السيارة ما يدري، الصحيح أنه ما يعرف فيها عيبا هو ما يعرف فقال والله أنا ما أدري، ترى أنا مالي شغل، أنت اشتر وافحص وطالع وانظر، وأنا ما أعرف، إذا كان لا يعرف فالصحيح أنه تبرأ، يبرأ لأن العيب مجهول وقد شرط البراءة من عيب مجهول، لكن لو شرط البراءة وهو يعلم العيب فإن ذلك لا ينفعه؛ لأنه كاذب ماكر خادع، لم يصدق، وكونه يشرط البراءة هذا ضرب من الاحتيال، فإن صدقا وبينا ففي الحديث دلالة على ثبوت خيار المجلس، والقول به هو الصواب قطعًا، والقول الآخر مردود وفيه دلالة على فضل الصدق. 
والأحاديث والآيات في فضل الصدق كثيرة   إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن العبد ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا   فيه دلالة على تحريم الكذب والكذب حرام في كل شيء، لكن الكذب في المعاملة يتضمن الكذب والظلم وأكل المال بالباطل، شوف كيف يجتمع على الكاذب في المعاملة، كذب وظلم للآخر، وأكل المال بالباطل، فهذا الكاذب في معاملته، ارتكب معصية الكذب، وظلم الطرف الآخر، وما يأخذه بالكذب هو حرام عليه، فهو يأكل المال بالباطل فيجتمع عليه يعني عدة بلايا.   فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما   وفي هذا الحديث دلالة على فضل الصدق، وحسن عاقبة أهله، وتحريم الكذب وسوء عاقبة أهله، عاجلًا وآجلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق