السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2012-01-07

ما أراه في فن ثقافة النقد:

ما أراه في فن ثقافة النقد:

 الحركة الإسلامية تدور في فلكين متلازمين لا يفصل بينهما إلا شعرة دقيقة.. هي بمثابة العلامة الفارقة بين الأمرين.. والبون شاسع بين الجلد والنقد.
هذان الفلكان ما أشد اختلاطهما على الكثير منا.. وللأسف الشديد كثيرا ً ما نقوم بالأول "جلد الذات" ونقع فيه رغم ضرره الشديد وأثره الهدام.
ومع شدة حاجتنا للثاني "نقد الذات" .. فإنا قليلا ً جدا ً ما نقوم به على الوجه الأمثل.
ولذلك ترى ما الفرق بين جلد الذات ونقد الذات؟
وما أهمية هذا الفرق؟
إن الفرق كبير.. والأهمية عظيمة .
جلد الـذات
فكما يقول علماء النفس:
هو شعور سلبي يتنامى دائما ً في أوقات الهزائم والإحباطات بسبب مناخ الهزيمة عندما يخيم على الأجواء.. بحيث تتوارى النجاحات " والتي غالبا ًما تكون قليلة أو باهتة" ويتصدر الفشل واجهة الصدارة .
والشعور السلبي المتمثل في جلد الذات ينبع من رغبة دفينة بالتغلب على الفشل.. ولكن ليس عن طريق مواجهته..  وإنما بالهروب منه " أو ما يعرف بالهروب إلى الداخل .. حيث ينزوي الإنسان ويتقوقع داخل هذا الحيز الضيق من الشعور بالعجز و الفشل".
وذلك لعجز الفرد عن إدراك مواطن قوته ومواطن ضعفه وأيضاً مواطن قوة وضعف أعدائه "أو تحدياته" .. ويسرف بدلا ًمن ذلك في تهميش كل قوة له ويعطى لعدوه "أو تحدياته قوة أكثر بكثير مما هي عليه في الحقيقة".
فجلد الذات هو حيلة العجز ومطية الفشل ومهرب الجبن .
ودائما ً ما تكون هناك حجج لتبرير الشعور بالعجز ذات أسماء براقة للتمويه وخداع النفس "أو خداع الآخرين" مثل الواقعية أو مسايرة الأحداث أو الرضا بالأمر الواقع .
نقد الذات
أما نقد الذات فهو شعور إيجابي ناضج يتلمس معرفة مواطن القوة ومواطن الضعف بصدق وموضوعية .. أي أنه يقيسها ويقيمها ولا يهمشها أو يتخيلها.
ونقد الذات ليست له أوقات محددة..  ولكن له عقليات محددة تجيد قراءة نفسها ومحيطها .
وبالتالي لا تخشى مواجهة الأعداء أو التحديات.. وإنما تأخذ بأسباب النجاح والوصول إلى الهدف عن طريق التخطيط الجيد والاستفادة من أخطاء الماضي.
ونقد الذات ليس "هروبا ً" إلى الأمام كما قد توحي المقارنة مع جلد الذات .. حيث أن الهروب إلى الأمام يتضمن بعض الشجاعة .. ولكنه هروب اليائس من النصر فيفر للأمام لعله يجد حتفه فيرتاح أو لعله لم يجد مهربا ً إلى الخلف ففر للأمام .
ونقد الذات يسد الطريق على الهزيمة النفسية التي تأتي من الاستسلام لنوازع ودواعي الفشل .. ويزرع في النفس بذور المقاومة والوعي.. ويمدها بالمناعة والتحصينات اللازمة لمقاومة أعدائها ومجابهة تحدياتها .
ونقد الذات لا يحتاج إلى حجج أو مبررات أو تسميات.. وإنما يستمد قوته من إحساس داخلي عميق بالقوة وبالقدرة على المواجهة .. نما من يقين وإيمان تام بأن أسباب القوة والمواجهة المظفرة كامنة في النفس.. تحتاج فقط لمجرد استنفار وليس إيجاد من عدم .
والشعور الإيجابي المتمثل في نقد الذات ينبع من إيمان صادق ومبدأ ثابت ورغبة حقيقية في النجاح.. مما يعطيه الدفعة والقوة و"الثقة" للوصول إلى الهدف .
والهدف هنا هو القناعة الذاتية والتثبت الداخلي من توفر إمكانية النصر وكسب التحديات.. وهى الركن الركين وأهم أسباب القوة.
 فعندما يعرف عدوك أنك لا شك منتصر.. فمن البديهي أن يوقن أنه لا شك منهزم .
وكما يقول د/ سلمان العودة في كتابه "لماذا نخاف النقد":
إن النقد في الشرع يعني معرفة الخطأ والصواب.. ويعني الثناء على الخير ومدحه.. وذم الشر ونقده.. سواء أكان هذا الخير أو الشر في شخص.. أو كتاب أو عمل أو هيئة أو دولة أو جماعة أو أمة أو غير ذلك".
وهذا هو المعروف لدى أهل العلم والإيمان أفرادًا.
فهناك موازنة بين جهتين في الشيء أو الفعل..  ثم فيه تثبيت لإحداهما ونفي للأخرى.
ومن هنا أقول:
 إن عملية النقد في معناها الحقيقي ممارسة الملاحظة الدقيقة على الفعل البشري في أي صورة كان.. فكرة أو ممارسة.. ووزنه بالمعيار العلمي.. وإعمال الموازنة بين سلبياته وإيجابياته.. ثم محاولة الحفاظ على الإيجابي منه وتثمينه.. والدفع به إلى الاستمرار .. والبحث عن كوامن الزلل والانحراف والغلو المنتجة للجانب السلبي..  لذلك الفعل وتفكيكها وعزل مفعولها وتقويم ذلك الزلل حتى لا تحدث هزة في الفعل..  وحتى يتكامل الفعل وينمو خاليا ً من كوامن الخلل.. ويؤتي ثماره.
والنقد بالمفهوم الإيجابي رصد الإنسان في دوائره المتعددة فرداً وجماعة..  وتمحيص ما كسب وما اكتسب بالتعبير القرآني " لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ"
حيث يزن الإنسان أو الفعل بحسناته وسيئاته.. ويهب قليلة لكثيرة .. فإذا ما له من إيجابيات أكبر مما عليه من سلبيات على المدى القريب والبعيد عدّ الفعل حسناً.. وإذا كان على غير ذلك عدّ الفعل سيئاً.
فالدعوة الوهابية مثلاً أو الدعوة السلفية أو الجماعة الإسلامية أو الحركة الإسلامية عموما ً أو المسلمون بصفة عامة في حراكهم خلال التاريخ..  للتحقق بالإسلام ولتحقيق حضارة الإسلام في الأرض.
إنما ينبغي أن ننظر إلى ما تحقّق على أيديهم أو ما أخفقوا في تحقيقه على أنه تجربة قابلة للنقد والتمحيص..  كما علمنا القرآن الكريم من ذكر التجربة كلها وطرحها أمام بساط الموازنة.
ثم نقوم بعملية اختزال الفعل المعتل والسلبي لنخرج في الأخير بحكم يتسم بالصدق والموضوعية..  لنستفيد منها باعتبارها تجارب بشرية قابلة للخطأ والصواب.. ونخرج بالتالي من ذهنية التقديس لما مضى أو جلد ذواتنا.
فلنبدأ جميعا بالنقد البناء لأنفسنا.. فلا نتركها تتخبط في الخطأ دون أن نقومها .. ولكن بحدود لا تصل لتقريعها وإحباطها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق