السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2016-04-04

موضع الشَّدَّة من الحركة

صورة ‏قلم يكتب‏.

موضع الشَّدَّة من الحركة
الحمد لله، وصلى الله وسلم على النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: 
أما بعد: فقد لحظتُ أنَّ بعض الكُتَّاب ربما وضعوا الشدَّةَ فوق حركة الحرف، حتى إنَّ بعضهم قد بَرْمَجَ "لوحة المفاتيح" في الطابع الآلي على ذلك، وهذا إجراء غير سديد؛ لِما سأُبينُه فيما يلي: 
أولا: الإملاء اصطلاح اصطلح عليه الناس، وجرى عليه العُرْف، فمنه ما هو قياسي، ومنه ماليس بقياس، والقياس ما وافق المنطوق، أوكان وفق منطق اللغة، أو هما معًا. وما ليس بقياس هو ما خالف ذلك، ولكن جرت عليه الكتابة وشاعت واشتهرت حتى صار بمنزلة العلمية على كلماته التي كُتِبت به، مثل كتابة كلمات : (مائة) و(الله) و(هذا) و(ذلك) و(الرحمن) ونظائرها، مما اصطلح عليه الكُتَّاب فالتزموه، وهو مخالف للمنطوق، ولكن شهرته تكفي في الدلالة على منطوقه.
ثانيا: الأصل في الأصوات استقلال كل صوت بنفسه وشكله عند الكتابة، كما هو الحال عند النطق، وبناءً على هذا كانت الحروف الأصول في الكلمات مستقلة عن علامات الضبط، فالأصل في كل حرف أنْ يُكتبَ مستقلا ثم تتلوه علامته في الكتابة؛ كما أن النطق يجري كذلك، وقد أثبت العلم الحديث عن طريق أجهزة التصوير الطيفي للكلام أن الحركات تأتي بعد الحروف في المرتبة، خلافا لمن ذهب إلى أنها تكون معها أو قبلها من النحويين، والحرف وحركته في الحقيقة حرفان لكل واحد منهما حيِّزٌ من التجويف الفموي وأعضاء النطق، وإنما اصطُلح على تسمية الحروف الصائتة (المصوتة) حركاتٍ لجريان الصوت بها، ولكن ذلك لايخرجها عن كونها حروفا مستقلة من جهة قِيَمِها ووجودها اللغوي، وقد أثبتُّ ذلك في دراسة خاصة.
ثالثا: عند تركيب علامتين للحرف يجب أن يُنظر إلى أصل كل علامة وعلاقتها بالحرف، فتُجعل العلامةُ الخاصةُ بالحرف عقيبَ جسم الحرف تاليةً له، وتُجعَل الزائدةُ عليه بعدها، فنقول في الحركتين المركبتين عند التنوين: إنَّ الحركة الأولى التاليةَ لجسم الحرف هي علامته البنائية أو الإعرابية، والثانية رمز التنوين؛ لأن التنوين حرف زائد بعد الحرف وحركته. وإذا شُدِّدَ الحرفُ فالقياس وضْعُ الشدَّةِ مما يلي الحرف؛ لأن المشَدَّدَ هو الحرف نفسُه وليس حركته، والشدة رمز لكلمة (شديد) بالاكتفاء برأس الشين غير منقوطة (على أصلها) وهي وصف لجسم الحرف المكرَّر نطقا قبل مجيء حركته، فأنت تضم الحرف إلى الحرف ثم تحركه، وضم الحرف إلى الحرف هو الشَّدَّ والتضعيف، ، وهو وصف سابق لتحريكه، وبناءً على هذا كان القياسُ وضعَ الشدَّةِ مما يلي الحرفَ المشدَّدَ، ثم وضع الحركة فوق الشدة إن كانت فتحةً أو ضمةً، ووضعها تحته إن كانت كسرة، وتبقى الشدَّة في محلها فوق الحرف مباشرةً، وليس بينهما شيء لأنها ملازمة له، ولاتنفكُّ عنه إلا بإزالة تضعيفه فيتغيَّر، وأما الحركة فقد تزول عن الحرف مشدَّدًا ومخفَّفًا؛ لأنها في الأصل حرف زائد كما قدمته، وإنما تزول الحركة عن المشدَّد عند الوقف عليه، أوتُختَلس في نحو: (نعْمّا) ، و(يَخْصّمون) و (يهْدّي) عند من سكَّن ما قبل المشدَّد، وأما الشَّدَّة فهي وصف ملازم للحرف المضعّف لا تزول عنه ما دام مضعَّفا ولاتُختلَس.
فتبين بذلك أن القياس وضعُ حركة الحرف المشدَّد فوق الشدّة، هكذا: [ َّ ـ ُّ ] 
ويُضاف إلى علة القياس هذه علةُ الاصطلاح، فالاصطلاح الغالبُ وضعُ الحركة فوق الشدَّة؛ خلافا لما اعتاده بعض الكُتّاب، وقد ذكر هذا الإمام أبو عمرو الداني (444هـ) في كتابه "الْمُحْكَم في نقط المصاحف" ص49.
وبناءً على هذا ينبغي لجميع الكتَّاب الالتزام بما ذُكِر؛ توحيدًا للكتابة؛ ولأنّ وضعها فوق الحركة سيربك القراء ويخلط الفتحة بالكسرة، ولا سيما أنّ الكتابة الآلية(الكمبيوترية) لا تأتي فيها الكسرةُ في الحرف المشدَّد إلا تحت الشدة فوق الحرف، كما يفعل بعض الكتّاب بالفتحة مع الشدة، والقياس في الفتحة والضمة كما قدمته، والكسرة موضعها تحت الحرف وليس تحت الشدة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق