السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-07-16

عذرًا سأختلف!



عذرًا سأختلف!
حينما يولد الإنسان يستهِلُّ صارخًا؛ يخبر الجميع بأنه موجود، وكأنه يقول: هأنذا، فالتفِتوا إليَّ.
في الحديث أن الشيطان ينغز ابنَ آدم إذا وُلد؛ فيصرخ ليطلق شرارة التحدي، والنقطة الأولى من العداوة، ولسانُ حاله: لن أكون ضعيفًا مستسلمًا، سأكرّس حياتي في مخالفتك.
يقول الله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118]، ومحاولة ضمِّ الناس كلهم تحت لواء واحد، ومذهب واحدٍ: نوع حماقة؛ فالله خلق المسلم والكافر، والغني والفقير، وبهذا تكتمل دورة الحياة.
هذا التنوع الثقافي والحضاري والعمراني ما هو إلا نتاج الاختلاف، وهو سنة الله في الكون؛ حتى تقوم هذه الدنيا.
والدي العزيز، يا وطني يا سكني، يا من أحتمي به من نائبات الدهر وفواجع الأيام، عذرًا سأختلف! ليس بالضرورة أن أتبعك في مهنتك.. تخصصك.. ميولك.. رغم فضلك وإحسانك، إلا أني كائن مستقل.
شيخي الفاضل، يا من تعلمتُ على يديه أبجديات الكتابة، وطريقةَ ضمِّ حرفٍ لحرف لتكوين جملة، يا من أنرْتَ لي الطريق وأشعلت فيَّ شعلة المعرفة، عذرًا سأختلف! فليست آراؤك أبدًا صائبة، وليست أقوالك معصومة، ولن أكون نسخة منك، أختلف رغم اعترافي بفضلك. 
  كاتبي المفضَّل، كم مرة نقلتني من عالمي إلى عالمك، أخذتَ بيدي نحو عوالم لم أكن أعرفها، جربتُ معك مشاعرَ لم أجربها من قبل، توقَّد فكري، استقام لساني؛ ولكن عذرًا سأختلف! فما تطرحه وجهة نظر، وما تُسطِّره مجرد رأي لا أكثر.
طالبي النجيب، يا من علمتني حبَّ الحياة، وأرجعتني إلى أيام الصِّبا، وكل حركة منك تذكِّرني بحياتي الدراسية.. عذرًا سأختلف! لا تتوقع أن تجدني بعد سنواتٍ بنفس الأفكار التي أنا عليها اليوم، ولا تتوقع أن أكون غدًا على نفس ما أُدرِّسك اليوم.. المعلومات تتسارع بشكل مذهل، وكل يوم أستفيد معلومة، ويتجدد عندي دليل، وأكتسب فائدة.
صديقي العزيز، رفيقي على دروب الخير، نشوة الروح وأُنس الفؤاد، من يُجمِّل الدنيا في عيني وهي حالكة، عذرًا سأختلف! فرغم حبك وودك لستَ محور الكون، أختلف معك لنكون معًا نسيجًا رائعًا؛ لنرى الحياة من كل جوانبها.
عدُوِّي، يا من عوَّدتني على تقبُّل النقد مهما كان جارحًا بصدر رحب، يا من علمتني معنى الصبر والحِلم، عذرًا سأختلف! ولن أُغيِّر قناعاتي لأَكسِبَك.
الاختلاف سنَّة الحياة، وبه تدور عجلة التقدم الإنساني:
اختلفت الملائكة في قاتل التسعة والتسعين نفْسًا، واختلف الصحابة في أسرى بدر، وكل واحد من الأئمة الأربعة قال: (لو خالف كلامي كلامَ رسولِ الله، فارموا بكلامي عرضَ الحائط).
كل مقلِّدٍ نفسُهُ تصرخُ لتُثبتَ وجودَها؛ فهي لم تُخلق لتَكون نسخةً لأحد.. ميَّزها الله بِسِمات وأخلاق وعقل مختلف، خلقك الله إنسانًا متكاملاً بشخصية خاصة، فلِمَ تُفني عمرك في أن تكون غيرك؟
أختلفُ، ولكن لن أتجاوز حدودي، فلن أختلف لمجرد الاختلاف، ولا لاتباع الهوى
أختلف معك، ولكن أحترمك.. أقدرك.. أحبك.
أختلف معك؛ لأني أقدِّر رأيك، ولن أفرض رأيي عليك، فثمة مسائل كثيرة تكتمل بوجهات النظر.
أختلف معك؛ لأنني أؤمن بشخصيتك واستقلال فكرك، فلن أكون نسخة منك، ولن تكون نسخة مني.
وأخيرًا:
قد تختلفون معي في كل ما ذكرت، ولكن تبقى المودَّة رسولَ قلوبنا، وعنوانَ حديثنا، ويبقى الحب أسمى من أي اختلاف.
همسة: (المجتمع الراقي يحب الاختلاف، ولا يختلف إلا بحب).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق