السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-07-17

وارتفعت الأمانة



وارتفعت الأمانة
روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه أمين سر النبي صلى الله عليه وسلم- قَالَ: حدثنا رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- حدِيثَينِ قَدْ رأيْتُ أحَدَهُمَا وأنا أنتظرُ الآخر: " حدثنا أن الأمانة نَزلت في جَذرِ قلوبِ الرجال، ثُمَّ نزل القرآن فعلموا مِنَ القرآن، وعلِموا من السنةِ، ثُمَّ حدّثنا عن رفع الأمانة، فَقَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثلَ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّومَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثلَ أَثَرِ المَجْلِ،... فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتَبَايعُونَ، فَلا يَكَادُ أحدٌ يُؤَدّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ في بَني فُلان رَجُلًا أمينًا.. ".
إنه حديث عظيم يحدث فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن غياب الأمانة في آخر الزمان وكيف تغيب من قلوب الرجال وواقعهم فيقول صلى الله عليه وسلم " أن الأمانة نَزلت في جَذرِ قلوبِ الرجال" أي في أصلهم وفي سويداء قلوبهم فكان الناس أمناء بالفطرة والأصالة، قد غُرست الأمانة في قلوبهم ووجدت الثقة بينهم وصارت الأمانة من الأمور الأصيلة الطبيعية عندهم فيتعلمونها قبل أن يتعلموا القرآن وقبل أن يتعلموا السنة فلما تعلموا القرآن والسنة والأمانة في قلوبهم والإيمان عندهم ازدادوا هدى وبصيرة وإيمان وفضيلة.
ولكن ماذا يحدث للناس فيما بعد؟ وماذا يقع لهم في آخر الزمان قال ثُمَّ حدّثنا عن رفع الأمانة كيف ترفع الأمانة من قلوب الناس وكيف تضيع منهم قَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثلَ الوَكْتِ يعني تغيب الأمانة من قلبه تدريجياً فلا يبقى في قلبه إلا أثر الأمانة وليس الأمانة نفسها أما الأمانة نفسها فقد غابت عنه وضاعت منه ولكن يبقى عنده أثرها فيظهر للناس أنه أمين ولكنه عند المحك يعرفون أنه ليس بأمين ولا مؤتمن.
ثُمَّ يَنَامُ النَّومَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثلَ أَثَرِ المَجْلِ والمجل ما يقع في اليد أو غيرها من آثار العمل أو غيره والذي لا يخرج من اليد بسهولة يعني أن الخيانة قد زادت عنده ورسخت في قلبه والأمانة قد غابت عنه أكثر فأكثر حتى تَسود الخيانة وتضعف الأمانة وتغيب من الواقع وتصبح عزيزة ونادرة والأمناء قليلون جدا جداً.
قال فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتَبَايعُونَ، فَلا يَكَادُ أحدٌ يُؤَدّي الأَمَانَةَ
هذا هو واقعنا اليوم والله المستعان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ارتفعت الأمانة وحلت الخيانة وانعدمت الثقة وغابت الرقابة والمسئولية فلا تكاد تجد رجلاً أميناً تأمن فيه وتثق به وتضع أمانتك عنده بكل ثقة واعتزاز.
تدخل بلداً كاملاً فيطيش عقلك من الخيانة التي عندهم فلا تعلم من منهم لا يخون وهل فيهم رجل أمين وكيف يعيشون وكل واحد منهم لا يثق في الآخر ولا يأمنه تجد من في القرية أو البلدة كلهم من أولهم إلى آخرهم لصوص خونة ليس فيهم شخص يخاف الله إلا من رحم الله منهم لا تأمن نفسك عندهم ولا تثق في كلامهم ولا يطمئن قلبك لمعاملاتهم ولا تشعر بالثقة في شيء من أشيائهم فمن الممكن أن يسرقوك ومن الشطارة عندهم أن يخونوك وبكل بساطة وسهولة سيضحكون عليك ويغدرون بك وصدق صلى الله عليه وسلم "فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتَبَايعُونَ، فَلا يَكَادُ أحدٌ يُؤَدّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ في بَني فُلان رَجُلًا أمينًا ".
تصبح الأمانة شيئاً عزيزاً وأمراً نادراً فتجد القبيلة بأكملها أو الحي أو المنطقة بأسرها كلهم خونة ليس فيهم إلا فلان وفلان أمين والبقية كلهم ليسوا بأمناء.
من يصدق أنه سيأتي زمان كزماننا هذا تغلق فيه المساجد وتُقفل نظراً لارتفاع الأمانة وحدوث السرقة والخيانة من داخل المساجد فإذا وجدوا فرصة في مسجد مفتوح وليس فيه أحد أخذوا منه ما يستطيعون وسرقوا منه ما يريدون حتى المصاحف نسأل الله السلامة والعافية لم تسلم من السرقة والكتب الموقوفة في المساجد لم تسلم من السرقة وصنابير الماء وبزابيز الحمامات أجلكم الله لم تسلم من السرقة وصناديق الصدقة داخل المساجد تتعرض للسرقة بل لا يكاد الرجل يأمن على حذائه - أكرمكم الله - من السرقة في المسجد من يصدق أن هذا سيقع وأن المساجد ستغلق ومن يتوقع أن هذه الأمور ستحدث داخل المساجد.
يُحدّث أحد أئمة المساجد هنا عندنا في ديس المكلا يقول دخلت يوماً المسجد وقد كان مغلقاً فوجدت ساعة المسجد غير موجودة وبعض الأشياء الخفيفة التي كانت في المسجد مفقودة فنظرت قال فرأيت نافذة المسجد مكسورة قام السارق بكسرها والدخول عبرها ليس العجب هنا والقصة لم تنته بعد عندما قام بكسر النافذة والدخول منها والقفز إلى المسجد عند الخروج لم يستطع الخروج من النافذة أتدرون ماذا عمل هل تتخيلون كيف تصرف؟ لقد قام هذا المجرم الخائن الأفاك بجمع المصاحف ورصها وجعلها مثل الدرَج أو السلم وخرج من النافذة بهذه الطريقة والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اخرج إلى السوق سترى الخيانة كلها وستعلم جيداً مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حدث عن غياب الأمانة فقال: "فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتَبَايعُونَ، فَلا يَكَادُ أحدٌ يُؤَدّي الأَمَانَةَ".
فهذا يغش الناس ببضاعته ويدعي أصالتها وأنها من النوع الجيد الأصلي وهو يعلم أنه كاذب فيما يقول ويدعي وأن هذه ليست هي الأصلية وهذه القيمة ليست هي قيمتها الحقيقية وبعضهم يستخف عقول الناس فيدعي أن هذه البضاعة جيدة وهذه رديئة ليثق الناس فيه ويطمئنون له مع أن كلا البضاعتين هي من النوع الرديء لكنه يريد أن يمرر على الناس ذلك حتى يقول لهم أن عندي الجيد وسعره مرتفع وعندي الرديء وسعره رخيص.
يقول رجل رأيت جزاراً قد ذبح عنزاً ثم أخرج اللحم إلى السوق وعرضه للبيع وقام بتقسيم اللحم إلى قسمين مدعياً أن هذا القسم لحم عربي جيد وأن النوع الآخر من اللحم هو لحم صومالي مع أن اللحم في الحقيقة لرأس واحد.
بل وصلت الخيانة وعدم الأمانة إلى أشياء لا يتوقع المرء أن تصل إليها مثل الأوقاف والصدقات والنصب والاحتيال باسم الجمعيات الخيرية وباسم الفقراء والمساكين وباسم المرضى والمعوزين حتى أصبح كثير من المحسنين لا يثق في أحد ولا يطمئن في شيء من المشاريع الخيرية لأنه يرى أن بعض القائمين عليها فيهم من الخيانة والنصب والتحايل ما الله به عليم.
ووصلت الخيانات عند بعض الناس إلى تزوير تقارير طبية يدعي من خلالها أنه مريض وأنه في حاجة ماسة إلى السفر للخارج للعلاج مع أنه في الواقع ليس به شيء ولا يشكو من مرض ولا علة وإنما هدفه جمع المال بهذه التقارير الكاذبة المزورة.
وهناك من يزور وثائق ومن يزور شهادات وهناك من يفعل خيانات كبرى هدفها الأول والأخير الغش والنصب والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل وظلمهم بغير حق حتى لا يَكَادُ أحدٌ يُؤَدّي الأَمَانَةَ.
وأما من يعرضون أنفسهم للسؤال ويشكون حالهم ويسألون الناس ويطلبون منهم ويقفون على أبواب المساجد فهؤلاء حدث ولا حرج عن خيانتهم وغشهم وتحايلهم بل الأصل فيهم هو الخيانة واللف والدوران وعدم الأمانة.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق