السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-05-01

ثقافة الأهداف




إن كل ما هو موجودٌ في هذا الكون قد وُجِد لغاية، وقد خلق الله الإنسان لغاية واضحة ومحددة، وهي عبادته سبحانه وتعالى، وعمارة الأرض، وتبدو تلك غايةً رئيسية واضحة، ولولا وضوحُها لتحوَّلت حياتُنا في جملتِها إلى فوضى، وفي حياة كل فرد منا لا بد من وجود غاية وهدف واضح ومحدَّد، يسعى إليه، ويمثل قيمته في هذه الحياة، ومن الضروري أن يكون هذا الهدف واضحًا؛ لأن الشيء المجهول أو غير المحدد لا يمكن بلوغه.



تعتبر ثقافةُ الأهداف وتحديدُها وتحقيقُها من الموضوعات الجديدة، خاصة على مجتمعنا العربي، وهي من الموضوعات التي لا تحظى باهتمام كبير، ويُنظَر إليها في الأغلب على أنها موضوعاتٌ نظرية بعيدة عن أرض الواقع، لأجل هذا رأينا أن نناقش موضوع الأهداف، منطلقينَ من أرض الواقع، فتخيَّرنا لتلك الدراسة موضوعها عن الأهداف كفكرة رئيسية، ووصولاً للأهداف كان علينا أن نبدأ من الأعم أو الأشمل، فحاولنا أن نفهم أولاً ما تَعْنيه كلمة "الطموح"، تلك الكلمة السِّحرية التي نصِفُ بها غالبية الناجحين والمتميزين، ومن ثَمَّ انتقَلنا إلى تحديد معنى النجاح، فإذا كان الطموح ضرورةً للنجاح:

فما العَلاقة بين الاثنين؟

ثم انتقلنا إلى محاولة الإجابة عن السؤال الأهم:

كيف تكون ناجحًا؟

وفي محاولتِنا للإجابة على هذا السؤال وجدنا أنفسَنا وجهًا لوجهٍ مع الأهداف؛ فالنجاح يعني تحقيق الأهداف:

فما هي الأهداف؟
وما هي أنواعها؟
كيف نُحدِّدها، ومن ثَمَّ نُحقِّقُها؟
ما هي مُعوِّقات تحديد الأهداف وتحقيقها؟



وقد تخيَّرنا أحد الأهداف الهامة في حياة الفرد، التي تحتاج إلى قرارٍ حاسم يُغيِّر في مستقبله، وهو الهدف التعليمي، وما يتبعه من هدف مِهْنِي، فناقشنا كيفية تحديد الفرد لأهدافه في مرحلة دخول الجامعة، وناقشنا سن الثامنة عشرة، وهل هي السن المناسبة لاتخاذ قرار كهذا، ورسم هدف بتلك الأهمية، وحاولنا معرفة العوامل التي أثَّرت على قرار الشباب في تلك المرحلة.
ولأن حياة الفرد متعدِّدة الجوانب، فقد تخيرنا منها جانبَينِ شديدَي التداخل، ومتصلين بحياة الشباب اتصالاً وثيقًا، بل إن اتخاذَ القرار ورسم الأهداف في كلَيْهما يُحدِّد مستقبل الشاب أو الفتاة، وهذان الجانبان هما: الجانب الشخصي، والجانب المِهْني، وحاولنا أن نجيب على السؤال التالي: أيُّهما يسبق الآخر: النجاح في الجانب الشخصي وتكوين أسرة مستقرة، أم النجاح في الجانب المهني والحصول على وظيفة جيدة والترقي في العمل؟



وحاولنا الإجابة على هذا السؤال، واكتشاف عوامل تفضيل أي الجانبين على الآخر، وكذلك الكشف عن صورة شريك الحياة، وما يمكن أن يقدمه لدعم شريكه مِهْنيًّا، مما يجعل الزواج عائقًا أو مساندًا للنجاح المهني.
وأخيرًا تحدثنا عن السعادة، التي هي غاية كلِّ فرد في المجتمع؛ فالكل يسعى لأن يكون سعيدًا، فما هي السعادة؟ وكيف يمكن تحقيقُها في ضوء الحياة المنظمة المخططة، التي تحدَّد فيها أهدافُ كل مرحلة، ويسعى فيها الفرد عن اقتناع ورغبة لتحقيقها؟



وسعيًا منا لربط الموضوع بالواقع، فقد اخترنا عيِّنة مصغَّرة من الأفراد من كلا الجنسين، مختلفي الظروف الاجتماعية ما بين متزوج وأعزب، ومختلفي الأعمار والمؤهِّلات التعليمية، وكانت نسبة الإناث 68%، في حين نسبة الذكور 32%، وتقدَّمنا إليهم بالعديد من التساؤلات حول موضوع الدراسة، وكانت نسبةُ التفاعل جيدةً، ومثَّلت العينة السلبية 36%، أغلبها من الإناث، أما من حيث العمر، فكانت النسبة الأعلى من بين أفراد العيِّنة السلبية من الفئة العمرية ما بين 30 و40 سنة.



أما عن أفراد العينة الإيجابية فقد كان التفاعل أعلى من قِبَل الإناث، وكانت أعلى فئة عمرية من حيث التفاعل هي الفئة ما بين 20 و30 سنة بنسبة 42.9%، ثم الفئة العمرية ما بين 50 و60 سنة بنسبة 28.8%، أما أقل فئة عمرية تفاعلاً، فكانت من 40 إلى 50 سنة بنسبة 7.1%.



وبالرغم من كون عينة الدراسة عينة مصغَّرة جدَّا، فإنها موافقة مبدئيًّا لطبيعة الدراسة، من حيث إنها دراسة استكشافية جاءت محاولةً لاستكشاف الواقع، علَّها تكون بداية لدراسات أخرى أكثر تفصيلاً بمشيئة الله.



مفهوم الطموح:

يبدو وصف أحدِ الأشخاص بكونه "إنسانًا طموحًا" وصفًا براقًا ومثيرًا للاهتمام، وبالرغم من ذلك يصعب وضع تعريف واضح ومُتفق عليه لمعنى تلك الصفة "الطموح"، ومن بين ما ذُكر حول مفهوم الطموح: أن الطموح ليس إلا حافزًا يدفع بالفرد لبلوغ القوة بمختلف أشكالها، مما يُعينه فيما بعد على تحقيق الأهداف، ويبدو هذا التعريف مقاربًا لمفهوم العامة عن "الحماس".



في سياق آخر جاء تعريف الطموح على أنه الشيء الذي ينمو بداخل الفرد ليكسبه القدرة على بذل مجهود أكبر لكي يحقق ما يريد.



وقد ذكر ماركوس أوريليوس - الإمبراطور الروماني السادس عشر، والمعروف بالإمبراطور الفيلسوف - الطموح على أنه قيمة الإنسان، بقوله: "قيمة أي إنسان لا تتعدى قيمةَ طموحه"، فكان الطموح عنده هو قيمة الشخص ذاته، ما يملكه وما يستطيع أن يُنجِزَه.



وقيل عن الطموح: إنه الرغبة في الازدياد المستمر، وعدم الاكتفاء بما نحن عليه، أو هو نزوع الإنسان إلى معالي الأمور، والعمل على تغيير حاله إلى ما هو أسمى وأنفع.
ويبدو هذا المفهوم مقاربًا للمعنى اللُّغوي لكلمة الطموح، التي هي مصدر طمَح يطمَحُ، وتدل على علوٍّ في الشيء، وقد يبدو لدى البعض التباسٌ في المعنى ما بين الطموح والقناعة، في حين أن الفارق بينهما كبير؛ حيث إن القناعة تحكمُها محدودية النظر لِمَا يملكه الإنسان بين يديه، في حين يدفع الطموح إلى التطلُّع إلى ما لا يملكه الإنسان دون طمع فيما يملِكه الغير.



والفهم الصحيح للقناعة وما يميزها عن الطموح يجعلُ الفرد في مأمن من الوقوع في فخِّ القناعة، الذي قد يكون مجرَّدَ حيلةٍ زائفة تلجَأُ إليها النفس بشكلٍ لا واعٍ؛ لتهدئة الآلام، أو البعد عن المخاطرة، أو نَيْل السعادة المؤقتة.



ولقد أشار د. براين ترايس في كتابه "الأهداف" إلى معنًى مقارب لِمَا ذُكر حول حيلة القناعة الزائفة؛ حيث تحدث عما أسماه: "فخ منطقة الراحة"، وجاء في كتابه:



"إحدى العقبات الذهنية التي تحتاج للتغلُّب عليها هي "منطقة الراحة"، يُصبِح العديد من الأشخاص راضين عن موقفهم الحالي، إنهم يشعرون بارتياح كبير في وظيفةٍ أو عَلاقة معينة، أو تجاه مرتب، أو مستوى مسؤولية معين، لدرجة أنهم يعارضون القيام بأي تغيير، حتى لو كان للأفضل.



تُعَدُّ منطقةُ الراحة عقبةً أساسية للطموح، والرغبة، والعمل، والإنجاز، والأشخاصُ الذين يَعْلَقون في منطقة الراحة إذا كانت متحدة مع العجز المكتسب بالتعلم - يجدون المُضِي قُدُمًا في غاية الصعوبة، لا تدَعْ هذا يحدث معك".



في موضع آخر يُعرِّف الطموح بأنه ما تهفو إليه النفس بدافع من العقل الباطن غالبًا، بعد وضوحه في العقل الظاهر، على هذا يبدو أن الطموح يوجد أولاً على نحو غير واعٍ.



ويتحدث د. إبراهيم الفقي في كتابه "المفاتيح العشرة للنجاح" عن مفهوم آخرَ قد يتداخل في الأذهان مع مفهوم الطموح، ألا وهو الالتزام، فيقول:



"الالتزام هو القوة التي تدفعُنا لنستمرَّ، حتى بالرغم من الظروف الصعبة، وهو القوة الدافعة التي تقودنا لإنجاز أعمال عظيمة... هو تعهُّد قويٌّ لتغيير الأشياء العادية لتصبح أشياء ممتازة، هو الذي يُخرِج من داخلك جميع القدرات الكامنة، ويجعلها تحت تصرُّفك، وبقوة الالتزام فإنك لن تتراجع، وكلما خُضْتَ تجرِبة ستفتح أمامك الفرص الأكثر والأكبر للنجاح".



وفي محاولة لاستقراء مفهوم الطموح قُمْنا بطرح هذا السؤال على العديد من الأفراد مختلفي الأعمار، ومن كلا الجنسين، وقد بدا واضحًا الخلط بين مفهوم الطموح كما أشرنا إليه سابقًا، وبين مفهوم النجاح أو الأهداف، وقد تباينت المفاهيم المقدمة من عيِّنة الدراسة، وجاء من بينها:

الطموح هو الهدف.
الطموح هو الطاقة.
الطموح هو حُلم تحقيق ما يظنه الآخرون صعبًا أو مستحيلاً.
الطموح هو رؤية مستقبلية للشخص.
الطموح هو الأمل.
الطموح هو إرضاء النفس.
الطموح هو رغبة في التغيير للأفضل وإرضاء الذات.



كما جاء الربط في بعض الإجابات ما بين الطموح والإمكانيات الشخصية والأهداف؛ فالطموح مبنِيٌّ على استقراءٍ للنَّفْس من الداخل، وتقدير جيد لإمكانياتها، وبالتالي وضع الأهداف الموائمة، والسعي لتحقيقها مما يرفَعُ من الإمكانيات، ومن ثَمَّ سقف الأهداف.



وقد ربط البعضُ بين الطموح وبين عملية داخلية تجري داخل العقل الباطن بشكل لا شعوري، فجاء وصفُ الطموح بكونه أحد أحلام اليقظة في بدايته، وأن هذا الحلم هو المسؤول عن نقل ما هو كامن في خيال الشخص إلى الواقع؛ فهو طاقة يولدها العقل الباطن بشكل لا شعوري، وأن تحوُّل هذا الحُلم إلى واقع يستلزم توافر الإمكانيات اللازمة لدى الشخص؛ كالقدرة على التخطيط الجيد، والمثابرة، والاجتهاد.



ماذا يعني النجاح؟ وما هي صفات الناجحين؟

ومع وجود الخلط بين مفهوم الطموح والنجاح في أذهان الكثيرين فقد طرَحنا على عينة الدراسة هذا السؤال:

"هل تشعر بأنك طموح؟
هل تشعر بأنك ناجح؟



وهنا بدا الخلطُ واضحًا في أذهان الأغلبية، كما تباينت الإجابات، وفشِل البعضُ في استقراء أنفسهم بشكل دقيق، وفي حين وصف البعض أنفسَهم بالناجحين وغير الطموحين، فقد وصف البعض أنفسهم على نحو عكسي، وقد أشار البعض إلى كونِ مقياس الطموح مقياسًا داخليًّا ذاتيًّا؛ فكل إنسان بإمكانه أن يتعرَّف على درجة طموحه بنفسه، وقد يبدو هذا مقبولاً إذا ما نظرنا إلى الطموح باعتباره حافزًا أو طاقة داخل الفرد، تدفعه للتقدم نحو الأمام، واكتساب المزيد من القوة لبلوغ الأهداف، وقد أشارت الإجابات كذلك إلى كون مقياس النجاح خارجيًّا، فهو معتمد على نظرة الآخرين للفرد.



ولكن ما هو النجاح؟
وما هي صفات الناجحين حقًّا؟



يتحدث د. إبراهيم الفقي في كتابه "سيطر على حياتك" عن النجاح باعتباره القدرة على تحقيق التوازن بين جوانب الحياة الخمسة للفرد، وتلك الجوانب هي:

1- الجانب الروحاني: متمثلاً في عَلاقة الإنسان بربه.



2- الجانب الشخصي: متمثلاً في عَلاقة الإنسان بأفراد أسرته وعائلته، وكذلك عَلاقاته الشخصية، التعليم، الترفيه، والإجازات.



3- الجانب المِهْنِي: متمثلاً في عمل الفرد وقدرته على التعلم واكتساب المزيد من المهارات لتطوير أدائه المهني.



4- الجانب المادي: متمثلاً في دخل الفرد الحالي، وقدرته على استثمار أمواله وتحقيق المزيد من الأرباح، قدرته على سداد ديونه، وكذلك خطة اعتزاله العمل في المستقبل، وتأمين احتياجاته.



5- الجانب الصحي: متمثلاً في مستوى صحة الفرد، وزنه، عاداته الغذائية.



ويشير د. إبراهيم إلى أن تحقيق النجاح من خلال إحداث التوازن بين الجوانب الخمسة يستلزم القدرة على وضعِ أهداف محددة في كل جانب، والسعي لبلوغها، كذلك تنظيم الوقت بشكل جيد.



ويحاول البعض تعريفَ النجاح من خلال تقديم وصفٍ للأشخاص الناجحين رجالاً ونساءً، فنجد أن من بين صفات الناجحين توقُّع النجاح، ويشير قانون التوقعات إلى أن كل ما تتوقعه بثقة تامة سيحدث في حياتك فعلاً، وعلى هذا قد تمتلك كل أدوات النجاح من معرفة ومهارة ورغبة، ومع ذلك تظل دون الناجحين؛ لافتقادك للتوقع، والأشخاص السعداء أو الناجحون يُركِّزون توقُّعاتهم على نقاط القوة والتميز لديهم، على عكس التعساء ممَّن يركزون على نقاط الضعف والجوانب السلبية لديهم.
ومن بين صفات الناجحين كذلك الانضباط الذاتي، ويعني التحكم في الذات؛ فالانضباط الذاتي هو الصفة الوحيدة التي تجعل الشخص العادي يقوم بعمل أشياء فوق العادة، وهو الاستمرار في التصرف، وهو القوة التي تصل بك للأفضل.



ويتحدث "د. براين تريسي" في كتابه "الأهداف" عن صفة أخرى للناجحين، وهي كونهم مُحددين، ويرى أن بلوغ النجاح يحتاج لاستقراء الذات، والتحرك من الداخل للخارج، ويرصد خمسة مستويات أو حلقات ينتقل بينها الفرد، فإذا قام بتعديل أول تلك الحلقات، ثم تدرج منها للخارج، فسيصل للنجاح، وتلك الحلقات هي: القيم، المعتقدات، التوقعات، الاتجاهات، وأخيرًا التصرفات أو السلوك، ويرى أن الناجحين يحملون قيمًا إيجابية، وبالتالي معتقدات إيجابية تؤدي إلى توقعات إيجابية، ومن ثَمَّ توجُّه إيجابي، وأخيرًا سلوك أو تصرف إيجابي وناجح، وعلى هذا فالشخص الناجح هو شخصٌ يحملُ بداخله في الأساس قيمًا إيجابية، ويقود "د. براين" الشخصَ لمعرفة قِيَمه من خلال مراقبة سلوكه؛ لأنه انعكاس أخير لتلك القيم.



ومن بين صفات الناجحين كذلك النزاهة، والمقصود بها ارتباط الشخص بقِيَمه العليا، حتى وإن كان بمعزلٍ عن الجميع؛ فهو يملكُ بداخله ليس فقط قيمًا إيجابية، وإنما قيمًا عليا يتمسَّك بها؛ كالأمانة على سبيل المثال.



كما أن من بين صفات الناجحين البحثَ عن الجوانب الإيجابية والمشرقة والمفيدة في كل موقف، تبنِّي النظرة البعيدة للمستقبل، كذلك الحديث عن حلول المشكلات لا عن المشكلات ذاتها، مما دفع البعض لوصف النجاح محصورًا في الصفة الأخيرة بالقول: إن النجاح هو القدرة على حل المشكلات.



وبما أن الناجحين هم أشخاصٌ قادرون على بلوغ الأهداف وتحقيقها، كان من الضروري أن يتعلم الفرد أولاً كي يصبح ناجحًا:

كيف يحدد أهدافه؟
وما الذي يتوجب عليه فعله لتحويلها إلى أرض الواقع؟
الأهداف: ما هي الأهداف؟
كيف تحدد أهدافك؟
كيف تحقق أهدافك؟
عندما توجَّهنا لعيِّنة الدراسة بالسؤال التالي:

هل تمتلك هدفًا واحدًا محددًا تسعى إليه، أم أن لديك العديد من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها معًا؟

تجاهل 21% من الأفراد الإجابة على هذا السؤال، في حين اتفق البقية على وجود أهداف متعددة في حياتهم، وليس هدفًا واحدًا، ويبدو أن تجاهل نسبة 21% للسؤال دليلٌ على أن الخُمُسَ تقريبًا لا يُدرِكون قيمة الأهداف، أو لا يحملون ثقافة الهدف وتحديده والسعي لبلوغه، وقد تحدث "د. براين تريسي" عن هذا الأمر بالتحديد في كتابه "الأهداف" عند محاولته الإجابة على السؤال:

لماذا لا يحدد الناس أهدافهم؟




وهنا طرح عدة أسباب، هي:

1 - أنهم يعتقدون بأن الأهداف غير مهمَّة، ويرجع هذا إلى البيئة التي ينشأ فيها الفرد، ومدى تقدير تلك البيئة للأهداف والسعي إلى تحقيقها.



2 - أنهم لا يعرِفون كيف يُحدِّدون أهدافهم، وهنا نجدُه يشير إلى أمرٍ بالغ الأهمية، وهو الفرق بين الهدف والأمنية، والغالبية يحملون أمنيات وليس أهدافًا، ومن أمثلة تلك الأمنيات "كن سعيدًا" - "اجمَع ثروة" - أو "تمتَّع بحياة أُسَرية سعيدة".



ويقول د. براين:
"كل هذه ليست أهدافًا على الإطلاق، إنها مجرد خيالات شائعة بين كل الناس، إن الهدف شيء مختلف تمامًا عن الأمنية، إنه واضح ومكتوب ومحدد، يمكن وصفه بسرعة وسهولة لشخص آخر، ويمكنك قياسه، ويمكنك معرفة ما إذا كنت قد حقَّقته أم لا".
3 - إنهم يخشَون الفشل، إن خوف الأشخاص من الفشل وما يتبعه من آلام وخسائر معنوية ومادية، يجعلهم يُحجِمون عن تحديد أهداف خوفًا من الفشل في تحقيقها.



4 - إنهم يخشَون الرفض، فخوف الأشخاص من المحيطين بهم ورفضهم لهم وعدم تقبُّلهم لفشلِهم في تحقيق أهدافهم، يجعلهم يحجمون عن وضع أهداف محدَّدة من الأساس.



وهنا يقدم د. براين نصيحتَه بجعل الأهداف سريَّة، فيقول: لا تدعِ الآخرين يعرفون أهدافك، ولكن دَعْهم يرون إنجازاتك.



وعودة إلى عيِّنة الدراسة، فقد أظهرت الإجابات تباينًا وخلطًا شديدًا في المفاهيم، كما بينت نقص الثقافة فيما يتعلق بالأهداف وأنواعها وتكوينها، ومع ذلك جاءت بعض الإجابات تشير إلى تقسيم الأهداف إلى أهدافٍ كلية عامة وأخرى جزئية، وبالرغم من ذلك جاء وصف تلك الأهداف بما وصفه "د. براين" بالأمنيات، ومن أمثلة ذلك: "النجاح في تربية الأولاد تربية إسلامية مصرية" - "النجاح في الحياة العملية" - "إرضاء الله" - "إرضاء الوالدين"، وهكذا جاءت الأهداف بعيدةً تمامًا عن الوصف الدقيق الذي أشار إليه د. براين، والذي حدد فيه الهدف بأنه: واضح، مكتوب، مقيَّد بحدود زمنية، يسهل وصفه، ويمكن قياسه.



ونقسم الأهداف في حياة كل شخص إلى:

• أهداف قصيرة الأمد: تُنجَز في فترة قصيرة من ساعة وحتى ستة أشهر.

• أهداف متوسطة المدى: تنجز في فترة ما بين ستة أشهر وخمس سنوات.

• أهداف طويلة المدى: تنجز في فترة ما بين خمس سنوات وعشرين سنة.



وإذا لم تكن تملِكُ أهدافًا محدَّدة تحت أي نوع من تلك الأنواع، فعليك أن تبدأ فورًا، وأن تقرأ عن الأهداف، وكيف تتكوَّن، وإذا كنت كذلك فإليك المفاتيح السبعة لتحديد الأهداف - التي يعني فشلُك في أحدها سببًا في فشلك في تحديد أهدافك، ومن ثَم تحقيقها

المفتاح الأول: يجب أن تكون أهدافك واضحةً ومحددة ومكتوبة ومفصَّلة.



المفتاح الثاني: يجب أن تكون أهدافك قابلة للقياس وموضوعية.



المفتاح الثالث: يجب أن تكون أهدافك مقيَّدة بوقت من الجداول الزمنية والمواعيد النهائية وشبه النهائية، وفي الواقع لا توجد أهداف غير واقعية، وإنما توجد مواعيد نهائية غير واقعية.



المفتاح الرابع: يجب أن تكون الأهداف بمثابة تحدٍّ لك، يجب أن تجعلك تبذل مجهودًا قويًّا بعض الشيء، يجب أن تكون أبعدَ عن أي شيء أنجزته في الماضي، ويجب أن تكون احتمالية نجاح أهدافك وتحقُّقها مقارِبةً نسبةَ 50 %.



المفتاح الخامس: يجب أن تكون أهدافك متوافقةً مع قِيَمك، ومنسجمة بعضها مع بعض، فلا تتبنَّ هدفينِ متعارضين مع بعضهما البعض، أو مع قِيَمك الشخصية.



المفتاح السادس: يجب أن تكون أهدافك متوازنة بين جوانب حياتك، وهذا يعود بنا لِما ذكره د. إبراهيم الفقي في حديثه عن النجاح، وهو بلوغ الأهداف في جوانب الحياة الخمسة، وذكر منها الجانب الروحي والشخصي والمِهْني والصحي والمادي.



المفتاح السابع: يجب أن يكون لديك غاية رئيسية واضحة لحياتك؛ أي أن يكون لديك هدف واحد سيُساعدك على تغيير حياتك وتحسينها أكثر من أي شيء آخر.



أما إذا انتقلنا إلى الشِّقِّ الأهم، وهو كيفية تحقيق الأهداف وإنجازُها، فنجد أن إجابات أفراد العينة عن السؤالِ التالي، قد كشفت النقاب عن أسباب الفشل في تحقيق الأهداف، والسؤال هو:

في ضوء أهدافك وسعيك لبلوغها، هل ترى أنك قد نجحت في تحقيقها، أو أنك في طريقك لذلك؟ أم أن أهدافك لا تزال معلَّقة؟



وهنا لم ترِدِ الإجابات واضحةً بما يكفي، وإن أشار قسمٌ من الإجابات إلى النجاح الجزئي في تحقيق بعض الأهداف، ومع ذلك وردت بعض الإشارات الهامة، التي برَّرت الفشل في تحقيق بعض الأهداف، لاختلاف الظروف وتغيرها أو تقلُّبات النفس الداخلية.



وهنا نجد إشارة رائعة للدكتور "براين" إلى ضرورة التخلص من المشاعر السلبية؛ كالإحباط، والخوف، ورثاء النفس، على سبيل المثال؛ لكون تلك المشاعر تعوقُ الفردَ عن الإنجاز وتحقيق الأهداف، وبالتالي الشعور بالسعادة، ويقدم نصيحته في هذا المجال، فلكي تتخلَّص من مشاعرك السلبية عليك أن تتوقَّف عن التبرير واختلاقِ الأعذار، ويعرف التبرير بأنه: "إعطاء تفسير مقبول اجتماعيًّا لتصرف غير مقبول اجتماعيًّا"، كذلك يوصي بالتسامي عن آراء الآخرين، فلا تقع فريسة للآخرين، وتسجن نفسك في سجن آرائهم ونظرتهم إليك، صحيح أن الفرد يكون جزءًا من صورته عن نفسه من خلال نظرة الآخرين له، ولكن تلك النظرة قد لا تكون صادقة دائمًا، لأجل هذا عليك أن تزيد ثقتك بنفسك واعتزازك بها، والنصيحة الأخيرة هي أن تتحمَّل مسؤولية حياتك، وأن تعتبر نفسك مسؤولاً عن كل شيء ذي عَلاقة بك، وأن تكف عن توجيه اللوم للآخرين عما تصابُ به من عثرات أو فشل.



إن تحقيق الأهداف يحتاج إلى تخطيط وتنسيق، وإصرار، ورغبة، والتزام.



ويقدم د. براين نموذجَه لتحقيق الأهداف، الذي يتكون من 12 خطوة، كالتالي:

" 1 - يجب أن تكون لديك رغبة، ما الذي تريده حقًّا؟

يجب أن تكونَ لديك رغبةٌ شديدة ومشتعِلة في هدفك الخاص، يجب أن تكون هذه الرغبة شخصية، شيء تريده لنفسك، لا يمكنك أبدًا أن ترغب في أهداف شخص آخر، ولا يمكنك كذلك أن تتحمَّس لهدف يريده شخص آخر لك، إن شدة الرغبة الشخصية بداخلك ستحدد قدر الطاقة والعزيمة التي ستضعها وراء أي هدف تُحدِّده لنفسك، ما الذي تريده حقًّا؟ وإلى أي مدًى تريده؟



2 - عليك أن تؤمن أن هدفك يمكن تحقيقه:

يجب أن تؤمنَ تمامًا في أعماق قلبك أنك تستحق الهدف، وأنك قادر على بلوغه، إن الإيمان هو الحافز الذي يُنشِّط جميع قواك الذهنية والجسدية، الأمر الرائع هو أنك عندما تحدد هدفًا واضحًا لنفسك - شيء تريده فعلاً - وتبدأ في العمل على تحقيقه يومًا بعد يوم، فإنك تقوي رغبتك، وتُعمِّق درجة إيمانك، إن كل خطوة للأمام تعمِّق درجة قناعتك بأنك من الممكن أن تحقق هذا الهدف، وهذا هو معنى عبارة: "إن رحلة الألف مِيل تبدأ بخطوة"، من الضروري أن تجعل أهدافك قابلةً للتصديق والتحقيق، خصوصًا في البداية.



3 - قُمْ بتدوين هدفك:

إن جميع من ينجح نجاحًا باهرًا يعمل وَفْقًا لأهداف وخطط واضحة ومكتوبة ومحددة ومفصلة، يتم مراجعتها بانتظام كل يوم أحيانًا، يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع، وشهرًا بعد شهر، هذا يقوم ببرمجتها عميقًا داخل عقلك الباطن؛ حيث تكتسب حياة وقوة خاصة بها.



4 - حدد نقطة البداية:

أين أنت الآن؟

عندما تُقيِّمُ وضعك من خلال تحديد نقطة البداية يجب أن تكون صادقًا مع نفسك، هذا يمكِّنُك من تحديد أهداف قابلة للتصديق والتحقيق، بدلاً من أهداف ربما تكون بعيدةَ المنال ومحبطة.



5 - حدد لماذا تريده:

اكتُب قائمة بكل الطرق التي ستنتفع بها شخصيًّا من تحقيق هذا الهدف، كلما كانت لديك أسباب أكثر للرغبة في تحقيق هذا الهدف زادت شدةُ رغبتك، إن الأسباب هي الوقود لفرن الإنجاز.



6 - ضع موعدًا نهائيًّا:

الموعد النهائي هو أفضل تخمينٍ للموعد الذي ستبلغ فيه هدفك، إذا كان هدفُك كبيرًا بما يكفي قُمْ بتقسيم الموعد النهائي إلى مواعيدَ شبه نهائية، عندما تقوم بتقسيمِ أهدافك إلى كمِّيات ونشاطات يومية، ولكل ساعة، ستصيبك الدهشة من القدر الذي ستُنجِزه.



7 - حدِّد العقبات التي تقفُ في طريقك:

يُمكِنك تطبيق قاعدة 80/20 على العقبات والمصاعب التي تمنعُك من تحقيق أهدافك، تقول هذه القاعدة: إنه في أغلب الحالات تكون 80 بالمائة من الأسباب التي لا تمكِّنُك من بلوغ هدفك داخليةً، إنها بداخلك أنت وليست في العالَم من حولك، فقط 20 بالمائة من العقبات تكون في وضعك الخارجي أو الأشخاص الآخرين.



8 - حدد المعرفة والمهارات الإضافية التي تحتاجها:

في عصر المعلومات المعرفةُ هي المادَّة الخام للنجاح، لكي تحقق شيئًا ما لم تُحقِّقه من قبلُ يجب أن تفعل شيئًا لم تفعَلْه من قبلُ، يجب أن تُصبِح شخصًا مختلفًا، لكي تتخطَّى مستوى إنجازك الحالي يجب أن تكتسب المعرفة والمهارات التي لم تمتلكها مسبقًا، يجب أن يكون كل هدف جديدٍ مقترنًا بهدف تعليمي، أيًّا كان هدفك يجب أن تُقرِّر ماذا يجب عليك أن تتعلَّمَ وتحترف لكي تبلغه.



9 - حدد الأشخاص الذين ستحتاج إلى مساعدتهم:

إن العَلاقات هي كل شيء، لكي تحقق أي شيء ذي أهمية سوف تحتاج مساعدةَ الكثير من الأشخاص، كلما كوَّنت عَلاقات أفضل وأكثر، حقَّقت أهدافك بشكل أسرع، وأصبحت أفضل في جميع جوانب حياتك:

مَن هم الأشخاص المهمُّون في عملك وحياتك الشخصية؟

مَن سيصبحون؟

ماذا يمكنك أن تفعل لكي تحظى بمساعدتهم وتعاونهم؟



10 - ضَعْ خطة جَمِّع فيها كل شيء:

الخطة: هي قائمة منظِّمة للمهامِّ التي سيتوجَّب عليك إتمامها، لكي تنتقل من مكانك الحالي إلى المكان الذي ترغب في الذهاب إليه.



الخطة: هي قائمةٌ بأنشطةٍ يتم تنظيمُها حسب الوقت والتسلسل والأهمية.



11 - تصور هدفك باستمرار:

تصوَّر هدفك كل يوم كما لو أنك قد بلغتَه بالفعل، تصوَّر هدفك بوضوحٍ داخل عقلك، تخيَّل كيف سيبدو لو أنك أنجزتَه بالفعل، اشعُرْ بنفس الشعور الذي سينتابُك عندما تحقق هدفك، تخيَّلِ الفخر والرضا والسعادة التي ستشعر بها لو كنتَ بالفعل الشخص الذي ترغب في أن تكونه، وحقَّقت الهدف الذي ترغب في الاستمتاع به.



كرِّر هذا التصور جنبًا إلى جنب مع الشعور الذي يصاحبه مرارًا وتكرارًا على مدار اليوم، في كل مرة تتصوَّر وتشعر بهذا الشعور، فإنك تُبَرمِج هدفَك أعمق وأعمق داخل عقلك الباطن وعقلك فائق الوعي، في نهاية الأمر سيصبح هدفك قوَّة لا شعورية تدفعك وتلهمك ليلاً نهارًا.



12 - لا تستسلم أبدًا:

ادعَم كلَّ ما تفعله بالمثابرة والعزيمة، اعقِد العزم مُقدمًا على أنك لن تستسلم أبدًا قبل أن تواجه أي عقبات أو مصاعب، خذ القرار بأنك ستثابر حتى تصل في النهاية لهدفك.



الهدف الجامعي وسن تخطي أعتاب الجامعة:

تعتبر مرحلة تخطي أعتاب الجامعة ذات أهميةٍ كبيرة في حياة الفرد؛ فهي تُحدِّد اتجاهه العامَّ مستقبلاً، وتحدد فرص عمله واحتمالية نجاحه وتطوره، لأجل هذا كان اتخاذ القرار المناسب في ذلك الوقت بمثابة رسم الهدف الأوضح والأهم في بناء المستقبل، وقد ركَّزنا على هذا الهدف بشكل خاصٍّ من خلال تلك الدراسة المصغَّرة، فتوجهنا لعيِّنة الدراسة بعدَّة أسئلة استكشافية حول هذه النقطة بالتحديد، وقد ركزت الأسئلة على مصدر اتخاذ هذا القرار.



أو بكلمات أخرى: مَن رسم الهدف الجامعي؟



وقد تعدَّدت الإجابات وتضمنت:

الرغبة الشخصية لدى البعض.



قرار الوالدين ورغبتهما التي سعى الشاب أو الفتاة لتحقيقها.



الظروف الخارجية متمثِّلة في مكاتب التنسيق ونظمها في توزيع الطلاب حسب النسب المئوية التي حصل عليها كل طالب في الثانوية العامة، دون مراعاة للميول أو المهارات المتوافرة لدى كل طالب.



وقد أظهرت الإجابات أن الأشخاص الذين أجابوا بأنهم قد اتَّخذوا قرارهم الجامعي بإرادتهم وتعبيرًا عن رغبتهم الشخصية، كانوا راضين عن قرارهم، حتى وإن عاد بهم الزمن وأتيح لهم إعادة القرار من جديد كانوا سيختارون ذات التخصصات العلمية والمجالات العملية، في حين أجاب الأشخاص الذين يكون قرارُهم بناءً على رغبة الوالدين والأهل، أو تبعًا لمكاتب التنسيق، بأنهم نادمون على قرارهم، واللافتُ للانتباه أن هؤلاء قد تمكَّنوا من تحديد ما كانوا يرغبون به بعد فوات الأوان، وقد نعزو ذلك للخبرة والتجرِبة أو النضج.



وبناء عليه جاء السؤال الأدق:

سن تخطي أعتاب الجامعة واتخاذ القرار الذي يحدد الكثير من ملامح المستقبل، هل ترى أن سن 18 سنة هي الأنسب الآن؟



وفي الإجابة على هذا السؤال ظهر اتجاهان للتفكير:

الأول: اتجاه كلاسيكي، يقر بأن السائد هو الأفضل، وأن سن 18 سنة مناسب لا شك في ذلك، إلا أن هذا الاتجاه لم يحظَ بتأييدٍ كبير من قِبَل عينة الدراسة.



الثاني: اتجاه متطور يرى أن سن 18 ليس مناسبًا لأسباب ذكرتها الإجابات، ومنها:

الثقافة السائدة في المجتمعات العربية، ونقص المعلومات والمعرفة، خاصة فيما يتعلق بموضوعات التنمية البشرية.



كم وكيف المعلومات المتوافرة لدى الشباب، وكون الغالبية منها غير واقعية.



طبيعة الشخصية والفروق الفردية التي تجعل سن 18 مناسبة للبعض دون الآخر.



تباين أسلوب التربية من أسرة لأسرة.



ويبدو أن هناك تشابهًا واضحًا بين الأسباب أو المُعلِّلات التي وردت في الإجابات وبين ما ذكرناه سابقًا نقلاً عن د. براين، حول فشل الأشخاص في تحديد أهدافهم، ومنها البيئة التي ينشأ بها الفرد، وعدم اهتمامها بموضوع الأهداف.



وقد قدمت بعض الإجابات حلولاً لتلك المشكلة، كان منها:

توفير قدر أكبر من الحرية الفكرية للشباب، وتشجيعهم على التفكير واتخاذ القرار.

مساعدة الشباب على الاستقلال المادي من سن مبكرة.

التدريب على الاختيار من سن مبكرة.

تزويد الشباب بالمعلومات الواقعية.



يعتبر نقصُ الثقافة في العلوم والمعارف البشرية، وبخاصة علوم تطوير الذات والتنمية البشرية، من أهم مشكلات المجتمعات العربية، وبما أننا نتحدَّث عن طريقة رسم الهدف الجامعي وضرورة اتخاذ القرار، فمن المفيد أن نتذكَّر جيدًا ما قاله د. براين في نموذجه المكوَّن من 12 خطوة لتحقيق الأهداف، الذي بدأ بضرورة معرفة ما تريده وترغب به بشدة، وهنا نجد أن الأشخاص المتفوِّقين يسقطون ضحيةَ إهمال المجتمعات ونقص إدراكها؛ فالشخص المتفوق يسقط ضحية الحيرة؛ لكثرة مواهبه ومهاراته، ويكون من الصعب عليه أن يُحدِّد ميوله بدقة ووضوح، فالأطفال المتفوِّقون في الصفوف الدراسية يُتقِنون مهارات الموادِّ التعليمية على اختلافها، وإن لم يحملوا بداخلهم ميلاً حقيقيًّا لكل مادة، وهنا يأتي دَور الأسرة والمدرسة والمجتمع في تعليم هؤلاء كيف يستقرئون أنفسهم، ويكشفون عن ميولهم التي تزيد قدراتهم وتُضاعِفُها.



إن استقراء الذات هو الخطوة الأولى دائمًا؛ يقول د. إبراهيم الفقي في كتابه "فن اتخاذ القرار":

"يجب أن تعلم أن القرار يُبنَى على قيم الشخص المقرِّر، وعلى اعتقاده، وعلى مفهومه الذاتي، وعلى إدراكه للأشياء، بالإضافة إلى المؤثرات الخارجية"، هذا يعني أن القرار يبنى على أربعة عوامل ذاتية، وعامل واحد خارجي، ويتفق هذا الرأي مع المستويات الخمسة للشخصية التي تحدثنا عنها سابقًا، والتي تبدأ بالقِيَم، ثم المعتقدات، ثم التوقعات، ثم التوجهات، وأخيرًا السلوك، وعلى هذا عليك كي تتخذ قرارًا سليمًا أن تستقرئ ذاتك، وتعرف مستويات شخصيتك، ومن ثم تتخذ قرارك بما يتوافق مع قيمك ومعتقداتك وتوجهاتك.
وهناك مراحل ثلاث لاتخاذ القرار السليم، وهي:

مرحلة التفكير: فلا بد أن تبدأ بالتفكير المنطقي، وهذا التفكير يحتاج إلى المعلومات والمعرفة، فعندما ترغب في اتخاذ قرار ما كقرار دخول الجامعة أو لا، أو قرار الالتحاق بكلية دون غيرها، عليك أن تجمع المعلومات حول الموضوع، ضع مشاعرك جانبًا بشكل مؤقت.



مرحلة الأحاسيس: الآن شارك أحاسيسك، فعندما تُبنى الأحاسيس على منطق معين يكون القرار أفضل، لكن لو أتت الأحاسيس في المقدمة، فهنا تكون الخطورة.



الإلهام الداخلي أو البديهة: الإلهام هو صوت داخلي يخاطب الإنسان أثناء اتخاذه القرار بأمر ما، وهذا الصوت عادة يكون صوابًا، وهناك فَرْق بين البديهة والتحدث مع الذات؛ فالإنسان إذا سمِع الصوت سلبيًّا واعتبره ضده فهذا هو التحدث مع الذات، أما البديهة، فهي شعور يُوصِلك لراحة داخلية.



يقول د. إبراهيم الفقي:
"كي يستطيع الإنسان أن يتخذ أفضل قرار عليه أن يصل بعقله إلى مرحلة الألفا، ولكي نصل لهذه المرحلة لا بد أن نعلم وظائف العقل الواعي ووظائف العقل اللا واعي".



ماذا يقصد د. إبراهيم بمرحلة الألفا؟!

يشير د. إبراهيم إلى نشاطات العقل تبعًا لنشاطات المخ، ويقسم تلك النشاطات إلى أربع مراحل؛ هي:

مرحلة البيتا BETA: في تلك المرحلة تكون ذبذبات المخ عالية جدًّا وخطيرة، تتراوح ما بين 14 و28 دورة، وفيها يكون المخ منشغلاً بأكثر من شيء؛ كالأفكار والمؤثرات الخارجية التي تحيط بالشخص، وهي أسوأ مرحلة يمكن للفرد أن يتخذ فيها قرارًا ما.



مرحلة الألفا ALPHA: وهي أفضل مرحلة لاتخاذ القرار، تتراوح فيها ذبذبات المخ ما بين 7 و14 دورة في الثانية.



مرحلة الثيتا THETA: وفيها يكون الشخص مسترخيًا تمامًا؛ حيث ينام ويحلم، ويعلم أنه يحلم، وتكون ذبذبات المخ فيها ما بين 3 و 7 دورات في الثانية.



مرحلة الدلتا DELTA: وهي مرحلة النوم أو الميتة الصغرى، وتكون ذبذبات المخ فيها ضعيفة جدًّا من 1 إلى 3 دورات في الثانية.



وبما أن مرحلة الألفا هي الأنسب لاتخاذ القرار، فعليك أن تُنمِّي ثقافتك، وتتدرب على كيفية الوصول لتلك المرحلة، ويتم ذلك من خلال جلسات الاسترخاء والتنفس العميق الهادئ لعدة دقائق، عندها يهدأ العقل ويصفو الذهن، ويكون بإمكانك مراجعةُ ما لديك من معلومات حول الموضوع، ومن ثَمَّ استقراء أحاسيسك، ثم الإنصات لصوت الإلهام بداخلك، وأخيرًا اتخاذ القرار المناسب في حياتك، وتذكر أن قرارك ينبعُ في أربع أخماسِه من داخلك أنت، وَفْقًا لقِيَمك ومعتقداتك وتصورك الذاتي لنفسك ولِما حولك، والخُمس الأخير يأتي من المحيطين بك، وتذكر أيضًا أنك لن تنجح في تحقيق أهداف يريدها لك غيرك، لأجل هذا استقرئ نفسك وحدِّدْ هدفك واتخذ قرارك.
أيهما يسبق الآخر: النجاح الشخصي أم المِهْني؟

النجاح هو القدرة على تحقيق الأهداف المحددة مسبقًا، وبما أن حياة الفرد ذات جوانب متعددة؛ فإن النجاح الحقيقي يعني نجاحًا متوازنًا في كافة الجوانب، لأجل هذا عرَّف د. إبراهيم الفقي النجاحَ بأنه القدرة على تحقيق التوازن بين جوانب الحياة الخمسة، وهي: الروحاني، الشخصي، المِهْني، الصحي، والمادي.



ولقد اخترنا في تلك الدراسة المصغَّرة جانبينِ شديدَي التداخل فيما بينهما، وهما الجانب الشخصي بما يحمله من عَلاقات أُسرِية، وزواج، وتكوين أسرة، وبين الجانب المهني وما يحمله من تطوير الذات من الناحية المِهْنية، واكتساب المعارف الجديدة، وتنمية المهارات والارتقاء الوظيفي، ولقد توجَّهْنا لعيِّنة الدراسة بعدة تساؤلات حول تلك النقطة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة الذكور في عيِّنة الدراسة كانت 35% مقابل 65% إناث، كما كانت نسبة المتزوِّجين من بين أفراد العينة الإيجابيين ممَّن قدموا إجابات تجاه الأسئلة المقدَّمة إليهم 42% مقابل 57% غير متزوجين.



وقد تباينت الإجاباتُ وانقسمت إلى ثلاثة اتجاهات فيما يتعلق بالعَلاقة بين النجاح المهني والنجاح الشخصي، وأيهما يسبق الآخر على النحو التالي:

1 - رأى أصحاب هذا الاتجاه أن النجاح المِهْني هو الأهمُّ، ومن الضروري أن يسبق النجاح الشخصي.



2 - يميل أصحاب الاتجاه الثاني إلى أن النجاح الشخصي قد يعوقُ أحيانًا النجاح الوظيفي.



3 - كان هذا الاتجاه أكثر اعتدالاً من سابقيه، وركز على أهمية التوازن بين الاثنين.



وقد أشارت الإجابات إلى العَلاقة بين هذا التفضيل وبين الجنس؛ حيث مالت بعضُ الإجابات المقدَّمة من الإناث إلى تأكيد أفضلية النجاح الشخصي والاستقرار وتكوين أسرة، كما أشارت إلى كون النجاح الوظيفي في حياة المرأة يمثل نوعًا من الرفاهية، وأشارت بعض السيدات إلى أن الظروف الاجتماعية هي التي حددت مصيرَهن في الماضي، وفرضت الأولوية للنجاح الشخصي، مما يعني إبراز عاملٍ جديد في التفضيل، وهو الظروف الخارجية والوضع الاجتماعي، كما رأت بعض الفتيات أن السعي للاستقرار قد يعني فشلاً مستقبليًّا في المجال المِهْني، والرأي الأخير يُضِيف عاملاً جديدًا، وهو طبيعة الشخصية وإدراكها لِمَا حولها وتقديرها لذاتها.



أما عن الذكور من أفراد العينة، فقد جاءت الإجابات أكثر ميلاً لتفضيل النجاح المهني، في حين وردت إجابات تشير للتوازن، ومن بين تلك الإجابات ما ذكره السيد جمال محمود - 56 سنة (متزوج، وأب لثلاثة أطفال) -: "بالنسبة لي أسعى دائمًا للتوازن في كل مجالات حياتي، فلا أحاول أن أحقق أعلى الدرجات والوصول للقمة في مجال واحد، ولكن يكفيني تحقيق النجاح وليس التفوق، فأنا أعلم جيدًا أنه ليس هناك إنسان متميز وموهوب ومحقق لأعلى درجات النجاح في مجال، إلا وكان ذلك على حساب بعض المجالات الحياتية الأخرى؛ لذا أحاول أن أُمسِك بجميع الأطراف معًا، فأعطي وقتًا لعملي، وقتًا لأولادي، ووقتًا لبيتي، ووقتًا لزوجتي"، وهذا بذاته ما ذكره د. إبراهيم الفقي عن التوازن وما ناقشناه مسبقًا.



إذًا عوامل التفضيل بين أفراد العيِّنة، وكما أظهرتها الدراسة تتمثل في:

الجنس ونظرة المجتمع لدور الرجل والمرأة.

الظروف الخارجية التي تُفرَض على الشخص ولا يملك تغييرها.

طبيعة الشخصية وإدراكها لما حولها وتقديرها لذاتها.



وعندما توجَّهنا لأفراد العينة من المتزوجين بالسؤال عما كانت عليه أوضاعهم، ومدى النجاح الذي حققوه سابقًا من الناحية المِهْنية حين أقبلوا على الزواج، فقد جاءت الإجابات سلبية في أغلبها، ويبدو أن مفهوم النجاح ومقياسه لا يزال مُشوَّشًا وبشدة في الأذهان، أو أن هناك خوفًا مترسبًا نتيجةً للثقافة السائدة، يدفع بالأفراد لالتزامِ الصمت حذرًا على الأغلب.



ومع عدم وضوحِ الرؤية لدى أغلبيةِ أفراد العيِّنة فيما يتعلق بتحديد الأهداف، وبالتالي تحقيقها أو تكوين الطموح والشعور بالنجاح، فقد طرَحْنا سؤالاً جديدًا في محاولةٍ لاستكشاف الأمر بدقة أعلى، فتوجَّهنا إليهم بالسؤال عن دور شريك الحياة، وما يتوقع منه كمساعد للطرف الآخر في تحقيق النجاح المهني، بكلمات أخرى:

ماذا يطلب الزوج في زوجته كمساعد؟

وماذا تطلب الزوجة في زوجها كمساعد؟

وهل الدعم المطلوب يتمثل في الدعم المادي أم المعنوي أم كليهما؟



وفي الإجابة على هذا السؤال كان التفاعلُ الأكبر من نصيب الإناث، وجاء التركيز على الدعم المعنوي متمثلاً في عدة صور، هي: القَبول، المساندة، تفهم طبيعة عمل الشريك بمزاياه وعيوبه، وقد أبرزت الإجابات التخوُّف السائد في المجتمعات العربية من رفض الزوج لتقدُّمِ الزوجة المِهني، أو محاولة الإحباط أو الفشل التي قد تصدر عن قصد أو بدون.



أما عن الذكور، فجاءت الاستجابات ضعيفة جدًّا عدا استجابة واحدة، أكدت على الدعم المعنوي والمهني كذلك، على النحو التالي:

"زوجتي هي العامل الأساسي والمساعد على نجاح المنظومة ككل، فبدون مساعدتها وتفهمها ما كنت وصلتُ للنجاح الذي يرضيني الآن، فبمساعدتِها وخبرتها أيضًا بالعمل الإداري ساعدَتْني في تطويرِ منظومة العمل والحفظ والفهرسة على الحاسب الآلي، وساعدتني في عمل الفواتير الحسابية وإرسالها للعملاء عن طريق الإيميل، وكانت تُوفِّر لي الوقت اللازم للعمل قليلاً بالمنزل بعد نوم الأولاد، وكانت تشاركني حتى ننتهيَ من العمل بكل دقة، كنت أترك لها المراسلات والمخاطبات والحسابات، وأقوم أنا بتنظيمِ العمل وتحديد المواد والموارد المطلوبة، ونقل العمال ومتابعتهم، وهكذا؛ لذلك فأنا أؤكد أنها العامل الرئيسي وراء نجاحي الوظيفي".



ومن خلال تلك الإجابة نجد أن الدعم الذي وصف فيها يتمثل في عدة نقاط:

• الدعم العاطفي والمعنوي.
• توفير وتهيئة الجو المناسب للعمل.
• المشاركة الفعالة واقتسام المهام.
• قيام الزوجة بدور السكرتيرة المنزلية، وهذا يتطلب زوجة واعية متعلمة ونشيطة.



من المفيد أن نُؤكِّد أن هذا التصوُّر قد ورد من أحد أفراد العيِّنة من المتزوجين، مما يعني توافرَ عامل الخبرة والتجرِبة الحيَّة، بعيدًا عن مجرَّد التصورات العقلية البعيدة عن أرض الواقع، ويعني أيضًا أن تحقيقَ التوازن والمساعدة بتلك الصورة حقيقةٌ يمكن الوصول إليها، لا حُلمًا على الأوراق.



في إجابات أخرى ظهر الغموض، ومن أمثلة ذلك: "دور المساعد والمساند وليس الشريك" - "شريك بمعنى الكلمة"، وبمثل تلك الإجابات يَبْرُز عدم الوضوح والتحديد، وعندما لا تملك تصوُّرًا واضحًا لِمَا تطلبه في شريك حياتك فمن المحتمل جدًّا أنك لن تحصل على الشريك الذي تتمنَّاه، وبالتالي يعني إخفاقك في هدفٍ رئيسي في جانب حياتك الشخصية، مما يعني تهديدًا لأهدافك في الجانب المهني وغيره من الجوانب.



وعندما نتحدَّث عن عدم التحديد نجدُ أن ما يطلُبُه الأشخاص وما يعتقدونه أهدافًا يرغبون بتحقيقِها في المجال المهني ليست سوى أمنياتٍ، فعندما تضعُ هدفًا مشابهًا لـ: "عليَّ أن أحظى بوظيفة جيدة وأبني مستقبلي ثم أتزوج"، هذا ليس هدفًا على الإطلاق، وإنما هو أمنية كما أسماها د. براين؛ فالهدف ليس واضحًا أبدًا، ولا يمكن قياسه!



فما هي الوظيفة المناسبة؟ وما صفاتها؟
ومتى ستقنع بأنك في وظيفة مناسبة، ثم تنتقل لتحقيق الهدف الثاني وهو الزواج؟



وبما أن الإجابات السابقة قد أوضحت عدم التحديد لما يطلبه الفرد من شريك حياته، فقد حاولنا استكشاف ما يريده من وظيفته، وما هي الوظيفة المناسبة بالنسبة له، وقد تباينت صفات الوظيفة المناسبة، ومنها:

• أن تكون الوظيفة مناسبة لإمكانيات الشخص ومواصفاته الشخصية، ومنها الجنس.

• العائد المادي الجيد.

• أن توفر الوظيفة فرصًا للترقي.

• أن تكون الوظيفة مناسبة لمكان الإقامة.

• أن تكون الوظيفة مناسبة مستقبليًّا.

• أن تكون الوظيفة موافقة لمجال الدراسة.



ويظهر عدم التحديد مرة أخرى في الإجابات، فعند ذكر العائد المادي الجيد لا يعتبر مقياسًا محددًا لوظيفة مناسبة، وإنما الأنسب أن يُحدِّد الشخص راتبًا معينًا يسعى للوصول إليه، أما فرص الترقي وموافقة الدراسة فقد تبدو محددات نوعًا ما.



من المفيد أن نشير إلى أن بعضَ الإجابات أشارت إلى كون الوظيفة مرحلة، وليست غاية بحد ذاتها، وأن كل مرحلة من مراحل الحياة توافقها وظيفة معينة، وهذا يعني أن التطور المهني والوظيفي يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع بقية جوانب الحياة، وألا ينفرد وحده باهتمام الشخص أو بالأهداف العريضة.


وعندما تملك هدفًا وظيفيًّا ضخمًا فتلك خطورة، وهناك احتمال أن تنجح أو تفشل في تحقيق هذا الهدف الضخم، لأجل هذا شاركنا أفراد العينة بالإجابة على السؤال، وأظهرت الإجابات أن الأهداف الكبيرة يمكن تحقيقُها شرط التقدير الجيد لإمكانيات الشخص، ومن ثَمَّ التخطيط الجيد، وتقسيم الأهداف الكبيرة لأهداف صغيرة يمكن إنجازها، من جهة أخرى رأى البعض أن الأهداف الضخمة قد تُعجِّل بنهاية صاحبها إذا افتقرت إلى الواقعية والتخطيط أو تحققت بطرق غير مشروعة.



وعودة إلى التوازن بين جوانب الحياة والتوفيق بينها، نجد اختلافًا في إجابات أفراد العيِّنة حول السؤال: "الأهداف في تقديرك متوالية أم متوازية؟":

ومال البعض إلى تأييد فكرة التوالي، في حين مال البعض الأخر إلى تأييد التوازي، وكان من بين عواملِ التفضيل هنا إمكانيات الفرد وقدرته الشخصية على تحقيق الأهداف، وإن كنا نتحدَّث عن جوانب الحياة الخمسة ووجود أهداف في كل جانب، فالأقرب للواقع هو أن نقول بوجود أهدافٍ متوازية وأهداف متوالية، فالأهداف تأتي على هيئة مجموعات متتالية، بحيث تضمُّ كل مجموعةٍ عددًا من الأهداف في أكثر من مجال، كأن تحمل هدفًا شخصيًّا، وآخر مِهْنيًّا، وثالثًا روحانيًّا، ورابعًا صحيًّا، وتحققهم معًا خلال 6 أشهر، ثم تنتقل بعدها لمجموعة أهداف أخرى، وهكذا، الحياة خطة طويلة الأمد، وأنت مَن تضع خطتك بنفسك.



ما هي السعادة؟

عندما نتحدَّث عن موضوعات تطوير الذات والتنمية البشرية، فإن الهدف الذي ننشده دومًا هو الإجابة على السؤال: "كيف تكون سعيدًا؟"، ولقد تباينت التعريفاتُ المُقدَّمة لمعنى السعادة ومفهومها، مما يعني اختلافًا متوقعًا في الإجابة على هذا السؤال.



وبالنسبة للسعادة نجد رأيًا لأرسطو في كتاب الأهداف للدكتور براين يقول:

"لقد ذكر أرسطو أن الهدف أو الغاية الأساسية من حياة الإنسان هو أن تحقق سعادتك، أنت تصبح أكثرَ المخلوقات سعادةً، عندما تنسجم تصرفاتك الخارجية مع قيمك الداخلية، عندما تعيش في محاذاة كاملة مع ما تعتبره جيدًا وصحيحًا وحقيقيًّا، سوف تشعر تلقائيًّا بالسعادة والإيجابية تجاه نفسك وتجاه عالمك"، باختصار يمكن أن نقول: إن السعادة عند أرسطو تعني الانسجام الخارجي والداخلي.



في علم النفس نجد أن درجة تقديرِك لذاتك تُحدِّد سعادتك، بمعنى آخر: تقديرك لذاتك = سعادتك، ومعنى تقدير الذات: درجة حبِّك لنفسك، كيف ترى نفسك من الداخل؟ إلى أي مدى تحبها؟ إن صورتك الذاتية تُؤثِّر في حياتك وتعاملاتك، وتلك الصورة تتشكَّل من فضائلك، قيمك، أهدافك، أحلامك، أمانيك وطموحاتك، وهذا يعني أن سلوكك كلما اتفق مع قيمك ومع ما تراه سلوكًا مثاليًّا، فسيزيد من تقديرِك لذاتك، ويرفع درجة سعادتك، والعكس صحيح.



يُشِير البعض إلى أن السعادة هي مجموعُ ما تشعرُ به من سعادةٍ وارتياحٍ ورضا في جوانب حياتك المختلفة؛ فسعادتُك الحقيقية هي مجموعُ سعادتِك في عملك ومع أسرتك وعَلاقتك بربك، وهكذا.



وعودة لأفراد العيِّنة نجد أن مفهوم السعادة لديهم قد تباين واختلف، ومن بين ما أظهرته الدراسة:

السعادة هي الرضا.

السعادة هي راحة البال.

السعادة هي الهدوء والطمأنينة.

السعادة هي تحقيق الذات وبلوغ الأهداف.

السعادة هي النجاح.



والسعادة لدى د. إبراهيم الفقي هي تحقيقُ النجاح في جوانب الحياة الخمسة باتزانٍ، هذا يعني ضرورة أن تكون متزنًا وواضحًا ومحددًا وصادقًا مع نفسك، وأن تُنمِّي ثقافتك، وتطور مهاراتك فيما يتعلق باستكشافِ النفس واستقرائها ومصارحتها، وأن تتعلَّم كيف تضع أهدافك، وكيف تحققها، كيف تنظم وقتك، أن تتعلم ما تريد وكيف تحقق ما تريد، وأخيرًا اعلم أن أفكارك تحدد شعورك في النهاية، والأفكار السعيدة تجعلك سعيدًا، والأفكار التعيسة تجعلك تعيسًا، فراقب أفكارك جيدًا.
***********************************************************
بدا واضحًا من خلال تلك الدراسة الاستكشافية ما تعانيه مجتمعاتُنا العربية من نقصٍ شديد في مجال المعرفة البشرية، وبخاصة فيما يتعلق بموضوعات التنمية البشرية وتطوير الذات، وقد أدى هذا النقص إلى اختلاط المفاهيم في الأذهان وعدم وضوح الرؤية، وبالتالي تبدَّد الوقت، وتشتت الجهد، وحصل الفشل في تحقيق الأهداف والغايات.
إن شبابَ اليوم بحاجة إلى عناية ورعاية المؤسسات التعليمية، ويبدو أن من المفيد جدًّا دمجَ موضوعاتِ التنمية البشرية بشكل جدِّي في المواد الدراسية، أو تخصيص حصص دراسية، أو ندوات أسبوعية؛ لبحث مثل تلك الموضوعات بمساعدة مدرِّبين معتمَدِين في هذا المجال، كما أنه منوطٌ بوسائل الإعلام أن تعمل على نشر تلك الثقافة المتحضرة وتعليمها للأسر والأفراد في المجتمع.
إن معرفة الفرد لما يريده حقًّا بدقة ووضوح يزيد من فرص وإمكانيات بلوغه لهدفه، ونجاح الأفراد في تحقيق أهدافهم يعني نجاح المجتمع ككل في بلوغ أهدافه، إن عملية التخطيط ووضع الأهداف والسعي إليها يجعل الفرد في حالة ديناميكية دائمة، مما يعني تطورًا وجديدًا في كل لحظة.
إن نجاح المجتمع وتقدُّمه مرهونٌ بتطوير أفراده داخليًّا أولاً، علينا أن نبني أنفسنا ونبني أبناءنا، مما يؤهلنا ويؤهلهم لرفع الراية، وإكمال المسيرة، والتقدم للأمام، والأهداف العظيمة يمكن تحقيقها شرطَ أن يتم التخطيط لها بشكل صحيح، تخطيطًا واعيًا مدروسًا ومصحوبًا بالرغبة الشديدة والإلزام الحقيقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق