السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-05-11

حاجتنا إلى اليأس!



اليأس من الصِّفات المذمومة التي من ابتُلي بها أصابه الحُزنُ والهمُّ، وقعد عن دروب الهدى، ولم يسعَ في سبُل النجاة، هذا هو اليأس المذموم، لكن ما رأيك لو علِمتَ أننا نحتاج إليه، ولكن بوجهه المشرق، نعم نحن نحتاج إليه كثيرًا، فاليأس له الميادين التي نحتاج إليه فيها، فاليأس مفيدٌ كالتفاؤل؛ فهو سبب للاجتهاد في الأعمال، وطريق نافع لقطْع التعلق بالأمنيَّات التي هي أكبر من طاقات الإنسان، وهو سبب للرضا بالمتاح، قد يقول البعض: إن هذا الكاتب (يتفلسف)، ليست هذه فلسفة فارغة، وإنما كلامٌ يصدِّقه واقع الحياة التي نعيشها، وهذه بعض المجالات التي نحتاج فيها لليأس:
أولاً: اليأس من رضا الناس عنا:
الكثير منا يعلم أنَّ أكثر الناس لن يرضَوْا عنه مهما عمل، ولكنه في انشغالات الحياة ينسى ذلك، فتجده يسعى للوصول لهذه الغاية، وتراه يحزن؛ لأنه لم يحقق هذه الغاية، وكأنه لا يعلم ذلك، فهذا باب لا تطمع في فتحِه؛ فرضا النَّاس - كما قال الإمام الشافعي - غايةٌ لا تدرَك.
ثانيًا: اليأس من إشباع النفس لشهواتها:
لن تستطيع النفس البشرية أن تصل لقدر يكون فيه إشباع لشهواتها، فما أن يصل المرء لشهوةٍ من الشهوات إلا ويسعى لغيرها، وهكذا دون أن تشبع منها نفسُه، وصدقَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أنَّ لابْن آدَمَ واديًا من ذهبٍ، أحبَّ أن يكونَ له واديانِ، ولنْ يملأَ فاهُ إلاَّ التُّرابُ، ويتوبُ اللهُ على من تاب))؛ متَّفق عليه، بل إنَّ الشهوات الممنوعة لن تشبَع منها النَّفس لو أصبحت مباحة للجميع، فهل شبِع الغرب من الشهوات المحرَّمة بعد سنوات من إِلْفها؟ فالنفس لا تقف عند حد؛ فلذلك أمر الله عبادَه بالمجاهدة والصبر، وشبَّه نبيه -صلى الله عليه وسلم- الدنيا بالسِّجن للمؤمن؛ لأنه ممنوع من شهواتِها المحرَّمة.
ثالثًا: اليأس من التخصص في كل شيء:
عندما يبلغ الشخص منا مرحلة الشباب يجد أنَّ أمانيَّ التخصص تنازعُه، فهو يريد أن يكون كاتبًا وطبيبًا وداعيًا ومربيًا في وقت واحد، فكيف يصل لهذه السبل معًا، والوقت لا يُعينه، والواجبات الاجتماعية كثيرة، وتعقَّدت سبل المعيشة، وتوسعت المعارف؟ ومن أراد تخصصات عدَّة، فهو لا يستطيع التفرُّغ لها جميعًا، فالتخصص في كل شيء وزمن الموسوعية قد مضى منذ عهد بعيدٍ، فمن أراد أن ينفع أمَّته، فليتخصص في مجالٍ واحد؛ لأنَّ أمتنا تحتاج لكثير من المتخصصين الكبار الذين يسدُّون الثُّغور، لا أنصافَ المتخصصين لا يُسْمِنون ولا يُغْنُون من جوع.
رابعًا: اليأس من الرضا عن أعمالنا:
الأعمال البشرية لا بدَّ أن يشوبَها النقصان؛ لأنَّ البشر دائمًا يعتريهم النقصان، يقول الثعالبي: لا يكتب أحدٌ كتابًا فيبيت عنده ليلةً إلا أحبَّ في غيرها أن يزيد فيه أو ينقص منه، هذا في ليلة، فكيف في سنين معدودةٍ؟
وقال العماد الأصبهانيُّ:
إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه، إلا قال في غدِه: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زِيد كذا لكان يُستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النَّقص على جملة البشر..[1] وهذا النُّقصان يدعونا إلى المجاهدة في تجويد أعمالنا، والحرص على إصلاحها، دون الغلوِّ في ذلك، فلا يدفعنا هذا النقص البشري إلى عدم إفادة الناس بأعمالنا بها مما فيها من نُقصان، بل يجب عرضها على الناس لينتفعوا بها، وهذا يدفعنا لإعادة تجويدها؛ لأنَّ نقدَهم لأعمالنا يدفعنا لتجويدها.
رابعًا: اليأس من الاعتماد على الناس:
بعض الأفراد يُحسن الظن بالاعتماد على الكثير من الناس في تحقيق طموحاته، ومعالجة همومه، وقد لا يصلُ لليأس من ذلك إلا حين يرى خِذلانَ من اعتمد عليهم، ولو يئس من ذلك من قبلُ، لاستراح من هذا الوهم، وقد ذكر الأستاذ توفيق الشاوي[2] عن عبدالحميد شومان حينما أراد تأسيس البنك العربي في القدس يقول: "وكان أكثرُ ما قاساه هو ما لقيه من انصراف الكثيرين ممن تحمسوا للمشروع ووعدوا بالمساهمة فيه، ولم يثبُت معه إلا أقاربُه وبعضُ المخلِصين من أصدقائه؛ مجاملة له"[3]، فمن يَحسُن عليه الاعتمادُ بعد الله، هم الأصدقاء الأوفياء، وهؤلاء قلَّة لا تذكر، فالنصيحة لكل طَموح أن يعتمد على الله وحده، ثم يسعى لتحقيق ما يريده بنفسه، ولعلَّنا نفهم ذلك من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: ((من يكفلُ لي ألاَّ يسألَ النَّاسَ شيئًا، وأتكفَّل له بالجنَّةِ؟))[4].
هذه بعض المجالات التي نحن في أشدِّ الحاجة إلى اليأس فيها، وإنْ دعوْتُك لليأس في ذلك، فإنما أنصحك، والنصح قد يكون مؤلمًا للنفس، لكنه نافع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق