السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2012-02-01

يا مصر هذا تاريخك، فاختاري حاضرك


يا مصر هذا تاريخك، فاختاري حاضرك

في هذا المقال ستقرأ جزءا من التاريخ لم تكن تعرفه في غالب الأمر وهو عن كيفية سقوط الدولة الفرعونية ثم انتقال مصر من مرحلة الامبراطورية إلى مرحلة المستعمرة.
يا مصر هذا تاريخك، فاختاري حاضرك
إذا نظرت إلى خريطة مصر، ستجد أن رب العالمين قد وهب مصر ، إذًا أعطى النيل مصر عنصر البناء وأعطت الصحراء مصر عنصر الحماية. هذا أعطى مصر القدرة على بناء نفسها أولا، ثم تأسيس إمبراطورية كبرى بعد ذلك.
قلبا نابضا غنيا ألا وهو نهر النيل، وليس هذا فحسب، بل كانت الصحراء التي تحيط بوادي النيل من كل مكان بمثابة المصفاة أو الغربال الذي يصفي الهجمات على هذا القلب الغني ويعطي مصر نطاقا لحماية قلبها الغني
لقد كانت مصر في ذلك الوقت تماما كالولايات المتحدة في وقتنا هذا. نعمة تستحق الشكر بلا شك، فهل شكرتها مصر الفرعونية؟!
يحدثنا القرآن عن طاغية من طواغيت الزمان الذي اغتر بما لديه من الملك و السلطان ووصل به الأمر إلى أن ادعى الألوهية، فيقول تبارك وتعالى مخبرا عن فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي} [سورة القصص: 38]. وأرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون بالآيات البينات فأبى إلا الكفر بها، فيقول تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ} [سورة طه: 56].

ودعا موسى عليه السلام إلى التوحيد، ولكن القوم استكبروا في الأرض وأبوا دعوة التوحيد. فكيف تقبل أمة تتحكم في رقاب العباد ولها الملك والسلطان في الأرض بدين يخبرهم أن العبودية والذل واجبة لله، ويأمرهم بالعدل وينهاهم عن الظلم ويخبرهم أنه لا فرق بين أبيض ولا أسود إلا بالتقوى. فرغبة في الحياة الدنيا واستكبارا بما آتاهم الله من قوة كفروا بآيات الله البينات، فيخبرنا القرآن عن ذلك في قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [سورة النمل: 14].

لقد بهرهم زخرف الدنيا فرفضوا الانصياع لرب العباد، فهل حافظوا على ما لديهم من ملك الدنيا؟!
يخبرنا الله تبارك وتعالى عن فرعون وجنده وهو يحكي عن نهايتهم: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٢٥﴾ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴿٢٦﴾ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ﴿٢٧﴾ كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [سورة الدخان: 25-28]..
لقد كانت هذه نهاية طاغية، وبداية تحول مصر من إمبراطورية إلى أطول مستعمرة في التاريخ.
وانظر معي ما تخبرنا به كتب التاريخ بعد ذلك. بدأ الأمر بالاستعانة بأهل ليبيا كمماليك ومرتزقة، وفي ظني أن ذلك كان لهلاك أغلب شباب مصر وغرقهم، ثم مع الوقت استولوا على السلطة بالغزو من الداخل فسقطت مصر في أيدي الليبيين، ثم تلى ذلك الاحتلال الاثيوبي، ثم الآشوري، ثم سقطت في يد فارس، ثم في يد اليونان، ثم ورث البطالمة اليونان، ثم سقطت مصر في يد الرومان، حتى أن البعض أطلق على مصر "أطول مستعمرة في التاريخ".

وهكذا ظلت مصر مستعمرة تنتقل من يد إلى يد حتى تحررت مصر على يد الفتح الإسلامي من العبودية لغير الله، وتحرر شعبها من ذل الاستعمار، فأبدا لم يكن الفتح الإسلامي لأرض هدفه تصفية الموارد لصالح طبقة الحكام، بل كان دوما هدفه الأسمى ما لخصه ربعي بن عامر: "نحن قوم بعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، فآمن الناس ودخلوا في دين الله أفواجا.

ومن وقتها أصبحت مصر بحجمها البشري ومواردها التي حباها الله بها هي الصخرة التي تحطمت عليها أطماع الغزاة. لقد فقهت مصر أن الأمن نعمة من الله منوطة بتحقيق العبودية لله، فكانت مصر بحق قائدة العالم الإسلامي ونجحت في صد الهجمات التتارية و الصليبية، وأصبح الجميع ينظرون لها على أنها درة العالم الإسلامي وهي بحق تستحق ذلك الدور. ألم يكن من الأفضل تجنب تلك الحقبة السوداء من تاريخ مصر بأن يقف فرعون وملأه مع أنفسهم ويرجعوا إلى الحق الذي جحدوه، ويسجدوا لله ويعبدوه.

لقد كان ذلك أفضل لدينهم ودنياهم. ألم يكن من الأفضل لهم أن يستمعوا لمؤمن آل فرعون الذي يخبرنا الله تعالى عن قوله لهم {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّـهِ إِن جَاءَنَا} [سورة غافر: 29]. ولكن القوم أبوا فأصابهم ما أصابهم، وفي ذلك عبرة لكل من يغتر بما لديه من قوة وسلطان زائل. وفي ذلك عبرة لكل من يقدم مكاسب دنيوية على التعاليم الإلهية.

ونحن على أبواب مرحلة جديدة فإما أن نختار طريق العبودية لله وطاعته طريق قطز وصلاح الدين، وإما أن نختار طرق أخرى قد تبدو زاهية ولكن نهايتها ستكون حتما مؤلمة.
بقلم أ محمد نصر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق