السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2011-11-04

رسالة في أحكام الأضحية


رسالة في أحكام الأضحية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإني أتقدم إلى إخواني بما تيسر من الكلام على شيء من الأضحية بمناسبة حلول وقتها، راجيًا من الله تعالى أن يجعل عمل الجميع خالصًا لوجهه ونافعًا ومقربًا إليه، إنه جواد كريم.
الأضحية:
الأضحية ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسببه تقربًا إلى الله عز وجل، وهي سنة مؤكدة دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والأظهر وجوبها، فإنها من أعظم شعائر الإسلام وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته، وقد جاءت الأحاديث بالأمر بها، ونفاة الوجوب ليس معهم نص". أهـ.
وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى ولم يتصدق بثمن الأضحية حتى في عام المجاعة التي أصابت الناس.
والأصل في مشروعية الأضحية أن تكون عن الحي، لأن هذا هو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه.
أما الأضحية عن الميت فتكون على ثلاثة وجوه:
أحدها: أن تكون تبعًا للحي كما لو ضحى عن أهل بيته ونوى بها الأحياء والأموات، فهذا ربما يكون الأصل فيها تضحية النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعن آله، فإن منهم من كان ميتًا.
الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالًا تبرعًا، فقد قال فقهاء الحنابلة: "أي قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم نفعه ذلك".
والأضحية من القرب بل نصوا على خصوص الأضحية عن الميت، لكن من الخطأ ما يفعله كثير من الناس يضحون عن أمواتهم تبرعًا ويتركون أنفسهم وأهليهم الأحياء حتى ظن كثير من العامة أن الأضحية من خصائص الأموات وأشد خطأ من ذلك ما يضحى به عن الميت الأول سنة من موته ويسمونها أضحية الحفرة، ويرون أنه لا يشرك معه أحد في ثوابها؛ فإن هذا من البدع التي لا أصل لها.
الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصيته تنفيذًا لها، فتنفذ حسب وصيته بدون زيادة ولا نقص.
وقت الأضحية:
وقت الأضحية من بعد صلاة العيد يوم الأضحى إلى آخر يوم من أيام التشريق وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم العيد، فتكون أيام الذبح أربعة. ويجزئ الذبح ليلا، والذبح في النهار أفضل، وأفضل يوم العيد ثم ما بعده على التوالي. ولا تصح الأضحية قبل وقتها، ولا تصح أيضًا بعده إلا من عذر كما لو ضاعت بعد تعيينها بدون تفريط منه ثم وجدها بعد أيام الذبح.
الذي يضحي به وعمن يجزئ:
الذي يضحي به بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنه ومعزها، وأفضلها: الإبل، ثم البقر ثم الضأن، ثم المعز، ثم سبع البدنة، ثم سبع البقرة. والأفضل من كل جنس أسمنه وأكثره لحمًا وأكمله خلقة وأحسنه منظرًا.
وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد، ويجزئ سبع البدنة وسبع البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم.
ويجوز أن يشرك في الثواب من شاء من المسلمين سواء كانت الأضحية واحدة من الغنم أو سبعًا من الإبل والبقر، لأن الثواب لا حصر له، فقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة واحدة عن أمته أو عمن لم يضح من أمته.
شروط ما يضحي به:
يشترط لما يضحي به أربعة شروط:
أحدها: أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق غيره، فإن لم يكن ملكًا له كالمسروق والمغصوب والمملوك بعقد ففاسد لم تصح التضحية به، وكذلك إن تعلق به حق الغير كالمرهون لا تصح التضحية به إلا برضى صاحب الحق.
الثاني: أن يكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، ضأنها ومعزها.
الثالث: أن يكون بالغًا للسن الشرعي بأن يكون جذعًا فما فوقه من الضأن، وثنيًا فما فوقه من غيره، قال أصحابنا الحنابلة: "الجذع من الضأن ما تم له ستة أشهر والثني من المعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنين".
الرابع: أن يكون سليمًا من العيوب المانعة من الإجزاء وهي:
1- العور البين: وهو الذي حصل به نتوء العين أو انخسافها.
2- العرج البين: وهو الذي لا تستطيع معه معانقة السليمة.
3- المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه عليها من الضعف والحمى وقلة الرعي.
4- الهزال الذي زال به مخها.
وهذه العيوب ثابتة بالنص فيما رواه مالك في [الموطأ] عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: "ماذا يتقى من الضحايا؟" فأشار بيده وقال: «أربعًا: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى»".
قال في(المغني): "لا نعلم خلافًا في أنها (يعني هذه العيوب) تمنع الإجزاء". أهـ.
ويلحق بهذه الأربع ما كان مثلها أو أولى منها بعدم الإجزاء فلا يضحي بما يأتي:
1- العمياء، فأما العشواء التي لا تبصر في الليل فتجزئ لأنها ليست عوراء.
2- البشومة حتى تثلط، لأن البشم عارض خطير كالمرض البين، فإذا ثلطت زال الخطر، فإن بقيت بعده مريضة بينة المرض لم تجز وإلا أجزأت.
3- التي بدأت تولد حتى تنجو؛ لأن ذلك خطر قد يؤدي بحياتها، فهو كالمرض البين ويحتمل أن تجزئ إذا كانت ولادتها كالمعتاد؛ لأن الغالب فيها السلامة إلا أن يمضي عليها وقت يفسد فيه اللحم فلا تجزئ.
4- ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية وما أكل السبع ونحوها؛ لأن هذا أشد من العرج البين.
5- الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة.
6- مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين؛ لأن هذه والتي قبلها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء.
وعلى هذا فتكون العيوب المانعة من الإجزاء في التضحية بالبهيمة عشرة، أربعة بالنص، وستة بالقياس، لكن إن حدثت هذه العيوب بغير فعل آدمي بعد أن عينها صاحبها ولم يكن منه تعد ولا تفريط أجزأت؛ لأنها أمانة في يده.
العيوب المكروهة في الأضحية:
هناك عيوب تكون في الأضحية لا تمنع التضحية بها ولكن توجب كراهتها، فتكره التضحية بما يلي:
1- العضباء، وهي التي قطعت أذنها أو قرنها كلًّا أم بعضًا، فأما مفقودة القرن والأذن بأصل الخلقة فلا تكره.
2- المقابلة، وهي التي شقت أذنها عرضًا من الأمام.
3- المدابرة، وهي التي شقت أذنها عرضًا من الخلف.
4- الشرقاء، وهي التي شقت أذنها طولًا.
5- الخرقاء، وهي التي خرقت أذنها.
6- المصفرة، وهي التي استؤصلت أذنها حتى بدا صماخها.
7- المستأصلة، وهي التي ذهب قرنها من أصله.
8- البخقاء، وهي التي بخقت عينها ولم تبلغ العور البين.
9- المشيِّعة أو المشيَّعة، وهي التي تتأخر عن أخواتها من الضعف إذا لم تصل إلى حد يمنع من إجزائها.
فهذه تسع من المعيبات وردت أحاديث في النهي عنها، فحملناه على الكراهة؛ لأن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه خرج مخرج البيان والحصر حيث كان جوابًا لما يتقى من الضحايا بلفظ العدد المؤيد بالإشارة، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعلان؛ لأن في بعض ألفاظه: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي» وفي رواية: «لا تجزئ»، فلو كان غير هذه العيوب المذكورة مانعًا من الإجزاء لذكره النبي صلى الله عليه وسلم لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالجمع بينه وبين هذه الأحاديث الواردة في النهي عن هذه المعيبات لا يتأتى إلا على هذا الوجه بأن نحملها على الكراهة، وحديث البراء على منع الإجزاء.
ويلتحق بهذه المعيبات المكروهة ما كان مثلها أو أولى منها بالكراهة، فتكره التضحية بما يلي:
1- البتراء من الإبل والبقر والمعز، وهي التي قطع ذنبها أو بعضه، فأما المخلوقة بلا ذنب فلا تكره، وغيرها أولى.
وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ.
2- المقطوع ذكره، فأما الخصي فلا تكره التضحية به؛ لأنه يزداد به كمالًا.
3- الهتماء، وهي التي سقطت ثناياها أو غيرها من أسنانها.
4- مقطوعة بعض حلمات الضرع، فإن توقف ضرعها عن الدر أو نقص مع سلامة ضرعها لم تكره؛ لأنه لا دليل على ذلك.
وعلى هذا فتكون المعيبات بما يكره ثلاث عشرة، تسع بالنص، وأربع بالقياس.
لكن إن حدثت هذه العيوب بغير فعل آدمي بعد أن عينها صاحبها ولم يكن منه تعد ولا تفريط لم تكره.
كيف تذبح الأضحية؟
تذبح الأضحية كما يذبح غيرها، وذلك بمراعاة الشروط التالية:
1- أن يكون المذكي (وهو الذابح أو الناحر) من أهل الذكاة بأن يكون عاقلًا مسلمًا أو كتابيًا (وهو اليهودي أو النصراني)، إلا أن علماءنا كرهوا أن يتولى غير المسلم ما يقع قربة كالأضحية.
2- أن يقول عند الذكاة: "بسم الله"، فإن لم يذكر اسم الله لم تحل.
3- أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم سوى الظفر والعظم.
4- أن ينهر الدم بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم، وقيل: يشترط قطع الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام.
والرقبة كلها محل للذبح، لكن السنة أن تكون ذكاة الإبل نحرًا من أسفل الرقبة، وذكاة غيرها ذبحًا من أعلاها.
آداب الذكاة التي ينبغي مراعاتها في الأضحية وغيرها:
1- توجيه الذبيحة إلى القبلة.
2- نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى -إن تمكن- وإلا فباركة.
3- ذبح غير الإبل مضجعة على جنبها، ويضع رجله على عنقها ليتمكن منها، ويكون الإضجاع على الجنب الأيسر إن كان أيسر للذابح وإلا فعلى الأيمن، ولم أجد عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من وضع الرجل على العنق، فلم أجد الإمساك بقوائم الذبيحة الأربع، بل صرح النووي في (شرح المهذب) أنه يستحب أن لا يمسكها بعد الذبح مانعًا لها من الاضطراب، وأبدى بعض المعاصرين حكمة في إرسال قوائمها وعدم إمساكها بأن حركتها تزيد في إنهار الدم وإفراغه من الجسم.
4- استكمال قطع الحلقوم والمريء والودجين.
5- الإحسان إلى الذبيحة بعمل كل ما يريحها عند الذبح، من سهولة الاضطجاع وإمرار السكين بقوة ونحو ذلك، ويحرم أن يذبحها بآلة كالة أو نحوها مما يزيد في إيلامها بلا حاجة، وأن يكسر عنقها أو يسلخها قبل أن تموت.
6- أن يواري السكين عن الذبيحة عند شحذها أو سنها.
7- أن يزيد التكبير بعد قول: "بسم الله".
8- أن يسميَ عند ذبح الأضحية من هي له سواء كانت الأضحية لنفسه أو لغيره، فيقول: "بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن فلان ابن فلان"، وأما مسح ظهر الأضحية وترديد اسم من هي له كما يفعله كثير من العامة فلا أعلم له أصلا من السنة وعلى هذا فلا ينبغي فعله.
وإن ذبحها ونوى من هي له بدون تسميته أجزأت.
9- أن يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد».
الذي يمتنع على المضحي:
يجتنب من أراد الأضحية أن يأخذ شيئًا من شعره أو أظفاره أو بشرته من دخول شهر ذي الحجة حتى يذبح أضحيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لكن من احتاج إلى أخذ شيء من ذلك مثل أن ينكسر ظفره ويؤذيه فله قصه، أو يكون في رأسه جرح يحتاج في مداواته إلى قص الشعر منه فلا بأس بقصه؛ لأنه ليس أعظم من المحرم الذي أباح الله حلق رأسه للأذى، والحكمة من النهي عند أخذ ذلك أنه لما كان المضحي مشابهًا للمحرم في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله بذبح القربان أعطى بعض أحكامه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
  محمد بن صالح العثيمين




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق