السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2011-08-22

دليلُ كتابة قصّة قصيرة.. تجْرِبة شخصيّة

دليلُ كتابة قصّة قصيرة.. تجْرِبة شخصيّة

 
أخي مشروعُ القاصّ:

هل كتبت يوما شيئا ما ثمّ مزّقت أوراق الكتابة، و خبت فيك روح الإبداع؟، هل شعرت يوما بعدم جدوى ما تكتب؟، هل قررت أن تتوقف عن الكتابة لمجرّد أنّ أحدهم ضحك على لغتك، وتهكّم على أسلوبك؟، هل، وهل، وهل.. هل قيل لك يوما مثلا كما قيل لي: سلام الله عليك، أخي القاص، وددت أن أكتب إليك هته الكلمات لعلّها تساعدك في الكتابة مرّة أخرى. و أردت أن أقدّم إليك هذا النقد بعد قراءة قصتك أكثر من أربع مرّات، وخلصت بعدها إلى هته النقاط، و أتمنى أن تتقبلها بصدر رحب :

1. قصّتك هي وصف لمشهد دون حبكة و عقدة و حلّ.. الخ من أركان بناء القصة. أراها خبرا عاديا...

2. مع أنّك وصفت لم تكن بارعا في الوصف، و خاصة كرونولوجيا تتابع الأحداث و الأزمنة،و...
3. عليك بالمطالعة أكثر، و خاصّة في القصة القصيرة و لكتاب معروفين.

4. قصّتك خالية من التشويق .

وغيرها من الأحكام التي قد لا ترضيك، و تفرحك، وتجعلك تدخل دائرة الإحباط، فتقرّر التوقّف عن الكتابة، في هذه الحالة أنت فعلا لا تستحقّ أن تكون قاصّا لأنّك لا تملك النّفس الطّويل الذّي يؤهلك لذلك، القاص الجيّد هو صاحب رسالة، قويّ الإرادة، صلب العزيمة، لا يتأثّر بما يقوله النّاس عنه مدحا أو قدحا، بقدر ما يتأثر بدرجة رضاه وسخطه هو ذاته عن أعماله الأدبيّة، شعار القاصّ الجيّد دائما: سأكتب، و أكتب، و أكتب، حتّى يحبّ النّاس أدبي، سأكتب لأعيش، و أعيش لأكتب. القاصّ الجيّد رجل حكيم، مؤدّب، أديب، حليم، رحيم، يحترم أدب الآخرين، و يحاول تقديم الإضافة الممكنة من خلال خلاصة نموذجه المعرفيّ، لأنّ كلّ شخص فريد في نوعه، القاصّ الجيّد يحدّث نفسه دائما بالثّقة، فيقول: أنا واثق من نفسي، و يكرّر هذه العبارة في اليوم عشرات المرّات، حتّى تصبح اعتقادا وديدنا له في الحياة، القاصّ الجيّد يقول لصاحب الصفعة التّي تردّه لطريق الصواب: شكرا، هكذا قلت لصاحب الكلام أعلاه، لأنّه نوّرني، لم يضحك عليّ قائلا: كم هو جميل أدبك، أنت قاص كبير، أنت علامة بارزة في الأدب، إنّما قال لي:

أتمنّى لك النّجاح و التألق، و أنصحك أن تطالع أكثر لتكتب الجيّد.
لا شيء يجعلنا عظماء سوى ألما عظيما . أخوك فلان

صديقي مشروع القاصّ: أدعوك لقراءة هذه الرسالة إلى كلّ المبدعين، ثمّ لنلتقي بعدها فنشرح كيفية كتابة قصّة قصيرة،، خطوة بخطوة.

رِسَالةٌ إلى كلّ المُبدِعِين..

         أيّها المبدعون في كل مكان هذه رسالتي إليكم، قد تكون كلمات بسيطة لكنّها من قلب صادق، وقلم حر، وعقل يعرف من أين جاء، و إلى أين يتجه، ما هي إمكانياته، و ما الذي ينبغي الحصول عليه، ما الذي سيدركه، وكيف السبيل إلى تحقيق النجاح.. قبل كل شيء، أكتب لكم هذه العبارات كي تدركوا بأنّ كل شخص مهم في هذه الحياة، وبأنّ العمل هو معجزتنا على هذه الأرض، وحده الإيمان والثقة في النفس يدفعانك للإنجاز، و تحقيق ما تصبو إليه أو تحلم به، ولتعلم أخي أنّ بداية الطريق خطوة، لكنني أقول لك عليك بها الآن، لا تقفز نحو المجهول، و لا تتخطى المراحل، عش تجربتك كما هي، واستغرق وقتك، عش كما أنت، و لا تتأثر بما يقوله الآخرون عنك، قد يقولون بأنك لن تبلغ ما ترومه، ولن تكون ما تريد حتى ولو كنت رسولا، فما نجح نبيّ في قومه، لكن هذا الكلام حق أريد به باطل، عليك بالعمل، و لا تلتفت لما يقولونه، قد يقولون بأنك غير موهوب أو تنقصك التجربة، قل لنفسك عليّ بالمحاولة، و التجربة تأتي بالتجريب، قد يقولون لك بأنك لا تزال صغيرا، قل لنفسك بأنك كبير بعقلك لا ببدنك، قد يقولون عنك بأنك مجنون، قل لنفسك بأنّ أنبياء الله اتّهمهم سفهاء أقوامهم بالجنون، قد يقولون لك ستسقط عند أوّل محاولة، قل لنفسك إذا لم يسقط الطفل الصغير، وهو يتعلم المشي فلن يمشي أبدا، قل لنفسك دائما أنا أثق في موهبتي و إبداعي، أعمل و ألتزم حتى أدرك أهدافي، وحتى إن لم أنجح فسأكون مثالا وقدوة لكلّ المبدعين حتّى أشجعهم على النجاح.

هه، هل اقتنعت؟، هل أعجبك هذا الكلام؟، هل قرّرت أن تكون قاصّا جيّدا؟، إذا كان الجواب بنعم، فما عليك إلاّ أن تشدّ حزامك، لتقلع معنا في رحلة للتعرّف على كيفيّة كتابة قصّة قصيرة خطوة بخطوة.


لا شكّ أنّك واعدت نفسك بأن تكون قاصا كبيرا، البداية من هنا، بعض خربشات، و بضع كلمات قد تفي بالغرض، لكن عليك أن لا تعوّد نفسك على التّساهل، و تقديم الرّديء من الأعمال، القارئ بالنسبة للقاصّ الجيّد هو رأسمال تجارته، عليك أن تكتب الجيّد ليقرأك النّاس، ويحبّوا أدبك، فيحبّونك، و أنت تعلم جيّدا بأنّ محبّة النّاس لا تشترى بثمن، و لا تباع بقدر. كلّ النّاس لديهم قصصا يروونها بين حين و آخر، أنت أيضا لديك قصصك، أليس كذلك؟، حاول أن تكتب قصصك، طفولتك، أحلامك، أمنياتك، سيرتك، مواقف اعترضت طريقك، مغامرات خضتها، مشاكل و نوازل ألمّت بك، لكن فقط أكتب بقلبك، أكتب بإحساس، و رفعة، و بأسلوب راقي، لكن تذكّر دائما بأنّك في بداية الطّريق وعليك أن تتعلّم فنيّات كتابة قصّة قصيرة، فما هي هته الفنيّات، يا ترى؟:

1.كيان القصّة:

ربّما وقعت عيناك على قصّة ما يوما، مثل هذه القصّة:" تواعدا على اللقاء، التقيا عند باب الثانوية، كانت متشوّقة لتراه، أما هو فكان يتحرّق شوقا للحديث إليها، لكن عندما التقيا بقيا يتفرجان على بعضهما البعض. تمّت ". هه، هل أعجبتك؟، إذا كان نعم، فأنت للمرّة الثانية أثبتّ بأنّك لا تصلح لأن تكون قاصّا جيّدا، لأنّ هذه قصّة بالفعل، لكنّها للأسف قصة تافهة، غير ذات أهميّة. القصّة الجيّدة يا صديقي، هي قصّة لها كيان، هي كالبناء الذي له أسس واضحة، و أعمدة تشدّ البناء، وسقفا. القصّة الجادة، و المهمّة، و التي تسحب القارئ إلى النهاية، هي القصّة التي نتحدّث عنها، هي قصّة تحتوي على: بداية، ومنتصف و نهاية. قد تقول، وكيف السبيل إلى ذلك؟، أقول لك، لا تكن مستعجلا، إذا راودتك فكرة كتابة قصة، فلا تستعجل في كتابتها، حاول فقط أن تسجل الفكرة التي تبادرت إلى ذهنك، فإذا كان لديك جهاز حاسب آلي، افتح ملفا في الوورد بعنوان قصّتك، ودوّن بعض الأفكار التي خطرت بذهنك، وعندما تختمر الفكرة في ذهنك، أكتب قصّتك كما تصوّرتها، نفس الشيء قم بفعله، إذا كنت ممن لا يملكون حاسوبا، فلا تبتئس لأن كبار الكتاب مرّوا على هذه المرحلة، تناول ورقة و قلما، أو دفترا أعددته خصيصا لكتابة قصصك و تدوينها، و قم بنفس الخطوات، أي سجل الفكرة حتى لا تنساها، ثم عد إلى دفترك مرّة أخرى، عندما ترى بأنّك رسمت فعلا صورة واضحة لمعالم قصتك. 

2.الشّخصيّة الرّئيسية:

هل تعلم أخي القاص بأنّه عليك أن ترسم بروفيلا(ملمحا) لشخصيّة قصّتك الرئيسية. عليك أن تحدد معالم الشخصيّة الرئيسية في قصتك، هل سيكون البطل  شريرا؟، طيّبا؟، ضخم الجثّة؟، نحيل الجسم؟، هادئا؟، غضوبا؟، رقيق المشاعر؟، ثوريّا؟، وهكذا دواليك، عليك أن ترسم بدقّة في ذهنك صورة واضحة لبطل قصّتك. لا تنس أنّ البطل الرئيسي في قصتك قد يكون شيئا كالشجرة مثلا، أو النهر، أو البحر...، كما قد يكون حيوانا، كالقط، أو الحمار وغيرها. حاول دائما أيّها القاص أن تكون جادّا ، ودقيقا في تحديد ملامح شخصيّة البطل، طباعه، مزاجه، سلوكه.. سجّل كل المعطيات الممكنة حتى تساعدك على الإزاحة و الإضافة.

3.التّجهيز:

بعد معرفتنا لشيئين هامّين، متعلّقين بفنيات كتابة القصة القصيرة، وهما كيان القصة، و الشخصيّة الرئيسية، سنتناول الآن تقنية التجهيز، و التجهيز هو عملية محورية في كتابة قصة جيدة، حيث على القاص أن يحدد و يختار و يجهز موقع حدوث قصته، حيث يتعين عليه أن يحدّد بعناية فائقة مكان حدوث القصة، فيجيب عن الأسئلة المتعلقة بذلك، مثلا: هل القصة تجري أحداثها على الأرض، في الفضاء، في الداخل، في الخارج، في الخيال، في الواقع، على شاطئ البحر، في السجن، على أرض معركة، في غرفة مغلقة..، وهكذا. على القاص أن يجد أجوبة لزمن القصّ، فيحدّد بوضوح زمن وقوع الأحداث، هل تقع الأحداث في الماضي، أم الحاضر، أم المستقبل.. عليه أيضا أن يكون ذكيا في ربط التجهيزات التي تصوّرها بالشخصيّة الرئيسية للقصة، حتّى يكون تأثير التجهيز قويّا على مجريات الأحداث. على القاص أيضا أن يجد إجابات كافية للعلاقة بين المشكلة و تجهيز قصّته، إنّها قمّة الإبداع حيث يكون الترابط وثيقا، وغير مرئي.

4.المشكلة:

صديقي القاص القادم من رحم النسيان، أعلم أنّك ذكيّ، و أعتقد جازما بأّنك ألممت بما سقناه في بداية الدّليل، كن أكثر اجتهادا، ودعنا نعرّج على واحد من أهمّ عناصر البناء القصصي، إنّها المشكلة، تسمّى أيضا الحبكة. عليك صديقي أن تعدّ تحديّا لبطل قصّتك، يتعيّن عليه اجتيازه، وتجاوزه، التّصدي له و التغلّب عليه. أخي القاص المبدع، كلّما كان التحدّي الذّي على بطل قصّتك أن يخوضه كبيرا، معقّدا، وصعبا، كانت قصّتك أكثر تشويقا، و إمتاعا، حاول دائما ان تضع البهارات في طهي وجباتك القصصية، لا تكثر منها حتى لا ينقلب الشيء إلا ضدّه، و لا تحاول أن تبسّط في أسلوبك كثيرا حتى يبدو ساذجا وسمجا. حاول أن تخلق صراعا في قصتك بين الشخوص، عليك أن لا تتكلف في ذلك، دع الصراع يتفجّر لوحده، من خلال الحركية، و الحياة التي تبعثها في نصّك عن طريق محاولة أحد الشخصيات أو الأشياء منع البطل من حل المشكلة الرئيسية. اجعل بطلك كثير المحاولة، لا يكلّ، و لا يملّ، اجعله مثابرا، مجتهدا، أعطه الوقت الكافي لإنجاز عمله، وحلّ مشكلته، اجعل بطلك منظما، يعرف كيف يخطّط لحل المشكلة، و لا تجعله متسما بالفوضى، فيؤثر ذلك على جودة نصك، و روعة نسجك. لا تنس صديقي، بأن بطل قصّتك بإمكانه الفشل في إيجاد حلّ للمشكلة، وهذا لا يعيب النّص، بل قد يزيد من جماليته وروعته، فأنت كالباحث العلميّ، قد تصل إلى نتيجة فتؤكّدها، و قد تفند أخرى.

5.الحلّ:

صديقي القاص، وصلنا إلى بيت القصيد في كتابة القصة، إنّه الحل. هل يستطيع البطل أن يحلّ المشكلة التي تواجهه في النهاية؟، هذا ما عليك أن تجيب عنه. قد لا يستطيع فعل ذلك، وهذا ممكن، كما قد يفض خيوط القضية، و يجد حلا واحدا أو مجموعة حلول للنهاية المنتظرة، وتكون بذلك قد ساعدت بطل قصّتك، ووصلت به إلى برّ الأمان، و أضفيت على قصّتك قوّة و جمالا. لا تنس صديقي بأن تكون نهاية قصتك مبهرة، كأن يجد البطل حلاّ ناجعا، وفعالا في آخر اللحظات مثلا، أو كأن يكون مضطرا للإجابة على سؤال معيّن، ليصل إلى نهاية القصة بكلّ روعة و أناقة، ما أجمل أن تحوّل طبعا سلبيا في ملامح شخصية البطل إلى وسيلة تساعد على حل المشكلة، فتنقلب تلك الصورة من النقيض إلى النقيض لدى القارئ.

6. أخيرا:

أيّها الصديق، ها قد وصلنا للنّهاية، أرجو أن تكون قد استفدت من هذا الدليل البسيط، فكونت فكرة في ذهنك عن فنيات كتابة قصة قصيرة، الآن عليّ أن أطرح عليك سؤالا، هل قرّرت أن تكتب قصة؟، إذا أجبت بنعم، متى ستكتبها؟، هل ترى بأنّك حقا قادر على ذلك؟، لا تجب على هذا السؤال، لأنني سأجيب عنك، نعم أنت قادر على فعل ذلك، فقط أكتب قصتك، وعدّل عليها، كلما رأيت ذلك واجبا، حتى تصل إلى الصورة المثلى التي ترتضيها لنصّك، إذا وصلت على هذه المرحلة، اترك القصة وجبة شهيّة للقراء، و انطلق في التحضير و الإعداد لبناء قصة أخرى، لا ترض لها بأن تكون أقل إبهارا و إمتاعا من سابقتها، عليك أن توظف كلّ ما تعرفه لتنتج أدبا رفيعا، عليك أن تقف على أرض صلبة، حتى تقاوم رياح النّقد التي ستهبّ على شجيرات بستانك الأدبي الحديث، لا تخف، فمثلما سينقدك البعض نقدا هدّاما، سلبيا، سيتّخذ آخرون منك موقفا جميلا، وسيحيّون فيك الموهبة، ويضربون لك موعدا مع كبار القاصّين بعد مدّة، لكنّهم سيطلبون منك طلبا بسيطا، سيقولون لك، عليك بالاجتهاد و الالتزام، أكتب، ثم أكتب، ثمّ أكتب، حتى تصبح كاتبا مرموقا، و أديبا ممارسا، يعرف كيف يقدّم نصوصه بطريقة احترافية تغري القرّاء و النقاد على حد سواء..

صديقي القاص، الآن سأتركك مع تجربتك المنهجية، بعد هذا الشرح المستفيض، لأنني سأكتب قصة عن نجاحك أنت، ثقتي فيك كبيرة فلا تخيبها بالاستسلام أمام أولى التحديات. لا تنس أن تدع لي، بالتوفيق أيّها القاص النّجيب.. تحياتي لك 
بقلم الأستاذ والقاص المبدع أحمد بلقمري

هناك تعليقان (2):

  1. أشكرك صديقي و أخي الأستاذ عبد النور خبابة على نشرك لموضوعاتي بمدونتك، وما هذا إلا دليلا على جودك وكرمك، و إيثارك. أدام الله فضلك وعلمك وفهمك. الذي يحبك في الله أحمد

    ردحذف
  2. أنا كانت لي محاولة منذ سنوات لكتابة رواية بداتها ولم أنهيها ربما لأني وجدت صعوبة في البداية لأني كنت أكتب دون هيكل وخاريطة تدلني ربما هذا الموضوع سيحفّزني لأعيد بعثها من جديد مشكور استاذ أحمد على المعلومات القيّمة سآخذ بها ان لم تخذلني شجاعتي القلمية

    ردحذف