بمناسبة يوم المعلّم.
إلى كل من علمني حرفا وكل معلم
من القلب إلى القلب :
لو اجتمعت سماوات الحروف بأرضها ، وتصادمت أرصفة الكتب ، واحتشدت جيوش من السّطور والعبارات ، وانشقّت أرض الكلام وتصدّعت لتخرج من وراء كلّ هذا مفردة واحدة تترامى في صدع جرّة من جرار ما ننحت من أصابعنا عن فضل المعلّم لعجزت كلّ تلك المحاولات قبل أن تبدأ في تشريح ماهيتها التي تجفّ كعصفور قضمه الحبر الظّامئ كلّما تعرّض للضوء ، وتحلّلت تفاصيله في الأيّام لانتشال المفردات الثّمينة من أنقاض الشّموع التي يتركها خلفه كعزائم المصلحين الذين مرّوا على الحياة وانفجروا من تحت أغطيتها وما تركوا غير إشراق كالحرير في عيون الكون.
إنّه المعلّم الذي يقف فوق الكلام والشّعور والزّمن بلا سند ، لا تنهيه الأيّام لأنّه ببساطة خيط الذّاكرة المشدود إلينا كلّما تنفّس متنت الحياة واستقرّت في أغصان الرّبيع ، يحيط بالوجدان كصورة كاملة ، يطوّق النّفوس كذرع متين ، يأخذ بالأجنحة نحو الأفق لتكتب نهارها الذي ينضج في سماء بيضاء .
إنّه المربّي الذي يفرش أخلاقه قبل علمه ، وقلبه قبل عقله ، وراحته قبل تعبه ، وثباته قبل قلقه لتطأها أقدام ناعمة ، فيحتويها بحبّ ألف نجمة لامعة لتضيء أمام عينيه العالم ويتّخذها مركبة من روح يركبها إلى أرض جديدة.
إنّه ذاك الصّندوق العجيب من السّحر القابل للنّهب ، للاستنزاف حتّى آخر رمق ، الصّندوق الذي نلجأ إلى أفكاره الثّمينة لنسدّد بها ديون الحياة ، الوحيد الذي يحمل عنّا أعباء صغارنا المثقلة بالشّوك والخوف ، يشاركنا أساليبنا في التّربية ويباركها في خشوع تامّ كمنبّه يتكتك في هذا الضّياع الواسع ليوصلنا جميعا إلى برّ أقدارنا الهادئة.
يوم المعلّم مناسبة أراها أضيق من فلسفة تضحياته ، تحجّم فضله ولا تزيد في نظامه الانسانيّ نجمة جديدة ، ومع هذا لا بدّ أن نقصّر في حقّه ونحتفي به في غفوة قصيرة لنتذكّر فيها فضله ، ثمّ ننكبّ إلى مشاغلنا تاركين خلفنا كلماتنا التي تعرج عن دراية .
تهنئة مستعجلة كتبناها في قلق مثل قطار سريع لا يوقفه أحد ليذهب ويجيء دون أن يترك في محطّات النّفس حجرا ثمينا ..
أنقى الكلمات نخرجها من حفر الأيّام لكلّ معلّم أفنى عمره في بناء الانسان ولا يزال رغم الهدم والظّروف يواصل عمار المبادئ ، وتعبيد الأخلاق ، وتنظيف الحياة .
✍️ عبد النور خبابة
برج بوعريريج في 05أكتوبر2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق