السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-03-28

مهارات الإصغاء وآدابه


يَجهَل معظم الناس اليوم أهميَّة الإصغاء، خاصَّة في ظلِّ التطورات الاقتصادية والسلوكيَّة، وما يَلزَم تلك التطورات من سرعة واستغلال للوقت، فضلاً عن سرعة دوران عجلة الزمان "غياب البركة في الوقت"، ورُغْم ذلك فإن الإصغاء له تأثير عظيم في مجال العلاقات الاجتماعية والعمليَّة والدبلوماسية، ومن ثم فالإصغاء الجيد جزء لا يتجزَّأ من الحديث الفعَّال، فهو وسيلة لكَسْب ثِقة الناس وتأييدهم، الأمر الذى دعا خبراء التنمية البشرية إلى الاعتقاد بأن الإصغاء فنٌّ، وأنه أساس كلِّ حديث جيد.
والآن نَعرِض لأهم آداب الإصغاء من خلال منهجنا الإسلامي:
الإنصات باهتمام وتركيز:
أول آداب الاستماع هو الإنصات ومتابعة المتحدِّث وعدم مقاطعته، فهذا من قبيل الاحترام والتقدير، وهو وسيلة فعَّالة في كَسْب القلوب وتَرْك انطباعٍ جيد وأثر حَسَن، فإن المتحدِّث يشعر بالإيناس والطمأنينة إذا بدا على مُستَمِعه الإنصات والرغبة في الاستماع، فكم من شخصية ترجع جاذبيتها إلى قُدْرتها على الإنصات بتركيز وإقبال، وظهورها بمظهر المهتم بما يقال! وفى المقابل كم من شخصيَّة لا يحب الناس مجالستها ويَغتمُّون لحضورها؛ ليس لشيء غير أن صاحبها لا يُنصِت لهم، فيشعرون بأنه لا يُقدِّر حديثَهم، ولا يعبأ بكلامهم، والإنسان بطَبْعه يَهتمُّ بنفسه وبرغباته أكثر من أي شيء آخر، وكما قيل: إذا أردت أن تكون مُهمًّا فكن مهتمًّا.
ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة، فما قاطع مُتحدِّثًا قط، حتى مع المخالفين له في الرأي والاعتقاد، كان يسمع، وبعد أن ينتهوا، يَردُّ عليهم بما يُناسِبهم.
وكان العلماء يقولون: أول أبواب العِلْم الاستماع، ومن الحقائق المتعارَف عليها في عِلْم النَّفْس، أن الإنسان يُفكِّر بأضعاف السرعة التي نتحدَّث بها؛ لذلك فإن العقول تكون في حالة سِباق مع الصمت، ومن ثَمَّ فالمستمع أقوى من المتحدِّث، وقد وجَّه القرآن إلى المسلمين الأمر بالإنصات إلى القرآن؛ للتفكر والتدبُّر ونيل الرحمة والهداية؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].
ومن الجدير بالذِّكر أن الإنصات ليس بالشيء الهين، فالإنسان مجبول على الكلام ومدفوع إلى الرغبة في الصدارة والتميُّز، فتجد الكثيرين لا يَصبِرون أمام هذا الدافع، فيُحاوِلون التحدث بدلاً من الاستماع، والعاقل هو الذى يتذكَّر آثارَ الإنصات فيَكبِت جِماحَ نفسه، ومن هنا كان التأكيد على أهمية الصبر.
تَجنُّب الاستماع إلى الغِيبة والكلام القبيح:
كما حرَّم الشرعُ أن يغتاب المسلم أخاه، حرَّم كذلك أن يَستمِع إلى غِيبة أخيه دون أن يُنكِر على قائلها؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن ردَّ عن عِرْض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النارَ يوم القيامة))[1].
فمن تمام المروءة وحُسْن الخُلُق أن يَذُبَّ المرء عن عِرْض أخيه، وأن يَدفَع عنه ما يسوؤه في غَيبته؛ لأن عدم الذبِّ فيه إقرار، والمُقِر بالشيء كمن فعَله أو شارَك فيه.
وسَمْعَك صُنْ عن سَماع القبيح
كصونِ اللسانِ عن النُّطْقِ بِهْ
فإنَّكَ عند سَماعِ القبيح
شَريكٌ لقائله فانتِبهْ
البشاشة والوجه الطَّلْق:
من آداب الاستماع تحلِّي المستمِع بالبشاشة والوجه الطَّلْق، وتَجنُّب العبوس والكآبة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَحقِرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَليق))[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المُنكِر صدقة...)) الحديث[3].
الابتسامة تَبُث الطمأنينةَ والارتياح، وتعمل على توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية، ولها تأثير فعَّال في امتصاص الغضب، وكَسْر الحدة والعنف؛ لذلك قال الصينيون: إذا لم تَستطِع أن تبتَسِم فلا تفتح دُكانًا.
حفظ السر:
السرُّ عَهْد يَعهَد به المتحدِّث إلى المخاطَب، والله أمر بالوفاء بالعهود؛ قال تعالى:﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 34]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].
إفشاء الإسرار من أخطر الوسائل التي تُثير الفتنَ وتُفضي إلى البُغْض؛ لأنه ما سُمِّي سرًّا إلا لخطورة انتشاره وذيعه، والإنسان بطَبْعه يميل إلى الفضفضة بالهموم والملمّات؛ لعله يجد من يريح عنه ويُطمئنه؛ لذلك جعل الإسلام السرَّ أمانة، ومن هنا تَجِد الأمينَ على الأسرار يُقبِل عليه الناس، ويفتحون له قلوبَهم؛ ثِقَة فيه.
قال أنس بن مالك: أَسرَّ إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم سرًّا، فما أخبرتُ به أحدًا بعده، ولقد سألتني أم سليم، فما أخبرتها به[4]، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حدَّث الرجلُ بالحديث، ثم التفت، فهي أمانة))[5].

وقيل: كتمان الأسرار يَدُل على جواهر الرجال، وكما أنه لا خير في آنيه لا تُمسِك ما فيها، فكذلك لا خير في إنسان لا يُمسِك سرَّه.

قال الحسين بن عبدالله:
لا يَكتُم السرَّ إلا كلُّ ذي خطرٍ
والسرُّ عند كِرام الناسِ مكتومُ
والسرُّ عندي في بيت له غَلَقٌ
قد ضاع مفتاحُه والبابُ مَردومُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق