السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-03-29

سفينة النجاة من كل طوفان



التوبة هي سبيل النجاح والفلاح وهي سفينة النجاة من كل طوفانٍ، والتائب حبيب الله، والله تعالى يفتح أبوابه للتائبين ويعفو عنهم ويسترهم، ويسهل أمامهم السير على طريق العبودية له جل جلاله حتى يكونوا من عباده المقربين الذين يشملهم برعايته ومحبته.
فالله تعالى هو المتفضل بالتوبة على عباده، فهو الغني عنهم وهم الفقراء إليه، وهو سبحانه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، فله الفضل والمنة ومنه الرحمة والمغفرة والتوبة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجلٌ يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مُتُّ فأحرقوني ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذّبني عذاباً ما عذّبه أحداً، فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك، ففعلت، فإذا هو قائم. فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا ربّ – أو قال: مخـافتك – فغفر له»
أخرجه البخاري في صحيحه ( 3/1383) رقم (3292)، ومسلم في صحيحه (4/2109) رقم (2756).
ومن فضل الله تعالى ورحمته على عباده أن باب التوبة مفتوحٌ لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»
أخرجه مسلم في صحيحه (4/2110) رقم (2759).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من قبل المغرب لباباً مسيرة عرضه أربعون عاماً، أو سبعون سنة، فتحه الله عز وجل للتوبة يوم خلق السماوات والأرض، فلا يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها»
حديث حسن، أخرجه الترمذي في السنن (5/509) رقم (3535). وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 175) رقم ( 2801 ). 
وطلوع الشمس من مغربها هو نهاية الأمد الذي جعله الله تعالى فرصة للناس جميعاً كافرين، ومنافقين وعصاة مسلمين، ليتوبوا إليه كلٌّ حسب ذنبه، فالكافر يتوب من كفره بالدخول في دين الله الحق دين الإسلام، والمنافق يتوب إلى الله من نفاقه، والعاصي من المسلمين يتوب إلى الله من معصيته.
أما الزمن المتاح للتوبة على مستوى الفرد فهو منذ بلوغه الحُلم حتى تبلغ روحه الحلقوم عند الموت. وذلك هو ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -: «إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر»
حسن ، أخرجه الترمذي في السنن (5/511) رقم ( 3537)، وابن ماجة في السنن (2/1420) رقم (4253). وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/386) رقم ( 1903 ).
والعاقل هو الذي يوقن بأن الأجل يأتي بغتةً، فلا يُسوِّف في التوبة ويماطل فيها، أو يقيس حاله بحال غيره ممن يسِّوف بالتوبة، فآجال الناس ليست واحدة، بل يشمر عن ساعد العمل ويسلك سبيل التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فلعل الله سبحانه يقبل توبته ويعفو عنه.
سأل رجل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن ذنب ألمَّ به هل له من توبة؟ فأعرض عنه، ثم التفت إليه فرأى عينيه تذرفان، فقال له: إن للجنة ثمانية أبواب كلها تفتح وتغلق إلا باب التوبة فإن عليه ملكاً موكلاً به لا يغلق، فاعمل ولا تيأس.
والتوبة تَرُدُّ عن صاحبها مقتَ الله وغضبَه، وتَرُدُّ عنه أذى كثيراً ظاهراً وباطناً، فهي علامة المسالمة مع الله تعالى، والتصالح معه سبحانه، وذلك أن من لم يوطن نفسه على التوبة له جل جلاله، فهو شاهرٌ لسلاحِ المعصية باحثٌ عن الفرصة التي تتاح له لاستعمال هذا السلاح الخبيث فهو في حرب مع الله تعالى، والويل له كل الويل إن أدركه أجله على هذه الحال، فهو سيموت ميتة الظالمين.
قال الإمام مجاهد بن جبرٍ - رحمه الله -: من لم يتب كل صباح ومساء فهو من الظالمين .
وقال عبد الله بن حبيب - رحمه الله -: إنكم لن تطيقوا غضب الله تعالى عليكم كلما عصيتموه، فأمسوا تائبين وأصبحوا كذلك تائبين  وكان الفضيل بن عياض - رحمه الله - يقول للمجاهدين إذا أرادوا أن يخرجوا للجهاد: عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم ما لا ترده السيوف .
وقال الإمام ابن قيم - رحمه الله -: «منـزل التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به، واستصحبه معه، ونزل به فالتوبة هي بداية العبد ونهايته، وقد قال الله تعالى: [ وتوبوا الى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون (31) ]النور
هذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم، وهجرتهم وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة (لعل) المشعرة بالتراخي إيذاناً بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون
جعلنا الله منهم.
وللتوبة في حياة صاحبها من الفوائد والخيرات والبركات الظاهرة والباطنة والمحسوسة والمعقولة على مستوى نفسه، وبدنه، وعافيته، وعقله، ودينه، وعلمه، وماله، وعمله، وحركته كلها، وعلى مستوى ذريته، وعلى مستوى أهله، وعلى مستوى أمره كله في حياته ومماته وآخرته مالا يعلمه ولا يحيط به إلا الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق