السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2011-12-02

بلسم الروح ومرهم الجروح التّــوبة النصوح( خطبة جمعة)

  بلسم الروح ومرهم الجروح  التّــوبة النصوح
 
خطبة الجمعة:

أمّا بعد: فاتَّقوا اللهَ ـ أيها المسلمونَ ـ في الموارِدِ والمصادِر، فتقوَاه خيرُ ما أعِدَّ لليومِ الآخِر، والمتّقِي هوَ المنتصِر والظَّافِر، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا.أيّها المسلِمونَ، المؤمِنُ ليسَ مَعصُومًا من الخطيئةِ، ولَيسَ في منأى عنِ الهَفوة، وليس في مَعزِلٍ عن الوقوعِ في الذنبِ، فعن أبي هريرة رضيَ الله عنه قال: قال رسول الهدى :(والّذِي نفسِي بيَدِهِ، لَو لم تذنِبُوا لذَهَب الله بكم، ولَجَاءَ بقومٍ يذنِبون، فيستغفِرون اللهَ فيغفِر لهم).وعَن أنسٍ رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله :(كلُّ بَني آدَمَ خطّاء، وخَيرُ الخطّائينَ التَّوَّابون).وكم مِن مُذنبٍ طالَ أَرَقُه واشتَدَّ قَلَقُه وعَظُم كمَده واكتَوَى كَبِدُه، يَلفُّه قَتارُ المعصِيَة، وتعتَصِره كآبَة الخطيئَة، يلتمِس نَسيمَ رجاءٍ، ويَبحَث عَن إشراقةِ أمَل، ويَتَطلَّع إلى صُبحٍ قريبٍ يُشرِق بنورِ التّوبةِ والاستقامةِ والهِدايةِ والإنابةِ؛ ليذهَبَ معها اليأسُ والقُنوط، وتنجلِي بها سحائِبُ التّعاسَة والخوفِ والهلَع والتشرُّد والضَّياع. وإنَّ الشعورَ بِوَطأةِ الخطيئةِ والإحساسَ بآلامِ الجريرةِ والتوجُّع للعَثرةِ والنّدمَ على سالِف المعصيةِ والتأسُّفَ على التفريط والاعترافَ بالذّنبِ هو سبيلُ التصحيحِ والمراجعةِ وطريقُ العودَة والأوبَة.وأمّا رُكنُ التوبةِ الأعظَم وشَرطُها المقدَّم فهو الإِقلاعُ عن المعصيةِ والنّزوعُ عن الخَطيئةِ، ولا توبةَ إلا بفِعلِ المأمورِ واجتِناب المحظور والتخلُّصِ من المظالم وإِبراءِ الذمّةِ مِن حقوق الآخَرين. ومَن شاء لنفسِه الخَيرَ العَظيم فَليُدلِف إلى بابِ التوبَةِ وطريقِ الإيمان، وليتَخلَّص من كلِّ غَدرَة، وليُقلِع عن كلِّ فَجرَة، فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ ،وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.يَستوجِبُ العفوَ الفتى إذا اعترَف…ثم انتهَى عمّا أتاه واقترَف لقولِه سبحانه في المعتَرِف: إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ.أيّها المسلمون، التّوبةُ خضوعٌ وانكِسَار وتذلُّل واستِغفارٌ واستِقَالَة واعتِذارٌ وابتِعَاد عن دواعِي المعصيَةِ ونوازِع الشرِّ ومجَالس الفِتنة وسُبُل الفسادِ وأصحابِ السّوءِ وقرَناء الهوَى ومُثيراتِ الشرِّ في النفوس. التَّوبةُ صفحةٌ بيضاءُ وصفاءٌ ونقَاء وخشيَة وإشفاقٌ وبُكاء وتَضرُّع ونداء وسؤالٌ ودُعاء وخَوفٌ وحَياء. التوبةُ خَجَل ووَجل ورُجوع ونُزوع وإِنابةٌ وتَدارُك، نجاةٌ مِن كلّ غَمّ، وجُنَّةٌ من كلّ مَعرَّةٍ وهمّ، وظفَرٌ بكلِّ مطلوبٍ، وسلامةٌ من كلّ مَرهوب، بابُها مفتوحٌ وخَيرُها ممنوح مَا لم تغرغِرِ الروح، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسول الهدى :(لو أخطَأتم حتى تبلُغ خطاياكم السّماءَ ثم تُبتُم لتابَ الله عَليكم) ، وعَن أبي ذرّ رضي الله عنه عن رسولِ الله :(قالَ الله تعالى: يا عبادِي، إنكم تخطِئون باللَّيل والنّهار وأنا أغفِر الذّنوبَ جميعًا فاستغفِروني أغفِر لكم) ، وعَن أنَس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله يقول:(قال الله تعالى: يَا ابنَ آدَم، إنّك ما دَعوتَني ورَجَوتَني غَفَرتُ لكَ عَلَى مَا كَان مِنك ولا أُبالي. يَا ابنَ آدَم، لو بلغَت ذنوبُك عَنانَ السماءِ ثم استغفرتَني غفرتُ لك. يا ابنَ آدم، إنَّك لو أتَيتَني بقرابِ الأرض خطايَا ثم لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقرابها مَغفرةً) وعند مسلم:(مَن تقرَّبَ منّي شِبرًا تقرّبتُ مِنه ذِراعًا، ومَن تقرَّب منّي ذِراعًا تقرَّبتُ منه بَاعًا، ومن أتاني يمشِي أتيتُه هَروَلةً، ومَن لقيَني بقُرابِ الأرضِ خَطيئةً لا يُشرِك بي شيئًا لقِيتُه بمثلِها مغفرة).فيا له من فضلٍ عظيمٍ وعطاء جَسيم من ربٍّ كريم وخَالقٍ رَحيم، أكرَمَنا بعفوِه، وغَشَّانا بحِلمِه ومَغفِرتِه، وجلَّلنا بسِترِه، وفَتَح لنا بابَ توبَته. يعفو ويصفَح ويتلطَّف ويسمَح وبتوبةِ عبدِه يفرَح، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ "، "يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ "، وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ "، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا "(يَبسُط يدَه باللَّيلِ لِيتوبَ مُسيءُ النّهارِ، ويَبسُط يدَه بالنّهار ليَتوبَ مسيء اللّيلِ، حتى تَطلعَ الشّمسُ من مغربها).فأكثِروا منَ التوبةِ والاستغفار، فقَد كانَ رسولُ الله يُكثِر من التّوبةِ والاستِغفَار، قال أبو هريرةَ رضي الله عنه: ما رَأَيتُ أكثرَ استِغفارًا من رسولِ الله "، يقولُ ـ بأبي هوَ وأمّي ـ صلواتُ الله وسلامه عليه:(واللهِ، إني لأستغفِر اللهَ وأتوب إليه في اليومِ أكثَرَ من سبعينَ مرّة)) أخرجه البخاريّ، وعَن الأغرّ بن يسارٍ المزني رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله :(يا أيّها النّاس، توبوا إلى اللهِ واستغفِروه، فإني أتوبُ في اليَومِ مائةَ مرّةٍ) مسلم أيّها المسلِمون، هذِه التوبةُ قد شُرِعت أبوابُها وحَلَّ زمانها وإِبّانها ونزَل أوانُها، فاقطَعوا حبائلَ التَّسويف، وهُبّوا مِن نَومَةِ الرّدى، وامحوا سوابِقَ العِصيان بلواحِقِ الإحسان، وحاذِرُوا غوائلَ الشيطانِ، ولا تغترّوا بعيشٍ ناعِم خضِلٍ لا يدوم، وبصِّروا أنفسَكم بفواجِعِ الدّنيا ودَوَاهِمِ الدَّهر وهَوازِمه وتقلُّب ليالِيهِ وأيّامه، وتوبوا إلى الله عَزّ وجلّ من فاحِشاتِ المحارِم وفادِحات الجرائم ووَرطةِ الإصرار، توبوا على الفَورِ، وأحدِثوا توبَةً لكلّ الذنوب التي وقَعَت، وتوبوا من المعاصِي ولو تكرَّرَت، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ يقول:(إنَّ عبدًا أصَابَ ذنبًا فقال: ربِّ، أذنَبتُ ذنبًا فاغفِر لي، فقال ربُّه: أعلِمَ عبدي أنّ لَه ربًّا يغفِر الذنبَ ويأخُذ بهِ؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكَثَ ما شاء الله، ثم أصَاب ذنبًا فقالَ: ربِّ، أذنبتُ آخرَ فاغفِره، فقال: أعلِم عبدِي أنّ له ربًّا يغفِر الذنبَ ويأخذ بهِ؟ غفرتُ لعبدِي، ثم مَكثَ ما شاءَ الله، ثم أذنبَ ذنبًا فقال: ربِّ، أَذنبتُ آخرَ فاغفِره لي، فقال: أَعلِمَ عبدي أنّ له ربًّا يغفِر الذنبَ ويأخذ بِه؟ غفرتُ لعبدي) متفق عليه، وعن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله :(مَا مِن عبدٍ يذنِب ذنبًا ثمّ يتوَضّأ ثم يصلّي ركعتين ثم يستَغفِر اللهَ لذلك الذنبِ إلاَّ غفَر الله له).يَا عبدَ الله، لا تَكن ممّن قال: أَستغفِر الله بلِسانِه وقلبُه مُصِرٌّ على المعصيةِ وهو دائبٌ على المخالَفة، ليُقارِن الاستغفارَ باللّسان موافقةُ الجَنان وإصلاحُ الجوارِحِ والأركَان، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ".أيّها المسلِمون، توبوا من قَريبٍ، وبادِروا ما دُمتُم في زمنِ الإنظَار، وسارِعوا قبلَ أن لاَ تُقالَ العِثار، فالعُمر مُنهدِم والدَّهر مُنصرِم، وكلُّ حيّ غايتُه الفَوتُ، وكلّ نَفسٍ ذائقةُ المَوت، ومَن حضَره الموتُ وصَارَ في حينِ اليأسِ وحالِ المعاينةِ والسَّوقِ وغَمرَةِ النَّزعِ والشّرَق والغُصَص والسّكَرات لم تُقبَل منهُ توبةٌ ولم تنفَعه أَوبة، وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا "، وعَن عبدِ الله بن عمَر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله :(إنّ اللهَ عزّ وجَلّ يقبَل توبة العبدِ مَا لم يغرغِر).فيا عبدَ الله،قدِّم لنفسِك توبةً مرجوَّة…قبلَ المماتِ وقبل حَبسِ الألسُن بادِر بها غَلقَ النّفوس فإنَّها…ذُخرٌ وغُنم للمُنيب المحسِنِ ]أيّها المسلمون، إلى مَن يلجَأ المذنِبون؟! وعَلى مَن يعوِّل المقَصِّرون؟! وإلى أيِّ مَهرَب يهربون؟! والمرجِع إلى الله يومَ المعَادِ، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ "، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ " فأقبِلوا على الله بِتوبةٍ نَصوح وإنابةٍ صادقة وقُلوبٍ منكَسِرة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.أقول ما تَسمعون، وأَستغفِر الله لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين من كلِّ ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
 الخطبة الثانية : الحمدُ لله على إِحسانِه، والشّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِهِ، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شَريكَ لَه تعظيمًا لشأنِه، وأَشهَد أنّ نبيَّنا وسيّدنا محمَّدًا عبده ورسولُه الداعِي إلى رضوانِه، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأَصحابه وإخوانِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيَا أيّها المسلِمون، اتّقوا اللهَ وراقِبوه، وأطيعوه ولا تَعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " أيّها المسلِمون، ليكن يومكم بدايةَ مولدكم وانطلاقةَ رجوعكم إشراقَ صبحكم وتباشير فجركم وأساسَ توبتكم، ومن لم يتب الآن فمتى يتوب؟! ومن لم يرجعِ اليوم فمتى يؤوب؟!يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ". الدعاء
بقلم عبد النور خبابة    المسجد العتيق غيلاسة

هناك 8 تعليقات:

  1. ماشاء الله عليك استاد عبد النور كل يوم نفحات وهمسات تروي العطشى لسماع كلام رب العزة ونبيه الكريم جزاك الله خير

    ردحذف
  2. بارك الله فيك اخي الكريم على مرورك الجميل لك خالص تحياتي عزيزي

    ردحذف
  3. ولك مني كل التحية ولتقدير أخي الطيب العالم المعلم

    ردحذف
  4. إن اعليت أنا من قدري كثيرا فما انا إلا طالب علم مقصر جدا كل الود اخي الغالي شكرا لك

    ردحذف
  5. زادك الله علماً وتواضعاً أخي عبد النور

    ردحذف
  6. هدا من تواضعك الظاهر من صورتك الجميلة حفظك الله ورعاك ونفعنا بقلمك الدي اقسم به وانت عملت به

    ردحذف
  7. وإياك أختي نجوى رزقنا الله وإياكم التواضع وعلمنا ونفعنا بعلمنا وجعل قليل علمنا حجة لنا لا علينا تحياتي لكما

    ردحذف
  8. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف