السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2020-07-06

أثر الإخلاص في نفس الداعية

موضوع عن الإخلاص - سطور
إنَّ الإخلاص هو أساس قبول جميع الأعمال، وهو بمنزلة الروح للجسد، فبوجوده يصلح العمل ويحيى، وبفواته يفسد العمل ويضمحل


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله المخلص الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه بعض آثار الإخلاص في نفس الداعية: المطلب الأول: 
أثر الإخلاص في قلب الداعية: 
القلب هو ملك الأعضاء، وبصلاحه يصلح الجسد كله؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «...ألا وإنَّ في الجسد مُضغةً، إذا صلحت صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب» ، وأعظم سبب لصلاح هذه المضغة هو الإخلاص؛ فإنَّ الإخلاص هو أساس قبول جميع الأعمال، وهو بمنزلة الروح للجسد، فبوجوده يصلح العمل ويحيى، وبفواته يفسد العمل ويضمحل، وعندما يقوم الداعية بتحقيق الإخلاص في قلبه، فإنه سيجد آثارًا جليلة وأنوارًا في قلبه تحرق جميع الشهوات والشبهات التي قد تطرَّق على باب القلوب كحب المدح والثناء، أو الرياء والسمعة، أو التأثر بأهل الباطل وكلامهم وشبهاتهم، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن كلمة الإخلاص - لا إله إلا الله -: "اعلَم أنَّ أشعة لا إله إلا الله تبدِّد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوَّة ذلك الشعاع وضَعفه، فلها نور، وتفاوت أهلها في ذلك النور - قوة وضعفًا - لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدُّرِّي، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسِّراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف، ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بإيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار، بحسب ما هو في قلوبهم من نور هذه الكلمة علمًا وعملًا ومعرفةً وحالًا، وكُلَّما عظم نور الكلمة واشتد، أحرق من الشُّبهات والشَّهوات بحسب قُوَّته وشِدَّته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنبًا، إلا أحرَقه، وهذا حال الصادق في توحيده الذي لم يشرك بالله شيئًا، فأي ذنب أو شهوة أو شبهة دنت من هذا النور أحرقها، فسماء إيمانه قد حُرِسَت بالنجوم من كل سارق لحسناته، فلا ينال منها السارق إلا على غِرَّةٍ وغفلة لا بد منها للبشر، فإذا استيقظ وعلم ما سرق منه استنقذه من سارقه، أو حصَّل أضعافه بكسبه، فهو هكذا أبدًا مع لصوص الجن والإنس، ليس كمن فتح لهم خزانته، وَوَلَّى الباب ظهره". 
 فهكذا يكون أثر الإخلاص في قلب من حَقَّقَه، والداعية ينبغي عليه أن يجتهد في تحقيق إخلاصه لربه، فإذا قام بدعوة الناس لزم أن يكون المحرِّك له في قلبه للقيام بهذا العمل هو الوصول إلى ما يحبه الله ويرضاه، وامتثال أمره، ونشر دينه، وليس رضا الناس، أو نيل محبتهم ومدحهم، أو الحصول على شهرة وأتباع، أو غير ذلك من الإرادات المفسدة للعمل.
 ومن الأمور المهمة في هذا المقام: أن يُعلَم بأنَّ صلاح القلب لا يمكن تحقيقه إلَّا إذا كانت الجوارح كافَّةً مُنقادةٌ لصلاحه، فهما أمران متلازمان، فلا يمكن أن يكون القلب صالحًا والجوارح فاسدة، ولا يمكن أن تكون الجوارح صالحة والقلب فاسد، فإن القلب وإن كان صالحًا، فقد يسري فساد الجوارح عليه فيفسده، وكذلك الجوارح وإن كانت صالحة فقد يستولي فساد القلب عليها، فَمَثَلُ من صلح قلبه وفسدت جوارحه، كمن لديه إخلاص في عمله، ولكنه يطلق العنان لجوارحه في الحرام، وَمَثَلُ من صلحت جوارحه وفسد قلبه، كمثل من يكف جوارحه عن الحرام بقصد فاسد، كإظهار نفسه للناس بأنه صاحب تقوى وليس خوفًا من الله، ويُمكن أن يُستَدَل على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبحَ ابنُ آدمَ؛ فإنَّ الأعضاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ للِّسان، فتقول: اتّقِ اللهَ فينا؛ فإنَّما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا» ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَستَقيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَستَقيمَ قلبُهُ، ولا يَستَقيمُ قلبُهُ حتى يَستَقيمَ لسانُهُ، ولا يَستَقيمُ لسانُهُ ولا يدخلُ رجلٌ الجنةَ من لا يَأمن جارُهُ بَوَائِقَهُ» .
 فالذي ينبغي للداعية أن يجمع في نفسه بين إخلاص وصلاح قلبه، وبين صلاح أعضائه وجوارحه، وحينها يتحقق عنده شرطَا قبول الأعمال، وهما: الإخلاص لله، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ويفوز بالقلب السليم. المطلب الثاني:
 أثر الإخلاص في عبادات الداعية: الداعية يُمَثِّلُ قدوةً أساسيةً للناس من حوله، ومن أهم الأمور التي يقوم الداعية بتصحيحها للناس: عباداتهم من صلاة وزكاة وصيام وذِكر، وغير ذلك، فكان من المهم جدًّا أن يكون الداعية قائمًا أتمَّ القيام بهذه الشعائر والواجبات، حتى يكون قدوةً صالحةً للناس، وأعظم سبب يعين على القيام بالعبادات بإتقان وإحسان هو الإخلاص لله فيها، فعندما يُخلِص الداعية، سيكون هناك الأثر الكبير في صلاح عباداته وبالتالي اقتداء الناس به. 
 فإنَّ الإخلاص يؤدِّي بالمخلِص إلى أن يجتهد في القيام بالعبادات التي أمر الله بها بإحسان؛ وذلك أنَّ المخلِص دائم المراقبة لربه، مجتهدًا في فعل ما يرضي الله تعالى ابتغاء وجهه؛ لأنه علم علما يقينِيًّا أنَّ النافع والضار هو الله، وأنَّ الخير كله من الله وحده لا شريك له، فلا يلتفت إلى أحد سواه بطلب محمدة، أو هربًا من مذمَّة، فهو كمن قال الله تعالى فيه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، وأولو الألباب هم "أهل العقول الزكيَّة الذكيَّة؛ فهم الذين يُؤثِرونَ الأعلى على الأدنى، فيُؤثِرونَ العلم على الجهل، وطاعة الله على مخالفته؛ لأنَّ لهم عقولًا تُرشِدُهم للنظر في العواقب، بخلاف من لا لبَّ له ولا عقل، فإنه يتَّخذ إلهه هواه"
 ومن أهم آثار الإخلاص على العبادات: 
أنه سبب لدوامها؛ لأنَّ المخلِص يعمل قاصدًا ما عند الله، فهو مستمرٌّ في طاعة ربه ومولاه، راجيًا ما عند الله من الأجر والثواب، أمَّا من عمل للناس، فإنه بمجرَّد أن ينقطع عنه ما كان يرجوه منهم، سرعان ما يضمحل العمل وينقطع، وقد سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال: (أَدوَمُها وإن قلَّ)
 المطلب الثالث: أثر الإخلاص في معاملات الداعية: لا شك أنَّ الداعية ينبغي أن تكون علاقته بالناس وثيقة، وتكون معاملاته معهم بالأخلاق الحسنة التي أمر بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، قال القرطبي رحمه الله عند تفسيره للآية: "فينبغي للإنسان أن يكون قولُه للناس ليِّنًا ووجهُه مُنبَسِطًا طَلْقًا مع البَرِّ والفاجر، والسُّنِّي والمبتدع، من غير مُداهَنَة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظنُّ أنه يَرضى مذهبَه؛ لأنَّ الله تعالى قال لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44]، فالقائل ليس بأفضلَ من موسى وهارون، والفاجرُ ليس بأخبثَ من فرعون، وقد أمرَهما الله تعالى باللِّين معه"، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما شيءٌ أَثقَلُ في ميزان المؤمنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حَسَن، فإنَّ اللهَ لَيُبغِضُ الفاحشَ البذيء»،
وإنَّ من أعظم ما يعين على التحلِّي بالأخلاق الحسنة:
الإخلاص لله في معاملة خَلقه، والإحسان إلى الناس بقصد التقرب إلى الله وطلبًا لثوابه؛ قال الله سبحانه وتعالى عن الأبرار: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } [الإنسان: 8، 9]؛ أي: "لا جزاءً ماليًّا، ولا ثناءً قوليًّا"، فإنَّ المخلِص لله في معاملة الخَلق إنما هو يحسِن إليهم ويُجَمِّلُ أخلاقه معهم طلبًا لِمَا عند الله من الخير، فهو مداوم على هذه الصفات القويمة بسبب ما عنده من الإخلاص، وأمَّا من كان يُحسِّنُ تعامله مع الخَلق طمعًا للوصول إلى مصلحته المرجوَّة منهم، دون النظر إلى ما عند الله من الثواب، فإنَّ هذا الخُلُق لا يكاد يدوم وقتًا طويلًا؛ بسبب سوء القصد، فلا يبرح صاحبه إلا أن تنكشف حقيقته للناس. فمن أهم آثار الإخلاص على معاملات الداعية: أنه مستمرٌّ في العطاء، والابتسامة، والكلمة الطَّيبة، وهذا من أسباب محبة الناس له، فتصبح كلمته ذات قيمةٍ عند الناس، وسببًا في قبول دعوته إن شاء الله. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق