السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2014-01-11

ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة




الابتلاء في الدّنيا                     بقلم: عبد النور خبابة

أيها المسلمون:شر ما منيت به النفوس يأسٌ يميت القلوب، وقنوطٌ تظلم به الدنيا وتتحطم معه الآمال.إن في هذه الدنيا مصائب ورزايا ومحناً وبلايا، آلامٌ تضيق بها النفوس، ومزعجاتٌ تورث الخوف والجزع. كم ترى من شاكٍ، وكم تسمع من لوامٍ. يشكو علة وسقماً، أو حاجة وفقراً. متبرمٌ من زوجه وولده، لوامٌ لأهله وعشيرته. ترى من كسدت تجارته وبارت صناعته، وآخر قد ضاع جهده ولم يدرك مرامه.إن من العجائب أيها المؤمنون: أن ترى أشباه الرجال قد أتخمت بطونها شبعاً ورياً، وترى أولي عزمٍ ينامون على الطوى" إن فيها من يتعاظم ويتعالى حتى يتطاول على مقام الربوبية والألوهية، وفيها من يستشهدون دفاعاً عن الحق وأهل الحق.تلك هي الدنيا، تضحك وتبكي، وتجمع وتشتت. شدةٌ ورخاءٌ، وسراءٌ وضراءٌ. دار غرور لمن اغترَّ بها، وهي عبرةٌ لمن اعتبر بها. إنها دار صدقٍ لمن صدقها، وميدان عملٍ لمن عمل فيها: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور "تتنوع فيها الابتلاءات وألوان الفتن، ويبتلى أهلها بالمتضادات والمتباينات: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ".ولكن إذا استحكمت الأزمات، وترادفت الضوائق، فلا مخرج إلا بالإيمان بالله، والتوكل عليه، وحسن الصبر. ذلك هو النور العاصم من التخبط، وهو الدرع الواقي من اليأس والقنوط.إن من آمن بالله، وعرف حقيقة دنياه، وطَّن نفسه على احتمال المكاره وواجه الأعباء مهما ثقلت، وحسن ظنه بربه، وأمَّل فيه جميل العواقب وكريم العوائد. كل ذلك بقلبٍ لا تشوبه ريبةٌ، ونفسٍ لا تزعزعها كربةٌ، مستيقناً أن بوادر الصفو لا بد آتيةٌ: وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ".إن أثقال الحياة وشواغلها لا يطيق حملها الضعاف المهازيل. لا ينهض بأعبائها إلا العمالقة الصبَّارون أولو العزم من الناس. أصحاب الهمم العالية.(أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على حسب دينه) حديثٌ أخرجه الترمذي وغيره، وقال الترمذي حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.وأخرج أحمد وأبو يعلى في مسنديهما والطبراني في الكبير والأوسط من معاجمه عن رسول الله قال:(إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده أو ماله أو ولده ثم صبر على ذلك، حتى يبلغ المنزلة التي سبقت له من الله عزَّ وجلَّ).أيها المؤمنون: كم من محنة في طيها منحٌ ورحماتٌ. هاهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام يضرب المثل في الرضا عن مولاه والصبر على ما يلقاه صبراً جميلاً، بعده صبرٌ أجمل مع الأخذ بالأسباب والقوة في الأمل يقول لأبنائه في حاله الأولى: بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون "ثم يقول في الحال الثاني وهو أعظم أملاً، وبربه أكثر تعلقاً بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميلٌ عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم،
".كل ذلك من هذا الشيخ الكبير صاحب القلب الوجيع ثم يقول: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم ن الله ما لا تعلمون ".ويقينه وقوة رجائه أن أمر أبناءه: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ".إن المؤمن الواثق لا يفقد صفاء العقيدة ونور الإيمان، وإن هو فقد من صافيات الدنيا ما فقد.أما الإنسان الجزوع فإن له من سوء الطبع ما ينفره من الصبر، ويضيِّق عليه مسالك الفرج إذا نزلت به نازلةٌ أو حلت به كارثةٌ، ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وتعجَّل في الخروج متعلقاً بما لا يضرُّه ولا ينفعه.إن ضعف اليقين عند هؤلاء يصدهم عن الحق ويضلهم عن الجادة، فيخضعون ويذلون لغير ربِّ الأرباب ومسبِّب الأسباب، يتملقون العبيد ويتقلبون في أنواع الملق ويكيلون من المديح والثناء ما يعلمون من أنفسهم أنهم فيه كذَبةٌ أفَّاكون، بل قد يرقى بهم تملقهم المقيت أن يطعنوا في الآخرين ويقعوا في البرآء من المسلمين. إن أي مخلوق مهما بلغ من عزٍّ أو منزلة فلن يستطيع قطع رزقٍ، أو ردَّ مقدورٍ، أو انتقاصاً من أجلٍ:" الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ".وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعاً:(إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمَّهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا تردُّه كراهية كاره، وإن الله بحكمته جعل الروح والفرح في الرضى واليقين، وجعل الهمَّ والحزن في الشك والسخط).إن من فقد الثقة بربه اضطربت نفسه، وساء ظنه، وكثرت همومه، وضاقت عليه المسالك، وعجز عن تحمُّل الشدائد، فلا ينظر إلا إلى مستقبل أسود، ولا يترقب إلا الأمل المظلم.أيها الإخوة في الله: هذه هي حال الدنيا، وذلك هو مسلك الفريقين، فعلام الطمع والهلع؟ ولماذا الضجر والجزع؟!.أيها المسلم: لا تتعلق بما لا يمكن الوصول إليه، ولا تحتقر من أظهر الله فضلك عليه، واستيقن أن الله هو العالم بشؤون خلقه، يعزُّ من يشاء ويذلُّ من يشاء. يخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، هو أغنى وأقنى، وهو أضحك وأبكى، وهو أمات وأحيا.إن المؤمن لا تُبطره نعمةٌ، ولا تُجزعه شدةٌ.(إن أمر المؤمن كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ولا يكون ذلك إلا لمؤمنٍ)، بهذا صحَّ الخبر عن المصطفى .فاتقوا الله يرحمكم الله واصبروا، واثبتوا، وأمِّلوا، واكلفوا من العمل ما تطيقون، ولا تطغينَّكم الصحة والثراء، والعزة والرخاء، ولا تضعفنَّكم الأحداث والشدائد ففرج الله آتٍ ورحمتُه قريبٌ من المحسنين.اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى. وأحسن اللهم عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل
له من بعده وهو العزيز الحكيم يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم
من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله جعل لكل شيءٍ قدراً، وأحاط بكل شيءٍ خبراً، أحمده سبحانه وأشكره، فنعمه علينا تترى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله خُص بالمعجزات الكبرى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد:فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا(أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط)(وإذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشرَّ أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة). بهذا جاءت الأخبار عن المصطفى المختار .الابتلاءات في هذه الدنيا مكفراتٌ للذنوب، حاطةٌ للخطايا، تقتضي معرفتها الإنابة إلى الله، والإعراض عن خلقه. وهي رحمةٌ وهدى وصلواتٌ من المولى الكريم: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون فاتقوا الله ربكم وأحسنوا الظنَّ به، وأمِّلوا فيما عنده، واعملوا صالحاً، ثم صلوا وسلموا على البشير النذير.
أيها المسلمون،لنسرح بخيالنا مع الرعيل الأول،وكيف كانوا مع الرسول،وكيف عرف أولئك أن يأخذوا الإيمان والخلق والعبادة من نبيهم ومن هديه،فارتقوا في درجات سلم العبودية،فوصلوا إلى ما وصلوا إليه قال عروة بن مسعود:يا قوم،والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك،فما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا،والله ما يحدّون النظر إليه تعظيمًا له،وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فيدلك بها وجهه وصدره،وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.وها هم يرحلون في طلب حديثه وذكره وكلامه الشهور الطويلة من أجل تجديد العهد بحديثه وجرسه في أسماعهم وصداه في قلوبهم.نعم،لقد شهد أولئك النفر والصحب الكرام حق الشهادة أن محمدًا رسول الله،فأحبوه صدق المحبة،كان الرجل منهم ما إن يخلو بأهله فيذكر أنه قد يفترق عن حبيبه ورسوله في الآخرة حتى يُرى أثر ذلك في وجهه،فتصيبه الهموم والأحزان قالت عائشة رضي الله عنها:جاء رجل إلى رسول الله فقال:يا رسول الله،إنك لأحب إليّ من نفسي وأحب إليّ من أهلي وأحب إليّ من ولدي،وإني لأكون في البيت فأذكُركَ فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك،وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين،وإن دخلتُ الجنة خشيت أن لا أراك،فلم يَرُدّ عليه النبي حتى نزل قوله تعالى:"وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا"وما فرح الصحابة فرحًا مثل فرحهم عندما جاء ذلك الأعرابي فقال:يا رسول الله،الرجل يحب القوم ولمّا يلحق بهم،قال عليه الصلاة والسلام(المرء مع من أحب)قال أنس:فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر.نعم،بمثل هذا كان يحدّث الرجل منهم نفسه،وذلك لتمام المحبة لهذا النبي،كان الواحد منهم يحدث نفسه:هذه مجالسنا معه في الدنيا،فهل ـ يا ترى ـ نكون معه في الجنة؟!رُئي الإمام أحمد رحمه الله في المنام بعد موته،فسُئل عن حاله فقال:"لولا هذا النبي الكريم لكنا مجوسًا"وكان أيوب السختياني وهو من كبار التابعين يبكي كثيرًا ويقول:"لولا هذا النبي لكنا كفارًا"وقد كان ثابت البُناني إذا رأى أنس أخذ يده فقبلها،ويقول:"يدٌ مست يد رسول الله "لقد كان حب النبي في قلوب الأمة حبًا عظيمًا،لقد كان حبًا لأمره ونهيه،لقد كان حبًا شرعيًا،وصل بهم إلى أعلى درجات الإيمان.ليس الصحابة والتابعون فحسب هم الذين أحبوا النبي فلقد أحبه كل شيء بالمدينة،الجذع الذي يخطب النبي عليه،يحنّ إلى حديثه شوقًا،ويظل يُسمع له حنينًا في المسجد وبكاء،فينزل إليه رسول الله ويُسكته كما يُسكت الإنسان طفله.ثم هذا جبل أحد،يصعده النبي عليه الصلاة والسلام ومعه ثلة من أصحابه،فيرجف بهم فيقول:(اثبت أحد)ثم يقول:(هذا جبل يحبنا ونحبه).أنا وأنت بعيدون عن مثل هذه المشاعر والأحاسيس،إنه ـ والله ـ الحرمان.إن هذا الذي أدركه الصحابة وأدركه التابعون تجاه النبي جهله مع كل أسف عوام الناس وخواصهم في هذه الأيام،فأصبحوا لا يعرفون قدر عظيمِ المنّة عليهم بمبعث رسول الله وفضله على آحادهم وأفرادهم،وأنهم به قد أُخرجوا من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى،ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الكفر إلى الإيمان،ومن النار إلى الجنة،"فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور 
وصلّ الله وسلّم على سيدنا محمد عليه أفضل التّسليم والحمد لله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق