السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2013-05-13

لغة الصّمت من يفهمها ؟




"إن الرجل يظلّ كبيراً في عيني حتى إذا تكلم ظهرت حقيقته"

عمر بن الخطاب رضي الله عنه



 كثير منا يظنّ أن الكلمات وحدها هي التي تُظهر نقاط قوته، وتحدد معالم شخصيته، ولا ندرك أن هناك مهارة أكثر سحراً وتأثيراً اسمها (الصمت)!.

 إن الصمت فضيلة وله في النفوس رهبة وإجلال..
 والمرء الذي يؤدّب لسانه كي لا ينطلق مثرثراً، ويلجمه بحنكة وذكاء؛ لهو امرؤ قد فعل الكثير في سبيل امتلاكه القوة.
 فكم من كلمة ألقاها صاحبها في غفلة من عقله ذهبت بماله أو سمعته.. وربما برأسه بعيداً!.
 يُحكى أن لويس الرابع عشر حينما كان شاباً يافعاً، كان يتباهى بقدرته على الحديث والكلام والجدال؛ لكنه حينما تولى مقاليد الحكم صار أقلّ كلاماً؛ بل لقد كان صمته أحد أهم أسلحته ومنبعاً من منابع قوّته؛ فمما يروى أن وزراءه كانوا يمضون الساعات في مناقشة القضايا الهامة ويجلسون لاختيار رجلين منهما لعرضها على الملك لويس الرابع عشر، وكانوا يمضون وقتاً غير قليل في اختيار من سيرفع الأمر إلى الملك، وعن الوقت المناسب لهذا الأمر، وبعد أن ينتهوا من النقاش يذهب الشخصان اللذان تم اختيارهما إلى الملك ويقومان بعرض الأمر عليه بالتفصيل والخيارات المطروحة، ولويس يتابعهم في صمت مهيب، تغلب عليه روح الغموض.

 وبعد أن يعرضا أمرهما ويطلبا رأي الملك، لا يزيد على أن ينظر إليهما ويقول بهدوء "سوف أرى" ثم يذهب عنهما. ولا يسمع أحد من الوزراء كلاماً حول ما تمّ عرضه؛ بل فقط تأتيهم النتائج والقرارات التي أمضاها الملك. ولقد كان لصمت لويس الرابع عشر أثر بالغ في إبقاء من حوله في حالة ترقّب دائم لردود أفعاله، وهو ما ترجمه سان سيمون فيما بعد بقوله "لم يكن أحد يعرف مثله كيف يبيع كلماته، وابتساماته، وحتى نظراته.. كان كل شيء فيه نفيساً؛ لأنه خلق فوارق، ولقد اتسعت جلالته من ندرة كلماته".

 في كتابه "كيف تمتلك مقاليد القوة" يؤكد روبرت جرين أن البشر آلات تفسير وتوضيح، ولديهم شعور قوي بحتمية معرفة ما تفكّر به، وأنه كلما كانت كلماتك قليلة ومركّزة؛ فإنك سوف تغلق من أمامهم أبواب كثيرة للتفسير والتحليل، وستجعلهم يتهيّبونك بشكل كبير.

 ولعلك قد تعارضني يا صديقي بحجة أن الكلام وسيلة تواصل وتعارف، وأننا يجب أن نكون أكثر تفاعلاً مع المجتمع الذي نعيش فيه، وأن الغموض قد ينفّر من حولنا الآخرين بحجة أننا متكبرون لا نودّ الحديث معهم.

 وهذا صحيح في حالة الصمت المطبق المستفزّ؛ لكنني هاهنا أخبرك ببساطة بمعلومة في غاية الأهمية وهي:

الكلمات التي تخرج من الفم لا يتم إرجاعها، والقول الذي تطلق سراحه لا يمكنك ا
الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر معاذ بن جبل رضي الله عنه بأن أخطر الأشياء التي تلقي بالناس في سعير جهنم هو ما يخرجه المرء من بين شفتيه، ويجري به لسانه.

  الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول "تكلموا تُعرفوا؛ فإن المرء مخبوءٌ تحت لسانه؛ فإذا تكلّم ظهر"؛ فكأنه يوضح لي ولك بأن معالم شخصية المرء منا تتشكل في ذهن الآخر حسب ما يسمعه من كلامنا؛ وذلك لأن كلامك بطبيعة الحال هو تعبير عما يجول بنفسك.

 فإذا ما استطعنا السيطرة على اللسان، والتحكّم فيما يخرج منه، وإغلاقه تماماً إذا ما تشكّكنا في فيما قد يأتي به من نتائج، سنكون قد فعلنا الشيء الكثير.
 وهناك أوقات يكون فيها الصمت هو الخيار المثالي، وإطباق الفم هو الحل الأمثل، منها:

 الغضب: تزيد نسبة زلل المرء عند الكلام عندما يكون غاضب أو حانق؛ فالغضب حالة من الجنون، وأخطر ما فيه أن كلامنا وقتها يُحسب علينا، وقد يكون حجة تقام علينا وتديننا. وكظم الغيظ أمر بالغ الصعوبة؛ لكنه يتأتي بالتعوّد وتمرين النفس واحتساب الأجر، رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصحك أن "لا تغضب ولك الجنة"، أضف إلى ذلك أن الشخص الذي يقيد غضبه ويروّضه شخص يحوز على إعجاب الناس وتقديرهم؛ فضلاً عن الأجر المرتجى من رب الناس.
 الاستهزاء والسخرية: تقول حكمة العرب "لا تجادل الأحمق فيخطئ الناس في التفريق بينكما"؛ حينما يتجه النقاش إلى وضع ساخر متهكم؛ فإن عدم التمادي والوقوف هو أفضل ما يمكنك فعله، لا ترد السخرية بسخرية مماثلة أو التهكم باستهزاء، ولكن استدعِ قوة حلمك وصمتك وفكر فيما يقال، وفيما ستجنيه من السكوت عن الرد والتمادي في هذا الحديث.

 استكشاف المحيط: سواء كنت في عملك أو بيتك أو في رحلة ما، ستحتاج في أوقات كثيرة أن تصمت، وتخرج الكلمات ببخل شديد، كي يتسنى لك معرفة ما الذي يدور، وتقرير ما يجب عليك فعله.

 "صن توزو" الفيلسوف الصيني يخبرنا في مرحلة التفاوض مع شخص ما أنه كلما طال صمتنا سارع الآخر بتحريك شفاهه وأسنانه؛ مما يكشف لك بشكل أوضح عن نواياه وماذا يريد.

  وقد يعدّ الصمت  دليل ضعف واستكانة، وقد يغرّ الطرف الآخر بالتمادي والتطاول، والأمر يجب أن يخضع لتقديرك.. إنني أطالبك بالصمت في مواقف لن يرفعك فيها الكلام قيد أنملة؛ بل قد تدان به، أما إذا كان الموقف موقف أخذ وردّ، ونقد وتوضيح؛ فيكون كلامك الهادئ هو المطلوب.

 إن ما أودّ الذهاب إليه حقاً هو إلجام اللسان عن فضول الكلام، وجعل العقل رقيباً دائماً عليه؛ فيفكر قبل أن يقول، ويزن الأمور قبل أن يدلي بدلوه.

الصمت القاتل

لا تنزعج عندما أخبرك أن هناك أوقاتاً يكون فيها الصمت سيئة وخطأ..!
لا حيرة في ذلك إن ما أريده هو الاتزان، وأي جنوح عن تطبيق قواعد الحياة قد يأتي بتأثير عكسي؛ فهل من الحكمة مثلاً أن نصمت حينما يتطلب الأمر تقديم شكر أو مواساة.

 هل من اللائق السكوت وعدم التعبير عن مشاعر الحب والتقدير والامتنان.. هل يصحّ الصمت عند مواجهة اتهام يحتاج إلى إبراز حجة، وتفنيد مزاعم.

 بالطبع لا.. إننا نتكلم إذا ما أخبرنا العقل أن الكلام مرجوّ هاهنا ونصمت إذا ما تطلّب الأمر الاحتماء خلف ابتسامة دافئة مبهمة.

هناك تعليق واحد:

  1. كلااااااااااااام جدا راااائع وجميل,,
    بس فعلا أنا أغلب أوقاتي في صمت مطبق فلو جئنا لكي نرى في ماذا يدور حديث أصدقائي من حولي فهي عمن حولنا لذلك أظل صامته ولا أشاركهن الحديث,, ولهذا أنا في نظر الكثيييييييير مغروره وربما معقدة,, نعم استاء من هذا التفكير لكن لست مستائه من عدم حديثني عن الناس!!

    ردحذف