السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-04-25

يا نفس توبي التوبة شعار الصالحين


إن دأب الصالحين والأولياء والمقربين من عباد الله أن قلوبهم يقظة وجلة بتوفيق الله، قد شعشع الإيمان في صدورهم، فدومًا يستشعرون الخوف من الله ويستحضرون خشيته ومراقبته، وأنهم إلى ربهم صائرون وإليه سوف يحشرون، قد استحضرت قلوبهم ذكر الله وأمور الآخرة، واستجابوا لأمر ربهم تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البَقَرَة: 203].
فدومًا ترى المؤمنين من عباد الرحمن يلومون أنفسهم ويحاسبونها، ثم يرجعون إلى ربهم بقلوب منكسرة خاشعة، قد امتلأت رهبة وخشية.
قال الله عز وجل: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ *مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ *} [ق: 32-33]. أي: رجاع إلى الله في جميع الأوقات، بذكره والاستعانة به، وحبه وخوفه ورجائه.
إنه قلب أناب إلى الله وأقبل على كتابه فزاده الله هداية ونورا وعلما وبصيرة، ويسّر الله له الوصول إليه، فإن الله هو الموفق للإيمان والتوبة {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}[الرّعد: 27].
والإنابة والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين، كحال نبي الله أيوب عليه السلام ، قال سبحانه: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص: 44].
والإنابة تعني الرجوع إلى الله وانصراف دواعي القلب إليه، وتتضمن محبة الله وخشيته، والخضوع له والإعراض عمّا سواه.
وقد امتدح الله تبارك وتعالى خليله إبراهيم عليه السلام فقال عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ *}[هُود: 75]. أي: سريع الفيئة إلى الله وإلى مرضاته، رجاع إلى الحق وإلى الفضيلة حيثما كان وفي كل حين، ومتضرع إلى الله في جميع الأوقات.
ولك أن تتخيل إبراهيم الخليل عليه السلام حتى وهو يؤدي طاعة ربه فإنه أيضًا يتوب إلى الله مخافة التقصير، لعلمه بأن الله هو التواب الرحيم، جاء ذلك في قوله: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *}[البَقَرَة: 128].
وهذا موسى عليه السلام تشرفت نفسه، واشتاقت إلى رؤية الله، وهو الأمر الذي لا يكون، ولا يطيقه بشر في هذه الأرض، حتى الجبل الأصم الغليظ لم يثبت، وانهال كالرمل مدكوكًا قد ساخت قمته رهبة من الله، حينها خرَّ موسى صَعِقا، وبعد الإفاقة ما كان منه إلا أن: استغفر، وثاب إلى نفسه منزهًا ومعظمًا لربه عما لا يليق، ولما صدر منه، من السؤال الذي دافعه الحب والمودة لربه، معلنًا التوبة، وأنه عليه السلام في طليعة المؤمنين بتعظيم ربهم وإجلاله، تجلى ذلك في قوله جل في علاه: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعرَاف: 143].
نعم هذا هو طريق المتقين، وزاد المؤمنين المخلصين، فإنهم يلازمون التوبة في كل حين، وعلى أي حال حتى أصبحت لهم شعارًا ودثارًا.
إنه أدب جميل، وخوف عظيم، يوم يطلب المتقون التوبة من ربهم حتى وهم متلبسون بالطاعة، منفذون لأوامره.
وهو دليل خشية الله وتعظيمه، وطهارة القلب من العُجب، والخوف من التقصير الذي يعد عند هؤلاء من الذنوب التي تحطُّ بالنفس وتبعدها عن الله.
فليست التوبة محصورة في العصاة، بل حتى المؤمنين... والتائب لابد له من تجديد الإيمان، والتوبة في كل وقت وحال، وفي جميع مراحل العمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن التوبة: "هي مقام يستصحبه العبد من أول ما يدخل إلى آخر عمره ولا بد منه لجميع الخلق، فجميع الخلق عليهم أن يتوبوا وأن يستديموا التوبة". إنها النفوس العظيمة .. فعند التقصير تتوب، وإذا خشيت التقصير أيضًا سألت الله التوبة والغفران.
قال ابن القيم رحمه الله: "التوبة من أفضل مقامات السالكين؛ لأنها أول المنازل، وأوسطها وآخرها، فلا يفارقها العبد أبدًا، ولا يزال فيها إلى الممات".
يعيش العبد مع التقوى، وإذا ألمَّت به وساوس الشيطان، تذكر فعاد إلى الرحمن.
حيث يتذكر عقاب الله وجزاءه، ووعده ووعيده، فيتوب وينيب، ويستعيذ بالله، ويرجع إليه من قريب.
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ *}[الأعرَاف: 201].
قال مجاهـد رحمه الله: "هـو الرجـل يهمّ بالذنب فيذكر الله فيدعه".
وقال مقاتل رحمه الله: "إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر، وعرف أنه معصية، فأبصر فنزع عن مخالفة الله".
وإن كانت الوقاية والسلامة من الذنوب والآثام خير من طلب التوبة؛ لأن العبد ربما لا يوفق للتوبة، أو ربما لا تقبل منه، كما أن السلامة من الذنب أيسر من التوبة والندامة.
قال الحسن البصري رحمه الله: «يَا ابْنَ آدَمَ، تَرْكُ الْخَطِيئَةِ أَيْسَرُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق