السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2011-07-05

استقلال الجزائر ...

استقلال الجزائر ...

يحتفل الجزائريون اليوم بمرور 49 سنة عن تاريخ إعلان استقلال بلادهم العام 1962، وفي العام المقبل سيكون الاحتفال بمناسبة مرور نصف القرن عن الاستقلال، أي باليوبيل الذهبي الذي يؤرخ لأهم حدث صنع حياة قرابة 25 مليون جزائري، ولدوا بعد ذلك التاريخ. فكيف ننظر نحن ـ جيل الاستقلال ـ الى انجازات الدولة خلال نصف قرن؟ وهل بقيت أسئلة عالقة في الأذهان عن حقيقة الاستقلال السياسي وحدوده؟
  • أمجاد الثورة وألحان الاستقلال
  • شب جيل الاستقلال في السنوات الأولى على أمجاد الثورة، بطولات الشهداء والمجاهدين وألحان الحرية. وبدا لنا الزعماء والقادة رموزا ترقى الى مصاف الأولياء والصالحين في الأنا الثقافي للناس، وزادت انجازات الدولة بُعيد الاستقلال الى وطنية  الثورة التحريرية أبعادا أخرى، ليس أقلها العدالة الاجتماعية، التعليم والصحة  للجميع، وانجازات الاقتصاد في البنى القاعدية والمنشآت، وحسن توزيع ريع المحروقات من خلال الأسعار عند الاستهلاك، وتحمل الخزينة الجزء الأكبر من التحويلات الاجتماعية. وعلق بالأذهان أيضا الحضور القوي للدولة، وخطب الرئيس الراحل هواري بومدين، التي لم تكد تخلو من قرارات ذات طابع اجتماعي. وجاءت الثورات الثلاث: الزراعية، الثقافية والصناعية محملة بقيم الاشتراكية، لتضع الحجر الأساسي لجزائر قوية، كان يمكن أن تكون كذلك لو استمر المسعى في إطار وطني حقيقي.
  • ولكن في نفس الوقت، شهد جيل الاستقلال التفافا حول مبدأ الاستقلال نفسه، عندما ألغي التعليم الأصلي لصالح المدرسة الأساسية المشبعة بقيم الغرب، ووضعت اللغة الوطنية على الرف لصالح الفرنسية، وضيق على الرأي، لتصبح الممارسة السياسية حكرا على الحزب الحاكم، الذي تحول بدوره الى جهاز اداري يدير دولة كاملة.
  • وكنتيجة لذلك، صودر الرأي الحر، وهمش العلماء، وحيل دون تشكل نخبة مستقلة وفاعلة، وألحق المثقفون بجهاز الحزب، وبقي البعض منهم خارج المشاركة السياسية.
  • هو مشهد سرعان ما أثر سلبا على توازن الدولة، التي باتت هشة ومعرضة في أية لحظة للاهتزاز، حالما تتوفر الشروط الاجتماعية لذلك، وبالفعل اهتزت الدولة وكادت أن تنهار 30 سنة بعد الاستقلال، بمجرد أن فتح المجال للتعددية الحزبية وحرية الرأي، لأن الفرصة كانت مواتية للتعبير عن الرفض واليأس اللذين تشكلا داخل معارضة غير معلنة.
  • الخيار السهل: استثمار الريع
  • وفي الفترة ذاتها، شهد الاقتصاد الوطني عهدين اثنين: الأول سادت فيه قيم الاشتراكية، حيث ظل السكان جميعا سواسية كأسنان المشط، وعلا صوت الوطنية الاقتصادية مدعوما بحضور ديبلوماسي للدولة وسط تجمعات عدم الانحياز، السبعة والسبعين، الأمم المتحدة والعالم الثالث، وحقق النمو الاقتصادي علامات متقدمة في كل من الفلاحة والصناعة، واحتفظت العملة الوطنية بقيمة جيدة.
  • ولكن عهد العدالة والنمو الصناعي الآخذ في الصعود سرعان ما ولى، تحت ضغط عهد جديد، لم يتم فيه توريث ثقافة الحكم الجيد والمناسب لفترة الاستقلال، حيث تم تمييع النموذج المتبع في النمو، وفكك نسيج المؤسسات الوطنية، واختلطت على جيل الاستقلال أولويات التنمية بين القطاعات المختلفة، وتم اللجوء للخيار السهل: الاستثمار في المحروقات، وتمتين متغير الريع في تعريف معادلة النمو، والحصيلة تقدم في صناعة وتكنولوجيا الاستخراج في قطاعي النفط والغاز، وكذا البحث والتطوير المتصل بهما، وفي المقابل: تراجع في الانتاج الصناعي من مساهمة في الناتج الوطني الخام من 25 بالمئة الى 5 بالمئة ، تراجع في الانتاج الفلاحي مما حول البلاد في فترة من الفترات الى أول دولة مستوردة للحبوب في العالم، تراجع في حركة التصدير خارج المحروقات الى مستوى لا يزيد عن 1.8 مليار دولار، بعد قرابة نصف قرن من الاستقلال (تصدر تركيا من المنتجات الصناعية 107 مليار دولار بعد 8 سنوات من التحول الديمقراطي، وفي ذات الفترة، أي بين 2002 و2010، تضاعف انتاجها الداخلي الخام من 180 مليار دولار الى 750 مليار دولار، أي بزيادة مئوية قدرها 300 بالمائة) وفي تصريح أخير لوزير الصناعة، بداية الأسبوع، أفاد بتراجع عدد الشركات الجزائرية المصدرة من 280 الى 40 شركة منذ الثمانينات، أي خلال العهد الثاني من اقتصاد البلاد.
  • التربية والتعليم وجودة الحياة
  • ليس عيبا أن نرى أنفسنا في مرآة الحقيقة، لنكتشف بأن بلادنا بعد 49 سنة من استقلالها لا تنتج سيارة واحدة، وتلجأ للاستيراد لتأمين حاجتها من الغذاء والدواء ومسحوق الحليب وحديد البناء والاسمنت والتجهيزات والآلات والدراسات، وشرائح الهواتف المحمولة والانتاج التلفزيوني، ودمى الأطفال ودراجات الشباب، وفوق ذلك تستورد خبرات التكوين في التعليم بكل أطواره.
  • وليس عيبا أن نقول بأن بلادنا تحتل الرتبة 146 ـ عالميا ـ في مؤشر جودة الحياة، والرتبة 136 في مؤشر جودة مناخ الاستثمار، والرتبة 86 في مؤشر التنافسية، والرتبة 105 في مؤشر الحكم الصالح، والرتبة 6993  ـ أحسن جامعة جزائرية ـ في ترتيب الجامعات عبر العالم. وفي بلادنا يلامس مؤشر الفقر ـ حسب الأرقام الرسمية ـ نسبة 6 بالمئة، ومن مصادر أخرى 23 بالمائة، ومؤشر البطالة نسبة 10 بالمئة، ومن مصادر أخرى 40 بالمائة، ويلامس مؤشر الانتحار معدل 12 محاولة انتحار في اليوم. وفي بلادنا عجزٌ في سوق السكن قدره مليون شقة، وعجز في سوق الشغل قدره 1.7 مليون منصب، وعجز في ميزانية الدولة قدره 16 مليار دولار، أو 10 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، حسب تصريح أخير لوزير المالية.
  • من السهل جدا أن نجد لكل هذه الاخفاقات مبررات، ليس أقلها قيمة التزايد الديمغرافي، وتضاعف الطلب الداخلي، وآثار العشرية الحمراء، ولكنها مبررات تشبه مشاجب القسم، الذي يعلق عليها التلاميذ معاطفهم عند الشتاء، في حين أن الحقيقة تنام في مكان آخر، أي في نمط إدارة الدولة ونوعية الرجال الذين عليهم أمانة وضع السياسات ومتابعتها. وكل عام والجزائر وأهلها بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق